w WÝ—UL*«Ë »UD)« wMOD KHë lL²−*«

œbFð
UłËe«
w WÝ—UL*«Ë »UD)«
wMODKH« lL²−*«
qF« uЫ ÂU¼— W¦ŠU³« ∫œ«bŽ≈
2012 WOBA« ‰«uŠô√ U¹UC w …«ËULK qLF« WM' ∫—«b
≈
˙Â˘È‡ ÈÈÈÚ· ÔÂÈÂÂ˘Ï ‰ÏÂÚÙ‰ „ÚÂ
The Working Group For Equality
In Personal Status Issues
‫تعدد‬
‫الزوجات‬
‫اخلطاب واملمارسة في‬
‫املجتمع الفلسطيني‬
‫إعداد‪ :‬الباحثة رهام ابو العسل‬
‫مرافقة اكادميية‪ :‬د‪ .‬ايزيس نصير‬
‫إصدار‪ :‬جلنة العمل للمساواة في قضايا أالحوال الشخصية‬
‫حقوق الطبع محفوظة‬
‫تشرين أول ‪2012‬‬
‫جلنة العمل للمساواة في قضايا أالحوال الشخصية‬
‫ص‪.‬ب‪ ،313 .‬الناصرة ‪16000‬‬
‫بريد الكتروني‪[email protected] :‬‬
‫فاكس‪04-6553781 :‬‬
‫هاتف ‪04-6462138 :‬‬
‫‪www.pstatus.org‬‬
‫حترير لغوي‪ :‬رؤى ترجمة ونشر‬
‫تصميم وانتاج‪ :‬اندرجراوند ستوديو‬
‫حترير‪ :‬هبة يزبك‬
‫كلمة افتتاحية‪:‬‬
‫تعمل جلنة العمل للمساواة في قضايا األحوال الشخصية منذ عام ‪ 1995‬على مجابهة التحدّ يات‬
‫التي تواجهها النساء الفلسطين ّيات في كل ما يتع ّلق بقضايا األحوال الشخصية‪ ،‬وعلى مواجهة‬
‫التمييز احلاصل بحقّ املرأة‪ ،‬بشكل عام‪ .‬ومن هنا فإنّ عمل اللجنة واسع ومتف ّرع ما بني العمل‬
‫واملجتمعي واملبادرة إلى رفع وضعية النساء في قضايا األحوال الشخصية على األجندة‬
‫القانوني‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫العامة‪.‬‬
‫يأتي هذا البحث ليس ّلط الضوء على ظاهرة تعدّ د الزوجات‪ ،‬كجزء من عملنا ومجهودنا الدؤوب‬
‫ّ‬
‫حملاولة فهم الواقع والتع ّمق في مس ّببات وجتليات الظاهرة ّ‬
‫لنتمكن من خالله من‬
‫املبطنة والعلنية‪،‬‬
‫اجتماعي يضمن‬
‫بناء برامج عمل وتطوير آل ّيات مهنية ملواجهة الظاهرة‪ ،‬سع ًيا إلى إحداث تغيير‬
‫ّ‬
‫النهوض مبكانة املرأة ويكون مبن ًّيا على أساس املساواة بني اجلنسني‪ ،‬وخال ًيا من املمارسات املجحفة‬
‫صارخ بحقّ‬
‫بحق النساء‪ ،‬فنحنُ نرى أنّ تعدّ د الزوجات هي ظاهرة خطرة‪ ،‬تنطوي على إجحاف‬
‫ٍ‬
‫َ‬
‫العمل مبسؤولية تامة ملكافحة هذه‬
‫مس مباشر بكرامتهنّ ‪ ،‬وهو أمر يتط ّلب منّا جمي ًعا‬
‫النساء وعلى ّ‬
‫خصوصا أنّ مخاطرها تهدّ د مجتمعنا‪ ،‬أسره ونسا َءه‪.‬‬
‫الظاهرة ومواجهتها‪،‬‬
‫ً‬
‫ملحة الستمرارية‬
‫إنّ إصدار بحث يتناول ظاهرة تعدّ د الزوجات في مجتمعنا الفلسطيني بات حاجة ّ‬
‫عملنا في احلقل وحتى يتسنّى لنا فهم الظاهرة وتركيباتها على املستويات املختلفة‪ .‬يأتي هذا البحث‬
‫الستجالء منابت الظاهرة ومس ّبباتها والوقوف عند جتارب النساء والرجال من خاللها‪ ،‬ولتوضيح‬
‫مواقف املجتمع جتاهها‪ .‬وبذلك يكون هذا البحث مبثابة مرآة تعكس واقع النساء الصعب في منظومة‬
‫تعدّ د الزوجات‪ ،‬وتبرز التبعات االجتماعية‪ ،‬النفسية واالقتصادية الواقعة على املرأة والعائلة عمو ًما‬
‫من ج ّراء العيش في ّ‬
‫ظل هذه املنظومة وما يرافقها من مواقف مجتمع ّية مب ّررة لها‪.‬‬
‫لقد تط ّلب إصدار بحث بهذا العمق واحلجم تكاتف العديد من اجلهود الداعمة‪ ،‬وهنا نتقدّ م‬
‫بالشكر للباحثة رهام ابو العسل على اجلهد الرائع والعمل املهني واجلا ّد إلجناز هذا البحث ‪ ،‬كما نشكر‬
‫الدكتورة إيزيس نصير‪ ،‬احملاضرة في جامعة دينيسون‪ ،‬الواليات املتحدة‪ ،‬ملرافقتها األكادمي ّية للبحث‬
‫في ّ‬
‫أيضا شكرنا لصندوق هاينرخ بل على متويله البحث‪.‬‬
‫كل مراحله‪ .‬ونقدّ م ً‬
‫‪3‬‬
‫هذا البحث لم يكن ليصدر ويتح ّقق لوال موافقة النساء والرجال على املشاركة فيه‪ ،‬ولوال الثقة‬
‫التامة التي أبدوها جمي ًعا‪ ،‬ونشكرهنّ ‪/‬م جميع ًا إلعطائنا فرصة الدخول إلى عاملهنّ ‪/‬م‪ ،‬وإلى‬
‫اخلاص‪ ،‬وإتاحة املجال لنا ملشاركتهنّ ‪/‬م تفاصيل حياتهنّ ‪/‬م العائل ّية والزوج ّية‪.‬‬
‫ح ّيزهنّ ‪/‬م‬
‫ّ‬
‫كما نو ّد أن نشكر عضوات جلنة العمل للمساواة في قضايا األحوال الشخصية على مرافقة البحث‬
‫ونخص بالشكر هنا السيدة عايدة توما سليمان‪ ،‬السيدة عرين هواري‪ ،‬واحملامية بانه‬
‫ومتابعته‪،‬‬
‫ّ‬
‫شغري بدارنة‪ ،‬على االهتمام ومراجعة البحث وتقدمي املالحظات املثرية‪.‬‬
‫ومهني‪ ،‬لكل العامالت‪/‬ين مع النساء‬
‫بحثي‪ ،‬تثقيفي‬
‫نأمل أن يكون هذا العمل مبثابة مرجع‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫الفلسطيني عال ًيا‪.‬‬
‫واملهت ّمات‪/‬ين برفع مكانة املرأة والنهوض مبجتمعنا‬
‫ّ‬
‫هبه يزبك‬
‫ّ‬
‫مركزة جلنة العمل للمساواة في قضايا األحوال الشخصية‬
‫‪4‬‬
‫شكر‬
‫أقدّ م شكري اجلزيل للمشرفة األكادمي ّية د‪ .‬إيزيس نصير على مرافقتها األكادمي ّية املخلصة‬
‫وإنسان ّيتها العالية‪.‬‬
‫كما أوجه شكري ّ‬
‫لكل من‪:‬‬
‫عضوات جلنة العمل للمساواة في قضايا األحوال الشخصية على إضاءاتهنّ امله ّمة خالل سير البحث‪،‬‬
‫وأخص الس ّيدة راوية لوسيا‪-‬شماس‪ ،‬والسيدة عرين هواري‪ ،‬والس ّيدة هبة يزبك لتط ّوعهنّ في‬
‫ّ‬
‫توجيه املجموعات البؤرية‪ .‬كما اتقدم بالشكر للمحامية بانه شغري ‪ -‬بدارنة ملراجعتها الدقيقة‬
‫ومالحظاتها املثرية‪ ،‬واحملامية راوية ابو ربيعة ملتابعة البحث وقرائته العميقة‪.‬‬
‫جميع الزمالء والزميالت العاملني والعامالت في احلقل الذين قاموا بتعريفي على مشاركني ومشاركات‬
‫وأخص الس ّيد شاكر ابن بري‪ ،‬مركز‬
‫للبحث‪ ،‬سواء أكان للمقابالت الفردية أو للمجموعات البؤرية‪،‬‬
‫ّ‬
‫خصص من وقته وجهده الكثير لتقدمي هذه‬
‫الشبيبة في قسم املعارف – مجلس تل السبع ‪ -‬الذي ّ‬
‫املساعدة‪.‬‬
‫كما أتقدّ م بالشكر ّ‬
‫لكل من ساعد‪/‬ت في تعريفنا على النساء والرجال الذين ّ‬
‫متت مقابلتهنّ ‪/‬م‪،‬‬
‫وأخص ك ًال من‪ :‬احملامية إنصاف أبو شارب ‪ -‬منتدى “م ًعا”‪ ،‬النقب‪ ،‬على املساعدة في الوصول إلى‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫نساء النقب ومقابلتهنّ ؛ العاملة االجتماعية إلهام عودة إغبارية ‪ -‬مركزة مشروع ترميم األحياء في‬
‫البلدة القدمية – الناصرة؛ عبير صالح – ناشطة جماهيرية؛ وحسن الصانع ‪ّ -‬‬
‫مركزة مشروع القيادة‬
‫الشابة في جمعية نساء اللقية‪ ،‬على مساهمتهن في تنسيق املجموعات البؤرية‪.‬‬
‫املسجلة وتدوينها‪ :‬مرمي بصول‪ ،‬شفا إسماعيل‪ ،‬ورامة صالح‪.‬‬
‫العامالت في تفريغ املقابالت‬
‫ّ‬
‫الطالبة كولني كوث في جامعة دينيسون ‪ -‬الواليات املتّحدة‪ ،‬على املسح الذي أجرته لقسم من‬
‫املراجع العلم ّية‪.‬‬
‫وأخي ًرا‪ ،‬أقدّ م جزيل الشكر جلميع املشاركات واملشاركني في البحث‪ ،‬سواء في املقابالت املع ّمقة أو‬
‫املجموعات البؤرية‪ ،‬الذين سمحوا لي باإلطالل على عواملهم‪/‬نّ ‪،‬‬
‫وقاموا‪/‬ن بإشراكي بتجاربهم‪/‬نّ‬
‫َ‬
‫بكثير من الصدق والشفافية‪ .‬إنّ استعدادهم‪/‬نّ لعرض جتاربهم‪/‬نّ الشخصية ومواقفهم‪/‬نّ ‪ ،‬جعل‬
‫ينبض باحلياة ويتش ّبع باملعاني‪.‬‬
‫هذا البحث‬
‫ُ‬
‫جميعا جزيل شكري‪.‬‬
‫لهم‪/‬نّ‬
‫ً‬
‫رهام أبو العسل‬
‫‪5‬‬
‫تـمهيد‬
‫يتناول هذا البحث قضية تعدّ د الزوجات ‪ -‬وهو ما ُيعرف في القاموس الغربي بالـ بوليجيميا‬
‫(‪ - )Polygamy‬في املجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل‪ ،‬في مختلِف املناطق اجلغرافية وفي‬
‫مختلِف شرائحه االجتماعية‪ .‬يعتمد هذا البحث منهجية البحث النوعي وأدواته‪ ،‬ويتم من خالل‬
‫إجراء مقابالت مع ّمقة مفتوحة مع أزواج وزوجات يعيشون في منظومة زوجية متعدّ دة الزوجات‪،‬‬
‫باإلضافة إلى مجموعات بؤرية لشرائح مجتمعية مختلفة يتم رصد مواقفها من هذه القضية‪.‬‬
‫لقد اقتصرت ُج ّل الدراسات التي بحثت ظاهرة تعدّ د الزوجات بني الفلسطينيني في إسرائيل‬
‫جدا‪ ،‬وتقدّ ر نسب انتشارها‬
‫على العرب البدو في منطقة النقب‪ ،‬حيث تنتشر الظاهرة بشكل معلن ًّ‬
‫راوح بني ‪ 20‬و ‪ .30%1‬وتتعامل هذه األبحاث مع العرب البدو كمجموعة انتماء منفصلة‬
‫مبا ُي ِ‬
‫عن املجتمع العربي‪ ،‬وهو األمر الناجت عن محاوالت الدولة املستمرة تقسيم األقلية الفلسطينية إلى‬
‫طوائف وجماعات وعدم االعتراف بها كأقلية قومية‪ .‬وقد تعاملت معظم هذه األبحاث مع قضية تعدّ د‬
‫الزوجات مبنظار استشراقي‪ ،‬لتعزو بذلك أسباب هذه الظاهرة إلى الثقافة البدوية السائدة ومنظومة‬
‫العادات واألعراف املُتبعة لدى البدو‪ ،‬من دون اخلوض في الواقع السياسي‪ ،‬االقتصادي واالجتماعي‬
‫وتأثيراته املركبة عليها‪ ،‬ومن دون التط ّرق إلى السياسات العنصرية املنهجية وإلى القمع املؤسساتي‬
‫ريفيات أو حضريات‪ .‬ويأتي هذا األمر كما‬
‫بدويات كنّ أو‬
‫وتأثيرها على واقع النساء الفلسطينيات‪،‬‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫يصفه سعيد (‪ )1995‬نتيجة القصور واحملدودية الناجتة عن جتاهل ثقافة أخرى وحتويلها من جوهر‬
‫خالص وتعريتها من إنسانيتها‪ .‬وفي الوقت الذي جتنّبت فيه هذه األبحاث الواقع السياسي بعنصريته‬
‫أيضا‪ ،‬بعدم دراستها وحتليلها لهذه املوضوعة من‬
‫جتاه النساء الفلسطينات‪ ،‬كما الرجال‪ ،‬مت ّيزت‪ً ،‬‬
‫منظار شمولي يركز على فهم االشتباك القائم بني عنصرية الدولة وذكورية املجتمع‪ ،‬ومن دون‬
‫التوقف عند فهم الديناميكيات املختلفة في تفاعل هذه العوامل م ًعا‪.‬‬
‫لقد أتت هذه األبحاث مبعظمها كمي ًة‪ ،‬وقد حصرت البحث في املقارنات املختلفة بني الزوجة األولى‬
‫والزوجة الثانية‪ ،‬وس ّلطت الضوء على التأثيرات النفسية التي تتعرض لها الزوجة األولى لسبب زواج‬
‫الزوج‪ ،‬مقارنة بالزوجة الثانية‪ ،‬وباعتبار الزوجة الثانية هي صاحبة املكسب‪ ،‬فتختصر القضية بذلك‬
‫في تقسيم النساء إلى فئتني‪ ،‬ويتم التركيز على الزوجة األولى كضحية مقابل الزوجة الثانية التي‬
‫تص َّور كأنها الرابحة‪ُ .‬تعرض بذلك النتائج بشكل سطحي ومبتور‪ ،‬من دون التعمق بجوانب هذه‬
‫القضية كافة‪ .‬وتركز بذلك النتائج على الزوجات اللواتي قام أزواجهنّ بالزواج مرة ثانية‪ ،‬لتتمحور في‬
‫‪ 1‬تقرير أعدّ ته أورلي لوطان من مركز البحث واملعلومات في الكنيست‪ ،‬و ُقدّ م إلى جلنة رفع مكانة املرأة‪ ،‬سنة ‪.2006‬‬
‫‪6‬‬
‫الغالب حول التأثيرات النفسية التي يعانني منها إثر تعدّ د الزوجات‪ ،‬كتدنّي التص ّور الذاتي ومعاناتهنّ‬
‫من أزمات نفسية أخرى وبحدة أعلى‪ ،‬مقارنة بالزوجات الثانيات‪ ،‬باإلضافة إلى التطرق لوضعية‬
‫األوالد والصعوبات التعليمية واالجتماعية التي يواجهونها (‪Al Krenawi, 1999, 2000,‬‬
‫‪.)2001, 2002, 2006‬‬
‫وفي حني يشهد املجتمع الفلسطيني في إسرائيل “إعادة إحياء” لهذه املمارسة في مختلف‬
‫مناطقه وشرائحه االجتماعية‪ ،‬فقد جاءت هذه الدراسة للبحث في منابتها‪ ،‬العوامل التي تولدها‬
‫يشجع تناميها أو يعيق انتشارها‪ .‬وتهدف هذه الدراسة إلى فهم‬
‫وتكرس وجودها‪ ،‬والسياق الذي ّ‬
‫الديناميكيات التي يحتويها هذا النسق من احلياة العائلية وحتليله‪ ،‬منطلقة‪ ،‬أو ًال‪ ،‬من وجهة نظر‬
‫النساء أنفسهنّ اللواتي يعشن تعدّ د الزوجات‪ ،‬ومن وجهة نظر رجال آخرين متعدّ دي الزوجات‪،‬‬
‫املجتمعي الدائر حول القضية‬
‫ورصد التأثيرات املختلفة الناجمة عنه‪ .‬وفي محاولة لفهم اخلطاب‬
‫ّ‬
‫خصص البحث ح ّيزًا محدودًا لعدد من املجموعات البؤرية من شرائح اجتماعية مختلفة‪ ،‬ويح ّلل‬
‫ُي ّ‬
‫اخلطوط العريضة للحوارات التي جرت فيها‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬فقد ّ‬
‫النوعي لكي يؤ ّمن دراسة هذه الظاهرة‬
‫مت االعتماد في هذا البحث على منهجية البحث‬
‫ّ‬
‫من خالل وجهات نظر األفراد املوجودين داخل هذه املنظومة‪ ،‬ومن خالل إجراء مقابالت مع ّمقة تفسح‬
‫املجال أمام املشاركني واملشاركات في البحث لصياغة وجهة نظرهم‪ ،‬مواقفهم وطرق تعاطيهم معها‬
‫بلغتهم‪ ،‬وكما يع ّبرون عنها هم ال كما يتم تداولها عن بعد‪ ،‬ليرصد بذلك مقوالتهم‪/‬نّ وتفسيراتهم‪/‬‬
‫نّ وأسلوبهم‪/‬نّ وطرائقهم‪/‬نّ في صياغة هذه الوضعية‪ ،‬وفي التعاطي معها‪ ،‬وليقف بالتالي عند‬
‫العوامل التي تشجع إحياءها من جديد‪ .‬بينما تتم دراسة املواقف املجتمعية جتاه هذه الظاهرة‬
‫والتفسيرات التي يوردونها لتوسع انتشارها‪ ،‬وذلك من خالل حوارات داخل مجموعات بؤرية‪.‬‬
‫يبدأ هذا البحث بتخصيص ح ّيز مركزي للنساء اللواتي يعشن في منظومة متعدّ دة الزوجات‪:‬‬
‫زوجات قام أزواجهنّ بالزواج بامرأة أخرى‪ ،‬وزوجات ثانيات قمن بالزواج برجل متزوج‪ .‬ويأتي هذا‬
‫التخصيص كجزء من محاولة كسر التوازنات القائمة املبنية على “إخراس” النساء في مجتمع‬
‫ذكوري‪ ،‬يهيمن فيه صوت الرجل باستمرار‪ ،‬وكذلك إلفساح املجال أمام الزوجات “الثانيات”‬
‫كأفراد وكمجموعة حتمل تصوراتها‪ ،‬وأسبابها ومواقفها وصياغاتها لهذه املنظومة‪ .‬إن إعطاء احل ّيز‬
‫املركزي للنساء‪،‬‬
‫أساسا‪ ،‬يأتي ليموضعهنّ في مركز البحث كذوات يع ّبرن عن أنفسهنّ ‪ ،‬وال ُيبقيهنّ‬
‫ً‬
‫كموضوعات يتم التحدث عنهنّ ‪ .‬وهو بذلك بحث ليس عن النساء بل معهنّ ‪ ،‬ويفسح املجال إلعالء‬
‫أصوات طاملا مت إخراسها‪ .‬في الوقت الذي كانت دراسة الرجال هي احملور التقليدي للقسم األعظم‬
‫خاصا سكون ًّيا وغير‬
‫من األبحاث‪ ،‬وإذ كان ُيفترض في كثير من األحيان أن املرأة تقطن مجا ًال ًّ‬
‫‪7‬‬
‫دينامي اجتماع ًّيا‪ ،‬وحتى غير متمايز‪ ،‬فإن النساء كنّ ّ‬
‫بكل بساطة غائبات (ويب‪ .)15: 2000 ،‬وقد‬
‫ناخ ُيتيح لهنّ اخلصوصية واألمان ويساعدهنّ في التعبير‬
‫مت اختيار املقابالت املع ّمقة من أجل تأمني ُم ٍ‬
‫عن أنفسهنّ بشكل أعمق وأكثر حرية‪ ،‬وذلك خلصوصية املوضوع املطروح وما يمُ كن أن يحمل بني‬
‫ط ّياته من مشاعر صعبة وحيث ّيات بالغة اخلصوصية‪ ،‬وما حتويه العالقة الزوجية من ديناميات متوترة‬
‫وموترة‪ ،‬وحيث يطفو اجلنس ّ‬
‫بكل إشكالياته كثيمة مركزية تظهر‪ ،‬أحيانًا‪ ،‬بشكل مستتر‪ ،‬وأحيانًا‬
‫أخرى بشكل صريح‪ .‬تستطيع هذه اآللية إتاحة الفرصة ّ‬
‫لكل امرأة ورجل للتوقف عند قصة حياته‪/‬‬
‫ها ‪ ،Life Histiory -‬والتوقف عند مفاصل مهمة وحاسمة في نشأته‪/‬ها‪ ،‬واملركبات التي‬
‫ساهمت في كينونته‪/‬ها‪ ،‬املعاني التي تعرف بها نظرته‪/‬ها لتعدّ د الزوجات‪.‬‬
‫وعندما يستحضر هذا البحث صوت الرجال‪ ،‬فمن املهم كذلك التأكيد على أنه ال يأتي ليخدم‬
‫األجندة الذكورية أو يرد على أصوات النساء‪ ،‬بل يأتي كاستمرار في تفكيك هذه األصوات‪ ،‬وفهم‬
‫العوامل املتعدّ دة التي يتفاعل فيها والتي ُتفضي إلى تكوين هُ ويته وأمناط ارتباطاته‪ ،‬وكذلك من‬
‫أجل التركيز على حتليل التمايز بني وجهة نظر الرجال والنساء وربطها بالتمايز القائم في األدوار‬
‫االجتماعية لكليهما‪ ،‬ولعالقات القوة القائمة بينهما‪.‬‬
‫ينطلق البحث أو ًال‪ ،‬من األخذ بعني االعتبار األمناط احلياتية املتعدّ دة التي جرى إلقاء الضوء عليها‪،‬‬
‫سواء في املقابالت املع ّمقة أم في املجموعات البؤرية‪ .‬ويأتي هذا منسج ًما مع تبنّي املنطلق الذي‬
‫ّ‬
‫يؤكد التعدّ د وفهم التجربة اإلنسانية‪ ،‬وفرادة النساء (وكذلك الرجال)‪ ،‬لتفضي هذه اإلطاللة إلى‬
‫معايشة حيوات متعدّ دة وإلى تلمس أساليب متنوعة في التعاطي مع هذه املنظومة‪ .‬وبقدر ما يحاول‬
‫هذا البحث االبتعاد عن “جوهرة املرأة” الذي ال بدّ أن ُيفضي إليه ّ‬
‫كل شكل من أشكال االندراج‬
‫في النمطية ومنطية األنساق واألدوار االجتماعية‪ ،‬بقدر ما يطمح كذلك إلى الوصول إلى ترسيم‬
‫نيوي للمعيش النسائي أو ًال‪ ،‬عبر محاوالت اختراق هذه النمطية‪ .‬فالتشديد على تن ّوع املمارسات‬
‫ُب ّ‬
‫والعمليات طريقة لتجاوز اجلوهرية والقوالب النمطية من شتى الصنوف‪ .‬لكن ويب (‪ )2002‬تشير‬
‫خصوصا‬
‫جدا‪ُ ،‬يعاد إنتاجها وحتمل سطوة اجتماعية‪،‬‬
‫إلى أنه كون النتائج النمطية نتائج صلبة ًّ‬
‫ً‬
‫حني يتعلق األمر بالتصورات الشعبية عن دور كل من الزوج والزوجة‪ّ ،‬‬
‫وكل ما يغ ّلفه املجتمع من‬
‫تصورات للزواج ولتعدّ د الزوجات‪ ،‬فال جدوى في نفي حقيقتها ّ‬
‫بكل بساطة والتطلع إلى جتاوزها‪ ،‬ألن‬
‫رفض االشتباك معها هو مبثابة جتاهل أو استهانة بسطوة القيم الثقافية السائدة التي تثبت في سائر‬
‫املجتمعات أن مقاومتها عمو ًما أصعب من استيعابها‪.‬‬
‫وثان ًيا‪ ،‬يجتهد هذا البحث في احلرص على االنتباه إلى أن االنتصار للخطاب الثقافي يجب أ ّال‬
‫يحجب الذات العائشة والقائلة والعاملة‪ ،‬فهي ُمنتِجة للثقافة كما هي نِتاج عنها‪ ،‬وهي موجودة‬
‫‪8‬‬
‫في تفاعالت دينامية تتجاوز التناقضات النمطية املنحصرة في الثنائية النمطية ‪ -‬حداثة‪/‬تقليد‪،‬‬
‫خاص‪/‬عا ّم‪ ،‬داخل‪/‬خارج‪ ،‬دين‪/‬دنيا‪ ،‬ذات فردية نشطة‪/‬ذات جمعية معطلة‪ .‬بل إن هذه العناصر‬
‫ّ‬
‫جمي ًعا تتداخل وتتشابك في حركة لولبية تشير إلى درجات وتلوينات تتطلب التظهير‪ .‬لذا فإن هذا‬
‫لتقصي احلقيقة املَعِ يشة‪ ،‬بعيدً ا ع ّما ُيقال و ُيتداول‪ .‬وال بدّ من اإلشارة‬
‫البحث يأتي مبنطلقاته تلك ّ‬
‫أساسيتي في البحث‪ ،‬ال ُيفضي‬
‫كآليتي‬
‫هنا إلى أن اعتماد املقابالت املع ّمقة واملجموعات البؤرية‬
‫نْ‬
‫نْ‬
‫لكل حاالت الزواج املتعدّ د الزوجات‪ّ ،‬‬
‫إلى اعتبار هذا البحث شام ًال ومم ِّث ًال ّ‬
‫ولكل املواقف املجتمعية‬
‫املتع ّلقه بها‪ ،‬وإنمّ ا من األجدر اعتباره مساهمة في استشراف قضية تعدّ د الزوجات مبنظار مختلف‬
‫عن السائد‪ ،‬وفي سدّ فجوة معرفية ما زالت فارغة‪.‬‬
‫أ ّما املنطلق الثالث للبحث فيأتي من اعتبار قضية تعدّ د الزوجات كسائر قضايا النساء في جوهرها‬
‫ثم جزء جوهري أصيل في قضية الوجود‬
‫قضايا إنسانية ال تنفصل عن قضايا الرجال‪ ،‬كذلك فهي من ّ‬
‫االجتماعي لإلنسان‪ ،‬في واقع تاريخي محدّ د‪ ،‬وهو الذي يحدّ د‪ ،‬عبر شروط عالقاته االجتماعية التي‬
‫هي تعبير عن شروط عالقات اإلنتاج‪ ،‬وضعية الرجل ووضعية املرأة م ًعا في نسقها االجتماعي والثقافي‬
‫والفكري (أبو زيد‪ .)85: 1999 ،‬وال شك في أن العودة مجدّ دًا إلى مناقشة تعدّ د الزوجات بشكل‬
‫خاص وقضايا النساء في العالم العربي واإلسالمي كافة‪ ،‬ال تنفصل عن من ّو الظاهرة التي يطلق عليها‬
‫ّ‬
‫أصحابها عادة اسم “الصحوة اإلسالمية”‪ ،‬بينما يسميها البعض اآلخر “اإلسالم السياسي”‪ ،‬وتس ّمى‬
‫في اإلعالم الغربي “األصولية اإلسالمية”‪ .‬وأ ًّيا كانت الصفات التي تلحق بالظاهرة في تسمياتها‬
‫املختلفة‪ ،‬فإن حضورها مركزي في إثارة األسئلة التي كنّا نظنّ جمي ًعا أن خطاب النهضة قد قدّ م‬
‫خصوصا تلك األسئلة التي تتعلق بحقوق املرأة في الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫اإلجابات احلاسمة عنها‪،‬‬
‫ً‬
‫يستدعي اخلوض في تعدّ د الزوجات في املجتمع الفلسطيني‪ ،‬اخلوض في مكانة املرأة الفلسطينية‬
‫واختراق التفاعالت العالئقية بني اجلنسني‪ّ ،‬‬
‫بكل ما حتملها من توترات وصراعات في ُبنية اجتماعية‬
‫تقوم على التمييز بني اجلنسني وعلى تأكيد الفصل بينهما مبختلف الوسائل واملؤسسات‪ .‬وعمل ًّيا‪،‬‬
‫جدا‬
‫إن الدخول في هذه القضية يعني ُولوج أكثر املناطق حظ ًرا‪ ،‬ويعني احلفر في مناطق شخصية ًّ‬
‫ومح ّملة بالكثير من املعاني‪ ،‬وباعثة لكثير من املشاعر التي طاملا اعتُبرت واحدة من “التابوهات”‬
‫في املجتمع‪ ،‬التي ال يمُ كن احلديث عنها‪ .‬فالتط ّرق إلى تعدّ د الزوجات يعني‪ ،‬في األساس‪ ،‬التط ّرق‬
‫مؤسسة الزواج ومفهوم املشاركني واملشاركات في ما يتصل بها‪ ،‬وإلى مفهوم العالقة الزوجية‬
‫إلى ّ‬
‫واجلنسانية‪ ،‬واجلنس كموضوع طاملا اعتُبر تقليد ًّيا من احملرمات‪ ،‬في حني أنه يشكل أعمق العوالم‬
‫الداخلية لكينونتنا‪ ،‬وكذلك أكثر الساحات التي تخ ّبر عن عالقات القوى السائدة بني اجلنسني‬
‫والديناميكيات القائمة في العالقات اجلنسية التي يتفاعل فيها الرجال والنساء‪ ،‬وفي أشــكال‬
‫تعاطيهم‪/‬نّ مع موضوع اجلنس كثيمة حاضرة غائبة في بعض األحيان‪ ،‬أو متخفية من وراء مقوالت‬
‫عديدة تتمظهر بأشكال مختلفة لتكشف عن نفسها كميكانيزم مهم في الهندسة االجتماعية‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫ورغم عدم وجود إحصائيات دقيقة عن نسب تعدّ د الزوجات في املجتمع العربي في إسرائيل‪ ،‬تبقى‬
‫النسب املوجودة في النقب إحصائيات تقديرية‪ ،‬غير أن ممارسة تعدّ د الزوجات آخذة في االتساع في‬
‫املجتمع الفلسطيني‪ ،‬ليس في اجلنوب‪ ،‬فقط‪ ،‬بل في املدن والبلدات العربية كافة‪ .‬وقد تبدّ ى هذا‬
‫األمر بوضوح في أثناء سير البحث‪ .‬وتعود اإلشكالية اإلحصائية إلى كون ممارسة تعدّ د الزوجات‬
‫حسب البند ‪ 176‬من القانون اجلنائي اإلسرائيلي‪ ،‬عقوبتها السجن ملدة أقصاها‬
‫مخالفة جنائية َ‬
‫خمس سنوات‪ .‬وفي حني ينتشر تعدّ د الزوجات‪ ،‬فإن عدد الزيجات املتعدّ دة الزوجات املسجلة في‬
‫دائرة السكان ال يعكس الواقع احلقيقي‪ 2.‬يقوم بذلك غالبية األزواج املتعدّ دي الزيجات من خالل‬
‫االلتفاف على القانون‪ ،‬عبر عدم تسجيل الزواج في دائرة السكان واالكتفاء بعقد زواج خارجي ُيعقد‬
‫بحضور شهود ويث ّبت في كثير من احلاالت في احملكمة الشرعية‪( 3‬أبو ربيعة‪ .)2008 ،‬ف ُيعتبر هذا‬
‫حسب القانون اإلسرائيلي كزوجني‬
‫حسب الشريعة اإلسالمية عقد زواج شرع ًّيا‪ ،‬بينما ُيع ّرف َ‬
‫العقد َ‬
‫‪4‬‬
‫يعيشان م ًعا من دون زواج‪ .‬تطبيق العقوبة غير قائم تقري ًبا‪ ،‬ويعود هذا األمر‪ ،‬أو ًال‪ ،‬إلى الثغرة‬
‫مسجل رسم ًّيا‪ .‬غير أن‬
‫القانونية في مبنى القانون‪ ،‬والتي ال تتيح املخالفة طاملا لم يظهر أنّ الزواج ّ‬
‫هذا العامل ليس الوحيد في تنفيذ القانون‪ ،‬بل يبقى العامل األكثر حس ًما في تعامل مؤسسات الدولة‬
‫وعدم قيامها بفرض القانون باعتبار تعدّ د الزوجات ممارسة تتعلق بـ”الثقافة” اخلاصة‪ ،‬والتي ال داعي‬
‫للتدخل فيها‪ .‬وبذلك يتم باسم “احلساسية الثقافية” جتاهل هذه املخالفات‪ ،‬في الوقت الذي ال جتد‬
‫هذه “احلساسية” لها مكانًا في سياسات هدم البيوت ومصادرة األراضي ّ‬
‫وكل املمارسات التعسفية‬
‫األخرى‪ ،‬التي متارسها الدولة جتاه املواطنني العرب‪.‬‬
‫إن وجود القانون اإلسرائيلي الذي مينع تعدّ د الزوجات‪ ،‬واعتبار األزواج املتعدّ دي الزيجات ُمخالفني‬
‫لهذا القانون‪ ،‬له أثر بالغ على جتاوب األفراد في هذا البحث ومشاركتهم في املقابالت املع ّمقة‪ .‬وقد‬
‫توجسوا من البحث ورفضوا املشاركة فيه أو ته ّربوا‬
‫تبدّ ى هذا األمر بحدّ ة أكبر لدى الرجال الذين ّ‬
‫بشكل غير مباشر من املشاركة‪ ،‬ممّا خلق صعوبة بالغة في الوصول إليهم‪ .‬أ ّما النساء فقد كنّ أكثر‬
‫التوجس واخلوف بقيا مالزمني لهنّ قبل املشاركة في املقابلة‪ ،‬وكذلك في أثنائها‪،‬‬
‫استجابة‪ ،‬غير أن‬
‫ّ‬
‫مما دعاهنّ إلى التأكد باستمرار من أن هُ و ّياتهنّ ستبقى في البحث مجهولة‪ .‬وهذا ما مت فع ًال‪ ،‬فقد مت‬
‫االهتمام بإبقاء املشاركني واملشاركات مجهولي‪/‬ات ال ُهوية واستبدال أسمائهم‪/‬هنّ بأسماء مستعارة‬
‫‪ُ 2‬يظهر تقرير الكنيست الذي ُقدّ م إلى جلنة رفع مكانة املرأة‪ ،‬أن املعطيات الرسمية تشير إلى عدد قليل سنو ًّيا من الزيجات املتعددة‬
‫زواجا منها مت في إسرائيل‬
‫زواجا متعدد الزوجات‪ ،‬ثمانية عشر ً‬
‫الزوجات‪ ،‬ففي سنة ‪ 2005‬على سبيل املثال‪ُ ،‬س ّجل أربع وعشرون ً‬
‫وستة زواجات خارجها‪.‬‬
‫‪ 3‬تشير أبو ربيعة في العدد اخلامس واخلمسني لعام ‪ 2008‬من مجلة عدالة اإلكترونية‪ ،‬إلى مقارنات في السنوات الواقعة ما بني‬
‫‪ 2000‬و‪ 2004‬بني احملاكم الشرعية في البالد واحملكمة الشرعية في بئر السبع‪ ،‬يظهر فيها أنه في حني منحت احملاكم الشرعية‬
‫في مناطق مختلفة من البالد تراخيص بنسب قليلة للزواج املتعدّ د الزوجات‪ ،‬وصلت نسبة التراخيص التي أصدرتها احملكمة‬
‫الشرعية في بئر السبع إلى ‪ .%66‬ومعنى ذلك أن احملكمة الشرعية في بئر السبع تعطي في غالبية احلاالت تراخيص للزواج املتعدد‬
‫الزوجات‪.‬‬
‫حسب تعريفات املؤسسات اإلسرائيلية كـ «يدوعيم بسيبور» (معروفون بني اجلمهور)‪.‬‬
‫‪ 4‬وما ُيعرف َ‬
‫‪10‬‬
‫وعدم عرض املعلومات األساسية عنهم‪/‬هنّ بشكل دقيق‪ ،‬واالستعاضة عن ذلك مبعلومات عا ّمة‪.‬‬
‫فتم االكتفاء بعرض املنطقة اجلغرافية التي يقطنونها بد ًال من أسماء البلدات واملدن‪ ،‬توخّ ًيا للحفاظ‬
‫والتوجس لم يكن مردّه اجلانب القانوني‪ ،‬فقط‪ ،‬بل يعود كذلك إلى خصوصية املوضوع‬
‫على السرية‪.‬‬
‫ّ‬
‫وما يتطلبه من كشف لتفاصيل شخصية يعتريها الكثير من القلق واإلرباك واجلاهزية لالنكشاف‬
‫وتل ّمس املشاعر وحتديدً ا بالنسبة إلى املشاركات‪ ،‬وما يرافقه من مقاربة لعوالم داخلية شائكة‬
‫يعتريها الكثير من اخلوف واأللم‪.‬‬
‫يبقى التحكم بجنسانية املرأة‪ ،‬األداة األقوى للنظام البطريركي في غالبية املجتمعات‪ .‬ويتح ّقق‬
‫هذا األمر من خالل آل ّيات معقدة من االستغالل السياسي واالقتصادي واالجتماعي‪ ،‬مبا في ذلك‬
‫اإلخضاع عن طريق اإلكراه والعنف‪ .‬لذا فإن الغوص في قضية تعدّ د الزوجات بأوساط الفلسطينيني‬
‫في دولة إسرائيل‪ ،‬يعني التطرق إلى مكانة املرأة الفلسطينية وإلى عالقات القوة القائمة بني‬
‫اجلنسني‪ ،‬وكذلك إلى عالقة املجتمع الفلسطيني‪ ،‬رجا ًال ونساء‪ ،‬بالسلطة السياسية‪ .‬في هذا السياق‬
‫املركب‪ ،‬تتعرض النساء الفلسطينيات إلى أشكال مختلفة من القمع واالضطهاد‪ ،‬وهو نِتاج لتمييز‬
‫مثلث يبدأ‪ ،‬أو ًال‪ ،‬من كونهنّ نساء يعشن في عالم ذكوري كسائر نساء العالم؛ وثان ًيا‪ ،‬من كونهنّ‬
‫يعشن في مجتمع عربي محافظ يقمع محاوالتهنّ للتحرر؛ وثال ًثا‪ ،‬لكونهنّ فلسطينيات يعشن في‬
‫دولة مت ّيز ضدّ هنّ وضدّ سائر أبناء شعبهنّ على خلفية قومية (‪ُ .)Espanioly, 1994‬تظهر‬
‫جميع املعطيات أن النساء الفلسطينيات في إسرائيل موجودات في الصفوف اخللفية وعلى هامش‬
‫احلياة السياسية واالقتصادية‪ ،‬فيتموقعن في أسفل السلم االقتصادي‪ ،‬السياسي واالجتماعي‪ .‬ورغم‬
‫التحسن الذي طرأ على وضعية النساء في بعض املجاالت‪ُ ،‬تظهر املعطيات التي يتزايد انتشارها في‬
‫ّ‬
‫السنوات األخيرة واق ًعا متر ّد ًيا للنساء الفلسطينيات في مختلف املجاالت‪.‬‬
‫لقد ع ّمم “مشروع املرأة الفلسطينية في املوازنة احلكومية”‪ 5‬في ذكرى يوم املرأة العاملي في‬
‫سنة ‪ ،2010‬إحصائيات تشير إلى أن نسبة الفقر بني النساء العربيات تصل إلى ‪ ،56.8%‬ونسبة‬
‫مشاركتهنّ في سوق العمل ال تشكل سوى ‪ ،23.2%‬وهي أقل من نصف نسبة النساء اليهوديات‬
‫املشاركات في سوق العمل‪ ،‬وأقل من نسبة مشاركة النساء العربيات في دول عربية محافظة‪ .‬ورغم‬
‫أن مجال التعليم بني اإلناث كان أكثر املجاالت التي أحرزت فيه النساء تف ّو ًقا كبي ًرا‪ ،‬فإن هذا اإلجناز‬
‫لم ُيترجم في زيادة وجودها في سوق العمل أو في املشاركة السياسية‪ ،‬ولم يستطع كذلك إحراز‬
‫تغيير جوهري في مفاهيم اجلنوسة واألدوار االجتماعية‪ ،‬مما ُيبقي غالبية النساء في تبعية اقتصادية‬
‫واجتماعية للسلطة األبوية‪.‬‬
‫‪ 5‬خبر في املوقع اإلكتروني – بانيت‪ ،‬في تاريخ ‪ 2010/3/8‬ب ُعنوان “بيان املرأة احلكومية في املوازنة احلكومية بـ ‪ 8‬آذار”‪.‬‬
‫‬
‫‪11‬‬
‫و ُتعتبر املشاركة السياسية للمرأة من أكثر املجاالت التي تعاني النساء العربيات فيها من التهميش‪.‬‬
‫فرغم الدور الوطني الذي لعبته النساء في الصراع القومي قبل النكبة وبعدها‪ ،‬فمستوى املشاركة‬
‫أي حزب عربي (أو عربي‬
‫والتمثيل السياسي للنساء بقي متد ّن ًيا‪ .‬وعلى مدار سنوات طويلة لم ي ُقم ّ‬
‫ يهودي مشترك‪ ،‬كاجلبهة الدمقراطية للسالم واملساواة واحلزب الشيوعي) بإيصال أية امرأة عربية‬‫إلى البرملان اإلسرائيلي‪ ،‬إال في االنتخابات األخيرة للكنيست عام ‪ ،2008‬حني قام حزب التج ّمع‬
‫الوطني الدميقراطي بترشيح عضوة الكنيست احلالية حنني زعبي‪ ،‬التي ُتعتبر اليوم أول نائبة عربية‬
‫في الكنيست ّ‬
‫عربي‪ .‬بينما ما زالت النائبات املنتخبات في املجالس احمللية‬
‫مت انتخابها من خالل حزب ّ‬
‫والبلديات ال يتجاوزن عدد أصابع اليد الواحدة‪ .‬وقد كانت أبو بكر (‪َ )2001‬عزَت هذا التدنّي إلى‬
‫حواجز ذاتية أخالقية عند النساء‪ ،‬تستمد جذورها من ثقافة العيب واحلرام‪ ،‬عندما يأتي احلديث عن‬
‫خروج النساء إلى احل ّيز العا ّم‪ ،‬وكذلك إلى حواجز خارجية كثيرة نابعة من الوضع السياسي لألقلية‬
‫تهتم‬
‫الفلسطينية‪ ،‬ومن احلسابات الداخلية لألحزاب املبنية على التمثيل الفئوي واملنطقية التي ّ‬
‫األحزاب باحلفاظ عليها رغم تعارضها مع أيدلولوجياتها املعلنة‪.‬‬
‫وقد كشف البحث الذي أجرته غامن (‪ )2005‬في خصوص مواقف املجتمع الفلسطيني من قضايا‬
‫املرأة‪ ،‬أن املواقف من املرأة تنقسم إلى صنفني‪ :‬مواقف حتيل إلى حقوق املرأة ومواقف حتيل إلى‬
‫احترام املرأة‪ .‬وأظهر أن احترامها ال يتناقض والرغبة في استمرار السيطرة عليها؛ فالرجل الذي‬
‫ع ّبر عن احترامه الشديد للنساء‪ ،‬أو رجل الدين الذي وضع املرأة في مكانة ُعليا كمقدسة‪ ،‬وشدّ د‬
‫على ضرورة تكرميها‪ ،‬لم يكن على استعداد لإلقرار بضرورة املساواة بني اجلنسني‪ .‬وقد أظهر البحث‬
‫أن املجتمع ُيبدي استعدادًا واس ًعا لالعتراف بحقوق املرأة العين ّية‪ ،‬مثل احلق في التعلم والعمل‬
‫واحلماية من العنف‪ ،‬كاستجابة للتغيرات املجتمعية ومتطلبات العصرنة‪ ،‬بينما ما زال غير مستعد‬
‫للقبول بهذه احلقوق بشكل جارف عبر شرطها مبجموعة من املطالب املترافقة التي تأتي‪ ،‬عمل ًّيا‪،‬‬
‫لتك ّرس النظام األبوي من خالل عدم اإلقرار بحق املرأة في حرية احلركة والسيطرة على اجلسد‬
‫وإقامة عالقات ندية مبينة على املساواة التامة مع الرجل‪ ،‬فتبقى املفاهيم األبوية املتعلقة بالسمعة‬
‫والشرف وتف ّهم تعنيف املرأة أو قتلها (في بعض احلاالت) عبارة عن بوليصات تأمني لضمان إعادة‬
‫إنتاج عالقات السيطرة بني اجلنسني‪.‬‬
‫يحلل شرابي (‪ )1993‬السيرورة التي مرت بها املجتمعات العربية في املائة عام األخيرة‪ ،‬من‬
‫جراء اصطدامها باحلضارة الغربية والتغيير الذي طرأ عليها نتيجة هذا االصطدام‪ ،‬مشي ًرا إلى‬
‫أن هذا التغيير لم يؤ ِّد إلى استبدال النظام القدمي بنظام جديد‪ ،‬بل إلى حتديث القدمي‪ ،‬فقط‪ ،‬من‬
‫دون تغييره جذر ًّيا‪ ،‬لينبثق عنه نظام أبوي مستحدث بحضارته املخضرمة التي نعيش اليوم في‬
‫ظلها‪ .‬ينتج عن هذا التصادم مجتمع ميتلك ّ‬
‫كل مظاهر احلداثة اخلارجية‪ ،‬إ ّال أنه يفتقر إلى القوة‬
‫‪12‬‬
‫والتنظيم والوعي الداخلي‪ .‬وتظهر أشد جتليات هذا النظام املستحدث في العائلة األبوية التي تتمتع‬
‫مبظاهر خارجية تبدو “حديثة”‪ ،‬إ ّال أن ُبناها الداخلية تبقى متجذرة في القيم األبوية وعالقة القربى‬
‫والعشيرة والطائفة واجلماعة العرقية‪ ،‬ليتشكل بذلك نظام ليس تقليد ًّيا باملعنى التراثي‪ ،‬كما أنه ليس‬
‫معاص ًرا في املعنى “احلداثوي”‪ ،‬بل هو خليط غير متمازج من القدمي واحلديث ومن التراثي واملعاصر‬
‫في الوقت نفسه‪ .‬و ُتعتبر مؤسسة الزواج بأشكالها املختلفة وما حتويه من تفاعالت مركبة‪ ،‬أكثر‬
‫املؤسسات االجتماعية التي تعكس هذا الواقع االجتماعي االقتصادي والثقافي للنساء الفلسطينيات‬
‫وكذلك للرجال‪ .‬فرغم أن معدل سن الزواج ارتفع بسنة ونصف خالل العقود الثالثة األخيرة لدى‬
‫الرجال والنساء (و ُيعتبر ارتفاع مستوى التعليم عام ًال مؤث ًرا في هذا االرتفاع)‪ ،‬فالزواج ّ‬
‫املبكر ما‬
‫زال منتش ًرا‪ ،‬وما زال يتم تزويج الكثير من الفتيات وهنّ دون السن القانونية للزواج (‪Saa’r,‬‬
‫‪ .)2007‬ومع اتساع التغيرات املجتمعية واشتباكها مع الكثير من العوامل االقتصادية والسياسية‪،‬‬
‫ُيعاد إدراج آلية الزواج ّ‬
‫املبكر كآلية عملية للتحكم بالعالقات بني اجلنسني وملواجهة واقع جديد لم‬
‫ي ُعد لسلطة العائلة القدرة على التحكم به‪ ،‬لسبب العوامل اخلارجية التي تتغلغل بقوة والتي ُتفقد‬
‫العائلة سيطرتها وقدرتها على إحكام تفعيل آلية الفصل بني اجلنسني‪.‬‬
‫وضمن هذا السياق يتم في أغلب األحوال إساءة استخدام الدين باعتباره أداة قوية للسيطرة‪ ،‬من‬
‫أجل شرعنة انتهاكات حقوق املرأة اإلنسانية (ايلكاركان‪ .)12 :2004،‬يعمل اخلطاب الديني كما‬
‫تشير حداد (‪ ،)2003: 47-80‬وبشكل متزايد‪ ،‬على طرح القيم اإلسالمية املتعلقة بدور النساء‬
‫أيضا‪ ،‬بكونها‬
‫فحسب‪ ،‬إمنا‪ً ،‬‬
‫واألسرة والنظام االجتماعي‪ ،‬ليس بصفتها الوصفة السماوية لإلنسانية ْ‬
‫آخر معاقل املقاومة ضدّ الفوضى الشاملة التي يغزو الغرب فيها املجتمعات العربية واإلسالمية‪،‬‬
‫وباعتبار اخلطاب الديني تعبي ًرا حضار ًّيا عن واقع جديد يرفض التبعية والهيمنة الغربية ويعتبر‬
‫أيضا‪ .‬من هذا املنطلق‬
‫فحسب‪ ،‬بل‬
‫صراعا حضار ًّيا‪ً ،‬‬
‫ً‬
‫الصراع مع الغرب ليس عسكر ًّيا أو سياس ًّيا ْ‬
‫يقوم اخلطاب الديني (كما فعل قبله اخلطاب القومي) بتحميل النساء عبء التمثيل املادي والرمزي‬
‫أساسيي‬
‫ركني‬
‫نْ‬
‫ملتغيرات وثوابت الثقافة التقليدية والعصرية‪ .‬إذ يعتبر هذا اخلطاب املرأة والعائلة نْ‬
‫في هذا اإلطار‪ ،‬وبناء على ذلك اعتُبرت املرأة حاملة احلضارة الرئيسية و”صائنة التراث” املضطلعة‬
‫بدور املعقل األخير ضدّ التغلغل األجنبي‪.‬‬
‫إن تعاظم اخلطاب الديني في املجتمع الفلسطيني حقيقة ملموسة تظهر انعكاساتها على مختلِف‬
‫اخلاصة والعا ّمة أشكا ًال عديدة‪ ،‬تنعكس في‬
‫األصعدة‪ ،‬وتتخذ العودة إلى فرض اإلسالم على احلياة‬
‫ّ‬
‫إيالء املزيد من االهتمام للممارسات الدينية‪ ،‬كالصاله وانتشار لباس احلجاب وتعزيز املمارسات‬
‫العازلة بني اجلنسني‪ ،‬وكذلك في ممارسة تعدّ د الزوجات‪ .‬يتشابك هذا اخلطاب مع حالة اإلقصاء‬
‫والتهميش السياسي واالقتصادي والثقافي الذي تعيشه األقلية الفلسطينية في دولة تعتبر وجود‬
‫‪13‬‬
‫هذه األقلية “خط ًرا دميوغراف ًّيا”‪ ،‬ومتارس سياسات عنصرية منهجية تدفعها للعيش على هامش‬
‫الدولة‪ .‬وأمام هذا العجز والتشرذم تلجأ الذات اجلريحة إلى الهروب إلى املاضي‪ ،‬إلى هُ ويتها الذاتية‬
‫األصلية‪ ،‬إلى الرجولة في صيغتها املألوفة‪ ،‬وبذلك تتم إعادة صياغة ممارسة تعدّ د الزوجات كـ “فعل‬
‫وطني” يتم إعالؤه من على املنابر‪ ،‬و ُتصبح مخالفة القانون اإلسرائيلي إعالن “مواجهة”‪ ،‬و ُتعتبر‬
‫مطالبة أحد أعضاء الكنيست املمثل عن احلركة اإلسالمية ‪ -‬الشق اجلنوبي بالسماح مبمارسة تعدّ د‬
‫‪6‬‬
‫الزوجات‪ ،‬أبلغ تعبير عن ذلك‪.‬‬
‫‪ 6‬خبر عن املوقع اإلكتروني – إيالف‪ ،‬ب ُعنوان «نائب في الكنيست اإلسرائيلي يطالب بالسماح بتعدد الزوجات» في تاريخ ‪ 9‬تشرين‬
‫الثاني ‪ .htm.189553/11/2006/http://www.elaph.com/ElaphWeb/Entertainment :2006‬حيث دعا‬
‫عضو الكنيست عباس زكور إلى تغيير القانون اإلسرائيلي والسماح بتعدّ د الزوجات‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫الفصل األول‪ :‬اخللفية النظرية‬
‫تعدّد الزوجات ‪ -‬نظرة عا ّمة‪:‬‬
‫تعود جذور املصطلح ‪ -‬تعدّ د الزيجات ‪ Polygamy -‬إلى اليونانية‪ ،‬وهو في معناه الواسع‪،‬‬
‫ُيفهم على أنه يحتوي وحدات زواج متعدّ دة ومتزامنة للفرد‪ ،‬فيكون بذلك مصطلح بولينداري ‪-‬‬
‫‪ – Polyandary‬تعدّ د األزواج ‪ -‬يعني زواج امرأة واحدة برجلني أو أكثر‪ ،‬في حني ُيستخدم‬
‫املصطلح – بوليجينيا ‪ – Polagany -‬تعدّ د الزوجات ‪ -‬عندما يقوم رجل بالزواج بامرأتني أو أكثر‪.‬‬
‫أ ّما الشكل الثالث من تعدّ د الزيجات ف ُيطلق عليه مصطلح بوليجيناندري – ‪،Polygynandry‬‬
‫ويصف سيناريو ملجموعة من الزيجات تقوم فيه امرأتان أو أكثر بالزواج برجلني أو أكثر بشكل‬
‫أيضا‪ ،‬بالبوليجميا – ‪،Polygamy‬‬
‫متزامن‪ .‬و ُتعتبر البوليجينيا – ‪ ،Polygany‬املعروفة‪ً ،‬‬
‫األكثر انتشا ًرا من بني األشكال األخرى (‪.)Valsnire, 1989‬‬
‫كانت العالقة الزوجية األولى التي انعكست بني الرجل واملرأة في الديانتني اليهودية واإلسالمية‪،‬‬
‫عالقة أحادية‪ ،‬أي أنها نسجت بني رجل واحد وامرأة واحدة‪ .‬وهي العالقة التي جاءت في العهد‬
‫القدمي بني آدم وحواء‪ .‬حيث مت تصويرها كأول عالقة إنسانية وكأول وحدة زواج بني شريكني اثنني‪.‬‬
‫لكن جذور تعدّ د الزيجات بكال نوعيه ‪ -‬الرسمي وغير الرسمي ‪ -‬تعود إلى الشيفرات الشرعية‬
‫القدمية للبشرية‪ .‬ووجودها اليوم يقوم حيثما تتواجد ظروف مع ّينة ‪ -‬اقتصادية ودينية ‪ -‬تضمن‬
‫استمراريتها‪ .‬لقد جاءت التوراة ُمبيحة تعدّ د الزوجات‪ ،‬وهناك العديد من األمثلة على ذلك في العهد‬
‫القدمي‪ ،‬مثل قصة سارة التي كانت عاق ًرا فعرضت على زوجها أن يتزوج بأ َمتها (جاريتها) هاجر‪ ،‬من‬
‫أجل أن تلد له‪ ،‬فولدت اسماعيل (‪ .)Learner, 1986: 13‬واستمرت هذه املمارسة في العصور‬
‫الوسطى إلى أن مت حترميها في القرن احلادي عشر‪ ،‬بإصدار منع من املجمع الكنَسي في أملانيا‪ ،‬سرعان‬
‫ما مت تعميمه في مختلف أنحاء أوروبا‪.‬‬
‫انبثا ًقا من جذورها اليهودية‪ ،‬عادت هذه املمارسة لتزدهر من جديد في مجتمعات مسيحية‬
‫مختلفة‪ .‬لم يأت اإلجنيل بنص يح ّرم تعدّ د الزوجات‪ ،‬لكن جاءت التشريعات الكنَسية وقرارات املجامع‬
‫لتمنعها‪ .‬وفي أوروبا ‪ -‬ورغم أن الكنيسة قامت في القرون الوسطى بوضع الشرائع التي حت ّرم تعدّ د‬
‫الزوجات ‪ُ -‬سمح ‪ -‬كما يبدو ‪ -‬في الوقت نفسه لبعض امللوك واألمراء مبمارسة تعدّ د الزوجات‪ .‬فقد‬
‫‪15‬‬
‫كان وجود رفيقات رسميات مللوك فرنسا في القرنني اخلامس عشر والسادس عشر‪ ،‬أم ًرا متب ًعا‪ .‬وواحد‬
‫من األمثلة على ذلك‪ ،‬امللك هنري الثاني‪ ،‬الذي قام باالرتباط بعشيقته املعروفة ديانا دي بيوتيري‪ ،‬في‬
‫حني كان متز ّو ًجا بكاثرين دي ميديس‪ .‬وقد كان للملك هنري وعشيقته ديانا رقم ترميزي مشترك‪،‬‬
‫حيث يحمل أول حرف من اسميهما‪ ،‬وكان يتم التوقيع على الرسائل الرسمية باسميهما م ًعا‪ .‬وكذلك‬
‫في اجنلترا‪ ،‬فقد كان للملك شارلز الثاني املتزوج بامللكة كاثرين عند وفاته عام ‪ 1685‬أربعة عشر‬
‫ولدً ا غير شرعي‪ ،‬من سبع نساء أخريات معروفات كعشيقاته‪ .‬كما لم تعترض الكنيسة عندما قام‬
‫بعض امللوك والنبالء‪ ،‬كامللك شارملان‪ ،‬باتخاذ زوجتني له‪ ،‬وكذلك فعل امللك فريديك غليوم الذي‬
‫عقد زواجه على امرأتني مبوافقة رجال الدين البروتستانت‪ .‬إلى أن قامت الكنيسة املسيحية بجميع‬
‫مذاهبها بعد ذلك‪ ،‬بإعالن قرار مينع تعدّ د الزوجات‪ ،‬حتى لو كانت الزوجة غير قادرة على اإلجناب‪،‬‬
‫فلم ت َر الكنيسة في العقم سب ًبا للطالق أو تسويغًا لتعدّ د الزوجات (العشا‪.)2004،‬‬
‫بقي بذلك فصيل انشق عن طائفة املورمون املسيحية‪ ،‬مخال ًفا هذا املنع‪ .‬فكانت قد وجدت هذه‬
‫املمارسة لها مكانًا بني جماعة من املنشقني عن طائفة املورمون املسيحية في أمريكا‪ ،‬وكما ُيشير‬
‫ألتمان وجينات (‪ )Altman & Ginat, 1996‬فإن هذه اجلماعة ُتعرف باسم كنيسة املسيح‬
‫األصلية للقديسني العصريني‪ ،‬وهي فصيل أصولي ومتطرف انشق عن كنيسة املورمون منذ القرن‬
‫التاسع عشر وأقام كنيسته عام ‪ 1830‬بقيادة جوزيف سميث‪ ،‬الزعيم الروحي لهذا الفصيل‪ ،‬الذي‬
‫ادعى نزول الوحي عليه ودعا إلى ممارسة تعدّ د الزوجات‪ ،‬وهو ما أطلق عليه مصطلح “الزواج‬
‫السماوي” كفريضة دينية‪ .‬يدّ عي أتباع هذا الفصيل اليوم‪ ،‬أنهم خلفاء ومتابعو طريق زعيمهم‬
‫الروحي‪ ،‬ويسكنون مبعظمهم غرب الواليات املتحدة‪ .‬متارس هذه اجلماعة تعدّ د الزوجات كعقيدة‬
‫دينية تتبنّى مبادئ عديدة‪ ،‬منها أن حياة العائلة املستقرة تعتمد على وجود زوج ‪ -‬أب يؤدّي دوره‬
‫في العائلة كقائد ديني واجتماعي‪ .‬تطالب هذه اجلماعة مبنحها حرية أكبر في اختيار العالقات‬
‫الزوجية‪ ،‬منع اإلجهاض‪ ،‬واملناداة بإقامة عائالت متينة الروابط ذات مبنى ديني منظم وصارم‪ ،‬يقوم‬
‫على الفصل في األدوار اجلندرية بني النساء والرجال‪ ،‬حيث متارس النساء أدوارهنّ في االعتناء باملنزل‬
‫وتربية األطفال‪ ،‬بينما يقوم الرجل بإعالة العائلة‪ .‬من جانبها‪ ،‬تعتبر هذه اجلماعة أن إجناب الكثير‬
‫من األوالد مبدأ في غاية األهمية بالنسبة إلى الرجال في هذه الطائفة‪ .‬ورغم أن تعدّ د الزوجات‬
‫ُيعتبر مخالفة قانونية‪ ،‬ورغم أن هناك أصوا ًتا داخل الكنيسة املورمونية‪ ،‬التي تضم أكثر من ‪9‬‬
‫ماليني شخص‪ ،‬تنتقد هذه املمارسة‪ ،‬ال تزال هذه اجلماعة متارس تعدّ د الزوجات‪ ،‬بادعاء أنهم خلفاء‬
‫القائد الروحي جوزيف‪ ،‬وأصحاب احلقيقة‪.‬‬
‫والواقع‪ ،‬أن ّ‬
‫وخصوصا الهندوسية والبوذية واليهودية واملسيحية واإلسالم‪ ،‬نشأت قبل‬
‫كل األديان‪،‬‬
‫ً‬
‫قرون عديدة في مجتمعات أبوية تقليدية‪ ،‬وضمن تراث اجتماعي وثقافي معينّ ‪ .‬فقد كان نظام ال ِّر ّق‬
‫‪16‬‬
‫في هذه املجتمعات‪ ،‬مث ًال‪ ،‬مقبو ًال بداهة‪ ،‬كإحدى ركائز التركيبة االجتماعية‪ ،‬كما كان استرقاق‬
‫نساء العد ّو املهزوم أم ًرا طبيع ًّيا‪ .‬يشير العشا‪ :‬أن الديانات ك ّلها تؤكد على دونية املرأة وتبع ّيتها‪،‬‬
‫وتطالبها باخلضوع للرجل وإطاعته‪ ،‬وقد ث َبتت هذه املفاهيم وما رافقها من أحكام في الكتب املقدسة‪،‬‬
‫واعتُبرت جز ًءا من الدين‪ ،‬وذلك في نظام الزواج وتعدّ د الزوجات والطالق‪ ،‬انطال ًقا من نصوص‬
‫والسنة وأحكام الفقهاء القدامى وتشريعات القوانني احلديثة واملناقشات التي سبقت أو رافقت‬
‫القرآن ُّ‬
‫وضعها وتعديالتها (العشا‪.)2004 ،‬‬
‫يع ّرف األنثروبولوج ّيون تعدّ د الزوجات – البوليجميا – ‪ ،polygamy‬بكونه “عالقة زوجية‬
‫يقيمها زوج واحد مع عدة زوجات” (‪ .)Low, 1988: 189‬هذا النوع من الزيجات قائم في‬
‫ثقافات ّ‬
‫تغطي أكثر من ‪ 850‬مجتم ًعا عبر العالم‪ ،‬في إفريقيا‪ ،‬آسيا‪ ،‬الشرق األوسط‪ ،‬شمال أمريكا‬
‫وأوقيانوسيا(‪)Altman & Ginat, 1996; Hartung, 1982; Valsiner, 1889‬‬
‫‪ .‬وفي حني أن نسبة انتشار الزواج املتعدّ د الزوجات غير معروفة‪ ،‬فإنّ هذه املمارسة مو ّثقة في‬
‫‪ 80%‬من املجتمعات عبر العالم (‪ .)Bergstrom, 1994‬وقد تصل نسبة النساء اللواتي يعشن‬
‫ضمن زواج بوليجمي إلى ‪ 50%‬في بعض املجتمعات (‪ ،)Abu lughod, 1986‬أو حتى إلى ما‬
‫يزيد عن ‪ ،)Calwell & Caldwell, 1993( 50%‬فتعدّ د الزوجات في دول صحراء إفريقيا‬
‫ُيعتبر منظومة زوجية منتشرة ومتبعة (;‪Lesthaeghe, Kaufman & Meekers, 1989‬‬
‫‪ .)van de Waalee, 2005‬وهي منظومة تبتكر نفسها من جديد في ظل تغييرات اجتماعية‬
‫خارجية‪ .‬ففي دول صحراء إفريقيا والتي تبلغ ‪ 22‬دولة (باستثناء ناميبيا) نسبة النساء املتزوجات‬
‫في األعمار ما بني ‪ 49-15‬مع زوجة أخرى (واحدة على األقل) تصل إلى ‪11.4%‬في زميبابوي‪،‬‬
‫‪ 26.5%‬في ساحل العاج‪ ،‬وتصل إلى ‪ 53%‬في غينيا‪ .‬أ ّما نسبة الرجال املتزوجني بأكثر من امرأة‬
‫فتُراوح بني ‪ 4.9%‬في زميبابوي‪ 14.1% ،‬في موزمبيق‪ ،‬وتصل إلى ‪ 36.7%‬في غينيا(‪Bove‬‬
‫‪ .)& Valeggia, 2009‬و ُيراوح عدد األشخاص الذين يعيشون في الواليات املتحدة في عائالت‬
‫متعدّ دة الزوجات ما بني ‪ 30‬و‪ 50‬ألف شخص‪.‬‬
‫‪17‬‬
‫النساء واإلسالم وتعدّد الزوجات‬
‫اجلذور التاريخية لتعدّد الزوجات في اجلزيرة العربية‪:‬‬
‫تت ّبع عدد من األنثروبولوج ّيني تطور النظام األبوي في املجتمع العربي منذ العصور السابقة لإلسالم‬
‫وحتى يومنا هذا‪ ،‬وكان وليم روبرتسون سميث من أوائل ر ّواد البحث األنثروبولوجي التاريخي في‬
‫هذا السياق في كتابه “العائلة والزواج في البالد العربية القدمية” الذي صدر قبل أكثر من قرن‪.‬‬
‫فقد أشار سميث إلى شيوع “نظام األمومة” لدى عرب جنوب اجلزيرة العربية القدماء‪ ،‬وأسس‬
‫نظريته على مجموعة من الوثائق التاريخية واملواد األثرية املتصلة بتاريخ العرب البائدة في جنوب‬
‫اجلزيرة العربية‪ ،‬التي تشير إلى أهمية املرأة وتب ُّوئها مكانة اجتماعية عالية‪ .‬وقد ذكر فلكن (‪G.A.‬‬
‫نصه “م ّر ردح من الزمان على العرب القدماء لم‬
‫‪ )Willkin‬في كتابه “األمومة عند العرب” ما ّ‬
‫حقيقي‪ ،‬وقد استند بذلك إلى شيوع زواج املشاركة الذي أدّى إلى شيوع نظام‬
‫يكن للولد فيه أب‬
‫ّ‬
‫األمومة” (احليدري‪.)231: 2003 ،‬‬
‫و ُيتابع احليدري أنه من الصعب الوصول إلى أد ّلة قاطعة على وجود نظام األمومة في اجلزيرة‬
‫يسوقون أدلة متعدّ دة على وجود بقايا االنتساب إلى‬
‫العربية‪ ،‬غير أن العديد من األنثروبولوج ّيني ُ‬
‫خط األم في املجتمعات العربية‪ ،‬حيث تكشف نظم الزواج والتقاليد والعادات والطقوس املرتبطة‬
‫بعبادة القمر عن أن القبائل العربية القدمية عرفت هذا النظام‪ ،‬وأن القبائل العربية لم تكن تعرف‬
‫نظام الزواج؛ إنه لم يكن مبقدروها معرفة األب‪ ،‬كما هو احلال في النظام األبوي‪ ،‬األمر الذي جعل‬
‫الولد يتبع أمه ويتعلق بها في جميع األمور‪ .‬ومن األدلة على ذلك شيوع كلمة بطن التي استعملها‬
‫العرب‪ ،‬وما زالوا يستعملونها حتى اليوم‪ ،‬مبعنى العائلة أو العشيرة‪ ،‬والتي تشير إلى زمن كانت فيه‬
‫املرأة مصدر العائلة ومحورها‪ ،‬إلى جانب اعتقاد العرب بانتقال الصفات الطبيعية من اخلال إلى الولد‬
‫يشب على أخالق خاله” و”ثلثا الولد خلاله” و”خير الرجال من تخ ّول” وغيرها‬
‫حيث قيل “الولد ّ‬
‫(اجلوزي داخل احليدري‪.)242: 2003 ،‬‬
‫يخص نظم العالقات‪ ،‬فقد عرفت اجلزيرة العربية في ماضيها البعيد “املشايعة البدائية”‬
‫وفيما‬
‫ّ‬
‫في بعض مظاهرها‪ ،‬املتمثلة بـ”شيوعة النساء”‪ ،‬وقد كان من بقاياها أشكال الزيجات التي استمرت‬
‫حتى نهاية العصر اجلاهلي‪ ،‬ولكنها لم تكن نظا ًما شام ًال‪ ،‬وغال ًبا ما كانت ممارسات فردية‪ .‬كانت النساء‬
‫من فئات مع ّينة تقع ضمن قبيلة أو عشيرة أو بطن‪ ،‬يتز ّوجن بأكثر من رجل واحد و ُيطلق على هذا‬
‫الزواج “نكاح الرهط”‪ ،‬والرهط من الرجال ما بني ثالثة أو تسعة‪ ،‬وقد وردت أخبار عن نساء كان‬
‫‪18‬‬
‫لهنّ تسعة أزواج في وقت واحد‪ ،‬على أنه من النوادر ويقتصر على أوساط معزولة‪ ،‬فهو من بقايا‬
‫شيوعية النساء التي ترجع إلى طور ّ‬
‫مبكر من اجلاهلية‪ .‬واملراهطة قدمية‪ ،‬وهي من لوازم املشاعية‬
‫الصرفة املتصلة ببواكير املجتمع البدائي‪ .‬وفي نهاية العصر اجلاهلي‪ ،‬كانت املرأة قد انفصلت عن‬
‫كمنحى غالب في املجتمع اجلاهلي (العلوي‪،‬‬
‫“شيوعة النساء” بعد أن استق ّر نظام العائلة األبوية‬
‫ً‬
‫‪.)1996: 18‬‬
‫أنواعا من نظم الزواج‪ ،‬فإلى جانب زواج‬
‫وكان العرب في اجلزيرة العربية قبل اإلسالم‪ ،‬قد عرفوا ً‬
‫االستبضاع ‪ -‬وهو اتصال املرأة املتزوجة برجل آخر من أهل الصحة والشجاعة حتى يتبينّ حملها‬
‫من ذلك الرجل‪ ،‬من أجل احلصول على أوالد جنباء شجعان ‪ -‬كان هناك زواج املشاركة وزواج املتعة‪.‬‬
‫إ ّال أن زواج املشاركة ال يؤدي إلى عدم معرفة األب وحتديده‪ ،‬ألن املرأة األم التي كانت تطلب جنابة‬
‫ألجل قصير‪ ،‬وهذه املدة املع ّينة‬
‫الولد‪ ،‬كانت تعرف أبا املولود‪ .‬وكذلك بالنسبة إلى زواج املتعة‪ ،‬وهو َ‬
‫مهما قصرت‪ ،‬فإنها تكفي ألن حتدد انتساب الولد إلى زوج أمه األخير‪ .‬ومما جاء في كتب التاريخ‪،‬‬
‫أن أم قضاعة ُتو ّفي عنها زوجها مالك بن حمير وهي حامل‪ ،‬فتزوجها معد بن عدنان‪ ،‬فولدت له‬
‫قضاعة على فراشه فتبنّاه ونسب إليه‪( .‬احليدري‪ .)233-232 :2003 ،‬كذلك فقد كان نوع آخر‬
‫من الزواج‪ ،‬وهو ما دُعي بنكاح العمرة‪ ،‬وهو انتقال الزوج إلى بيت الزوجة‪ ،‬ويمُ كن اعتباره من بقايا‬
‫‪7‬‬
‫الزواج األمومي والعائلة األمومية (العلوي‪.)21 :1996 ،‬‬
‫ومن أقدم األخبار حول نظم الزواج عند العرب القدماء‪ ،‬ما جاء به السائح اليوناني املعروف‬
‫سترابو (‪ )Strabo‬في معجمه اجلغرافي من أن “األمالك عندهم مشتركة وتخص جميع أعضاء‬
‫العائلة التي يرأسها شيخ‪ ،‬وهو أكبرهم س ّنًا‪ ،‬ولهم جمي ًعا امرأة مشتركة يختلفون إليها‪ ،‬فمن جاء‬
‫منهم َق ْب ًال دخل عليها وترك عند باب اخلال عصاه ليشير بذلك إلى اختالئه بها‪ ،‬لكنها في الليل ال‬
‫جتامع إ ّال أكبرهم س ّنًا” (اجلوزي‪ ،‬داخل احليدري‪ .)245 :2003 ،‬ومع إمكان شيوع نظام تعدّ د‬
‫األزواج (‪ )Polyandrie‬ونظام املشاركة (‪ )Heterismus‬لدى عرب اجلزيرة العربية القدماء‪،‬‬
‫يرى احليدري (‪ )2003‬أن ما نقله سترابو فيه من الشك ما فيه في صحة نقله إلينا‪ ،‬حيث يظهر‬
‫ باالعتماد على كتب التاريخ واألنثروبولوجيا وال ُّر ُقم األثرية ‪ -‬أن العرب عرفوا تعدّ د األزواج وليس‬‫وألجل غير‬
‫زواجا مستم ًّرا ترتبط فيه املرأة برجل معينّ‬
‫زواج املشاركة‪ ،‬وأنهم لم يكونوا قد عرفوا ً‬
‫َ‬
‫يفضلون الزواج املؤقت – واملقصود بذلك زواج املتعة ‪ -‬على غيره‪ ،‬وذلك لسبب‬
‫مس ًّمى‪ ،‬بل كانوا ّ‬
‫جتوالهم وتنقلهم املستمرين في الصحراء‪ .‬وكان الزواج املؤقت شائ ًعا بني العرب حتى ظهور اإلسالم‪،‬‬
‫وكان النبي محمد قد أباح زواج املتعة ثم ح ّرمه اخلليفة عمر بن اخلطاب فيما بعد‪.‬‬
‫‪ 7‬يتابع العلوي في هذا اخلصوص أن هذا النوع من الزواج كان استثنائ ًّيا في العائلة اجلاهلية األبوية في العموم‪ ،‬وهوغير تابع إلى‬
‫ويسمي العراقيون الرجل‬
‫التقاليد التي استقرت على أبويتها الصارمة منذ اإلسالم‪ ،‬إمنا ترجع إلى ظروف عائلية أو اقتصادية‪،‬‬
‫ّ‬
‫الذي يعيش مع أهل زوجته «قعيدي»‪ ،‬داللة على التصغير املوحي بعدم االحترام‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫تتابع املرنيسي مقتبسة من البخاري واألصفهاني عن هذه األمناط األمومية املناقضة لألمناط‬
‫الذكورية القائمة‪ ،‬ويتعلق األمر باحلاالت التي كان الطفل فيها ال يحمل نسب أبيه احلقيقي (كما هو‬
‫احلال في زواج املتعة أو زواج املرأة بعدة رجال)‪ ،‬أو يتعلق باحلاالت التي حتتفظ فيها الزوجة باحلق‬
‫املطلق في طرد (تطليق) الزوج إذا شاءت وفك رابطة الزواج مبجرد حركة بسيطة كإسدال ستار‬
‫على باب مضجعها كناية عن نفورها من الزوج‪ .‬وقد ُس ّمي هذا النمط من الزواج بزواج “الصديقة”‬
‫املفضل الض ّبي في األمثال‪ ،‬حيث تتمتع فيه املرأة بحرية جنسية ترمز إليها سلطتها املطلقة‬
‫كما نعته ّ‬
‫على بيت الزوجية‪ ،‬أي اخليمة التي كانت تستقبل فيها زوجها‪ .‬كان زواج “الصدّ يقة” (مشتق من‬
‫كلمة صديق) ً‬
‫منطا من القِ ران‪ ،‬ينتسب فيه األطفال إلى قبيلة األم‪ ،‬ويتم هذا القِ ران مبوجب اتفاق‬
‫متبادل بني امرأة ورجل ُيقيم بعده الزوج في ديار عشيرة زوجته التي حتتفظ بحقها في االنفصال عنه‬
‫متى شاءت‪ .‬أ ّما في زواج البعل أو امللكية‪ ،‬فإن األطفال ينتسبون إلى الزوج الذي يتمتع بوضعية األب‬
‫لألطفال والبعل بالنسبة إلى زوجته‪ ،‬أي أنه السيد واملالك في هذا النمط من االقتران‪ .‬والفكرة العا ّمة‬
‫املستقاة من وصف البخاري هي ما نستخلصه نفسه من حتليل “جرترود سترن” أو “روبيرستون‬
‫سميث” بوجود عدة أمناط من االرتباطات اجلنسية خالل العصر اجلاهلي‪ .‬ويبدو أنه في جزء من‬
‫هذه األمناط لم ُتعتبر أبوة الدم ذات أهمية‪ ،‬ويترتب على ذلك غياب مفهوم العفة (املصدر السابق)‪.‬‬
‫غير أن شيوع أشكال من النظام األمومي بني القبائل العربية قبل اإلسالم ال يدل‪ ،‬عمل ًّيا‪ ،‬على أن‬
‫هذا النمط كان سائدً ا بني القبائل العربية كلها‪ .‬ففي أجزاء كثيرة من اجلزيرة العربية كانت النساء‬
‫يعا َملن معاملة املتاع الذي ال حقوق له في مجتمع يسوده الذكور على النحو املطلق (اسبوزيتو‪،‬‬
‫‪ .)2003‬ويشير احليدري (‪ )233 :2003‬إلى مت ّيز بعض القبائل العربية بتسلط ذكوري وبتدني‬
‫مكانة املرأة‪ ،‬بل وانحطاطها؛ فالعائلة اجلاهلية أبوية في العموم‪ .‬وقد شاعت لدى بعضها نظم زواج‬
‫أخرى كان أغلبها ُم ِهينًا لكرامة املرأة وحقوقها‪ ،‬منها نكاح املَ ْقت‪ ،‬وهو أن يستولي االبن األكبر على‬
‫زوجة أبيه املُتو ّفى إذا كانت غير أمه‪ ،‬واستيالؤه عليها يعني وضعها حتت وصايته‪ ،‬وذلك على اعتبار‬
‫أن زوجة األب جزء من امليراث الذي يرثه عن أبيه‪ ،‬أو أن يزوجها آلخر ويستولي على مهرها (العلوي‪،‬‬
‫‪ .)18 :1996‬كذلك فقد شاع عندهم “نكاح البدل”‪ ،‬وهو أن يقول الرجل للرجل “انزل لي عن‬
‫امرأتك أنزل لك عن امرأتي”‪ ،‬وهو زواج يتم عن طريق مبادلة الزوجات من دون مهر‪ .‬وكذلك‬
‫ميا‪ .‬وقد أطلق العرب على‬
‫“زواج البغايا” والذي ُعرف بني بعض القبائل في اجلزيرة العربية قد ً‬
‫النساء اللواتي يؤجرن أجسادهن اسم “الصويحبات”‪ .‬وكان بعض الرجال يرتضون ألنفسهم الزواج‬
‫بواحدة من صويحبات “الراية احلمراء” التي ترفع رأس اخليمة‪ ،‬ملشاركتهن مهنة البغاء ولغيرها من‬
‫األسباب (احليدري‪.)233 :2003 ،‬‬
‫‪20‬‬
‫كذلك يشير العلوي (‪ )18 :1996‬إلى أن الزواج الضرائري كان عاد ًّيا وغير خاضع حلد أعلى‬
‫من الزوجات‪ .‬وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فقد عانت املرأة اجلاهلية مما ُس ّمي “العضل”‪ ،‬وهو منع املرأة من‬
‫قبل أخيها أو والدها من الزواج بغريب أرادته لصالح قريب يريدها‪ ،‬فينهى عنها لكي يتزوجها‪ ،‬وإن‬
‫رفضته تمُ نع من الزواج‪ ،‬وهذا هو “العضل”‪ .‬ومت التشديد على “زواج األكفاء”‪ ،‬أي زواج العربية‬
‫بالعربي‪ ،‬وعدم السماح بزواجها بأعجمي‪ ،‬ويشمل ذلك بني العرب زواجها في عشيرة أو قبيلة أدنى‬
‫متسك األمو ّيون بعد اجلاهليني بهذا املنع فجعلوه حك ًما شرع ًّيا‪ ،‬ورغم أن عمر بن عبد‬
‫مكانة‪ .‬وقد ّ‬
‫العزيز قام في زمن خالفته بإبطاله‪ ،‬فإنه ما زال مستم ًّرا حتى اليوم‪ ،‬وقد اتسع مدى هذا املنع بعد‬
‫اإلسالم ليشمل منعها من الزواج برجل ليس على دينها‪ ،‬فتُمنع املسلمة العربية من الزواج مبسيحي‬
‫شرعا‪.‬‬
‫عربي‪ ،‬وهو مح ّرم ً‬
‫‪21‬‬
‫مأسسة الزواج في اإلسالم‪:‬‬
‫تشير املرنيسي (‪ )63 :2001‬إلى أن روبرستون سميث رأى في كتابه “القرابة والزواج في فجر‬
‫اإلسالم” أن القرنني السادس والسابع امليالديني‪ّ ،‬‬
‫شكال مرحلة انتقالية في تاريخ القرابة العربية‪.‬‬
‫وهو يرى أن مجيء اإلسالم رافقته مجموعة من العالقات اجلنسية التي تسير في اجتاهني‪ ،‬ما بني‬
‫النظام األمومي واألبوي األول‪ ،‬وكان هذان النظامان املوجودان حتى الفترة التي عاش فيها الرسول‬
‫متعارضني‪ ،‬إذ إنهما لم يكونا خاضعني لقوانني مختلفة فحسب‪ ،‬بل كانا يؤديان إلى “فروق أساسية‬
‫في وضعية املرأة و ُبنية العالقات االجتماعية عمو ًما”‪ .‬وفي تطرقه إلى هذا التعارض بني هذين‬
‫االجتاهني يقارن العلوي (‪ )32 :1996‬ما بني ُ‬
‫احلريات التي فقدتها املرأة والتي متثلت بتقييد‬
‫حسنت من مكانتها من جهة أخرى‪.‬‬
‫االختالط‪ ،‬املنع من السفر‪ ،‬القيمومة والعِ دّ ة‪ ،‬مقابل احلقوق التي ّ‬
‫مع ظهور اإلسالم ووضع شرائع اجتماعية جديدة مت إبطال بعض املمارسات التي حطت من‬
‫قيمة املرأة‪ ،‬مثل وأد البنات‪ ،‬لكن من جهة أخرى‪ ،‬مت إبطال ما تبقى من مظاهر النظام األمومي‪،‬‬
‫و ّ‬
‫متت مأسسة مجموعة من القوانني التي سادت في بعض القبائل الذكورية ومنحت القِ وامة للرجل‬
‫(العلوي‪ .)53 :1996 ،‬لقد هدفت ال ُبنية األسروية اإلسالمية اجلديدة التي أحدثت ثورة على تقاليد‬
‫اجلزيرة العربية ما قبل اإلسالم‪ ،‬إلى إقامة ُبنية أسروية ترتكز على سيادة الرجل وانفراده باملبادرة‬
‫يخص الزواج والطالق‪ .‬فالتعدّ د والطالق وحترمي ارتكاب الزنى وضمانات األبوة‪ ،‬كلها مؤسسات‬
‫فيما ّ‬
‫ساهمت في تسهيل االنتقال من ال ُبنية القدمية التي كانت ترتكز فيها األسرة على نوع من حق املرأة‬
‫في تقرير مصيرها‪ ،‬إلى ال ُبنية اجلديدة التي ترتكز فيها األسرة على مبدأ سيادة الرجل‪ .‬وقد ترجمت‬
‫هذه القيود لتتمظهر في الزواج‪ ،‬وكنموذج على هذه التغ ّيرات يظهر االختالف الذي طرأ على زواج‬
‫املتعة في الفترة اجلاهلية باملقارنة بالزواج اإلسالمي األرثوذكسي؛ فتشير املرنيسي (‪)68 :2001‬‬
‫إلى أن زواج املتعة في حينه كان يخرق مبدأين أساسني للنموذج األمثل للعالقة اجلنسية في اإلسالم‬
‫وهما‪ :‬أو ًال‪ ،‬أنه ُيعطي طابعه املؤقت والشخصي قد ًرا من احلرية للمرأة يوازي حرية الرجل‪ ،‬سواء فيما‬
‫يتعلق بعقد الزواج أم فسخه‪ ،‬في حني مينح الزواج في اإلسالم هذه احلقوق للرجل دون املرأة‪ ،‬ويجعل‬
‫موافقة املرأة خاضعة ملوافقة زوجها‪ ،‬ويحدّ من حريتها في الطالق ويجعلها رهينة بقرار القاضي‪.‬‬
‫أ ّما املبدأ الثاني فهو أنه يترتب على هذا النوع من الزواج قواعد أبوية مخالفة للقواعد التي يرتكز‬
‫وخصوصا القاعدة التي تفرض أن يكون األب املعترف به اجتماع ًّيا‬
‫عليها اإلسالم في هذا املجال‪،‬‬
‫ً‬
‫هو األب الذي أجنب الولد من صلبه‪ .‬و ُتورد املرنيسي وصف روبرستون سميث ذلك‪“ :‬ليس زواج‬
‫املتعة في النهاية إ ّال راس ًبا من منط الزواج املرتبط بقانون األمومة الذي ح ّرمه اإلسالم وعدّ ه مواز ًيا‬
‫للزنى‪ ،‬مبا أنه ال مينح الزوج ذرية شرعية تعترف بها قبيلته ويكون حق اإلرث داخل هذه القبيلة”‪.‬‬
‫‪22‬‬
‫اتخذت قيمومة الرجل على املرأة وضعيتها القانونية في اإلسالم بنص اآلية (‪ )34‬من سورة‬
‫النساء‪“ :‬الرجال ق ّوامون على النساء مبا فضل الله بعضهم على بعض ومبا أنفقوا من أموالهم‪.‬‬
‫فالصاحلات قانتات حافظات للغيب مبا حفظ الله والالتي تخافون نشوزهنّ فعِ ظوهنّ واهجروهنّ‬
‫في املضاجع واضربوهنّ ‪ ،‬فإن أطعنكم فال تبغُوا عليهنّ سبي ًال‪ ،‬إن الله كان عل ًّيا كبي ًرا”‪ .‬وقد عزا‬
‫املفسرون هذه القِ وامة إلى تف ّوق الرجل على املراة بالعقل والعزم واحلزم والرأي والقوة واجلهاد وكمال‬
‫الصوم والصاله والنب ّوة واخلالفة واإلمامة واألذان واخلطبة والنكاح والطالق‪ .‬ويدمج املفسرون هذه‬
‫األفضليات مظاهر القيمومة وأحكامها الشرعية‪ ،‬مظاهر الطبيعة وأحكامها املفترض أنها أصل‬
‫القيمومة ومس ّوغتها (العلوي‪ .)53 :1996 ،‬وإذا كان األمر كذلك فإن املرأة كانت تتمتع بقدر كبير‬
‫واضحا من ّ‬
‫كل مبادرة‬
‫من احلرية في تقرير مصيرها‪ ،‬في حني أن النظام اإلسالمي يقف موق ًفا عدائ ًّيا‬
‫ً‬
‫ينص ذلك شرط وجود الولي إلمتام هذا‬
‫تقوم بها املرأة لتقرير مصيرها في ما يخص عقد الزواج‪ ،‬كما ّ‬
‫العقد‪ .‬ويشكل اخلوف من تقرير النساء ملصيرهنّ محور النظام األسروي (املرنيسي‪.)46 :2001،‬‬
‫وحسب الص ّراف (‪ ،)46 :2001‬فإن تعدّ د الزوجات لم يكن مظه ًرا من املظاهر االجتماعية‬
‫َ‬
‫القائمة في حياة مكة في الفترة التي اعتنقت فيها املدينة راية اإلسالم‪ .‬ويبدو أن هناك استمرارية‬
‫تاريخية تربط بني ممارسة تعدّ د الزوجات اإلسالمي وبني جذوره العبرية والتوراتية‪ ،‬والتي مت اكتسابها‬
‫عند هجرة املسلمني إلى املدينة‪ ،‬وذلك مع األخذ باالعتبار أحادية الزواج الذي كان سائدً ا بني قبيلة‬
‫قريش والنبي مع فجر اإلسالم وربطها بثقافة تعدّ د الزوجات اليهودية القائمة في املدينة‪ ،‬وما مت‬
‫النبي محمد وأتباعه من األنصار‪ ،‬وبني القبائل املسيحية واليهودية‪ ،‬حيث قام النبي‬
‫من تعايش بني ّ‬
‫في أثناء وجوده في املدينة بالزواج بأرملة ُتدعى سوداء‪ ،‬رغم عقد زواجه على عائشة الذي مت في‬
‫حسب ما ّ‬
‫متت اإلشارة إليه‪ ،‬من منطلقات أخالقية‪،‬‬
‫مكة‪ ،‬ثم قام بعقد زواجه على عدد من النساء َ‬
‫إنسانية‪ ،‬سياسية وتشريعية‪.‬‬
‫سمح اإلسالم ‪ -‬كما يورد احليدري (‪ - )258 :2003‬تعدّ د الزوجات محددًا ذلك بأربع‪ ،‬في زمن‬
‫كان هنالك فيه من رجاالت ثقيف ممّن لديهم عشرات الزوجات أو أكثر قبل اإلسالم‪ ،‬حيث جعل‬
‫ً‬
‫مشروطا (في حني ح ّرم تعدّ د األزواج على املرأة ألسباب تكوينية واعتبارات اقتصادية –‬
‫منه ح ًّقا‬
‫حسب اآليتني التاليتني من‬
‫اجتماعية‪ ،‬رمبا كانت ترتبط بإثبات أب ّوة املولود ونسبه ورعايته)‪ ،‬وذلك َ‬
‫سورة النساء اللتني وردتا في القرآن‪:‬‬
‫“وإن ِخفتم ّ‬
‫فانكحوا ما طاب لكم من النساء َمثنى‬
‫أال ُت ْق ِسطوا في اليتامى ِ‬
‫أال تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أميانكم ذلك أدنى ّ‬
‫و ُثالث و ُرباع فإن ِخفتم ّ‬
‫أال‬
‫تعولوا” (‪)4:3‬‬
‫ُ‬
‫‪23‬‬
‫حرصتم‪ ،‬فال متيلوا ّ‬
‫كل امليل فتذروها‬
‫“ولن تستطيعوا أن تعدلوا بني النساء ولو َ‬
‫رحيما” (‪)129 :4‬‬
‫كا ُملعلقة وإن ُتصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفو ًرا‬
‫ً‬
‫خطا اإلسالم بذلك خطوة هامة بتحديد حدّ أعلى هو أربع زوجات‪ ،‬في وقت كان للزوج عشر‬
‫زوجات وأكثر‪ ،‬وكما ُيشير العلوي (‪ ،)41-40 :1996‬فإن القرآن لم ُيشرع الضرائرية وإمنا ق ّيدها‬
‫النبي محمد يرجع إلى شرع املسيحية‪ ،‬ف ُيلغي تعدّ د‬
‫بحدّ أعلى‪ ،‬وفي تفسيره للسبب الذي لم يجعل ّ‬
‫الزوجات‪ ،‬يرى العلوي أن اإلسالم في طوره األخير الذي حتدّ دت مالمحه في فتح مكة‪ ،‬لم يعد نب ّوة‬
‫خاصة كاليسوعية‪ ،‬بل متاهى في نب ّوة ودولة كاليهودية‪ ،‬وكان من مستلزمات هذا التطور اإلبقاء على‬
‫ّ‬
‫توسعات الدولة اإلسالمية وفتوحاتها‪،‬‬
‫الضرائرية حلاجة العرب واملسلمني لتكثير أعدادهم ضمن ّ‬
‫حض اإلسالم على الزواج‬
‫ومن إجراءاته جعل الزواج ُيشبه الوجوب‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬فقد ارتبط ّ‬
‫بنظرته إلى اجلنس كضرورة طبيعية لإلنسان‪ ،‬شرط أن يمُ ا َرس ضمن عالقة شرعية حت ّرم الزنى‪،‬‬
‫لكن ‪ -‬وفي تعارض تام مع الوعظ الديني بالتع ّفف والصبر ‪ -‬حدّ دت الشريعة كمجاراة للجنسانية‬
‫التس ّري‪ .8‬وإن كان اإلسالم قد حاول أن يضع لهذه‬
‫الذكورية إباحتها ما كان سائدً ا قبل اإلسالم‪ ،‬وهو َ‬
‫متاعا‬
‫العادة غير املنضبطة بعض املعايير والقواعد التي حتدّ من امتهان املرأة والتعامل معها بوصفها ً‬
‫أو متعة‪ ،‬فإن التأويل الفقهي لهذه املعايير والقواعد قد خرج بها عن سياق املساواة‪ ،‬وأعاد زرعها من‬
‫جديد في سياق سيطرة الذكر ّ‬
‫وحتكمه مبصير النساء (أبو زيد‪.)1999 ،‬‬
‫حسب العلوي (‪ُ )40 :1996‬يعتبر خطوة‬
‫في هذا السياق‪ ،‬فإن تقليص عدد الزوجات إلى أربع َ‬
‫أتت في مجرى اإلصالح الذي تقوم به الثورات للمجتمعات القدمية‪ ،‬وقد استعجل أبو َذر الغِ فاري‬
‫التس ّري‪ ،‬وكانت هذه الثورة‬
‫وصاحبه روزبة فالتزما العائلة الوحدانية الصرفة‪ ،‬مع االمتناع عن َ‬
‫االسماعيلية وبنتها القرمطية التي ألغت الزواج الضرائري‪ ،‬ولو أنها لم تستمر‪ ،‬شأنها شأن التح ّوالت‬
‫الثورية املج َهضة دو ًما في آسيا‪ .‬وفي دائرة الفكر كان ا ِمل َع ّري هو املر ّوج األكبر للعائلة الوحدانية‪ ،‬لكنّ‬
‫ثورته هو اآلخَ ر بقيت في بطون الكتب‪ ،‬وانفرد الدروز فيما بعد بإبطال الضرائرية‪.‬‬
‫ومع إباحة اإلسالم للرجل حق الزواج بأربع‪ ،‬فقد اشترط العدل بينهنّ والقدرة على اإلنفاق‪ .‬ويشير‬
‫العشا (‪ )90 :2004‬إلى تفسير الفقهاء للعدل بني الزوجات بالتمييز بني نوعني من العدل‪ :‬األول‬
‫هو العدل املُستطاع والثاني هو العدل املستحيل‪ .‬وقصد بالعدل املُستطاع العدل املادي الواجب على‬
‫الرجل جتاه زوجاته (أي املساواة بينهنّ في القسمة والنفقة وغير ذلك من األمور املادية)‪ ،‬أ ّما العدل‬
‫فحسب تفسير الفقهاء‪ ،‬هو غير واجب على الرجل املعدّ د‪ ،‬واملقصود به اجلانب العاطفي‬
‫املستحيل َ‬
‫فحسب تفسيراتهم ال يستطيع اإلنسان السيطرة عليه ألنه ال يدخل ضمن قدرته‪ .‬واختلف‬
‫واجلنسي‪َ ،‬‬
‫‪ 8‬وتعني اتخاذ السراري واجلواري‪.‬‬
‫‪24‬‬
‫فحسب‪،‬‬
‫املفسرون حول مسألة اشتراط اإلسالم أن يكون تعدّ د الزوجات محددًا َ‬
‫مبثنى و ُثالث و ُرباع ْ‬
‫مباحا بني العرب قبل اإلسالم ميارسونه من دون حتديد‪.‬‬
‫مع االحتفاظ بنظام التسري بعد أن كان ً‬
‫ثم هناك اختالف في تفسير تعبير “ َمثنى و ُثالث و ُرباع”‪ ،‬فزعم البعض أن اإلسالم أباح التعدّ د بغير‬
‫حصر‪ ،‬بحجة أن هذا التعبير ورد على سبيل املثال ال احلصر‪ .‬ومن هنا فقد زعم البعض أن العدد‬
‫املباح هو تسعة وذلك بتفسير العبارة على أنها تقصد (اثنني وثال ًثا وأرب ًعا‪ ،‬فيكون املجموع تس ًعا)‪،‬‬
‫ال بل إن أحدهم زعم أن العدد اجلائز من النساء هو ثماني عشرة زوجة‪ ،‬ألن العبارة تعني في رأيه‬
‫اثنتني اثنتني وثال ًثا ثال ًثا وأرب ًعا أرب ًعا‪ ،‬فيكون املجموع ثماني عشرة (العطار‪.)131-126 :1976 ،‬‬
‫مينح اإلمام أبو حامد الغزالي تسويغه لتعدّ د الزوجات من أجل حتصني الرجل بقوله‪“ :‬ومهما كان‬
‫الباعث معلو ًما فينبغي أن يكون العالج بقدر العلة‪ ،‬فاملراد تسكني النفس‪ ،‬فلينظر إليه في الكثرة‬
‫حتصنه املرأة الواحدة (يعني التحصني لدى‬
‫والقلة‪ ...‬ومن الطباع ما تغلب عليها الشهوة بحيث ال ّ‬
‫اإلنسان املتزوج عدم ارتكابه للزنى) فيستحب لصاحبها الزيادة على الواحدة إلى األربع” ليعني بذلك‬
‫التعدّ د ‪ -‬في ما يعنيه ‪ -‬أنّ اندفاع الرجل اجلنسي قد يفرض مضاجعته ألكثر من شريكة واحدة‪،‬‬
‫حتى يخفف من توتره اجلنسي‪ ،‬الروحي واجلسدي على السواء (أبو حامد الغزالي‪ ،‬داخل املرنيسي‪،‬‬
‫‪.)38 :2001‬‬
‫تَعتبر املفكرة املغربية املرنيسي (‪ )2001‬تعدّ د الزوجات كأحد ميكانيزمات الهيمنة الذكورية‬
‫التي ُوضعت من أجل ضبط النساء‪ .‬في الفصل األول من كتابها “ما وراء احلجاب” الذي صدر في‬
‫سبعين ّيات القرن املاضي‪ ،‬والذي أصبح عم ًال كالسيك ًّيا في تطرقه جلنسانية املرأة في اإلسالم‪ ،‬ورياد ًّيا‬
‫في تشديده القوي على اجلنسانية‪ ،‬حتاول املرنيسي جذب االنتباه إلى التناقض القائم في املجتمع‬
‫اإلسالمي بني ما يمُ كن وصفه بـ”نظرية علنية” وأخرى “ضمنية” عن احلياة اجلنسية‪ ،‬أي وجود‬
‫نظرية مزدوجة للدينام ّيات اجلنسية في النصوص الدينية املقدسة والتفسيرات التاريخية لإلسالم‪.‬‬
‫ففي حني ترى “النظرية الصريحة” أن حياة الرجل اجلنسية تتسم بطابع ف ّعال‪ ،‬وتنظر إلى اجلنسانية‬
‫األنثوية للمرأة باعتبارها كائنًا سلب ًّيا مستكينًا (منفع ًال) يسعى للمتعة باالستسالم واخلضوع‪ ،‬فإن‬
‫“النظرية الضمنية” ‪ -‬كما انعكست في تفسير اإلمام الغزالي للقرآن ‪“ -‬تعطي املرأة دور الصياد‬
‫والرجل دور الضحية املستكينة” (فتعطيها‪ ،‬بالتالي‪ ،‬دو ًرا فاع ًال)‪.‬‬
‫ومن أجل تسليط الضوء على دينام ّيات النظرية الضمنية تقارن املرنيسي كتابات الغزالي بالبناء‬
‫الفرويدي للجنسانية األنثوية‪ ،‬باعتبارهما مي ّثالن الثقافتني اإلسالمية والغربية‪/‬املسيحية‪ ،‬لتخ ُلص‬
‫إلى أنه ‪ -‬وعلى الضدّ من الثقافة الغربية‪/‬املسيحية ‪ -‬جرى اإلقرار في الثقافة اإلسالمية بأن‬
‫اجلنسانية األنثوية “فاعلة”‪ ،‬وهو إقرار له مضامني مهدِّ دة للنظام االجتماعي‪ .‬ولذلك فإن أمان‬
‫‪25‬‬
‫النظام االجتماعي مرتبط بضمان فضيلة املرأة وع ّفتها‪ ،‬ثم إشباع حاجاتها‪ .‬وبكلمات املرنيسي‪:‬‬
‫“املرأة فتنة‪ ،‬ومثال ملا يتعذر ضبطه والسيطرة عليه‪ ،‬ومثل حي ألخطار اجلنسانية وإمكانيتها إليقاع‬
‫الفوضى الهائجة”‪ .‬ويمُ كن “اعتبار ال ُبنية االجتماعية اإلسالمية بر ّمتها كهجوم على (ودفاع ضدّ )‬
‫القوة الفوضوية للجنسانية األنثوية‪ ...‬ولذلك يجب ضبط النساء لكيال ُيصرف الرجال عن واجباتهم‬
‫ترسخ الهيمنة الذكورية عن طريق‬
‫االجتماعية والدينية‪ ،‬كما أن بقاء املجتمع ره ٌ‬
‫ني بخلق مؤسسات ّ‬
‫عدة ميكانيزمات‪ ،‬من بينها الفصل بني اجلنسني وتعدّ د زوجات املؤمن” (املرنيسي‪.)17 :2001 ،‬‬
‫جدا (للمجتمعات الغربية) حيث لم تهاجم احلياة‬
‫نهجا مخال ًفا ًّ‬
‫بهذا فقد نهجت املجتمعات اإلسالمية ً‬
‫اجلنسية ولم حتط من شأنها‪ ،‬ولكنها هاجمت املرأة كتجسيد ورمز للفوضى‪ ،‬إنها الفتنة‪ ،‬واملركز ملا ال‬
‫يمُ كن التحكم به‪ ،‬والتجسيد احلي ألخطار اجلنس وطاقته الهدّ امة بال حدود‪ .‬فيكتب الكاتب اجلزائري‬
‫“الفتنة هي في ذات الوقت غواية وحتريض على العصيان‪ ،‬وسحر ومترد‪ .‬ألن الرجال يتم ّردون على‬
‫إرادة الله حني يسقطون حتت طغيان النساء” (‪.)Boudhiba, 1985‬‬
‫يشكل هذا التسليم بفعالية حياة املرأة اجلنسية اعترا ًفا يزعزع كيان النظام االجتماعي‪ ،‬وتترتب‬
‫متس مجموع ُبنية هذا النظام‪ .‬لكن إنكار الطبيعة املماثلة للحياة اجلنسية لدى ٍّ‬
‫كل‬
‫عنه نتائج ّ‬
‫من الرجل واملرأة‪ ،‬يشكل هو اآلخر اختيا ًرا حاس ًما وبعيد الداللة‪ .‬وهناك من يفترض أن العديد‬
‫من املؤسسات اإلسالمية كانت استجابة للحاجات اجلديدة التي تر ّتبت عن تفكك التقاليد القبلية‬
‫اجلماعية‪ ،‬ووسيلة حماية ضدّ انعدام الضمانات الناجت عن ذلك‪ ،‬وتعدّ د الزوجات يشكل إحدى هذه‬
‫املؤسسات‪ .‬فالرسول الذي اهتم مبصير النساء املطلقات واألرامل واليتامى‪ ،‬قرر خلق نظام مسؤول‬
‫ّ‬
‫ميكن من ربط النساء الوحيدات وأوالدهنّ مبجموعة أسروية‪ ،‬فيحميهم فيها رجل ال يكون قري ًبا‬
‫ويدعم هذه النظرية بأن القرآن الكرمي قد ش ّرع التعدّ د بعد هزمية أحد التي لقي‬
‫فحسب‪ ،‬ولكنه زوج‪ّ ،‬‬
‫ْ‬
‫فيها الكثير من املسلمني حتفهم‪ .‬وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فقد هدف الرسول إلى إعادة دمج النساء في‬
‫َوحدات تضامن جديدة بعد أن ُج ّردن من حماية القبيلة لهنّ ‪ ،‬حتى ال يبحثن عن احلماية في عالقات‬
‫جنسية مؤقتة يعتبرها اإلسالم زنًى‪ .‬لقد ُو ّجهت امليوالت اجلماعية نحو اجلهاد اإلسالمي‪ ،‬أ ّما امليوالت‬
‫أساسا في مؤسسة األسرة التي ّ‬
‫مكنت من خلق روابط جديدة‪ ،‬وطرق‬
‫الفردية فقد ع ّبرت عن نفسها‬
‫ً‬
‫جديدة لتمرير املمتلكات معزّزة بضبط صارم حلرية املرأة اجلنسية (املرنيسي‪.)71 :2001 ،‬‬
‫حض اإلسالم على الزواج بنظرته إلى اجلنس‪ُ ،‬يشير العشا (‪ )18 :2004‬إلى أن‬
‫ومع ارتباط ّ‬
‫كتابات فقهاء املسلمني التي استخدمت تعبير “النكاح”‪ ،‬والذي يعني أص ًال “الوطء”‪ ،‬للتعبير عن‬
‫الزواج‪ ،‬ناجتة عن التركيز على اجلنس وعلى مدى االهتمام الذي أولوه وشدة اهتمامهم بإشباع غريزة‬
‫يقصرون هدف الزواج على هذا النطاق‬
‫الرجل اجلنسية‪ ،‬خو ًفا من ارتكاب الزنى‪ ،‬األمر الذي جعلهم ُ‬
‫الض ّيق‪ .‬فهدف الزواج عندهم هو إباحة الرجل ألنثى بطريقة شرعية‪ ،‬لذلك تدور جميع تعاريفهم‬
‫‪26‬‬
‫للزواج ‪ -‬وإن اختلفت الصياغة ‪ -‬ضمن عقود التمليكات وهو “عقد وضع لتملك املتعة باألنثى”‪.‬‬
‫وتقتصر تعاريف بعض الفقهاء للزواج على أنه “عقد ميلك به الرجل بضع املرأة”‪ .‬ولسبب خجل‬
‫الكتاب املعاصرين من هذه التعاريف ومن اقتصارها على العالقة اجلنسية‪ ،‬فقد مت إدخال تعديالت‬
‫تشير إلى أهداف الزواج األخرى‪ ،‬منها إجناب األوالد والتعاون بني الزوجني‪ ،‬واإلشارة إلى الزواج‬
‫كمودّة وألفة وائتالف‪ .‬لكن يرى العشا أنه رغم استخدامهم التعابير اجلميلة ومحاوالتهم إضفاء‬
‫صيغة عصرية على كتاباتهم‪ ،‬فقد بقيت ال تختلف عن نظرة الفقهاء القدامى في اجلوهر‪.‬‬
‫يتفق جميع املشاركني في النقاش حول مكانة النساء العربيات على أن القرآن وسنة الرسول قد‬
‫ح ّررا النساء من الظروف غير املقبولة التي سادت اجلزيرة العربية قبل اإلسالم‪ .‬فمن بني احلقوق التي‬
‫ضمنها اإلسالم للنساء حق احلياة‪ ،‬والتع ّلم‪ ،‬وإدارة األعمال‪ ،‬واإلرث‪ ،‬واالحتفاظ بامللكية‪ ،‬واالحتفاظ‬
‫بأسمائهنّ (حداد‪ُ .)54 :2003 ،‬فرضت بعض القيود على الزواج في مجتمع كانت للرجال فيه‬
‫صريحا في تقرير املساواة الدينية واملعنوية للنساء‬
‫حقوق غير مق ّيدة في الزواج والطالق‪ .‬كان القرآن‬
‫ً‬
‫مع الرجال أمام الله‪ ،‬إ ّال أن املرأة ظلت خاضعة للرجل داخل العائلة‪ ،‬التي ظلت حقائق املجتمع‬
‫األبوي وقيمه منعكسة عليها‪ .‬حتصل املرأة على حصة أقل من امليراث‪ ،‬و ُتعتبر شهادتها نصف شهادة‬
‫الرجل في مجتمعات كانت تعتبر الذكور أكثر مت ّر ًسا في احلياة العا ّمة‪ ،‬إضافة إلى كونهم املسؤولني‬
‫بالدرجة األولى عن إعالة األسرة وسلوكها (إسبيزيتو‪.)17 :2003 ،‬‬
‫بداية اجلدل حول تعدّد الزوجات والدعوة إلى التغيير‪:‬‬
‫لقد بدأ اجلدل حول تعدّ د الزوجات في نهايات القرن التاسع عشر‪ ،‬وذلك مع قدوم التأثير األوروبي‬
‫إلى الشرق األوسط واحتكاك العالم اإلسالمي بالغرب‪ .‬وقد كانت مصر وتركيا أول الدول التي أجرت‬
‫إصالحات في قضايا النساء املتعلقة بالتعليم وتعدّ د الزوجات‪ .‬كانت مصر األولى من بني الدول‬
‫برنامجا متم ّيزًا‬
‫العربية التي انكشفت على الغرب وسياسة واليها محمد علي باشا االنفتاحية وتبنّيها‬
‫ً‬
‫في التحديث‪ .‬نتج عن ذلك بلورة حركة تنوير وخطاب نهضة بادرت إلى طرحه شخصيات معروفة‬
‫أمثال الشيخ رفاعة الطهطاوي (‪ )1873-1801‬الذي دعا إلى تعليم اجلنسني‪ ،‬آت ًيا بحجج إسالمية‪،‬‬
‫وتبعه الشيخ محمد عبده وقاسم أمني‪ .‬نادت تلك الشخصيات مبنح املرأة املساواة مستخدمني‬
‫حججا إسالمية حتديثية‪( .‬أبو زيد‪ُ .)1999 ،‬يعتبر محمد عبده أهم ممثل للحداثة اإلسالمية املبكرة‬
‫ً‬
‫في العالم العربي‪ ،‬وقد قام بالتعبير بوضوح عن حتديث بعض املمارسات التي يقوم بها بعض املسلمني‬
‫ودعم إعادة فتح الطريق أمام االجتهاد مناد ًيا املسلمني إلى النظر في املصادر الروحية‬
‫في مصر‪ّ ،‬‬
‫لدينهم كمنبع إللهامات جديدة‪ .‬وأعطى هذا املسلمني‪ ،‬رجا ًال ونساء‪ ،‬أداة ليفسروا بها ألنفسهم من‬
‫جديد وليط ّبقوا القواعد اإلسالمية في حياتهم (بدران‪.)2000 ،‬‬
‫‪27‬‬
‫هدف عبده إلى “جتديد” األخالقية اإلسالمية وإصالح الهياكل االجتماعية التقليدية التي كانت‬
‫وخصوصا في مصر‪ ،‬عن طريق العودة إلى اإلميان الديناميكي واألخالقية النقية‪،‬‬
‫سائدة في أيامه‪،‬‬
‫ً‬
‫كما ع ّرفتها األجيال املسلمة األولى‪ .‬وقد أحدث منهج عبده اجلديد القائل بالفصل ما بني العبادات‬
‫(قوانني الواجبات الدينية واملعامالت‪ ،‬وقوانني التعامل االجتماعي) في القرآن والشريعة‪ ،‬اخترا ًقا‬
‫راديكال ًّيا في “كيفية قراءة” التعاليم واألوامر القرآنية‪ .‬وجادل أنه في الوقت الذي تقع فيه العبادات‬
‫بطبيعتها خارج مجال التغيير التفسيري‪ ،‬فإن املعامالت تتطلب بطبيعتها التفسير والتكييف من ّ‬
‫كل‬
‫جيل من املسلمني على ضوء احلاجات العملية لعصرهم (ستوواسر‪.)98 :2003 ،‬‬
‫اخلاص لقوانني القرآن االجتماعية إلى عدد من التفسيرات اإلبداعية اجلريئة للقرآن‪،‬‬
‫قاده تفسيره‬
‫ّ‬
‫وإلى فتاوى مثلها‪ ،‬في خصوص قضايا املرأة‪ ،‬كان أهمها ممارسة تعدّ د الزوجات‪ .‬فطالب بتقييد تعدّ د‬
‫الزوجات تقييدً ا يقرب من املنع منطل ًقا من مبادئ اإلسالم نفسه‪ ،‬ومستندً ا إلى القرآن نفسه‪ .‬وجادل‬
‫أن تعدّ د الزوجات كان ممارسة سليمة بني املؤمنني األوائل‪ ،‬إال أنه حتول في زمانه إلى ممارسة فاسدة‬
‫للشهوة غير املكبوحة دومنا عدالة أو إنصاف‪“ .‬األمة التي متارس تعدّ د الزوجات ال يمُ كن تثقيفها‪.‬‬
‫لقد تنزل الدين لصالح الناس‪ ،‬فإذا ما أخذ أحكامه باإلضرار باجلماعة بد ًال من فائدتها‪ ...‬فإن‬
‫تطبيق ذلك احلكم يجب أن يتغ ّير تب ًعا للحاجات املتغيرة للجماعة”‪ ،‬مشي ًرا إلى وجود االستثناءات‬
‫قاض‪ .‬لم ِ‬
‫يأت عبده باجتهاده من أجل‬
‫مثل الزوجة العاقر‪ ،‬غير أنه أشار إلى أن ذلك يجب أن يقرره ٍ‬
‫النساء لذاتهنّ ‪ ،‬إمنا كوسيلة إلحداث الوالدة األخالقية اجلديدة للمجتمع اإلسالمي التي لم يجدها‬
‫عبده ممكنة إ ّال من خالل “إعادة أسلمة” األسرة‪ .‬وقد انطلق من االفتراض بأن وضع املرأة مرتبط‬
‫سبب ًّيا بسالمة احلياة االجتماعية ّ‬
‫ككل أو بتردّيها‪ ،‬كما يتضح ذلك في الوحي القرآني‪ ،‬إ ّال أن األمة‬
‫“تأخذ من الوحي ما هي متهيئة له فقط‪( .‬املرجع السابق)‪.‬‬
‫انتقد محمد عبده “أبو اإلسالم احلديث” تعدّ د الزوجات كوحدة غير مستقرة في األوقات‬
‫وحسب اعتقاده‪ ،‬فإن تعدّ د الزوجات شرع في زمن النبي محمد كنتاج‬
‫العصرية‪ ،‬وطالب بتقييدها‪َ ،‬‬
‫لسياق اجتماعي معينّ ‪ ،‬غير أن وجهة القرآن هي أحادية الزواج‪ ،‬ومبا أنه طلب املساواة بني الزوجات‪،‬‬
‫يتوجه نقد اإلمام محمد عبده في نص جدير باإلبراز‪“ :‬رأيت‬
‫فإن تطبيق هذه اإلمكانية مستحيلة‪ّ .‬‬
‫في كتب الفقهاء أنهم يع ّرفون الزواج بأنه (عقد ميلك به الرجل بضع املرأة)‪ .‬وما وجدت فيها كلمة‬
‫واحدة تشير إلى أن بني الزوج والزوجة شي ًئا آخر غير التمتع بقضاء الشهوة اجلسدانية‪ ،‬وك ّلها‬
‫خالية من اإلشارة إلى الواجبات األدبية التي هي أعظم ما يطلبه شخصان مهذبان ّ‬
‫كل منهما من‬
‫ويصح أن يكون تعري ًفا له‪ ،‬وال أعلم‬
‫اآلخر‪ .‬وقد رأيت في القرآن الشريف كال ًما ينطبق على الزواج‬
‫ّ‬
‫أن شريعة من شرائع األمم التي وصلت إلى أقصى درجات التمدّ ن جاءت بأحسن منه‪ ،‬قال الله‬
‫أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة”‬
‫تعالى‪“ :‬ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم‬
‫ً‬
‫‪28‬‬
‫(الروم‪ ،)21/‬والذي يقارن بني التعريف األول الذي نزل من عند الله يرى بنفسه إلى أي درجة‬
‫وصل انحطاط املرأة في رأي فقهائنا‪ ،‬وسرى منهم إلى عا ّمة املسلمني‪ ،‬وال يستغرب بعد ذلك أن يرى‬
‫املنزلة الوضيعة التي سقط إليها الزواج حيث صار عقدً ا غايته أن يتمتع الرجل بجسم املرأة ليتلذذ‬
‫به‪ ،‬ويتبع ذلك ما تبعه من األحكام الفرعية التي رتبوها على هذا األصل الشنيع” (محمد عبده‪،‬‬
‫‪ 1881‬داخل أبو زيد‪.)1991 ،‬‬
‫وكما تشير بدران (‪ )2000‬فقد نادى تلميذه قاسم أمني بالفكرة نفسها‪ .‬عام ‪ 1908‬وفي كتابيه‬
‫“حترير املرأة” و”املرأة اجلديدة”‪ ،‬اللذين ّ‬
‫النسوية في مصر‬
‫ومرجعي‬
‫شكال إلها ًما‬
‫نْ‬
‫نْ‬
‫أساسيي للحركة ْ‬
‫حججا إسالمية حتديثية ليس ّوغ نداءه إلى إحداث إصالحات‪ .‬فنادى بوجوب أن ُيقضى‬
‫استخدم أمني‬
‫ً‬
‫فحسب وجهة نظره اعتبر قاسم أمني تعدّ د الزوجات‬
‫على إساءة استخدام الطالق وتعدّ د الزوجات‪َ ،‬‬
‫وحسب رأيه ليست هناك امرأة ترضى بأن تشاركها زوجها امرأة أخرى (أمني‪،‬‬
‫إهانة للنساء‪َ ،‬‬
‫‪ .)1993‬وقد طالب بإلغاء تعدّ د الزوجات بشكل مطلق معتب ًرا إياه “عادة” لم تعد قابلة للتطبيق‬
‫مع متطلبات احلياة العصرية‪.‬‬
‫ترى ستوواسر (‪ )2003‬أنه رغم تلك التفسيرات اإلبداعية اجلريئة للقرآن يبقى تفسير عبده‬
‫مكتو ًبا باألسلوب التقليدي للتفسير القرآني‪ ،‬أي بتفسير النص آيه بآية‪ .‬كما يرى أن هذا االجتهاد‬
‫لم ِ‬
‫يأت من أجل النساء لذواتهنّ ‪ ،‬إنمّ ا إلحداث الوالدة األخالقية اجلديدة للمجتمع اإلسالمي التي لم‬
‫يجدها عبده إ ّال من خالل “إعادة أسلمة األسرة”‪ .‬وقد انطلق من أن االفتراض بأن وضع املرأة‬
‫مرتبط سبب ًّيا بسالمة احلياة االجتماعية ّ‬
‫ككل‪ ،‬أو بتردّيها‪ ،‬كما يتضح ذلك في الوحي القرآني‪ .‬ورغم‬
‫أسسه محمد عبده كان مدخل‬
‫ذلك‪ ،‬يعتبر أبو زيد (‪ )65: 1999‬أن “التأويل” العقالني الذي ّ‬
‫النهضويني لفهم اإلسالم‪ ،‬إذ كان هذا التأويل بدوره محاولة جلعل اإلسالم ينطق بقيم التقدّ م‬
‫واملدنية واحلضارة ليتابع من بعده تلميذه قاسم أمني التأكيد على حاجة العقل في فهمه للدين‬
‫إلى مبادئ العلم واملدنية‪ .‬يتابع أبو زيد بأن هذا التصور لوحدة املعرفة أفضى إلى جعل “العلوم‬
‫الدينية” جز ًءا من منظومة املعرفة اإلنسانية‪ ،‬مبعنى أنها علوم يجب أن تخضع لآلل ّيات واإلجراءات‬
‫املنهجية نفسها في الفهم والتفسير والتحليل‪ .‬وبذلك فإن قضية املرأة وما يتعلق بها من نصوص‬
‫دينية كانت حافزًا ضمن حوافز أخرى عديدة لكي يقترب خطاب النهضة من حدود إنتاج وعي علمي‬
‫للدين وداللة نصوصه‪ ،‬األمر الذي لم ي ُقم به فقهاء املسلمني‪ ،‬األمر الذي جعلهم عاجزين عن إدراك‬
‫هذا الوعي‪.‬‬
‫النسويات من خالل استخدامهنّ هذه األفكار ‪ -‬كما تشير بدران (‪:2000‬‬
‫استهدفت الرائدات ْ‬
‫‪ - )206-198‬ملنطق اإلسالميني املعاصرين‪ ،‬حتسني أداء العائلة من خالل كبح جماح سوء‬
‫‪29‬‬
‫وخصوصا الطالق وتعدّ د الزوجات‪ ،‬وإهمال الرجال لواجباتهم فيما‬
‫استعمال الرجال المتيازاتهم‪،‬‬
‫ً‬
‫يتعلق بإعالة الزوجة واألطفال‪ .‬وحاولت الرائدات‪ ،‬أمثال هدى شعراوي ورفيقاتها‪ ،‬من خالل االحتاد‬
‫النسائي‪ ،‬تغيير قانون األحوال الشخصية بشكل يحمي العائلة املعاصرة‪ ،‬ومن ضمن مطالبه منع‬
‫تعدّ د الزوجات ووضع حدّ حلرية الرجل املطلقة في تطليق زوجته وشجب باب الطاعة واملطالبة‬
‫بإزالته كل ًّيا‪ .‬غير أن هذا امللف بقي أقل امللفات التي طرأ فيها تغيير‪ .‬ووضعت العائلة األبوية‪،‬‬
‫كما وضع التنظيم القانوني للعائلة بواسطة مؤسسات األزهر اإلسالمية (والتي لم تكن متجاوبة‬
‫مع آراء الشيخ محمد عبده التحديثية) النساء أمام مهمة بالغة الصعوبة‪ .‬وكان انتقاد الرائدات‬
‫ً‬
‫محافظا‪ ،‬ولم يتحدّ ين فكرة أن العائلة تستند إلى توزيع احلقوق‬
‫لقانون األسرة معتد ًال‪ ،‬إن لم يكن‬
‫بعضا‪ ،‬رجا ًال ونساء‪ ،‬والتزمن وجهة النظر القائلة بأن أدوار الرجال‬
‫واملسؤوليات التي يك ّمل بعضها ً‬
‫هون‪/‬يوجهن االنتقادات‬
‫يوج‬
‫ّ‬
‫والنساء العائلية مقدّ رة مبوجب الدين‪ ،‬األمر الذي جعل الكثيرين‪/‬ات ّ‬
‫النسويات لم يقمن بتحدّ ي جوهر النظام األبوي‪.‬‬
‫لالحتاد‪ ،‬و ُيرى أن القائدات ْ‬
‫النسوية وتأثير هذه‬
‫وتتابع بدران (‪ )2000‬فتتطرق إلى التجارب الشخصية لرائدات احلركة ْ‬
‫النسوي‪ ،‬فكانت الكاتبة ملك حفني ناصف امللقبة بباحثة البادية‪ ،‬من‬
‫التجارب على بلورة وعيهنّ ْ‬
‫رائدات احلركة النسائية التي طالبت بتقييد تعدّ د الزوجات منطلقة من جتربتها الشخصية حني دبر‬
‫لها والدها زواجها بزعيم بدوي ثري‪ ،‬اكتشفت بعد انتقالها للعيش معه في منطقة الفيوم أنه متزوج‪،‬‬
‫فكتبت عن معاناتها ومعاناة نساء أخريات من تعدّ د الزوجات مشيرة إلى مدى انتشار تعدّ د الزوجات‬
‫حيث تكاد جميع النساء ممّن حولها يكنّ على مثل حالها‪ ،‬وأن جميعهنّ حني تسألهنّ إن ُكنّ ُيحبنب‬
‫يفضلن أن ي َر ْين أزواجهنّ موتى على أن ي َر ْينهم متزوجني بنساء إضافيات‪.‬‬
‫أزواجهنّ أجنب بال‪ ،‬وأنهنّ ّ‬
‫وقد أصرت باحثة البادية على أن الطالق أخف وطأة من تعدّ د الزوجات‪ .‬فاألول بؤس ُيضاف إلى‬
‫احلرية‪ ،‬بينما الثاني بؤس ُيضاف إلى تقييد احلرية‪ ..‬إن الرجل املتزوج باثنتني أو بأكثر يجب أن ُيعينّ‬
‫وزي ًرا للمستعمرات‪ .‬وفي جتربة مشابهة‪ ،‬تركت هدى شعراوي زوجها (الذي يكبرها بثالثة عقود وقد‬
‫ومتزوجا بأخرى) عندما عاد إلى زوجته األولى‪ ،‬وعادت إليه عندما‬
‫كان وص ًّيا عليها بعد وفاة والدها‬
‫ً‬
‫وافق على أن يكون أحادي الزواج بها‪ ،‬فقط‪.‬‬
‫وفي حملته لتغيير قانون األحوال الشخصية كانت التزامات االحتاد النسائي املصري باإلسالم جلية‪،‬‬
‫مؤكدً ا على أن اإلصالح املرج ّو في إطار القانون اإلسالمي‪ ،‬أي الشريعة اإلسالمية‪ .‬لم يوافق االحتاد‬
‫النسائي املصري إطال ًقا على القانون املدني للعائلة الذي تبنّته تركيا‪ ،‬غير أنه أشاد ببعض مكاسب‬
‫النساء في تركيا وعلى وجه اخلصوص إلغاء تعدّ د الزوجات وإعطاء الرجال والنساء حق الطالق‪ .‬وفي‬
‫عام ‪ 1924‬عندما افتتح البرملان اجلديد‪ ،‬جعل االحتاد النسائي واللجنة املركزية للسيدات الوفديات‬
‫مسائل التحكم في الطالق وتعدّ د الزوجات قضايا عا ّمة للمرة األولى (املرجع السابق)‪.‬‬
‫‪30‬‬
‫طالب االحتاد النسائي بأن ُيسمح للرجل بأن يتزوج مرة ثانية في حال كانت زوجته األولى عاق ًرا أو‬
‫مريضة مبرض ال شفاء منه‪ ،‬فقط‪ .‬وكان تعدّ د الزوجات أم ًرا يمُ ارس بشكل منتشر بني نساء الطبقة‬
‫العليا‪ .‬ورغم إمكانية أن يكون بعض النساء قد وجدن الوضع محتم ًال‪ ،‬أحيانًا‪ ،‬فإن الرائدات جادلن‬
‫أيضا‪،‬‬
‫قائالت إن تعدّ د الزوجات ُيهني املرأة املعاصرة ويض ّرها نفس ًّيا‪ .‬وهاجمن تعدّ د الزوجات‪ً ،‬‬
‫ٍ‬
‫باعتباره تهديدً ا للعائلة‪ .‬وأص ّرت سيزا نبراوي إحدى الناشطات املركزيات على القول‪“ :‬إن تعدّ د‬
‫الزوجات يهدد العائلة أكثر من أي شيء آخر”‪ .‬كما قالت هدى شعراوي جلريدة األهرام “إنه ميثل‬
‫هجو ًما على كرامة الزوجة واألم وعقبة تواجه إقامة بيت منسجم يو ّلد القوى األخالقية التي تشكل‬
‫وتوجه املواطن الصالح”‪ .‬وجادلن في أن التحديد اإلسالمي للعدد األقصى للزوجات بأربع يجب أن‬
‫ُيفهم في سياق أوضاع املجتمع العربي في حينه‪ .‬وكان هذا التحديد اإلسالمي بأربع زوجات خطوة‬
‫واقعية بدرجة كبيرة نحو إنهاء تعدّ د الزوجات‪ ،‬بد ًال من تقرير هذا اإلنهاء فو ًرا وبشكل كامل (بدران‬
‫‪.)204-203 :2000‬‬
‫اقترحت سنة ‪ 1926‬اللجنة املؤلفة إلصالح قانون األسرة في مصر عدة اقتراحات تتعلق بتعدّ د‬
‫الزوجات‪ ،‬منها إعطاء الزوجة احلق في االشتراط على زوجها في عقد الزواج أ ّال يتزوج عليها‪ ،‬وتقييد‬
‫تعدّ د الزوجات قضائ ًّيا بشرطني‪ :‬قدرة الزوج على اإلنفاق على زوجاته‪ ،‬والعدل بينهنّ ‪ ،‬معتب َر ْين من‬
‫قبل الفقهاء واجبني‪ ،‬من الناحية الدينية‪ ،‬على الرجل املعدد‪ .‬وجتعل اقتراحات اللجنة هذين القيدين‬
‫يخرجان عن التكاليف الدينية إلى التطبيق القضائي‪ .‬ولكن رجال الدين اعترضوا حينها بشدة‬
‫على هذه املقترحات‪ ،‬ما أدى إلى طي املشروع وإغفال البحث عنه‪ .‬وصدر عام ‪ 1929‬أخذ ببعض‬
‫املقترحات املتعلقة بتعدّ د الزوجات وكانت حجة رجال الدين وما زالت‪ ،‬أن الرجل وحده هو “املرجع‬
‫في تقدير خوفه من العدل‪ ،‬وهو املطالب في ما بينه وبني الله بتطبيق احلكم املناسب ملا يعرف من‬
‫أيضا‪ ،‬إلى ما كان متب ًعا‬
‫نفسه وال سبيل ليد القانون عليه”‪ .‬واستند رجال الدين في تسويغهم هذا‪ً ،‬‬
‫في هذا الشأن منذ عصر الرسول (العشا‪.)2004 ،‬‬
‫بعدها بسبع سنوات‪ ،‬كان شيخ األزهر الشريف يكتب في “مجلتي” في صالح تعدّ د الزوجات‪ .‬وفي‬
‫عام ‪ 1939‬جنحت الرائدة منيرة ثابت في احلصول على مقابلة مع الشيخ التالي لألزهر الشريف‪،‬‬
‫النسويات‬
‫الذي قدّ م‬
‫ً‬
‫حججا اجتماعية واقتصادية لصالح تعدّ د الزوجات‪ .‬وأكد اتهامه للرائدات ْ‬
‫بتفضيل املرأة احلضرية على الريفية‪ ،‬إذ إن الرجل العامل في األرض يحسب ق ّوة عمله اإلنتاجية‬
‫اقترح ّ‬
‫املبني على “العصمة”‪،‬‬
‫احلل الفردي‬
‫بعدد زوجاته وأوالده‪ .‬أ ّما بالنسبة إلى نساء املدن‪ ،‬فقد ِ‬
‫ّ‬
‫تنص املرأة في عقد زواجها أن يلتزم الزوج عدم اتخاذ زوجات أخريات‪ .‬وبطبيعة احلال‪،‬‬
‫أو أن ّ‬
‫فإن الراغب في الزواج كان عليه أن يلتزم شرط تعاقده‪ .‬وفي حملتها لتقييد تعدّ د الزوجات قانونًا‪،‬‬
‫اقترحت منيرة ثابت فرض عقوبات شديدة على الرجال املخالفني ّ‬
‫وحطت من قدر النساء اللواتي‬
‫‪31‬‬
‫يقبلن بزواج فيه تعدّ د‪ .‬وربمّ ا كانت خبرتها السابقة كزوجة ثانية لعبد القادر حمزة قد أ ّثرت في‬
‫موقفها (بدران‪.)2000 ،‬‬
‫النسوية ضدّ تعدّ د الزوجات نضا ًال ضدّ عادة تلفظ آخر أنفاسها‪ .‬فإن تعدّ د الزوجات‬
‫وكانت احلملة ْ‬
‫شيوعا بني الطبقتني العليا والوسطى‪ .‬أ ّما بني الطبقة الدنيا والفالحني‪ ،‬فعلى‬
‫كان ينمو بشكل أقل‬
‫ً‬
‫النقيض من تأكيدات شيخ األزهر‪ ،‬فقد حدّ الفقر من هذه املمارسة بشكل دائم‪ .‬ومع أنّ احلملة‬
‫كانت أكثر من حرب ضدّ ممارسة اجتماعية متداعية‪ ،‬فإنها كانت هجو ًما على السيادة األبوية‪ ،‬املع َّبر‬
‫عنها في عالقات قانونية‪ ،‬واملؤدية إلى توريط النساء نفس ًّيا واجتماع ًّيا واقتصاد ًّيا‪ .‬ولم تقبل النساء‬
‫حجة أن تعدّ د الزوجات كان في صالح النساء‪ ،‬ألنه ُيحقق لهنّ اإلعالة بد ًال من تركهنّ بال عائل‪،‬‬
‫إذا ما ُطلقن‪ ،‬وبالفعل‪ ،‬فقد ربطن بني تشجيعهنّ على حق النساء في العمل وبني أمنهنّ (املرجع‬
‫خصوصا عام ‪ ،1936‬حني أنشأت احلكومة‬
‫السابق) إستمرت محاوالت االحتاد لدفع هذين املطلبني‬
‫ً‬
‫جلنة تتولى تقنينًا كام ًال لقوانني األحوال الشخصية‪ ،‬لكن من دون جدوى‪ .‬وفي مشروع سنة ‪،1943‬‬
‫الذي لقي تأييدً ا هذه املرة بفتوى من شيخ األزهر‪ ،‬محمد مصطفى املراغي‪ ،‬يشير العشا (‪:2004‬‬
‫‪ )96-95‬إلى أن هذا املشروع قد فشل في التحول إلى قانون بسبب معارضة بقية رجال الدين‪،‬‬
‫وتكرر الفشل في األعوام ‪ 1953 ،1945‬و‪ .1960‬واستمر النقاش حول تقييد التعدّ د بني مؤيدين‬
‫حدا له‪ ،‬وقرر في مؤمتره الثاني‪ ،‬املنعقد في القاهرة‬
‫ومعارضني إلى أن وضع مجمع البحوث اإلسالمية ًّ‬
‫في أيار‪ /‬مايو عام ‪“ 1965‬أن تعدّ د الزوجات مباح بصريح نصوص القرآن الكرمي بالقيود الواردة‬
‫فيه‪ ،‬وأن ممارسة هذا احلق متروكة إلى تقدير الزوج‪ ،‬وال ُيحتاج في ذلك إلى القاضي”‪.‬‬
‫ترى ستوواسر (‪ )108-92 :2003‬أن بروز اجتاهات جديدة في التفسير اإلسالمي املعاصر‬
‫للقرآن‪ ،‬وعالقتها التبادلية مع النماذج اإلسالمية املعاصرة للقضايا اجلنوسية‪ ،‬ح ّثت الكثيرين‬
‫والكثيرات من الكتاب احلداثيني على اقتراح مواقف جديدة إلشكالية النص القدسي وتشيكلته‬
‫احلضارية‪ .‬وفي حني مييل املفكرون اإلسالم ّيون التقليد ّيون إلى التعامل مع النص كأزلي والتأكيد‬
‫على الطبيعة املطلقة وبالتالي الالزمنية للوحي القرآني‪ ،‬فإن احلداثة تعي عددًا من املواقف اجلديدة‬
‫واملتباينة من اإلشكالية القائمة ما بني الطبيعة األزلية للقرآن والتحديد احلضاري اليومي‪ .‬وإن‬
‫معظم األبحاث ُتكتب اآلن بصيغة أبحاث نظرية بد ًال من وضعها بصيغة تعليقات قرآنية‪ .‬وبذلك فإنها‬
‫في كتابها “املرأة والقانون” تقوم أمينة ودود‪ ،‬كما يفعل آخرون وأخريات غيرها‪ ،‬ضمن احملاججة‬
‫نسوي إسالمي‪ ،‬بالتمييز بني مستويني نصيني في القرآن‪“ :‬النص السابق” والقائم على‬
‫من منظور ْ‬
‫القرآن تاريخ ًّيا وثقاف ًّيا و”النص األكبر” الواسع ذي القيمة الكونية األساسية أو الثقافية‪ ،‬وهي مت ّيز‬
‫بني ثالثة أنواع من التفسير القرآني‪ ،‬هي‪ :‬التقليدي والتفاعلي والتقديسي‪ ،‬وتعيب على التفسير‬
‫التقليدي ميثودولوجيته التجزيئية وافتقاره إلى إدراك الوحدة املوضوعية في ُبنية القرآن‪ ،‬وترى أن‬
‫‪32‬‬
‫العيب األكبر هو أن جميع التفاسير التقليدية للقرآن وضعها رجال‪ .‬وضمن هذا اإلطار تبدأ بقراءة‬
‫بعض اآليات من سورة النساء املتعلقة بقِ وامة الرجال على النساء تركز على الفحوى لتُفضي إلى‬
‫تفسير مختلف‪.‬‬
‫في محاولته لدحض التشريع املطلق لتعدّ د الزوجات ( أبو زيد‪ )217 :1999 ،‬يقول في أن‬
‫النصوص حتمل داللتها بصمات زمنها وحتيل بداللتها إلى واقع احلياة ‪ -‬الواقع االجتماعي ‪ -‬الذي‬
‫تنزّلت فيه‪ ،‬ومن هنا ال بد من التفريق بني “اجلوهري” و”العرضي”‪ ،‬بني “الثابت” و”املتغير” في‬
‫وحتسن وضعية النساء في املجتمع‪ ،‬تمُ كن قراءة‬
‫داللة تلك النصوص‪ .‬ومع تغ ّير األحوال االجتماعية‪ّ ،‬‬
‫النصوص الدينية في داللتها التاريخية‪ ،‬من أجل استنباط اجلوهري والثابت من وراء العرضي واملتغ ّير‪.‬‬
‫إن القراءة احلرفية وحدها هي التي تقف عند العارض‪ ،‬ألنها قراءة تستبعد السياق االجتماعي للتنزيل‬
‫ومن ثم لألحكام التي يتضمنها‪ .‬لقد نزلت “سورة النساء” بعد موقعة ُأحد في السنة الرابعة للهجرة‪،‬‬
‫ولذا فقد كان من الطبيعي أن تتناول كثي ًرا مما يتعلق بقضايا املرأة التي أثيرت بعد هزمية املسلمني‬
‫واستشهاد عدد كبير منهم‪ ،‬وما نتج عن ذلك من وجود عدد كبير من اليتامى واألرامل وضرورة فهم‬
‫األحكام في ضوء افتتاحية السورة التي تؤكد مفهوم “املساواة” األصلية في بدء “اخللق والتكوين”‬
‫من جهة‪ ،‬لتنتقل السورة في اآلية الثانية مباشرة إلى بيان حقوق اليتامى‪ .‬وفي هذا السياق يرد‬
‫موضوع النكاح‪“ :‬وآتوا اليتامى أموالهم وال تتبدلوا اخلبيث بالطيب‪ ،‬وال تأكلوا أموالهم إلى أموالك‬
‫إنه كان ُحو ًبا كبي ًرا‪ .‬وإن خفتم أ ّال ُت ِ‬
‫قسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء َمثنى و ُثالث‬
‫و ُرباع‪ ،‬فإن خفتم أ ّال تعدلوا فواحد ًة أو ما ملكت أميانكم ذلك أدنى أ ّال ت ُعولوا”‪ .‬ليؤكد بذلك على‬
‫صيغة الشرط التي تربط بني اإلباحة وبني اخلوف من عدم العدل مع اليتامى‪ ،‬ليؤكد كالهما م ًعا أن‬
‫األمر ليس أمر تشريع دائ ًما‪ ،‬وإمنا هو تشريع مؤقت ملعاجلة موقف طارئ‪.‬‬
‫خصوصا ‪ -‬من منظور الدين واألخالق‬
‫عندما ُتنا َقش املشكالت االجتماعية ‪ -‬ومشكلة املرأة‬
‫ً‬
‫تتبدّ د جوانب املشكلة‪ ،‬وتتوه في ضباب التأويالت األيديولوجية النفعية للنصوص الدينية‪ .‬األهم‬
‫من ذلك أن املناقشة من منظور الدين واألخالق ُتعدّ إخفاء متعمدً ا للبعد االجتماعي واالقتصادي‬
‫من جهة‪ ،‬وجتاه ًال قصد ًّيا لعالقة املرأة بالرجل في سياقها احلقيقي وإطارها الفعلي من جهة أخرى‪.‬‬
‫ولن تؤدي التأويالت النفعية األيديولوجية للنصوص الدينية إطال ًقا إلى تغيير وضع املرأة ‪ -‬والوضع‬
‫اإلنساني عمو ًما – سل ًبا أو إيجا ًبا‪ ،‬إذ ليس بتأويل النصوص الدينية يحيا اإلنسان‪ ،‬وإذا كان اخلطاب‬
‫الديني ينطلق دائ ًما من مناقشة أية قضية من ثابت فكري ال يقبل النقاش ‪ -‬هو مرجعية النصوص‬
‫الدينية وشمولها ّ‬
‫لكل جوانب الوجود الطبيعي واالجتماعي وهو املبدأ املعروف باسم “احلاكمية” ‪-‬‬
‫فإن االكتفاء مبوقف السجال مع أطروحاته يعني التسليم بهذا املبدأ‪ .‬لذلك ال بدّ من مناقشة املشكلة‬
‫بعيدً ا عن آلية السجال بالتأويل األيديولوجي النفعي للنصوص (أبو زيد‪.)87 :1999 ،‬‬
‫‪33‬‬
‫النساء العربيات بعد التحرر الوطني ما بني‬
‫املشروع القومي واملشروع اإلسالمي‬
‫ُتظهر التجربة ‪ -‬وكما تشير جاد (‪ - )2001‬أن معظم الدول العربية اتبعت بعد حصولها على‬
‫االستقالل سياسات جديدة ُتظهر الدولة مبظهر مختلف عن الفترة التي عاشها املجتمع حتت السيطرة‬
‫االستعمارية‪ ،‬وقد تناولت بهذا الصدد الكثير من الدراسات سياسات ما ُيطلق عليه دول ما بعد‬
‫الكولونيالية (‪ )Post – Colonial State‬وتأثيرها على النساء‪ّ .‬‬
‫أساسا‪،‬‬
‫ركزت هذه السياسات‪،‬‬
‫ً‬
‫على إقامة املشاريع الصناعية والزراعية الضخمة لزيادة معدالت الدخل ورفع مستوى املعيشة‪ ،‬وقد‬
‫ّ‬
‫مكنت هذه السياسات الدول من توفير العديد من اخلدمات في مجاالت‪ :‬الصحة والتعليم والعمل‬
‫والضمانات االجتماعية‪ .‬ولتأكيد االستقالل السياسي واالقتصادي وحتقيق زيادة في اإلنتاج ومعدالت‬
‫الدخل‪ ،‬شرعت تلك الدول في تغيير وتعديل العديد من القوانني التي حتد من مشاركة النساء في‬
‫سوق العمل أو احلياة السياسية‪ ،‬وفي ترويج منوذج “املرأة اجلديدة”‪ ،‬هذا النموذج الذي ُيظهر املرأة‬
‫كعاملة ومجنّدة‪ ،‬كمتعلمة ومثقفة‪.‬‬
‫غير أنه في الوقت الذي استعارت فيه احلكومات املسلمة الشيء الكثير من مؤسسات الغرب‬
‫والقانوني‪ ،‬أقلعت بشكل عا ّم عن استبدال قانون األسرة‬
‫واالقتصادي‬
‫السياسي‬
‫في مجال التطوير‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫اإلسالمي بالقوانني املدنية الغربية‪ ،‬واكتفت بإصالحه من خالل تشريعات ُأق ّرت في قوانني الزواج‪،‬‬
‫ّ‬
‫الطالق وامليراث‪ .‬كان اإلحجام عن استبدال قانون األسرة باألحكام الغربية اعترا ًفا ضمن ًّيا‪ ،‬إن لم‬
‫يكن معلنًا بخطورة وحساسية القضايا املتعلقة بالنساء واألسرة في التاريخ اإلسالمي والتقاليد‬
‫اإلسالمية (اسبوزيتو‪ .)2003 ،‬ولذا‪ ،‬فغال ًبا ما كانت هذه اإلصالحات ُتعقلن وتكتسب شرعيتها من‬
‫خالل استخدام املبادئ اإلسالمية واألساليب القانونية في اإلسالم‪.‬‬
‫وكما في معظم اإلصالحات احلديثة‪ ،‬جاءت هذه اإلصالحات من جانب الدولة‪ ،‬وليس من جانب‬
‫الشعب‪ ،‬ومت طرحها من األعلى ال من األسفل‪ .‬ولم تكن منبثقة عن رغبة ومطالبة الشعب والزعماء‬
‫الدينيني‪ ،‬بل من ّ‬
‫احلكام وأقلية من نخبة احملدثني‪ .‬وقد فرضت أو ش ّرعت من األعلى‪ُ ،‬مس ّوغة في‬
‫الغالب باالعتقاد بأن القلة املتعلمة واملتنورة “احلديثة” هي التي ترسم املستقبل للقطاع احملافظ‬
‫من املجتمع األكثر “تقليدية” واألقل تن ّو ًرا ًّ‬
‫وحظا (إسبوزيتو‪ .)2003 ،‬وقد ظهر التوتر والنزاع بني‬
‫التقليد واحلداثة في املسارات املبهمة واملتناقضة من حيث املكاسب التي أحرزت في مجال التعليم‬
‫والتشغيل في الوظائف احلكومية‪ ،‬في الوقت الذي بقيت هذه املكاسب تعيش جن ًبا إلى جنب مع قيم‬
‫العيب والشرف التقليدية املستمدة من “طقوس البكارة” واخلوف من فقدان العذرية‪.‬‬
‫‪34‬‬
‫بغض النظر عن املناقشات التي أبقت التغيير الراديكالي حتت السيطرة النسبية‪ ،‬فإن التحديث في‬
‫الواقع قد ترك أث ًرا خطي ًرا في حياة النساء وعالقتهنّ ضمن األسرة‪ .‬وقد ك ّثفت مجموعة من العوامل‬
‫اجلديدة عملية التغييرات في السبعين ّيات‪ .‬وشملت تلك العوامل التق ّلبات االقتصادية الدرامية‬
‫(خصوصا بني الشباب الذكور)‬
‫لسنوات السبعين ّيات والثمانين ّيات‪ ،‬وزيادة هجرة اليد العاملة‬
‫ً‬
‫ومشاركة املرأة في العمل املأجور‪ ،‬وأيديولوجية الدولة والسياسة وتنامي احلركة اإلسالمية‪ ،‬وال ِّنتاج‬
‫النسوية الغربية (حداد‪ .)55 :2003 ،‬تتابع‬
‫الدولي‪ ،‬مثل دراسات وتوصيات األمم املتحدة ومطالب ْ‬
‫حداد بذلك للتطرق إلى الدور املركزي (واملتناقض) الذي خبرته النساء في التاريخ العربي احلديث‬
‫بيد اإلسالميني والقوميني على حد سواء‪ ،‬حيث طالب الطرفان النساء مبطالب متناقضة‪ .‬فالنساء‬
‫بالنسبة إلى األيديولوجيات القومية واإلسالمية‪ ،‬عبارة عن عنصر أساسي وحساس حلفظ األمة‪.‬‬
‫يرى اإلسالميون أن اخلطر الرئيسي للغرب حضاري أكثر من كونه سياس ًّيا أو اقتصاد ًّيا‪ .‬فالتبعية‬
‫احلضارية جترد املرء من اإلميان وال ُهوية‪ ،‬وتد ّمر بذلك اإلسالم واألمة اإلسالمية على نحو يفوق كثي ًرا‬
‫ركني‬
‫الدمار الذي ميكن أن يأتي به احلكم السياسي‪ .‬وضمن هذه الرؤية اعتُبرت املرأة والعائلة نْ‬
‫أساسيي في هذا اإلطار‪ ،‬وأصبحت بالتالي حاملة احلضارة الرئيسية وصائنة التراث‪ ،‬املضطلعة بدور‬
‫نْ‬
‫املعقل األخير ضدّ التغلغل األجنبي‪ ،‬وبذلك لم يعد احلجاب مجرد عالمة على احلياء بل أصبح رمزًا‬
‫للدفاع عن اإلسالم وحماية األسرة‪ ،‬ومن ثم ال ُهوية اإلسالمية للمجتمعات املسلمة‪.‬‬
‫في حني يؤكد اإلسالميون على أنه بد ًال من امليل إلى حتديث اإلسالم واملجتمع (وهو األمر الذي‬
‫يقرنونه بالتغريب وال َعلمانية)‪ ،‬فإن املَهمة الراهنة يجب أن تكون أسلمة املجتمع أو إعادة أسلمته‪.‬‬
‫أيضا‪،‬‬
‫فقد حاولت احلركات الوطنية املناهضة لالستعمار حتديث اإلسالم‪ ،‬وقد ظهرت النتيجة‪ً ،‬‬
‫ببلورة خطاب وطروحات متناقضة ألدوار النساء‪ .‬إذ فسحت األنظمة اجلديدة من جهة‪ ،‬للعديد من‬
‫النساء مجال املشاركة بشكل أكبر في احلياة االجتماعية‪ ،‬األمر الذي يفكك ويهدم العالقات واألدوار‬
‫اجلندرية التقليدية‪ ،‬إ ّال أنها من جهة أخرى‪ ،‬تعاملت هي كذلك مع النساء كأمهات وحامالت لتقاليد‬
‫وخصوصا فيما‬
‫وتراث األمة‪ ،‬وأدى هذا األمر إلى انبثاق استراتيجيات جديدة للسيطرة على النساء‬
‫ً‬
‫يتعلق باجلنسانية‪ ،‬للحفاظ على‪ /‬وإعادة إنتاج هُ وية وتف ّرد “اجلماعة”‪ .‬في نهاية املطاف‪ ،‬أعادت‬
‫احلركات الوطنية واملناهضة لالستعمار التوكيد على ‪ -‬واألسوأ من ذلك أنها ض ّيقت ‪ -‬بارامترات‬
‫السلوك األنثوي املقبول ثقاف ًّيا من خالل ممارسة الضغط على النساء بااللتزام بشروط اخلطاب القومي‬
‫(‪.)Kandiyoti, 1996‬‬
‫ومع استمرار تزايد نفوذ التيارات الدينية اتخذت العودة إلى فرض اإلسالم على احلياة اخلاصة‬
‫والعامة أشكا ًال عديدة‪ ،‬من إيالء املزيد من االهتمام للممارسات الدينية (كالصالة‪ ،‬والصوم وامللبس)‬
‫إلى ظهور املنظمات واحلركات واملؤسسات اإلسالمية‪ .‬أصبح اإلسالم قوة سياسية واجتماعية مهمة‪،‬‬
‫‪35‬‬
‫تقربت احلكومات من اإلسالم لتعزيز شرعيتها ولتعبئة الدعم الشعبي‪ ،‬وحتدّ ت املنظمات واألحزاب‬
‫اإلسالمية إخفاقات الوضع القائم مدعية بأن “اإلسالم هو احلل” وداعية إلى إصالحات اجتماعية‬
‫وسياسية‪ .‬تتصدر اجلنوسة والقضايا املتعلقة بها مكانًا بارزًا في هذا اخلطاب حيث أصبح مشروع‬
‫التحديث فيه موضع تشكيك‪ ،‬نتيجة حتدي البدائل اإلسالمية للخطاب الوطني وال َعلماني‪ .‬وقد‬
‫واجهت الدول واحلكام املسلمون التهديد من جانب أولئك الذي يتحدّ ثون عن إخفاقات الدولة‬
‫ويصوغون تذمراتهم وحلولهم في خطاب إسالمي (اسبوزيتو‪.)13 :2003 ،‬‬
‫أدى منو التيارات اإلسالمية وفشل األنظمة احلاكمة في إرساء قواعد الدميقراطية والعدالة بني‬
‫مواطنيها إلى تعرض النساء العربيات النتهاكات جدية (البزري‪1995 ،‬؛ أبو زيد‪1999 ،‬؛ النقاش‪،‬‬
‫‪2003‬؛ حتاتة‪ .)2000 ،‬فيرى حتاتة (‪ )2000‬أن مرحلة ما بعد احلداثة قد انعكست على واقع‬
‫سلبي أكثر منه إيجاب ًّيا‪ ،‬حيث ما زالت فيها الغالبية العظمى من النساء العربيات‬
‫النساء حال ًّيا بشكل‬
‫ّ‬
‫وج ّلهنّ يرزحن حتت ثقل مفاهيم تنتقص من إنسانيتهنّ‬
‫تعاني من تفاوت وضعهنّ من بلد آلخر‪ُ ،‬‬
‫جدا‪ ،‬ومشاركتهنّ في سوق العمل قليلة‪ .‬ومع تنامي‬
‫وأهليتهنّ وحقوقهنّ ‪ ،‬فنسبة األمية مرتفعة ًّ‬
‫احلركات األصولية‪ ،‬فهناك تصاعد في حدة اخلطابات واملمارسات القمعية “جنس ًّيا” في العديد من‬
‫املجتمعات اإلسالمية‪ ،‬األمر الذي زاد من خطر التهديد املوجه إلى النساء الالتي يرفعن أصواتهنّ ‪-‬‬
‫كأفراد وجماعات ‪ -‬للمطالبة بالتحرر اجلنسي (ايلكاركان‪.)15 :2004 ،‬‬
‫يرى حتاتة (‪ )2000‬والنقاش (‪ )2003‬أن هناك تداخ ًال ما بني األنظمة السياسية احلاكمة‬
‫واحلركات األصولية رغم ما يظهر بينهما من تناقض ظاهري‪ .‬فسياسات الليبرالية اجلديدة التي أدت‬
‫إلى انتشار الفقر والبطالة وخصخصة املؤسسات وانسحاب الدولة من قطاع اخلدمات االجتماعية‪،‬‬
‫ح ّولت النساء فيها إلى سلعة استهالكية في حني يفرز هذا الواقع اإلسالم السياسي والتيار األصولي‬
‫الذي يزداد قوة ويعمل بدوره على التمسك بقيم وعادات رجعية خاصة بقضايا النساء‪ ،‬وكال العاملني‬
‫يلتقيان م ًعا إلجهاض مسيرة حترر النساء‪ .‬وبذلك‪ ،‬فإن العالم العربي يعيش اليوم خطاب ردّة‪ ،‬كما‬
‫يشهد تخل ًفا يطالب بعزل النساء عن احلياة العا ّمة والعودة بهنّ إلى عصر احلرمي و”وأدهنّ ” داخل‬
‫احلجاب‪ ،‬وهو ما ُيص ّوره أبو زيد (‪ )1999‬كعملية “دفن” النساء على سطح األرض‪.‬‬
‫‪36‬‬
‫دساتير الدول العربية وقانون العائلة‪ :‬مساران متناقضان في قضايا‬
‫املرأة وحتررها‬
‫من الواضح لدى الكثير من املراقبني أن األهداف التي وضعها الزعماء الوطن ّيون املختلفون حول‬
‫ما يجب على املجتمع أن يحققه إزاء النساء‪ ،‬قد تداعت بفعل التقاليد التي كرستها الدساتير الوطنية‬
‫املختلفة‪ .‬ففي الوقت الذي أكدت فيه على مساواة اجلنسني أمام القانون‪ ،‬احتوت جميع الدساتير‬
‫على فقرة تؤكد على أن الشريعة هي القاعدة النافذة‪ ،‬وهي إشارة يفهمها جميع املعنيني بتقبل املبدأ‬
‫اإلسالمي بكون الرجال ق ّوامني على النساء (حداد‪.)2003 ،‬‬
‫رغم االختالفات القائمة بني الدول العربية ما بعد االستعمار في مساراتها التحديثية‪ ،‬تشير‬
‫حجاب (‪ )2003‬إلى أن هذه الدول بقيت جتتمع في قانون األسرة واألحوال الشخصية‪ ،‬حيث بقي في‬
‫معظم هذه الدول كما هو‪ ،‬من دون أن يمُ س‪ ،‬ثم أدخلت عليه بعض اإلصالحات بد ًال من استبداله‪.‬‬
‫بقي االختالف بني الدول العربية في التفسيرات التي تمُ نح لآليات القرآنية وللسنة النبوية وللقوانني‬
‫اإلسالمية‪ ،‬التي تسمح للرجل باالدعاء القانوني بتفوقه على املرأة في القِ وامة‪ ،‬في الشهادة واإلرث وفي‬
‫الطالق (أبو بكر‪ .)2001 ،‬أدّت هذه الفجوة إلى وجود تناقض بني دساتير هذه الدول التي تبنّت‬
‫مسارات حتديثية في جميع مستويات أجهزتها السياسية‪ ،‬االقتصادية‪ ،‬االجتماعية والتربوية‪ ،‬والتي‬
‫تنص على عدم التمييز على أساس العرق واجلنس‪ ،‬وما بني قوانني األسرة واألحوال الشخصية‪ ،‬والتي‬
‫ّ‬
‫تضع النساء في مكان ال ُيحسدن عليه (حجاب‪.)2003 ،‬‬
‫تنص دساتير الشعوب العربية على عدم التمييز على أساس العرق‪ ،‬أو اجلنس أو املعتقد‪ ،‬تب ًعا‬
‫ملا يتطلبه القانون الدولي ومواثيق األمم املتحدة‪ .‬وهكذا فهي تضمن احلقوق السياسية املتساوية‬
‫ّ‬
‫الترشح واالنتخاب في جميع الدول العربية ذات البرملانات (باستثناء‬
‫للنساء العربيات الالتي يستطعن‬
‫الكويت)‪ .‬تتماشى تشريعات العمل العربية التي شرعت خالل القرن العشرين هي األخرى مع املعايير‬
‫الدولية‪ .‬إ ّال أن قوانني األسرة التي تنظم احلقوق واملسؤوليات في الزواج والطالق وحضانة األبناء‬
‫وامليراث‪ ،‬ال توفر املساواة بني اجلنسني ألنها ُط ّورت ضمن اإلطار اإلسالمي في جميع الدول العربية‪.‬‬
‫وألن التشريعات ُط ّورت بشكل مستقل‪ ،‬فإنها حتمل مجا ًال واس ًعا في التفسير‪ .‬ففي حني حققت تونس‬
‫مساواة تكاد تكون تامة بني الرجال والنساء ضمن اإلطار اإلسالمي‪ ،‬يؤ ّمن القانون املصري “التعادل”‬
‫بد ًال من املساواة‪ ،‬وفي البحرين لم تضع الدولة قانونًا ينظم العالقات األسرية‪ ،‬وقد أنيط إصدار الرأي‬
‫وحسب ما يرونه مناس ًبا‪ .‬وهكذا‬
‫القانوني بالقضاة الذين ترك لهم تفسير الشريعة على نحو مباشر َ‬
‫تخلص حجاب (‪ )2003‬إلى أن معظم قوانني األسرة بشكلها الراهن تتعارض في واقع األمر مع‬
‫‪37‬‬
‫أحكام الدساتير وقوانني العمل املشرعة‪ .‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬يمُ كن للدستور في بعض الدول العربية‬
‫أن يضمن حق العمل‪ ،‬ويمُ كن أن يكون قانون العمل فيها منص ًفا‪ ،‬ولكن قانون األسرة قد يسمح‬
‫للزوج بأن يشترط على زوجته احلصول على موافقته من أجل العمل خارج املنزل‪.‬‬
‫وباالعتماد على التعديالت القانونية في املنطقة لقانون العائلة الذي ّ‬
‫مت في مصر‪ ،‬سوريا‪ ،‬األردن‪،‬‬
‫املغرب‪ ،‬الهند وباكستان‪ ،‬يصف جون اسبوزيتو األسلوب الذي ّ‬
‫متت فيه صياغة الدول احلذرة في‬
‫توظيف القيم الشرعية من أجل تأسيس ال ُهوية اإلسالمية لهذه التعديالت‪ ،‬وهي بذلك تصوغ ً‬
‫خيطا‬
‫– عالقة بني املعاصرة القانونية والسوابق القضائية التقليدية (‪ .)Esposito, 1994‬من خالل‬
‫التشديد على إعالم الزوجة األولى أو الزوجات السابقات بخصوص الزواج‪ ،‬ومن خالل إعطاء القوة‬
‫للمحكمة ألن تق ّرر قدرة الرجل املادية على إعالة عائلة أخرى‪ ،‬فهناك إمكانية لرفض احملكمة‬
‫لتعدّ د الزوجات إذا تبينّ أن إمكانية اإلساءة قائمة‪ ،‬وكذلك ضمان الطالق لزوجة تتذمر من معاملة‬
‫غير متساوية‪ .‬أعطت بعض القوانني العربية احلديثة الزوجة حق طلب التطليق بسبب زواج زوجها‬
‫بأخرى‪ ،‬شرط أن تشترط ذلك في عقد الزواج‪ .‬واعتمدت هذه القوانني هنا على املذهب احلنبلي الذي‬
‫يرى صحة هذا الشرط في الزواج‪ .‬وبذلك‪ ،‬فقد اختارت هذه الدول التسوية‪ .‬ترى ميني (‪Yamani,‬‬
‫تقض‬
‫‪ )2008‬أنه رغم أن هذه التعديالت ركزت‬
‫أساسا على العامل املادي لتعدّ د الزوجات‪ ،‬ولم ِ‬
‫ً‬
‫باآلثار األخرى لتعدّ د الزوجات‪ ،‬استطاعت أن تقلل من عدم العدل املادي‪.‬‬
‫إنّ مصر هي واحدة من الدول العربية املصدّ قة على ميثاق األمم املتحدة للقضاء على جميع‬
‫أشكال التمييز ضدّ النساء‪ ،‬وهو األداة الدول ّية األبعد مدً ى لضمان املساواة ما بني الرجال والنساء‪.‬‬
‫و ُيعتبر التصديق على أية مواثيق لألمم املتحدة التزا ًما من جانب احلكومات‪ ،‬بجعل قوانينها الوطنية‬
‫متماشية مع امليثاق‪ ،‬إ ّال في حالة حت ّفظ احلكومات على فقرات محدّ دة‪ .‬كان ملصر حتفظاتها كما كان‬
‫للعديد غيرها من دول العالم‪ .‬شملت حتفظات مصر التحفظ التالي على املادة ‪ :16‬اخلاصة مبساواة‬
‫الرجال والنساء في جميع الشؤون املتعلقة بعالقات الزواج واألسرة في أثناء الزواج وعند انحالله‪.‬‬
‫وينبغي أن ال يتعارض ذلك مع أحكام الشريعة اإلسالمية‪ ،‬حيث حتصل النساء على حقوق تعادل‬
‫حقوق أزواجهنّ من أجل تأمني توازن عادل بينهما‪ .‬ويأتي هذا احترا ًما لقدسية املعتقدات الدينية‬
‫الراسخة التي حتكم العالقات الزوجية في مصر والتي ينبغي أن ال توضع موضع تساؤل (حجاب‪،‬‬
‫‪.)2003‬‬
‫يعني هذا أن النساء‪ ،‬من جانب‪ ،‬يجب أن يحصلن على املساواة التامة مع الرجال ما دامت مصر قد‬
‫صدّ قت على امليثاق‪ .‬ومن جانب آخر‪ ،‬عندما يصل األمر إلى تفاصيل تنفيذ امليثاق‪ ،‬فإن حقوق النساء‬
‫ُتق ّيد باالستناد إلى أرض ّيات ال يحق ألحد أن “يضعها موضع تساؤل”‪ .‬إن حقيقة كون قانون األسرة‬
‫‪38‬‬
‫قد نشأ ضمن اإلطار اإلسالمي‪ ،‬تعني في واقع األمر أن في وسع النساء أن يحصلن على املساواة‬
‫خارج البيت‪ ،‬ولكن ليس داخله‪ .‬وترى حامت (‪ )189 :2003‬أن هذا التناقض بأشدّ جتل ّياته مت ّثل‬
‫في رفض عبد الناصر االستجابة بفاعل ّية لاللتماسات التي تقدّ مت بها بعض نساء الطبقتني الوسطى‬
‫والعليا‪ ،‬إلدخال اإلصالحات على قانون األسرة على النحو الذي يق ّيد الطالق وتعدّ د الزوجات‪ .‬وقد‬
‫قامت دول أخرى بوضع بعض التعديالت ُمتجنّبة فرض منع مباشر ضدّ تعدّ د الزوجات‪ ،‬وذلك‬
‫تخ ّو ًفا من التيارات الدينية‪ ،‬فوضعت تقييدات تقنية وفرضت عقوبات جنائية على من يخالف هذه‬
‫التقييدات‪ .‬وتعتبر حامت أن ترك قوانني األحوال الشخصية على حاله هو عالمة فارقة من عالمات‬
‫االختالف الثقافي وانعدام املساواة اجلنوسية‪ُ ،‬تنكر فيها الدولة على النساء حق املساواة في احلصول‬
‫على الطالق وتتساهل إزاء تعدّ د الزوجات‪ .‬وفي حني لم يكن تعدّ د الزوجات يشكل في مصر في‬
‫أفضل حاالته سوى مؤسسة وممارسة هامشية‪ ،‬فإن إبقاءه قانون ًّيا قد أبرز عالمة ثقافية مهمة على‬
‫حضور االمتياز الذكوري‪ .‬فحرمان النساء من املساواة في حق احلصول على الطالق قد أكد الوضع‬
‫النسائي القانوني التبعي في األسرة‪ ،‬وبذلك فإن األدوار التي أعطيت للرجال والنساء في امليدان‬
‫األسري كانت تهدف إلى أن تكون ممثلة لعالمات االختالف الثقافي‪ ،‬وحني ناشدت ممثالت نساء الطبقة‬
‫الوسطى عبد الناصر عام ‪ 1967‬في خصوص تغيير هذه القوانني التي بدت شاذة في مجتمع احلداثة‬
‫التوجه إلى املؤسسة الدينية التي متلك القول الفصل‪ .‬و ُيعتبر‬
‫اجلديد‪ ،‬فقد ر ّد عليهنّ بأنه ينبغي لهنّ‬
‫ّ‬
‫تناقضا كبي ًرا مع الطريقة التي ط ّورت بها الدولة ال َعلمانية‬
‫هذا املوقف املتراخي من القوانني املدنية‬
‫ً‬
‫تفسيراتها االقتصادية لإلسالم‪.‬‬
‫مضى خمسون عا ًما حتى ظهرت تغ ّيرات ذات أهمية لصالح النساء في قانون األحوال الشخصية‪،‬‬
‫وجاء التغيير في مرسوم قانون أصدره أنور السادات‪ ،‬بضغط من زوجته جيهان السادات‪ .‬اعتبر‬
‫القانون املصري رقم ‪ 44‬لعام ‪ ،1979‬أن تقييد التعدّ د يكون عن طريق شرطي اإلنفاق والعدل‪،‬‬
‫ويتم منح املرأة احلق في طلب الطالق في حال تز ّوج زوجها بأخرى‪ ،‬وإن لم تشترط ذلك في عقد‬
‫ّ‬
‫النص‪ .‬وكان من بني املو ّقعني على هذا القانون‪ ،‬شيخ األزهر ومفتي اجلمهور ّية ووزيرا األوقاف‬
‫ّ‬
‫وس ّمي‪،‬‬
‫والعدل‪ .‬ولكن رجال الدين احملافظني هاجموا هذا القانون الذي ُس ّمي “قانون السادات” ُ‬
‫ووجه املعارضون نقدهم‬
‫أحيانًا‪“ ،‬قانون جيهان” نسبة إلى زوجة الرئيس املصري أنور السادات‪ّ .‬‬
‫خاص إلى صياغة املادة السابقة‪ ،‬ألنها تعتبر مج ّرد الزواج بزوجة ثانية ضر ًرا على الزوجة‬
‫بشكل‬
‫ّ‬
‫صريحا على ما أباحه الله‪ ،‬بأنّه ضرر وظلم (العشا‪ .)2000 ،‬ولم ُيكتب‬
‫األولى‪ ،‬ورأوا فيه حك ًما‬
‫ً‬
‫لهذه الصياغة في احلقيقة عمر طويل‪ ،‬فصدر بعد اغتيال الرئيس السادات‪ ،‬عام ‪ ،1981‬أمر من‬
‫احملكمة الدستورية العليا بإلغاء قانون السادات‪ ،‬وصدر في العام نفسه أمر من احملكمة الدستورية‬
‫العليا بإلغاء قانون األحوال الشخصية لعام ‪ ،1979‬وأعقب اإللغاء عام ‪ 1985‬صدور قانون جديد ّ‬
‫مت‬
‫إجراء بعض التعديالت عليه‪ ،‬ولكن بقي أهم ما ظهر فيه أنه ال يعتبر مج ّرد زواج الرجل بزوجة إلغاء‬
‫‪39‬‬
‫التوجه إلى احملكمة‬
‫حلقّ الزوجة في طلب الطالق أوتوماتيك ًّيا إذا تز ّوج زوجها بأخرى‪ ،‬وأصبح عليها‬
‫ّ‬
‫وإثبات الضرر الالحق بها من قبل زوجها كشرط للموافقة على الطالق‪ .‬من خالل القانون الذي ُسنّ‬
‫بهذا اخلصوص‪ ،‬فإن باقي التعديالت ضمنت للمرأة حقّ الطالق في حال معارضتها لزواج زوجها‪،‬‬
‫ويستمر ْرن في حت ّمل ّ‬
‫كل التبِعات املادية بشكل‬
‫غير أنّ الكثير من األمهات‪ ،‬عمل ًّيا‪ ،‬ال يطلنب الطالق‬
‫ِ‬
‫منفرد‪ ،‬حيث إن الطالق من املُمكن أن يجعلهنّ ‪ ،‬في الكثير من احلاالت‪ ،‬في حالة من العوز‪ ،‬وأن‬
‫يؤدّي‪ ،‬بالتالي‪ ،‬إلى فقدانهنّ حضانة أطفالهنّ ممّن هم فوق سنّ السابعة (‪.)Mashhour, 2005‬‬
‫تشير بدران (‪ )2000‬إلى أنه في ليلة سفر الوفد النسائي املصري إلى نيروبي‪ ،‬حلضور مؤمتر املرأة‬
‫الذي ّ‬
‫مت إصدار قانون آخر ّ‬
‫نظمته األمم املتحدة عام ‪ّ ،1995‬‬
‫ِ‬
‫أدركت‬
‫أقل حدّ ة من القانون األول‪ ،‬حيث‬
‫الدولي‪.‬‬
‫الدولة أنّه ليس من املناسب أن حتمل النساء شكواهنّ إلى هذا االجتماع‬
‫ّ‬
‫وفي األخير‪ ،‬فإن مساعي التحديث من جانب الدولة قد عملت بثبات على إضعاف الدعم التقليدي‬
‫وأنظمة التوسط‪ ،‬ويزداد اآلن اعتماد النساء على مؤسسات الدولة وتشريعاتها من أجل حماية‬
‫تخص العالقات داخل األسرة‪ ،‬ال يوفر القانون في العالم‬
‫حقوقهنّ ‪ .‬ولكن في املساحة احلرجة التي‬
‫ّ‬
‫العربي احلقوق املتساوية للرجال والنساء‪ .‬ويعود ذلك إلى أن النقاش حول أدوار النساء قد أدير ضمن‬
‫النسويني‪/‬‬
‫اإلطار اإلسالمي (حجاب‪ .)118 :2003 ،‬ويتعرض هذا األمر ملساءلة متزايدة من قبل ْ‬
‫ات العرب‪ ،‬الذين يطرحون تونس كمثال‪ ،‬مشيرين‪/‬ات إلى كونها قد ط ّورت قانون األسرة لديها‬
‫ضمن اإلطار اإلسالمي‪ ،‬لكنها فسرت قوانني الشريعة على نحو يتيح املساواة بني الرجال والنساء‪.‬‬
‫تعدّد الزوجات في الدستور التونسي‪:‬‬
‫لم يغ ّير االنتداب الكولونيالي الفرنسي في تونس من قانون األحوال الشخصية احملافظ‪ ،‬والذي‬
‫حسبه منذ مئات السنني‪ .‬وقد كان املذهب املالكي املتبنّى في منطقة شمال إفريقيا قد‬
‫مت العمل َ‬
‫أتاح تعدّ د الزوجات‪ ،‬ومنح الرجل حق الطالق من جانب واحد فقط‪ ،‬وحرم النساء من حقهنّ في‬
‫ولي أمر العروس‪ ،‬فقط‪ ،‬حني‬
‫امليراث‪ .‬ذلك باإلضافة إلى عدم حتديد سنّ دُنيا للزواج‪ ،‬وطلب موافقة ّ‬
‫تقدّ م رجل للزواج بها‪ ،‬ما أتاح بذلك الزواج باإلكراه‪ .‬وفي مجال امليراث‪ ،‬فقد سمح للنساء بنصف‬
‫ما يرثه الرجل‪ .‬و ُيعتبر إصدار “قانون األحوال الشخصية” املعروف باسم “املجلة” عام ‪1957‬‬
‫بعد أن حصلت تونس على استقاللها‪“ ،‬ذروة مسار طويل من التطور الفكري بني احلكام السياسيني‬
‫في تونس” (‪ .)Salem, 1984‬كان املفكر التونسي والباحث في العلوم الدينية‪ ،‬طاهر احلداد‪،‬‬
‫قد نشر كتا ًبا في العشرين ّيات من القرن املاضي حتت اسم “‪Our Women in Law and‬‬
‫‪40‬‬
‫‪ .”Society‬مت في أعقابه سحب جميع شهاداته التي تلقاها من املركز الديني “الزيتونة” وطرده‬
‫من عمله‪ .‬سار احلداد في هذا الكتاب على خطى محمد عبده ومحدثني آخرين‪ ،‬محاو ًال إثبات أن‬
‫ّ‬
‫القرآني ليس أبد ًّيا‪ ،‬بل ينتمي إلى سياق‬
‫املنحط للنساء‪ ،‬وأنّ النص‬
‫الدين ليس مسؤو ًال عن الوضع‬
‫ّ‬
‫وحسبه‪ ،‬إن امليل في الدين‬
‫تاريخي‪ ،‬وأن الدين اإلسالمي هو دين الواقع‪ ،‬ولذلك فهو يتط ّور مبوازاته َ‬
‫ّ‬
‫والقرآن هو نحو تبنّي توجه تدريجي في مالءمة القوانني اإلسالمية للواقع املعاصر‪ .‬اعتبر حداد أن‬
‫القرآن وقوانينه لم مينحا املساواة التامة للنساء‪ ،‬بسبب التقييدات التي فرضها املجتمع العربي في‬
‫تلك الفترة‪ ،‬ولذلك تكمن احلاجة في تبنّي خطة تدريجية وراء خطوة من أجل إحداث التغيير‪ .‬وقد‬
‫ً‬
‫معارضا بشدة لهذه األفكار‪ ،‬وقد كان احلداد عض ًوا في‬
‫كان املوقف الرسمي التونسي للعلماء موق ًفا‬
‫حزب الدستور‪ ،‬الذي وقف على رأسه بورقيبه‪ ،‬الذي قاد تونس نحو االستقالل‪.‬‬
‫استطاع الطاهر حداد بذلك أن يتجاوز إلى حدّ ما مسألة “التأويل املضاد” أو “القراءة األخرى”‬
‫لإلسالم ولنصوصه‪ ،‬فيطرح مفهوم “النسبية” و”التاريخية” تفسي ًرا ألحكام اإلسالم عن املرأة‪ .‬ويرى‬
‫الطاهر أنها ليست أحكا ًما نهائية‪ ،‬بل هي أحكام نابعة من وضع ّية املجتمع الذي أنزلت فيه‪ ،‬ولذلك‬
‫تمُ كن قراءة النصوص الدينية في داللتها التاريخية من أجل استنباط اجلوهري والثابت من وراء‬
‫العرضي واملتغير‪ ،‬ليرى أن القراءة احلرفية وحدها هي التي تقف عند العارض‪ ،‬ألنها قراءة تستبعد‬
‫السياق االجتماعي للتنزيل ومن ثم لألحكام التي تض ّمنها (أبو زيد‪ .)67 :1999 ،‬وقد ّ‬
‫مت إصدار‬
‫هذا القانون بعد ّ‬
‫أقل من ستة أشهر من حصول تونس على االستقالل‪ ،‬وحتى قبل أن يتم إصدار‬
‫النسخة األولى من الدستور‪ ،‬وقد قام الرئيس بورقيبة ببلورة قانون األحوال الشخصية كوثيقة‬
‫تكسر القانون اإلسالمي من دون التخلي التام عنه‪ ،‬وتصوغ بشكل راديكالي قانون عائلة بتوجه‬
‫َعلماني‪ .‬ومن أهم املتغ ّيرات في القانون اجلديد من منظور الذين يطالبون بتطبيق القرآن تطبي ًقا‬
‫حرف ًّيا أمران‪ :‬األول منع تعدّ د الزوجات‪ ،‬والثاني جعل الطالق مرهونًا بحكم القضاء ال مرتهنًا بإرادة‬
‫الزوج‪ .‬ليكون بذلك قانون األحوال الشخصية العربي الوحيد الذي جترأ على منع تعدّ د الزوجات‪،‬‬
‫حيث تنص املادة ‪ 18‬منه أن‪ّ :‬‬
‫كل من تزوج وهو في حالة الزوجية وقبل فك عصمة الزواج السابق‪،‬‬
‫يعاقب بالسجن ملدة عام وبخطية (غرامة) قدرها مائتان وأربعون ألف فرنك‪ ،‬أو بإحدى العقوبتني‬
‫(أبو زيد‪.)283 :1999 ،‬‬
‫قام بورقيبة بجعل تعدّ د الزوجات خارج القانون‪ ،‬مع ّل ًال شرط القرآن بأن إحالل املساواة بني‬
‫الزوجات هو أمر مستحيل‪ ،‬وأضاف في تطوير نقاشه أن تعدّ د الزوجات مثل ّ‬
‫الرق يجب أن ُيحرم‪ ،‬وأن‬
‫ممارسته كانت مرتبطة بوحي من سياق معينّ ‪ .‬وقد تبنّى وجهة نظر محمد عبده في أن التعميم في‬
‫القرآن هو للزواج األحادي الزوجة‪ ،‬وأن التعدّ د استثناء‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬ذكر وزير العدل التونسي‬
‫السويسي أنّ منع تعدّ د الزوجات يعتمد على العديد من القرون التي تبينّ فيها أن الزوج ال يستطيع‬
‫‪41‬‬
‫معاملة زوجاته مبساواة‪ .‬تبع إعالن القانون اجلديد فتوى من العلماء التونسيني‪ ،‬حيث مت من خاللها‬
‫إسكات األصوات املعارضة ورد الفعل الشعبي (‪. )Charrad, 2002; Mashhour,2005‬‬
‫لم يقم بورقيبة الذي متتع بكاريزما عالية وصالحيات واسعة بإدارة ظهره للتزكية الدينية‪ ،‬بل جعل‬
‫الشيخ محمد الفاضل بن عاشور يقرأ على املأل قوانني مجلة األحوال الشخصية في يوم إعالنها‬
‫‪9‬‬
‫بحضور مشايخ الزيتونة‪.‬‬
‫وأ ًّيا كانت احلجج واألسانيد التي يمُ كن للمشرع التونسي أن يقدّ مها فإن أبو زيد (‪)286 :1999‬‬
‫السلفي سيجد مجا ًال للطعن فيها‪ .‬إذ يستند دعاة تطبيق أحكام الشريعة في اعتراضهم‬
‫يشير إلى أن‬
‫ّ‬
‫على األمرين السابقني إلى أن القانون “يح ّرم ما أحل الله”‪ ،‬فإذا كان الله قد أباح تعدّ د الزوجات في‬
‫قوله تعالى‪“ :‬فانكحوا ما طاب لكم من النساء َمثنى و ُثالث و ُرباع فإن ِخفتم أ ّال تعدلوا فواحد ًة أو ما‬
‫ملكت أميانكم‪ ”...‬فإن حترمي هذا املباح ومنعه ُيعد مناهضة لشرع الله (أبو زيد‪ .)1999 ،‬ويتابع‬
‫أبو زيد فيشير إلى أنه رغم إمكانية اعتماد املشرع التونسي‪ ،‬حينما وضع مادة حترمي تعدّ د الزوجات‬
‫أي اعتماد فقهي‬
‫أو منعه‪ ،‬على بعض القواعد الفقهية اخلاصة باملصالح املرسلة أو “درء املفاسد” أو ّ‬
‫احلرفي للشريعة أن يدخلوا في سجال عنيف حول معاني تلك القواعد‬
‫آخر‪ ،‬فإن لدعاة التطبيق‬
‫ّ‬
‫الفقهية ومجاالت تطبيقها‪ ،‬بل ميكن لهم أن يدّ عوا أن تعدّ د الزوجات من املباحات املنصوصة‪ ،‬والتي‬
‫ال ميكن أن تتعارض مع أية قاعدة من تلك القواعد الفقهية‪ ،‬ويكفي أن ُيثار مبدأ “ال اجتهاد فيما‬
‫فيه نص” لينتهي النقاش‪.‬‬
‫َ‬
‫عكس هذا القانون العديد من العوامل املهمة‪ ،‬والتي إن عكست أم ًرا فقد عكست اهتمام الرئيس‬
‫بورقيبه مبكانة النساء‪ ،‬النابع من التزامه باملُثل الوطنية واالجتماعية التي تضعف مكانة الدين وتعزز‬
‫مشاركة املواطنني في حياة الدولة‪ .‬وبذلك‪ ،‬فبد ًال من أن تنتظر النساء “التحرر” ما بعد االستقالل‪،‬‬
‫قام بورقيبه بجعل نهوضهنّ جوهر مشروعه الوطني “وحترير” النساء حتى قبل َسنّ قاعدة حلقوق‬
‫دستورية لكال اجلنسني‪ .‬فبد ًال من الوصول إلى أعلى من األسفل‪ ،‬فإن “املشروع الوطني” في تونس‬
‫افتقر إلى املشاركة املباشرة للنساء التونسيات‪ ،‬أو ألشخاص آخرين خارج دائرة ال ُّنخب السياسية‪،‬‬
‫وبدالً من ذلك فقد مت “إنزال” القوانني‪ .‬ورغم أن املنظمات النسائية كانت موجودة في تونس‬
‫قبل االستقالل‪ ،‬فإنها لم تلعب دو ًرا في إصدار تشريع قانون العائلة‪ ،‬الذي موضعهنّ – للمفارقة‬
‫ حتت األضواء كرمز لـ “حترير” املرأة العربية (‪.)Charrad, 2002; Mashhour, 2005‬‬‫كان جناح الرئيس بورقيبه في حتقيق هذا الهدف نا ًجتا عن إبطال العالقات القبائلية كمبدأ مت‬
‫حسبه إدارة املجتمع التونسي (‪ .)charrad, 2001: 222‬وتخلص شاراد إلى ذلك من خالل‬
‫َ‬
‫‪ 9‬من مقال للكاتبة آمال موسى في صحيفة الشرق األوسط في تاريخ ‪ 7‬آذار ‪ ،2005‬بعُنوان «اجلزائرية على خطى التونسية‪ :‬مليون‬
‫توقيع ضدّ تعدد الزوجات»‪.‬‬
‫‪42‬‬
‫مقارنتها لثالثة مناذج مختلفة لتط ّور ثالث دول من املغرب العربي بعد التحرر من االستعمار‪ ،‬من‬
‫خالل تعزيز أو إلغاء التحالفات بني الدولة القومية الفتية وبني املجموعات القائمة على أسس عالقات‬
‫منوذجا لتحالف كامل بني الدولة القومية‬
‫القرابة العائلية أو القبائلية‪ .‬النموذج األول وهو املغرب‪،‬‬
‫ً‬
‫وبني املجموعات القبائلية‪ ،‬والذي أدّى إلى تبنّي قانون عائلة محافظ‪ .‬بينما تورد النموذج الثاني –‬
‫منوذجا لتطور الدولة من خالل حتالف جزئي مع تلك املجموعات‪ ،‬وإنها بذلك تتخبط بني‬
‫اجلزائر‪،‬‬
‫ً‬
‫ً‬
‫محافظا‪ .‬وفي النموذج الثالث تتطور الدولة‬
‫قانون عائلة‬
‫عدد من اخلِيارات وتطبق‪ ،‬في نهاية املطاف‪،‬‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫قانون عائلة ليبرال ًّيا توسع‬
‫مستقل نسب ًّيا عن املجموعات القبائلية‪ ،‬وتعلن‪ ،‬مباشرة‪،‬‬
‫القومية بشكل‬
‫َ‬
‫فيه حقوق النساء القانونية كما هو حال تونس‪.‬‬
‫في حني منح قانون العائلة في املغرب األهمية الكبيرة للقاعدة األبوية‪ ،‬كحجر أساس في بناء‬
‫املبني على أسس قبلية‪ ،‬وعزّز القوى البطريركية املؤثرة على املرأة‪ ،‬ليس من قبل‬
‫التكافل االجتماعي ّ‬
‫أيضا‪ ،‬من قبل أبناء عائلتها وأقاربها من الرجال‪ ،‬فإن القضاء على هذه العالقات‬
‫زوجها‪ ،‬فقط‪ ،‬بل‪ً ،‬‬
‫املبنية على أسس قبائلية قد أضعف سيطرة املؤسسة الدينية على الدولة ومنح القيادة السياسية في‬
‫تونس ح ّيز أوسع إلقرار اإلصالحات‪ .‬وبذلك فقد غ ّير قانون األحوال الشخصية في تونس من مم ّيزات‬
‫العائلة كمؤسسة‪ ،‬وزعزع ق ّوة املؤسسات التي كانت مسؤولة في السابق عنها‪ .‬تبنّى هذا القانون‬
‫توج ًها جديدً ا مت فيه تعريف العائلة كوحدة أصغر‪ ،‬يمُ نح فيها للعالقة بني األزواج احل ّيز األساسي‬
‫ّ‬
‫واملركزي‪ ،‬وليس للقرابات األبعد (املرجع السابق)‪.‬‬
‫تنص املادة السادسة من الدستور املساوا َة جلميع املواطنني في احلقوق والواجبات أمام القانون‪ .‬ومت‬
‫ّ‬
‫في املادتني ‪ 20‬و ‪ 21‬إقرار حق النساء في التصويت والتعيني في مناصب عا ّمة‪ .‬ألغى قانون األحوال‬
‫الشخصية تعدّ د الزوجات‪ ،‬األمر الذي جعل منها الدولة العربية الوحيدة التي اتخذت هذه اخلطوة‪،‬‬
‫وأقر الطالق بشكل قضائي من خالل احملاكم املدنية‪ ،‬ومنح النساء احلق في التوجه إلى احملاكم‬
‫حدا أدنى لسنّ الزواج (خمس عشرة سنة للفتاة وثمانية عشر عا ًما للفتى)‬
‫وطلب الطالق‪ .‬أقر كذلك ًّ‬
‫ً‬
‫مشروطا مبوافقة الفتاة الغ ًيا احلاجة إلى وجود وصي (الولي)‪ ،‬باإلضافة إلى منح النساء حق‬
‫وجعله‬
‫حضانة أوالدهنّ القاصرين‪ 10.‬وقد مت إجراء تعديل على سنّ الزواج عام ‪ ،1964‬وذلك نتيجة لرغبة‬
‫احلكومة في رفع سنّ الزواج‪ ،‬لتُصبح السنّ الدُّ نيا للزواج للفتاة سبع عشرة سنة‪ ،‬وللفتى عشرين‬
‫عا ًما‪ .‬لقد هدفت هذه اإلصالحات إلى تقليص دور العائلة في اختيار الشريك أو الشريكة‪ ،‬وخفض‬
‫نسبة الوالدة وحتقيق استقرار أكبر في احلياة الزوجية (املرجع السابق)‪.‬‬
‫اإلكتروني‪:‬‬
‫راج���ع‪/‬ي‪ html.www.tunisienfo.com/documents/options/chapter3 :‬في املوقع‬
‫‪10‬‬
‫ّ‬
‫‪.Human Rights in Tunisia: Option and Accomplishment‬‬
‫‪43‬‬
‫رغم تثبيت هذه اإلصالحات‪ ،‬فإن قانون األحوال التونسي أكد على أنه في العالقات بني الزوجني‪،‬‬
‫يبقى الرجل هو رب العائلة‪ .‬وفي املادة ‪ 23‬يلزم القانون املرأة إطاعة زوجها‪ ،‬وهو بذلك قد أبقى‬
‫املرأة في مرتبة ثانية‪ ،‬كما كانت عليه احلال منذ عقود كثيرة‪ .‬ترى سالم (‪ )Salem, 1984‬أن‬
‫الفرضية القابعة خلف قانون األحوال الشخصية التونسي تنبثق من التقسيمة التقليدية بني الرجل‬
‫اخلاصة بإعادة‬
‫واملرأة‪ ،‬حيث يكون الرجل مسؤو ًال عن إعالة أسرته ماد ًّيا مقابل مسؤولية املرأة‬
‫ّ‬
‫اإلنتاج‪ ،‬أي والدة األوالد‪ .‬ويظهر تردّد هذا القانون في وضعية النساء االقتصادية‪ ،‬إذ يتخ ّبط في‬
‫أسئلة امليراث‪ ،‬لذا فإنه حافظ على القواعد اإلسالمية في هذا اخلصوص‪ ،‬والتي بقيت املرأة من‬
‫خاللها ترث نصف ما يرثه الرجل‪ .‬يتم ّثل التجديد الذي أتى به قانون األحوال الشخصية في حال‬
‫ّ‬
‫املوسعة‪ ،‬إذ مال القانون إلى صالح العائلة النواة‪،‬‬
‫مت تقسيم امليراث مس ّب ًقا بني الرجال في العائالت ّ‬
‫حصة املرأة في امليراث‪.‬‬
‫وبذلك ارتفعت ّ‬
‫كان الهدف من سلسلة من اإلصالحات التي بادر إليها الرئيس بن علي منذ عام ‪ ،1992‬تقليص‬
‫املتجسد في تف ّوق الرجل اقتصاد ًّيا على املرأة‪ .‬وبذلك فقد مت‪ ،‬مث ًال‪ ،‬إقرار الشرط‬
‫انعدام املساواة‬
‫ّ‬
‫بعضا في إدارة البيت ورعاية‬
‫في أن يقوم الزوجان “بالتعامل باحترام متبادل ومساعدة بعضهما ً‬
‫األوالد” (‪ ،)Salem, 1984‬وبذلك ح ّلت هذه اجلملة مكان ما أق ّر ساب ًقا‪ ،‬أنّ “على الزوجة إطاعة‬
‫زوجها واحترام حقوقه اخلاصة”‪ .‬ألزمت هذه التعديالت القانونية موافقة األم عند زواج أوالدها‬
‫القاصرين‪ ،‬ومشاركتها في إدارة أمور أوالدها‪ .‬وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فقد مت تأسيس صندوق يضمن‬
‫حسب‬
‫دفع النفقة ودعم األوالد في حالة طالق الزوجة‪ ،‬حيث يتم الدفع من خالل هذا الصندوق َ‬
‫قرارات ملزمة للمحاكم في حال وجود ظروف متنع الزوج من دفع مستحقات الزوجة املادية‪.‬‬
‫سرت هذه التعديالت كذلك على قوانني املواطنة والقوانني اجلنائية وقانون العمل‪ .‬فبما يتعلق‬
‫بقانون املواطنة‪ ،‬فقد ُمنحت املرأة املتزوجة برجل غير تونسي احلق في أن تسجل أوالدها بشكل‬
‫قانوني على اسمها (عام ‪ُ 1997‬منح املواطن املولود ألم تونسية وأب غير تونسي احلق في الترشح‬
‫ّ‬
‫للبرملان)‪ .‬كما أن اإلصالحات في القانون اجلنائي فرضت عقوبات صارمة على العنف داخل العائلة‬
‫خصوصا بني األزواج‪ .‬أ ّما في مجال العمل فقد فرض التعديل عدم التمييز بني الرجال والنساء في‬
‫ً‬
‫‪11‬‬
‫جميع مجاالت العمل‪ .‬ومن أجل ضمان حق النساء املتزوجات برجال ال يحملون اجلنسية التونسية‪،‬‬
‫فإن “القانون الدولي‬
‫ينص أنه في حال كان الزوج مولودًا في دولة‬
‫ّ‬
‫اخلاص” والذي أقِ ّر عام ‪ّ 1998‬‬
‫تسمح بتعدّ د الزوجات‪ ،‬فإن املسؤولني عن القانون املدني هم املخ ّولون منحه هذا الترخيص للزواج‪،‬‬
‫زواجا آخر‪.‬‬
‫وذلك‪ ،‬فقط‪ ،‬بعد أن ُيثبت الزوج خط ًّيا عدم التزامه ً‬
‫‪11‬‬
‫‪Aol:African Online News:Tunisia Gender Profil‬‬
‫‪44‬‬
‫استطاعت تونس ‪ -‬كما تشير مشهور (‪ – )Mashhour, 2005‬حتقيق هذا اإلجناز‪ ،‬ألنها كانت‬
‫قادرة على خلق قاعدة مشتركة ما بني القانون اإلسالمي واملساواة اجلندرية‪ ،‬أكدت فيها على هُ ويتها‬
‫كدولة إسالمية بخالف تركيا‪ ،‬حيث جاء قانون األحوال الشخصية َعلمان ًّيا ومستندً ا إلى القانون‬
‫توج ًها ليبرال ًّيا مبن ًّيا على تبنّي االجتهاد في قض ّية تعدّ د الزوجات وحقّ‬
‫السويسري‪ ،‬وألنها اختارت ّ‬
‫املرأة في الطالق‪ ،‬واعتمدت تفسيرات ليبرال ّية للنصوص اإلسالمية منبثقة من وحي القرآن والسنة‪،‬‬
‫في خصوص املساواة اجلندرية‪ ،‬ضمنت منذ ذلك احلني حقو ًقا متساوية للنساء والرجال‪ ،‬مس ِّوغة ذلك‬
‫من خالل استحالة حتقيق املساواة بني الزوجات كما تشترط اآلية القرآنية‪ .‬ولذا في اإلمكان احملاججة‬
‫بأنه رغم ا ّتهام الرئيس بورقيبه بكونه َعلمان ًّيا من قبل اجلماعات اإلسالمية‪ ،‬إ ّال أن جميع التفسيرات‬
‫التي تبنّاها في خصوص تعدّ د الزوجات جاءت استنادًا إلى القيم اإلسالمية ومبدأ املصلحة العا ّمة‪.‬‬
‫تتابع مشهور (‪ )Mashhour, 2005‬أنه مبا أن هذا االجتهاد الليبرالي واإلصالحات التشريعية‬
‫قد أتت من “فوق” وأن النظام السياسي ما زال مق ّيدً ا – محاص ًرا‪ ،‬فإن تثبيت هذه اإلصالحات‬
‫يبقى معتمدً ا على مدى ّ‬
‫جتذر اإلصالحات الليبرالية‪ ،‬واملساحة التي من املمكن أن يصل إليها في‬
‫املجتمع التونسي‪ ،‬وحجم الدور الذي يلعبه اجلهاز التربوي‪ ،‬اإلعالم واملؤسسات الدينية‪ .‬ومبا أنه‬
‫نتيجة للعادات االجتماعية البطريركية معظم التفسيرات السائدة تفسيرات محافظة‪ ،‬يحتّم األمر‬
‫نسوي‪ ،‬وذلك من أجل إلقاء الضوء على التناقض بني التفسيرات البطريركية والقيم‬
‫بلورة اجتهاد ْ‬
‫‪12‬‬
‫اإلسالمية األصيلة‪ .‬غير أن غيلمن (‪ )Gilman, 2007‬تتوقف عند العقبات التي تواجهها‬
‫النسوية في تونس ضمن سياسة تضييق احلريات التي تنتهجها سياسة الرئيس بن علي‪،‬‬
‫املنظمات ْ‬
‫والتي يتم من خاللها التعتيم على نشاطها إعالم ًّيا كسائر عمل منظمات املجتمع املدني األخرى‪ ،‬األمر‬
‫الذي يصعب من عملها‪.‬‬
‫إصالحات جديدة على قانون العائلة في املغرب واجلزائر ومصر‪:‬‬
‫ً‬
‫محافظا وتقليد ًّيا‪ ،‬تشهد السنوات األخيرة‬
‫قانون عائلة‬
‫في حني بقيت سائر الدول العربية تتبنّى‬
‫َ‬
‫تغييرات ِجدية على هذا القانون في املغرب واجلزائر‪ ،‬وحال ًّيا في مصر‪ ،‬وحركة نشطة من قبل‬
‫منظمات املجتمع املدني‪ ،‬وعلى رأسها املنظمات النسائية التي تطالب بتغيير قانون األحوال الشخصية‬
‫ومختلِف القوانني التي مت ّيز ضدّ النساء‪ ،‬لتتصدّ ر بذلك قضية تعدّ د الزوجات األجندة العا ّمة‪.‬‬
‫للمزيد م��ن االط��ل�اع‪ ،‬ان���ظ���ر‪/‬ي‪Feminist Organizing in Tunisia :)2007( Sarah E،Gilman :‬‬
‫‪12‬‬
‫‪In Patriarchy to empowerment: .118-97 Negotiating Transnational Linkages and the State‬‬
‫‪Women's participation، movement and Rights in the Middle East، North Africa and South‬‬
‫‪.Asia.edited by Valentine Moghadaim‬‬
‫‪45‬‬
‫استطاعت بذلك املغرب َّ‬
‫اللحاق بتونس بقانون جديد لألحوال الشخصية‪ ،‬وذلك بعد ‪ 48‬سنة من‬
‫َسنّ القانون التونسي‪ ،‬حيث ّ‬
‫مت َسنّ قانون جديد لألحوال الشخصية عام ‪ .2004‬فبينما قام النظام‬
‫احلاكم في تونس بتشريع قانون مينع تعدّ د الزوجات منذ بداية إرساء قواعد احلكم من األعلى‪ ،‬فقد‬
‫ً‬
‫شروطا كثيرة على تعدّ د الزوجات جتعل إمكانية تطبيقه‬
‫مت في املغرب‪ ،‬مؤخّ ًرا‪َ ،‬سنّ قانون يضع‬
‫شبه مستحيلة‪ ،‬فقد أعلن ملك املغرب‪ ،‬محمد السادس‪ ،‬في العاشر من تشرين األول‪/‬أكتوبر عام‬
‫‪ ،2003‬في خطاب له مبناسبة افتتاح السنة التشريعية للبرملان‪ ،‬مشروع إصالح قانون األحوال‬
‫الشخصية املغربي املعروف باسم “املدونة”‪ .‬وقد أعلن امللك املغربي هذه اإلصالحات لـ “املدونة” في‬
‫إطار صالحيته الشرعية كـ “أمير املؤمنني” قائ ًال‪“ :‬ال ميكنني بصفتي أمي ًرا للمؤمنني أن ِ‬
‫أح ّل ما‬
‫أح ّل الله” (العشا‪.)2004 ،‬‬
‫ح ّرم الله أو أن أح ّرم ما َ‬
‫نسوية‪،‬‬
‫النسوية في املغرب دو ًرا مركز ًّيا في دمقرطة احل ّيز العا ّم‪ ،‬وفي إدخال مفاهيم ْ‬
‫لعبت احلركة ْ‬
‫وش ّقت بذلك الطريق أمام صنّاع القرار واألحزاب السياسية إلجراء هذه التعديالت‪ ،‬كما استطاعت‬
‫النسوية وتتغلغل في احل ّيز العا ّم‪ ،‬وحت ّول‬
‫بذلك إثارة قضايا عا ّمة بشكل غير مسبوق‪ ،‬لتنشر أفكارها ْ‬
‫قضايا النساء واجلندر إلى قضية وطنية موضوعة بق ّوة على األجندة العا ّمة‪ ،‬وهي بذلك سبقت‬
‫وقادت هذه التح ّركات نحو تعديل قانون العائلة (‪ .)Sadiqi & Ennaji, 2006‬جاءت املقتضيات‬
‫اجلديدة ملدونة األسرة مبجموعة من القواعد اإلجرائية واملوضوعية التي رفعت من مستوى تقنني‬
‫وتقييد التعدّ د‪ ،‬من املدلول األخالقي إلى التزام قانوني مراقب مسموح به في حاالت استثنائية‪،‬‬
‫حماي ًة للهندسة االجتماعية لألسرة‪ ،‬مع احلفاظ على الرخصة املنصوصة في اآلية الكرمية‪ ،‬التي‬
‫تبيح التعدّ د مع شرط العدل‪ .‬وهكذا‪ ،‬ولتوضيح املنطلقات التي ّ‬
‫ركزت عليها اللجنة العلمية التي‬
‫ُك ِّلفت وض َع مدونة األسرة‪ ،‬فإن املدونة اجلديدة ذهبت في ديباجتها إلى التذكير ببعض املقاصد‬
‫يخص معاجلة مسألة تعدّ د الزوجات على املستوى القانوني‪ .‬تستعرض الكاتبة اإليرانية حسيني‬
‫فيما ّ‬
‫(‪ )Hosseini, 2007‬األحداث واحملطات التي لعبت دو ًرا في الوصول إلى هذه اإلصالحات (من‬
‫خالل مقارنة ما بني املغرب وإيران)‪ ،‬عازية هذا النجاح إلى عوامل وأحداث خارجية وداخلية‪ ،‬التقت‬
‫م ًعا لتفتح باب االجتهاد من جديد باعتباره بوابة مهمة في الوصول إلى التغيير‪ .‬وفي حني لم يكن‬
‫أساسي في النضال من أجل تغيير هذا القانون‪ ،‬تظهر حسيني الدور‬
‫للحركة النسائية في تونس دو ٌر‬
‫ٌّ‬
‫املؤثر الذي لعبته احلركة النسائية في الضغط واملطالبة من أجل َسنّ القانون اجلديد‪.‬‬
‫كانت احملاوالت األولى لتغيير القانون الذي ُسنّ عام ‪ 1957‬قد بدأت بعد عقد من َس ِّنه‪ ،‬غير‬
‫أن جميع هذه احملاوالت باءت بالفشل حتى عام ‪ ،1993‬إذ بدأت النقاشات الشعبية مع نهايات‬
‫الثمانين ّيات في خصوص قانون العائلة باحتالل ح ّيز أكبر‪ ،‬وربطت النساء نضالهنّ من أجل حقوق‬
‫فات من‬
‫النساء بالنضال من أجل حقوق اإلنسان‪ ،‬مصط ّف ٍات بذلك في صفوف ال َعلمانيني‪ ،‬ومك ّث ٍ‬
‫‪46‬‬
‫جدا (وقد تعاظم‬
‫اسا ًّ‬
‫نشاطهنّ‬
‫ٍ‬
‫حس ً‬
‫ومطالبات بتغيير القانون‪ ،‬األمر الذي اعتبره امللك احلسن الثاني ّ‬
‫في املقابل دور اإلسالميني‪ ،‬واستطاعوا كسب قاعدة واسعة كق ّوة معارضة رافعني شعار العودة إلى‬
‫الشريعة)‪ّ .‬‬
‫نظمت املنظمات النسائية حملة من أجل جمع مليون توقيع لتغيير القانون‪ ،‬فق ّرر امللك‬
‫ممثالت عن املنظمات النسائية إلى القصر امللكي‪ ،‬ومص ّر ًحا بأنه لن‬
‫في هذا الوقت التدخّ ل داع ًيا‬
‫ٍ‬
‫يسمح بأن يكون القانون اإلسالمي قضية للنضال السياسي‪ ،‬ومشدّ دًا على دوره كخليفة املؤمنني‪،‬‬
‫وكونه صاحب القرار في منح املصداقية للتفسير في اإلسالم من خالل االجتهاد‪ .‬إثر ذلك تشكلت‬
‫جلنة كانت واحدة‪ ،‬فقط‪ ،‬من أعضائها الواحد والعشرين امرأة‪ ،‬وذلك من أجل إعداد مس َّو َدة للقانون‬
‫بالتوصل إلى اتفاق مع اللجنة‪ ،‬وفي سبتمبر‬
‫ُقدِّ مت للمنظمات النسائية قبل َسنّها‪ ،‬إذ طالبهنّ امللك‬
‫ّ‬
‫من العام ‪ ،1993‬وحني كان البرملان قد ُح ّل‪ ،‬قام امللك احلسن الثاني بإعالن اإلصالحات في قانون‬
‫األحوال الشخصية‪ ،‬وذلك من خالل مرسوم ملكي‪ .‬غير أن هذه اإلصالحات حافظت على حقوق‬
‫الرجال في الطالق وتعدّ د الزوجات‪ ،‬في حني منحت بعض احلماية من اإلساءات من قبل الرجال‪،‬‬
‫من خالل هذه االمتيازات‪ ،‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬مت منع الرجل من الطالق من دون قرار من احملكمة‪،‬‬
‫وألزمته دفع تعويض مادي لها‪ .‬غير أن هذه احلمايات بقيت متواضعة ولم تالئم مطالب احلركة‬
‫النسائية التي استمرت في املطالبة بإصالحات أبعد من تلك (املرجع السابق)‪.‬‬
‫عام ‪ 1998‬دعا امللك احلسن الثاني زعيم املعارضة‪ ،‬إبراهيم اليوسفي‪ ،‬إلى تشكيل احلكومة‪،‬‬
‫وبالتعاون مع املنظمات النسائية عرضت احلكومة اجلديدة خطة عمل من أجل حتسني مكانة املرأة‬
‫املغربية‪ ،‬وكانت إحدى نقاط اخلطة تعزيز القوة النسائية‪ ،‬دامجة اإلصالحات في القانون اجلنائي‪ ،‬قانون‬
‫اجلنسية وقانون العائلة‪ .‬تعتبر اإلصالحات املقترحة راديكالية‪ ،‬إذ إنها تستند إلى قاعدة املساواة في‬
‫الزواج‪ ،‬وقد مت عرض مس ّوغات هذه اإلصالحات من خالل العقيدة اإلسالمية نفسها‪ ،‬مستخدمني‪/‬‬
‫رحبت املنظمات النسائية بهذه اخلطة‪ ،‬عارضها اإلسالميون بشدة‪.‬‬
‫ات مصطلح االجتهاد‪ .‬وفي حني ّ‬
‫وبعد وفاة امللك احلسن الثاني عام ‪ ،1999‬أعلن ولي العهد‪ ،‬امللك محمد السادس‪ ،‬رغبته في انتهاج‬
‫انفتاح سياسي أوسع وحتصيل حقوق النساء‪ .‬وقد تبع هذه التحركات فترة من النقاشات احلادة‬
‫واملكثفة ُت ِّوجت مبظاهرة في الرباط في آذار ‪ ،2000‬شارك فيها ‪ 40‬أل ًفا من املطالبني‪/‬ات باالنفتاح‪.‬‬
‫وفي مقابل ذلك خرجت التيارات اإلسالمية في كازابالنكا في مظاهرة مضادة وصل عدد املشاركني‬
‫فيها إلى ‪ 100‬ألف متظاهر‪/‬ة‪ .‬وقد طالب كال اجلانبني امللك الشاب بالتدخل كأمير للمؤمنني‪ .‬عام‬
‫‪ 2001‬قام امللك بتكليف جلنة علمية من ستة عشر عض ًوا استشار ًّيا من أجل إصالح القانون‪ ،‬ض ّمت‬
‫ثالث نساء وثالثة عشر عاملًا إسالم ًّيا‪ .‬تابعت اللجنة عملها واحتدّ ت النقاشات وا ّتسعت الفجوة بني‬
‫املنظمات النسائية وبني املعارضة اإلسالمية‪ ،‬إلى أن وقعت التفجيرات في كازابالنكا عام ‪،2003‬‬
‫التي كانت وراءها جماعات من اإلسالميني املتطرفني‪ ،‬لتُحدِ ث تغيي ًرا جذر ًّيا في التوازن السياسي‬
‫القائم‪ .‬حاولت األحزاب اإلسالمية صرف أية عالقة لها بهذه اجلماعات‪ ،‬وفي الوقت نفسه قامت‬
‫‪47‬‬
‫املنظمات النسائية بالدفع باجتاه اإلصالح‪ .‬وبعد ‪ 13‬شه ًرا من النقاشات املكثفة‪ ،‬قدّ مت اللجنة‬
‫مبادئ القانون اجلديد للبرملان ملناقشته‪ ،‬وليتم إقراره بإجماع تا ّم وإصداره من خالل مرسوم ملكي‬
‫في كانون الثاني ‪ُ .2004‬يع ّرف القانون اجلديد الزواج كشراكة متساوية جتاه العائلة معتمدً ا لغة‬
‫املدرسة املالكية ومفاهيمها‪ ،‬جاع ًال بذلك الرجال والنساء متساوين على أرضية متساوية في تأسيس‬
‫أو إنهاء الزواج‪ .‬حصلت النساء في املغرب بذلك على إصالحات راديكالية‪ ،‬تعزو الكاتبة كسبها إلى‬
‫عوامل خارجية وداخلية التقت م ًعا لتفتح الباب أمام االجتهاد‪ .‬وبالتأكيد‪ ،‬فإنها حتققت من خالل‬
‫سلطة امللك محمد السادس‪ ،‬أكثر من أنها جاءت لنجاح اجلدل الفقهي الدائر‪.‬‬
‫وفي الوقت الذي شدّ دت فيه حسيني (‪ )Hosseini, 2007‬على أهمية االنطالق من داخل‬
‫النسوي ال َعلماني‪ ،‬من أجل النجاح في‬
‫النسوية اإلسالمية وتطوير باب االجتهاد واستبعاد اخلطاب ْ‬
‫ْ‬
‫‪13‬‬
‫تغيير قانون األسرة‪ ،‬ترى ميهاالشي ‪ Mihalachi‬أن احلركة النسائية في اجلزائر ال تنطلق‬
‫النسوية اإلسالمية‪ ،‬وأنها استطاعت رغم ذلك‬
‫من بوابة االجتهاد وال يظهر في أدبياتها أنها تتبنّى ْ‬
‫إحراز تقدّ م جدي في السنوات األخيرة في الضغط من أجل تغيير قانون األسرة‪ ،‬وعملت التنظيمات‬
‫النسائية في السنوات األخيرة لتشكيل ائتالف “عشرون سنة تكفي” (وذلك بعد حوالي عشرين‬
‫سنة من َسنّ قانون العائلة اجلزائري عام ‪ ،)1984‬الذي تشكل في ‪ 8‬آذار ‪ 2003‬حتديدً ا لرمزيته‪،‬‬
‫وهو يوم املرأة العاملي‪ .‬ومي ّثل هذا التنظيم ائتال ًفا جلماعات نسائية عديدة من اجلزائر وفرنسا‪ ،‬هدف‬
‫إلى حتريك القوى من أجل إعادة إحياء النقاش ضدّ قانون األسرة اجلزائري في صيغته منذ عام‬
‫نسوية َعلمانية أدمجت بني‬
‫واضحا ضدّ النساء‪،‬‬
‫‪ ،1984‬التي تعكس متييزًا‬
‫ً‬
‫ً‬
‫طارحا رؤية عصرية ْ‬
‫عناصر املساواة وال ُهوية السياسية‪ ،‬وأقصت العوامل الدينية بعيدً ا‪ ،‬ولم تعتمد إعادة قراءة وتفسير‬
‫النصوص الدينية في مشروعه‪.‬‬
‫لقد تبنّت احلكومة اجلزائرية اقتراح إدخال تغييرات جذرية على قانون األحوال الشخصية‪ ،‬وذلك‬
‫بإلغاء شرط الولي في زواج الفتاة (وهو ما تراجعت عنه احلكومة أمام ضغط اإلسالميني)‪ ،14‬وتقييد‬
‫تعدّ د الزوجات برخصة من القاضي‪ ،‬في الوقت الذي احتوى مقترح املشروع منع تعدّ د الزوجات حتى‬
‫لو كانت الزوجة موافقة على ذلك‪ .‬وأعلن الرئيس عبد العزيز بوتفليقه‪ ،‬إثر ذلك‪ ،‬إدماج سلسلة‬
‫من اإلصالحات على قانون األسرة وسط استمرار املعارضة الشديدة للتيارات اإلسالمية‪ ،‬حيث‬
‫أعلن احلزب اإلسالمي “حركة اإلصالح الوطني” و”جمعية العلماء املسلمني اجلزائريني” التغييرات‬
‫ومس ملق ّومات الشخصية اجلزائرية ذات ال ُبعد العربي‬
‫املقترحة أنها “خرق صارخ للشريعة اإلسالمية ّ‬
‫مقال ُحمّل من اإلنترنت‪ ،‬من دون سنة نشر‪ ،‬للكاتبة إيرينا ميهاالشي بعنوان‪T����������������������::‬‬
‫‪13‬‬
‫‪?Muslim or Modern‬‬
‫من مقال للكاتبة آم��ال موسى في صحيفة الشرق األوس��ط في تاريخ ‪ 7‬آذار ‪ ،2005‬ب ُعنوان «اجلزائرية على خطى‬
‫‪1 4‬‬
‫التونسية‪ :‬مليون توقيع ضدّ تعدّ د الزوجات»‪.‬‬
‫‪48‬‬
‫اإلسالمي”‪ .‬وقال الشيخ عبد الرحمن شيبان‪ ،‬رئيس جمعية “العلماء املسلمني اجلزائريني” إن‬
‫الشروط املوضوعة في تعدّ د الزوجات قد تدفع بالرجل ليطلق لكي يقترن بالتي يرغب فيها‪ ،‬وطالب‬
‫ن ّواب البرملان برفض السلبيات التي وردت في تدابير احلكومة في أثناء التصويت عليها‪ ،‬قبل أن‬
‫تصبح قانونًا ساري املفعول “فاألمر يتعلق بحماية املجتمع من االنهيار”‪ .‬وقال ميلود قادري‪ ،‬رئيس‬
‫برملانيي “حركة اإلصالح الوطني”‪ ،‬في خصوص تعدّ د الزوجات والطالق إن “نصوص القرآن والسنة‬
‫واضحة في هذا املجال‪ ،‬فإذا ط ّلق الرجل زوجته ال يحق للقاضي أن مينعه من ذلك”‪ .15‬وقد‬
‫أوضح بيان احلكومة أن هذه التعديالت التي تبنّتها تستجيب لتوجيهات رئيس اجلمهورية‪ ،‬وتتماشى‬
‫مع الدستور ومبادئ الشريعة اإلسالمية‪ ،‬مع اللجوء إلى االجتهاد‪ .‬ورغم أن هذه اإلصالحات لم‬
‫تلغ تعدّ د الزوجات‪ ،‬بل ق ّيدته‪ ،‬إذ أصبح يتطلب موافقة الزوجة األخرى في احملكمة‪ ،‬األمر الذي‬
‫ِ‬
‫كاف‪ ،‬وال يل ّبي واقع املجتمع اجلزائري وواقع النساء‪ ،‬بل إنه يحافظ‬
‫اعتبرته املنظمات النسائية غير ٍ‬
‫على الالمساواة والتمييز‪ّ ،‬‬
‫تظل هذه التعديالت خطوة مهمة في تأسيس مساواة قانونية بني الرجال‬
‫والنساء (املصدر السابق)‪.‬‬
‫وفي مقارنة بني سيرورة القانون التونسي وبني مشروع القانون اجلزائري‪ ،‬يظهر أنه في مقابل‬
‫اإلرادة الذكورية للقانون التونسي ووقوفها وراء “اللجنة القانونية” للمرأة التونسية‪ ،‬جند أن قانون‬
‫األسرة اجلزائري اجلديد ‪ -‬كما أطلق عليه ‪ -‬تقف وراءه روح وقوة إرادة نسائية هائلة‪ ،‬وأن الظفر‬
‫مبليون توقيع من النساء‪ ،‬باإلضافة إلى اعتبار وزيرة الثقافة والفنون‪ ،‬خليدة تومي‪ ،‬أول من طالب‬
‫القوي للجمعيات النسائية‪ .‬كل هذه العالمات العالية الرمزية‬
‫بتجاوز قانون األسرة القدمي‪ ،‬والتحرك‬
‫ّ‬
‫تدل على وجود َحراك اجتماعي يقوده فعل نسائي‪ ،‬وهي نقطة تحُ سب لفائدة املرأة اجلزائرية بصرف‬
‫‪16‬‬
‫النظر عن القانون اجلديد‪.‬‬
‫أ ّما في مصر‪ ،‬فقد ورد‪ ،‬مؤخّ ًرا‪ ،‬أنه مت تقدمي مشروع لتعديل قانون األحوال الشخصية في شباط‬
‫‪ ،2009‬يتض ّمن تقييد تعدّ د الزوجات‪ ،‬األمر الذي ُيثير جد ًال فقه ًّيا وقانون ًّيا ساخنًا‪ .‬وتتض ّمن‬
‫التعديالت اجلديدة املقترحة موا ّد شائكة‪ ،‬أهمها فرض قيود على تعدّ د الزوجات‪ ،‬حيث تلزم النصوص‬
‫خاص للزوجة التي لم ُتنجب أو التي قام زوجها بتطليقها بقرار منفرد‪.‬‬
‫املقترحة الزوج توفي َر مسكن ّ‬
‫وكانت وزارة العدل قد تس ّلمت هذا املشروع الذي أعدّ ته جمعيات حقوق املرأة متهيدً ا لطرحه على‬
‫البرملان املصري‪ .‬ويبدو أنّ اقتراح القانون ُيثير جد ًال بني الفقهاء أنفسهم‪ ،‬ففي حني يؤ ّيد البعض‬
‫مقترح القانون ويع ّلق أحد األساتذة في كلية أصول الدين في جامعة األزهر بأنه ال وجود ملا ُيس ّمى‬
‫مفس ًرا بأن اآلية اقتصرت على أ ّمهات اليتامى‪ ،‬فقط‪،‬‬
‫تعدّ د الزوجات في الشريعة اإلسالمية أص ًال‪ّ ،‬‬
‫مقال في صحيفة الشرق األوسط في تاريخ ‪ 20‬آب ‪ ،2004‬بعُنوان‪« :‬اجلزائر تتبنّى تعديالت جذرية في قانون األحوال‬
‫‪15‬‬
‫الشخصية‪ ،‬والتيار اإلسالمي يقول إنها مخالفة للشريعة»‪.‬‬
‫مقال للكاتبة آمال موسى في صحيفة الشرق األوسط في تاريخ ‪ 7‬آذار ‪.2005‬‬
‫‪1 6‬‬
‫‪49‬‬
‫مستد ًّال على ذلك بقول اآلية “وإن ِخفتم أ ّال ُت ِ‬
‫قسطوا في اليتامى فانكِ حوا ما طاب لكم من النساء‬
‫موضحا أن اجلملة الشرطية “وإن ِخفتم” فعل الشرط فيها ِ‬
‫“خفتم” وجوابه‬
‫َمثنى و ُثالث و ُرباع”‪،‬‬
‫ً‬
‫“فانكِ حوا”‪ ،‬في حني يرفض أساتذة آخرون صدور قانون يق ّيد تعدّ د الزوجات باعتباره يتنافى مع‬
‫أحكام الشريعة‪ .17‬وقد نشرت اجلماعة اإلسالمية في مصر‪ ،‬مؤخّ ًرا‪ ،‬على موقعها اإللكتروني مقابلة‬
‫مع مفتي الديار املصرية السابق‪ ،‬الدكتور نصر فريد واصل‪ ،‬في نيسان ‪ ،2009‬شنّ فيها هجو ًما‬
‫عني ًفا على مشروع قانون األحوال الشخصية اجلديد‪ ،‬معتب ًرا إياه يحمل من املخالفات الشرعية‬
‫الكثير‪ ،‬بشكل يهدّ د مصر ويفتح الباب أمام انتشار الرذيلة وشيوع مظاهر املجادفة والعشيقات‪ ،‬بل‬
‫ويسدّ د ضربات قاضية للكيان األسري اإلسالمي‪ ،‬مته ًما وقوف جهات مشبوهة وراءه‪18.‬إن البحث‬
‫(خصوصا عندما يتعلق‬
‫عن هُ وية (عربية وإسالمية) أصيلة‪ ،‬وعدم الفصل التام بني الدين والدولة‬
‫ً‬
‫األمر بقانون األسرة)‪ ،‬واإلحساس بأنّ الغرب ما يزال يسيطر على التنمية االقتصادية والثقافية‪ ،‬تعني‬
‫جمي ًعا أن طرح مقترحات التغيير ضمن صيغ إسالمية‪ ،‬بد ًال من الصيغ الغربية‪ ،‬أكثر حكمة وأمانًا‪.‬‬
‫والنسويني يحاولون تكرار التوكيد‬
‫وهذا هو السبب ‪ -‬كما يشير أحمد – الذي يجعل “املصلحني‬
‫ْ‬
‫أي خروج على‬
‫(مبثابرة المعة وبراعة في أغلب األحيان) على أن اإلصالحات التي يسعون لها ال حتمل ّ‬
‫اإلسالم‪ ،‬وأنها في الواقع منسجمة معه‪ ،‬وهي‪ ،‬إن لم تكن مطابقة حرف ًّيا ونص ًّيا للتكوين األساسي‬
‫للثقافة‪ ،‬فهي منسجمة مع ما هو موجود في الروح التي ال تع ّبر عنها الكلمات”‪ .‬وألن اجلدل حول‬
‫أدوار النساء في العالم العربي ليس مج ّرد جدل حول أدوار النساء داخل األسرة‪ ،‬كما تشير حجاب‬
‫أيضا‪ ،‬جدل حول دور اإلسالم في الدولة‪ ،‬وهو وثيق الصلة بالبحث العربي‬
‫(‪ ،)122 :2003‬بل هو‪ً ،‬‬
‫يتم البقاء فيه ضمن‬
‫عن االستقالل‬
‫السياسي واالعتماد على الذات في االقتصاد وال ُهوية األصلية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫اإلطار اإلسالمي‪ ،‬وبالتالي فإنه يبقى مثل إبرة احلاكي القدمي عندما تنحشر في ُثلمة فتع ّمق خدش‬
‫التناقضات أكثر فأكثر‪.‬‬
‫مقال في صحيفة الشرق األوسط في تاريخ ‪ 3‬شباط ‪ ،2009‬بعُنوان‪« :‬مصر‪ :‬مشروع قانون جديد يق ّيد تعدد الزوجات‬
‫‪1 7‬‬
‫ُيثير جد ًال فقه ًّيا وقانون ًّيا‪ .‬يؤ ّيد فيه الدكتور أحمد عبد الرحيم السايح‪ ،‬األستاذ في كلية أصول الدين في جامعة األزهر‪ ،‬و ُيتابع‬
‫«قال الله تعالى «النساء» ولم يقل الفتيات‪ ،‬ألن املرأة إذا تز ّوجت ُ‬
‫وط ّلقت ومات عنها زوجها‪ ،‬وقفت في صف النساء وليس في صف‬
‫البنات‪ ،‬وقد ط ّبق النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ذلك في زواجه‪ ،‬حيث لم يتزوج بك ًرا غير السيدة عائشة رضي الله عنها‪ ،‬وباقي‬
‫بنص‬
‫أمهات يتامى‪ّ ،‬‬
‫وإما ّ‬
‫إما آرامل ّ‬
‫نسائه ُكنّ ّ‬
‫وإما مات عنهنّ أزواجهنّ ‪ ،‬وبالتالي فإن تعدد الزوجات ليس مطلو ًبا في اإلسالم ّ‬
‫وأمهات اليتامى‪ ،‬من أجل مصلحة اليتامى‪ ..‬بينما يرفض الدكتور عبد احلكيم‬
‫آيات القرآن الكرمي‪ ،‬والتعدد ُشرع‪ ،‬فقط‪ ،‬للنساء ّ‬
‫الصعيدي‪ ،‬األستاذ في جامعة األزهر‪ ،‬صدور قانون تعدد الزوجات باعتباره‪ ..‬مؤكدً ا أن الشريعة في مجال األحوال الشخصية قد‬
‫جاءت بأحكام ال غبار عليها‪ ،‬وسمحت بتعدد الزوجات‪ ،‬وبالتالي ال يجوز تقييده بقانون وضعي بحجة االجتهاد‪ ..‬فض ًال عن وجود‬
‫قاعدة تؤكد أن ال اجتهاد مع النص»‪.‬‬
‫مقابلة مع مفتي الديار املصرية السابق‪ ،‬نصر فريد واصل‪ ،‬على موقع اجلماعة اإلسالمية في تاريخ ‪.2009/4/27‬‬
‫‪1 8‬‬
‫ب ُعنوان‪“ :‬نصر فريد واصل‪ :‬جهات مشبوهة تدعم احلملة ضد تعدّ د الزوجات واخلتان”‪.‬‬
‫‪50‬‬
‫تعدّد الزوجات في الفترة احلالية‪ :‬دالة في خط تصاعدي‬
‫كان هناك إجماع بني الكتاب األكادمييني على أن ممارسة تعدّ د الزوجات آخذة باالنخفاض في‬
‫الشرق األوسط واملجتمعات اإلسالمية‪ ،‬وذلك نتيجة التقييدات االقتصادية وانتشار التعليم‪ ،‬والتي‬
‫جتعل الكثير من النساء يرفضن هذا الترتيب نتيجة قدرتهنّ املكتسبة في التطلع نحو زوج يقمن‬
‫معه شراكة توافقية (وهبة‪ .)71 :1978 ،‬باإلضافة الى ان االنتقال من مبنى عائلة متسعة إلى‬
‫عائلة نواتية‪ ،‬يتمحور حول الوحدة الزوجية بني الشريكني‪ ،‬الزوج والزوجة‪ ،‬كنقيض ألهمية الرابط‬
‫العائلي السابق للعائلة املوسعة‪ .‬وقد دلت اإلحصائيات في البلدان العربية في بداية القرن العشرين‬
‫على انخفاض في هذه املمارسة‪ ،‬إذ وجد خالد شاتيال في دراسة له في الثالثين ّيات حول الزواج‬
‫عند املسلمني في سوريا‪ ،‬أن خمسة في املائة من املتزوجني تز ّوجوا أكثر من زوجة واحدة‪ ،‬وأن‬
‫هذه الظاهرة هي أكثر انتشا ًرا في الريف منها في املدينة‪ .‬وبالنسبة إلى املعدالت العا ّمة في البلدان‬
‫تدن‪ ،‬إذ بلغت اثنني في املائة بني املسلمني‬
‫العربية‪ ،‬فقد كانت في الربع الثالث من القرن العشرين في ٍّ‬
‫في لبنان‪ ،‬وبلغت نحو أربعة في املائة في سورية‪ ،‬وثمانية في املائة في األردن‪ ،‬و‪ 4.6‬في املائة في‬
‫اليمن (بركات‪.)407:2000 ،‬‬
‫ورغم هذا االنخفاض‪ ،‬فقد أعيد إحياء هذه املمارسة وذلك انطال ًقا من منتصف السبعين ّيات وحتى‬
‫اليوم‪ ،‬وهي في ازدياد مستمر وشعبيتها في توسع كبير‪ .‬في بحثها الواسع واحلديث عن تعدّ د الزوجات‬
‫في اململكة العربية السعودية‪ ،‬تقوم الباحثة مها اليمني (‪ )Yamani, 2008‬برصد التغييرات‬
‫الداخلية واخلارجية في اململكة‪ ،‬والتي أدّت‪ ،‬مؤخّ ًرا‪ ،‬إلى اتساع ظاهرة تعدّ د الزوجات في اململكة‬
‫خاص‪ 19.‬لقد قامت ميني من خالل بحثها مبقابلة نساء ورجال‬
‫بشكل عا ّم وفي منطقة احلجاز بشكل ّ‬
‫تشير الباحثة مها ميني إلى أن تعدد الزوجات لم يكن منتش ًرا في املاضي بني احلجازيني‪ ،‬الذين تعود جذورهم إلى‬
‫‪19‬‬
‫قبائل غير عربية أتت احلجاز في زمن الصليبيني‪ ،‬واستوطنت في مكة منذ قرون‪ ،‬وتس ّلم كثير منهم مناصب مهمة في احلكومات‬
‫خصوصا تلك املناصب التي لها عالقة مبوسم احلج‪ .‬وقد واجهت هذه العائالت متييزًا ومعاملة دونية من قبل القبائل النجدية التي‬
‫ً‬
‫تعتبر نفسها األعلى مرتبة‪ ،‬كونها من ساللة عربية نقية‪ .‬وفي حني اتصفت منطقة احلجاز بطابعها املنفتح‪ ،‬الكوزموبليتاني‪ ،‬وعدم‬
‫دائما في جند‪ ،‬حيث القبائل العربية‪ .‬ظهر خالل البحث أن عددًا‬
‫انتشار ظاهرة تعدد الزوجات فيها‪ ،‬فقد ُوجدت هذه الظاهرة ً‬
‫كبي ًرا من الزوجات الثانيات هنّ نساء جند ّيات تز ّوجن بأزواج حجازيني (باإلضافة إلى زوجات غير سعوديات‪ ،‬سوريات‪ ،‬مصريات‪،‬‬
‫لبنانيات‪ ،‬ومؤخّ ًرا مغربيات‪ ،‬يتز ّوجن برجال حجازيني)‪ .‬وقد اتهم أحد املتقابلني النزعة نحو التهميش االقتصادي للمواطنني‬
‫احلجازيني‪ ،‬التي ب��دأت مع والي��ة امللك فهد في الثمانين ّيات‪ ،‬والتي هدفت إل��ى تدمير التاريخ وال��ع��ادات احمللية من خ�لال اجلهاز‬
‫التربوي احلكومي املضادّ‪ ،‬والتدمير املنهجي للمواقع التاريخية واألثرية‪ ،‬وقد اتخذت هذه الهجمة على الهُوية التاريخية للحجاز‬
‫شك ًال في تصوير احلياة في املنطقة كأنها ابتدأت مع احلكم السعودي‪ .‬في هذا التفضيل االقتصادي مت تفعيل ضغط على احلجازيني‬
‫لتبنّي الهُوية النجدية من خالل تقليد أمناط احلياة‪ ،‬وإن بقي بذلك احلجاز ّيون ُيعتبرون مواطنني أقل درجة من النجديني‪ .‬وقد‬
‫بدأ بذلك تعدّ د الزوجات يظهر بني اإلثنوقراط احلجازيني الذين عملوا على مقربة من النجديني‪ ،‬والذين تأثروا بأسلوب حياتهم‪.‬‬
‫وخصوصا بني أساتذة اجلامعات وطواقم العاملني في املستشفيات‪ .‬فمن‬
‫وبعد ذلك بدأت هذه الظاهرة باالنتشار بني املتعملني‪،‬‬
‫ً‬
‫خالل تعدد الزوجات يسعى الرجال احلجاز ّيون للتدرج في السلم االجتماعي من خالل بناء روابط دم مع الطبقة احلاكمة من أهل‬
‫جند‪ ،‬وذلك بعد أن غدوا أصحاب ثروات نتيجة الثروة النفطية وما جمعوه من أموال في السبعين ّيات‪ .‬متيل النساء النجديات‪،‬‬
‫اليوم‪ ،‬أكثر إلى الزواج برجال حجازيني‪ ،‬وفي تعبير امرأة جندية متز ّوجة‪ ،‬اليوم‪ ،‬برجل حجازي ثري ضمن زواج متعدّ د الزوجات‪،‬‬
‫تقول‪« :‬إنني أناسب غناه‪ ،‬بينما هو يناسب نسبي»‪.‬‬
‫‪51‬‬
‫من منطقة جند واحلجاز‪ ،‬يعيشون في منظومة عائلية متعدّ دة الزوجات‪ ،‬وباالعتماد على أدبيات‬
‫أكادميية وشعبية ومقارنات بني أدبيات ماضية وحاضرة‪ ،‬تشير إلى أن التراجع الذي حدث في تعدّ د‬
‫الزوجات في اململكة العربية السعودية في السنوات والعقود املاضية من القرن العشرين‪ ،‬قد أعقبه‬
‫منذ منتصف السبعين ّيات إعادة إحياء هذه الزيجات‪ ،‬وهي آخذة بالتوسع واالنتشار في احلاضر‪.‬‬
‫في حتليلها لهذا االزدياد ترصد ميني العديد من األسباب والعوامل الداخلية واخلارجية‪ ،‬التي‬
‫تتلخص بالتقاء مجموعة من األحداث السياسية واالقتصادية التي اجتمعت م ًعا لتُعيد إحياء هذه‬
‫الظاهرة‪ .‬وقد استدعت معها بذلك سياسات حكومية مط َّعمة دين ًّيا تدعو الرجال والنساء في اململكة‬
‫إلى الزواج املتعدّ د الزوجات‪ .‬حت ّلل ميني الدور الذي تلعبه الدولة في الترويج لتعدّ د الزوجات والذي‬
‫ال يمُ كن املرور به من دون التوقف عنده‪ .‬فتُشير إلى ما قامت به الدولة من ترويج لتعدّ د الزوجات‬
‫من أجل هدفني‪ :‬األول زيادة السكان والقوى العاملة‪ ،‬والثاني خلق توازن بني الذكور واإلناث‪،‬‬
‫ّ‬
‫يختل عادة بسبب احلروبات‪ ،‬حيث الكثير من الرجال ُيقتلون‪ .‬أ ّما اليوم‪ ،‬إذ‬
‫ذلك التوازن الذي‬
‫هناك عدد قليل من الرجال ينضم إلى اجليش‪ ،‬والنسبة بني الرجال والنساء متيل لصالح الرجال‪،‬‬
‫فتظهر أسباب أخرى تقف وراء إعادة إحياء هذه املمارسة‪ ،‬ومنها تأثير الثورة اإليرانية‪ ،‬إذ وضعت‬
‫اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية نفسها كمنافسة للسلطة اإلسالمية في اململكة السعودية‪ ،‬بادعاء كونها‬
‫القائدة لألمة اإلسالمية‪ ،‬وبدأت تتحدّ ى مختلِف جوانب سياسات اململكة السعودية‪ .‬وكرد فعل على‬
‫ذلك‪ ،‬فقد بدأت اململكة بتعزيز وتأكيد الصورة اإلسالمية للدولة‪ ،‬فقام امللك فهد بتلقيب نفسه‬
‫بخادم احلرمني الشريفني عام ‪ .1986‬في حني قامت الثورة اإليرانية بإعادة مأسسة احلجاب‪ ،‬ووضع‬
‫تعليمات صارمة ضدّ النساء املسافرات للخارج بدون إذن من رجالهنّ ‪ ،‬وإعادة إحياء زواج املتعة‪.‬‬
‫وقد انعكس ذلك ك ّله في السياسات اجلندرية للدولة‪ .‬ورغم أن إيران شيعية املذهب‪ ،‬بينما الدول‬
‫جدا في الكثير من القضايا‬
‫العربية بغالبيتها ُسنية‪ ،‬بقيت هذه االختالفات بني كال املذهبني صغيرة ًّ‬
‫املهم بهذا الصدد اإلشارة إلى أنه في عام ‪ 1990‬قام الرئيس اإليراني‪ ،‬هاشمي‬
‫املتعلقة بالنساء‪ .‬ومن ّ‬
‫رفسنجاني‪ ،‬بإلقاء خطبة ر ّوجت إلعادة مأسسة زواج املتعة كمؤسسة إسالمية طبيعية‪ ،‬واض ًعا بذلك‬
‫بدي ًال للممارسة الغربية القائمة فيما ُيعرف بالـ” العيش معا” ‪( -‬املساكنة)‪ .‬أدّى هذا األمر إلى قيام‬
‫القادة الدينيني السعوديني والعلماء بإصدار فتوى جديدة بعد فترة قصيرة يش ّرعون فيها زواج املسيار‬
‫ “السفر”‪ .20‬وباألخذ بعني االعتبار أن الكثير من السعوديني املتزوجني يقومون بالزواج بأخريات‬‫في أثناء سفرهم ملصر‪ ،‬لبنان وسوريا‪ ،‬فإن واحدً ا من أسباب قيام الدولة بالترويج لتعدّ د الزوجات ناجت‬
‫عن الرغبة في إعادة رأس املال السعودي لالستثمار في الداخل‪ .‬إن خلق بديل محلي لهذه الزيجات‬
‫اخلارجية‪ ،‬وتشجيع تعدّ د الزوجات بشكل غير منظم‪ ،‬دون السيطرة عليه‪ّ ،‬‬
‫يشكل جز ًءا من امليول‬
‫احلالية في اململكة لتشجيع السياحة الداخلية‪ ،‬وبالتالي إعادة رؤوس األموال لالستثمار في الداخل‪.‬‬
‫‪2 0‬‬
‫وهو تشريع الزواج للرجال الذين يسافرون التخاذ زوجة في فترة ابتعادهم عن البيت‪.‬‬
‫‪52‬‬
‫وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن ارتفاع نسبة البطالة بني النساء والرجال‪ ،‬وكون النساء املتز ّوجات ال‬
‫ّ‬
‫يشكلن جز ًءا من الق ّوة العاملة وغير محسوبات في اإلحصائيات الوطنية‪ ،‬فإن التشديد األكبر على‬
‫الدور املنزلي للنساء‪ ،‬ويص ّور عمل النساء في اإلعالم كسبب مركزي للعنوسة والطالق‪ .‬كذلك فإن‬
‫االستقرار في الزواج لسنوات طويلة يساهم في صياغة ركائز مستقرة جتعل من الزوجني قادرين‬
‫على أخذ دور فاعل في القضايا السياسية والصعوبات االقتصادية‪ ،‬وفي املقابل‪ ،‬فإن منط احلياة‬
‫املراهق وامليول الرومانسية وعدم الوضوح العاطفي املرتبط بأولئك الرجال والنساء‪ ،‬يتطلب توظيف‬
‫ّ‬
‫عال من الوعي السياسي‪ ،‬وأخذ دور فاعل في املطالبة‬
‫كل الطاقات‪ ،‬ويحدّ من إمكانية بلورة مست ًوى ٍ‬
‫بإحداث التغيير (املصدر السابق)‪.‬‬
‫تشير اليمني إلى كيفية استخدام اإلطار الديني كأداة لتطبيق سياسة الدولة‪ ،‬فاملواقف الدينية في‬
‫اململكة السعودية تنبثق عن الطبيعة السياسية املؤسسية للدولة‪ ،‬واألشخاص الق ّيمون على السلطة‬
‫أي قرار ديني يتخذونه في‬
‫الدينية هم بحدّ ذاتهم موظفون حكوميون‪ ،‬وبذلك فإن أية فتوى أو ّ‬
‫خصوص أية قضية‪ ،‬تتم املوافقة عليه من قبل احلاكم أو ًال‪ ،‬قبل إعالنه‪ .‬وبذلك‪ ،‬فإن الترويج لتعدّ د‬
‫الديني لذلك‪ ،‬يظهر في عدّ ة مستويات في اإلعالم واملجتمع‪ ،‬ويتض ّمن هذا‬
‫الزوجات مع التفضيل‬
‫ّ‬
‫اإلعالمي مختلِف الصحف واملقاالت ومجالت إعالنات الزواج‪ ،‬التي تتصدّ رها آيات قرآن ّية متنح‬
‫الترويج‬
‫ّ‬
‫احلكومي من خالل أئ ّمة املساجد احمل ّلية‪ ،‬وكذلك من املفتي األكبر‪ ،‬أي السلطة الدينية‬
‫الترخيص‬
‫ّ‬
‫األعلى في الدولة‪ ،‬وتعرض هذه املستويات املذكورة خدمات تنسيق ومال َءمة بني األزواج‪ .‬وبذلك فإن‬
‫ّ‬
‫كل هذه املرجعيات الدينية تش ّرع تعدّ د الزوجات باسم القيم اإلسالمية واملصلحة العا ّمة‪ .‬وينعكس‬
‫ذلك في الدعوة التي خرج بها رئيس هيئة كبار العلماء‪ ،‬عام ‪ ،2001‬إلى جميع النساء السعوديات‬
‫إلى قبول تعدّ د الزوجات كجزء من قبولهنّ للدين اإلسالمي‪ ،‬وذلك من خالل فتوى قام بإصدارها‪.‬‬
‫من خالل هذا التعاون بني املؤسسة الدينية واملؤسسة احلاكمة‪ ،‬يقوم إعالم الدولة بالتجند‬
‫واالنضمام إلى موظفي مؤسسات الدولة الدينية في خلق صورة وهمية عن وجود ازدياد في عدد‬
‫ّ‬
‫كمؤشر للوباء الوطني للعنوسة والطالق‪،‬‬
‫اإلناث‪ .‬يص ّور بذلك العدد الوهمي اإلضافي من النساء‬
‫اللواتي عليهنّ بذلك مشاركة نساء أخريات في رجالهنّ ‪ ،‬وذلك من أجل احملافظة على احلصانة‬
‫األخالقية للمجتمع وجتنّب الوقوع في الرذيلة‪ .‬وبذلك توصم النساء املتزوجات اللواتي يرفضن‬
‫زواج أزواجنّ بأخريات بأنهنّ غير مسلمات وأنانيات جتاه أخواتهنّ املسلمات‪ ،‬ويستم ّر تذكيرهنّ‬
‫بواجبهنّ اإلسالمي في الصبر والطاعة حتى جتاه أكثر األزواج املتعدّ د الزوجات تنكي ًال‪ .‬وفي املقابل‪،‬‬
‫ُيوصى الرجال باملعاملة احلسنة جتاه زوجاتهم كما فعل النبي محمد في زمنه‪ّ .‬‬
‫كل ذلك ُيطرح‬
‫أمام النساء كمكافأة لهنّ لصبرهنّ خالل هذه الكارثة الوطنية املصطنعة‪ ،‬من أجل حتقيق الهدف‬
‫الديني في حتقيق األمومة‪ُ .‬تستبدل بذلك املتطلبات اإلسالمية‬
‫األسمى لوجودهنّ وهو إجناز واجبهنّ‬
‫ّ‬
‫‪53‬‬
‫التقليدية في األمان االجتماعي باألمان من خالل احلصول على ذرية تقوم باالعتناء بهم لدى مرضهم‬
‫وعجزهم (املرجع السابق)‪.‬‬
‫إن “الصحوة اإلسالمية” التي بدأت منذ السبعين ّيات والثمانين ّيات أتت بقيم جديدة بدأت تتغلغل‬
‫اخلاصة وجمعيات‬
‫من خالل التعاليم في املساجد وجامعات الدولة‪ ،‬وعبر احملاضرات البيتية في البيوت ّ‬
‫ال ِب ّر واإلحسان للداعمني للحركة‪ .‬أظهر بحث ميني أن بعض الزوجات اللواتي ّ‬
‫متت مقابلتهنّ ‪،‬‬
‫واللواتي ُكنّ يعشن حتى الثمانين ّيات ضمن ثقافة زواج أحادي الزوجة‪ ،‬أشرن في املقابالت إلى أنّهن‬
‫بدأن يستقبلن في بيوتهنّ ضيفات‪ ،‬وبشكل غير متوقع هُ نّ نساء عزباوات طالبات جامعيات‪ُ ،‬يع ّبرن‬
‫عن رغبتهنّ ‪ ،‬بشكل مباشر‪ ،‬في أن يشاركن الزوجات في أزواجهنّ من خالل زواج متعدّ د الزوجات‪،‬‬
‫وقد وجد البحث أن ازدياد تعدّ د الزوجات مرتبط بشكل وثيق بهذه العوامل الدينية ‪ -‬السياسية‪.‬‬
‫ومع تزايد عدد األئ ّمة في املساجد الذين يتص ّرفون كدعاة‪ ،‬ويقومون بالتنسيق بني العائالت من أجل‬
‫حسب التعاليم الدينية‪،‬‬
‫الزواج بني احملليني‪ ،‬فيعملون في البحث عن زوجات وأزواج واملال َءمة بينهم‪َ ،‬‬
‫فقد أظهر البحث أن العديد من الزيجات قد ّ‬
‫متت بهذه الطريقة‪ .‬يتجنّد اإلعالم إلى الدعوة إلى‬
‫تعدّ د الزوجات‪ ،‬وإن هذا التعاون بني الدولة واملؤسسات احمللية ظاهر‪ ،‬ومنوذج ذلك “املشروع اخليري‬
‫للداللة على الزواج”‪ ،‬وقد مت البدء بهذا املشروع من خالل الشيخ عبد العزيز الغمدي‪ ،‬بتخصيص‬
‫التوجه‪ ،‬فقد مت‬
‫مقال ثابت في جريدة “املسلمون” ب ُعنوان‪“ :‬نصف الدين”‪ .‬واستمرا ًرا في هذا‬
‫ّ‬
‫مشروعا حكوم ًّيا هو عبارة عن وكالة‬
‫تأسيس هذا املشروع في أحد املساجد في جدة قبل أن يصبح‬
‫ً‬
‫ومكاتب حتظى بالكثير من االهتمام اإلعالمي‪ ،‬وتقوم بالتنسيق بني نساء عزباوات ورجال متزوجني‪،‬‬
‫ويتم ذلك من خالل دعاة وداعيات يبحثون عن مرشحني ومرشحات ويالئمون فيما بينهم من خالل‬
‫أساليب يسمح بها الله‪ ،‬على حدّ تعبيرهم‪ .‬مؤسس املشروع الشيخ الغمدي‪ ،‬هو كاتب ديني معروف‬
‫يقوم بنشر جتربته الشخصية‪ ،‬إذ قام بالتزوج بامرأتني من خالل املشروع‪ ،‬باإلضافة إلى زوجته األولى‪،‬‬
‫وهو عازم على الزواج برابعة حتى كتابة هذه السطور (املرجع السابق)‪.‬‬
‫في املقابالت التي ّ‬
‫متت في بحث ميني (‪ )Yamani, 2008‬مع أزواج متعدّ دي الزوجات‪ ،‬مت‬
‫وح ْفز من اإلعالم والطروحات التي جعلت‬
‫التأكيد من قبل األزواج على أن زواجهم الثاني جاء مببادرة َ‬
‫الزوج يعتقد أنه لم يحصل على صفقة عادلة في زواجه األول‪ ،‬وأن من حقه أن يبحث عن السعادة‬
‫احلقيقية مع زوجة أخرى يشعر معها باالكتفاء‪ .‬إن الترويج لهذا الزواج يعرض صورة الزوجة الثانية‬
‫كمثالية قادرة على سد الفجوات‪ ،‬وفشل الزواج األول يقود الرجل إلى االعتقاد أنه في الزواج بأخرى‬
‫وضوحا في السعودية ‪ -‬وكما تشير ‪ -‬يعود إلى االعتقاد‬
‫سينعم بالزوجة الكاملة‪ .‬إن السبب األكثر‬
‫ً‬
‫املتنامي أن تعدّ د الزوجات هو حق إلهي للرجل ال يمُ كن حتدّ يه‪ ،‬مثله مثل الطعام واملسكن‪ ،‬من دون‬
‫االهتمام مبستوى األساسيات التي يمُ كن أن يو ّفرها الرجل لزوجاته‪.‬‬
‫‪54‬‬
‫يصور كتّاب إسالم ّيون تعدّ د الزوجات كمقياس للحصانة املجتمعية مقابل العالقات خارج إطار‬
‫الزواج‪ ،‬وهو يشكل بذلك حصانة دينية مقابل التأثيرات غير األخالقية‪ .‬وكوسيلة لتعزيز احلصانة‬
‫ضدّ األمراض املُعدية التي من املُمكن أن تقع نتيجة عالقات جنسية غير معروفة‪ ،‬وبهذا ُيبدي الكتّاب‬
‫استغرابهم من الزوجات اللواتي يرفضن أن يقوم أزواجهنّ بالزواج بأخريات ويقبلن بعالقاتهم خارج‬
‫إطار الزواج‪ .‬وقد أظهر البحث أن ال مكان لهذا االدعاء‪ ،‬فقد ع ّبر ثمانية أزواج من بني خمسة عشر‬
‫زوجا عن أنّ عدم اكتفائهم من الزوجة األولى هو السبب الذي دفعهم إلى الزواج‪ ،‬لكن كان هناك‬
‫ً‬
‫رجل واحد‪ ،‬فقط‪ ،‬من بني خمسة عشر‪ ،‬اعتبر أن الزوجة الثانية استطاعت أن ُتشعره باالكتفاء‬
‫اجلنسي‪ ،‬في حني بلغ العدد ستّة من الرجال من بني خمسة عشر‪ ،‬في صفوف َمن ميارسون زواج‬
‫املِسيار املؤ ّقت وهم بعيدون عن البيت‪ُ .‬تظهر نتائج البحث أنه حتى في حال تعدّ د الزوجات‪ ،‬ع ّبر‬
‫األزواج عن أن تعدّ د الزوجات ال مينعهم عن إقامة عالقات جنسية خارجية بح ًثا عن التجديد‪ ،‬وأن‬
‫الرجال الذين يستمرون في البحث املتواصل عن الشعور باالكتفاء سيستمرون في فعل ذلك‪ ،‬إ ّما‬
‫خارج إطار الزواج بشكل غير شرعي وإ ّما من خالل ترخيص ديني (املرجع السابق)‪.‬‬
‫وباإلضافة إلى ما ُيظهره البحث من ازدياد في تعدّ د الزوجات في اململكة العربية السعودية‪ ،‬تجُ مع‬
‫األدبيات األكادميية على أنه قد مت إحياء مؤسسة تعدّ د الزوجات في مختلِف بلدان الشرق األوسط‬
‫العربية اإلسالمية في السنوات األخيرة‪ .‬و ُينظر إلى هذا التزايد كجزء من املوجة السياسية في اجتاه‬
‫ً‬
‫ملحوظا في مصر‪ ،‬األردن‪ ،‬والسودان حيث‬
‫“الصحوة اإلسالمية”‪ .‬فقد شهد تعدّ د الزوجات ازديادًا‬
‫قام الرئيس بتشجيعه علنًا‪ .‬وهو في ازدياد كذلك في ماليزيا وإيران منذ أن قامت حكومة اخلميني‬
‫أحرزت قبل‬
‫بإعادة تثبيت تعدّ د الزوجات وزواج املتعة‪ .‬وبكلمات ليلى أحمد‪ ،‬فإن‪“ :‬املكاسب التي ِ‬
‫الثورة في قضايا املرأة مت إبطالها” (‪.)Ahmad، 1982: 233‬‬
‫يتعلق إحياء تعدّ د الزوجات أو تقويضه مبا يتبناه صنّاع القرار من مواقف ووجهات نظر‪ .‬ويظهر‬
‫هذا األمر جل ًّيا فيما جرى في حرب إيران والعراق‪ ،‬والتي تالها تشجيع غير مباشر ّ‬
‫لكل رجل أعزب‬
‫متزوجا مبنحه مبلغًا مال ًّيا في حال تزوج أرملة شهيد ُتوفي زوجها في احلرب‪ .‬ورغم أن قانون‬
‫كان أم‬
‫ً‬
‫األحوال الشخصية في العراق مينع الرجل من الزواج بأخرى بدون إعالم زوجته األولى وأخذ موافقة‬
‫من احملكمة‪ ،‬فالرئيس صدام حسني لم يتوجه إلى احملكمة عندما تزوج الزوجة الثانية‪ ،‬وقد ذهب‬
‫أبعد من ذلك عندما قام بإلغاء متطلبات القانون القائم ومطالبة الزوجات مبنح أزواجهنّ املوافقة‬
‫على الزواج ثانية بدون التوجه إلى احملكمة‪ .‬وفي حني لم يكن تعدّ د الزوجات موجودًا في موريتانيا‪،‬‬
‫حسب مقابلة مت ب ّثها في التلفزيون مع‬
‫فيبدو أنها أصبحت ساحة جديدة لهذه املمارسة‪ ،‬وذلك َ‬
‫أحد احملللني الرسميني احملافظني‪ .‬وفي اجلزائر تدل اإلحصائيات على زيادة في تعدّ د الزوجات منذ‬
‫حصول الدولة على استقاللها‪ .‬ورغم أن القانون املدني ال َعلماني في تركيا مينع تعدّ د الزوجات منذ‬
‫‪55‬‬
‫ديني صالح كزواج‬
‫عام ‪ ،1926‬فإن تركيا تعيش حالة من إحياء تعدّ د زوجات غير‬
‫رسمي‪ ،‬لكنّه ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫“املنظمة من أجل‬
‫إسالمي‪ .‬ومن أجل احتواء املشاكل التي تتتالى في أعقاب هذا الزواج‪ ،‬فقد قامت‬
‫ّ‬
‫الرجال املسلمني في تركيا” بقيادة أحمد بلديز‪ ،‬باملطالبة باالعتراف بصالحية هذه الزيجات من قبل‬
‫رجال الدين وأئ ّمة املساجد‪ .‬كما تزيد عن اثنني وأربعني في املائة‪ ،‬على األقل‪ ،‬نسبة القرى التركية‬
‫تفضل طقوس الزواج الدينية‪ ،‬باإلضافة إلى الرجال املتزوجني الذين يختارون الزواج‬
‫التي ما زالت ّ‬
‫الديني‪ ،‬وذلك لكي يستطيعوا الته ّرب من العقوبة الناجتة عن حترمي تعدّ د الزوجات غير املعترف به‬
‫من حيث الوثائق من قبل رجال الدين (إبراهيم‪ 2001 ،‬داخل ميني‪ .)2008 ،‬وتشير ايلكاركان‬
‫(‪ )2004‬إن واحدة من ّ‬
‫كل عشر زيجات في تركيا تضم أكثر من زوجة واحدة‪ ،‬حيث يقوم الرجل‬
‫بالزواج بأخرى من خالل عقود دينية ال متنح املرأة أية حقوق قانونية ملزمة‪.‬‬
‫عندما ّ‬
‫متت مناقشة أسباب إحياء تعدّ د الزوجات في العالم العربي‪ ،‬وذلك خالل ندوة ب ُعنوان‬
‫“ندوة عن النساء في السينما في العالم العربي”‪ ،‬ص ّرح الفنان املعروف نور الشريف (والذي لعب‬
‫دور البطولة كزوج ناجح متعدّ د الزوجات في املسلسل التلفزيوني املثير للجدل الذي يتعاطى تعدّ د‬
‫الزوجات ‪“ -‬احلاج متو ّلي”) بأن موقع النساء كما هو مص ّور في السينما املصرية‪ ،‬يتوافق‪ ،‬عادة‪،‬‬
‫مع سياسة الق ّوة احلاكمة‪ .‬وأشار نور الشريف إلى عدد من األفالم التي شكلت نقطة حتول لصالح‬
‫النساء‪ ،‬والشروط التي خلقت خالل فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس السادات (حيث‬
‫لعبت زوجة السادات‪ ،‬السيدة جيهان‪ ،‬دو ًرا ف ّعا ًال‪ ،‬وكانت داعمة حلقوق النساء)‪ .‬وقد ناقش التقليعات‬
‫احلالية في السينما املصرية والتي وصلت ذروتها في “احلاج متو ّلي”‪ ،‬الذي لعب فيه دور البطولة‪.‬‬
‫ص ّور املسلسل تفاصيل أحداث حياة عائلية سعيدة متعدّ دة الزوجات‪ ،‬وقد مت ب ّثه عبر قنوات األقمار‬
‫االصطناعية للعالم العربي بر ّمته‪ ،‬ل ُيثير عاصفة أعقبها الكثير من حلقات النقاش املتعلقة بتفضيل‬
‫تعدّ د الزوجات‪ .‬ورغم تفسيرات وسائل اإلعالم واجلمهور للرسالة التي حملتها حلقات هذا املسلسل‪،‬‬
‫قام الفنان نور الشريف في محاولة للموازنة بني ردود فعل اجلمهور املتباينة‪ ،‬وذلك السترضاء‬
‫مجموعات النساء الغاضبة التي ظهرت في “املعسكر اآلخر”‪ ،‬مص ّر ًحا في النهاية بأن املسلسل يعتمد‬
‫على وقائع تاريخية تصويرية للطريقة التي كانت ُمتبعة في ذلك الوقت‪ ،‬وال تمُ ّثل حياة العائالت‬
‫‪21‬‬
‫املتعدّ دة الزوجات في احلاضر‪.‬‬
‫وفي ماليزيا هناك تقييدات محمية على تعدّ د الزوجات اإلسالمي الذي يقع حتت دائرة رئيس‬
‫الوزراء‪ .‬ورغم ذلك‪ ،‬فكون الدين هو قضية الدولة فإن التقييدات على تعدّ د الزوجات م ّرت بتعديالت‬
‫في أوقات مختلفة‪ .‬وقد ّ‬
‫مت إلغاء القانون الذي يشترط إعالم الزوجة مس ّب ًقا بقرار الزوج الزواج‬
‫مقال جلبريل وبوغزار في جريدة الشرق األوس��ط‪ ،‬في تاريخ ‪ 17‬آب ‪ ،2003‬بعُنوان‪« :‬ن��دوة «امل��رأة والسينما» في‬
‫‪21‬‬
‫أصيلة بدأت بالشكوى واالحتجاج على «غول الرقابة»‪.‬‬
‫‪56‬‬
‫بامرأة أخرى‪ ،‬مس ّوغني ذلك بأن القرآن لم يضع هذا الشرط‪ .‬إن وجود حدود قومية داخل مالي‬
‫س ّهل ممارسة تعدّ د الزوجات “العابر للحدود”‪ ،‬وص ّعب من احلدّ من هذه الظاهرة‪ .‬فهذه القوانني ّ‬
‫مت‬
‫متييعها في والية بيرليز التي تقع على ُبعد ‪ 500‬كيلومتر شمال العاصمة كواال المبور‪ .‬وهذا الواقع‬
‫جعل أكثر من ‪ 100‬رجل من احملليني يتخذون زوجة ثانية‪ .‬هؤالء الرجال كانوا يتسللون إلى دول‬
‫مجاورة حيث تعدّ د الزوجات فيها مسموح‪ .‬لم يعد الرجال يحتاجون إلى موافقة زوجاتهم على‬
‫زواجهم الثاني‪ ،‬ومعدّ الت تسجيل الزواج أصبحت بأسعار معقولة‪ .‬قدرة الرجل على إعالة عائلتني‬
‫ظ ّلت واحدً ا من املتطلبات للسماح بتعدّ د الزوجات‪ .‬وفي أوغندا‪ ،‬عندما عرض البرملان مقترح قانون‬
‫قائمة العالقات املنزلية‪ ،‬الذي سيتيح في حال قبوله املجال للحصول على موافقة من الزوجة األولى‬
‫قبل زواج الرجل بأخرى‪ ،‬فإنّ أكثر من ‪ 1,000‬مسلم‪ ،‬من ضمنهم نساء‪ ،‬تظاهروا ضدّ مترير مقترح‬
‫‪22‬‬
‫القانون في العاصمة كامباال‪.‬‬
‫وحسب تقرير جنيف املعتمد على منظمة األبحاث للتنمية االجتماعية التابعة إلى األمم املتحدة‪،‬‬
‫َ‬
‫فهناك عودة إلى تعدّ د الزوجات بني األقليات احمللية املسلمة واملهاجرين في الدول األوروبية‪،‬‬
‫ومن بينهم مهاجرون قادمون من بلدان االحتاد السوفييتي ساب ًقا‪ ،‬مثل كازاخستان‪ ،‬أوزبكستان‬
‫وطاجكستان‪ .‬يمُ ا َرس تعدّ د الزوجات كذلك بني املهاجرين في فرنسا رغم أن القانون يفرض أحادية‬
‫الزواج‪ .‬ففي بعض البلدات مثل ليس موريكس في محافظة بوفياليز قرب باريس‪ ،‬يزداد التبليغ‬
‫بتعدّ د الزوجات ليصل إلى ثمانني عائلة‪ ،‬يبلغ عدد أفراد ّ‬
‫كل عائلة عشرين فردًا‪ ،‬مع عدد إجمالي‬
‫يقارب األلف طفل في جميع هذه العائالت‪ .‬بعض هذه العائالت يعتاش من مخصصات الضمان‬
‫االجتماعي التي تخصصها الدولة‪ُ .‬يسمح للزوجة الثانية أو الثالثة أو الرابعه بالهجرة واالنضمام إلى‬
‫زوجها في فرنسا‪ ،‬ألن األوالد ُيعتبرون “فرنسيني”‪ ،‬ما يعني أنهم مواطنون فرنس ّيون‪ .‬وفي أملانيا‪،‬‬
‫فإنّ الكاتبة التركية كيال كيليك كتبت في كتابها “الطير الغريب” متّهمة جيرهارد شرويدر بتعزيز‬
‫وحسب صحيفة أتاوا‪،‬‬
‫املعاملة املذ ّلة للنساء املهاجرات‪ ،‬ومن ضمنها تعدّ د الزوجات‪ .‬وفي كندا‪َ ،‬‬
‫ففي أعقاب تشريع زواج املثليني في القانون الكندي‪ ،‬بدأت احلكومة الكندية بدراسة مستعجلة في‬
‫بحث التأثيرات االجتماعية والقانونية لتعدّ د الزوجات‪ ،‬وذلك استعدادًا لتحدّ يات دستورية من قبل‬
‫األقل ّيات املسلمة التي تدّ عي ح ّقها في ممارسة تعدّ د الزوجات كحقّ‬
‫ديني (‪.)yamani, 2008‬‬
‫ّ‬
‫‪2 2‬‬
‫خبر في قناة الـ‪ BBC‬في ‪ 29‬أيار ‪ 2005‬بعنوان «‪.»Uganda 'Polygany' bill protest‬‬
‫‪57‬‬
‫توجهات دينية وحتليالت‬
‫الطروحات املؤيدة لتعدّد الزوجات‪ّ :‬‬
‫مناهضة لها‬
‫تزخر األدبيات املدافعة عن تعدّ د الزوجات بالكثير من الطروحات‪ ،‬ويقدّ م هؤالء الكتّاب عددًا كبي ًرا‬
‫من احلجج لتسويغ احملافظة على هذا النظام في العصر احلديث‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬إن هذه املهمة التي‬
‫ُي ّصرون على أدائها في غاية الصعوبة‪ ،‬إذ يبذلون أقصى اجلهود في البحث عن تسويغات لنظام لم‬
‫يكن‪ ،‬ساب ًقا‪ ،‬في حاجة إلى تسويغ (العشا‪ .)101 :2004 ،‬وترى مياني (‪ )Yamani, 2008‬أن‬
‫الطرح املؤ ِّيد لتعدّ د الزوجات هو طرح دفاعي‪ ،‬يتم فيه مهاجمة ما يروه كحركة ضدّ اإلسالم املتجذرة‬
‫في الغرب الفاسد‪ .‬حيث ُتعتبر معارضة تعدّ د الزوجات حرب انتقام ضمني لكالم الله وتعاليم رسوله‬
‫وحمالت استشراقية غربية‪ 23.‬ينطلق الكتّاب املسلمون املناصرون لنظام تعدّ د الزوجات من أن‬
‫اإلسالم لم ُي ِ‬
‫نشئ هذا النظام‪ ،‬وأنه كان شائ ًعا عند العرب في اجلاهلية وعند الكثير من الشعوب‬
‫حدا للفوضى التي كانت منتشرة‬
‫األخرى‪ ،‬ومقبو ًال في مختلِف الديانات‪ .‬ويعتبرون أن اإلسالم وضع ًّ‬
‫عند العرب في الزواج بعدد غير محدود من النساء‪ ،‬وأباح التعدّ د كضرورة اجتماعية‪ ،‬ولكنه ّ‬
‫نظم‬
‫هذا التعدّ د ووضع له شرطي االقتصار على أربع والعدل بينهنّ ‪ .‬فيقول مفتي الديار املصرية السابق‪،‬‬
‫الدكتور نصر فريد واصل‪“ :‬األصل في األشياء اإلباحة والتعدّ د حق كفله الشارع احلكيم‪ ..‬أ ّما‬
‫شرعا‪ ..‬إن تعدّ د الزوجات‬
‫محاولة التدخل وفرض قيود شديدة على هذا التعدّ د‪ ،‬فهو أمر مرفوض ً‬
‫مشروع ومنصوص عليه في القرآن وهو حكم شرعي”‪ .24‬ويرى رئيس جلنة الفتوى في األزهر أنه “ال‬
‫نصوصا شرعية أق ّرها الكتاب والسنة‪ ،‬كقضية تعدّ د الزوجات‪ ،‬ألنها نصوص قطعية‬
‫يجوز أن نتحدى‬
‫ً‬
‫‪25‬‬
‫خروجا على النصوص الشرعية” ‪.‬‬
‫الثبوت والداللة وحتدّ يها يعني‬
‫ً‬
‫ويورد أنصار تعدّ د الزوجات املس ّوغات العديدة لهذه املمارسة يعدّ دها العشا (‪ :)2004‬ازدياد‬
‫عدد اإلناث على الذكور بشكل عا ّم في األحوال العادية‪ ،‬نقص عدد الرجال بتعرضهم للموت في‬
‫األحوال االستثنائية كاحلروب والثورات والكوارث‪ ،‬عقم الزوجة أو إصابتها مبرض ميتنع معه‬
‫االتصال اجلنسي‪ ،‬شيخوخة الزوجة‪ ،‬البرود اجلنسي عند الزوجة‪ ،‬كره الزوج لزوجته‪ ،‬طباعها الشاذة‪،‬‬
‫في مقابلة مع مفتي الديار املصرية‪ ،‬الدكتور نصر فريد واصل‪ ،‬في تاريخ ‪ 2009/4/27‬في موقع اجلماعة اإلسالمية –‬
‫‪23‬‬
‫مصر‪ ،‬ب ُعنوان‪“ :‬جهات مشبوهة تدعم احلملة ضدّ تعدد الزوجات واخلتان”‪ ،‬يقول إن املطالبة مبنع تعدد الزوجات واخلتان “مس ًعى‬
‫لالنضمام إلى ركب من يحاربون الفضيلة ويسعون لتكريس الرذيلة‪ ،‬وينفذون أجندة غربية هدفها نشر الرذيلة ومتجيد العهر‬
‫والتفسخ األخالقي‪ ”...‬وعن رأيه في إقامة املؤمترات األوروبية التي تسعى ملنع اخلتان يقول‪“ :‬إن هذه املؤمترات ال تسعى لصالح‬
‫األمة وال تضمر خي ًرا‪ ،‬بل تأتي في سياق مساعي األمم املتحدة وعبر مؤمترات السكان للقضاء على كيان األسرة املسلمة‪ ،‬واملشاركة‬
‫في مثل هذه املؤمترات لتخريب العقيدة اإلسالمية هو عار على ّ‬
‫كل مسلم‪ ،‬ويجب على جميع العلماء إطالق صرخة حتذير من‬
‫خطورة إخضاع عقيدتنا وشرعنا جلهات أجنبية”‪.‬‬
‫املقابلة املذكورة أعاله‪.‬‬
‫‪2 4‬‬
‫خبر في موقع احلقيقة الدولية «نافذة على مصر»‪ ،‬بعُنوان «الفقهاء يختلفون حول قانون مشروع تعدّ د الزوجات»‪ ،‬في‬
‫‪2 5‬‬
‫تاريخ ‪.2009/2/17‬‬
‫‪58‬‬
‫إجناب الزوجة لإلناث‪ ،‬فقط‪ ،‬ورغبة الرجل في احلصول على األوالد الذكور‪ ،‬كثرة األيام التي يتعذر‬
‫فيها على الزوجة املعاشرة اجلنسية في احليض واحلمل والنفاس واملرض‪ ،‬شدة الرغبة اجلنسية لدى‬
‫بعض الرجال‪ ،‬ما ال يكتفي معه بزوجة واحدة‪ ،‬قدرة الرجل على ممارسة اجلنس حتى ِسنّ متأخرة‬
‫بخالف املرأة‪ ،‬وقدرته على اإلجناب في ِسنّ متأخرة بخالف املرأة‪ ،‬كثرة أسفار الرجل وحاجته إلى‬
‫امرأة في مكان إقامته‪ ،‬رعاية صلة القربى حيث قد يكون للرجل املتزوج قريبة ال يؤويها أحد غيره‪،‬‬
‫عودة الزوجة األولى املطلقة إلى زوجها السابق املتزوج بغيرها‪ ،‬ربط الصالت بني العائالت‪ ،‬إصالح‬
‫النسل‪ ،‬تصحيح لغلط بني رجل وامرأة يؤذيها في سمعتها وكرامتها وال دافع إلى ذلك إ ّال بأن يتزوج‬
‫بها‪ ،‬ولو كان‬
‫متزوجا‪ .‬وفي تعرضهم إلى حاجة النساء يورد الكتّاب‪ :‬حاجة النساء إلى من يكفلهنّ‬
‫ً‬
‫ويقوم بشؤونهنّ ‪ ،‬إنقاذ النساء العازبات من الدعارة‪ ،‬سدّ احتياج املرأة إلى النسل‪ ،‬سدّ احتياج املرأة‬
‫حل مشكلة الزنى‪ّ ،‬‬
‫إلى اجلنس‪ّ ،‬‬
‫حل مشكلة إجناب األوالد غير الشرعيني واملشردين‪ ،‬زيادة األيدي‬
‫العاملة‪ ،‬زيادة عدد السكان وخفض عدد السكان‪.‬‬
‫واحلجج املستعملة كثي ًرا لتسويغ التعدّ د هي عقم الزوجة أو مرضها أو شيخوختها أو كره الزوج‬
‫لها‪ .‬ورغم أن جميع احلجج السابقة للتعدّ د تطابق وجهة نظر ومصالح الرجل املختلفة‪ ،‬فإن معظم‬
‫الكتّاب املسلمني ّ‬
‫ميا لها وإنقا ًذا لها‬
‫يؤكدون على أن إباحة التعدّ د كانت‬
‫أساسا لصالح املرأة وتكر ً‬
‫ً‬
‫ً‬
‫وحفظا للمجتمع من تدهور األخالق‪ .‬وقد كتب عباس محمود العقاد‪ ،‬كأحد املناصرين‬
‫من الدعارة‪،‬‬
‫لتعدّ د الزوجات‪ ،‬عن هذه املمارسة أنها “إحدى وسائل حترير املرأة التي تأخذ بيدها من حياة فيها‬
‫الكآبة واملهانة أو االبتذال‪ ،‬إلى حياة زوجية كرمية وأمومة فاضلة حتس حتت ظاللها بالعزّة والطهارة‬
‫والشرف” (العقاد‪ .)84 :1976 ،‬ويشير العشا (‪ )2004‬إلى ما كتبه الكتّاب اإلسالم ّيون كالبهي‬
‫اخلولي‪ ،‬الذي اعتبر أن ّ‬
‫كل زواج معناه استنقاذ امرأة من التسكع في احلانات وغير احلانات‪ ،‬إلى‬
‫كرامة البيت وشرف الزوجة‪ ،‬وما تكتبه غادة اخلرسا في كتابها “اإلسالم وحترير املرأة” عن أن إباحة‬
‫متاعا حرا ًما تنجب من سفاح‪ .‬ويرى عبد احلليم‬
‫تعدّ د الزوجات ما هو إ ّال تكرمي للمرأة حتى ال تكون ً‬
‫محمود في كتابه “أوروبا واإلسالم” أنه إذا زال تعدّ د الزوجات فإن الدعارة سوف تتفشى في األقطار‬
‫العربية وتنشر آثارها املخربة‪.‬‬
‫بذلك يدّ عي هؤالء الكتّاب أن منظومة تعدّ د الزوجات‪ ،‬في الواقع‪ ،‬وسيلة لتحرير املرأة‪ .‬فهو يرفعها‬
‫من حال اإلذالل‪ ،‬األسى والبؤس‪ ،‬إلى حال الزوجة النبيلة التي ُتتيح لها الطهر‪ ،‬والكرامة والشرف‪.‬‬
‫وقد جادل أحد املؤلفني بأن “تعدّ د الزوجات أحد مظاهر حترير املرأة‪ ،‬فهو يعزّز إرادتها من حيث‬
‫عدم قدرة الرجل على الزواج بنساء أخريات من دون إذنها”‪ُ .‬يص ّر علي عبد الواحد‪ ،‬أحد الكتّاب‬
‫اإلسالميني‪ ،‬على أن تعدّ د الزوجات ال يظهر إ ّال في املجتمعات املتقدّ مة على نحو متم ّيز‪ ،‬ويدّ عي أن‬
‫كثي ًرا من علماء االجتماع يعتقدون أن هذه املمارسة سوف تتسع وسوف تتبنّاها مجتمعات أخرى‬
‫‪59‬‬
‫ما إن تصل إلى مرحلة احلداثة والتقدمية‪ .‬وهو يرى أنه “من اخلطأ ربط تعدّ د الزوجات باملجتمع‬
‫البدائي‪ ،‬في الوقت الذي ُيعتبر فيه تعدّ د احملظيات عالمة من عالمات املجتمع التقدمي” (إسبوزيتو‪،‬‬
‫‪.)2003‬‬
‫ومن خالل األدبيات الواسعة املؤ ِّيدة لتعدّ د الزوجات التي يعرضها الكتّاب اإلسالم ّيون املعاصرون‬
‫من مختلِف الدول العربية‪ ،‬يكتب اإلسالمي اجلزائري‪ ،‬خاشع حقي‪ ،‬في كتابه “تعدّ د الزوجات أم‬
‫تعدّ د العشيقات”‪ ،‬ويكتب عماد الدين حقي كتا ًبا ب ُعنوان “امرأة واحدة ال تكفي”‪ ،‬مكرر ْين النقطة‬
‫نفسها التي ترى في تعدّ د الزوجات ح ًّال للنساء غير املتزوجات وحماية لهنّ ضمن إطار زواج‪ ،‬بد ًال‬
‫من أن ُيصبحن “عشيقات” لرجال متزوجني‪ .‬ويتكلم رجل آخر بتعابير اإلعالنات التجارية في‬
‫مجلة اليمامة‪ ،‬فيقول‪“ :‬تز ّوج واحدة واحصل على الثانية مجانًا ‪ ..‬إن كثي ًرا من األسر لديها عدد‬
‫من البنات‪ ،‬والعنوسة خطر يداهمهنّ ويحد من مصيرهنّ ‪ .‬فلو أخذ أرباب تلك األسر بهذا االقتراح‬
‫لساهم ذلك في تشجيع األخوين أو الصديقني على التزوج بأختني أو صديقتني‪ ،‬وسوف يساهم ذلك‬
‫في زيادة الزيجات واضمحالل العنوسة” (بركات‪.)408 :2000 ،‬‬
‫ويشير العشا (‪ )103 :2004‬إلى أنه تبقى احلجة األكثر استعما ًال عند الكتّاب املعاصرين‪ ،‬هي‬
‫ازدياد عدد النساء على عدد الرجال في األحوال العادية في ّ‬
‫كل املجتمعات‪ .‬يص ّور هذا الطرح اجلوانب‬
‫اإليجابية لتعدّ د الزوجات‪ ،‬فالزواج باألعداد املتزايدة من النساء العزباوات واملطلقات واألرامل‪ّ ،‬‬
‫حل‬
‫حسب تعبيرهم‪ ،‬من خالل ارتباطهنّ برجال‬
‫ملشكلة اجتماعية تتمثل بحمايتهنّ من الفوضى اجلنسية َ‬
‫مسلمني يقومون على حمايتهنّ واالعتناء بهنّ ‪ .‬ويكتب الس ّيد‪ ،‬مؤلف كتاب “فقه السنة”‪“ :‬هذه الزيادة‬
‫توجب التعدّ د وتفرض األخذ به لكفالة العدد الزائد وإحصائه‪ ،‬وإ ّال ُ‬
‫اضط ِر ْرن إلى االنحراف واقتراف‬
‫ّ‬
‫وتنحل أخالقه‪ ،‬أو يقضني حياتهنّ في ألم احلرمان وشقاء العزوبة‪ ،‬فيفقدن‬
‫الرذيلة‪ ،‬فيفسد املجتمع‬
‫أعصابهنّ وتضيع ثروة بشرية كان يمُ كن أن تكون قوة لألمة وثروة ُتضاف إلى مجموع ثرواتها”‪.‬‬
‫يلجأ الكتّاب اإلسالم ّيون‪ ،‬غال ًبا‪ ،‬إلى تعبيرات العلوم احلديثة ومصطلحاتها ُبغية تسهيل عملية‬
‫أي منهم‬
‫اإلقناع‪ ،‬ويستخدمون هنا على نطاق واسع كلمة “اإلحصاء”‪ ،‬ولكن من دون أن يتقدّ م ّ‬
‫بإحصاء فعلي للبرهنة على التف ّوق العددي للنساء على الرجال‪ .‬وقد ّ‬
‫دل إحصاء نُشر عام ‪1973‬‬
‫بشكل واضح على التف ّوق العددي للرجال على النساء في غالبية الدول العربية‪ .‬و ُيضيف الشيخ‬
‫محمد متولي الشعراوي في “أحكام الزواج والطالق ُ‬
‫واخللع” إلى ما جاء أعاله‪ ،‬أسبا ًبا أخرى يجوز‬
‫بها تعدّ د الزوجات‪ ،‬تتلخّ ص بكون الزوجة عاق ًرا ال تلد‪ ،‬وعدم قدرتها على إرضاء احتياجات زوجها‬
‫اجلنسية‪ .‬بينما ال يقوم الشعراوي بعرض ّ‬
‫حل ملشاكل النساء اللواتي يعانني من معضلة مشابهة‬
‫وأزواجهنّ غير قادرين على إشباع احتياجاتهنّ اجلنسية‪ .‬ويس ّوغ العطار في السعودية هذا األمر‬
‫‪60‬‬
‫بقوله‪“ :‬إن ُسنّة الله في الكون‪ ...‬جعلت املرأة ال يصلح لها نظام تعدّ د األزواج‪ ،‬بينما يصلح للرجل‬
‫نظام تعدّ د الزوجات‪ ،‬ذلك أمر واضح من وجود رحم للمرأة‪ ..‬بينما لم يكن للرجل مثل ذلك الرحم‪..‬‬
‫وبالتالي تعارضت طبيعة املرأة مع نظام تعدّ د األزواج‪ ،‬خشية أن يأتي اجلنني من دماء متفرقة فيتعذر‬
‫حتديد املسؤول عنه اجتماع ًّيا وقانون ًّيا (العشا‪.)2004 ،‬‬
‫ُيك ّرر الشعراوي املوقف التقليدي أنه من املعروف بيولوجل ًّيا أن احتياجات الرجل البيولوجية أكبر‬
‫من احتياجات املرأة‪ ،‬وأن الرجل القادر ماد ًّيا على إعالة أسرتني‪ ،‬له احلق في الزواج بامرأتني أو‬
‫أكثر‪ ،‬بد ًال من أن ينتهك عِ رض أخريات‪ .‬ورغم أن الشعراوي‪ ،‬شخص ًّيا‪ ،‬متزوج بامرأة واحدة فقط‪،‬‬
‫فتعاليمه تناسبت مع ميل الكثير من أتباعه من متعدّ دي الزوجات في اململكة السعودية‪ .‬وهذا ما‬
‫يعتمده كذلك املصلح اإلسالمي الراديكالي‪ ،‬س ّيد قطب‪ ،‬في تأييده لتعدّ د الزوجات‪ ،‬مس ّو ًغا ذلك‬
‫باالختالفات البيولوجية بني الرجال والنساء‪ ،‬حيث يؤمن بتعدّ د الزوجات كجزء من احلكمة اإللهية‪،‬‬
‫فيرى أن العوامل البيولوجية أملت على املرأة احلمل تسعة أشهر‪ ،‬فهذا يعني أن الرجل يستمر في‬
‫أثناء فترة احلمل في اإلنتاج مع الثالث نساء األخريات‪ .‬فاإلسالم منح احلق للرجل في الزواج بأربع‬
‫نساء‪ ،‬باإلضافة إلى كون فترة خصوبة الرجل واسعة‪ ،‬وتصل إلى السبعين ّيات وأكثر من حياته‪ ،‬بينما‬
‫تنتهي هذه الفترة لدى النساء في اخلمسين ّيات أو ّ‬
‫خمس وعشرين‬
‫أقل‪ .‬إ ًذا‪ ،‬هناك فجوة تتم ّثل بنحو ٍ‬
‫سنة من اخلصوبة واإلنتاج بني الرجل واملرأة‪ .‬ويرى الشعراوي أن االدعاء أن تعدّ د الزوجات يخلق‬
‫األزمات والعالقات املشحونة داخل العائلة‪ ،‬ادعاء باطل‪ ،‬ألن هذه الوضعية من املمكن أن تكون قائمة‬
‫في ّ‬
‫كل عائلة أحادية الزوجة كانت أو متعدّ دة الزوجات‪ .‬وإن االدعاء القائل بأن تعدّ د الزوجات يخلق‬
‫انعدام مساواة بني الزوجات‪ ،‬ما هو إ ّال ادعاء غربي تغلغل في املجتمع اإلسالمي‪ ،‬وإن تعدّ د الزوجات‬
‫جدا وال لبس فيه‪ ،‬وال تمُ كن مناقشته (‪.)yamani, 2008‬‬
‫وتشريعه في اإلسالم واضح ًّ‬
‫ويرى ابراهيم اجلمل‪ ،‬مؤلف “تعدّ د الزوجات في اإلسالم”‪ ،‬ما يراه قطب من حيث اختالف طبيعة‬
‫التكوين اجلسماني بني الرجل واملرأة‪ ،‬وكون الرجل أكثر طل ًبا لألنثى في الغالب‪ .‬ويكتب أن إحدى‬
‫أيضا‪ ،‬هي إصالح النسل‪ ،‬فاإلسالم أباح تعدّ د الزوجات “ليكثر النسل‪ ،‬ويكثر عدد‬
‫غايات التعدّ د‪ً ،‬‬
‫تتم األعمال الكبيرة”‪ .‬ومن اجلدير بالذكر هنا‪ ،‬أن جميع الكتّاب املسلمني‬
‫النابغني الذين بهم وحدَهم ّ‬
‫ّ‬
‫أيضا‪ ،‬على أن التعدّ د ضروري للرجل بغض النظر عن إجناب األوالد أو عددهم أو جنسهم‪.‬‬
‫يؤكدون‪ً ،‬‬
‫وهذه الضرورة ُمس َّوغة ب ُقوةِ شهوةِ الرجل اجلنسية‪ ،‬حيث ال يمُ كنه االكتفاء بزوجة واحدة‪ُ .‬يضاف‬
‫إلى ذلك كثرة األيام التي يتعذر فيها على املرأة املمارسة اجلنسية‪ ،‬وهي أيام احليض واحلمل والنفاس‬
‫واملرض‪ .‬وتستشهد كوثر كامل عليفي عام ‪ 1985‬لدعم هذه احلجة‪ ،‬مبا كتبه اإلمام الغزالي املتو ّفى‬
‫فيستحب لصاحبها‬
‫عام ‪1111‬م‪“ :.‬ومن الطباع ما تغلب عليه الشهوة حيث ال حتصنه املرأة الواحدة‪،‬‬
‫ّ‬
‫ستحب له‬
‫يسر الله مودّة ورحمة واطمأن قلبه بهنّ ‪ ،‬وإ ّال ف ُي‬
‫الزيادة عن الواحدة إلى األربع‪ ،‬فإن ّ‬
‫ّ‬
‫‪61‬‬
‫التوجه ينطلق مفتي الديار املصرية السابق في حديثه‬
‫االستبدال” (العشا‪ .)2004 ،‬ومن هذا‬
‫ّ‬
‫عن ضرورات تعدّ د الزوجات‪ ،‬قائ ًال‪“ :‬إن من يحدّ د هذه الضرورة هو الشخص نفسه الذي يستطيع‬
‫معرفة قدراته وظروفه”‪.26‬‬
‫يشير بركات (‪ )407:2000‬إلى أنه في مطلع الثمانين ّيات‪ ،‬أعد الشيخ صبحي الصالح دراسة‬
‫ملعهد الدراسات النسائية في العالم العربي (كلية بيروت اجلامعية)‪ ،‬ردّد فيها التسويغات نفسها التي‬
‫موضحا أن من حق املرأة أن تشترط على زوجها أ ّال يتزوج عليها‪ ،‬فتكون عصمتها‬
‫ذكرت أعاله‪،‬‬
‫ً‬
‫بيدها‪ ،‬وتستطيع بذلك رفض التعدّ د أو القبول به‪ ،‬بينما ال متلك أختها الغربية إ ّال ِخيا ًرا واحدً ا وهو‬
‫رفض التعدّ د‪ .‬في تسويغاته لتعدّ د الزوجات يشير الصالح إلى الضرورات االجتماعية التي ذكرت‬
‫ساب ًقا‪ ،‬كانتشار اإلسالم بفضل التكاثر العددي وضرروات شخصية كإصابة الزوجة مبرض مزمن أو‬
‫بسبب عقمها‪ ،‬بينما يحب الزوج الذرية‪ ،‬ولذا فخَ شية وقوع الرجل في الفحشاء‪ ،‬يكون تعدّ د الزوجات‬
‫ضرورة‪ .‬ويعلق بركات على ذلك بأنه ال يخطر في بال الصالح وهو يردد هذه األمور‪ ،‬أن الزوج يمُ كن‬
‫أن يكون مصا ًبا مبرض مزمن وأن يكون عقي ًما‪ ،‬وأن الزوجة قد حتب الذرية وأنها تخشى من الوقوع‬
‫في الفحشاء‪ .‬وحني يص ّور أن للمرأة اخلِيار في رفض التعدّ د أو القبول به‪ ،‬ينسى أنها ال متلك ما‬
‫ميكله الرجل من حقوق ويتجاهل األمور واألوضاع والضغوط االجتماعية والعائلية التي ُتفرض على‬
‫املرأة‪ ،‬وت َ‬
‫َضط ّرها إلى سلوك ما أعد لها مس ّب ًقا‪ .‬وبكلمات أخرى‪ ،‬يقول بركات‪“ :‬يبدو أن الشيخ‬
‫صبحي الصالح لم يتساءل حول ما إذا كان يحق للمرأة تعدّ د األزواج حني تنشأ عندها ضرورات‬
‫اجتماعية وشخصية‪ ،‬كي يكون منسج ًما مع نفسه‪ .‬ولو فعل ذلك لرفض ك ًّال من نظام تعدّ د الزوجات‬
‫وتعدّ د األزواج على أنهما ينتقصان من كرامة اآلخر‪ ،‬رج ًال كان أو امرأة”‪.‬‬
‫من خالل حتليلها لرأي اإلمام الغزالي في املجتمع اإلسالمي تشير املرنيسي (‪ )2001‬إلى أن‬
‫مؤسسة تعدّ د الزوجات وبناء على ما يورده الغزالي‪ ،‬ما هي إ ّال مؤسسة تعكس هشاشة الروابط‬
‫الزوجية‪ ،‬وإن هذا الرابط الزوجي يصبح ًّ‬
‫هشا من خالل مؤسسة تعدّ د الزوجات‪ .‬وهي تنظر إلى تعدّ د‬
‫الزوجات كمحاولة ملنع تنامي العاطفة في وحدة الزواج‪ ،‬فالرجال يجعلون أنفسهم كذوي قيمة ليس‬
‫من خالل السعي للكمال‪ ،‬بل‪ ،‬ببساطة‪ ،‬من خالل خلق وضعية تنافسية بني اإلناث‪ .‬يحتاج الرجال‬
‫أقل مع ّ‬
‫عاطفي ّ‬
‫كل زوجة‪ .‬وحتّى في املجتمعات املسلمة املعاصرة‬
‫املتعدّ دو الزوجات إلى استثمار‬
‫ّ‬
‫رائجا‪ ،‬فإن التهديد الثابت من قبل األزواج بجلب‬
‫التي تعاني اقتصاد ًّيا‪ ،‬وحيث تعدّ د الزوجات ليس ً‬
‫زوجة أخرى هو تهديد حقيقي قائم كذلك في العائالت األحادية الزوجة‪ .‬يكتب عبد الله اجلعيثن في‬
‫صحيفة الرياض مقالة ب ُعنوان‪“ :‬ال تدفعي زوجك إلى الزواج عليك”‪ .‬قال فيها‪“ :‬وهل هناك امرأة‬
‫ م��ن مقابلة ملفتي ال��دي��ار امل��ص��ري��ة ال��س��اب��ق‪ ،‬ال��دك��ت��ور ن��ص��ر ف��ري��د واص����ل‪ ،‬ف��ي م��وق��ع اجل��م��اع��ة اإلس�لام��ي��ة‪ ،‬ف��ي ت��اري��خ‬
‫‪26‬‬
‫‪.2009/4/27‬‬
‫‪62‬‬
‫تدفع زوجها إلى الزواج عليها؟ اجلواب‪ :‬نعم‪ .‬وهنّ كثيرات فوق ما نتصور‪ .‬إنها تفعل ذلك بإهمالها‬
‫له وعدم اهتمامها به‪ .‬إهمال املرأة لزوجها هو السبب األول الذي يدعو الرجل في أنحاء العالم إلى‬
‫البحث عن زوجة أخرى‪ ..‬فإن ه ّمه في الليل والنهار هو الزواج عليها لتأديبها واالنتقام منها‪ ،‬ولعله‬
‫يجد عند األخرى ما يحقق ذاته ويشعره بأهميته” (بركات‪.)408 :2000،‬‬
‫حسب‬
‫في تفسيرها لهذا املنطق ترى املرنيسي (‪ )39 :2001‬أنه يسود االعتقاد – مبدئ ًّيا‪َ ،‬‬
‫تأويل الفقهاء ‪ -‬أن للرجال والنساء ميوالت غريزية متشابهة‪ ،‬غير أن للرجال احلق في أربع شريكات‬
‫شرعيات إلرضاء هذه امليوالت‪ ،‬في حني أن على املرأة االكتفاء برجل واحد في أفضل األحوال‪ ،‬وأحيانًا‬
‫ّ‬
‫بأقل من ربع رجل‪ .‬إن تعدّ د الزوجات ضروري إلرضاء اندفاع الرجل اجلنسي‪ ،‬وميكن أن نتساءل ع ّما‬
‫إذا كان اخلوف من الوضعية املُضادّة ‪ -‬امرأة بأربعة أزواج ‪ -‬هو أساس االفتراض الذي توصف‬
‫املرأة مبوجبه بال َّن َهم اجلنسي‪ ،‬والذي يشكل محور ال ُبنية العائلية‪ .‬ومبا أن الهندسة االجتماعية‬
‫ً‬
‫التوجس من النساء‬
‫مشوشا على األمة‪ ،‬فإن‬
‫شخصا إشكال ًّيا وعنص ًرا‬
‫تعتبر الفرد املكبوت جنس ًّيا‬
‫ّ‬
‫ً‬
‫سيكون أكبر‪ ،‬مبا أن املؤسسات هي التي تسهر على كبتهنّ اجلنسي‪ .‬وتتابع املرنيسي مشيرة إلى أن‬
‫يرسخ التصور الذي ميلكه الرجال‬
‫للتعدّ د تأثي ًرا نفس ًّيا على إحساس الرجال والنساء بالكرامة‪ ،‬فهو ّ‬
‫عن ذواتهم ككائنات جنسية قبل ّ‬
‫كل شيء‪ ،‬ويعزز ال ُبعد اجلنسي للخلية الزوجية‪ ،‬وهو كذلك وسيلة‬
‫ميارس بها الرجل إذالل املرأة ككائن جنسي‪ ،‬مبا أنه الدليل األكبر على عجز هذه املرأة عن إرضائه‪.‬‬
‫وتس ّلم احلكمة الشعبية بوظيفة التعدّ د في إذالل املرأة‪“ :‬ذل امرأة بأخرى”‪.‬‬
‫ترى إيفلني العقاد (‪ )Accad, 2005‬أن للجنسانية إمكانية ثورية على درجة من القوة‪ ،‬حيث‬
‫ويفضلون إنكار أهميتها وتقدمي‬
‫إن العديد من السياسيني‪ ،‬رجا ًال ونساء‪ ،‬يشعرون باخلوف منها‪،‬‬
‫ّ‬
‫احلجج على عدم محور ّيتها مقابل العوامل األخرى‪ ،‬مثل احملددات االقتصادية والسياسية التي من‬
‫املمكن بسهولة متييزها كعوامل رئيسية في إنتاج الثورة‪ .‬ولذا فهي تؤمن أنه طاملا يستمر إسكات‬
‫النقاش حول اجلنسانية ويستمر هذا اإلنكار ألهمية ومحورية اجلنسانية بالنسبة إلى املشكالت‬
‫االجتماعية والسياسية في الشرق األوسط‪ ،‬وطاملا ال تدمج الثورة اجلنسية ضمن الثورة السياسية‪،‬‬
‫حسب العقاد ‪ -‬يجب أن يبدأ‬
‫فلن يكون هناك حتول حقيقي في العالقات االجتماعية‪ .‬فالتغيير ‪َ -‬‬
‫بالعالقة احلميمية اجلنسية واألسرية‪ ،‬وهو أمر جوهري من أجل تطوير عملية تبادل احلب‪ ،‬احلنان‬
‫واملشاركة املتساوية‪ .‬وفي صميم هذه العملية االعتراف باجلسد األنثوي كمبعث ل ّلذة واالعتراف‬
‫اجلنسي بد ًال من قمعه‪ .‬تشير العقاد إلى أن العالقات اجلنسية القائمة في املجتمعات العربية‬
‫بنشاطه‬
‫ّ‬
‫ال ُتبنى على املتعة أو الرقة أو احلب‪ ،‬بل على اإلجناب واحلفاظ على عذرية البنت أو ما ُيسمى بشرف‬
‫العائلة‪ ،‬وتقييد املرأة والسيطرة عليها لزيادة مكانة واعتبار الذكر‪.‬‬
‫‪63‬‬
‫أسسا أكثر رسوخً ا وأمانًا للتغيير في املجاالت احلياتية األخرى‬
‫إحداث هذا التغيير سيخلق ً‬
‫ السياسية واالقتصادية واالجتماعية والدينية والوطنية‪ ،‬باعتبارها تتصف ‪ -‬في أغلب األحوال ‪-‬‬‫ِ‬
‫بصالت هيمنة مشابهة‪ .‬وقد توصلت العقاد إلى هذه النتيجة من خالل دراسة بحثية واسعة عبر‬
‫الشرق األوسط‪ ،‬قابلت فيها نساء من املناطق الريفية واحلضرية واستفسرت منهنّ عن اجلنسانية‬
‫أزواجا كانوا أو أش ّقاء أو أبناء‪ ،‬وقد ظهر بوضوح أن اجلنسانية تشكل ه ًّما‬
‫والعالقات مع الرجال‪،‬‬
‫ً‬
‫مقل ًقا واهتما ًما بالغ األهمية بالنسبة إلى النساء‪ ،‬ومن بينهنّ نساء عديدات ُتخضعهنّ بيئتهنّ لنظام‬
‫تعدّ د الزوجات وجتبرهنّ على ارتداء احلجاب‪ .‬وقد ع ّبرن عن غضبهنّ على ظروف حياتهنّ ورغبتهنّ‬
‫أن تعيش بناتهنّ في ظروف مختلفة‪ .‬تخ ُلص العقاد إلى أنه إذا لم يخضع موقف الناس إلى حتول‬
‫عميق‪ ،‬وإلى تغيير جذري يطرأ على الطريقة التي يدركون بها السلطة واحلب‪ ،‬فلن يكون هناك ّ‬
‫حل‬
‫لهذه املعضلة املستعصية (املصدر السابق)‪.‬‬
‫تعدّد الزوجات من وجهة نظر أنثروبولوجية‪:‬‬
‫هيمنة لوجهات نظر الرجال‬
‫ّ‬
‫ركزت أغلب الدراسات واألبحاث حول موضوع تعدّ د الزوجات من خالل باحثني أنثروبولوجيني‬
‫راقبوا ودرسوا الظاهرة من وجهة نظر أنثروبولوجية‪ ،‬اعتمدت‪ ،‬غال ًبا‪ ،‬على وجهة نظر الرجال في‬
‫ممارسة تعدّ د الزوجات (‪ ،)Ware, 1979‬كما ّ‬
‫متت دراسة تعدّ د الزوجات من خالل مفاهيم‬
‫اخلصوبة (‪ .)Caldwell & Caldwell, 1990‬وال تختلف هذه األبحاث في تعاملها مع النساء‬
‫ع ّما سبق من حتليالت ذكورية بعيدة ّ‬
‫كل البعد عن التحليل الشمولي في فهم السياقات السياسية‪،‬‬
‫االقتصادية‪ ،‬االجتماعية والثقافية وتأثيراتها املختلفة‪ .‬وفي املجتمعات التي تنتشر فيها هذه الظاهرة‪،‬‬
‫كالقبائل املختلفة في إفريقيا والصحراء الغربية‪ ،‬جرى االهتمام باجلانب الوظيفي لهذه الظاهرة‪،‬‬
‫يتم في هذا‬
‫وما تخدم من أهداف وجودية وتأقلمية ملؤسسة العائلة كمنظومة اجتماعية ‪ -‬بيئية‪ّ .‬‬
‫التوجه التركيز عاد ًة على الدوافع االقتصاد ّية التي تلعب دو ًرا مه ًّما في وجود تعدّ د الزوجات‪ ،‬وعلى‬
‫ّ‬
‫موضوع املوارد املاد ّية وكيف ّية إدارة معيشة الزوجات واألوالد داخل عائلة متعدّ دة الزوجات‪ .‬اهت ّمت‬
‫هذه األبحاث بدراسة تعدّ د الزوجات من منظور اخلصوبة واإلنتاج وإعادة اإلنتاج‪ ،‬أ ّما فيما يتعلق‬
‫فيتم التط ّرق على الدوام إلى موضوع التعاون املشترك بني الزوجات وإدارة‬
‫بالديناميكيات القائمة‪ّ ،‬‬
‫‪64‬‬
‫الصراع املشترك‪ ،‬والذي ّ‬
‫أساسا‪ ،‬حول املوارد املادية من دون التط ّرق إلى العوامل النفسية‬
‫يتركز‪،‬‬
‫ً‬
‫والصراع القائم حول املوارد العاطفية للنساء‪.‬‬
‫مت ّيز األدبيات في املجتمعات اإلفريقية بني أربعة عوامل لتعدّ د الزوجات‪ :‬االقتصادية‪ ،‬الثقافية‪،‬‬
‫تضم العوامل االقتصادية مستوى مساهمة النساء في اإلنتاج الزراعي‪،‬‬
‫السياسية‪ ،‬واجلنسية‪.‬‬
‫ّ‬
‫إمكانيات اخلصوبة والوالدة لدى النساء ووجود مقدار كبير من الثروة املوروثة‪ .‬مييل الرجال إلى‬
‫الزواج بأكثر من زوجة حيث تؤدي زيادة مجموعات العمل إلى زيادة اإلنتاج‪ .‬كذلك فإن تعدّ د‬
‫فسر من خالل قيمة إعادة اإلنتاج لدى النساء وليس من خالل مساهمتهنّ‬
‫الزوجات من املُمكن أن ُي ّ‬
‫املباشرة في العمل‪ .‬ففي املجتمعات حيث ُتعتبر العائلة الوحدة األساسية لإلنتاج االقتصادي‪ ،‬تزدهر‬
‫حسب حجم قوة العمل الذكورية‪ .‬لذا فإن الزوجات يستخدمن كوسائل من أجل توسيع قوة‬
‫العائلة َ‬
‫العمل من خالل اخلصوبة والوالدة‪ .‬كما أن هناك عائالت تتملك مقدا ًرا كبي ًرا من الثروة املتوارثة‪،‬‬
‫وهناك حاجة إلى ذكور يرثون هذه الثروات‪ ،‬فيكون تعدّ د الزوجات إمكانية من أجل والدة أكبر عدد‬
‫من األوالد الذكور لكي يرثوا هذه الثروات (‪.)Shahd, 2001‬‬
‫ّ‬
‫كمؤشر ملكانة اجتماعية‪ .‬فتعدّ د‬
‫وتلعب العوامل الثقافية دورها حني ُينظر إلى تعدّ د الزوجات‬
‫الزوجات يزيد من عدد الذكور في العائلة‪ ،‬ألنّ الزوجات هنّ أ ّمهات لألبناء‪ .‬واألبناء في عائالت‬
‫متعدّ دة الزوجات هم رمز النجاح في احلياة‪ .‬لذا فإنّ الرجل املتعدّ د الزوجات الذي يطمح إلى عدد‬
‫أكبر من الذكور‪ ،‬يكون ً‬
‫تتوسع‪ .‬فتعدّ د‬
‫مالكا ألمالك كثيرة تتطلب عددًا كبي ًرا من األبناء لكي‬
‫ّ‬
‫الزوجات‪ ،‬إ ًذا‪ ،‬عالمة على الغنى والنجاح في احلياة‪ .‬وللعوامل السياسية دور فاعل في تعزيز هذه‬
‫املنظومة‪ ،‬إذ من املُمكن أن يكون تعدّ د الزوجات ناب ًعا من احلاجة إلى كسب حلفاء بني العائالت‬
‫املوسعة‪ ،‬وذلك من أجل خدمة مصالح سياس ّية ُمع ّينة لألفراد‪ .‬في بعض املجتمعات‪ ،‬وحتديدً ا في‬
‫ّ‬
‫خاص من‬
‫املجتمعات الريف ّية‪ ،‬موقع الزعامة يتم من خالل زواج حلفاء بني العائالت‪ ،‬و ُيز ّود بدعم‬
‫ّ‬
‫أجل احلصول على قوة سياسية‪ .‬لذا يمُ كن للرجال أن ميارسوا تعدّ د الزوجات من أجل تأمني وسيلة‬
‫لتلقي دعم واسع من قبل احلمولة (املصدر السابق)‪.‬‬
‫وفي التطرق إلى الدوافع اجلنسية‪ ،‬فقد الحظ علماء أوصاف األجناس‪ -‬اإلثنوغراف ّيون‪ ،‬حدوث‬
‫تعدّ د الزوجات في مجتعمات تتبنّى تابوهات طويلة املدة على ممارسة اجلنس بعد الوالدة‪ ،‬تصدر‪،‬‬
‫استثنائ ًّيا‪ ،‬على النساء‪ .‬في هذه املجتمعات هناك احتماالت كبيرة ألن يقوم الزوج باختيار زوجة‬
‫أخرى كمنفَذ جنسي شرعي خالل فترة حترمي العالقة اجلنسية مع الزوجة الوالدة‪ .‬نرى أن جميع‬
‫هذه األسباب تأتي من وجهة نظر الرجال كأزواج ميارسون تعدّ د الزوجات‪ .‬لكن لم تقتصر هذه‬
‫أيضا‪ ،‬بتفسير الدوافع التي تدفع بالنساء كذلك‬
‫التحليالت على تفسير دوافع الرجال‪ ،‬فقط‪ ،‬بل قامت‪ً ،‬‬
‫‪65‬‬
‫إلى القبول بزواج متعدّ د الزوجات‪ ،‬من خالل وجهات النظر نفسها‪ ،‬ومن خالل التحليل الوظيفي‪ .‬ومن‬
‫األطر النظرية األخرى التي ُتستخدم لتفسير التن ّوع واالستمرارية حلياة العائالت املتعدّ دة الزوجات‪،‬‬
‫اإلطار السلوكي‪ -‬البيئي وعلم نفس النمو‪ .‬يتبنّى بذلك بعض علماء االجتماع واألنثروبولوجيني‬
‫السلوكيني‪ -‬البيئيني نظرية حماية املصادر‪ ،Resource- defense theory‬ويدعم باربير‪،‬‬
‫مؤخّ ًرا (‪ )Barber, 2008‬في بحثه هذه النظرية التي ترى أن أسباب تعدّ د الزوجات‪ ،‬في األساس‪،‬‬
‫شن في هذه املنظومة‬
‫أسباب وظيفية‪ ،‬وتتعلق‪ ،‬حتديدً ا‪ ،‬بحماية املصادر‪ .‬وهذا يعني أن النساء يعِ َ‬
‫قن من خاللها فوائد‪ ،‬وليس ألنهنّ مجبرات وخاضعات لرجال يقمعوهنّ‬
‫ألنها تل ّبي مصاحلهنّ ‪ ،‬و ُيح ّق َ‬
‫ّ‬
‫ويتحكمون بهنّ ‪.‬‬
‫حسب هذه النظرية‪ ،‬فإن تعدّ د الزوجات عبارة عن إستراتيجية ِخيارية إلعادة اإلنتاج‪ ،‬تزداد مع‬
‫َ‬
‫التوجه باربير بنتائج بحثه‪ ،‬التي أظهرت أن تعدّ د الزوجات‪ ،‬الذي يزداد‬
‫املصادر احملمية‪ .‬يدعم هذا‬
‫ّ‬
‫في الدول االستوائية التي متلك أراضي واسعة قابلة لالستصالح وتقسيمة غير متساوية للثروات‪،‬‬
‫ُيدعم من خالل نظرية مصدر احلماية التي ُتبينّ أن أسباب تعدّ د الزوجات أسباب تأقلمية‪ ،‬حيث ظهر‬
‫أن ضمان املوارد احلياتية‪ ،‬ق ّلة الرجال‪ ،‬وارتفاع أعباء األمراض املُعدِ ية‪ ،‬هي أسباب تعدّ د الزوجات‪.‬‬
‫أي أن تعدّ د الزوجات هو سلوك وظيفي‪ ،‬وبذلك فإن ال َف َرضية الوظيفية هي ما أثبِتت في هذا البحث‪.‬‬
‫بينما لم يظهر أن للعوامل الثقافية أو الدينية تأثي ًرا على وجود تعدّ د الزوجات (املصدر السابق)‪.‬‬
‫تستمد هذه النظرية جذورها من سلوكيات احليوانات حيثما يقوم الذكور من الطيور في التنافس‬
‫على اإلناث من خالل احتكار منطقة طيور غنية ونامية‪ .‬وبالتطبيق على اإلنسان‪ ،‬فإن نظرية‬
‫جناحا متساوي القيمة من حيث اخلصوبة‪،‬‬
‫حماية املصادر تشير إلى أن الزوجات املشتركات ُيح ّققن ً‬
‫ومست ًوى جسد ًّيا شام ًال‪ ،‬وذلك من خالل مشاركة رجل ثري‪ ،‬بينما يبتعدن عن الزواج األحادي‬
‫الزوجة ويتركنه لألزواج الفقراء‪ ،‬وبذلك تكون إستراتيجية تعدّ د الزوجات إستراتيجية مثمرة تزداد‬
‫مع ازدياد املصادر احملمية (‪.)Hames, 1996‬‬
‫على فرض أن صيغة الزواج تتال َءم مع الظروف البيئية واالجتماعية بشكل يدفع إلى تطوير جناحات‬
‫اخلصوبة لألفراد‪ ،‬فإن العديد من التفسيرات لتعدّ د الزوجات قائم‪ .‬تفسير حماية املصادر يفترض أن‬
‫املوارد االقتصادية محمية من قبل الرجال‪ ،‬وذلك من خالل امتالكهم لألرض أو احليوانات املنزلية أو‬
‫املال‪ .‬امتالك األرض ُيقابل‪ ،‬وظيف ًّيا‪ ،‬املنطقة التي يحتكرها الطيور‪ .‬فبدل أن يتنافس الرجال بشكل‬
‫مباشر على النساء‪ ،‬يقوم الرجال بالتنافس على النساء من خالل التنافس على موارد اخلصوبة لديهنّ ‪.‬‬
‫في املقابل‪ ،‬فإن النساء ‪ -‬من جهتهنّ ‪ -‬يخترن الرجال بناء على جناحهم في التنافس وفي احلصول‬
‫على موارد إنتاجية حيوية‪ .‬وباإلضافة إلى اختيار الرجال بناء على مواردهم‪ ،‬تختار النساء كذلك‬
‫‪66‬‬
‫الرجال بناء على امتالكهم جلينات ج ّيدة أو قوة جسدية متوارثة‪ .‬حماية املصادر من املُمكن أن يكون‬
‫لها امتيازات‪ ،‬حيث إن وجود تعدّ د زوجات من املُمكن أن يساعد اقتصاد البيت في إنتاج الثروة‪.‬‬
‫فعلى سبيل املثال‪ ،‬مجهودات الزوجات من املُمكن أن جتتمع م ًعا من أجل فوائد مشتركة‪ ،‬كاملشاركة‬
‫في رعاية األوالد‪ .‬وفي املقابل‪ ،‬هناك أنثروبولوج ّيون آخرون تساءلوا حول مدى مالءمة هذه النظرية‬
‫للواقع‪ ،‬وهناك آخرون لم يوافقوا عليها بتا ًتا (‪Borgerhoff-Mulder, 1987; Hames,‬‬
‫‪.)1996; Marlowe, 2000‬‬
‫الباحث السلوكي – البيئي مولدير‪ ،‬يدعي أن العوامل املادية والبنيوية حتث أو تخلق تأثيرات‬
‫عديدة على جودة العالقات القائمة بني الزوجات وحت ّولها‪ ،‬وأن درجة اعتماد الزوجة املادي على‬
‫زوجها حتدد مستوى رضاها ورغبتها في التعاون أو التنافس مع الزوجة الثانية‪ .‬من هنا‪ ،‬فإنه كلما‬
‫كان اعتماد الزوجة املادي أكبر على زوجها تكون حدة الصراع بينها وبني الزوجة الثانية أكبر‪ .‬ولذا‪،‬‬
‫فإذا كانت دوافع الصراع ناجمة أكثر عن عوامل ُبنيوية‪ ،‬فإنه في اإلمكان أن تختفي هذه الصراعات‬
‫في مجتمعات كثيرة‪ .‬وجد مودلير (‪ )Modler, 1989, 1992‬في أبحاثه في شرق إفريقيا أنه‬
‫ولسبب انخفاض مستوى اعتماد الزوجات ماد ًّيا على أزواجهنّ ‪ ،‬فإن الصراع القائم بني الزوجات‬
‫متواز‪ ،‬ازداد مستوى التعاون املشترك بينهما‪ .‬كما ُتظهر نتائج بحث مارلو‬
‫قد انخفض‪ .‬وبشكل‬
‫ٍ‬
‫(‪ )Marlowe, 2007‬أن قوة الرباط اإلنساني تزداد مع التقسيمة اجلنسية للعمل‪ ،‬التي ُيشدّ د‬
‫عليها في املناطق البعيدة في خط االستواء‪ ،‬املبنية على مجتمعات في النموذج العابر للقارات‪.‬‬
‫فالصراعات حول مصادر إعادة اإلنتاج – اخلصوبة بني الرجال والنساء‪ ،‬تنتج عن حاجة كبيرة إلى‬
‫التعاون في ظروف بيئية قاسية مع مصادر طعام متاحة بشكل ضئيل‪ .‬النساء في هذه املناطق‬
‫يعتمدن ّ‬
‫أقل على الزوج في تزويدهنّ بالطعام من خالل الصيد‪ ،‬األمر الذي ُيضعف من الرابط‬
‫الزوجي ويزيد من حاالت تعدّ د الزوجات‪.‬‬
‫وفي مقابل األبحاث التي أظهرت أن الصراع املشترك بني الزوجات يظهر من خالل التنافس على‬
‫خصوصا‬
‫موارد الرجل‪ ،‬كانت هناك أبحاث أنثروبولوجية أخرى معتمدة على حتليل عميق للمعطيات‪،‬‬
‫ً‬
‫عندما يتم حتليلها من قبل باحثات نساء‪ .‬فقد أظهرت النتائج أن الصراع ال يظهر لسبب التنافس على‬
‫املوارد املادية للزوج‪ ،‬إمنا ينبع من االزدواجية التي تشعر بها النساء بسبب مشاركة أزواجهنّ لنساء‬
‫أخريات (‪Burbank, 1994; Meekers and Franklin, 1995; ;1974 ,Allen‬‬
‫‪.)2005 ,.Jankowiak et al ;1990 ,Mpran‬‬
‫لم يدّ ِع جانكوك ورفاقه (‪ )Jankowiak, Sudakov & Wilreker, 2005‬عدم أهمية‬
‫الظروف البيئية التي تؤثر على خلق هذا التعاون املشترك بني الزوجات‪ ،‬لكنهم توصلوا – ومن‬
‫‪67‬‬
‫خالل دراسة لتسعة وثالثني مجتم ًعا ثقاف ًّيا‪ ،‬معظمها غير إفريقية ‪ -‬إلى أن النساء في هذه املنظومة‬
‫لم ي ُقمن بتطوير هذا التعاون البرغماتي من منطلق االنسجام مع الزوجات األخريات وتقبلهنّ لهذه‬
‫املنظومة‪ ،‬إمنا‪ ،‬غال ًبا‪ ،‬ما تسود العدائية والتوتر العالقات بني الزوجات‪ ،‬وغال ًبا ما تستقبل الزوجات‬
‫زواج أزواجهنّ بكثير من التوتر‪ ،‬اخلوف‪ ،‬القلق والشعور بالفقدان‪ .‬في بحثهم املع ّمق لفهم طبيعة‬
‫هذا التعاون ودوافعه‪ ،‬وباالختالف عن األبحاث السابقة حول الصراع املشترك والتعاون املشترك‬
‫بني الزوجات‪ ،‬التي ّ‬
‫ركزت‪ ،‬فقط‪ ،‬على ثقافة واحدة أو على مِ نطقة جغرافية واحدة‪ ،‬قام ويليام‬
‫جانكويك وزمالؤه بتوسيع احل ّيز‪ ،‬حيث احتوى التفاعالت القائمة بني ثقافات عديدة حول العالم‪،‬‬
‫و ّ‬
‫مت كذلك تعريف العوامل املادية‪ ،‬االجتماعية‪ ،‬والعاطفية التي من املُمكن أن ُتضعف أو تق ّوي‬
‫العالقة بني الزوجات‪ ،‬لتتم ّيز ردود فعلهنّ على هذا األمر بالقلق‪ ،‬اإلحباط والعدوانية‪ 88% .‬من‬
‫جلي أن العائلة‬
‫املجتمعات أظهرت مست ًوى عال ًيا من صراع الزوجات‪ ،‬وقد بدا لغالبية النساء بشكل ّ‬
‫املتعدّ دة الزوجات تعني عائلة مدنية وليست بي ًتا عاطف ًّيا‪ ،‬وأن منظومة العائلة املتعدّ دة الزوجات ال‬
‫حتقق االكتفاء العاطفي وال اجلنسي لهنّ ‪ ،‬وهذا ال يعني أن كسب املوارد املادية أو حتسني احتياجات‬
‫األوالد ليس ضمن أهدافهنّ ‪ .‬غير أن متطلبات النساء املادية أو احتياجات األطفال ما هي إ ّال تعبير‬
‫ميتافوري عن حاجة النساء العاطفية واجلنسية‪ .‬من املهم اإلشارة إلى أنه من املُمكن أن تسود‬
‫العدائية في حاالت الزواج األحادي الزوجة‪ ،‬لكن ناد ًرا ما يتّسم مجتمع كامل بهذه العدائية‪ .‬بينما‬
‫يختلف هذا األمر في العائالت املتعدّ دة الزوجات‪ ،‬حيث مستوى الصراع وحدته واستمرار ّيته في هذه‬
‫العائالت أعلى وأكبر ممّا هو عليه في العائالت األحادية الزوجة‪.‬‬
‫ُتظهر النتائج أن معظم النساء في الزواج املتعدّ د الزوجات يقمن بتبنّي إستراتيجية تعتمد على‬
‫إدارة الصراع مع النساء األخريات بشكل براغماتي في احلياة اليومية‪ .‬كما أظهرت النتائج أن قبول‬
‫املرأة للزوجة األخرى وتعاونها معها‪ ،‬ال يعني ‪ -‬بالضرورة ‪ -‬أن العالقات القائمة بينهما متينة‬
‫وحميمية أو داعمة‪ .‬يتضح أن غالبية النساء يخترن التعامل مع الزوجة األخرى مبحور يبدأ من‬
‫تعاون براغماتي ويصل إلى عدائية ظاهرة‪ .‬وقد أظهرت النتائج كذلك أنه ال توجد عالقة بني‬
‫مستوى منالية النساء لوسائل اإلنتاج وبني مستوى الصراع بني الزوجات‪ .‬كما يظهر أن التنافس على‬
‫احتياجات األوالد بني الزوجات عامل أساسي في الصراع بينهنّ ‪ .‬وقد مت تثبيت الفرضية “أوالدي‬
‫أو ًال”‪ ،‬وبهذا يخلص جانكوك ورفاقه إلى أن التشديد على العوامل ال ُبنيوية في الصراع والتعاون‬
‫بني الزوجات من قبل الباحثني السلوكيني – البيئيني‪ ،‬أمر منقوص‪ .‬ومن أجل الوصول إلى صورة‬
‫كاملة يجب األخذ بعني االعتبار احتياجات النساء اجلنسية والعاطفية‪ .‬وهي بخالف فرضية املدرسة‬
‫السلوكية اإليكولوجية‪ ،‬التي ترى أنه من املُمكن أن يكون الصراع غير قائم بني الزوجات في العائالت‬
‫املتعدّ دة الزوجات‪ .‬وقد ظهر بذلك أن الصراع موجود في غالب ّية العالقات القائمة بني النساء‪ ،‬وأنّ‬
‫التعاون القائم بني النساء يدور حول تعاون براغماتي يأتي من أجل ترتيب األمور احلياتية والتأقلم‬
‫‪68‬‬
‫مع احتياجات احلالة‪ ،‬مثل الرعاية الصحية‪ .‬وهذا األمر ال ّ‬
‫يقل أهمية عن وجود شريكة تساعد في‬
‫إدارة أمور حياتهنّ اليومية‪ .‬ظهر أن رغبات النساء اجلنسية ومصاحلهنّ عالمة دالة على الصراع‬
‫القائم بني الزوجات‪ .‬فإذا كانت هذه املنظومة الزوجية تخلق عائلة أساس ّية ّ‬
‫تتركز في رجل واحد‪،‬‬
‫أيضا‪ ،‬نساء يتط ّلعن نحو عالقة حصرية مع رجالهنّ ‪ .‬إن هذه احلقيقة تفسر االحتكاك‬
‫فإنّها تخلق‪ً ،‬‬
‫املستمر ومشاعر العدائية العميقة‪.‬‬
‫ال ينكر جانكويك وآخرون (‪ )Jankowiake et al., 2005‬أن العوامل السلوكية – البيئية‬
‫ال تؤثر على الزوجات في قبولهنّ أو رغبتهنّ في البقاء في هذه املنظومة (هذه الدوافع واحلاجات غير‬
‫قائمة)‪ ،‬لكنهم يشيرون إلى أن هناك عوامل عديدة كمتطلبات الوالدة‪ ،‬عدد األوالد‪ ،‬وجود مجموعة‬
‫من القيم واملواقف التي تتشارك فيها النساء‪ ،‬احلاجة إلى العناية باألوالد‪ ،‬أو عوامل أخرى مرتبطة‬
‫بالنظام اإلنتاجي‪ .‬فهذه ك ّلها عوامل جتعل املرأة تكبت رغبتها اجلنسية وحاجتها للتف ّرد عاطف ًّيا دون‬
‫غيرها مع رجل آخر‪ ،‬وذلك من أجل تدبير أمور عائلتها وأوالدها في مجتمعات تواجه فيها النساء‬
‫ً‬
‫ومحيطا غير داعم‪.‬‬
‫مسؤول ّيات صعبة‬
‫قليلة هي األبحاث التي تع ّمقت في الدوافع التي تقود النساء من مختلِف املجتمعات والثقافات إلى‬
‫قبول منظومة الزواج املتعدّ د الزوجات‪ ،‬سواء ُ‬
‫أكنّ زوجات أوائل‪ 27‬أم ثانيات‪ ،‬وانطلقت من وجهات‬
‫جلي ‪-‬‬
‫نظر النساء أنفسهنّ ‪ .‬لكن من الواضح أن األبحاث القليلة التي قامت بذلك أظهرت ‪ -‬بشكل ّ‬
‫املواقف واملعتقدات الثقافية السائدة التي تؤثر على النساء في قبولهنّ لهذه املنظومة‪ .‬و ُيعتبر البحث‬
‫الذي أجري في جنوب إفريقيا أبلغ تعبير على تأثير ال ُبنى السياسية ‪ -‬االقتصادية وتأثير العرق‬
‫والطبقة والسياسات العنصرية على حياة النساء‪ ،‬وبالتالي على مساهمتهنّ في تعزيز ممارسة تعدّ د‬
‫الزوجات‪ .‬حيث تصبح هذه املمارسة إستراتيجية بقاء وحياة (‪ .)Anderson, 2000‬لقد أجري‬
‫العنصري – األبرتهايد‪ ،‬وظهر من خالله أن العديد من النساء‬
‫هذا البحث في فترة نظام الفصل‬
‫ّ‬
‫ويفضلنه‬
‫يخترن بأنفسهنّ الزواج املتعدّ د الزوجات حتى بدون تفعيل ضغوطات من العائلة عليهنّ ‪،‬‬
‫ّ‬
‫على الزواج العادي‪ ،‬وتكون العالقة احليوية ‪ -‬بالنسبة إليهنّ ‪ -‬مع الزوجة األخرى للزوج وليس‬
‫مع الزوج‪ .‬ومن خالل نظرة عميقة إلى هذه اخلِيارات‪ُ ،‬يظهر هذا البحث العالقة القائمة بني الفقر‬
‫وسياسات التمييز العرقي‪ ،‬وتأثيره على تكريس ظاهرة تعدّ د الزوجات‪ ،‬الذي يدفع النساء – بالتالي‬
‫– إلى اختيار الزواج املتعدّ د الزوجات بأنفسهنّ ‪ .‬فالفقر وانعدام فرص العمل أمام النساء السود‪،‬‬
‫ومنعهنّ من العمل في مناطق البيض‪ ،‬إ ّال في حال كونهنّ متزوجات (حيث إن القانون مينع أية امرأة‬
‫سوداء من العمل في الييوت في مناطق البيض إ ّال إذا كانت متزوجة)‪ ،‬أسباب مركزية حترم النساء‬
‫من فرص العمل واالستقاللية‪ ،‬وجتعلهنّ في حاجة ماسة إلى املساعدة من نساء أخريات‪ .‬يكون تعدّ د‬
‫‪2 7‬‬
‫املقصود هو جمع ملفردة االولى والتي تصف املرأة االولى التي تزوجها الرجل‪.‬‬
‫‪69‬‬
‫الزوجات بالنسبة إلى أولئك النساء إستراتيجية ّ‬
‫متكنهنّ من االنتقال من الريف إلى املدينة والعيش‬
‫مع زوجة أخرى بشكل‬
‫تعاوني‪ ،‬حيث تُقدَّ م للنساء املساعدة في تربية األوالد‪ ،‬وذلك لعدم قدرتنّ‬
‫ّ‬
‫املادية على إدخال األوالد إلى حضانات ومراكز رعاية‪ .‬ترى النساء في ذلك الزواج املتعدّ د الزوجات‬
‫ح ًّال يتيح لهنّ تل ّقي الدعم واملساعدة من قبل الزوجة األخرى‪.‬‬
‫استطاع هذا البحث فهم ِخيارات النساء متجاوزًا املفاهيم املتداولة‪ ،‬وذلك استنادًا إلى فهم‬
‫هذه اخلِيارات من قبل النساء أنفسهنّ ‪ .‬وقد استطاعت بذلك النساء التعبير عن التسهيالت التي‬
‫من املُمكن أن يحصلن عليها من خالل هذه املنظومة‪ ،‬فتشير غالبيتهنّ إلى املقدار األكبر من‬
‫االستقاللية واحلرية التي يتمتّعن بها كأفراد في منظومة كتلك‪ ،‬فالنساء املشاركات يعتقدن أن‬
‫الزوجات في الزواج املتعدّ د الزوجات يتمتّعن بحرية أكبر في احلركة من الزوجات في الزواج األحادي‬
‫الزوجة‪ ،‬مع علمهنّ أن الزوجات الشريكات سي ُقمن ّ‬
‫بحل املشاكل في أثناء غيابهنّ ‪ .‬وقد كان الربح‬
‫االقتصادي واحدً ا من اعتبارات هذا اخلِيار بني العديد من النساء‪ .‬فواحدة من النساء كانت تقوم‬
‫أسبوعا كام ًال في منطقة حضرية لبيع بعض املُنتَجات‬
‫أسبوعا‪ ،‬فتقضي‬
‫بشكل دائم برحلة تدوم‬
‫ً‬
‫ً‬
‫التي حتصل عليها بأسعار رخيصة في جوهانسبورغ‪ ،‬بينما يبقى أوالدها مع الزوجة الثانية التي تقوم‬
‫باالعتناء بهم‪ .‬تشير هذه الزوجة أنها كانت ستكسب دخ ًال ّ‬
‫أقل لو كانت متز ّوجة في زواج أحادي‬
‫الزوجة‪ .‬لتؤكد بذلك جميع املشاركات أن االعتناء باألطفال هو السبب املشترك لهنّ لقبولهنّ الزواج‬
‫املتعدّ د الزوجات (املرجع السابق)‪.‬‬
‫وقد أظهر البحث أن هناك جم ًال متكررة من قبل النساء العزباوات‪ ،‬النساء املتزوجات في زواج‬
‫أحادي الزوجات‪ ،‬والنساء في الزواج املتعدّ د الزوجات‪ ،‬وهي أن “املرأة ال تستطيع تربية طفل‬
‫بعضا”‪ ،‬أو “النساء اإلفريقيات ال يستطعن تربية‬
‫مبفردها”‪ ،‬أو “األخوات دائ ًما سيساعدن بعضهنّ ً‬
‫األطفال مبفردهنّ كما النساء البيض”‪ .‬وفي ّ‬
‫كل األحوال‪ ،‬فإن التعبير “مبفردها” تعبير يعني من‬
‫دون مساعدة نساء أخريات بالغات‪ ،‬بينما غياب أو حضور الزوج يبدو غير مهم بالنسبة إليهنّ ‪.‬‬
‫يفضلن إبقاء األوالد في مكان‬
‫أشارت النساء إلى أن املدينة مكان سيئ لتربية األوالد‪ ،‬ولذلك فهنّ ّ‬
‫سكناهنّ في املناطق الريفية‪ ،‬حتى لو مت السماح لهنّ بإحضار األوالد إلى منازل البيض‪ .‬لقد أشرن‬
‫إلى أنهنّ ُمضط ّرات للعمل من أجل إنقاذ أوالدهنّ من اجلوع‪ ،‬وأنهنّ في حاجة إلى وجود أحد ليبقى‬
‫مع أوالدهنّ في الوقت الذي يذهنب هنّ فيه للعمل في املدينة (املرجع السابق)‪.‬‬
‫حسب النساء أنفسهنّ ‪.‬‬
‫إن املساعدة في تربية األوالد كانت املنفعة األهم للزواج املتعدّ د الزوجات َ‬
‫العديد من النساء قمن مبقارنة أوضاعهنّ بأوضاع النساء البيض املتزوجات في زواج أحادي‪ ،‬واللواتي‬
‫عال وفي استطاعتهنّ إدخال أوالدهنّ إلى حضانات ومراكز رعاية يومية‪،‬‬
‫يتمعن مبست ًوى اقتصادي ٍ‬
‫‪70‬‬
‫وبذلك ينجحن في تربية أوالدهنّ “مبفردهنّ ”‪ .‬وفي حني أنّ ما يجري في جنوب إفريقيا هو طلب‬
‫محدود للعمل يدفعه البيض للسود‪ ،‬فإنّ هذه احلالة من املُمكن أن تزيد من قيمة وأهمية تعدّ د‬
‫الزوجات‪ ،‬وذلك من أجل النجاح في رعاية األطفال‪ .‬فمراكز رعاية األطفال هي أطر مه ّمة من أجل‬
‫النجاح في إدارة شؤون البيت‪ .‬في مثل هذه الظروف‪ ،‬القليل من النساء اللواتي يعشن في عائالت‬
‫نووية‪ ،‬يستطعن وضع أوالدهنّ في أطر كتلك‪ .‬حكومة األبرتهايد حتاول إبقاء النساء السود حيث‬
‫ُولِدن‪ ،‬وتشغيل رجال سود في مناطق البيض الصناعية‪ ،‬األمر الذي يؤدّي إلى نقص في الرجال‬
‫املستعدّ ين للزواج ونقص في السكن في الريف‪ .‬ومن أجل البقاء‪ ،‬تختار الكثير من النساء مشاركة‬
‫بعضا‪ .‬فالنساء اللواتي يبحثن عن عمل في مناطق البيض املدنية‪ ،‬يبحثن عن أخوات‪،‬‬
‫بعضهنّ ً‬
‫زوجات ‪ -‬شريكات أخريات‪ ،‬حموات‪ ،‬من أجل املساعدة في رعاية األطفال‪ .‬لذا يصبح الزواج املتعدّ د‬
‫الزوجات في هذه احلالة‪ ،‬عبارة عن َعقد بني النساء من أجل إعالة األطفال‪ ،‬أكثر منه َعقدً ا بني الرجال‬
‫من أجل إعالة النساء‪ .‬ولسبب ذلك‪ ،‬فإن تعدّ د الزوجات ُيك َّرس في جنوب إفريقيا‪ ،‬وذلك لألسباب‬
‫نفسها‪ ،‬كتلك الترتيبات التي تزداد في مناطق أخرى من العالم ومن ضمنها الواليات املتحدة‪.‬‬
‫ومن املثير لالنتباه غياب الرجل ‪ -‬الزوج معنو ًّيا وعدم وجود دور ف ّعال له في حيوات النساء‪.‬‬
‫إذ أشرن إلى أنهنّ ال ميارسن عالقة من املشاركة كما هو األمر في الغرب‪ِ .‬‬
‫سخرت جميع النساء‬
‫املشاركات من إمكانية أن يكون زوجهنّ رفي ًقا وشريك حياة‪ ،‬بينما اعتبرن الزوجة الثانية رفيقة‬
‫درب وشريكة‪ ،‬كما أن العالقة معها تدوم ملدً ى بعيد أكثر من العالقة مع الزوج‪ .‬فاملرأة السوداء التي‬
‫تعمل كخادمة في بيوت البيض‪ ،‬من املُمكن أن ال جتد الوقت الكافي لتقضيه مع زوجها حتى ّ‬
‫يتمكن‬
‫ألي أحد غير اخلادمات بالبقاء‬
‫من أن يكون لها رفي ًقا وتكون في صحبته‪ ،‬فقوانني األبرتهايد ال تسمح ّ‬
‫ّ‬
‫بالتشكي إلى الشرطة إن شاهدوا رجا ًال غرباء‬
‫في أحياء البيض في الليل‪ .‬وفي الغالب‪ ،‬يقوم اجليران‬
‫لدى اخلادمة‪.‬‬
‫يفترض هذا البحث ‪ -‬بناء على هذه النتائج ‪ -‬أنه في جنوب إفريقيا وأماكن أخرى‪ ،‬يبدو أن‬
‫العائالت املتعدّ دة الزوجات تعرض صيغة مجسرة – توسطية‪ ،‬رغم أنها‪ ،‬اسم ًّيا‪ ،‬تبدو وكأنها ُتقاد‬
‫من خالل الرجال‪ ،‬إ ّال أن العائلة في الواقع تزيد من عدد النساء كحالة مرتبطة بتأمني إمكانيات ‪-‬‬
‫توحيد اجلهود من أجل تلبية احتياجات األطفال‪ .‬في املسؤوليات املادية التي تتحملها النساء في الزواج‬
‫املتعدّ د الزوجات‪ ،‬تتشابه هذه النتيجة في ُبعد معينّ مع ما أظهرته الباحثة املصرية شهد (‪Shahd,‬‬
‫يخص مسؤولية الزوج‬
‫‪ ،)2003‬في بحثها الذي أجرته في إحدى مناطق الريف املصري‪ .‬ففيما‬
‫ّ‬
‫املادية جتاه الزوجات واألوالد‪ ،‬أظهرت النتائج أنه في معظم احلاالت‪ ،‬ال يقوم الزوج بتقسيم موارده‬
‫متساو‪ .‬ويظهر هذا األمر بشكل واضح في طبقة الفالحني ال ُعليا‬
‫املادية بني الزوجات وأوالدهنّ بشكل‬
‫ٍ‬
‫الفالحون من الطبقة الوسطى على مساواة أكثر في هذا املجال‪ .‬ففي الطبقة‬
‫والدنيا‪ ،‬بينما يحافظ‬
‫ّ‬
‫‪71‬‬
‫الدنيا ظهر أن وجود الزوجات في البيت نفسه م ًعا‪ ،‬ال يضمن أن يقوم الزوج بتقسيم موارده املادية‬
‫متساو بني الزوجتني‪ .‬وفي مثل هذه احلاالت تقوم الزوجة التي ال حتصل على موارد كافية‬
‫بشكل‬
‫ٍ‬
‫ّ‬
‫مستقل‪.‬‬
‫لها وألبنائها بالبحث عن مصدر رزق آخر تقوم من خالله بإعالة نفسها وأوالدها بشكل‬
‫ورغم ذلك‪ ،‬فإن هذا األمر يجعل العديد من النساء ير ْين أن هذه االستقاللية املادية متنحهنّ كذلك‬
‫استقاللية في اتخاذ قرارات مصيرية تتعلق بأوالدهنّ كمسألة التعليم مث ًال‪ ،‬حيث تص ّر نساء كثيرات‬
‫على تعليم أوالدهنّ وعدم السماح للزوج بوقف تعليمهم وإخراجهم للعمل معه في الفالحة‪ .‬وتقول‬
‫النساء إن لهذه االستقاللية تأثي ًرا سلب ًّيا من حيث مسؤولية الزوج املادية‪ ،‬فعندما يرى الزوج أن‬
‫يتنصل من تقدمي واجباته جتاه األوالد وجتاهها‪،‬‬
‫الزوجة قادرة على تأمني متطلباتها ومتطلبات األوالد‪ّ ،‬‬
‫لكن لهذه االستقاللية‪ ،‬من ناحية أخرى‪ ،‬تأثير إيجابي من حيث احلرية في اتخاذ القرارات‪ .‬تورد‬
‫إحدى النساء مثا ًال على ذلك‪ ،‬بإصرارها على عدم إخراج بناتها للعمل في األرض‪ ،‬رغم أن زوجها كان‬
‫يعتقد أن له احلق في فعل ذلك‪ .‬أ ّما هي ‪ -‬ولسبب استقالليتها املادية وعدم ارتباطها ‪ -‬فقد أص ّرت‬
‫على أن تبقى البنات في البيت وتخصيص هذا الوقت لدراستهنّ ‪ُ .‬تظهر النتائج أن األزواج يقومون‬
‫بتحمل مسؤولياتهم املادية جتاه الزوجات اللواتي يشاركنهم العمل في احلقل‪ ،‬أ ّما الزوجات اللواتي‬
‫بالتنصل من مسؤولياته جتاههنّ وجتاه أوالدهنّ ‪.‬‬
‫يرفضن ذلك‪ ،‬فيقوم األزواج‬
‫ّ‬
‫يتنصل األزواج من مسؤولياتهم‪ ،‬وليس‬
‫تتحمل الزوجات مسؤولية رعاية البيت واألوالد‪ ،‬بينما ّ‬
‫فحسب‪ ،‬بل حتى إن األزواج يقومون بطلب املال من زوجاتهم العامالت‪ .‬ففي عائالت الفالحني‬
‫هذا ْ‬
‫خصوصا‬
‫من الطبقة الدنيا‪ ،‬حيث يستصعب الزوج حت ّمل أعباء إعالة عائلته وعدد أوالده الكبير‪،‬‬
‫ً‬
‫عندما تطمح الزوجات في تعليم أوالدهنّ ‪ ،‬األمر الذي يحتاج إلى موارد مادية‪ ،‬تقوم الزوجة بنفسها‬
‫إضافي ال تتقاسمه مع الزوج‪ ،‬إمنا تبقيه معها حيث تؤ ّمن احتياجاتها واحتياجات‬
‫بالعمل وتأمني دخل‬
‫ّ‬
‫أوالدها‪ ،‬وبذلك ينسحب الزوج من حت ّمل هذه املسؤوليات وتصبح الزوجة هي املسؤولة (في حالة‬
‫عيش الزوجات م ًعا في البيت نفسه‪ ،‬ال توجد إثباتات على أن الزوج في الطبقة العليا ال يساوي ماد ًّيا‬
‫بني زوجاته وأوالده‪ ،‬كذلك األمر بالنسبة إلى الطبقة الوسطى من الفالحني (‪.)Shahd, 2003‬‬
‫‪72‬‬
‫تعدّد الزوجات وتأثيراته على الصحة اجلسدية‬
‫والنفسية للزوجات‬
‫ناد ًرا ما اهتمت األبحاث بالعالقة القائمة بني تعدّ د الزوجات والصحة النفسية للنساء‪ .‬ففي الوقت‬
‫الذي يتم فيه التركيز على الصحة العا ّمة واخلصوبة‪ ،‬ال حتظى الصحة النفسية للنساء بالقدر نفسه‬
‫من االهتمام‪ ،‬رغم أن االضطرابات النفسية والنيورولوجية وصلت إلى ‪ 10.5%‬بني النساء من‬
‫مجمل األمراض العا ّمة عام ‪ ،1990‬ومن املتوقع أن تصل إلى ‪ 15%‬عام ‪ . 2020‬ورغم ذلك‪ ،‬فإن‬
‫تأثير هذا األمر في الدول النامية ما زال يفتقر إلى الدراسة والتقييم (‪Murrray & Lopez,‬‬
‫‪.)1996‬‬
‫رغم االختالقات الثقافية والظروف السياسية واالقتصادية واالجتماعية للمجتمعات‪ ،‬يظهر أن‬
‫التأثيرات النفسية لتعدّ د الزوجات متشابهة لدى النساء في مختلِف املجتمعات‪ ،‬فالنساء العربيات‬
‫في الشرق األوسط وفي بلدان أخرى يب ّلغن عن نسبة عالية من الضغوط النفسية‪ ،‬ومست ًوى أعلى‬
‫من التنكيل الكالمي‪ ،‬العاطفي‪ ،‬اجلسدي‪ ،‬واجلنسي‪ ،‬من قبل أزواجهنّ ‪ .‬كما ُيب ّلغن بنسبة أعلى من‬
‫التقدير الذاتي املنخفض والوحدة الشديدة‪ .‬وبينما يختلف الوضع االقتصادي‪ ،‬االجتماعي‪ ،‬والثقافي‬
‫بني صحراء إفريقيا وبني العالم العربي‪ُ ،‬تظهر نتائج األبحاث أن املم ّيزات الشخصية في األداء العائلي‬
‫وتأثيره على الصحة النفسية للنساء متشابهة في كال احلالتني (‪.)Bove and Valeggia, 2009‬‬
‫في نهاية الثمانين ّيات وبداية التسعين ّيات من القرن املاضي‪ ،‬بدأ االهتمام بهذا اجلانب يزداد من‬
‫ّ‬
‫وتشكل جسم معرفي نشره باحثون من مختلِف‬
‫قبل الباحثني‪/‬ات‪ ،‬وجت ّمعت بذلك معطيات كثيرة‪،‬‬
‫املشارب العلمية التي بحثت تأثير تعدّ د الزوجات على النساء واألطفال (‪.)alkrenawi, 1999‬‬
‫وأخذ اهتمام الباحثني‪/‬ات يتزايد في دراسة تأثير مبنى العائلة املتعدّ د الزوجات على الصحة‬
‫النفسية للنساء (‪Al-Issa, 1990; Al-Krenawi et al., 2001; Alkrenawi et‬‬
‫‪ .)al., 2002; Nsir & Al-Qutab, 2005‬فقد أشار البحث الذي فحص العالقة بني العوامل‬
‫الثقافية وعوارض األمراض النفسية‪ ،‬الذي قام به العيسى في اجلزائر (‪ ،)Al-Issa, 2000‬تبينّ‬
‫أن تعدّ د الزوجات عامل ّ‬
‫يدل على زيادة الضغوطات العائلية‪ ،‬التي من املمكن أن تساهم بشكل واضح‬
‫في تع ّرض النساء واألوالد ألمراض نفسية‪ .‬وقد تابعت األبحاث التي تلته إظهار نتائج متشابهة‪.‬‬
‫معظم األبحاث التي درست الوضع النفسي للنساء ّ‬
‫ركزت على نوعني من املقارنات‪ :‬األول مقارنات‬
‫‪73‬‬
‫بني نساء في زواج أحادي الزوجة‪ ،28‬ونساء في زواج متعدّ د الزوجات‪ .‬أ ّما املقارنات األخرى فهي بني‬
‫نساء أوائل ونساء ثانيات في زواج متعدّ د الزوجات‪ُ .‬تظهر مختلِف الدراسات التي بحثت اجلانب‬
‫النفسي للنساء الزوجات في عائلة متعدّ دة الزوجات‪ ،‬التأثيرات النفسية السلبية على سالمة الصحة‬
‫النفسية للنساء‪ ،‬معتبرة تعدّ د الزوجات عام ًال يدل على زيادة الضغوط في العائلة‪ ،‬ويساهم في تطور‬
‫أمراض نفسية بني النساء ‪(Alekrenawi, 1999, 2001, 2006; Bove & Valeggia,‬‬
‫‪& 2009; Chaleby, 1985, 1987; Ozkan et al., 2006; Slomin-Nevo‬‬
‫(‪( Alkrenawi, 2006‬القريناوي وسلونيم ‪ -‬نيفو‪( )2002 ،‬تسيفيكيل وباراك‪.)2002 ،‬‬
‫حيث يرتبط تعدّ د الزوجات بتوترات داخل العائلة واضطرابات نفسية بني النساء‪ .‬األمر الذي يتجسد‬
‫بنسب عالية من االضطرابات النفسية لدى النساء املوجودات في إطار زواج متعدّ د الزوجات‪ ،‬مقارنة‬
‫النسبي في املجتمع‪.‬‬
‫بعددهنّ‬
‫ّ‬
‫جلي في البحث الذي أجرته شلبي (‪ )Chaleby, 1985, 1987‬في‬
‫ظهر هذا األمر بشكل ّ‬
‫عيادات الصحة النفسية اخلارجية ومستشفيات الصحة النفسية في الكويت‪ .‬فظهر أن نسبة النساء‬
‫عالجا نفس ًّيا من بني النساء الكويتيات املتزوجات في زواج متعدّ د الزوجات‬
‫الكويتيات اللواتي يتلقني ً‬
‫جدا‪ ،‬وال تتناسب مع نسبه ّ‬
‫نت في املجتمع‪ .‬كما تبينّ أن معدّ ل اللواتي يعانني من اكتئاب‬
‫كبيرة ًّ‬
‫وعوارض عصابية بني النساء املتز ّوجات في زواج متعدّ د الزوجات أكبر بكثير من النساء املتزوجات‬
‫زواج أحادي الزوجة‪.‬‬
‫نتائج مشابهة ظهرت في البحث الذي أجراه القريناوي (‪ )Alkrenawi, 2001‬بني نساء‬
‫بدويات من النقب أوائل في زواج متعدّ د الزوجات‪ ،‬وبني نساء متزوجات في زواج أحادي الزوجة‪،‬‬
‫عالجا في عيادات الصحة النفسية اخلارجية‪ .‬فقد أظهرت نتائج بحثه أن كال املجموعتني‬
‫يتلقني ً‬
‫تعاني من عوارض الضطرابات متعدّ دة ومؤشرات عالية لتعبير جسدي عن ضائقة نفسية‬
‫(‪ ،)somatization‬عصبية‪ ،‬اضطرابات في الشهية وصعوبات في الذاكرة‪ .‬لكن من الواضح أن‬
‫هذا املستوى يظهر بشكل أعلى وكبير بني النساء املتزوجات ضمن زواج متعدّ د الزوجات‪ .‬وقد ظهر‬
‫مرة أخرى أن النساء األوائل في زواج متعدّ د الزوجات يعانني أكثر من مستوى تقدير ذاتي منخفض‪،‬‬
‫عال من الوحدة‪ .‬تكررت هذه النتائج في البحث الذي أجراه القريناوي وسلونيم – نيفو‬
‫ومستوى ٍ‬
‫أيضا‪ ،‬بني احلالة النفسية‪ ،‬األداء العائلي ومستوى االكتفاء من احلياة الزوجية‪،‬‬
‫(‪ ،)2002‬الذي قارن‪ً ،‬‬
‫بني مجموعة من النساء في زواج متعدّ د الزوجات ونساء في زواج أحادي الزوجة‪ .‬فظهر أن النساء في‬
‫الزواج املتعدّ د الزوجات يعانني أكثر من مشاكل نفسية‪ ،‬وقد ب ّلغن عن مستويات أعلى من االكتئاب‪،‬‬
‫القلق‪ ،‬العدائية‪ ،‬وال ُّرهاب‪ .‬كما أن املعدل العا ّم لعوارض ما بعد الصدمة (‪ PSDI‬و ‪ )PST‬كان‬
‫‪28‬‬
‫ عالقة زوجية بني زوجة واحدة وزوج‪.‬‬
‫‪74‬‬
‫أعلى‪ ،‬كما ب ّلغن عن تقدير ذاتي منخفض ومست ًوى منخفض من االكتفاء من احلياة الزوجية‪ ،‬وأداء‬
‫عائلي مقرون باملشاكل‪ ،‬مقارنة بالنساء في الزواج األحادي الزوجة‪.‬‬
‫وفي املسح الذي أجرته تسيفكيل وباراك (‪ )2002‬بني النساء البدويات في موضوع منالية‬
‫اخلدمات الصحية‪ ،‬تبينّ أن‪ 41%‬من النساء اللواتي يعشن مع زوجات أخريات يتعاطني أدوية يومية‬
‫من قبل الطبيب‪ ،‬مقابل ‪ 26%‬من النساء اللواتي يعشن في إطار أحادي الزوجات‪ .‬وقد مت التبليغ‬
‫عال من أعراض االكتئاب وصل إلى ‪ ،31%‬ومست ًوى منخفض من التقدير الذاتي وصل‬
‫عن مست ًوى ٍ‬
‫إلى ‪ ،27%‬وقد ارتفع كلما ارتفع عمر النساء‪ .‬وفي بحث أجري في األردن لهدف بحث العوائق التي‬
‫تقف أمام تشخيص االكتئاب‪ ،‬ظهر أن تعدّ د الزوجات عامل مت ذكره بشكل متك ّرر كمس ّبب للنزاعات‬
‫العائلية التي تؤدي إلى االكتئاب بني النساء‪ .‬وهي نتيجة مشابهة لنتيجة بحث سابق أجري في‬
‫سوريا أظهر أن تعدّ د الزوجات عامل خطر (‪ )risk factor‬لتطور االكتئاب بني النساء في الزواج‬
‫املتعدّ د الزوجات‪ ،‬من ذوات الدخل املنخفض (‪.)Nsir and Al-Qutab, 2005‬‬
‫وفي مقارنات بني احلالة النفسية للنساء اللواتي قام أزواجهنّ بالزواج بأخرى من بعدهنّ ‪ ،‬وبني‬
‫احلالة النفسية للزوجات الثانيات‪ُ ،‬تظهر األبحاث اختالفات واضحة بني املجموعتني‪ ،‬حيث إن مستوى‬
‫األزمات النفسية للنساء األوائل أعلى ممّا هو عليه لدى النساء التاليات‪ .‬وقد ّ‬
‫تركز الكثير من هذه‬
‫األبحاث في املقارنة بني الزوجات “الكبيرات” والزوجات “الصغيرات”‪ .‬كما يتم التمييز بينهنّ في‬
‫األبحاث السابقة‪ ،‬حيث ُيطلق على الزوجة األولى الزوجة الكبيرة و ُيطلق على الزوجة الثانية الزوجة‬
‫الصغيرة‪ ،‬من حيث االختالف في مستوى الصحة النفسية‪ .‬و ُتظهر هذه املقارنات أن مستوى التقدير‬
‫متدن بشكل أكبر بني النساء “الكبيرات”‪ ،‬مقارنة بالنساء الثانيات أو “الصغيرات”‪ .‬كما‬
‫الذاتي‬
‫ٍّ‬
‫أنهنّ يعانني من مست ًوى أعلى من الوحدة (‪alkrenawi, 1998, 1999, 2001; Ozkan‬‬
‫‪ .)et al., 2006‬كما تبينّ أن الزوجات األوائل يب ّلغن بعالقة أضعف مع الزوج‪ ،‬مقارنة بالزوجات‬
‫اجلديدات‪ .‬في حني يظهر أن الزوجات الثانيات يب ّلغن مبست ًوى أعلى من االكتفاء من العالقة الزوجية‬
‫(‪.)Alkrenawi, 1999; Alkrenawi, Graham & Izzeldin, 2001‬‬
‫لقد أظهر البحث الذي أجراه القريناوي (‪ )Alkrenawi, 2001‬بني نساء بدويات يتلقني‬
‫وخصوصا‬
‫العالج في عيادات الصحة النفسية في النقب‪ ،‬وجود نسبة أعلى من االضطرابات النفسية‬
‫ً‬
‫متدن من التقدير الذاتي بني الزوجات “الكبيرات” مقارنة بالزوجات الثانيات‪.‬‬
‫الوحدة‪ ،‬ومست ًوى‬
‫ٍّ‬
‫يعزو الباحث هذه الوحدة إلى االنسحابية التي تعيشها الزوجة األولى وانعزالها عن األطر االجتماعية‬
‫التي تنتمي إليها‪ .‬وبني تلك النساء ُوجدت نسبة عالية من القلق ومن آالم الصدر‪ .‬تتعزز هذه‬
‫الوحدة بالعزلة واإلحساس بالعجز‪ ،‬عندما تندمج هذه العوارض مع عدم قدرتها على ّ‬
‫حل مصدر‬
‫‪75‬‬
‫مشاكلها‪ .‬وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فقد أظهر البحث وجود عالقة بني مستوى التقدير املتدنّي لديهنّ‬
‫ووالدة عدد كبير من اإلناث‪ ،‬وكذلك وجود عالقة بني التقدير الذاتي املنخفض وبني ما تعتقده‬
‫النساء‪ ،‬بكون أزواجهنّ ينظرون إليهنّ كنساء كبيرات في السنّ ‪ .‬لقد ظهرت بشكل واضح فروقات‬
‫كبيرة بني املجموعتني في نظرتهما إلى جودة العالقة الزوجية‪ ،‬فتبينّ أن النساء “الكبيرات” في زواج‬
‫متعدّ د الزوجات يب ّلغن بعالقة قائمة – بالكاد ‪ -‬مع أزواجهنّ ‪ ،‬وقد كانت اجلملة األكثر تكرا ًرا من‬
‫قبل أولئك النساء‪ ،‬أنهنّ يعتبرن أنفسهنّ نساء مط ّلقات‪ ،‬فال أحد يهتم بهنّ ‪ ،‬أو “أعتبر نفسي أرملة‪،‬‬
‫فمنذ أن تزوج زوجي بأخرى‪ ،‬هو في نظري ميت”‪ ،‬أو “رسم ًّيا لنا أزواج‪ ،‬لكن‪ ،‬فعل ًّيا‪ ،‬ال أزواج لنا”‪.‬‬
‫وقد أشارت بعض املبحوثات إلى أن أزواجهنّ ال يقومون بزيارتهنّ ويتركونهنّ وحيدات في مواجهة‬
‫مسؤوليات األوالد ومتطلباتهم‪ .‬إن هذه الردود تشير بوضوح إلى أن أولئك النساء يشعرن باإلهمال‬
‫من قبل أزواجهنّ ‪ ،‬جسد ًّيا‪ ،‬جنس ًّيا‪ ،‬عاطف ًّيا ووظيف ًّيا‪.‬‬
‫وقد كانت شلبي قد أشارت في أبحاثها (‪ )chaleby, 1985, 1987‬إلى الزوجات اللواتي‬
‫قام أزواجهنّ بالزواج عليهنّ ‪ ،‬الكبيرات في السنّ اللواتي يعانني االكتئاب‪ ،‬املعاجلات في العيادات‬
‫اخلارجية أو املشافي‪ ،‬حيث مت إدخال بعضهنّ املستشفى ألن أزواجهنّ أرادوا التخ ّلص منهنّ ‪ ،‬وقد‬
‫يكون بعضهنّ قد دخل املستشفى كوسيلة للهرب من حدود العائلة (‪.)chaleby, 1985, 1987‬‬
‫وصفت الكثير من األبحاث أن النساء يتلقني زواج أزواجهنّ كفجيعة ‪(Alkrenawi, Graham‬‬
‫‪& Izzeden, 2001; Hassouneh- Phillips, 2001; Ozkan et al, 2006).‬‬
‫فعندما قام القريناوي‪ ،‬غراهام وعز الدين (‪)Alkrenawi, Graham & Izzeldin, 2001‬‬
‫باملقارنة بني نساء فلسطينيات أوائل وثانيات في مخيمات الالجئني في قطاع غزة‪ ،‬وجدوا فروقات‬
‫كبيرة في مستوى االكتفاء ومستوى التعبير اجلسدي عن ضائقة نفسية (‪ )somatization‬وفي‬
‫مستوى التقدير الذاتي‪ .‬فمستوى االضطراب اجلسدي الناجت عن الوضع النفسي بني النساء األوائل‪،‬‬
‫كان أكبر في خمسة أصعدة‪ :‬االضطرابات اجلسدية الناجتة عن ضيق نفسي‪ ،‬احلساسية الشخصية‪،‬‬
‫االكتئاب‪ ،‬القلق العا ّم وال ُّرهاب‪ .‬في حني يظهر أن مستوى التقدير الذاتي منخفض أكثر‪ ،‬كون النساء‬
‫يشعرن بفشل شخصي‪ .‬وقد رأى الباحثون أن االنتقال من مبنى عائلي أحادي الزوجة إلى مبنًى‬
‫متعدّ د الزوجات‪ ،‬له تأثير الفاجعة على النساء ويقارنونه بالطالق‪ .‬في إطار النزاع حول املوارد تدخل‬
‫الزوجات في حالة قلق على مستقبل أوالدهنّ ‪ ،‬األمر الذي يزيد من احتمال تعرضهنّ الضطرابات‬
‫نفسية‪.‬‬
‫في بحث مشابه أجراه التركي اوزكان وآخرون (‪ )Ozkan et al, 2006‬في املناطق الريفية‬
‫من تركيا‪ ،‬مت فيه استطالع ثالث مجموعات من النساء‪ :‬األولى مجموعة من النساء األوائل‪ ،‬والثانية‬
‫من النساء اجلديدات في زواج متعدّ د الزوجات‪ ،‬والثالثة من زوجات في نظام زواج أحادي الزوجة‪،‬‬
‫‪76‬‬
‫أشارت النتائج إلى وجود فروقات واضحة ما بني النساء “الكبيرات” و”اجلديدات” واللواتي يعشن‬
‫في منظومة أحادية الزواج‪ ،‬من حيث االضطرابات النفسية التي ُيع ّبر عنها باالضطرابات اجلسدية‪.‬‬
‫فقد كانت النسبة األعلى لهذه االضطرابات بني النساء “الكبيرات”‪ ،‬إذ برز بوضوح أن النساء‬
‫“الكبيرات” يتعرضن لضغوط نفسية أكثر من األخريات‪ .‬وتعزو األبحاث هذا االختالف إلى كون‬
‫الزواج الثاني عادة ما يكون من منطلق احلب وليس من خالل ترتيبات عائلية‪ ،‬األمر الذي يدفع‬
‫بالزوجة األولى جان ًبا ويجعلها تشعر باإلقصاء والنبذ‪ ،‬ممّا يؤثر على مستوى التقدير الذاتي لديها‪ .‬إن‬
‫عائلي أحادي الزوجة إلى مبنًى متعدّ د الزوجات‪ ،‬يتس ّبب بتغ ّيرات ُمفجعة لدى‬
‫االنتقال من مبنًى‬
‫ّ‬
‫الزوجات األوائل‪ ،‬حيث تكون تداعيات هذا األمر على حالتهنّ النفسية شبيهة بتلك التأثيرات التي‬
‫تعيشها النساء املطلقات أو األرامل‪ .‬وكما يبدو‪ ،‬فإن أولئك الزوجات يتعاطني مع هذا احلدث باللجوء‬
‫إلى االنفصال والتعبير عن الضيق النفسي من خالل عوارض جسدية‪ ،‬كوسيلتني ملواجهة الفجيعة‬
‫(‪.)Ozkan et al, 2006‬‬
‫جتدر اإلشارة إلى أن معظم األبحاث ّ‬
‫ركزت على الوضع النفسي للنساء األوائل‪ ،‬وعزت االضطرابات‬
‫والضغوطات النفسية إلى النساء األوائل‪ ،‬مع اإلشارة اإلمبيرية والضمنية إلى كون النساء الثانيات‬
‫يتمتعن مبست ًوى أعلى من االكتفاء من العالقة الزوجية‪ ،‬واإلشارة‪ ،‬ضمن ًّيا‪ ،‬إلى كون املرأة الثانية ال‬
‫تعاني من هذه االضطرابات‪ .‬من خالل بحث ك ّم ّي ُيظهر القريناوي وليف‪ -‬فيزيل (‪Alkrenawi‬‬
‫‪ ،)and Lev-Wiesel, 2002‬في مقارنة بني مجموعة من النساء البدويات في النقب املتزوجات‬
‫زواجا أحادي الزوجة‪ ،‬وبني زوجات في زواج متعدّ د الزوجات‪ ،‬االختالفات بشكل كبير في مستوى‬
‫ً‬
‫التنكيل والشعور بالتماسك النفسي‪ .‬إذ ُتشير النتائج إلى مستويات عالية من الشعور بالتماسك‬
‫النفسي ومستويات منخفضة من التنكيل بني النساء في الزواج األحادي‪ ،‬مقارنة بالنساء في الزواج‬
‫املتعدّ د الزوجات‪.‬‬
‫واستمرا ًرا لرصد التأثيرات السلبية لتعدّ د الزوجات على احلالة النفسية للنساء‪ ،‬قامت حسونة‬
‫– فيليب (‪ )Hassouna- Phillips, 2002‬ببحث التجارب املعيشية لنساء مسلمات يعشن‬
‫في أمريكا ويتعرضن للتنكيل‪ُ ،‬مب ّينة األشكال والطرق التي يكون فيها تعدّ د الزوجات والتنكيل‪،‬‬
‫في بعض األحيان‪ ،‬ظاهرة متداخلة ومتشابكة‪ .‬لم تنطلق الباحثة من االجتاه أعاله في املقارنة بني‬
‫الزوجة األولى والثانية‪ ،‬بل بحثت في مستوى التنكيل الذي تتع ّرض له كال الزوجتني انطال ًقا من‬
‫اعتبار تعدّ د الزوجات بحدّ ذاته فع ًال ِّ‬
‫منك ًال للزوجة األولى‪ ،‬كما هو للزوجة الثانية‪ .‬من خالل مقابالت‬
‫مع ّمقة ومجموعات بؤرية مت إجراؤها‪ ،‬أظهرت النتائج أن جميع النساء يتعرضن ألشكال مختلفة‬
‫من التنكيل‪ ،‬وأن تعدّ د الزوجات بحدّ ذاته صيغة من صيغ التنكيل التي تتم ممارستها جتاه النساء‪،‬‬
‫فالتمييز في املعاملة بني الزوجات‪ ،‬وكون الزوجات شاهدات على التنكيل بالزوجة األخرى‪ ،‬كلها‬
‫‪77‬‬
‫مواضيع متشابه للمشاركات في البحث‪ .‬وقد أبلغت جميع النساء املبحوثات عن تع ّرضهنّ ملعاملة‬
‫غير عادلة مقارنة بالزوجات األخريات‪ ،‬وجميعهنّ اعتبرن هذا األمر تنكي ًال عاطف ًّيا بهنّ ‪ ،‬وفش ًال‬
‫دين ًّيا من جانب األزواج‪ُ .‬تظهر النتائج أن النساء يعتبرن منظومة تعدّ د الزوجات ِّ‬
‫منكلة بحدّ ذاتها‪،‬‬
‫لكنهنّ يشعرن بأن هذا التنكيل نابع من كون أزواجهنّ ميارسون تعدّ د الزوجات بشكل غير مقبول‬
‫وغير عادل‪ ،‬ممّا يجعل من زواجهم الثاني عم ًال ِّ‬
‫منك ًال‪ ،‬بحدّ ذاته‪ .‬ع ّبرت بذلك معظم املشتركات‬
‫عن قناعتهنّ ‪ -‬اعتقادهنّ أن تعدّ د الزوجات بحدّ ذاته ليس ممارسة تنكيلية‪ ،‬إمنا يكمن التنكيل‬
‫حسب الشريعة اإلسالمية‪،‬‬
‫في معاملة أزواجهنّ غير العادلة لهنّ ‪ ،‬عندما ال يمُ ارس تعدّ د الزوجات َ‬
‫وباعتبار انعدام العدل ممارسة تنكيلية وهدّ امة عاطف ًّيا‪ .‬وحيث إن معظم املشتركات مؤمنات بأن‬
‫الله أعطى احلق للرجال في أن يتزوجوا أربع نساء‪ ،‬فإنهنّ لم يتساءلن حول انعدام املنطق في‬
‫بديات مست ًوى مع ّينًا من القبول لتعدّ د الزوجات‪ .‬وفي حني رأت بعض‬
‫هذه املمارسة بشكل عا ّم‪ُ ،‬م ٍ‬
‫املشتركات أن تعدّ د الزوجات ال يناسبهنّ بشكل شخصي‪ ،‬كانت أخريات ممّن اعتقدن أنه يجب إلغاء‬
‫تعدّ د الزوجات بشكل تا ّم‪.‬‬
‫تتابع الباحثة في إشارتها إلى أن عجز الزوجة عن منع زواج زوجها بأخرى واألهمية الثقافية‬
‫لسالمة وحدة العائلة‪ ،‬يحرمان املرأة من قوتها ويخلقان ُبنية من التنكيل والتعاسة‪ .‬في مثال على‬
‫ذلك وعلى التنكيل النفسي الذي تع ّرضت له إحدى املشاركات‪ ،‬تشير إلى أن زوجها أجبرها على‬
‫حضور مراسيم زواجه بالزوجة األخرى‪ ،‬حيث أحضر العروس وأقاربها إلى بيتها‪ ،‬وطلب منها أن‬
‫تشهد املراسيم‪ ،‬األمر الذي لم تستطع أن ُتشرك فيه أحدً ا من معارفها األمريكيني غير املسلمني‪،‬‬
‫ألنها شعرت باحلرج والعار‪ .‬وفي نظرة إلى الوراء‪ ،‬ترى أن موافقتها على هذا األمر كانت خطأ‪ ،‬لكنها‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬تعتقد أنها سارت في اجتاه ما يمُ كن أن يكون منطق ًّيا في محاولة إلنقاذ زوجها‪،‬‬
‫وذلك تالؤ ًما مع توقعات املجتمع االسالمي منها‪ .‬وقد مت اعتبار تعدّ د الزوجات شك ًال من أشكال‬
‫التنكيل النفسي عند ارتباطه بالتمييز وعدم املساواة‪ ،‬حيث لم ُيطبق املبدأ اإلسالمي القاضي بالعدل‬
‫بني الزوجات بني جميع املشتركات‪ .‬ففي حني تذ ّمرت إحدى املشاركات من إهمال زوجها وقضائه‬
‫معظم أوقاته وبرامجه االجتماعية مع زوجته الثانية‪ ،‬أعربت الزوجة الثانية عن إحساسها بالتمييز‪،‬‬
‫كونها مضطرة إلى اخلروج للعمل من أجل إعالة نفسها‪ .‬إن هذه االختالفات تعكس االختالفات‬
‫الذاتية ملفهوم العدل‪ .‬الزوجة الثانية اعتبرت نفسها “ال أحد” في زواجها‪ ،‬ألن زوجها يبدو بشكل‬
‫واضح أنه يفضل زوجته األولى عليها‪ .‬وتعتقد هذه الزوجة األمريكية أن زوجها تزوجها من أجل‬
‫احلصول على إقامة له ولزوجته في أمريكا‪ ،‬فقط‪ ،‬وهو بحدّ ذاته نوع من أنواع التنكيل‪.‬‬
‫تشير الباحثة إلى أن التنكيل الذي تتعرض له النساء في الزواج املتعدّ د الزوجات يصبح معقدً ا‬
‫جدا‪ ،‬ويصبح هذا التعقيد ظاه ًرا بشكل أكبر عندما يتم األخذ بعني االعتبار أن الزوجات األخريات‬
‫ًّ‬
‫‪78‬‬
‫من املمكن أن يلعنب دور املجرم أو أن ُ‬
‫يكنّ شاهدات على التنكيل‪ .‬وقد تبينّ من قصص املشتركات‬
‫أن التنكيل مبختلِف أشكاله‪ ،‬عادة ما يحدث بعلم الزوجة‪/‬ات األخريات‪ ،‬فرغم وجود بالغ آخر في‬
‫البيت‪ ،‬فإن عنف ّ‬
‫َ‬
‫املسيطر يزداد‪ ،‬بينما تكون الزوجات األخريات عاجزات عن إيقافه‪،‬‬
‫املنكل غير‬
‫أو اخترن عدم التدخل للحدّ منه‪ .‬تسرد إحدى املشتركات الضرب املبرح الذي تع ّرضت له من‬
‫ِ‬
‫حاولت التخلص منه فهربت إلى الزوجة األخرى‬
‫قبل زوجها عندما بدأ بضرب رأسها في احلائط‪،‬‬
‫تستنجد بها‪ ،‬رغم العالقة املتوترة القائمة بينهما‪ .‬وفي حني استطاعت أن جتد ملجأ لديها‪ ،‬تسرد‬
‫قاس لم تقبل الزوجة األخرى فيه التدخل وحماية الزوجة‪ ،‬فتُخبر إحدى‬
‫املشتركات‬
‫ً‬
‫قصصا لتنكيل ٍ‬
‫املشتركات أنها كانت تسمع زوجها عندما يقوم بضرب الزوجة األخرى في غرفتهما فتصغي لصوت‬
‫يخرج كالعصفور من فمها وتقوم بتفقدّ ها بعد أن يترك الزوج البيت‪ ،‬فقط‪ .‬هناك حاالت كان التنكيل‬
‫العاطفي أو‪/‬و اجلنسي مستم ًرا فيها‪ ،‬ففي بعض األحيان كانت الزوجة األخرى مجنّدة جلانب الزوج‪.‬‬
‫في هذه احلاالت وصفت املشاركات تنكي ًال يتعرضن له ليس من قبل األزواج‪ ،‬فقط‪ ،‬إمنا من قبل‬
‫أيضا‪ ،‬قد يصل في بعض احلاالت العتداءات جسدية جتعل الزوجة ُمضطرة إلى‬
‫الزوجة األخرى‪ً ،‬‬
‫اللجوء إلى زوجها‪ .‬رغم أن إحدى املشتركات أوردت مثا ًال على تع ّرضها للضرب من الزوجة األخرى‪،‬‬
‫رأت الزوجة في زوجها مصد ًرا ّ‬
‫للحل‪ ،‬وهي تعتقد أن زوجها هو املسؤول عن احملافظة على العالقة‬
‫بني الزوجات‪ .‬إن هذه الترتيبات جتعل النساء متعلقات بشكل مطلق باألزواج من أجل ّ‬
‫حل خالفاتهنّ‬
‫أي وقت كان (‪Hassouna-Philips,‬‬
‫وجتعل من دور الرجل أكثر مركزية في حياة العائلة من ّ‬
‫‪.)2002‬‬
‫يظهر بشكل واضح أن الباحثات النساء يدرسن تعدّ د الزوجات من خالل التركيز على الدالالت‬
‫العاطفية في حياة الزوجات املشتركات (‪.)Jankowiak, Sudakov &Wilreker, 2005‬‬
‫ويبدو أن لهذا األمر تأثي ًرا في تغيير التوجه في البحث الذي أجراه حدي ًثا سلونيم – نيفو والقريناوي‬
‫(‪ )Slonim-Nevo & alkrenawi, 2006‬في عائالت متعدّ دة الزوجات في النقب‪ ،‬حيث‬
‫تعدى البحث املقارنة بني النساء األوائل والثانيات‪ ،‬وكان أكثر شمولية‪ ،‬إذ كان البحث نوع ًّيا‪ ،‬ومت‬
‫من خالله مقابلة ‪ 10‬عائالت بدوية‪ ،‬ومت في ّ‬
‫كل عائلة مقابلة خمسة أفراد‪ :‬الزوجة األولى‪ ،‬الزوجة‬
‫الثانية‪ ،‬الولد البكر للزوجة األولى‪ ،‬الولد البكر للزوجة الثانية‪ ،‬والزوج‪ ،‬حيث مت اختيار خمس‬
‫عائالت باعتبارها عائالت مستقرة‪ ،‬وخمس عائالت مع مشاكل أسرية‪ .‬مت إجراء مقابالت مع ّمقة‬
‫مع املشتركني واملشتركات‪ ،‬ومت من خاللها رصد مواقف ومشاعر النساء الثانيات كما األوائل‪ ،‬وقد‬
‫جدا‪،‬‬
‫خ ُلص البحث إلى أن تعدّ د الزوجات في كال النوعني من العائالت وفي أفضل ظروفه‪ ،‬أمر مؤلم ًّ‬
‫وحتديدً ا للنساء واألوالد‪ .‬ورغم أن هذا البحث لم يتطرق إلى حتليل تداعيات هذا األلم من منظور‬
‫نسوي‪ ،‬ولم يفكك ال ُبنية الذكورية ودورها في إنتاج هذا األلم‪ ،‬فقد استطاع أن يبحث في الظاهرة‬
‫ْ‬
‫بشكل أكثر شمولية ممّا كان عليه في األبحاث السابقة‪ ،‬واستطاع التعامل مع آثار تعدّ د الزوجات‬
‫‪79‬‬
‫فخصص للزوجات اللواتي قام أزواجهنّ بالزواج‬
‫على مختلِف األفراد املوجودين في هذه املنظومة‪ّ ،‬‬
‫بأخريات‪ ،‬وبحث مواقفهنّ ومشاعرهنّ جتاه زواج أزواجهنّ ‪ ،‬كما مت منح مساحة للزوجات الثانيات‪.‬‬
‫استحضر البحث ‪ -‬لسبب منهجيته النوعية ‪ -‬قصص حياة مؤملة للنساء اللواتي قام أزواجهنّ بالزواج‬
‫وقصصا للزوجات الثانيات من العائلة نفسها‪ .‬وقد أظهرت النتائج أن النساء الثانيات اللواتي‬
‫بأخرى‪،‬‬
‫ً‬
‫تزوجن برجل متزوج‪ ،‬أجبرن على هذا االختيار أو اعتبرن أنهنّ غير محظوظات في قدرهنّ ‪ .‬وقد‬
‫ذكرت إحدى املشاركات التي أجبرت على الزواج بسلفها املتزوج بعد وفاة زوجها الشاب‪ ،‬األمر الذي‬
‫لم تكن تتصور أنه سيحدث لها يو ًما ما‪ ،‬مشيرة إلى أنه ال توجد امرأة ترضى مبشاركة زوجها مع‬
‫أخرى‪ ،‬لكن القدر أجبرها على ذلك‪ .‬كما حتدّ ثت إحدى الزوجات عن أن قرار زواجها بزوج آخر جاء‬
‫نتيجة لرضوخها لقرار والدها وتصميمه على تزويجها رغم رفضها له‪.‬‬
‫تعدّد الزوجات وتأثيره على األوالد‪:‬‬
‫أظهرت األبحاث وجود تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على احلالة النفسية لألوالد في منظومة‬
‫الزواج املتعدّ د الزوجات‪ .‬وكون التأثيرات املباشرة ناجتة عن التغيير في تقسيمة املوارد بني الزوجات‪،‬‬
‫األمر الذي يقلص من املوارد النفسية واملادية التي يحتاجها األوالد‪ ،‬ويؤثر على حياتهم ومسار‬
‫تطورهم‪ .‬أ ّما التأثيرات غير املباشرة فتحدث لسبب التغييرات التي تطرأ على األم‪ ،‬واالنتقال إلى‬
‫حياة زوجية مختلفة ّ‬
‫بكل ما يترافق معها من ضغوطات نفسية ومشاعر ُمفجعة تعيشها الزوجة‬
‫وتؤثر على أدائها كأم (‪.)alkrenawi et al., 2001‬‬
‫مت بحث التأثيرات النفسية لتعدّ د الزوجات على األوالد من خالل فحص مستوى اندماجهم‬
‫التعليمي واالجتماعي في املدرسة وعالقتهما مبستوى الصراع العائلي ومدى القرب من الوالدين‪.‬‬
‫قام القريناوي واليتمان (‪ )Alkrenawi & Lightman 2002‬مبقارنة بني مجموعة من طالب‬
‫املدارس البدو في النقب من عائالت أحادية الزوجة‪ ،‬وطالب من عائالت متعدّ دة الزوجات‪ .‬وقد‬
‫قام الباحثان بفحص مستوى الصراع من خالل فحص ثالثة مجاالت للصراع العائلي‪ :‬العالقات بني‬
‫ضم األخوة من الزوجة‬
‫الولد واألب‪ ،‬العالقات بني الولد وأخوته‪ ،‬وفي العائالت املتعدّ د الزوجات مت ّ‬
‫الثانية‪ ،‬أ ّما املجال الثالث فهو العالقة بني األب واألم‪ .‬وقد أظهرت النتائج وجود اختالفات واضحة في‬
‫مستوى التحصيل التعليمي ومستوى التأقلم االجتماعي للطالب في املدرسة بني املجموعتني‪ .‬فقد‬
‫تبينّ أن الطالب من العائالت املتعدّ دة الزوجات كان حتصيلهم التعليمي ومستوى تأقلمهم االجتماعي‬
‫أدنى بشكل بارز من مستوى الطالب من العائالت األحادية الزوجة‪ .‬فاألوالد من العائالت املتعدّ دة‬
‫الزوجات أظهروا صعوبات واضحة في التأقلم في بيئة الصف وفي العالقات مع األوالد واملعلمني‬
‫‪80‬‬
‫والنظم املدرسية‪ .‬إذ تنتقل املشاكل االجتماعية من البيئة البيتية داخل هذه العائالت لتظهر في‬
‫احمليط التعليمي وتعيق تأقلمهم االجتماعي في املدرسة‪ .‬وقد أشار الباحثان بذلك إلى أن أولئك‬
‫األوالد يتع ّرضون إلجحاف تعليمي مزدوج‪ ،‬كونهم يعيشون التمييز التعليمي مع باقي األوالد‪ ،‬لكونهم‬
‫عر ًبا بد ًوا‪ ،‬باإلضافة إلى الصعوبات االجتماعية الناجتة عن تعدّ د الزوجات‪.‬‬
‫وباإلضافة إلى النتائج املتشابهة في خصوص األداء التعليمي التي وجدتها أبو كف (‪)2004‬‬
‫بني األوالد من عائالت أحادية الزوجة وأخرى متعدّ دة الزوجات‪ ،‬بني األوالد البدو في النقب‪ ،‬قامت‬
‫كذلك بفحص الفروقات في التمثيالت الوالدية القائمة في عاملهم الداخلي وعالقتها مبستوى تأقلم‬
‫األوالد في سنّ ‪ .13-11‬وقد أظهرت النتائج وجود اختالفات بني األوالد من عائالت أحادية الزوجة‬
‫خصوصا في متثيل الطموح بني‬
‫وآخرين من عائالت متعدّ دة الزوجات‪ ،‬في خصوص تصور آبائهم‪،‬‬
‫ً‬
‫طموحا‪،‬‬
‫املجموعتني‪ ،‬حيث ظهر أن األوالد في العائالت األحادية الزوجة يتص ّورون آباءهم أكثر‬
‫ً‬
‫طموحا في‬
‫مقارنة باألوالد من العائالت املتعدّ دة الزوجات‪ .‬إن العائلة األحادية الزوجة تبدو أكثر‬
‫ً‬
‫الداخلي مقارن ًة باألب املتعدّ د الزوجات‪ ،‬كما ظهر وجود فروقات بارزة في مستوى األداء‬
‫عالم األوالد‬
‫ّ‬
‫التعليمي‪ ،‬فأداء األوالد التعليمي من العائالت املتعدّ دة الزوجات بدا ّ‬
‫أقل بكثير‪ ،‬مقارنة باألوالد من‬
‫العائالت األحادية الزوجة‪.‬‬
‫و ُيبرز العيسى (‪ )Al-Issa, 2000‬في بحثه الذي أجري في اجلزائر‪ ،‬والذي فحص العالقة‬
‫بني العوامل الثقافية ومستويات العوارض لألمراض النفسية‪ ،‬أن تعدّ د الزوجات هو مؤشر ّ‬
‫دال‬
‫على زيادة الضغوطات في العائلة‪ ،‬التي من املُمكن أن تساهم في اإلصابة بأمراض نفسية بني‬
‫األمهات وبني األوالد‪ .‬وقد دعمت هذه النتائج بح ًثا ساب ًقا من قبل ايبان‪ ،‬الغزالي‪ ،‬بن عثمان وأبو‬
‫صالح (‪ )Eapen, Al-Gazali, Bin-Othman, and About-Saleh, 1998‬في‬
‫دراستهم حول االكتئاب العيادي وامليل إلى التفكير املستمر في املوت بني األطفال في دولة اإلمارات‬
‫العربية املتحدة‪ .‬فقد وجد الباحثون عالقة واضحة بني تعدّ د الزوجات وبني االضطرابات املصنفة‬
‫التشخيصي اإلحصائي لالضطرابات النفسية ‪Diagnostic and statistical‬‬
‫حسب املرجع‬
‫ّ‬
‫‪))manual of mental disorders, Fourth edition (Dsm-iv) diagnoses‬‬
‫لدى األوالد في سنّ املدرسة‪ .‬وقد جرت هذه الدراسات في دول تعدّ د الزوجات فيها مسموح قانون ًّيا‬
‫ومقبول اجتماع ًّيا‪.‬‬
‫ورغم أن كال البحثني اللذين أجراهما البدور وزمالؤه (‪Elbedour, Bart & Hektner,‬‬
‫‪ )2000, 2007‬بني املراهقني البدو في النقب في خصوص فحص تأثير مبنى العائلة املتعدّ دة‬
‫الزوجات على حتصيلهم العلمي وعلى صحتهم النفسية‪ ،‬لم ينجحا في إظهار اختالف بينهم وبني‬
‫‪81‬‬
‫أوالد جيلهم من العائالت األحادية الزوجة‪ ،‬إال أن جميع األوالد‪ ،‬ذكو ًرا وإنا ًثا‪ ،‬شدّ دوا في البحث‬
‫الذي أجراه القريناوي وسلونيم – نيفو (‪ )Alkrenawi & Slonim-Nevo, 2006‬على أن‬
‫العائلة املتعدّ دة الزوجات هي مؤسسة غير ناجحة‪ُ ،‬مبدين عدم رغبتهم في إقامة عائالت متعدّ دة‬
‫الزوجات في املستقبل‪ .‬قصص كثيرة من التمييز واإلهمال والغضب جاءت على لسان األوالد في‬
‫العائالت التي تعاني من مشاكل‪ .‬فقد أشارت املشتركات إلى أنه من املخجل للمرأة أن يقوم زوجها‬
‫بالزواج بأخرى‪ ،‬وأنهنّ لن يقبلن بالزواج بزوج متز ّوج رغم تقدّ م رجال متز ّوجني للزواج بهنّ ‪ ،‬ألنهنّ‬
‫زواجا كهذا لن ينجح أبدً ا‪ ،‬كما يبدو األمر جل ًّيا لهنّ من خالل معرفتهنّ ‪ .‬كما أبدى األبناء‬
‫يدركن أن ً‬
‫عدم رغبتهم في الزواج بأكثر من امرأة في املستقبل‪ ،‬وتفضيلهم إقامة عائلة والزواج بامرأة واحدة‪،‬‬
‫فقط‪.‬‬
‫وأخي ًرا وفي دراسة عابرة للثقافات شملت سبعني دولة قام بها باربير (‪ )Barber, 2000‬في‬
‫موضوع النسب بني اجلنسني كمن ّبئ عابر للثقافات على تنوع العنف واجلرمية‪ ،‬ظهر أن هناك مست ًوى‬
‫أعلى من اجلرمية في املناطق التي ينتشر فيها تعدّ د الزوجات‪ .‬ويعزو الباحث هذا األمر إلى انعدام‬
‫الرعاية األبوية لألوالد‪ ،‬وقد اعتمد الباحث في هذا التفسير على املعطيات التي ترصد وجود مست ًوى‬
‫عال من العنف في املجتمعات التي ال يوجد فيها لشخصية األب حضور في البيت وفي حياة العائلة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫‪82‬‬
‫النساء الفلسطين ّيات في إسرائيل‬
‫التح ّوالت السياس ّية وأثرها على حياة الفلسطينيني في إسرائيل‪:‬‬
‫لم يحظ املجتمع الفلسطيني في الداخل باهتمام الباحثني‪/‬ات والكتاب والكاتبات إال بشكل قليل‪،‬‬
‫بينما كانت األدبيات التي تط ّرقت إلى الشعب الفلسطيني في املناطق احملتلة وفي الشتات كثيرة‪،‬‬
‫وهي تتع ّرض جلوانب معيشة الشعب الفلسطيني املختلفة‪ ،‬وللمستويات اجلغرافية‪ ،‬السياسية‪،‬‬
‫االقتصادية‪ ،‬االجتماعية والتاريخية كاف ًة‪ .‬وقد اعتنت هذه األدب ّيات باللحظات التاريخية املركزية‬
‫ومناف‪ ،‬وكذلك باملرحلة‬
‫في حياة الفلسطينيني‪ ،‬ومن ضمنها النكبة وما خلفته من تشريد وجلوء‬
‫ٍ‬
‫الثانية املتم ّثلة باحتالل الض ّفة الغربية وقطاع غزة عام ‪ .1967‬بيد أنّ الغالبية العظمى من هذه‬
‫األدب ّيات ّ‬
‫ركزت على الفلسطينيني حتت االحتالل اإلسرائيلي في املناطق احملتلة‪ ،‬وعلى الالجئني في‬
‫البلدان العربية والشتات‪ ،‬متجاهلة بذلك الفلسطينيني الذين بقوا في إسرائيل بعد عام ‪،1948‬‬
‫وكذلك اخلصوصية اجلندرية للنفي والقمع‪ .‬لهذا السبب‪ ،‬مت ّيزت جتربة الفلسطينيني في الداخل‬
‫بالصمت املطبق حيالها‪ ،‬وبقي الفلسطينيون في الداخل‪ ،‬حتى أمد قريب‪ ،‬يعانون من جتاهل الطرفني‬
‫ّ‬
‫فمنظمة التحرير الفلسطينية كانت تعتبرهم‪ ،‬حتى العقود األخيرة‪ ،‬مواطنني‬
‫اإلسرائيلي والعربي‪،‬‬
‫إسرائيليني‪ ،‬ولم تشملهم في خططها في السيادة واالستقالل وفي حق تقرير املصير (‪Abdo,‬‬
‫‪ .)2002‬بينما اعتبرتهم إسرائيل خارج السياق اإلسرائيلي‪ ،‬ال بل عملت على حصر طموحهم في‬
‫حدود الدولة وعلى هامش الدولة (مخول‪.)2002 ،‬‬
‫ّ‬
‫يشكل الفلسطينيون في دولة إسرائيل اليوم ‪ 16%‬من السكان‪ ،‬ويبلغ عددهم (باستثناء سكان‬
‫ّ‬
‫ويتركز‬
‫القدس احملتلة وهضبة اجلوالن)‪ 1,229,000 29‬نسمة (اإلحصاء السنوي إلسرائيل‪.)2008 ،‬‬
‫الوجود العربي الفلسطيني في ثالث مناطق رئيسة في البالد‪ ،‬حيث تصل نسبتهم في الشمال إلى‬
‫‪ ،71.6%‬ويشمل لواء الشمال ‪ ،53.7%‬ولواء حيفا ‪ ،17.9%‬وفي املركز تصل نسبتهم إلى ‪،14.6%‬‬
‫ويشمل لواء تل أبيب ‪ ، 1.5%‬ولواء املركز ‪ ،12.1%‬وثالث قرى القدس احملتلة عام ‪،1.03% 1948‬‬
‫أما في اجلنوب – النقب ‪ -‬فتصل النسبة إلى ‪ 30.13.8%‬وتعتبر الناصرة أكبر مدينة عربية‪ ،‬إذ يبلغ‬
‫عدد سكانها ‪ 66.33‬ألف نسمة‪ ،‬واملدينة الثانية هي أم الفحم في املث ّلث‪ ،‬ويبلغ عدد سكانها ‪44.400‬‬
‫ألف نسمة‪ ،‬أ ّما املدينة الثالثة فهي رهط في اجلنوب‪ ،‬ويبلغ تعداد سكانها ‪ 43.700‬ألف نسمة‪ ،‬وتليها‬
‫تضم ‪ 35.500‬ألف نسمة (اإلحصاء السنوي إلسرائيل‪.)2008 ،‬‬
‫الط ّيبة التي ّ‬
‫يبلغ ع��دد سكان مدينة القدس ‪ 250‬أل��ف نسمة‪ ،‬ويبلغ ع��دد سكان اجل��والن احملتل ‪ 19‬أل��ف نسمة‪ ،‬وحسب دائ��رة‬
‫‪2 9‬‬
‫ضمهم إلى مجمل السكان العرب في الدولة‪ ،‬فيكون بالتالي عدد السكان الك ّلي ‪ ،1,498,000‬وتعادل نسبة‬
‫اإلحصاء املركزية ّ‬
‫يتم ّ‬
‫كافة املواطنني العرب ‪.)%20.2‬‬
‫م��وق��ع رك����از‪ – http://www.rikaz.org/ar/index.php?s=palestinias_in_israel :‬املسح‬
‫‪30‬‬
‫االقتصادي‪-‬االجتماعي‪ :‬الفلسطينيون في إسرائيل ‪.2007‬‬
‫‪83‬‬
‫ُيعتبر املجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل البقي َة الباقية من الشعب الفلسطيني الذي م ّر‪ ،‬حسب‬
‫منهجي‪ 31‬عام ‪ 1948‬اقتلع خالله أكثر من نصف ّ‬
‫عرقي‬
‫بابيه (‪ ،)2007‬بتطهير‬
‫سكان فلسطني‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫األصليني‪ ،‬أي ما يقارب ‪ 800‬ألف نسمة‪ ،‬و ُد ّمرت ‪ 531‬قرية‪ ،‬وأخلي أحد عشر ح ًّيا مدين ًّيا من‬
‫ّ‬
‫مهجرين داخل وطنهم‪.‬‬
‫سكانه‪ .‬ولم يبق سوى ‪ 150‬ألف فلسطيني‪ ،‬حت ّول ‪ 30%-20‬منهم إلى ّ‬
‫شهدَ املجتمع الفلسطيني الباقي حت ّوالت جذرية ح ّولته من أغلبية إلى أقل ّية قومية تعيش في وطنها‬
‫بعد أن ج ّردت من معظم مصادر استمرار ّيتها‪.‬‬
‫جسدت القوانني اإلسرائيلية التي سنّت بعد قيام الدولة‪ ،‬والقوانني واألنظمة املوروثة منذ فترة‬
‫ّ‬
‫االنتداب البريطاني‪ ،‬أبرز دليل على سياسة التمييز‪ ،‬إذ قامت السلطات اإلسرائيلية باستغالل‬
‫القوانني االنتدابية مبا يتناسب مع املصلحة اليهودية‪ ،‬فأبقتها سارية املفعول‪ ،‬كقانون الطوارئ لسنة‬
‫‪ ،1945‬والذي ّ‬
‫مت مبوجبه فرض نظام احلكم العسكري على املناطق املختلفة في البالد بهدف تقييد‬
‫ألغي مبساعدة هذه األنظمة العديد من التنظيمات السياسية‪ ،‬ونُفيت‬
‫حركة الفلسطينيني‪ ،‬كما َ‬
‫قياداتها أو ّ‬
‫مت وضعها حتت االعتقال املنزلي‪ ،‬كما قامت السلطات اإلسرائيلية‪ ،‬باالعتماد على هذه‬
‫األنظمة‪ ،‬بتنفيذ هدم البيوت وتنفيذ االعتقاالت اإلدارية وغيرها‪ .‬ولكي يتسنّى لها فعل ذلك‪ ،‬فقد‬
‫يصا لالستيالء على األراضي ونزع ملك ّيتها من أصحابها‪،‬‬
‫خص ً‬
‫قامت بإصدار العديد من القوانني ّ‬
‫بذرائع مختلفة منها التطوير‪ ،‬االستيطان‪ ،‬األمن واملصلحة العامة‪ ،‬و ّ‬
‫مت تسجيل حوالي ‪ 92%‬من‬
‫مؤسساتها (واكيم‪.)2002 ،‬‬
‫أرض فلسطني باسم دولة إسرائيل أو باسم ّ‬
‫اضط ّرت األقل ّية الفلسطينية في إسرائيل‪ ،‬البالغة نسبتها ‪ 17%‬من مجمل ّ‬
‫السكان‪ ،‬إلى تد ّبر‬
‫أمرها بـ ‪ 3%‬من األرض فقط‪ .‬وبذلك‪ ،‬يسمح لها بالبناء والعيش على ‪ 2%‬من األرض فحسب‪ ،‬أما‬
‫أراض زراعية ال ميكن البناء عليها‪ .‬بكلمات أخرى‪ ،‬يعيش اليوم‬
‫الـ ‪ 1%‬املتب ّقي فهو مع ّرف بأنه ٍ‬
‫‪ 1,3‬مليون نسمة على ‪ 2%‬من األرض‪ ،‬وحتى مع تخصيص األراضي الذي بدأ في التسعينات‪ ،‬فإنّ‬
‫سياسة الصندوق القومي اليهودي بقيت كما هي مستثنية الفلسطينيني من الفائدة التي ميكن أن‬
‫يو ّفرها فتح سوق األراضي أمام اجلمهور عامة‪ ،‬أي يهود إسرائيل‪ .‬وفي حني لم يتو ّقف األمر عند منع‬
‫التوسع على األراضي التي هي ملك لهم‪ ،‬وتعدّ اه في السبعينيات إلى مصادرة الكثير‬
‫الفلسطينيني من‬
‫ّ‬
‫من األراضي التي كانوا ميتلكونها من أجل بناء مستعمرات يهودية جديدة في اجلليل‪ ،‬فقد جرت مرة‬
‫يدافع الكاتب إيالن بابيه عن منوذج التطهير العرقي ويستعمله بد ًال من منوذج احلرب كأساس وموجه للبحث العلمي‬
‫‪31‬‬
‫والنقاش العام بشأن أحداث عام ‪ ،1948‬وهو يرى أنّ غياب منوذج التطهير‬
‫فسر‪ ،‬جزئ ًّيا‪ ،‬ملاذا أمكن استمرار‬
‫العرقي كأداة للبحث ُي ّ‬
‫ّ‬
‫إنكار النكبة طوال هذه الفترة املديدة ومحوها من الذاكرة العامة العاملية‪ ،‬فـ”الروايتان التاريخيتان الرسميتان بشأن ما حدث في‬
‫“طوعا”‪،‬‬
‫فلسطني ‪ 1948‬تتجاهالن مفهوم التطهير العرقي‪ ،‬ففي حني تدّ عي الرواية اإلسرائيلية أنّ السكان احملليني غادروا البلد‬
‫ً‬
‫أيضا تعبير مراوغ كونه يحيل إلى الكارثة نفسها أكثر ممّا يحيل إلى‬
‫يتحدّ ث الفلسطينيون عن “النكبة” التي ح ّلت بهم‪ ،‬وهذا ً‬
‫من أوقعها وإلى سبب فعله ذلك‪ ،‬وقد جرى تبنّي مصطلح “النكبة” ألسباب مفهومة كمحاولة ملواجهة الثقل املعنويّ للهولوكوست‬
‫اليهودية‪ ،‬لكنّ جتاهل من أوقعها ساهم‪ ،‬إلى حدّ ما‪ ،‬في استمرار العالم في إنكار أنّ ما جرى في فلسطني سنة ‪ 1948‬كان تطهي ًرا‬
‫عرق ًّيا‪ .‬للمزيد عن املوضوع‪ ،‬انظر‪/‬ي كتاب التطهير العرقي في فلسطني‪.‬‬
‫‪84‬‬
‫أخرى في العقد احلالي مصادرات إضافية لألراضي املتبقية من أجل بناء اجلدار الفاصل وشقّ طريق‬
‫سريع جديد (بابيه‪.)251 :2007 ،‬‬
‫عاش أبناء املجتمع الفلسطيني بعد االحتالل في عزلة عن اجلزء اآلخر من شعبه في الضفة‬
‫الغربية وقطاع غزة وعن باقي الشعوب العربية وضمن نظام عسكري استم ّر حتى عام ‪ ،1966‬وقد‬
‫أيضا‪ ،‬وحدّ من حرية حت ّركهم وتدخّ ل في تفاصيل حياتهم اليومية‪،‬‬
‫فصلهم عن الشارع اليهودي ً‬
‫وما زالت الدولة ال تعترف بهم كأقلية قومية حتى اليوم‪ ،‬وتتعامل معهم على أسس منهجية من‬
‫العنصري‪ .‬كان اخلوف كما تشير عبده (‪ )122 :2002‬مم ّيزًا أساس ًّيا في جتربة الفلسطينيني‬
‫التمييز‬
‫ّ‬
‫في الداخل بعد قيام الدولة‪ ،‬وهو “اخلوف من دولة استطاعت أن تهزم كل اجليوش العربية م ًعا‪،‬‬
‫خارجا‪،‬‬
‫اخلوف من مجازر أخرى كمجزرة دير ياسني وكفر قاسم والطنطورة‪ ،‬اخلوف من أن يطردوا‬
‫ً‬
‫أن ُيطردوا و ُيقتلعوا من جذورهم‪ ،‬كما حصل مع سائر أبناء شعبهم‪ ،‬وبكلمات أخرى إنه اخلوف‬
‫من التج ّرد والنفي ومواجهة املجهول إذا تبنّوا هو ّية قوم ّية أخرى‪ ،‬أو أن ُيدمغوا بصفة العدو من‬
‫املؤسسة احلاكمة مواطنني أعداء بسبب مصالح‬
‫قبل إسرائيل”‪ .32‬كان الفلسطينيون بالنسبة إلى ّ‬
‫مشتركة مع العرب في ما وراء احلدود (أوساتسكي‪ -‬الزار‪ ،)2002 ،‬وفي الوقت نفسه كانوا “ممحيني”‬
‫بأعني الكثير من العرب لسبب ا ّتهامهم بالتعاون مع الدولة اليهودية‪ ،‬وبذلك دفع الفلسطينيون في‬
‫‪33‬‬
‫إسرائيل إلى تهميش متعدّ د املستويات (غامن‪.)2004 ،‬‬
‫إنها حالة العيش على حافة املواطنة كما تصفها غامن (‪ ،)2004‬ليس داخلها متا ًما أو خارجها‬
‫متا ًما‪ ،‬وهو السياق الذي يتح ّول فيه الفلسطينيون إلى “استثناء مزدوج”‪ ،‬فهم استثناء الشعب‬
‫الفلسطيني لسبب مواطنتهم اإلسرائيلية‪ ،‬و”استثناء” املواطنة اإلسرائيلية كونهم يعيشون على‬
‫حافة املواطنة (املبتورة) وعلى هامش الشعب الفلسطيني في حالة البينية البنيوية ((‪Structural‬‬
‫‪ .Liminality‬إنّ العيش على احلافة في حالة البينية (‪ )Liminality‬هو العيش في ح ّيز بال‬
‫املنهجي بعدم االع��ت��راف بالفلسطينيني كأقلية قومية تشير عبده (‪ )2002‬إل��ى م��ا عمدت إليه‬
‫��وج��ه ال��دول��ة‬
‫‪3 2‬‬
‫وف��ي ت ّ‬
‫ّ‬
‫الدولة من تقسيم الفلسطينيني لطوائف وحمائل‪ ،‬فاعتبرت املسلمني منهم عر ًبا‪ ،‬وتعاملت مع املسيحيني على أنّهم ليسوا بعرب‪،‬‬
‫أم��ا البدو فقد تعاملت معهم كعرب‪ ،‬لكن ليس‬
‫وم��ع ال��دروز على أس��اس ع��دم انتمائهم ال دين ًّيا وال قوم ًّيا للشعب الفلسطيني‪ّ .‬‬
‫كفلسطينيني‪ .‬وقامت إسرائيل بذلك بعزل ال��دروز عن جذورهم وانتمائهم لشعبهم منذ قيام الدولة‪ ،‬من خالل إقناع مشايخ‬
‫الطائفة بعقد اتفاق مع الدولة ُفرضت مبوجبه على الذكور من الطائفة الدرزية اخلدمة في اجليش‪ ،‬وقد فعلت األمر ذاته مع البدو‪.‬‬
‫تتوسع الكثير من األدبيات في حتليل مستويات القمع التي مارستها الدولة ضد األقلية الفلسطينية من خالل فرض‬
‫‪33‬‬
‫ّ‬
‫أجهزة ّ‬
‫مؤسسات وتنظيمات فلسطين ّية مستق ّلة‪ ،‬غير أنّ هذا األمر لم ينجح في طمس الهو ّية‬
‫حتكم ورقابة شديدين وعرقلة تطوير ّ‬
‫القومية للفلسطينيني‪ .‬بعد رفع نظام احلكم العسكري كانت حرب ‪ 1967‬أول مفصل من املفاصل التي ّ‬
‫شكلت هوية الفلسطينيني‬
‫على الصعيد القومي‪ ،‬حيث جاء احتالل إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة ليجمع من جديد الفلسطينيني داخل اخلط األخضر‬
‫مع بقية الشعب الفلسطيني في املناطق احملتلة ويخ ّفف من حدّ ة العزلة التي أطبقت عليهم‪ ،‬ومع بداية السبعينيات برز بوضوح‬
‫ّ‬
‫التوجه إمنا يعكس‬
‫املركب الفلسطيني في الهوية القومية‪ ،‬أو ما يطلق عليه الباحثون “الفلسطنة”‪ .‬وقد رأى البعض أنّ هذا‬
‫ّ‬
‫راديكالية وتط ّر ًفا قوم ًّيا يتناقض واالنتماء للمواطنة اإلسرائيلية ويهدّ دها‪ ،‬بينما يعتبر سموحة (‪ )1992 ,Samooha‬أنّ هذه‬
‫التوجه للدولة ما هما سوى عملية تسييس مي ّر بها الفلسطينيون‪ ،‬وهي نتيجة حتم ّية ملفاصل عدّ ة‬
‫الراديكالية وهذا التط ّرف في‬
‫ّ‬
‫عمقت وعيهم ورفضهم السياسة العنصرية التي تنتهجها الدولة‪.‬‬
‫طبيعية في مسيرة تط ّورهم‪ّ ،‬‬
‫‪85‬‬
‫مركز‪ ،‬وفي واقع مليء بالغموض وبعدم وضوح الرؤيا‪ ،‬وتتجاذب الفرد في هذه احلالة رغبات وقوى‬
‫تؤ ّثر في تص ّوره ملكانته‪ .‬وفي حالة الفلسطيني‪/‬ة في إسرائيل‪ ،‬يعيش الفرد بني رغبته في حتقيق‬
‫هو ّية تقف مواطنته (التي لم يخترها أصال) حاجزًا أمامها‪ ،‬أو حتقيق مواطنته حيث يقف “عرقه”‬
‫ّ‬
‫التحكم باملصير‬
‫ودمه في وجهه‪ .‬تفرز هذه احلالة مشاعر اغتراب عن الواقع وشعو ًرا بالعجز عن‬
‫اجلمعي أو الفردي‪ُ .‬يرافقه‪ ،‬أحيانًا كثيرة‪ ،‬عزوف عن العمل السياسي أو التسليم بالواقع واالقتناع‬
‫‪34‬‬
‫أيضا‪.‬‬
‫بعدم التغيير‪ ،‬ال بل بعدم الرغبة في ذلك‪ً ،‬‬
‫ّ‬
‫محطات سياسية‬
‫ال يعني ه��ذا األم��ر أنّ األقلية الفلسطينية واج��ه��ت السلطة بعجز واس��ت��س�لام‪ ،‬ب��ل تبرز األدب��ي��ات‬
‫‪3 4‬‬
‫ووطنية مفصل ّية في مسيرة الشعب الفلسطيني عملت على بلورة هويته وتأكيد انتمائه القومي‪ ،‬وقد بدأت عالمات إعادة النضال‬
‫ّ‬
‫املنظم تظهر بشكل واضح في بداية السبعينيات‪ ،‬وسبق تلك املرحلة عالمات بارزة في املواجهة متثلت في تأسيس جلنة الدفاع‬
‫عن األراض��ي منذ اخلمسينيات‪ ،‬والتي قامت مببادرة من احل��زب الشيوعي وشخصيات وطنية مستقلة بهدف التصدّ ي ملصادرة‬
‫األراض��ي العربية‪ .‬وقد أدّى احلزب الشيوعي دو ًرا مركز ًّيا في تنظيم مقاومة النظام العسكري وفي مقاومة تلك السياسات جتاه‬
‫سياسي ّ‬
‫املواطنني الفلسطينيني‪ .‬وب��دأت تظهر بوضوح م ّ‬
‫منظم ومواجهة مع السلطة من خ�لال بناء العديد من‬
‫��ؤش��رات نضال‬
‫ّ‬
‫واملؤسسات التي عملت خ��ارج البرملان‪ ،‬حيث أقيمت عام ‪ 1974‬اللجنة القطرية للمجالس العربية احمللية وانبثقت عنها‬
‫األط��ر‬
‫ّ‬
‫الشيوعي إلقامة جلنة‬
‫جلان متابعة مهنية قطرية لقضايا التربية والتعليم والصحة والرفاه االجتماعي‪ ،‬وفي عام ‪ 1975‬بادر احلزب‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫وتشكلت‬
‫الدفاع عن األراض��ي العربية واالحت��اد القطري للطالب العرب‪ ،‬كما ظهرت حركة أبناء البلد كحركة وطنية راديكال ّية‬
‫املؤسسة‬
‫اجلبهة الدميقراط ّية للسالم واملساواة من احلزب الشيوعي وأوس��اط أخرى لتلعب دو ًرا محور ًّيا في التصدّ ي لسياسات‬
‫ّ‬
‫اإلسرائيلية وفي تعزيز االنتماء الفلسطيني وقيادة النضال الفلسطيني في الداخل‪( .‬روحانا والصالح وسلطاني‪ .)2004 ،‬وكان‬
‫وأهم املفاصل التاريخية في مسيرة‬
‫يوم األرض‪ ،‬وهو كما يشير احلاج (‪ ،)1997‬نقطة التح ّول األولى للفلسطينيني في الداخل‪،‬‬
‫ّ‬
‫الشعب الفلسطيني‪ .‬لقد ّ‬
‫شكل هذا اليوم املواجهة اجلماهيرية األولى بني الشعب الفلسطيني والنظام اإلسرائيلي‪ ،‬وقد أتت إثر‬
‫احتجاجا على ن ّية السلطة اإلسرائيلية مصادرة املزيد من األراضي‬
‫اإلضراب العام الذي أعلنته جلنة املتابعة في ‪ 30‬آذار ‪1976‬‬
‫ً‬
‫العربية‪ .‬وكانت نتيجته مواجهات دامية بني املتظاهرين و ّق��وات اجليش والشرطة اإلسرائيلية‪ُ ،‬قتل فيها ستّة فلسطينيني‪ ،‬كان‬
‫من بينهم ثالث نساء‪ .‬حت ّولت أحداث يوم األرض إلى مناسبة وطنية سنوية بني الفلسطينيني في إسرائيل وخارجها حتيي ذكراها‬
‫سنو ًّيا كافة األح��زاب واألط��ر السياسية‪ّ .‬‬
‫أكد الفلسطينيون‪ ،‬وبالتحديد منذ أح��داث يوم األرض‪ ،‬على االنتماء لهو ّيتهم القومية‬
‫كفلسطينيني‪ ،‬وطالبوا بحقوق متساوية ّ‬
‫مؤكدين ارتباط مصيرهم وحتقيق مطالبهم بحقّ تقرير املصير للفلسطينيني في املناطق‬
‫احملتلة‪ ،‬رافعني شعار السالم واملساواة (احل��اج‪ .)1997 ،‬وصل هذا التضامن أوجه مع اندالع االنتفاضة األولى عام ‪ ،1987‬إذ لم‬
‫يع ّبر الفلسطينيون في ال��داخ��ل عن ه��ذا التضامن من خ�لال إرس��ال املعونات الغذائية وتنظيم املظاهرات فحسب‪ ،‬وإنمّ��ا من‬
‫خالل موضعة القض ّية الفلسطينية كجزء ال يتجزّأ من قض ّيتهم ((‪ .1991,1997,Rouhana‬وفي منتصف الثمانينيات ظهرت‬
‫قوى جديدة على الساحة وحت ّول النقاش السياسي الداخلي‪ ،‬حيث ابتدأ ذلك مع إقامة احلركة التقدّ مية للسالم واملساواة‪ ،‬والتي‬
‫التجمع الوطني عام ‪ 1995‬كحزب‬
‫وتأسس حزب‬
‫نافست احلزب الشيوعي واجلبهة على أصوات الناخبني‪ ،‬وظهر التيار اإلسالمي‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ينطلق من الطرح القومي الدميوقراطي وازدادت حدّ ة املنافسة الداخلية ووصلت أوجها عام ‪ ،1996‬وال ّ‬
‫شك في أنّ هذه املشاركة‬
‫ّ‬
‫ومنظمة التحرير الفلسطين ّية (احلاج‪،‬‬
‫املكثفة للقوى العربية جاءت متأ ّثرة من التغييرات التي رافقت اتفاقيات أوسلو بني إسرائيل‬
‫ً‬
‫مشاركا في انتخابات السلطات احمللية‪ ،‬وقام هذا‬
‫‪ .)2007‬وقد بدأ كذلك الت ّيار اإلسالمي في الثمانينيات بالظهور على الساحة‬
‫واملؤسسات األهلية‪ ،‬االجتماعية والدينية على األخص في مدينة أم الفحم‪( .‬على سبيل املثال‪:‬‬
‫الت ّيار بتأسيس شبكة من اخلدمات‬
‫ّ‬
‫واملؤسسات الغائبة إلى‬
‫مؤسسات لتأمني العالج ملدمني املخدّ رات‪ ،‬عيادات طبية مجانية‪ ،‬فعاليات رياضية وغيرها من الفعاليات‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫التوجه ضمن فكرة إقامة “مجتمع عصامي” غبر‬
‫حدّ ما لدى املجتمع الفلسطيني في إسرائيل (‪ .)1997,Rouhana‬ويندرج هذا‬
‫ّ‬
‫التوجه انبثق في أعقاب أحداث أكتوبر ‪ ،2000‬غير أنّ علي (‪ )2007‬يرى‬
‫مبؤسسات إسرائيلية‪ ،‬وهناك من يرى أنّ هذا‬
‫مرتبط‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫أنّ انتفاضة األقصى وضعت هذه الفكرة على األجندة اليومية لكن جذورها تعود إلى السبعينيات من القرن العشرين‪ .‬من خالل‬
‫“املجتمع العصامي” تسعى احلركة اإلسالمية‪ ،‬وعلى رأسها الشيخ رائ��د ص�لاح‪ ،‬زعيم الشقّ‬
‫الشمالي‪ ،‬إلى خلق بديل لوضعية‬
‫ّ‬
‫اإلنسان املسلم – العربي ‪ -‬الفلسطيني في إسرائيل واملجتمع العربي عامة في إسرائيل‪ .‬يعتبر الهدف املركزي لفكرة “املجتمع‬
‫املؤسسة اإلسرائيلية على‬
‫مؤسساته وحياته بقواه الذاتية مح ّر ًرا من الضغط الذي تف ّعله‬
‫ّ‬
‫العصامي” إقامة مجتمع متناغم يدير ّ‬
‫ّ‬
‫مخططيه غاياته على مدار السنوات‪ ،‬والتي‬
‫الشخصي‪ ،‬وقد أق ّر‬
‫الشعبي والصعيد‬
‫العرب الفلسطينيني في إسرائيل على الصعيد‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫املؤسسات إلى تنظيم أمّ‪ ،‬ويقترح الشيخ‬
‫مؤسسات محلية‪ ،‬وفي املرحلة الثانية بتحويل هذه ّ‬
‫يتم تطبيقها في مرحلة أولى بإقامة ّ‬
‫صالح في البداية إقامة مصانع‪ ،‬شركات جتارية‪ ،‬شركات تخطيط وتصدير زراعي‪ ،‬حظائر‪ ،‬مزارع‪ ،‬شركات زراعية‪ ،‬شركات زراعة‬
‫ومؤسسات أخرى‪.‬‬
‫بحرية‪ ،‬مدارس جماهيرية‪ ،‬مستشفيات‪ ،‬بنوك‪ ،‬نقابات مهنية‬
‫ّ‬
‫‪86‬‬
‫لقد ّ‬
‫شكلت األقلية الفلسطينية في إسرائيل موضوعة مركزية في دعاية بعض األحزاب الصهيونية‬
‫في االنتخابات الثامنة عشرة للكنيست عام ‪ ،2009‬ال س ّيما دعاية حزب “يسرائيل بيتينو”‬
‫(إسرائيل بيتنا) بقيادة أفيغدور ليبرمان‪ ،35‬وتعتبر مشاريع القوانني املتعدّ دة التي طرحت في األشهر‬
‫األولى لعمل الكنيست احلالية تعبي ًرا عن ازدياد مظاهر العنصر ّية وتركيز مجهود الدولة اإلسرائيلية‬
‫على ترسيخ دونية املكانة السياسية والقانونية للفلسطينيني في إسرائيل‪ .‬ويشير شحادة (‪)2009‬‬
‫إلى بعض منها مثل مشروع قانون نزع املواطنة‪ ،‬إذ أعلن وزير الداخلية‪ ،‬مطلع شهر حزيران من‬
‫عام ‪ ،2009‬عن ن ّيته في طرح قانون لتعديل املواطنة‪ ،‬تعاد مبوجبه لوزير الداخلية صالحية نزع‬
‫مواطنة سكان إسرائيل دون مصادقة املستشار القضائي واحملكمة‪ ،‬وذلك ألسباب سياسية أو موقف‬
‫وخصوصا في احلاالت التي يقتنع فيها الوزير بأن الفرد يعمل ضد الدولة أو‬
‫أيديولوجي للمواطن‪،‬‬
‫ً‬
‫ضد الشعب اليهودي‪ .‬وأسو ًة بذلك تتواصل اجلهود لتكديس العقبات أمام احلصول على املواطنة‪ ،‬وال‬
‫س ّيما الطلبات التي يقدّ مها فلسطينيو املناطق الفلسطينية التي احت ّلت عام ‪ 1967‬ومواطنة دول‬
‫‪36‬‬
‫لم شمل العائالت الفلسطينية‪.‬‬
‫عرب ّية‪ ،‬فمن خالل التعديالت التي أدخلت منذ عام ‪ ،2003‬يمُ نع ّ‬
‫كذلك‪ ،‬يطلب مشروع القانون إضافة شرط التصريح بالوالء من أجل احلصول على املواطنة‪ ،‬ويعني‬
‫ذلك االلتزام باإلخالص والوالء لدولة إسرائيل كدولة يهودية صهيونية ودمقراطية‪ ،‬ولرموزها وقيمها‬
‫وملن ميلك استحقاق بطاقة الهو ّية‪.‬‬
‫ّ‬
‫للتحكم بأفكار الفلسطينيني ولرسم حدود الذاكرة اجلماعية‪ ،‬تهاجم الدولة أحد‬
‫وفي محاولة‬
‫املك ّونات التأسيسية للهوية اجلماعية للفلسطينيني‪ ،‬وهو إحياء ذكرى يوم النكبة كيوم فجيعة‪،‬‬
‫املهجرة واملهدّ مة‪ .‬ففي مطلع شهر نيسان‬
‫والذي يقوم فيه الفلسطينيون مبسيرات جماهيرية للقرى ّ‬
‫‪ 2009‬قدّ م حزب “يسرائيل بيتينو” مشروع قانون أطلق عليه الح ًقا اسم “مشروع النكبة” حلظر‬
‫يوم استقالل دولة إسرائيل كيوم فاجعة‪ .‬وقد تبنّت احلكومة هذا االقتراح‪ ،‬ومن املفترض طرحه‬
‫على الكنيست باسم احلكومة‪ ،‬وهو ما سيضمن حصوله على أغلبية برملانية‪ .‬يعتبر شحادة أنّ هذه‬
‫املقترحات تعكس السلوك العام للمجتمع اإلسرائيلي في تعامله مع املواطنني الفلسطينيني باعتبارهم‬
‫مصدر تهديد أو تهديدً ا “كامنًا” في ّ‬
‫أقل تقدير في بعض األحيان‪ ،‬ويتّخذ التهديد الكامن هذا‬
‫تهديدي لطابع الدولة كدولة‬
‫داللة أمنية عسكرية‪ ،‬ويتّسم‪ ،‬في أحيان أخرى‪ ،‬ب ُبعد دميغرافي أو‬
‫ّ‬
‫يهودية‪ ،‬فاخلطر الكامن في مشاريع القوانني ال ينبع فقط من احتمال اجتيازها مسار التشريع الالزم‬
‫يتزعمه أفيغدور ليبرمان‪ ،‬الذي يشغل اليوم منصب وزير اخلارجية اإلسرائيلية بعد‬
‫‪ 35‬حزب “يسرائيل بيتينو” هو احلزب الذي‬
‫ّ‬
‫حكومي مع حزبي “الليكود” و”املعراخ” لتشكيل احلكومة احلال ّية‪.‬‬
‫دخول حزبه في ائتالف‬
‫ّ‬
‫ستوجه اجلهود‪ ،‬في األساس‪،‬‬
‫‪ 36‬وقد ع ّرفت هذه التعديالت بأنّها مرسوم أو تعديل مؤ ّقت‪ ،‬وكما يبدو فإنّ الكنيست الثامنة عشرة‬
‫ّ‬
‫قانوني دائ��م‬
‫نحو حتويل التعديل املُ��ؤق��ت إل��ى تعديل ث��اب��ت‪ ،‬وذل��ك م��ن خ�لال اق��ت��راح ت��ق��دّ م ب��ه ح��زب “الليكود” يقضي بحظر‬
‫ّ‬
‫بخصوص منح املواطنة للفلسطينيني سكان األراضي احملتلة أو مواطني الدول العربية الذين يتز ّوجون بإسرائيليني‪ .‬في الشرح‬
‫ّ‬
‫وأما‬
‫امللحق مبشروع قانون املواطنة والدخول إلى إسرائيل‪،‬‬
‫تتكشف بوضوح أهداف القانون‪ ،‬ووف ًقا له ُيعتبر العرب جمي ًعا أعداء‪ّ ،‬‬
‫زواج الفلسطينيني بأحبائهم فما هو إال مؤامرة ضد طابع إسرائيل اليهودي‪.‬‬
‫‪87‬‬
‫وانتهاكها املكانة السياسية والقانونية للمواطنني الفلسطينيني ومطالبها مبحو الذاكرة اجلماعية‬
‫تبث رسالة لعموم املواطنني مفادُها أنّ انتهاك‬
‫والهوية القومية على نحو‬
‫قانوني‪ ،‬بل كذلك في كونها ّ‬
‫ّ‬
‫حقوق املواطنني الفلسطينيني هو أمر مشروع‪.‬‬
‫املنهجي وقمع‬
‫النساء الفلسطينيات ما بني قمع الدولة‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫األبوي‪:‬‬
‫املجتمع‬
‫التحسن الذي‬
‫يتم ّيز النقاش الذي يتناول قضايا النساء الفلسطينيات مبسارين‪ ،‬يرى األ ّول منهما‬
‫ّ‬
‫ظاهري أكثر من كونه جوهر ًّيا‪ .‬هنالك‬
‫التحسن‬
‫طرأ على واقعهنّ ‪ ،‬أ ّما الثاني فيشير إلى أنّ هذا‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫يتجسد االجتاه األ ّول‬
‫وجهتان أساس ّيتان تنزعان نحو التغيير بني النساء الفلسطينيات في إسرائيل‪.‬‬
‫ّ‬
‫التوجه‬
‫كتعبير عن سيرورة احلداثة‪ .‬أ ّما‬
‫في ارتفاع مستوى التعليم ونسبة املشاركة في سوق العمل‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫الثاني فهو يتم ّثل في العودة إلى الدين‪ ،‬وهي غال ًبا ما تتم ّيز مبعارضة مسارات احلداثة في صيغها‬
‫الغربية‪ .)Haj-Yahia, 2000( .‬وعند الرغبة في تقييم وضع املرأة الفلسطينية تبرز وجهتا نظر‬
‫أساس ّيتان فيما يتصل بتقييم مكانة املرأة الفلسطينية ودورها االجتماعي‪ .‬تعتمد وجهة النظر األولى‬
‫مقاربة ماضو ّية عمود ّية تق ّيم مكانة املرأة اليوم إيجاب ًّيا من خالل سرد إجنازاتها‪ ،‬مقارن ًة بواقعها في‬
‫املاضي‪ .‬أ ّما وجهة النظر األخرى فهي ترتكز على مقاربة أفق ّية ّ‬
‫تشكك في هذه النظرة اإليجابية‪،‬‬
‫شكلي لم يتغلغل إلى صلب العالقات التس ّلطية األبوية (غامن‪،‬‬
‫وتعتبر أنّ التغيير احلاصل هو تغيير‬
‫ّ‬
‫‪.)2005‬‬
‫لقد أحدثت التغييرات السياسية واالقتصادية في واقع األقلية الفلسطينية حت ّوالت اجتماعية بدت‬
‫سماتها بوضوح في مبنى العائلة الفلسطينية وفي مكانة النساء‪ ،‬وأظهرت وجود اجتاهات مختلفة‬
‫التوجه السابق لتقييم مكانة النساء الفلسطينيات في إسرائيل‬
‫ومتناقضة‪ .‬ورغم أنّ مناصري‬
‫ّ‬
‫أجمعوا على وجود تغييرات إيجابية في مكانة النساء‪ ،‬من خالل تقييم مجال التع ّلم والعمل واالزدياد‬
‫امللحوظ في نسبة النساء الفلسطينيات املتع ّلمات ومستوى مشاركتهنّ في سوق العمل‪ ،‬إال أنّ‬
‫األبحاث احلديثة تظهر أن هذه التغييرات هي كمية وليست نوعية‪ ،‬وأنّ النساء الفلسطينيات يعانني‬
‫من إقصاء وقمع مزدوجني من قبل سياسة الدولة العنصرية والنظام البطريركي للمجتمع العربي‬
‫(احلاج‪1983 ،‬؛ ‪Abu Baker, 2003‬؛ كركبي‪ -‬صباح‪2009 ،‬؛ علي وجوردوني‪2009 ،‬؛ غامن‪،‬‬
‫‪.)2005‬‬
‫‪88‬‬
‫الفلسطيني شرابي (‪ )2000‬أنّه حدث تغيير كبير في املجتمع العربي‪ ،‬خالل‬
‫يعتبر عالم االجتماع‬
‫ّ‬
‫املائة سنة األخيرة‪ ،‬من ج ّراء اصطدامه باحلضارة الغربية احلديثة‪ .‬إال أنّ هذا التغيير لم يؤ ِّد إلى‬
‫استبدال النظام القدمي بنظام جديد‪ ،‬وإنمّ ا أدّى فقط إلى حتديث القدمي دون تغييره جذر ًّيا‪ ،‬فانبثق‬
‫األبوي املستحدث وحضارته املخضرمة التي نعيش في ظ ّلها‪ .‬يضيف شرابي‪“ :‬إن هذا‬
‫عنه النظام‬
‫ّ‬
‫املجتمع ميتلك كافة مظاهر احلداثة اخلارجية إال أنه يفتقر إلى الق ّوة والتنظيم والوعي الداخلي‪،‬‬
‫وهذه هي العوامل التي تتّسم بها التشكيالت احلديثة‪ .‬لذلك‪ ،‬فمهما كانت املظاهر اخلارجية ‪ -‬مادية‬
‫وقانونية وجمالية ‪ -‬للعائلة املستحدثة املعاصرة ومجتمعها “حديثة” فإنّ ُبناها الداخل ّية تبقى‬
‫ّ‬
‫مجذرة في القيم األبوية وعالقات القربى والعشيرة والطائفة واجلماعة العرقية‪ ،‬والنظام القائم في‬
‫املجتمع العربي اليوم‪ ،‬ليس نظا ًما تقليد ًّيا باملعنى التراثي‪ ،‬كما أنّه ليس معاص ًرا باملعنى “احلداثوي”‪،‬‬
‫بل هو خليط غير متمازج من القدمي واحلديث‪ ،‬من التراثي واملعاصر‪ .‬وفي ثنائية التقليد‪ /‬احلداثة‬
‫مؤسسة‬
‫ناحية هامة تتم ّيز بها كافة املجتمعات األبوية “احملدثة” إذ يصعب الوقوع على فرد أو ّ‬
‫حديثني ح ًّقا أو تقليديني ح ًّقا”ص (‪.)61‬‬
‫يتّفق شرابي مع عالم االجتماع بركات في وصف بنية العائلة العربية حيث تعتبر األسرة العربية‬
‫نواة التنظيم االجتماعي واالقتصادي التي يستمدّ األفراد منها وجودهم‪ ،‬وهي في بنيتها أبوية‬
‫ّ‬
‫فيحتل األب رأس الهرم‪ ،‬وهي كذلك‬
‫بطريركية من حيث متركز السلطة واملسؤول ّيات واالمتيازات‪،‬‬
‫هرمية ال يزال التمييز فيها قائ ًما على اجلنس والعمر والتنشئة السلطوية‪ .‬في مبنى بطريركي كهذا‪،‬‬
‫تعيش املرأة حتت سيطرة الرجل وتكون تابع ًة له‪ ،‬ويكتسب الكبار أولو ّية عن الصغار‪ ،‬ويكتسب‬
‫ّ‬
‫األبناء أفضل ّية على البنات‪ ،‬ولكون العائلة وحدة إنتاجية اقتصادية ونواة‬
‫للتنظم االجتماعي فإنّ‬
‫جلي في ما‬
‫القرارات األساس ّية تصبح شأنًا عائل ًّيا وليس شأنًا فرد ًّيا‪ ،‬ويتمظهر هذا األمر بشكل ّ‬
‫يتصل بالقرارات املتع ّلقة بالزواج والطالق وتنشئة األطفال‪ ،‬ففي هذه احلاالت ك ّلها تكون األولوية‬
‫‪37‬‬
‫تقليدً اللعائلة التي تهيمن على حياة أعضائها (بركات‪2000 ،‬؛ ‪.)Barakat,1993‬‬
‫التقليدي من أفراد عائلته الطاعة واالمتثال ملشيئته والتجاوب مع رغباته وتعليماته من‬
‫يتو ّقع األب‬
‫ّ‬
‫دون تساؤل‪ ،‬ويحرص على عدم السماح ألفراد األسرة مبناقشته والتدخّ ل في شؤون حياته‪ .‬في نسق‬
‫‪ 37‬يذكر بركات(‪ )362:2000‬أنه من اخلطأ االستنتاج‪ ،‬بنا ًء على هذا الوصف للواقع االجتماعي لألسرة العربية‪ ،‬بأنّ العائلة ثابتة‬
‫املؤسسات االجتماعية األخرى في بعض احلاالت‪ ،‬لشدّ ة ارتباطها بشؤون‬
‫في عالم متغ ّير‪ .‬إنمّ ا هي لربمّ ا أكثر مقاومة للتغيير من‬
‫ّ‬
‫املعيشة اليوم ّية والستمرار متركز االقتصاد حول الوحدة العائلية‪ ،‬وبقدر ما يضعف هذا التمركز ّ‬
‫تقل قدرة العائلة على مقاومة‬
‫قوى التغيير‪ .‬وبذلك فإنّ العائلة العربية ليست واحدة في مختلف احلاالت واألزمنة‪ .‬وفي حني يشير بركات إلى بنية العائلة التي‬
‫ّ‬
‫ترى في اإلنسان عض ًوا أكثر منه ف��ردًا مستق ًال‪ ،‬فإنّه يعتبر ّ‬
‫خروجا على‬
‫(خصوصا من قبل امل��رأة)‬
‫مستقل‬
‫كل تص ّرف أو قرار‬
‫ً‬
‫ً‬
‫وحدة العائلة ّ‬
‫أيضا‪ ،‬إلى اجلانب اإليجابي لهذه البنية حيث” تقوم العالقات األسرية على التعاون‬
‫وتنك ًرا جلميلها‪ .‬كما أنه يشير‪ً ،‬‬
‫والتضحية وااللتزام الشامل غير احملدود وغير املشروط من دون حت ّفظ‪ .‬وهذا ما يعزّز إحساس أفراد األسرة الراسخ باالطمئنان‬
‫النفسي لعدم اخل��وف من مواجهة األزم��ات والنكبات احملتملة ‪ ..‬ينعم بذلك الفرد ب��دفء العالقات احلميم ّية‪ ،‬وينشأ‬
‫واالستقرار‬
‫ّ‬
‫األهم”‪.‬‬
‫ومتمس ًكا بالثقافة العامة التي تعتبر العائلة إحدى دعائمها األساس ّية ان لم تكن الدعامة‬
‫مستبطنًا للقيم األسرية‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫‪89‬‬
‫من عالقات الق ّوة املتميزة ميلي عليهم من فوق إلى أسفل أوامره وإرشاداته وتعليماته وتهديداته‪،‬‬
‫ويكون عليهم أن يستجيبوا باحترام وطاعة‪ .‬وكثي ًرا ما ُتنسب لألب صفات شبه متعارضة‪ ،‬فيعتبر‬
‫مكافحا من أجل خير‬
‫مانحا‪،‬‬
‫من ناحية رؤو ًفا‪ ،‬مح ًّبا‪ ،‬عاد ًال‪ ،‬غفو ًرا‪ ،‬رحي ًما‪ ،‬جلي ًال‪ ،‬كر ً‬
‫ً‬
‫ميا‪ ،‬ودودًا‪ً ،‬‬
‫بصحته وراحته‪ .‬كما يعتبر من ناحية أخرى غضو ًبا‪ ،‬متس ّل ًطا‪ُ ،‬مهيمنًا‪ ،‬ق ّها ًرا‪،‬‬
‫ضح ًيا‬
‫ّ‬
‫العائلة‪ ،‬و ُم ّ‬
‫‪38‬‬
‫قاسيا في عقابه‪( .‬بركات‪ )368 :2000 ،‬ومع التغ ّيرات التي طرأت على املجتمعات العربية‬
‫من عوامل خارجية وداخلية يبدو اآلباء‪ ،‬حسب شرابي (‪ ،)2000‬بهذه الوضعية “كورثة سلطة‬
‫ال يعترفون بضمورها وال يعملون على خلق سلوك متالئم مع هذا الضمور‪ ”.‬فالثقافة األبوية‬
‫التقليدية بأنظمتها اخلاصة باحلماية والقسر والشهامة والطاعة هي سلسلة أوضاع لم تعد قائمة‪ .‬إنّ‬
‫األبوية التقليدية بأنظمتها اخلاصة باحلماية والقسر ال ميكن أن حتيا في العالم احلديث‪ ،‬ليس ألنّها‬
‫“تقليدية”‪ ،‬بل ألنّها لم تعد كذلك‪ .‬ص (‪.)98‬‬
‫لقد أ ّثرت حالة البينية التي وص َفتْها ساب ًقا غامن (‪ ،)2004‬وأحدثت التغييرات السياسية حت ّوالت‬
‫جذرية على مبنى العائلة الفلسطينية‪ ،‬وبدت سماتها بوضوح على موقع النساء داخلها‪ .‬إذ وجد‬
‫الشعب الفلسطيني نفسه بعد قيام الدولة في واقع جديد جترد فيه من ّ‬
‫كل ما ميلك‪ ،‬ليعيش بالتالي‬
‫على حافة املواطنة وعلى أنقاض الوطن‪ ،‬وبعد أن كان مبعظمه ريف ًّيا يعتمد أساس اقتصاده على‬
‫الزراعة‪ ،‬حت ّول غالبية الفالحني إلى ع ّمال خارج قراهم بعد أن فقدوا أراضيهم (احلاج‪.)1983 ،‬‬
‫القروي إميانًا راسخً ا‪ ،‬حتى أعمق أعماق وعيه‪ ،‬بأن “الكرامة في األرض”‪ ،‬وأنّ الفالح يفقد‬
‫ُيؤمن‬
‫ّ‬
‫ملك ّيته وسيطرته حني يفقد ملك ّيته على األرض‪ .‬إنّها مورد رزقه ومصدر اعتزازه وطموحاته وآماله‬
‫ومكانته االجتماعية‪ ،‬بل هي محور عالقاته‪ ،‬ومق ّر جذوره في احلياة واملمات (بركات‪.)214 :2000 ،‬‬
‫لقد أ ّثر تدمير املدن الفلسطينية في ّ‬
‫احلداثي الفلسطيني‪.‬‬
‫ظل النكبة في عرقلة إستراتيج ّية للفكر‬
‫ّ‬
‫وملّا كانت املدينة ّ‬
‫تشكل ح ّيزًا إلنتاج الثقافة العليا‪ ،‬وبالتالي للتغيير االجتماعي‪ ،‬فقد بقيت احلمولة‬
‫الوحدة االجتماعية األساسية التي يتمركز حولها املجتمع الفلسطيني ّ‬
‫بكل ما حتمله من ثقافة ريفية‬
‫محافظة متيل إلى التس ّلط وإلى إعطاء أهمية كبرى للمكانة االجتماعية والقيم التراثية‪ .‬وقد كان‬
‫احلاج (‪ )Al-Haj,1988: 254‬قد أشار‪ ،‬قبل أكثر من عقدين‪ ،‬إلى أنّ املجتمع الفلسطيني لم‬
‫يقم بهدم املباني االجتماعية التقليدية في سيرورة تط ّوره واجتاهاته نحو العصرية‪ ،‬بل عمل على‬
‫إعادة تشكيلها من جديد ومالئمتها حسب محدود ّياته وفرصه البنيوية‪ .‬إنّ مسيرة احلداثة التي‬
‫املوسعة وإن كان قد تق ّلص‪ ،‬إال أنّه ما زال قائ ًما‬
‫رافقت قيام الدولة لم تغ ّير منط العائلة العربية ّ‬
‫العملي ( احلاج‪.)1987 ،‬‬
‫النفسي‪ ،‬إن لم يكن على املستوى‬
‫على املستوى‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫‪ 38‬في تط ّرقه الالحق للدين وللعائلة يشابه بركات بني صورة األب وص��ورة الله في أذه��ان املؤمنني واملؤمنات‪ ،‬حيث تظهر حدّ ة‬
‫التشابه من خالل األسماء احلسنى في اإلسالم‪ ،‬فكالهما يوصف بأسماء الرحمة والتج ّبر في ٍآن م ًعا‪ ،‬وتطلق على ّ‬
‫كل منهما األسماء‬
‫املستمدّ ة ً‬
‫العربي‪ ،‬والتي تشدّ د على جوانب الرحمة والعطاء كالرحيم والغ ّفار والوهّ اب‬
‫أص�لا من وظائف دور األب في املجتمع‬
‫ّ‬
‫واملجيب وال��ودود مقابل صفات التج ّبر والعقاب كالقادر واجل ّبار واملتك ّبر وامل ّ‬
‫��ذل والرقيب والقويّ واملتعالي والغضوب واملعاقب‪.‬‬
‫‪90‬‬
‫وهكذا‪ ،‬بقيت احلمولة على امتداد ستّني عا ًما من العيش في دولة إسرائيل األداة السياسية‬
‫املركزية على املستويني احمللّي والقطري‪ ،‬وهذا ناجت عن محاوالت الدولة احلثيثة في ترسيخ احلمولة‬
‫كأداة مريحة لتحريك واستقطاب املص ّوتني وضرب الراديكالية السياسية‪ ،‬لكنه ناجت كذلك عن‬
‫الثقافة السياس ّية احملل ّية (‪ .)Al-Haj & Rosenfeld,1990‬وتشير هرتسوغ (‪ )2003‬إلى‬
‫مؤسسة احلمولة‬
‫وجود عالقة وطيدة بني استمرار الصراع الفلسطيني ‪ -‬اإلسرائيلي وبني استمرار ّية ّ‬
‫كعامل يك ّرس دون ّية مكانة النساء الفلسطينيات‪ .‬ففي ضوء استمرار الصراع واستمرار التهميش‬
‫املنهجي للعرب داخل دولة إسرائيل‪ ،‬حت ّولت العائلة إلى محور التكافل والدعم االجتماعي‬
‫واإلقصاء‬
‫ّ‬
‫والقومي الذي يستمدّ منه الفلسطينيون وجودهم‪ .‬وبذلك‪ّ ،‬‬
‫مت حتميل النساء مه ّمة احلفاظ على الثقافة‬
‫ليدفعن بالتالي الثمن األكبر لهذه امله ّمة‪.‬‬
‫ونقلها إلى األجيال القادمة‪،‬‬
‫َ‬
‫إن فقدان الرجل الفلسطيني ألرضه كما أشار مرعي ومرعي (‪ )Mari & Mari, 1985‬هدّ د‬
‫الهو ّية الرجول ّية لديه‪ ،‬فشعوره بفقدان أرضه وفقدان موقعه وحاضره ومستقبله‪ ،‬وتبع ّيته للمؤسسات‬
‫الرسمية‪ ،‬جعلته يرى في بيته احل ّيز الوحيد لفرض ما فقده من سيطرة‪ ،‬وللتعويض عن شعوره‬
‫بالعجز‪ .‬ويظهر التعبير عن هذا العجز بأكثر جتلياته في موقع املرأة الفلسطينية وفي التعامل مع‬
‫قضاياها باعتبارها حتمل عبء التمثيل املادي والرمزي ملتغ ّيرات الثقافة التقليدية والعصرية‪ .‬و ُتعتبر‬
‫جرائم قتل النساء على خلفية ما يس ّمى بشرف العائلة أكثر الوجوه جت ّل ًيا لهذه احلالة‪ .‬لقد اقترفت‬
‫مئة جرمية قتل منذ عام ‪ 1991‬حتى تشرين الثاني من عام ‪ .200939‬وتشير حسن (‪ )1999‬إلى‬
‫يقعن‬
‫يقعن ضحية ملجتمعهنَّ الذي يرفض زعزعة سيطرته األبوية‪ ،‬كما‬
‫أنّ النساء الفلسطين ّيات‬
‫َ‬
‫َ‬
‫الدوني للنساء الفلسطينيات ويتبنى إستراتيجية تعتمد‬
‫ضحي ًة للنظام اإلسرائيلي الذي يك ّرس املوقع‬
‫ّ‬
‫على تكريس التقاليد وتعزيز مفهوم شرف العائلة من خالل تطبيق سياسية منهجية يتّبعها عند‬
‫توجه النساء إلى مراكز الشرطة‪ ،‬وهي سياسة منهجية تقوم‪ ،‬في األساس‪ ،‬على التجسير بني املرأة‬
‫ّ‬
‫احلمائلي‬
‫والتوجه إلى وجهاء حمولتها إلعادتها بذلك إلى أيدي قتلتهنّ ‪ ،‬كما تك ّرس املبنى‬
‫وعائلتها‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫واألمناط االجتماعية السائدة‪.‬‬
‫يتح ّول املاضي والتش ّبث به كما تشير عبده (‪ )Abdo, 1994‬إلى أكبر مصدر يستمدّ الفلسطينيون‬
‫سعادتهم منه ويعتمدون عليه في احلفاظ على هو ّيتهم‪ ،‬وبذلك فقد دفعت املرأة ثمن قمع مجتمعها وقمع‬
‫الدولة م ًعا‪ ،‬فارتفاع معدّ الت اإلجناب بني النساء الفلسطينيات في الداخل‪ ،‬كما في املناطق احملتلة‪ ،‬ما‬
‫هو سوى شكل من أشكال استغالل النساء‪ ،‬وفي حني حاولت إسرائيل احلدّ من الفلسطينيني عدد ًّيا‬
‫فقد جاء رد الفعل عكس ًّيا‪ ،‬وسواء أكانت ردود الفعل تلك تتّسم بطبيعة اقتصادية أو باعتبارها‬
‫وسيلة لتأكيد الهوية فما من ّ‬
‫الوطني هذا‪.‬‬
‫شك في أنّ املرأة كانت الضحية األساس لر ّد الفعل‬
‫ّ‬
‫‪3 9‬‬
‫والصحة‪.‬‬
‫ورقة مقدّ مة من جمعية “نساء ضد العنف” إلى اللجنة البرملانية لرفع مكانة النساء وإلى جلنة الرفاه‬
‫ّ‬
‫‪91‬‬
‫ً‬
‫ملحوظا‪ .‬ففي حني كانت‬
‫لقد كان مجال التع ّلم أكثر املجاالت التي أحرزت فيها النساء تط ّو ًرا‬
‫نسبة النساء األكادمي ّيات بني املسلمات في السبعينيات تصل إلى ‪ 2.6%‬فقط‪ ،‬وبني املسيحيات إلى‬
‫‪ ،7.4%‬فإنّ هذه النسبة وصلت‪ ،‬في سنوات األلفني إلى ‪ 15.3%‬بني املسلمات‪ ،‬وإلى ‪ 39.1%‬بني‬
‫املسيح ّيات‪ .‬رغم ذلك فإنّ هذا ال يعني أنّ ارتفاع مستوى التع ّلم لدى النساء الفلسطينيات هو تغيير‬
‫جوهري في وضعية النساء‪ ،‬وتشير غامن (‪ )180 :2005‬في بحثها بخصوص مواقف من قضايا‬
‫ّ‬
‫وحقوق املرأة الفلسطينية في إسرائيل إلى أنّ التغييرات امللحوظة ليست سوى تغ ّيرات كم ّية لم‬
‫دوني‪ .‬فرغم أنّ املجتمع أظهر استعداده لتق ّبل‬
‫تزعزع املوروث‬
‫الثقافي الذي يتعامل مع املرأة ككائن ّ‬
‫ّ‬
‫حقوق املرأة العين ّية‪ ،‬كاحلقّ في التع ّلم والعمل واحلماية من العنف (وقد كان أكثر احلقوق تلق ًيا‬
‫ألعلى نسبة من الدعم والشرعية هو حقّ املرأة في التع ّلم‪ ،‬إذ أبدى أكثر من ‪ 95%‬من املستطلعني‬
‫ضرورة إعطاء مساواة أو مساواة تامة للمرأة في التع ّلم‪ ،‬باعتبار أنّ العلم هو “سالح” للمرأة‬
‫يحميها من تق ّلبات الزمان ويضمن لها وظيفة محترمة تو ّفر لها مصدر رزق في املستقبل)‪ ،‬إال أنّ‬
‫جارف‪ ،‬ولم يبدِ استعداده للقبول بحقّ املرأة في‬
‫هذا املجتمع غير مستعدّ لتق ّبل هذه احلقوق بشكل ٍ‬
‫احلركة واحلرية على اجلسد والندّ ية في العالقات واملساواة التامة بني اجلنسني‪ .‬وتبقى املفاهيم األبوية‬
‫املتع ّلقة بالسمعة والشرف وتف ّهم ضرب املرأة أو قتلها (في بعض احلاالت) مبثابة بوليصات تأمني‬
‫لضمان إعادة إنتاج عالقات السيطرة بني اجلنسني‪.‬‬
‫تتشابه نتائج بحث كركبي ‪ -‬ص ّباح (‪ )2009‬مع النتائج أعاله‪ ،‬فرغم أنّ بحثها أظهر دع ًما‬
‫السياسي حلمولتها‪ ،‬وقد أظهر عالقة‬
‫من قبل املجتمع النخراط املرأة في سوق العمل‪ ،‬ولتمثيلها‬
‫ّ‬
‫واضحة بني مستوى التع ّلم وبني املواقف من مكانة املرأة بخصوص انخراطها في سوق العمل‬
‫وفي مدى حت ّررها من ضغوط احلمولة‪ ،‬ومن إمكانية مشاركتها السياسية ومتثيلها للحمولة‪ ،‬إال أنّ‬
‫هذا التغيير في القيم لم يكن شام ًال‪ ،‬بل يظهر أنّ مواقف املجتمع بشأن مكانة النساء يبقى على‬
‫املستوى الشعاراتي أكثر منه على مستوى املمارسة‪ .‬ففي حني ع ّبر معظم املستطلعني من الرجال‬
‫عن تأييدهم خلروج النساء إلى العمل‪ ،‬إال أنّ ثلثيهم ما زالوا يعتبرون دخلها ُمك ّم ًال لدخل الرجل‪،‬‬
‫وأنّ خروجها إلى العمل مشروط بقيامها بواجباتها داخل املنزل وبقيامها بأدوارها التقليدية كالعناية‬
‫باألطفال ورعاية املنزل‪ .‬ورغم أنّ املستطلعني ّ‬
‫أكدوا على حرية النساء في اختيار مواقفها السياس ّية‪،‬‬
‫إال أنّ نصفهم ّ‬
‫أكدوا على أنّ رأي الزوج هو احلاسم في حال وجود خالف بني الزوجني حول املوقف‬
‫أيضا في املوقف من تأثير احلمولة على مكانة النساء‪ ،‬فرغم أن‬
‫السياسي‪ .‬كما ظهرت هذه الفجوة ً‬
‫أغلبية الرجال لم يعارضوا متثيل امرأة للحمولة‪ ،‬إال أنّ هذه املواقف لم ُتترجم في سلوك ّياتهم‪،‬‬
‫وفي حال أرادت النساء اختراق احل ّيز العام‪ ،‬فإنّ احلمولة تبقى الطريق الوحيدة أمام النساء لفعل‬
‫ذلك‪ .‬وتخلص كركبي إلى أنّ هذه التغييرات التي طرأت على موقف املجتمع من املرأة هي تغييرات‬
‫عملية تأتي لتالئم مبنى العائلة النوو ّية‪ .‬بعبارة أخرى‪ ،‬لقد ّ‬
‫مت تبنّي قيم عصرية بخصوص مكانة‬
‫‪92‬‬
‫املرأة لكنّ بشكل يحافظ على التراتبية البطريركية التي تقف في أساس مواقع الق ّوة‪ .‬عمل ًّيا‪ ،‬إنّ‬
‫يتم ضمان‬
‫دخول املرأة سوق العمل وتع ّلمها ال يح ّررانها من مكانها في احل ّيز اخلاص‪ ،‬وذلك كي ّ‬
‫سيطرة الهيمنة الذكورية والقوانني البطريركية في احل ّيز العام‪ .‬ما زالت التغييرات في مكانة النساء‬
‫كمي ًة وليست نوعي ًة‪ ،‬ورغم إجنازات املرأة التعليمية واملهنية يبقى مبنى احلمولة هو الطريق الوحيدة‬
‫للنساء الختراق احل ّيز العام وحتقيق املشاركة السياس ّية‪.‬‬
‫وفي حني استطاعت بعض النساء ّ‬
‫تخطي بعض العقبات التي يضعها مجتمعهنّ البطريركي من‬
‫أجل اختراق احل ّيز العام‪ُ ،‬يلقي يوناي وكراوس (‪ )2009‬الضوء في بحثهما على العوائق البنيوية‬
‫التي تضعها الدولة وسياساتها املنهجية في وجه النساء الفلسطينيات‪ .‬يرى يوناي وكراوس أنّ ارتفاع‬
‫نسبة النساء املتع ّلمات لم ينعكس في زيادة انخراطها في سوق العمل بسبب العوائق التي تضعها‬
‫الدولة‪ .‬ففي حني وصلت نسبة النساء األكادمي ّيات في السبعينيات بني املسلمات إلى ‪ 2.6%‬فقط‪،‬‬
‫وبني املسيحيات إلى ‪ ،7.4%‬فإن هاتني النسبتني ارتفعتا في سنوات األلفني إلى ‪ 15.3%‬بني‬
‫متوسط سنّ الزواج ارتفع وق ّلت نسبة الوالدات‪،‬‬
‫املسلمات‪ ،‬وإلى ‪ 39.1%‬بني املسيح ّيات‪ .‬كما أنّ‬
‫ّ‬
‫لكن رغم هذه ّ‬
‫املؤشرات جمي ًعا فإنّ نسبة اختراق النساء احل ّيز العام لم ترتفع‪ ،‬ولم يظهر أنّ هذه‬
‫أيضا انخفاض في مستوى مشاركة النساء‬
‫اإلجنازات لم تترجم في سوق العمل فحسب‪ ،‬وإمنا ظهر ً‬
‫وخصوصا بني النساء املسلمات‪،‬‬
‫األكادمييات في العمل‪ ،‬وظهرت عودة إلى ارتفاع معدّ الت اإلجناب‪،‬‬
‫ً‬
‫أي خيار أمامهنّ سوى العودة‬
‫األمر الذي يعزيانه إلى انعدام الفرص أمام النساء‪ ،‬وإلى عدم وجود ّ‬
‫إلى املنزل وتعزيز دورهنّ اإلجنابي‪ .‬ويتّفق ّ‬
‫خطاب (‪ )2009‬في اعتباره العوائق البنيوية واإلجحاف‬
‫السبب املركزي في انخفاض نسبة مشاركة النساء في سوق العمل‪ ،‬وهو أمر ناجت عن قيام‬
‫املُمنهج‬
‫َ‬
‫منهجي‪ ،‬بإقصاء البلدات واملدن العربية عن املشاريع التطويرية‪ ،‬وعدم االستثمار‬
‫الدولة‪ ،‬بشكل‬
‫ّ‬
‫في املجتمع العربي كإنشاء بنية حتتية صناعية‪ ،‬ونقص مناطق التطوير ومصادر التمويل وبرامج‬
‫الدعم‪ُ .‬يضاف إلى ذلك قيام الدولة بوضع عوائق بيروقراطية أمام املبادرات احمللية‪ ،‬كأقامة مشاريع‬
‫صناعية‪ .‬وبهذا‪ ،‬فإنّ األكادمييني الفلسطينيني ُيواجهون متييزًا ًّ‬
‫فظا من قبل أصحاب العمل اليهود‬
‫يفضلون توظيف اليهود على العرب حتى عندما يتمتّع الفلسطيني بكفاءات أعلى‪ .‬بدورهنّ ‪،‬‬
‫الذين ّ‬
‫الفلسطيني نتيجة للتمييز‬
‫تواجه األكادمييات الفلسطينيات صعوبة تفوق ما يواجهه األكادميي‬
‫ّ‬
‫والعنصرية واألحكام املسبقة التي تضعها الدولة من ناحية‪ ،‬وقيم مجتمعها البطريركي‪ ،‬من ناحية‬
‫أخرى‪.‬‬
‫املهني‪ ،‬واألكادميي‬
‫تعمل أغلبية النساء العامالت في املجاالت اخلدمات ّية البسيطة‪ .‬على صعيد العمل ّ‬
‫حتديدً ا‪ ،‬تظهر اإلحصائيات أنه رغم ارتفاع نسبة األكادمييات‪ ،‬إال أنّ وصولهنّ إلى وظائف عالية هو‬
‫ِ‬
‫احملاضرات في اجلامعات‪.‬‬
‫أمر معدوم‪ ،‬ففي مجال التربية والتعليم العالي هناك عدد محدود من‬
‫‪93‬‬
‫وفي حني ّ‬
‫متكنت النساء في السبعين ّيات والثمانين ّيات من العمل داخل قراهنّ في مجال الزراعة أو‬
‫صناعة النسيج‪ ،‬إال أ ّنهنّ غير قادرات اليوم على إيجاد أماكن عمل‪ ،‬وذلك نتيجة للتط ّورات احلاصلة‬
‫في السوق احمللية والعاملية الناجتة عن تغييرات بنيوية في االقتصاد وعن العوملة وعن اتفاقيات‬
‫السالم في الشرق األوسط‪ ،‬حيث أدّت إلى انخفاض كبير في الفروع الصناعية والتقليدية من ناحية‪،‬‬
‫وإلى ارتفاع في فروع الصناعة واالقتصاد اجلديدة‪ ،‬من ناحية أخرى‪ ،‬وقد كثرت ظاهرة نقل املصانع‬
‫إلى دول نامية‪ ،‬حيث األيدي العاملة فيها ّ‬
‫أقل كلف ًة (فارس‪2001 ،‬؛ حمود ‪2001‬؛ ‪Khattab,‬‬
‫‪.)2002‬‬
‫ّ‬
‫متكنت نسبة قليلة من النساء الفلسطينيات من االنخراط في سوق العمل‪ ،‬إال أنّ هذا األمر‬
‫لم يترافق مع تغيير مفاهيم اجلنوسة واألدوار االجتماعية‪ .‬يظهر بحث علي وجوردوني (‪)2009‬‬
‫أنّ زيادة انخراط النساء الفلسطينيات في سوق العمل وظهور بعض التغ ّيرات العملية في تقسيم‬
‫امله ّمات واملسؤوليات املنزلية بني الزوجني‪ ،‬بشكل يتّجه أكثر نحو املساواة في األدوار‪ ،‬ما هي إال‬
‫وليدة اضطرارات بنيوية ناجتة عن الوضع االقتصادي الصعب الذي يجبر الكثير من النساء على‬
‫اخلروج للعمل‪ ،‬ويدفع بالتالي الرجال‪ ،‬بشكل أكبر‪ ،‬إلى حت ّمل مسؤوليات منزل ّية أكثر ممّا كان ساب ًقا‪.‬‬
‫إن أعماال مثل حتضير الطعام وتنظيف البيت ال تزال مبثابة أعمال نساء‪ ،‬حتى لو عملت املرأة خارج‬
‫البيت‪ ،‬ما يعني عمل ًّيا‪ ،‬أنّ املرأة التي تخرج للعمل يتضاعف عبئها‪ ،‬فإلى جانب كونها ر ّبة بيت تصبح‬
‫أيضا‪ ،‬كما أنّ عمل املرأة مقبول شرط أال يتحدّ ى اجلندرة البنيوية للعمل‪ ،‬إذ أنّ أعما ًال مثل‬
‫عاملة ً‬
‫سياقة الشاحنات أو التجارة وإدارة الشركات تبقى أعماال غير مالئمة للمرأة‪ ،‬كما أنّ أفضل األعمال‬
‫األساسي كأ ّم ور ّبة بيت‪ ،‬من وجهة نظر أبوية‪،‬‬
‫واملهن هو الذي يسمح للمرأة بالتوفيق ما بني دورها‬
‫ّ‬
‫وبني التعليم أو األعمال التي تتطلب ساعات عمل طويلة‪ ،‬بل إن النساء الالتي يعملن في املهن احل ّرة‬
‫ً‬
‫التي تتط ّلب ساعات غير اعتيادية‪ ،‬كالصحافة أو السياسة‪ ،‬يواجهن‬
‫ضغوطا اجتماعية حت ّملهنّ‬
‫مشاعر التقصير بواجبهنّ األول كأ ّمهات ور ّبات بيوت (غامن‪ .)2005 ،‬وإذا أرادت املرأة حتقيق‬
‫استقالليتها وكيانها فهي حتتاج إلى إثبات شرعية خروجها للعمل مبا يعود على عائلتها من منفعة‬
‫اقتصادية (أبو بكر‪.)2001 ،‬‬
‫إن أكثر أشكال هذه املعوقات ينعكس في التمثيل السياسي ومشاركة النساء الفلسطينيات في‬
‫العمل السياسي وداخل األحزاب‪ ،‬إذ إنه رغم أن بعض النساء فاعالت سياس ًّيا‪ ،‬ومن بينهنّ َمن‬
‫عال‪ ،‬إال أنّ هذا التحصيل لم يسعفهنّ في الوصول إلى مواقع سياسية‬
‫َ‬
‫وصلن إلى مستوى تع ّلم ٍ‬
‫داخل األحزاب (أبو بكر‪ ،)2001 ،‬وما زال عدد العضوات املنتخبات في املجالس احمللية والبلديات‬
‫ال يتجاوز أصابع اليد الواحدة‪ .‬تعزو أبو بكر (‪ )2000,1989‬هذا التدنّي إلى احلواجز الداخلية‬
‫املرتبطة بثقافة العيب واحلرام عند خروج النساء إلى احل ّيز العام‪ ،‬وكذلك إلى احلواجز اخلارجية‬
‫‪94‬‬
‫املتعلقة باالعتبارات الفئوية واملنطقية لألحزاب العربية التي كثي ًرا ما يكون هناك تناقض بني‬
‫النسائي‪ .‬ويتط ّرق غامن ومصطفى (‪ ) 2009‬إلى العامل احلمائلي‬
‫شعاراتها وممارساتها جتاه التمثيل‬
‫ّ‬
‫واحلمولة في السياسة احمللية‪ ،‬فرغم محاربة البعض للبنى التقليدية في املجتمع‪ ،‬إال أنّ التصويت‬
‫احلالي يأتي‪ ،‬في معظم احلاالت‪ ،‬من اعتبارات حمائلية‪.‬‬
‫العائلة والزواج‪:‬‬
‫تفتقر األبحاث احلديثة التي عنت بحيوات النساء الفلسطينيات إلى التط ّرق ملجال الزواج‬
‫والديناميك ّيات الداخلية التي مت ّيزه‪ ،‬إذ لم تتطرق هذه األبحاث إلى دراسة مفهوم الزواج والتغييرات‬
‫التي طرأت عليه والديناميكيات املختلفة التي مت ّيز هذه املؤسسة في العقود األخيرة‪ .‬واكتفت بعض‬
‫األبحاث باإلشارة إلى التغييرات التي طرأت على مبنى العائلة وحت ّولها من عائلة ممتدّ ة إلى نواتية‪،‬‬
‫حتسنًا على موقع النساء وأدوراهنّ (جرايسي‪ .)1991 ،‬في حني أظهرت دراسات‬
‫األمر الذي أحدث ّ‬
‫أخرى عدم د ّقة هذه التقييمات‪ّ ،‬‬
‫ِ‬
‫يختف‪ ،‬وإن كان‬
‫املوسعة لم‬
‫وأكدت على أنّ منط العائلة العربية ّ‬
‫قد تق ّلص‪ ،‬وهو قائم على املستوى النفسي إن لم يكن على املستوى العملي‪ ،‬وقد عادت احلمولة إلى‬
‫بطريركي جديد (‪.)Neopatriarchy‬‬
‫إنتاج مبانيها من جديد وإلى فرز مبنى‬
‫ّ‬
‫عادت احلمولة للعب دور أساسي في السيطرة على النساء‪ ،‬وحتديدً ا في مجال الزواج‪ .‬تشير ساعر‬
‫(‪ )2007‬إلى أنّه رغم أنّ معدّ ل سنّ الزواج بني النساء والرجال ارتفع بسنة ونصف السنة‪ ،‬خالل‬
‫العقود الثالثة األخيرة‪ ،‬مع أخذ التن ّوعات واالختالفات داخل الطوائف املختلفة بعني االعتبار‪ .‬وكان‬
‫الرتفاع مستوى التع ّلم بني النساء تأثير واضح على ارتفاع سنّ الزواج‪ ،‬إال أنّه‪ ،‬وكما هي احلال في‬
‫املهم االنتباه إليها‬
‫سائر املجاالت‪ ،‬ث ّمة اجتاهان مختلفان يسيران بني هذه النظم البطريرك ّية التي من ّ‬
‫أكثر‪ ،‬وكذلك للتو ّترات البنيوية القائمة بينها‪ ،‬والتي ّ‬
‫اجلندري للنساء الفلسطينيات في‬
‫تشكل النظام‬
‫ّ‬
‫إسرائيل خاصة‪ ،‬العائلة‪ ،‬الدولة والتج ّمعات القوم ّية – اإلثنية‪ ،‬وتقييم العوامل القامعة والعوامل‬
‫املقاومة والديناميكيات البنيوية املرتبطة م ًعا‪.‬‬
‫ترى ساعر أنه في حني تفرز الطبيعة البطريركية لهذه النظم املختلفة جتارب حادة من القمع‬
‫املُمنهج‪ ،‬فإنّها تو ّلد‪ ،‬في الوقت نفسه‪ ،‬منافسة بني هذه النظم تك ّرس دونية النساء‪ ،‬كما أنها تفسح‬
‫لبعص النساء من خاللها ح ّيزا مه ًّما للمناورة‪ ،‬وقد استطاعت نساء كثيرات حتقيق إجنازات جوهرية‬
‫من خاللها‪ ،‬سواء أكان على الصعيد الفردي أو اجلماعي‪ ،‬كما ط ّورت من مكانتهنّ بشكل دراماتيكي‬
‫في مجاالت التعليم‪ ،‬الصحة العامة والصحة اإلجناب ّية واحلقوق الفردية‪ ،‬وفي مستوى املعيشة‪ ،‬كما‬
‫‪95‬‬
‫ّ‬
‫مكنت أعدادًا ليست بقليلة من نساء قادرات وحازمات ح ّققن ذواتهنّ واستطعن الوصول إلى إجنازات‬
‫كبيرة‪ .‬ويعتبر الزواج وأمناطه أحد املجاالت التي تظهر من خاللها االجتاهات املختلفة للمجتمع‬
‫الفلسطيني وحلركية النساء داخل تلك املنظومات املختلفة‪ ،‬وفي الوقت الذي بقي الزواج فيه التزا ًّما‬
‫طقسا مذبح ًّيا يع ّبر عن انتقال املرأة‬
‫ثقاف ًّيا لكال اجلنسني‪ ،‬وبالنسبة إلى النساء حتديدً ا فقد اعتبر ً‬
‫إلى مرحلة بلوغها‪ ،‬ومت تزويج أعداد كبيرة من الفتيات دون سنّ الثامنة عشرة‪ ،‬وكذلك قبل سنّ‬
‫السابعة عشرة‪ ،‬ث ّمة‪ ،‬في املقابل‪ ،‬أعداد متزايدة من النساء املتع ّلمات في األربعينيات من عمرهنّ‬
‫وهنّ غير متز ّوجات‪ ،‬ومن الالفت أنّه رغم محاوالت وصم هؤالء النساء وتهميشهنّ إال أن الكثير‬
‫منهنّ ‪ ،‬وخاصة أولئك اللواتي ح ّققن إجنازات تعليمية ومهنية عالية‪ ،‬قد جنحن في كسب االحترام‬
‫والسلطة داخل عائالتهنّ ومجتمعاتهنّ (‪.)Sa’ar, 2007‬‬
‫لقد أظهر بحث غامن (‪ )2005‬أنّ املجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل يحمل مواقف تقليدية‬
‫من الزواج والطالق‪ ،‬إذ اعتبر ‪ 54,6%‬من املستطلعني‪/‬ات أن سنّ الزواج األكثر مالءمة للفتاة‬
‫هو ما بني ‪ 22-25‬عا ًما‪ ،‬فيما اعتبر ‪ 35,8%‬أنّ السنّ األكثر مالئم ًة هي ‪ 18-21‬عا ًما‪ .‬وهذا‬
‫يعني عمل ًّيا أنّ ‪ 90%‬من املجتمع الفلسطيني يعتبر أن السنّ املالئمة لزواج الفتاة هي ‪ 18‬عا ًما‬
‫املفضلة ّ‬
‫لكل من الشاب‬
‫وما فوق‪ .‬كما أظهر البحث املذكور أنّ هناك اختال ًفا‬
‫واضحا بني سنّ الزواج ّ‬
‫ً‬
‫والفتاة‪ ،‬حيث أعتقد ‪ 72%‬من املستطلعني‪/‬ات أنّ سنّ الزواج األكثر مالئمة للشاب هي فوق ‪26‬‬
‫املفضلة لزواج الفتاة‪ .‬واعتقد ‪ 77,3%‬أنّ مفهوم السترة‬
‫ّ‬
‫عا ًما‪ ،‬مقابل ‪ 8%‬رأوا أنّ هذه هي السنّ‬
‫األهم الذي يساهم في انتشار ظاهرة الزواج ّ‬
‫املبكر لدى الفتيات‪ ،‬في حني رأى ‪75,2%‬‬
‫هو العامل‬
‫ّ‬
‫جدا أو تأثي ًرا كبي ًرا في‬
‫من املستطلعني‪/‬ات أن خوف األهل من عدم زواج ابنتهم يؤ ّثر تأثي ًرا كبي ًرا ًّ‬
‫انتشار الظاهرة‪ .‬وأشار ‪ 68,7%‬من املستطلعني‪/‬ات إلى أنّ رغبة الرجل في الزواج بفتاة صغيرة‬
‫جدا في انتشار هذه الظاهرة‪.‬‬
‫السنّ هي عامل ذو تأثير كبير إلى كبير ًّ‬
‫فسر البحث املذكور انتشار مفاهيم السمعة والشرف والشرعية االجتماعية العالية التي‬
‫كما ُي ّ‬
‫حتظى بها املواقف من زواج األقارب من جهة‪ ،‬واملواقف من الزواج ّ‬
‫املبكر واملتعدّ د‪ ،‬من جهة أخرى‪.‬‬
‫فقد أظهر استطالع الرأي أنّ ‪ 35%‬من املستطلعني‪/‬ات يؤ ّيدون زواج األقارب‪ .‬وتعتبر هذه النسبة‬
‫جدا في سياق انتشار املعرفة حول األمراض الوراثية النابعة من زواج األقارب وحمالت‬
‫كبيرة ًّ‬
‫يفسرها سوى هيمنة الثقافة األبوية الريفية التي تشجع وتدعم الزواج داخل‬
‫التوعية املرافقة‪ ،‬وال ّ‬
‫العائلة‪ ،‬سواء أكان ذلك لهدف احلفاظ على أمالك العائلة‪ ،‬أو بدافع األح ّقية التقليدية البن العم في‬
‫خصوصا في منطقة اجلنوب‪ ،‬إذ حترم الفتاة البدوية‬
‫العم‪ .‬وتنتشر ظاهرة زواج األقارب‬
‫الزواج بابنة ّ‬
‫ً‬
‫عائلي أو‬
‫من الزواج في خارج القبيلة‪ ،‬وفي خارج العائلة أحيانًا‪ ،‬لتح ّول موضوع زواجها إلى موضوع‬
‫ّ‬
‫املخصص لتعدّ د الزوجات‬
‫موضوعا شخص ًّيا (املرجع السابق) وفي القسم‬
‫عشائري بدل أن يكون‬
‫ّ‬
‫ً‬
‫ّ‬
‫‪96‬‬
‫ً‬
‫مشترطا موافقته بنوعية‬
‫تظهر النتائج أنّ املجتمع ما زال متف ّهما لزواج الرجل بأكثر من امرأة واحدة‬
‫األسباب التي تدعو إلى ذلك‪ .‬فقد أبدى ‪ 65,1%‬من املستطلعني‪/‬ات تف ّهمهم لزواج الرجل بأكثر‬
‫من امرأة في حال لم تكن املرأة قادرة على اإلجناب‪ .‬وع ّبر ‪ 49,1%‬من املستطلعني‪/‬ات عن تف ّهمهم‬
‫لذلك في حال أصيبت الزوجة مبرض مزمن‪ ,‬كما أبدى ‪ 13,3%‬من املستطلعني‪/‬ات تف ّه ًما لذلك‬
‫إذا كان الرجل يتمتّع بإمكان ّيات مادية‪ ،‬فيما تف ّهم ‪ 10,6%‬من املستطلعني‪/‬ات زواج الرجل بأكثر‬
‫املجتمعي من تعدّ د الزوجات عن‬
‫من امرأة إذا كانت “املرأة” تنجب اإلناث‪ .‬وبهذا‪ ،‬لم يختلف املوقف‬
‫ّ‬
‫املوقف الديني التقليدي‪ ،‬فهو أمر مقبول ضمن شروط مع ّينة‪ .‬وتشير الباحثة إلى أنّ هذا التناغم‬
‫بني الرؤية الدينية التقليدية والرؤية املجتمعية التقليدية ينطلق من احتياجات الرجل بوصفها‬
‫احتياجات مفهومة‪ .‬في املقابل‪ ،‬يقع على كاهل املرأة توفير هذه االحتياجات‪ .‬يش ّرع املوقف املجتمعي‬
‫للرجل‪ ،‬ضمن سياقات مع ّينة‪ ،‬الزواج بأكثر من امرأة‪ ،‬فهو هدفه ومنطلق تكوينته الثقافية (غامن‪،‬‬
‫‪.)2005‬‬
‫يظهر هذا املوقف بوضوح أكبر في أدب ّيات احلركة اإلسالمية‪ ،‬ففي دراسة ميدان ّية تعرضها مج ّلة‬
‫إشراقة‪ ،‬وهي مج ّلة أسرية اجتماعية صادرة عن مؤسسة الرسالة التابعة للحركة اإلسالمية ‪-‬‬
‫الشقّ الشمالي في أم الفحم‪ُ ،‬يعرض تعدّ د الزوجات في أكثر من م ّرة ّ‬
‫كحل ملشاكل مثل “العنوسة”‬
‫و”اخليانات الزوج ّية”‪ .‬ومن األمثلة على ذلك مقابلة أجرتها املج ّلة مع الدكتور سليمان اخلالدي‪،‬‬
‫احملاضر في علم االجتماع والتربية‪ ،‬حول بحثه في ظاهرة العنوسة‪ ،‬حسب تعبير املج ّلة‪ ،‬وكان‬
‫قد أجراه عام ‪ 2004‬وقام فيه بدراسة أسباب املشكلة وازديادها من وجهة نظر إسالمية‪ .‬شمل‬
‫هذا البحث ‪ 320‬فتاة وامرأة من “الوسط العربي املسلم”‪ .‬ووف ًقا لنتائج البحث فإنّ ‪ 84%‬من‬
‫رأين أنّه كلما فسدت األخالق بني أفراد املجتمع ازدادت الظاهرة‪ .‬وبالنسبة إلى‬
‫املستطلعة آراؤهنّ‬
‫َ‬
‫رأين أنّ تعدّ د الزوجات‬
‫احللول املمكنة القائمة‪ ،‬تظهر نتائج البحث أنّ ‪ 28%‬من املستطلعة آراؤهنّ َ‬
‫هو أحد احللول املمكنة‪ .‬ويع ّقب الباحث على هذه النتيجة في املقابلة مع مج ّلة إشراقة قائ ًال‪:‬‬
‫خصوصا‬
‫“طب ًعا‪ ،‬ال أحد يستطيع أن ينكر أن تعدّ د الزوجات من املمكن أن يكون ح ًال لهذه املشكلة‪،‬‬
‫ً‬
‫أنّ اإلسالم والشرع يجيز ذلك‪ ،‬لكن العوائق قائمة ومن بينها العادات والتقاليد والقانون اإلسرائيلي‬
‫يتم التعدّ د بشكل‬
‫الذي ال يسمح بذلك ‪ ...‬من منطقة ألخرى تختلف املعايير‪ ،‬فعند العرب في النقب ّ‬
‫تخص عرب النقب تبينّ ‪ ،‬أنّ ‪ 42%‬من الرجال‬
‫عادي‪ ،‬وحسب دراسة سابقة أجريتها عام ‪2000‬‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫‪40‬‬
‫لديهم أكثر من زوجة” ‪.‬‬
‫وفي عدد آخر من املج ّلة ذاتها ّ‬
‫مت نشر تقرير بعنوان “مهما تعدّ دت األسباب‪ ...‬ال مب ّرر للخيانات‬
‫‪ 40‬مجلة إشراقة‪ :‬مجلة أسرية اجتماعية‪ ،‬ثقافية دعوية صادرة عن مؤسسة الرسالة‪ ،‬أم الفحم‪ ،‬العدد ‪ 73‬سنة ‪ .2007‬ومن اجلدير‬
‫بالذكر أن مديرة هيئة التحرير وهيئة حترير املج ّلة جميعهنّ نساء‪.‬‬
‫‪97‬‬
‫الزوجية”‪ ،‬و ّ‬
‫قصة حقيقية من القصص التي ترد للمجلة عن أحد األزواج الذي وقع‬
‫مت فيه عرض ّ‬
‫حب فتاة ورغب في الزواج بها‪ ،‬خاصة أنه لم يكن سعيدً ا في حياته الزوجية‪ ،‬غير أن أهل الفتاة‬
‫في ّ‬
‫رفضا با ًّتا‪ ،‬األمر الذي أدّى إلى إقامة عالقة جنسية بينهما أجبر أهلها فيما بعد على‬
‫رفضوا ذلك ً‬
‫القبول باألمر الواقع‪ ،‬فز ّوجوه ابنتهم دون شروط من ًعا للفضيحة‪ .‬ويخلص التقرير إلى أنّ “هذه‬
‫القصة التي سردت ّ‬
‫متت معاجلتها بالزواج‪ ،‬إال أنّ هناك الكثير من األزواج الذين توجد لديهم‬
‫ّ‬
‫احتياجات خاصة بهم وهم بحاجة لزوجة ثانية‪ ،‬إال أنّهم ال يجرأون حتى على طلب الزواج‪ ،‬ألن‬
‫سيوف املعارضة سوف تشهر في وجوههم وستنهال عليهم التهم وكأنهم أجرموا‪ ،‬و ُينعت كل من‬
‫يقدم على هذه اخلطوة بالرجل الهامل والعياذ بالله‪ ،‬لذلك يلجأ العديد من األزواج‪ ،‬خاصة الذين ال‬
‫الديني‪ ،‬إلى إقامة عالقات مح ّرمة إلشباع رغباتهم واحتياجاتهم خارج إطار الزواج”‪.41‬‬
‫مينعهم الوازع‬
‫ّ‬
‫إنّ حالة الصدامية البنيوية بني األقل ّية الفلسطينية والدولة وبني اإلنتماء الوطني والعيش في‬
‫الوطني‪ ،‬كما تشير غامن (‪ ،)2004‬تفرز إشكاليات تؤثر على مكانة املرأة‬
‫دولة متّصلة بسلب احللم‬
‫ّ‬
‫مؤسسات الدولة حملاربة العادات التي‬
‫الفلسطينية وأساليب نضالها‪ ،‬وتخلق إشكالية في‬
‫ّ‬
‫التوجه إلى ّ‬
‫مت ّيز ضدّ املرأة‪ .‬وتخلق حالة الصراع املستم ّرة من جهة‪ ،‬والغنب القومي الذي يعيشه الفلسطينيون‬
‫من جهة ثانية شعو ًرا بالعيش في حالة طوارئ قومية دائمة يستدعي حتويل الطاقات إلى القضية‬
‫األساسية‪ ،‬وهي الصراع على احلقوق القومية في مقابل التنازل مرحل ًّيا عن املطالبة باإلصالح‬
‫الداخلي‪ ،‬ويعني ذلك حتويل قضية املرأة إلى قضية ثانوية وغير أساسية‪ .‬وقد بدأ املهت ّمون باملجتمع‬
‫العربي الفلسطيني في الداخل‪ ،‬أخي ًرا‪ ،‬اإلشارة إلى هذه اخلسارة املتواصلة التي تتع ّرض إليها النساء‬
‫ّ‬
‫السياسي الدائر‪.‬‬
‫نتيجة للصراع‬
‫ّ‬
‫حجار (‪ )Hajjar, 1998‬عن هذه الصدامية أثناء خوض التنظيمات النسوية الفلسطينية‬
‫كتبت ّ‬
‫في منتصف التسعينيات نضالهنّ من أجل تعديل القانون الذي أق ّرته الكنيست‪ ،‬والذي طالبت فيه‬
‫التوجه إلى احملاكم املدنية في حاالت الطالق إلى جانب‬
‫مبنح النساء العربيات حرية االختيار في‬
‫ّ‬
‫احملاكم الدينية‪ ،‬كما هو األمر بالنسبة إلى املواطنني اليهود‪ .‬كانت الكنيست قد عدّ لت القانون بحيث‬
‫ّ‬
‫ركز صالحيات احلكم في قضايا العائلة في محكمة القضايا العائلية مستثني ًة بذلك املواطنني العرب‪،‬‬
‫التوجه إلى محكمة العائلة املدنية في معظم القضايا العائلية‪ ،‬مثل النفقة‬
‫رجا ًال ونسا ًء‪ ،‬من إمكانية‬
‫ّ‬
‫التوجه إليه‪،‬‬
‫وحضانة االطفال وتقاسم األمالك‪ ،‬وإبقاء احملاكم الدينية كخيار وحيد أمامهم ميكنهم‬
‫ّ‬
‫يتم التعامل مع النساء فيها بحسب األعراف الدينية للطوائف املختلفة‪ ،‬فتضع النساء‬
‫والتي غال ًبا ما ّ‬
‫ويواجهن بالتالي قوانني مجحفة‪ .‬كان هذا اإلجناز أبلغ تعبير عن‬
‫في مكانة متدنّية مقارن ًة بالرجال‪،‬‬
‫َ‬
‫حالة الصدامية البنيوية‪ ،‬فهو يضع التنظيمات النسوية فيها بني املطرقة والسندان‪ ،‬ويجعل احملاكم‬
‫‪4 1‬‬
‫مجلة إشراقة‪ ،‬العدد ‪ ،79‬تقرير بعنوان «مهما تعدّ دت األسباب‪ ...‬ال مب ّرر للخيانات الزوجية»‪.‬‬
‫‪98‬‬
‫املدنية بدي ًال للمحاكم الدينية ووسيلة للتنوير والتح ّرر في حني ما تزال الهيئة القضائية مبحاكمها‬
‫مم ّثل ًة للسلطة اإلسرائيلية ومساهم ًة في جوانب عدّ ة في الظلم والتمييز اللذين تقترفهما السلطة‬
‫بحق النساء‪.‬‬
‫تعتبر قضية تعدّ د الزوجات أبلغ منوذج على حالة الصدامية تلك‪ .‬وتتج ّلى هذه الصدامية في‬
‫التصريحات التي أطلقها عضو الكنيست عباس زكور‪ ،‬ممثل احلركة اإلسالمية‪ ،‬من على منبر‬
‫ضم ليبرمان للحكومة عام ‪( 2006‬والذي كان قد نعت العرب بأنهم خطر دميوغرافي‬
‫الكنيست‪ ،‬عند ّ‬
‫عربي من إسرائيل وتهجيرهم إلى‬
‫على الدولة‪ ،‬ودعا إلى إجراء عمليات تطهير‬
‫عرقي وطرد مليون ّ‬
‫ّ‬
‫دول عربية)‪ ،‬والتي دعا فيها النساء العربيات إلى إعادة تفعيل دورهنّ الطالئعي في جعل أرحامهنّ‬
‫مصن ًعا إستراتيج ًّيا لإلجناب‪ ،‬كما دعاهنّ إلى تشجيع أزواجهنّ على تعدّ د الزوجات من أجل زيادة‬
‫اإلجناب ومواجهة مشروع ليبرمان‪ .‬وأعلنت جلنة العمل للمساواة في قضايا األحوال الشخصية‪ ،‬في‬
‫بيان أصدرته في هذا الشأن‪ ،‬أنّ تصريحات النائب زكور هي عينها ٌ‬
‫مثال للشرعية التي ّ‬
‫تغذي هذه‬
‫ووجهت اللجنة عناية‬
‫الظاهرة املتفاقمة في مجتمعنا‪ ،‬والتي تنظر إلى الزواج كوسيلة للتكاثر فقط‪ّ .‬‬
‫النائب زكور إلى أنّ املرأة هي شريكة في العالقة الزوج ّية‪ ،‬وليست مج ّرد رحم لإلجناب‪ ،‬وأن التعامل‬
‫مع املرأة على أنها مخلوق ك ّرست حياتها لإلجناب ولتربية األطفال يشتمل على إساءة للمرأة وللدور‬
‫الفاعل الذي تقوم به في مجاالت احلياة املختلفة”‪ 42.‬كما استنكرت حركة السوار النسوية العربية‬
‫لدعم ضحايا االعتداءات اجلنسية هذه التصريحات‪ ،‬وأشارت في بيانها إلى أنّه “ليس جديدً ا قصر‬
‫دور النساء في العمل السياسي والنضالي باألرحام‪ ،‬فما أكثر ما أشارت املشاريع السياسية وحتى‬
‫التحررية منها إلى دور املرأة اإلجنابي‪ ،‬وأحيانًا ُحصرت املرأة في هذا الدور”‪ .‬وتابع البيان مشي ًرا أنّ‬
‫مقوالت الس ّيد زكور “ال تشدّ د على كرامة األفراد وال على رفاه ّيتهم‪ ،‬وال تعزّز قدرتهم على العطاء‬
‫من أجل مجتمعهم وال حتترم فردان ّيتهم”‪ .‬وأضاف البيان أن محاربة الفاشية والعنصرية تأتي بنضال‬
‫النساء والرجال والوقوف في وجه الظلم واالضطهاد وفي تطوير املشروع السياسي عند فلسطينيي‬
‫‪43‬‬
‫الداخل من خالل بناء مجتمع تقدّ مي‪ ،‬ميلك وع ًيا للمصلحة العامة والتزا ًما لكافة أبنائه وبناته‪.‬‬
‫ بيان للصحافة صادر عن جلنة العمل للمساواة في قضايا األحوال الشخصية‪ ،‬بتاريخ ‪.2006-11-3‬‬
‫‪42‬‬
‫موقع أمان‪ -‬املركز العربي للمصادر واملعلومات حول العنف ضد املرأة‪ .‬مقال بعنوان‪'' :‬حركة السوار ترفض تصريحات‬
‫‪43‬‬
‫النائب زكور التي اعتبر فيها املرأة مصن ًعا إستراتيج ًّيا لإلجناب''‪.‬‬
‫‪99‬‬
100
‫الفصل الثاني‪ :‬منهجية البحث‬
‫أسئلة البحث املركزية‪:‬‬
‫كيف ميارس املجتمع الفلسطيني في دولة إسرائيل تعدّد الزوجات‪،‬‬
‫وكيف يتعامل مع هذه الظاهرة؟‬
‫ما هي األسباب التي تش ّرع هذه الظاهرة؟ وما هي املؤثرات التي تساهم في بلورة هذه املواقف؟‬
‫ما هي العوامل التي تك ّرس استمرارها؟ وما هو دور املوروث االجتماعي‪ ،‬املبنى البطريركي للمجتمع‬
‫املؤسسة الدينية وموقفها من الظاهرة ومن‬
‫الفلسطيني وعالقات القوى بني النساء والرجال‪ ،‬دور ّ‬
‫املؤسسة احلاكمة ومنظومة القوانني ومدى تطبيقها‪ -‬في تعاظم‬
‫تطبيق القانون اإلسرائيلي‪ ،‬موقف ّ‬
‫هذه الظاهرة ؟‬
‫منهجية البحث‬
‫اختيار الع ّينة‬
‫النوعي‪ ،‬واعتمد آل ّيتني‪ :‬مقابالت مفتوحة ومع ّمقة‪ ،‬ومجموعات بؤرية‪.‬‬
‫ا ّتبع البحث منهجية البحث‬
‫ّ‬
‫استخدمت املقابالت املفتوحة للنساء والرجال‪ .‬ويتّبع البحث طريقة التاريخ الشخصي للحياة (‪Life‬‬
‫‪ )History‬وذلك بالتركيز على الدالالت واملعاني التي تقف خلف احلقائق املوضوعية‪ ،‬وتخصيص‬
‫االهتمام مبا يعرضه املشاركون واملشاركات‪ ،‬من وجهة نظرهم‪/‬هنّ اخلاصة‪ ،‬وما يتض ّمنه ذلك من‬
‫تفسيرات يرونها للمراحل املتعاقبة لتط ّورهم‪/‬نّ ونشأتهم‪/‬نّ ‪.‬‬
‫املقابالت املع ّمقة‪ّ :‬‬
‫مت إجراء تسع عشرة مقابلة مع ّمقة ومفتوحة‪ .‬اثنتا عشر من بينها أجريت مع‬
‫ثمان من هذه املقابالت أجريت مع نساء ُتعتبر ّ‬
‫كل واحدة‬
‫زوجات يعشن في زواج متعدّ د الزوجات‪ٍ :‬‬
‫جن من رجل متز ّوج‪.‬‬
‫منهنّ “الزوجة األولى”‪ ،‬ومع أربع نساء ُي‬
‫عتبرن “زوجات ثانيات”‪ ،‬أي أنّهن تز ّو َ‬
‫َ‬
‫أ ّما الرجال فقد ّ‬
‫مت إجراء سبع مقابالت مع رجال متز ّوجني من أكثر من امرأة‪.‬‬
‫‪101‬‬
‫أجريت هذه املقابالت مع رجال ونساء من مختلف املناطق اجلغرافية في البالد‪ .‬توزّعت املقابالت‬
‫التي أجريت مع النساء كما يلي‪ :‬أربع مقابالت مع نساء من منطقة النقب‪ ،‬خمس مقابالت مع نساء‬
‫من منطقة اجلليل املركزي‪ ،‬مقابلتان مع امرأتني من منطقة اجلليل الشمالي‪ ،‬ومقابلة مع امرأة من‬
‫منطقة املث ّلث‪ .‬أ ّما الرجال فقد ّ‬
‫مت إجراء ثالث مقابالت مع رجال من منطقة النقب‪ ،‬وثالث مقابالت‬
‫مع رجال من منطقة اجلليل‪ ،‬ومقابلة واحدة مع رجل من منطقة املث ّلث‪ .‬وقد مت إجراء جميع املقابالت‬
‫خالل عام ‪.2009‬‬
‫احملاور املركزية في املقابالت التي أجريت مع النساء‪:‬‬
‫‪ )1‬اخللفية العائلية للزوجة قبل الزواج‪ :‬مولدها‪ ،‬نشأتها‪ ،‬طفولتها‪ ،‬املوارد واإلمكانات والفرص التي‬
‫أتيحت لها تعليم ًّيا ومهن ًّيا‪.‬‬
‫‪ )2‬قصة الزواج‪ :‬قرار الزواج‪ ،‬مفهومها للحياة الزوجية‪ ،‬حياتها الزوجية‪ ،‬االستقاللية االقتصادية‬
‫واالجتماعية التي تتمتّع بها‪ ،‬مستوى املشاركة ودورها في اتخاذ القرارات املتع ّلقة بحياتها الزوجية‪.‬‬
‫‪ )3‬الزوجة األولى‪ -‬العيش كامرأة لزوج له زوجة‪/‬ات أخرى‪/‬يات‪ :‬األسباب التي تعزوها النساء‬
‫لزواج أزواجهنّ ‪ ،‬ور ّد فعل الزوجة على قرار زوجها الزواج من امرأة أخرى‪ ،‬وموقفها في التعاطي‬
‫مع الواقع‪.‬‬
‫‪ )4‬الزوجة الثانية‪ -‬األسباب التي دفعت الزوجة الثانية للقبول بالزواج من رجل متز ّوج‪ ،‬وكيف ّية‬
‫شجع؟ من عارض؟ من اتخذ القرار؟‬
‫اتخاذ القرار بالزواج من رجل متز ّوج‪ :‬دوافعه‪ ،‬من ّ‬
‫‪ )5‬الصعوبات الذاتية واملجتمعية التي تواجهها النساء بعد الزواج‪ ،‬وموقف احمليطني بها من وضع ّيتها‪،‬‬
‫وتأثيره في تعاطيها مع هذه الوضعية‪.‬‬
‫‪ )6‬انعكاس هذه الصعوبات على احلياة األسرية وعلى األطفال‪.‬‬
‫‪ )7‬العوائق التي تقف في وجه النساء في التصدّ ي لهذه الوضعية‪ ،‬واملوارد التي حتتاج إليها النساء‬
‫والتي من املمكن أن ّ‬
‫متكنهنّ من مواجهة هذه الوضعية بطرق مختلفة (من وجهة نظر النساء‬
‫أنفسهنّ )‪.‬‬
‫‪102‬‬
‫احملاور املركزية في املقابالت التي أجريت مع الرجال‪:‬‬
‫اخللف ّية العائلية واالجتماعية‪ :‬مولده‪ ،‬طفولته‪ ،‬نشأته واملوارد واإلمكان ّيات التي أتيحت له مهن ًّيا‬
‫كرجل وكزوج‪.‬‬
‫وتعليم ًّيا‪ .‬موقعه االقتصادي واملوارد املادية التي ميلكها‬
‫ٍ‬
‫قرار الزواج األ ّول‪ ،‬ومفهوم الزواج واحلياة الزوج ّية لديه‪.‬‬
‫خاص‪ ،‬والدوافع التي يعزوها الزوج لقرار‬
‫موقف الرجل من تعدّ د الزوجات ومن تعدّ د زوجاته بشكل ّ‬
‫شجعته على اتخاذ هذه اخلطوة‪.‬‬
‫زواجه الثاني؟ العوامل التي ّ‬
‫شجعه؟ َمن حاول التأثير عليه للعدول عن هذه اخلطوة؟ موقعه‬
‫موقف املجتمع من قراره‪َ ،‬من ّ‬
‫وكزوج وتأثيرها في اتخاذ قراره‪.‬‬
‫كرجل‬
‫االقتصادي واملوارد املادية التي ميلكها‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫كزوج وأب‪ ،‬ورأيه في مدى تأثير‬
‫العيش كزوج لعدّ ة زوجات‪ :‬االمتيازات والصعوبات التي يواجهها ٍ‬
‫تعدّ د زيجاته على حياته األسرية وعلى األطفال‪.‬‬
‫املجموعات البؤرية‪:‬‬
‫ّ‬
‫مت إجراء خمس مجموعات بؤرية‪ .‬جزء من هذه املجموعات تض ّمن مشاركات من مختلف مناطق‬
‫البالد‪ ،‬وجزء آخر كان على مستوى مح ّلي وكانت املشاركات فيه من املنطقة اجلغرافية نفسها أو من‬
‫البلدة نفسها‪.‬‬
‫‪ )1‬مجموعة نساء عزباوات في مدينة الناصرة‪.‬‬
‫‪ )2‬مجموعة نساء «ر ّبات بيوت» قطرية من مناطق الشمال واملثلث ومنطقة حيفا‪.‬‬
‫‪ )3‬مجموعة نساء «ر ّبات بيوت» في قرية اللقية في النقب‪.‬‬
‫‪ )4‬مجموعة «ربات بيوت» في مدينة الناصرة‪.‬‬
‫‪ )5‬مجموعة ع ّمال‪/‬ات اجتماعيني‪/‬ات من منطقة الناصرة‪.‬‬
‫‪103‬‬
‫احملاور األساسية في املجموعات البؤرية‪:‬‬
‫موقف املشاركني‪/‬ات من تعدّ د الزوجات‪.‬‬
‫األسباب التي يرون أنّها شرعية ومقبولة لتعدّ د الزوجات‪ ،‬ومدى تق ّبلهم‪/‬نّ لهذه األسباب‪.‬‬
‫الشروط التي يعتقدون أنّها في حال وجودها ّ‬
‫متكن من إقامة عائلة متعدّ دة الزوجات وجتعلها أم ًرا أسهل‪.‬‬
‫موقف املشاركني‪/‬ات من القانون اإلسرائيلي الذي يعاقب جنائي ًا الرجل على تعدّ د الزوجات‪.‬‬
‫موقف املشاركني‪/‬ات من قضايا أخرى تتع ّلق بحقوق النساء‪ ،‬كالتع ّلم‪ ،‬العمل‪ ،‬احل ّريات الشخص ّية‪.‬‬
‫سير البحث‪:‬‬
‫ّ‬
‫تقصي نساء ورجال من مختلف مناطق البالد باالستعانة بناشطني‪/‬ات في مجاالت العمل‬
‫مت ّ‬
‫اجلماهيري واجلمعيات األهلية في مناطق مختلفة‪ ،‬ومن خالل اتصاالت هاتفية معهم ّ‬
‫مت عرض‬
‫البحث وأهدافه ومنطلقاته‪ ،‬مع التشديد على احملافظة التامة على السرية‪ .‬لقد أبدى الكثير من‬
‫النساء والرجال حت ّفظاتهم‪ ،‬ورفضوا املشاركة‪ ،‬وكانت هذه الصعوبة بارزة بشكل أكبر لدى الرجال‪.‬‬
‫جز ٌء من الرجال كان قد ّ‬
‫مت فحص استعدادهم للمشاركة من قبل الزوجات اللواتي مت إجراء مقابالت‬
‫معهنّ ‪ ،‬غير أنّهم رفضوا‪ .‬وجز ٌء آخر من الرجال ته ّربوا بشكل غير مباشر بحجج مختلفة‪ ،‬ودون‬
‫أيضا عن‬
‫ذكر سبب معينّ ‪ .‬أ ّما النساء اللواتي‬
‫رن هنّ ً‬
‫أبدين موافقتهنّ على إجراء املقابلة‪ ،‬فقد ع ّب َ‬
‫َ‬
‫يتم الكشف عن هو ّياتهنّ الشخصية قد ظهر خالل املقابلة أو‬
‫تخ ّوفهنّ ‪ ،‬وكان هاجس بعضهنّ في أن ّ‬
‫التوجس‪ ،‬وعن خشيتهنّ في أن تتس ّبب‬
‫عند نهايتها‪ ،‬وقد ع ّبر العديد من النساء املشاركات عن هذا‬
‫ّ‬
‫هذه املقابالت في تدمير حياتها أو هدم بيتها‪ .‬في املقابل‪ ،‬لم يبدِ الرجال الذين وافقوا على املشاركة‬
‫في البحث تخ ّوفهم من استخدام املقابالت ومضمونها في البحث‪ .‬كان من الواضح أنّ استعداد‬
‫الرجال من منطقة النقب للمشاركة في البحث أكبر‪ ،‬ويبدو أنّ هذا األمر مردّه النسب العالية التي‬
‫علني ودون ارتياب كممارسة‬
‫تنتشر فيها ظاهرة تعدّ د الزوجات هناك‪ ،‬والتي ّ‬
‫يتم التعامل معها بشكل ّ‬
‫مقبولة مجتمع ًّيا‪.‬‬
‫ّ‬
‫أي شخص‪ ،‬وفي ظروف تضمن‬
‫مت التأكيد على إجراء املقابلة بشكل‬
‫فردي ودون حضور ّ‬
‫ّ‬
‫اخلصوصية‪ ،‬ومن دون وجود تشويشات خارجية‪ .‬امتدّ ت املقابالت ما بني ساعة – ساعة ونصف‬
‫الساعة‪ ،‬وفي م ّرات قليلة جتاوزت املقابلة هذه املدّ ة واستم ّرت ساعتني ‪ .‬جرى قسم من هذه املقابالت‬
‫في منازل الزوجات في أوقات وجود الزوجة وحدها في البيت‪ ،‬و ّ‬
‫مت إجراء مقابلتني مع زوجتني في‬
‫‪104‬‬
‫مكاني عملهما‪ ،‬أما القسم الثاني فقد جرى خارج منازلهنّ ‪ ،‬وذلك لكون املنزل ح ّيزًا متو ّت ًرا ال تستطيع‬
‫النساء فيه التعبير عن أنفسهنّ بشكل مريح‪ ،‬وكبديل ّ‬
‫خصصوا لنا‬
‫متت االستعانة مبنازل أقارب ّ‬
‫مكانّا ننفرد فيه‪ .‬أ ّما الرجال فقد ّ‬
‫مت إجراء خمس مقابالت معهم في مكان عملهم‪ ،‬ومقابلتني في‬
‫منازلهم‪.‬‬
‫‪105‬‬
106
‫الفصل الثالث‬
‫نتائج البحث‪:‬‬
‫املقابالت املع ّمقة مع النساء‪:‬‬
‫قائمة بتفاصيل النساء العامة ( األسماء مستعارة)‬
‫االسم‬
‫السنّ‬
‫سنوات‬
‫التع ّلم‬
‫السنّ‬
‫عند‬
‫الزواج‬
‫عدد‬
‫سنوات‬
‫الزواج‬
‫عدد‬
‫األوالد‬
‫العمل‬
‫السكن‬
‫مي‬
‫‪42‬‬
‫‪-12‬ثانوي‬
‫‪17‬‬
‫‪25‬‬
‫‪5‬‬
‫مر ّبية‬
‫زهرة‬
‫‪63‬‬
‫‪0‬‬
‫‪16‬‬
‫‪46‬‬
‫‪1‬‬
‫ر ّبة منزل‬
‫عليا‬
‫‪36‬‬
‫‪10‬‬
‫‪21‬‬
‫‪13‬‬
‫‪3‬‬
‫ر ّبة منزل‬
‫ندى‬
‫‪35‬‬
‫‪8‬‬
‫‪14‬‬
‫‪21‬‬
‫‪4‬‬
‫ر ّبة منزل‬
‫فاطمة‬
‫جنوى‬
‫زهى‬
‫جميلة‬
‫‪44‬‬
‫‪42‬‬
‫‪52‬‬
‫‪44‬‬
‫‪0‬‬
‫‪3‬‬
‫‪0‬‬
‫‪8‬‬
‫‪14‬‬
‫‪21‬‬
‫‪17‬‬
‫‪21‬‬
‫‪24‬‬
‫‪21‬‬
‫‪32‬‬
‫‪23‬‬
‫‪12‬‬
‫‪3‬‬
‫‪8‬‬
‫‪8‬‬
‫سلمى‬
‫‪42‬‬
‫‪15‬‬
‫‪38‬‬
‫‪9‬‬
‫‪2‬‬
‫ر ّبة منزل‬
‫ر ّبة منزل‬
‫ر ّبة منزل‬
‫ر ّبة بيت‬
‫مديرة‬
‫مؤسسة‬
‫ّ‬
‫حضانات‬
‫اجلليل‬
‫املركزي‬
‫اجلليل‬
‫املركزي‬
‫اجلليل‬
‫األعلى‬
‫اجلليل‬
‫األعلى‬
‫النقب‬
‫النقب‬
‫النقب‬
‫النقب‬
‫وهيبة‬
‫‪37‬‬
‫‪13‬‬
‫‪26‬‬
‫‪15‬‬
‫‪8‬‬
‫ر ّبة منزل‬
‫سمية‬
‫‪41‬‬
‫‪9‬‬
‫‪23‬‬
‫‪16‬‬
‫‪4‬‬
‫ر ّبة منزل‬
‫شمس‬
‫‪33‬‬
‫‪10‬‬
‫‪20‬‬
‫‪13‬‬
‫‪3‬‬
‫معتنية‬
‫باملسنّني‬
‫‪107‬‬
‫املث ّلث‬
‫اجلليل‬
‫املركزي‬
‫اجلليل‬
‫املركزي‬
‫اجلليل‬
‫األعلى‬
‫املعمقة مع النساء والرجال حسب‬
‫ّ‬
‫سيتم عرض نتائج املقابالت ّ‬
‫احملاور األساس ّية‪:‬‬
‫احملور األ ّول‪ :‬نشأة النساء‬
‫متوسط عمر املشتركات هو اثنان وأربعون عا ًما‪ .‬تراوح أعمار أغلبيتهنّ ما بني ‪44-33‬‬
‫يظهر أنّ‬
‫ّ‬
‫عا ًما باستثناء اثنتني هما زهرة البالغة من العمر ‪ 63‬عا ًما وزهى البالغة من العمر ‪ 52‬عا ًما‪ .‬وفي‬
‫وأساسي في خلف ّياتهنّ الشخصية‪،‬‬
‫التركيز على عدد سنوات تع ّلم النساء املشاركات كمورد حاسم‬
‫ّ‬
‫ني دراستهنّ الثانوية‪.‬‬
‫ُتظهر النتائج أنّ عدد سنوات تع ّلم غالبية النساء قليلة‪ ،‬وأن أغلبيتهنّ لم ينه َ‬
‫هناك ثالث نساء فقط من بني املشتركات أنهني دراستهنّ الثانوية‪ ،‬امرأة واحدة من بينهنّ فقط‬
‫وهي سلمى حاصلة على اللقب األ ّول في موضوع التربية‪ ،‬باإلضافة إلى استكماالت أخرى في مجال‬
‫الطفولة‪ .‬أ ّما وهيبة فقد أنهت املرحلة الثانوية وتل ّقت دورة في أحد املعاهد في مجال الديكور‪ .‬أما‬
‫نب‬
‫املرأة الثالثة فهي مي وقد أنهت دراستها الثانوية بعد زواجها‪ .‬في حني أن هناك ثالث نساء لم يذه َ‬
‫أبدً ا إلى املدرسة‪ ،‬اثنتان منهنّ بدو ّيتان تعيشان في منطقة النقب (املرأة الثالثة من النقب لم تذهب‬
‫إلى املدرسة سوى ‪ 3‬سنوات) وهما زهى وفاطمة‪ ،‬في حني تأتي زهرة من إحدى قرى الشمال‪ .‬أ ّما‬
‫باقي املشتركات فتراوح سنوات تع ّلمهن بني ثماني إلى عشر سنوات‪.‬‬
‫ال ميكننا التط ّرق إلى حيوات النساء املشاركات واللواتي يعشن في منظومة زواج متعدّ د الزوجات‬
‫دون التو ّقف أ ّو ًال عند نشأتهنّ وتنشئتهنّ وفهم اإلمكانيات واملوارد التي أتيحت لهنّ منذ صغرهنّ ‪،‬‬
‫والتي تلعب دو ًرا مركز ًّيا في بلورة شخص ّياتهنّ ووعيهنّ ‪ ،‬وبالتالي خياراتهنّ ‪ ،‬ويقف على رأس ذلك‬
‫قض ّية التعليم‪ .‬إنّ التط ّرق إلى قصص النساء املشاركات وإلى طفولتهنّ واملوارد التي أتيحت لهنّ‬
‫منذ صغرهنّ فتحت األبواب على مصراعيها عند مدخل البحث للقمع املزدوج الذي تعيشه النساء‬
‫األبوي وموروثه االجتماعي الذي يتعامل مع املرأة‬
‫الفلسطينيات في دولة إسرائيل بسبب املجتمع‬
‫ّ‬
‫بدون ّية وبوصفها ّ‬
‫املنهجي جتاه األقل ّية القومية التي تنتمي‬
‫أقل مرتب ًة من الرجل‪ ،‬وكذلك لقمع الدولة‬
‫ّ‬
‫إليها‪ .‬يظهر أن هذا التقاطع قد أدّى إلى حرمان معظم النساء املشاركات من التع ّلم‪.‬‬
‫إنّ انعدام املساواة اجلندر ّية ومحدودية املوارد التي أتيحت لهنّ في طفولتهن ظهرا واضحني متا ًما‪،‬‬
‫يتم التركيز من قبل العائلة النواة‪ ،‬لدى معظم املشتركات‪ ،‬على التع ّلم كقيمة عليا ومه ّمة‪،‬‬
‫إذ لم ّ‬
‫‪108‬‬
‫حرمن‪ ،‬في أغلبيتهنّ ‪ ،‬من فرصة التع ّلم بشكل مباشر لكونهنّ من اإلناث‪ ،‬ومن منطلق التعامل‬
‫وقد‬
‫َ‬
‫ّ‬
‫كأقل مرتبة من الذكور‪ .‬ولذلك‪ ،‬فعندما تعود زهرة إلى الوراء سنوات كثيرة‪ ،‬فهي تبلغ من‬
‫معهنّ‬
‫العمر اليوم ثالثة وستّني عا ًما‪ ،‬تع ّبر عن ذلك بقولها‪“ :‬أنا من ّملا وعيت ما تع ّلمت إشي‪ ،‬كنت‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫عالصف األ ّول ما خ ّلوني‪ ،‬وض ّليتني أشتغل‪ ،‬ك ّنا فالحني ‪..‬‬
‫بالصف البستان‪ ،‬بدّ ي أفوت‬
‫أمي تروح عالفالحة وأنا أضل بالبيت”‪.‬‬
‫ّ‬
‫ورغم أنّ زهرة تعتبر أكبر املشاركات س ّنًا‪ ،‬ورغم أنّ حرمانها من التع ّلم كان أم ًرا سائدً ا في‬
‫توجه مشابه لدى‬
‫حينه‪ ،‬إال أنّ املشاركات األخريات من الشابات صغيرات السنّ أشرن كذلك إلى ّ‬
‫عائالتهن في قضية تعليمهنّ ‪ .‬فرغم التحسن امللحوظ الذي طرأ منذ منتصف السبعينيات‪ ،‬والذي‬
‫واجهن ظرو ًفا معيقة لتع ّلمهنّ ‪،‬‬
‫ُترجم بارتفاع ملحوظ في نسبة تع ّلم الفتيات‪ ،‬إال أنّ معظم املشاركات‬
‫َ‬
‫ووصفن ظرو ًفا مشابه ًة ّ‬
‫مت فيها حرمانهنّ من التع ّلم‪ .‬فندى التي تبلغ من العمر خمسة وثالثني عا ًما‪،‬‬
‫َ‬
‫والتي ولدت وترعرعت في إحدى قرى الشمال‪ ،‬تع ّلمت حتى الصف الثامن فقط‪ ،‬و ّ‬
‫مت تزويجها وهي‬
‫في الرابعة عشرة من عمرها رغ ًما عنها‪ ،‬ومع زواجها لم تعد قادرة على التفكير في التع ّلم‪ ،‬بل ص ّبت‬
‫ّ‬
‫كل طاقاتها في محاولة النجاح في الدور الذي ألقي عليها كزوجة وكأ ّم‪.‬‬
‫كذلك هي حال عليا‪ ،‬فقد نشأت في مدينة تو ّفرت فيها األطر التعليمية في مكان سكناها‪ .‬أنهت‬
‫عليا الصف العاشر ولم تواصل تع ّلمها لقرار والدها وقفه‪ ،‬وتفضيله عدم خروجها من البيت ملا‬
‫يحمله ذلك من مخاطر على سمعتها‪ ،‬فتقول‪“ :‬أبوي كان صعب شوي‪ .‬ق ّلي خلص أقعدي‬
‫بالبيت‪ ،‬كان خايف علينا من السمعات إللي منسمعها”‪.‬‬
‫وكذلك األمر بالنسبة إلى جميلة‪ ،‬وهي في الرابعة واألربعني من العمر‪ ،‬وقد ولدت وترعرعت حتى‬
‫زواجها في مدينة الرملة قبل انتقالها إلى منطقة النقب‪ .‬تع ّلمت جميلة حتى الصف الثامن‪ ،‬وهي‬
‫أمي مرضت‪ ،‬يعني بيني وبينك عجزت وبطلت تقدر متشي‬
‫تقول‪“ :‬أبوي ط ّلعني إلنه ّ‬
‫َ‬
‫وخواتي وإخوتي كانوا زغار‪ ،‬كنت حابة أكمل تعليمي‪ ،‬بس فش نصيب‪ ،‬بتعرفي ملا فش‬
‫حدا يقوم بالبيت مش ضرورة إنك تتع ّلمي”‪ .‬حرمت جميلة من مواصلة تع ّلمها ألنّ والدها‬
‫ألقى عليها دور العناية بوالدتها من منطلق كونها فتاة ومن منطلق عدم اإلميان بأنّ التع ّلم حقّ‬
‫أساسي ال ميكن انتزاعه‪.‬‬
‫ّ‬
‫وترعرعن في قرى غير معترف بها في منطقة اجلنوب (جنوى‬
‫أ ّما النساء املشتركات اللواتي نشأن‬
‫َ‬
‫اجلندري من داخل‬
‫واجهن‪ ،‬إلى جانب التمييز‬
‫وزهى وفاطمة)‪ ،‬وكذلك في الشمال (شمس)‪ ،‬فقد‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫أسرهنّ ‪ ،‬افتقار قراهنّ إلى مدارس‪ ،‬وانعدام األطر التعليمية القريبة من منطقة سكناهنّ ‪ ،‬األمر‬
‫‪109‬‬
‫الذي حال دون دخولهنّ املدرسة‪ ،‬أو أدّى إلى قطع تع ّلمهنّ ‪ .‬جتيب زهى‪ ،‬ابنة الثانية واخلمسني‪ ،‬التي‬
‫لم تذهب بتا ًتا إلى املدرسة لعدم وجود مدرسة في قريتها قائلة‪:‬‬
‫“وال خشيتها املدرسة‪ ،‬بتمنى لو إني قريتلي كم سنة‪ ،‬وألنه في كتير ناس ما بح ّبوا‬
‫يع ّلموا البنت‪ ،‬الولد آه بس البنت ال‪ ،‬يعني إخواني راحوا عاملدرسة بس البنات ال”‪ .‬قام‬
‫والد زهى بإرسال أوالده الذكور للتع ّلم خارج القرية‪ ،‬أ ّما زهى وأخواتها من البنات فلم يكن واردًا‬
‫باحلسبان خروجهنّ خارج حدود القرية‪ ،‬وذلك لكونهنّ من اإلناث‪.‬‬
‫اليومي‬
‫في العائالت غير احملظوظة اقتصاد ًّيا وثقاف ًّيا‪ ،‬غال ًبا ما تواجه الفتيات في جتاربهنّ وعيشهنّ‬
‫ّ‬
‫اجلنسي الصارخ‪ ،‬ف ُي َّ‬
‫فضل األخوة الذكور عليهنّ ‪ ،‬وتمُ ارس‬
‫ضن إلى التمييز‬
‫العراقيل واملع ّوقات‪ ،‬ويتع ّر َ‬
‫ّ‬
‫أيضا‪ ،‬خاصة عندما يتع ّلق االمر باخلروج للفضاء العام‪.‬‬
‫على البنات السلطة والهيمنة‪ ،‬وأحيانًا العنف ً‬
‫اخلارجي‬
‫عمل ًّيا‪ ،‬حرمت جميع النساء املشاركات من الوسائل احلاسمة في املعرفة والتواصل مع العامل‬
‫ّ‬
‫تتم ممارسة مختلف‬
‫نتيجة توليفة محكمة من القمع‬
‫ّ‬
‫البنيوي املمارس عليها‪ ،‬كجزء من أقلية عربية ّ‬
‫السياسات العنصرية جتاهها‪ .‬تتج ّلى هنا هذه السياسات‪ ،‬بوضوح‪ ،‬في عدم اعتراف الدولة بالعديد‬
‫من القرى العربية في مختلف أنحاء البالد‪ ،‬األمر الذي يعني حرمان هذه القرى من أبسط اخلدمات‪،‬‬
‫كاملياه والكهرباء وإقامة األطر املختلفة التي ُتعنى بشؤون السكان صح ًّيا وتعليم ًّيا‪ .‬لم تو ّفر الدولة‬
‫األطر التعليمية األساس ّية في القرى غير املعترف بها‪ ،‬وقد أدّى ذلك إلى حرمان العديد من النساء‬
‫من احلقّ في التع ّلم كحقّ‬
‫أساسي من حقوق اإلنسان‪ .‬ترفض الدولة االعتراف بهذه القرى كجزء‬
‫ّ‬
‫من عملية منهجية تهدف إلى إخالء هذه املناطق وتفريغها من ّ‬
‫سكانها األصالنيني‪ ،‬وتوسيع املشروع‬
‫األبوي الذي تعيشه النساء في مجتمع ذي‬
‫االستيطاني اليهودي فيها‪ .‬ويتقاطع هذا القمع مع القمع‬
‫ّ‬
‫ويتم‪ ،‬باستمرار‪ ،‬تفضيل‬
‫بنية هرمية مهيكلة كاملجتمع‬
‫العربي‪ ،‬تتموقع النساء فيها في مرتبة دونية‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫الذكور عن اإلناث‪ .‬تع ّبر طفولة جنوى التي تبلغ من العمر اليوم اثنني وأربعني عا ًما عن ذلك‪ ،‬وهي‬
‫تسرد خلف ّية طفولتها قائلة‪:‬‬
‫“تربيت بعيلة كبيرة عندي حداعشر أخ وأخت‪ ،‬وعشنا منعزلني بعاد عن املدينة‬
‫حسب شغل أبوي‪ ،‬والعائالت كانت بعاد عن بعض وحاولوا يفتحوا مدرسة قريبة منا بس‬
‫ما نفع‪ ،‬وفي منهم كانوا يو ّدوا والدهن عاملدن‪ ،‬فأبونا ودا إخواني الصبيان بس البنات ال‪،‬‬
‫وملا انفتحت املدرسة وإلنه كنا بعاد عن بعض كان بدّ ها سيارة‪ ،‬وبديت أروح عاملدرسة‪،‬‬
‫كان عمري تسع سنني واملدرسة كانت لصف سادس‪ ،‬وملا انتقلنا للمدينة‪ -‬لرهط‪ -‬كان‬
‫صرلي زمان مبطلة تعليم وحسيتها صعبة أرجع عصف سابع وأنا كبيرة وما رجعت مع‬
‫إجتوزت”‪.‬‬
‫إني كنت حابة أتعلم وما كان في تعليم للكبار وبعد فترة ّ‬
‫‪110‬‬
‫وتروي شمس التي ولدت وعاشت في إحدى القرى غير املعترف بها في منطقة الشمال خروجها‬
‫للتع ّلم في إحدى القرى القريبة ‪ -‬دير األسد ‪ -‬من قريتها غير املعترف بها‪ ،‬والتي تفتقد إلى األطر‬
‫التعليمية‪ ،‬وإلى ّ‬
‫كل وسيلة مواصالت‪ ،‬وهي تصف رحلة عذاب يومية كانت تعيشها مع زميالتها في‬
‫الذهاب إلى املدرسة‪ .‬تصف شمس ببكاء الطريق الشاقة التي كان عليها السير عليها من قريتها‬
‫احلسينية إلى دير األسد برفقة صديقاتها‪ ،‬والتي كانت حتتاج إلى ساعة ونصف الساعة من السير‬
‫على األقدام‪ ،‬فتقول‪:‬‬
‫“إحنا ربينا على القلة واحلرمان ‪ ..‬ك ّنا نتغ ّلب كتير بالشتا‪ ،‬سيل ومجرى مي‪ ،‬الشارع‬
‫مرة ك ّنا أنا وريتا وخضرة وبدنا نقطع الشارع والشارع بحر وعيونا‬
‫يكون متل البحر‪ ،‬في ّ‬
‫مقزّ زات من كتر البرد‪ ،‬مسكنا بإيدين بعض‪ّ ،‬‬
‫حطينا الشنطات من ورا‪ ،‬واملي تطلع على‬
‫شنطاتنا‪ ،‬مسكنا هيك وصرنا نصرخ ونصرخ حلد ما أجا شاب مش من املنطقة كان مارق‬
‫بالصدفة‪ ،‬ق ّلي وين رايحات يا ويلكو من الله‪ ،‬خ ّليكوا واقفات‪ ،‬أجا مسك إيد ريتا‪ ،‬وق ْلنا‬
‫كلكو إمسكوا بريتا وطلعنا ‪ ..‬وض ّلينا نركض ونركض حتت الشتا‪ ..‬شفنا موتنا بعيوننا ‪..‬‬
‫أنا انحرمت من كل إشي‪ ،‬من مدارس‪ ،‬من كل إشي‪ ،‬من عطف وحنان ‪ ..‬كانوا في بنات‬
‫يروحوا رحالت باملدرسة‪ ،‬أنا واحدة من الناس اللي وال مرة رحت على رحلة إال مرة واحدة‬
‫أمها لريتا تقولها خ ّلي شمس تروح‪ ،‬قولي إلمها إنه‬
‫بصف تاسع على جبل الشيخ‪ ،‬كانت ّ‬
‫مرات‬
‫أنا بدفع عنها بس إمي كانت تقول هي شمس ما بدها‪ ،‬حتى كانت تيجي الرحلة ّ‬
‫إلمي”‪.‬‬
‫وما أقول ّ‬
‫جدا وطمحت في إكمال دراستها‪ ،‬إال أن الضائقة املادية الصعبة‬
‫كانت شمس طالبة مجتهدة ًّ‬
‫ّ‬
‫الصف العاشر‪ ،‬حيث أجريت لوالدها‬
‫التي عانت منها عائلتها اضط ّرتها إلى ترك مقاعد الدراسة في‬
‫عملية جراحية في رجله وتغ ّيبت عن املدرسة لتساعد العائلة في تربية املواشي‪ ،‬وهي مصدر رزق‬
‫العائلة األساسي‪ ،‬وبعد مرور أربعني يو ًما‪ ،‬حاول أحد املع ّلمني أن يساعدها في العودة إلى املدرسة‬
‫موضحا لإلدارة ضائقة العائلة املادية‪ .‬لكن‪ ،‬رفض مدير املدرسة طلبها ألنّ السنة الدراسية كانت‬
‫ً‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫قد أوشكت على االنتهاء‪ ،‬وبذلك توقفت شمس عن التعلم في الصف العاشر ليبقى حلمها بعيدً ا عن‬
‫التح ّقق‪.‬‬
‫ً‬
‫ارتباطا وثي ًقا مبستوى التعليم‪ ،‬حيث أنّ أغلبية النساء لم يحصلن سوى على‬
‫يرتبط العمل‬
‫سنوات قليلة من التع ّلم وانتقلن بعد زواجهنّ ‪ ،‬وقد ُكنّ في سنّ صغيرة‪ ،‬للعمل كر ّبات بيوت‪ .‬ويظهر‬
‫أن من بني اثنتي عشرة مشاركة‪ ،‬كانت هناك اثنتان فقط تعمالن خارج املنزل‪ .‬األولى هي مي التي‬
‫اجلامعي‪ ،‬وكانت من األوائل‬
‫بدأت العمل بعد زواج زوجها‪ ،‬والثانية هي سلمى التي أنهت تع ّلمها‬
‫ّ‬
‫‪111‬‬
‫انخرطن في العمل في مجال الطفولة ّ‬
‫املؤسسات الرسمية احلكومية‪ ،‬وكذلك في‬
‫اللواتي‬
‫َ‬
‫املبكرة في ّ‬
‫مؤسسة‬
‫املؤسسات الرائدة في هذا املجال‪ّ ،‬‬
‫ثم انتقلت إلدارة ّ‬
‫اجلمعيات‪ ،‬فقامت بالعمل في إحدى ّ‬
‫مؤسسة حضانات خاصة قامت على إدارتها قبل‬
‫أخرى في بلدتها‪ ،‬وقد استطاعت بعد ذلك إنشاء ّ‬
‫زواجها وما زالت حتى اليوم‪ .‬أ ّما وهيبة التي كانت تعمل قبل زواجها والتي عملت في مجال اخلياطة‬
‫يعملن في السابق‬
‫فقد توقّفت عن العمل بعد زواجها‪ .‬وبالنسبة إلى بقيّة النساء فهنّ ال يعملن ولم‬
‫َ‬
‫خارج املنزل‪.‬‬
‫احملور الثاني‪ :‬أشكال زواج النساء‬
‫متوسط عمر زواج النساء اللواتي قام زوجهنّ بالزواج من أخرى هو تسعة‬
‫يتّضح من النتائج أنّ‬
‫ّ‬
‫عشر عا ًما‪ .‬ويظهر أنّ الزواج ّ‬
‫املبكر هو سمة مشتركة لهنّ ‪ .‬وتعتبر حالة ندى األكثر تط ّر ًفا إذ قام‬
‫أهلها بتزويجها في سنّ الرابعة عشرة‪.‬‬
‫زواج من خالل العائلة‪:‬‬
‫لقد ّ‬
‫متت معظم الزيجات من خالل العائلة واألهل‪ .‬وقد ّ‬
‫مت بذلك تزويج معظمهنّ ‪ ،‬من رجل لم‬
‫بالتوجه لعائالت املشاركات وحتديدً ا للرجال منهم‪ .‬فقد تز ّوجت زهرة‪،‬‬
‫يكنّ يعرفنَه إطالقا‪ ،‬قام أهله‬
‫ّ‬
‫أكبر النساء س ّنًا بني املشتركات‪ ،‬قبل ‪ 46‬سن ًة من شخص تقدّ م لوالدها‪“ .‬صار عمري ‪ 17‬سنة‬
‫طولت ‪ ..‬أجا بدّ وا يحكي فيي‪ ،‬أعطاه أبوي‪ ،‬أنا ما حكيتش آه أو ال”‪.‬‬
‫‪ ..‬وأنا كبرت ‪ّ ..‬‬
‫في ذلك الوقت استم ّرت خطبتهما تسعة أشهر لم تتبادل فيه احلديث مع خطيبها إطال ًقا إلى أن‬
‫ّ‬
‫مت الزواج‪ .‬وبشكل مماثل‪ ،‬تز ّوجت فاطمة في الرابعة عشرة من شاب يكبرها بثالث سنوات بناء على‬
‫عائلي‪ ،‬حيث قام أهله بالتقدّ م خلطبتها عن طريق بعض الشيوخ واملعارف‪ .‬وكانت جميلة‬
‫ترتيب‬
‫ّ‬
‫في الثامنة عشرة من عمرها عندما تقدّ م خلطبتها شاب يعرفه أخوها‪ ،‬واستم ّرت خطوبتهما سنتني‬
‫حلني ترتيب متط ّلبات الزواج‪ .‬أ ّما جنوى وزهى فقد تز ّوجتا في الواحدة والعشرين من العمر‪ .‬وتعتبر‬
‫زهى أنّ هذا العمر متأخّ ر للزواج بالنسبة للفتاة‪ ،‬لكنّ هذا التأخّ ر يعود ملرض والدتها وحاجة العائلة‬
‫في بقائها لالعتناء بها‪ ،‬األمر الذي تس ّبب في جتميد خطوبة كانت قد ّ‬
‫ثم ّ‬
‫مت فسخ‬
‫متت قبل املرض‪ّ ،‬‬
‫‪112‬‬
‫اخلطوبة‪ ،‬إلى أن تقدّ م لها شاب آخر من خالل عائلته‪ ،‬فتز ّوجته دون التع ّرف عليه كباقي الزوجات‪.‬‬
‫اعتبر الزواج تقليد ًّيا كما يشير بركات (‪ ،)388 :2000‬شأنًا عائل ًّيا ومجتمع ًّيا أكثر من كونه‬
‫شأنًا فرد ًّيا‪ .‬فقد اعتادت العائلة على ترتيبه متجاوزة سعادة الفرد (وخاصة املرأة)‪ ،‬في ضوء مصاحلها‬
‫جتسد األشكال التي ّ‬
‫مت بها زواج النساء املشاركات في هذا البحث البنية‬
‫وطموحاتها ومفاهيمها‪ّ .‬‬
‫مركزي‬
‫الذكورية للمجتمع بعاداته وتقاليده‪ ،‬حيث يعتبر الزواج في بنية كتلك مبثابة ميكانيزم‬
‫ّ‬
‫في تثبيت النظام االجتماعي وتكريس املصالح األبوية‪ .‬في بنية كتلك تز ّوجت غالبية النساء من‬
‫تتم بني طرفني ال صوت‬
‫خالل ترتيبات عائلية تظهر فيها ثقافة الزواج في املجتمع بوصفها “صفقة” ّ‬
‫وال خيار فيها للمرأة‪ .‬عمل ًّيا‪ ،‬إن إمكانيات اخليار غير موجودة أصال في مجتمع يحكمه الفصل بني‬
‫اخلاص‪.‬‬
‫أي لقاء بني امرأة ورجل كمدعاة للشبهات‪ ،‬ويحصر الفتيات في الفضاء‬
‫اجلنسني‪ ،‬ويتعامل مع ّ‬
‫ّ‬
‫تتّخذ النساء في مجتمعنا من األسرة مرجعية أساسية لهنّ ‪ ،‬ألنّ درجة انخراطهنّ في الفضاء العام‬
‫ّ‬
‫أقل‪ ،‬وهو في بعض األحيان مج ّرد مكان للعبور‪ ،‬وليس مكانًا للحياة وللتفاعل‪ .‬في هذا الوضع‪،‬‬
‫يرسم األهل إستراتيجيات مختلفة تتم ّثل في إفساح هامش من احلرية ألبنائهم من الذكور كي يبنوا‬
‫عالقات مع العالم اخلارجي‪ ،‬أو في مراقبة هذه العالقات والسعي إلى إبقاء الفتيات خاصة ضمن حدود‬
‫الفضاء الداخلي‪ .‬ويبقى ارتياد اإلناث للفضاء العام مراق ًبا‪ ،‬األمر الذي يحدّ من قدرتهنّ على اكتساب‬
‫تيسر لهن االستقالل الذاتي‪ ،‬وفي احلاالت املتط ّرفة تعيش الفتاة محاصر ًة من كل‬
‫جتارب اجتماعية ّ‬
‫اجلهات؛ من املجتمع واألسرة‪ ،‬وكذلك من اآلباء واألمهات‪.‬‬
‫تع ّبر زُهى عن ذلك بقولها‪:‬‬
‫“كان زمان مش زي اليوم‪ ،‬ال ييجوا يشوفوا وال هو بيشوف‪ ،‬الله يرحمه أبوه‬
‫(املقصود والد زوجها)‪ .‬حكى مع أبوي وين الزالم بيتالقوا في القهاوي بيحكوا وهيك‪،‬‬
‫وعماتي قالوا هدول الناس كو ّيسني‪ ،‬فقلت‬
‫وإجوا النسوان عنا وشافوني‪ .‬وعمامي ّ‬
‫خلص اللي بتشوفوا كويس”‪.‬‬
‫الزواج كأعالن صلح بني عائلتني ُمتنازعتني‪:‬‬
‫أ ّما ندى الشابة التي تبلغ من العمر اليوم خمسة وثالثني عا ًما فقد تز ّوجت وهي في الرابعة عشرة‬
‫من عمرها‪ .‬تقدّ م شاب خلطبتها من خالل األهل‪ .‬لم تكن ندى ترغب في الزواج في هذا العمر‪ ،‬إال‬
‫أنّ أهلها ضغطوا عليها للقبول‪ .‬وقد جاء هذا الزواج كعالمة إلنهاء عداء بني العائلتني بهدف توطيد‬
‫‪113‬‬
‫العالقات بني الطرفني‪ ،‬وكإعالن إلنهاء النزاعات القائمة ليت ّوج هذا الصلح بزواج يث ّبت العالقات بني‬
‫الطرفني‪ .‬كانت ندى طالبة مجتهدة والمعة في ص ّفها‪ ،‬وكانت ترغب في إكمال دراستها‪ ،‬لكنّ زواجها‬
‫منعها من إكمال حلمها ونقلها‪ ،‬بشكل حادّ‪ ،‬من دور طفلة تخطو اخلطوات األولى نحو بناء ذاتها‬
‫كفتاة ومراهقة‪ ،‬إلى دور زوجة‪ ،‬لتصبح بني ليلة وضحاها زوجة ّ‬
‫بكل ما يتطلبه هذا الدور من نضوج‬
‫وعاطفي‪.‬‬
‫اجتماعي‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫في املجتمعات القائمة على بنية قبل ّية هرمية‪ ،‬كاملجتمع العربي‪ ،‬وهي بنية غير دميقراطية‬
‫مؤسسة الزواج من أكثر‬
‫ومنحازة ضد النساء وصغار السنّ بحكم طابعها األبوي والذكوري‪ُ ،‬تعتبر ّ‬
‫امليكانيزمات التي تعكس عالقات القوى املبنية على إخضاع املرأة للرجل‪ .44‬يه ّيئ املجتمع فتياته‬
‫خالل التنشئة االجتماعية‪ ،‬منذ الصغر‪ ،‬للدور األساسي والوحيد في احلياة‪ ،‬وهو دور الزوجة واألم‪.‬‬
‫ويوظف الزواج ّ‬
‫وال يسمح بتط ّور عالقات خارج إطار الزواج‪ّ ،‬‬
‫املبكر‪ ،‬كآلية اجتماعية عملية إلدراج‬
‫مؤسسة الزواج‪ .‬ومن هذا املنطلق تسير فترة اخلطوبة ضمن حدود‬
‫العالقات اجلنسية في إطار ّ‬
‫واضحة وتقييدات شديدة‪ ،‬تهدف‪ ،‬جميعها‪ ،‬إلى احملافظة على ع ّفة املرأة‪.‬‬
‫قصة زواج ندى هذه البنية بأكثر وجوهها تط ّر ًفا‪ ،‬حني تسرد ما يلي‪:‬‬
‫تص ّور ّ‬
‫“قبل أكثر من عشرين سنة كانت عيلة جوزي بدها أختي وأختي رفضت ومن‬
‫بعدها صار في عداوة مع إنهن كانوا كتير صحاب قبل مع أهلي‪ ،‬بالفترة اللي كانت‬
‫مرات مع جوز أختي اللي هو أخوهن‪،‬‬
‫مقطوعة العالقة بيناتهن كنت أروح اشتغل ّ‬
‫يرجع الصحبة من أ ّول وجديد‪ ،‬أجا عند‬
‫شافني ّ‬
‫عمي (والد زوجها)‪ ،‬وقال إ ّنه بدّ وا ّ‬
‫عمي ما تخافش أنا بحافظلك عليها‪ ،‬بوقتها أنا ما‬
‫أبوي‪ ،‬قاله أبوي إنها زغيرة‪ ،‬قاله ّ‬
‫كنتش معنية باملرة‪ ،‬كنت طالبة شاطرة وكنت حابة أكمل تعليمي ‪ ...‬إحنا املجتمع‬
‫العربي معروف‪ ،‬بقوليلك البنت خلص لبيتها وألوالدها وجلوزها يعني بطلعوش‪،‬‬
‫فش حدا بهتم فيها‪ ،‬شو تقاسيم حياتها‪ ،‬إيش هي بدها”‪.‬‬
‫تز ّوجت ندى من شخص يبلغ من العمر اثنني وعشرين عا ًما‪ ،‬وهي لم تكن تعرفه مطل ًقا من قبل‪،‬‬
‫كما لم تكن تعرف عائلته‪ ،‬وانتقلت للسكن في بلدة أخرى‪ .‬كان الوحيد الذي اعترض على زواج‬
‫ندى هو أحد إخوتها‪ ،‬األمر الذي جعل زوجها فيما بعد يفرض عليها مقاطعته‪ ،‬ويعنّفها جسد ًّيا حني‬
‫يعلم أنّها قامت بالتحدّ ث معه‪.‬‬
‫املهم اإلشارة إلى أنّ املجتمع األبوي يستخدم ميكانيزم الزواج كآلية لتطويع أفراده ليس اإلناث فحسب بل الذكور‬
‫‪4 4‬‬
‫من ّ‬
‫يتم‬
‫منهم ً‬
‫أيضا‪ ،‬وهذا ما يظهر عند التط ّرق إلى أشكال الزواج لدى الرجال في املقابالت معهم‪ ،‬وكانت النتائج متشابهة حيث ّ‬
‫عائلي بني رجال العائلتني‪.‬‬
‫عائلي‪ ،‬وينشأ من خالل ترتيب‬
‫التعامل مع زواج الشاب كأمر‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫‪114‬‬
‫تعارف عابر‪:‬‬
‫املوسعة في حفل‬
‫تع ّرفت مي التي ولدت وترعرعت في إحدى قرى الشمال على شاب من عائلتها ّ‬
‫زواج ألحد أقرباء العائلة‪ ،‬فأعجبا ببعض و ّ‬
‫متت خطوبتهما لبضعة شهور‪ .‬عند الزواج كانت مي تبلغ‬
‫من العمر سبعة عشر عا ًما‪ ،‬وكان زوجها حينها في التاسعة عشرة من العمر‪ .‬انتقلت مي للعيش‬
‫الثانوي وقد أنهت شهادة الثاني عشر بعد الزواج‪ .‬كذلك‬
‫حيث يسكن زوجها‪ ،‬وقامت مبتابعة تع ّلمها‬
‫ّ‬
‫األمر بالنسبة إلى عليا التي تع ّرفت على زوجها من خالل مقابلته بعض امل ّرات لدى إحدى قريباتها‪،‬‬
‫وتقدّ م خلطبتها‪ ،‬وكانت تبلغ من العمر إحدى وعشرين سن ًة‪ ،‬بينما كان هو يكبرها بثالث سنوات‪.‬‬
‫دامت فترة خطوبتهما ثالث سنوات‪ ،‬وبعد الزواج سارت حياتهما الزوج ّية بشكل ج ّيد‪.‬‬
‫في املجمل‪ ،‬لم تستطع النساء التعبير عن تص ّور شامل ملفهوم الزواج‪ ،‬وهذا يعود إلى العديد من‬
‫العوامل‪ ،‬لكن من الواضح أن اخللفية التي عاشتها النساء‪ ،‬وزواجهنّ ّ‬
‫املبكر‪ ،‬يعكسان بظاللهما على‬
‫النمطي‬
‫عدم تطور شخصياتهنّ ‪ ،‬وعدم تط ّور قدرتهنّ على بناء تص ّور للزواج خارج عن التفكير‬
‫ّ‬
‫أسري ّ‬
‫يشكل لها فضاء للتجديد ويساعدها على‬
‫شح املوارد التعليم ّية‪ ،‬وعدم وجود ج ّو‬
‫ّ‬
‫السائد‪ .‬إنّ ّ‬
‫األسري مبثابة حاجز يحدّ من تط ّورها ويك ّرس تبعيتها ّ‬
‫ويعطل‬
‫بناء هوية منفردة‪ ،‬بل إن كون هذا اجلو‬
‫ّ‬
‫مسار االستقالل الذاتي الذي من املفروض أن يقودها لبناء مشروعها الشخصي واألسري اخلاص‬
‫ّ‬
‫بشكل‬
‫مستقل عن األسرة النووية‪ ،‬ك ّلها عوامل جتتمع م ًعا وتخلق ثقافة زواج مش ّوهة ومبتورة‪ .‬لكنّ‬
‫توصلهنّ إلى تعريف‬
‫هذه احملدودية لم متنع النساء من التعبير عن تو ّقعاتهنّ من الزواج رغم عدم ّ‬
‫يتم التفاعل فيها بني‬
‫املعنوي‬
‫كمؤسسة داعمة اجتماع ًّيا وذات ًّيا على الصعيد‬
‫مق ّوماته‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫والرمزي‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫وتشكل منظومة تو ّفر األمان واالرتقاء ألفرادها‪.‬‬
‫الرجل واملرأة من منطلق التفاهم واالحترام‪،‬‬
‫تختصر جميلة هذه النظرة بكلمات قليلة تتشابه فيها بشكل كبير مع ما ع ّبرت عنه األغلب ّية‬
‫بقولها‪:‬‬
‫بتجرب‬
‫“ميكن أ ّول سنتني ما كنتش عارفة كيف احلياة الزوجية بس بعد ما‬
‫ّ‬
‫بتعرف كيف احلياة‪ ،‬والزملة كمان أ ّول ما بتوخديه يعني قبل ما توخدي‬
‫وبتقسى ّ‬
‫بتكونيش تعرفيه على حقيقته‪ ،‬وبعد ما تتجوزي بتبدي تعرفي شوي شوي الزملة‬
‫كيف هو‪ ،‬مع إنو فترة خطبتي قعدت أنا سنتني ونص‪ ،‬خطبت وأنا عمري متاني‬
‫عشر وجتوزت عالعشرين‪ ،‬يعني فترة اخلطبة صار شوية مشاكل وقعدت ست‬
‫أشهر كنت بدي ّ‬
‫أدشر ‪ ...‬بس بعدين مشيت ‪ ...‬كنت بتوقع إ ّنه الزواج يعني أعيش‬
‫علي ويكون في تفاهم بينا”‪.‬‬
‫مع رجل بطبطب علي ويحنّ ّ‬
‫‪115‬‬
‫رغم انحسار ثقافة الزواج لدى النساء املشاركات‪ ،‬وهو ما سيظهر‪ ،‬الح ًقا‪ ،‬بشكل حا ّد أكثر في‬
‫مقابالت الرجال‪ ،‬إال أنّ هذا االنحسار لم يكن حصر ًّيا عليهم‪ ،‬وهو يعكس النظرة السائدة في املجتمع‬
‫العربي‪ ،‬مبعظم أطيافه وتن ّوعاته‪ ،‬ليس لدى “اجليل القدمي” فحسب‪ ،‬بل كذلك لدى شرائح الشباب‬
‫ّ‬
‫بكل ما ميكن أن يحملوه من قيم قد تبدو جديدة وحداث ّية‪ ،‬لكنها حتمل في ط ّياتها منظومة قيم ّية‬
‫إقليمي حديث أجري في سبع‬
‫التقليدي احملافظ‪ .‬أظهر بحث‬
‫تتشابه في جوانب كثيرة في اجتاهها‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫دول عربية ض ّمت البحرين‪ ،‬تونس‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬مصر‪ ،‬لبنان‪ ،‬املغرب واليمن‪ ،‬واشتمل على شريحة‬
‫واسعة من الفتية والفتيات من مختلف الشرائح املجتمعية‪ ،‬لفحص مواقفهم بخصوص قضايا‬
‫عديدة‪ ،‬ومن بينها الزواج‪ ،‬أنه رغم أنّ النظرة إلى الزواج تشهد تغ ّي ًرا مستم ًّرا في املجتمعات العرب ّية‪،‬‬
‫إ ّال أنّ شريحة الشباب العرب ما زالت تتبنّى موق ًفا تقليد ًّيا جتاه الزواج منطلق ًة من أنّ “الزواج‬
‫ملؤسسة الزواج القائم على هدف تكوين األسرة‬
‫نصف الدين”‪ ،‬كقيمة سائدة حتدّ د الدور التقليدي ّ‬
‫واإلجناب‪ .‬وقد ظهر اختالف بني البلدان بخصوص مدى أهمية احلصول على موافقة األهل‪ ،‬ففي حني‬
‫انفتاحا ‪ -‬إلى اعتبار الزواج قرا ًرا فرد ًّيا‪ ،‬فقد أبدى‬
‫نزع الشباب في لبنان وتونس ‪-‬كدولتني أكثر‬
‫ً‬
‫تقليدي ومحافظ أكثر ‪ -‬مي ًال أكثر إلى االهتمام برأي األهل واملساعدة‬
‫الشباب في اليمن ‪ -‬كمجتمع‬
‫ّ‬
‫‪45‬‬
‫في االختيار واالستئناس برأي األ ّم واألب وكبار األسرة‪.‬‬
‫احملور الثالث‪ :‬موقف الزوجة األولى من قرار‬
‫زوجها الزواج من امرأة أخرى‬
‫يتم التمييز في هذا احملور بني عاملني‪ :‬األ ّول‪ ،‬وهو يستعرض األسباب التي تعزيها النساء لزواج‬
‫أزواجهنّ ‪ .‬والثاني‪ ،‬هو ردود فعلهنّ على تعدّ د الزوجات‪ ،‬وأشكال تعاطيهنّ مع هذا التعدّ د من حيث‬
‫الواقع املعاش‪.‬‬
‫األسباب التي تعزيها النساء لزواج أزواجهنّ‬
‫‪46‬‬
‫بحثي إقليمي ونشر في كتاب بعنوان الفتاة العربية املراهقة ‪ -‬الواقع واآلفاق‪ .‬إعداد مركز املرأة‬
‫‪ 45‬البحث أجري من قبل فريق‬
‫ّ‬
‫العربية للتدريب والبحوث ‪ -‬كوثر‪.2007 .‬‬
‫املهم التأكيد هنا على أنّ هذا القسم يتعامل مع األسباب من وجهة نظر الزوجات أنفسهنّ ‪ ،‬وليس األسباب املعلنة ألزواجهنّ ‪.‬‬
‫‪ 46‬من ّ‬
‫‪116‬‬
‫الته ّرب من املسؤول ّيات العائل ّية‪:‬‬
‫تز ّو َج زوج مي من امرأة أخرى بعد أربع عشرة سنة من زواجهما‪ ،‬وقد م ّر على زواجه الثاني إحدى‬
‫عشرة سنة حتى اآلن‪ .‬في حينه‪ ،‬كانت مي ما زالت ر ّبة بيت‪ ،‬وكان زوجها الذي بدأ حياته العمل ّية‬
‫االقتصادي‪.‬‬
‫أيضا‪ ،‬من مستوى حياتهما‬
‫حسن‪ً ،‬‬
‫ّ‬
‫وسع أعماله وأصبح مقاو ًال‪ ،‬األمر الذي ّ‬
‫كحرفي قد ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫في السابق‪ ،‬م ّرت مي وزوجها بظروف مادية صعبة‪ ،‬وقد جنحت في تخطيها من خالل حرصها على‬
‫حتتو على‬
‫تدبير أمور منزلها ومصروفاته‪ .‬مت ّيزت حياتهما الزوجية طوال تلك السنني باالستقرار‪ ،‬ولم ِ‬
‫مشاكل زوجية تذكر‪ .‬لذلك‪ ،‬فقد صدمت مي من قرار زوجها الذي جاء مفاج ًئا‪ ،‬وهي التي تعترف‬
‫أي وقت من األوقات أنه من املمكن أن يقوم‬
‫أنّها حت ّبه ًّ‬
‫جدا وتثق به ثقة تامة‪ ،‬ولم يخطر ببالها في ّ‬
‫بالزواج من امرأة أخرى‪ .‬كان ملي وزوجها خمسة أوالد عندما تز ّوج‪ ،‬أصغرهم كان في اخلامسة من‬
‫العمر‪ ،‬وكان هناك طفل يكبره عمره عشر سنوات واسمه طارق‪ .‬كان طارق قد تع ّرض‪ ،‬قبل سنوات‪،‬‬
‫حلادثة منزل ّية إثر سقوطه من عل ّو‪ ،‬وهو ما جعله طف ًال يعاني من إعاقة جسدية وعقلية كبيرة‪ .‬بذلت‬
‫مؤسسات طب ّية مختلفة‪ .‬تقول مي إنّه في إحدى‬
‫مي جهدً ا كبي ًرا للعناية بابنها ومتابعة عالجاته في ّ‬
‫مناسبات العائلة لفت نظرها ونظر ّ‬
‫كل األقرباء اهتمام زوجها بإحدى قريباته وهي شابة عزباء‪ ،‬األمر‬
‫الذي جعلها تسأله ع ّما يجري بينهما‪ .‬بعد مرور بضعة أيام طالبت مي زوجها بتفسير سلوكه والتقيا‬
‫يحب قريبته وأن هنالك عالقة جتمعهما واعدً ا إياها أن يكون هذا األمر‬
‫بعيدً ا عن البيت فأخبرها أنّه ّ‬
‫مؤق ًتا‪ ،‬ولم يذكر أنّه يريد الزواج منها‪ ،‬ومن ضمن ما قاله لها‪“ :‬بوعدك إنها فترة وبدها مترق‬
‫وأنا برجع للبيت وبتركها”‪ .‬انهارت مي عند سماعها لهذا اخلبر ورفضت ما يقوله‪“ .‬بطلت أقدر‬
‫أحتمل الصدمة من‬
‫أمتالك نفسي‪ ،‬حسيت إني مخنوقة‪ ،‬بدّ ي أموت‪ ،‬يعني مش قادرة ّ‬
‫قوتها‪ ،‬قعدت أع ّيط وأقوله من شان الله شو إنت عم تعمل؟‪ ،‬حرام عليك‪ ،‬حرام عليك‬
‫ّ‬
‫يستمر بينا”‪.‬‬
‫منظلم األوالد قبالنا‪ ،‬بتخايلش إنه في إشي باحلياة ممكن‬
‫ّ‬
‫تتابع مي‪“ :‬قعدت‪ ،‬فكرت كتير‪ ،‬شو بدّ ي أعمل؟ كيف بدي أحكي مع الوالد؟ كيف بدّ ي‬
‫أف ّهمهن إنه هذا اإلشي بده يصير؟ ما تخ ّيلتش إنه هدا اإلشي ممكن يصير‪ ،‬ما تخ ّيلتش‬
‫بخرفني‪ ،‬كأنه شايفة حلم‪ ،‬ما قدرتش‬
‫إنه بده يصل لزواج‪ ،‬كنت عم بحلم إنه هو عم ّ‬
‫رأسا على عقب وبدأت اخلالفات واملشاحنات بينها وبني‬
‫أصدّ ق”‪ .‬ومنذ تلك اللحظة انقلبت حياة مي ً‬
‫زوجها‪ .‬بعدها بفترة قصيرة وفي صبيحة أحد األ ّيام أبلغها بأنه لن يعود إلى البيت في ذلك اليوم‬
‫ألنّه سيقوم بالزواج‪ ،‬وإنه قام باستئجار بيت للزوجة الثانية وسيبيت فيه‪ .‬تتحدّ ث مي باكية وتقول‬
‫بانفعال كبير‪:‬‬
‫‪117‬‬
‫“حكى وأنا صافنة أع ّيط‪ ،‬روحي طلعت‪ ،‬أنا كنت أح ّبه كتير‪ ،‬عشان هيك ما‬
‫قدرتش أكرهه بهديك اللحظة‪ ،‬بس بعدين اختنقت ‪ ..‬تخايلي واحدة جوزها بيوم‬
‫وليلة ما تالقيه بالبيت‪ ،‬كأ ّنه ميت‪ ،‬يعني ملا الوالد ر ّوحوا من املدرسة شافوني‬
‫قاعدة‪ ،‬تتخ ّيليش كيف عبطت الوالد ك ّلهن بحضني وقعدّ تهن‪ ،‬كنت عم بحس‬
‫حالي عم مبوت‪ ،‬فش حدا حوالي‪ ،‬مش قادرة أقول ألهلي شو عم بصير‪ ،‬بس‬
‫إسا بتذكره‪ ،‬أديش صرله وقت بس بضل حاسة حالي‬
‫اإلشي كان كتير صعب وحلد ّ‬
‫ّ‬
‫أتذكر‬
‫مرات بتنفتح السيرة ال شعور ًّيا وإحنا بالشغل بقولهن بقدرش‬
‫مخنوقة‪ّ ،‬‬
‫إسا عم بصير قدّ ام عيني‪،‬‬
‫إشي‪ ،‬بقدرش أحكي عن إشي‪ ،‬بقدرش‪ ،‬بحس اإلشي ّ‬
‫صعب صعب‪ ،‬ملا خ ّبرت الوالد‪ ،‬ياه‪ ...‬ابني الكبير إجنن حلد اليوم بقولي بقدرش‬
‫أنسى هداك اليوم‪ ،‬بقدرش أنساه”‪.‬‬
‫اعتقدت مي في حينه أنّها السبب في ذلك بناء على ما قاله لها زوجها من أنها أهملته‪ .‬واعتقدت‬
‫ونفسي‪،‬‬
‫جسدي‬
‫مي أنّ اعتناءها بعائلتها وبابنها الذي يعاني من إعاقة وما أحلق ذلك بها من تعب‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ربمّ ا هو السبب في إهمال زوجها وحاجاته‪ ،‬األمر الذي دفعه إلى الزواج من امرأة أخرى‪ .‬إنّه الدور‬
‫ّ‬
‫املتجذر لدى مي ولدى معظم النساء في مجتمع ير ّبي نساءه على اعتبار أنفسهنّ عنص ًرا ُيسخّ ر‬
‫من أجل تأمني الراحة للرجل‪ ،‬وتلبية احتياجاته العاطف ّية واجلنس ّية‪ ،‬ويتعامل مع الرجل كعنصر‬
‫منتج ُمعفى من دور الرعاية واالهتمام ببيته وزوجته وأوالده‪ .‬ورغم أنّ مي حت ّملت مسؤولية رعاية‬
‫جدا‪ ،‬فإنّ زوجها لم يشاركها في ذلك‪ ،‬وإنمّ ا ح ّملها مسؤولية التقصير‬
‫ابنها املريض وعانت كثي ًرا ًّ‬
‫يلي‪”:‬لومت حالي‪،‬‬
‫بواجباته‪ ،‬األمر الذي دفعها إلى اإلحساس بالتقصير‪ ،‬وقد ع ّبرت عن ذلك كما‬
‫ّ‬
‫أنا مش فاضيتله‪ ..‬وأنا من ناحية جنسية مش معطيته إللي بدّ و إياه ‪ ..‬وهو عنده هاي‬
‫الغريزة موجودة أكثر من الالزم ‪ ..‬هو بقول إ ّنه مش معطيتني ح ّقي كيف أنا بدّ ي‪ ..‬أنا‬
‫داميا مشغولة‬
‫زملي عندي هذا اإلشي موجود‪ ،‬بدّ ي إ ّياته برغبه وبدّ ي إ ّياته كتير ‪ ..‬وإنت ً‬
‫بالوالد ومشغولة بالولد ونفسيتك تعبانة”‪ .‬وتقصد مي “باألشي” اجلنس‪ .‬أ ّما حال ًّيا فهي ترفض‬
‫هذا التبرير وترى أنّ زوجها فعل ذلك للهرب من الواقع املوجود ومسؤول ّياته جتاه هذا الواقع‪ .‬وتقول‬
‫إنه حتى لو كانت املشكلة في العالقة اجلنسية‪ ،‬فإنّ ّ‬
‫مرة بتنحل‬
‫احلل يكون بعالجها‪ ”.‬قلتله وال ّ‬
‫األمور بهاي الطريقة وال مرة‪ ،‬لو كل واحد بحل مشكلته كيف إنت ح ّليتها معناته فش‬
‫واحد خالي‪ ،‬فش واحد ما عنده مشكلة بالبيت ‪ ..‬هدا هروب من املسؤولية اللي بدها‬
‫تنحط علي وعليك‪ ،‬بدّ ك ترميها علي‪ ،‬بس عشان هيك”‪.‬‬
‫تتيح إمكانية تعدّ د الزوجات‪ ،‬كما أشار القريناوي وفيزيل (‪Alkrenawi & Lev-Wiesel,‬‬
‫‪ ،)2002‬للرجال التص ّرف حسب رغباتهم اآلنية عندما يتع ّلق األمر بالعائلة والزواج‪ ،‬فخيار الزواج‬
‫‪118‬‬
‫من امرأة أخرى يعني جتاهل املشاكل الزوج ّية‪ ،‬كاخلالفات حول األدوار والوظائف وتقسيمة العمل‬
‫بينهما‪ ،‬وحول العالقة اجلنسية واملشاكل املادية‪ .‬مشاكل كتلك ال ّ‬
‫شك أنها تو ّلد مشاعر سلبية لدى‬
‫الطرفني‪ ،‬وجتعل الكثير من الرجال‪ ،‬في ّ‬
‫ظل إتاحة خيار تعدّ د الزوجات‪ ،‬يهربون من التعامل مع هذه‬
‫املشاكل وطرحها والعمل على ح ّلها‪ .‬تقوم مي بذلك بتسليط الضوء على النمط الذي من املمكن أن‬
‫يكون سائدً ا في العالقات الزوجية‪ ،‬حيث تتراكم األعباء واملسؤوليات‪ ،‬وما يو ّلده ذلك من تو ّترات‬
‫يتم ح ّلها من قبل الزوج برميها خلف ظهره والبحث عن زواج آخر‪ ،‬مع انعدام‬
‫في العالقة الزوجية ّ‬
‫والتوجه الستشارة زوجية من املمكن أن تساعد الزوجني في‬
‫الوعي لطلب مساعدة مهن ّية وعالجية‬
‫ّ‬
‫التغ ّلب على صعوباتهما‪.‬‬
‫أيضا‪ ،‬قبل حوالي سنة‪ ،‬وبشكل مفاجئ‪ ،‬بالزواج من أخرى‪ .‬وقد جاء هذا الزواج‬
‫قام زوج عليا‪ً ،‬‬
‫بعد خالفات زوجية عابرة حول األوالد وإدارة البيت‪ ،‬والتي تتك ّرر في بعض األحيان كما في كل‬
‫بيت‪ ،‬حسب وصف عليا‪ .‬خرج على أثرها زوجها من البيت وبات بضعة أ ّيام في بيت والدته التي‬
‫تسكن قربهم‪ .‬بعدها ّ‬
‫مت إجراء صلح بينهما من قبل أقارب من عائلة الزوج‪ ،‬وعادت حياتهما الزوجية‬
‫مستت ّبة كما كانت ساب ًقا‪ .‬لكنّ زوج عليا جاءها بعد بضعة أ ّيام وأخبرها أنّه تز ّوج من أخرى‪“ .‬ق ّلي‬
‫أتخرف أنا وإياه‪ ،‬بقول لي في شغلة بشرط ما تضايقي‪ ،‬أنا مش‬
‫عايزك مبوضوع‪ ،‬قعدت‬
‫ّ‬
‫أقصر فيكي وراح أدير بالي عليكي وعاألوالد‪ّ ،‬‬
‫فكرت إ ّنه مريض أو في إشي من‬
‫رح ّ‬
‫باملرة‪،‬‬
‫هالنوع‪ ،‬بقولي عليا ّ‬
‫جتوزت عليكي ‪ ..‬إنصدمت‪ ،‬إنهارت أعصابي ‪ ...‬ما تو ّقعتش ّ‬
‫جتوز‬
‫طحيته‪ ،‬قلتله بعدك واقف اطلع من البيت‪ ،‬إجوا األوالد سألوني مالك قلتلهن أبوكو ّ‬
‫علي‪ ،‬وصاروا يبكوا البنات واألوالد”‪ .‬بعد ذلك طلبت عليا االنفصال‪ ،‬األمر الذي رفضه الزوج‪،‬‬
‫ّ‬
‫ً‬
‫ً‬
‫فتوجهت بداية بشكوى إلى احملكمة الشرعية مطالبة زوجها بنفقة بينما ترك هو البيت وأصبح يبيت‬
‫ّ‬
‫عند الزوجة الثانية‪ .‬تعتقد عليا أنّ زوجها قام بالزواج من أخرى بسبب خالفاتهما السابقة‪ ،‬لكنها ال‬
‫تب ّرر له قيامه بالزواج من أخرى لهذا السبب‪ .‬جرت بعد ذلك مساعي صلح من خالل األقارب‪ ،‬فعاد‬
‫الزوج إلى بيته على أن يقوم باالنفصال عن الزوجة الثانية‪ ،‬األمر الذي لم يحصل‪.‬‬
‫أ ّما ندى فقد صدمت من زواج زوجها‪ .‬فرغم وجود اخلالفات املستم ّرة بينها وبني زوجها إال أنّها‬
‫ُصدمت كذلك من زواجه الثاني‪ .‬فحياة ندى الزوجية مت ّيزت باخلالفات الشديدة التي لم ُ‬
‫تخل من‬
‫العنف جتاهها من قبل الزوج‪ .‬ومن اجلدير بالذكر أنّ زوج ندى يعمل مح ّق ًقا في الشرطة‪ ،‬غير أنّ زواج‬
‫زوجها من أخرى جاء في الوقت الذي كانت ندى تعاني فيه من مشاكل صحية في القلب‪ ،‬وكانت‬
‫تتل ّقى العالج في إحدى املستشفيات في منطقة املركز‪ ،‬وهو ما اضط ّرها إلى البقاء بعيدً ا عن البيت‬
‫لعدّ ة أشهر‪ ،‬ولم تتلقّ خاللها الرعاية واالهتمام من زوجها‪ .‬م ّرت ندى بعملية خطرة في القلب وعند‬
‫عودتها من املستشفى عرفت أنّ زوجها قد تز ّوج من امرأة أخرى‪ .‬عندما دخلت ندى إلى البيت‬
‫‪119‬‬
‫وجدت امرأة غريبة في بيتها‪ ،‬فأبلغها زوجها أنّه قام بالزواج من أخرى‪ُ .‬صدمت ندى من املشهد‬
‫للتوجه‬
‫وطلبت منه إخراج الزوجة حا ًال من البيت‪ .‬رفض الزوج في البداية ذلك‪ ،‬األمر الذي دفع ندى‬
‫ّ‬
‫إلى احملكمة وطلب أمر إبعاد له وللزوجة عن البيت‪ .‬تعزي ندى زواج زوجها ملرضها والفتراضه أنّها‬
‫لن تشفى يحسب ما قاله لها بعد ذلك‪ ،‬غير أنّها تتدارك بعد سماعها لنفسها‪ ،‬لتعتبر أنّ هذا الوضع‬
‫وفضل الزواج‬
‫ال يب ّرر له هذا الزواج‪ ،‬وأنّ زوجها ته ّرب من مسؤول ّياته كزوج وكأب في رعاية بيته‪ّ ،‬‬
‫بأمس احلاجة‬
‫عن القيام مبسؤول ّياته وإصالح عالقته بها وتقدمي الرعاية لها في الوقت الذي كانت فيه ّ‬
‫ملثل هذه الرعاية‪.‬‬
‫تقول ندى إنّ زوجها كان يتو ّقع أن تستسلم هي لهذا األمر الواقع وتعيش مع الزوجة األخرى في‬
‫بألم إن زوجها اعتقد أنّها لن تشفى‪ ،‬بل‬
‫البيت نفسه‪ .‬وعن جدالها مع زوجها حول زواجه تقول ندى ٍ‬
‫أنّها على حافة املوت‪“ :‬قلي أكتر من مرة أنا ما كنت أعرف إنك رح تقومي من العملية ‪..‬‬
‫كنتي باملستشفى‪ ،‬مني أحسنلي أروح أنا أطلع مع بنات وأنام معاهن وإال أجيب واحدة‬
‫كنت فيه مريضة أنا ما لقيت حدا يكوي لي مالبسي ويطبخ لي”‪.‬‬
‫باحلالل ‪ ..‬بالوقت اللي ِ‬
‫تفاوضت ندى مع زوجها مط ّو ًال إلقناعه بترك زوجته الثانية‪ ،‬خاصة وأنه ال يوجد أوالد حتى اليوم‬
‫بينهما‪ ،‬وأبدى الزوج موافقته على ذلك‪ .‬لكن‪ ،‬يتّضح بعد ذلك لندى أنّ ما أبداه زوجها كان مج ّرد‬
‫أكاذيب‪ .‬وهو‪ ،‬مثله مثل زوج مي‪ ،‬سكن مع زوجته الثانية في بيت آخر‪ ،‬ويقوم بالتردّد باستمرار‬
‫على البيت‪ ،‬ويحاول استئناف عالقته بزوجته باستمرار‪ ،‬في الوقت الذي ق ّررت فيه ندى الطالق‬
‫وسيتم تناول هذا اجلانب‬
‫خضم هذه اإلجراءات في الفترة التي أجريت معها املقابلة‪.‬‬
‫منه‪ ،‬وكانت في‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫موسع‪ ،‬الح ًقا‪.‬‬
‫بشكل ّ‬
‫كان موضوع اجلنس ّ‬
‫يطل من خلف الكثير من املقوالت واحلوادث التي ذكرتها مي وعليا وندى‪.‬‬
‫فقد أشارت مي إلى أنّ زوجها س ّوغ زواجه الثاني أمامها بحاجته اجلنسية التي لم تقم مي بتلبيتها‬
‫لتعاظم األعباء املنزل ّية عليها ولرعايتها املكثفة البنهما الذي حت ّول إلى شخص ذي إعاقة‪ ،‬ولديه‬
‫احتياجات خاصة‪ .‬عملت مي ّ‬
‫كل ما في وسعها لتح ّمل املسؤول ّيات واألعباء الكثيرة التي ألقيت عليها‪،‬‬
‫نفسي‬
‫نفسي كبير للخروج من أزمة إعاقة ابنها‪ ،‬وما تبعه من ضيق‬
‫(مع ما يتضمنه ذلك من جهد‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫كبير)‪ ،‬بينما لم يتح ّمل زوجها هذه األعباء‪ ،‬ولم يقم مبشاركة زوجته في الرعاية واالعتناء بأوالده‪.‬‬
‫وتشير عليا إلى التفكير املباشر لدى من حولها من أقارب‪ ،‬والذين ّ‬
‫شكوا في أنّ عليا لم تقم بتلبية‬
‫احتياجات زوجها الزوجية‪ ،‬األمر الذي دفعه إلى الزواج من امرأة أخرى‪ ،‬وهي تع ّبر عن ذلك قائل ًة‪:‬‬
‫“بلكي إنت قصرتي فيه ‪ ..‬يعني من نظافة بس ما أظن‪ ،‬من ترتيب ما أظن‪،‬‬
‫األوالد ما أظن وإال من هديك الشغلة”‪ .‬وعند التطرق للمقصود بـ”هديك الشغلة”‬
‫‪120‬‬
‫أقصر بجوزي‪ ،‬إذا بطلب م ّني ما بقوله‬
‫تقول عليا‪“ :‬اجلنس‪ ،‬النوم‪ ،‬أنا مش ممكن ّ‬
‫ال‪ ،‬ملا يكون معك بالبيت وييجي يطلب مني وجسمي تعبان هو بفهمني‪ ،‬تاني يوم‬
‫بتجوز على‬
‫ممكن‪ .‬وأني بقصر بجوزي بهاي الشغلة‪ ،‬الناس هيك بتفكر‪ ،‬ملا زوج‬
‫ّ‬
‫مرته بصيروا يقولوا أبصر شو شايف عليها أو مش معطيته ح ّقه‪ ،‬هيك بالزبط أنا‬
‫سمعتهن‪ ،‬يعني أنا الزم أقول قدّ ام العالم ك ّله جوزي نام معي الليلة عشان أثبت‬
‫لهم”‪.‬‬
‫تعود عليا للتط ّرق إلى الربط الوثيق بني تعدّ د الزوجات وبني مفهوم اجلنس‪ ،‬وتصف أصوا ًتا ممّن‬
‫حولها من أقارب وأصدقاء‪ ،‬والذين تراود لهم مباشرة عن العالقة بني زواج زوجها من امرأة أخرى‬
‫وبني احلاجة اجلنسية له كرجل‪ ،‬والتي ال بد أنّها ناجتة عن عدم قدرة الزوجة احلالية – عليا ‪ -‬على‬
‫إشباع هذه احلاجات‪ .‬إن مثل هذا التفكير يعكس‪ ،‬بوضوح‪ ،‬النظرة السائدة للعالقة الزوجية التي‬
‫تكون الزوجة فيها طر ًفا في هذه املنظومة من أجل تلبية حاجات الرجل اجلنس ّية‪ .‬تتشابه بذلك عليا‬
‫مع ما ع ّبرت عنه مي في فقرة سابقة حني استعرضت السبب املعلن لزواج زوجها من امرأة أخرى‪.‬‬
‫تظهر لنا مقوالت عليا ومي النظرة التي يتعامل بها املجتمع مع املرأة ومع دور الزوجة كمستودع‬
‫املبني‬
‫للرجل لتفريغ حاجاته اجلنس ّية‪ ،‬وهي نظرة تظهر انعدام ثقافة الزواج وانعدام التص ّور الناضج‬
‫ّ‬
‫على االحترام واملشاركة في العالقة الزوج ّية‪ .‬تقوم القيم الثقافية وعملية التنشئة املجتمعية بتجذير‬
‫مفهوم مش ّوه للعالقة اجلنسية لدى النساء‪ ،‬إذ تجُ ّذر في نفسية املرأة كواجب ال بدّ منه‪ .‬إنها النظرة‬
‫السائدة في تكريس الفروق القائمة بني اجلنسني حول اجلنس‪ ،‬حيث يص ّور اجلنس بأنه ُملك أو حقّ‬
‫للرجل‪ ،‬بينما تتح ّمله املرأة فقط من أجل استمرار النوع ومن أجل حسن سير املجتمع‪.‬‬
‫من هنا‪ ،‬يؤ ّثر النظام البطريركي في تسخير املرأة وتطويع جسدها لسدّ احتياجات الرجل ضمن‬
‫أهم مقومات‬
‫يتم فيها الفصل بني اجلنسانية واحلب واحلميمية التي تعتبر ّ‬
‫ثقافة تعود جلذور عائلية ّ‬
‫ويتم بذلك ترسيخ القيم التي تشدّ د على فاعلية الرجل اجلنسية مقابل سلبية‬
‫العالقة اجلنسية‪ّ .‬‬
‫النساء‪ ،‬في الوقت الذي يتعارض هذا األمر مع النظرية الضمنية للمجتمع اإلسالمي القائمة على‬
‫التوجه‪ .‬يقول النفراوي‬
‫االعتراف بفاعلية املرأة اجلنسية‪ .‬وقد زخرت كتابات الفقهاء اإلسالميني بهذا‬
‫ّ‬
‫يكففن عن املضاجعة‪ ،‬وإنّ ّ‬
‫في كتابه “الروض العاطر” إنّ النساء ال يرتوين أبدً ا وال‬
‫تعطشهنّ‬
‫َ‬
‫للنكاح ال يل ّبى على اإلطالق‪ .‬ويكتب ابن سلمان في “عودة الشيخ إلى صباه” ما ّ‬
‫يؤكد مضمون‬
‫سلفه في الرغبة اجلنس ّية عند املرأة‪ .‬وهو يذهب إلى ما يفيد أنّ بعض النساء أثب َ‬
‫نت أنّ شهوة‬
‫املرأة تفوق عدّ ة أضعاف شهوة الرجل‪ ،‬وأنّ أضعف رغبة جنسية عند املرأة أقوى من أقوى رغبة‬
‫جنسية عند الرجل (غصوب‪ .)246 :2002 ،‬لذلك فإنّ عدم قدرة مي على تلبية احتياجات زوجها‬
‫اجلنسية ليست نابعة‪ ،‬بالضرورة‪ ،‬من تف ّوق زوجها عليها في احتياجاته اجلنسية‪ ،‬وإنمّ ا هو كامنٌ في‬
‫‪121‬‬
‫النظام االجتماعي القائم وفي توزيعة األدوار املك ّرسة القائمة على انعدام املساواة‪ ،‬وفي ثقافة الزواج‬
‫الذكورية التي ال تتيح للمرأة تلبية احتياجاتها اجلنسية‪ ،‬بل تدفعها إلى االهتمام باآلخرين والتضحية‬
‫من أجلهم‪.‬‬
‫يلعب الفصل بني اجلنسني‪ ،‬وعالقات الق ّوة غير املتساوية بينهما‪ ،‬دو ًرا أساس ًّيا في خلق حواجز‬
‫نفسية بني املرأة والرجل‪ ،‬ما يجعل “اخلوف” واحلياء في مركز التجربة اجلمعية للنساء‪ .‬ويقودنا ما‬
‫أشارت إليه عليا ومي وأخريات‪ ،‬وحتديدً ا في املجموعات البؤرية الح ًقا‪ ،‬إلى السؤال عن تأثير اجلذور‬
‫األيديولوجية والثقافية للعالقة بني اجلنسني ومفهوم العالقة اجلنسية‪ ،‬وإلى التط ّرق مليزات العالقة‬
‫ّ‬
‫وتتغذى عبر‬
‫اجلسدية‪ ،‬ولصورة اجلسد‪ ،‬حيث ُتبنى من خالل حاجات الفرد وجتربته وانفعاالته‪ ،‬وتنمو‬
‫التجارب املتعدّ دة التي تتأ ّثر بالعالقة مع العالم ومع احمليط اخلارجي‪ .‬وتسأل جبران (‪ )2006‬كيف‬
‫تتص ّرف النساء عند الزواج في مجتمع يكبتهنّ ويحرمهنّ من أ ّية عالقة قبل الزواج‪ ،‬وكيف يتص ّرفن‬
‫وهنّ اللواتي تر ّبني على أنّ اجلنس مقرف وحرام وعيب‪ ،‬وكيف تستطيع املرأة أن تعيش جسدها بعد‬
‫وتتوصل إلى أن تتح ّرر بجسدها وهو احملروم‬
‫الزواج مع رجل من خالل اجلماع‪ ،‬وكيف ستشعر باللذة‬
‫ّ‬
‫من اللذة‪ .‬وهنا يشير بركات (‪ )364 :2001‬إلى أنّه ليس من الغريب أن ال تنشغل الزوجة في‬
‫العائلة بحاجاتها ورغباتها الذاتية حتى درجة نكران الذات‪ ،‬وأن حترص على أن حت ّقق ذلك من خالل‬
‫عنايتها بأوالدها‪ ،‬وإهمال نفسها بعد الزواج واإلجناب وعالقتها بزوجها لدرجة ال يعود ّ‬
‫يشكل فيها‬
‫الزوج بالنسبة لها مصد ًرا من مصادر سعادتها ومن ّوها الذاتي‪ ،‬وحني تكون املرأة تعسة في عالقاتها‬
‫بزوجها‪ ،‬فقد تنصرف عنه إلى أوالدها كلي ًة مكتفي ًة بأن تستمدّ سعادتها من سعادتهم‪ .‬وهو ما‬
‫تخبرنا به العديد من املشاركات‪ ،‬حيث تظهر فجوة كبيرة بني تو ّقعات النساء من الزواج وحاجاتهنّ‬
‫مقابل ما يبديه الرجال‪.‬‬
‫عدم اإلجناب أو عدم إجناب الذكور‪:‬‬
‫بخالف احلاالت السابقة‪ ،‬لم ُتفاجأ كثي ًرا زهرة عندما جاء زوجها معلنًا لها رغبته في الزواج من‬
‫أخرى‪ .‬كان ذلك منذ سنوات بعيدة‪ ،‬فزهرة تبلغ من العمر حال ًّيا أربعة وستّني عا ًما‪ ،‬وقد قام زوجها‬
‫بالزواج قبل حوالي ستة وثالثني عا ًما‪ .‬كانت زهرة قد أجنبت ابنة وحيدة بعد اثني عشر عا ًما من‬
‫زواجهما‪ ،‬وأصبح عمر ابنتها ثماني سنوات‪ .‬تقول زهرة إنّ عائلة زوجها كانت حت ّثه‪ ،‬باستمرار‪ ،‬على‬
‫الزواج من أخرى إلجناب املزيد من األطفال‪ ،‬وكان هذا األمر يثير في داخلها مشاعر ُمؤملة‪ .‬كانت‬
‫زهرة قبل ذلك قد حاولت العالج‪ ،‬وحملت عدّ ة م ّرات وأجهضت‪ ،‬وقد أعلمها األط ّباء أنّ إمكانية‬
‫‪122‬‬
‫احلمل لديها مقرونة بإجراء عملية خطرة للغاية‪ .‬وبعد تفكير وحوار مع والدتها ق ّررت زهرة عدم‬
‫إجراء العمل ّية والتخ ّلي عن فكرة احلمل مجدّ دًا‪ ،‬تارك ًة لزوجها أن يق ّرر كيفما يشاء‪.‬‬
‫كذلك حال جنوى‪ ،‬البالغة من العمر اثنني وأربعني عا ًما‪ ،‬فقد م ّرت بظروف مشابهة‪ ،‬إال أنّ هذا‬
‫األمر لم يكن منذ سنوات بعيدة‪ ،‬كما هي احلال لدى زهرة‪ ،‬بل منذ بضع سنوات‪ .‬ففي السنة العاشرة‬
‫لزواجها وأثناء حملها مبولودها الثاني علمت جنوى أنّ زوجها ق ّرر الزواج بأخرى‪ ،‬وأنّ الزوجة القادمة‬
‫هي قريبة لها‪ .‬كانت جنوى قد عانت من مشاكل صح ّية في اإلجناب وأجنبت طفلتها األولى بعد خمس‬
‫كلهو‪ ،‬وهي كانت‬
‫سنوات من زواجها‪ .‬تعتقد جنوى أنّ زوجها أنشأ عالقة مع الزوجة الثانية بداية ٍ‬
‫تشك قبل ذلك أنه يقيم عالقات مع أخريات‪ ،‬وكانت ّ‬
‫ّ‬
‫تشك بقيامه بنسج عالقات أخرى مع زميالت في‬
‫العمل‪ .‬لكنها لم ّ‬
‫تفكر م ّرة أنّ األمر من املمكن أن يصل حدّ الزواج‪ .‬لم يخبر زوج جنوى زوجته بقراره‬
‫واحلي واألقارب‪ .‬كان سبب الزواج‪ ،‬حسب تبرير‬
‫بشكل مباشر‪ ،‬إنمّ ا سمعت هي ذلك من خالل اجليران ّ‬
‫الزوج وعائلته‪ ،‬هو الرغبة في إجناب أوالد‪ ،‬فنجوى أجنبت ابنة واحدة‪ ،‬ورغم أنها كانت حام ًال في‬
‫املولود القادم إال أن التحضيرات للزواج كانت قد نظمت قبل علمهم بحملها‪ ،‬حتى إنّ زوجها فوجئ‬
‫سلبي‪ .‬نفى زوج جنوى في البداية ن ّيته في الزواج‪ ،‬غير أنّه‬
‫من خبر هذا احلمل‪ ،‬وتل ّقى اخلبر بشكل‬
‫ّ‬
‫بعد ذلك أصبح يتل ّقى مكاملاته التلفونية مع الزوجة الثانية املستقبل ّية على مسمع من جنوى‪ ،‬األمر‬
‫الذي أدّى إلى احتدام اخلالفات بينهما‪ .‬تقول جنوى‪“ :‬أنا كنت متو ّقعة يتجوز‪ ،‬بس فاجأني أنها‬
‫قريبتي”‪ .‬في يوم زفافه طلب زوجها منها أن تترك البيت وتصطحب ابنتهما لكي ال تكون االبنة‬
‫شاهدة على الزفاف‪“ .‬ق ّلي ما الزم تض ّلي بالدار‪ ،‬ال إنت وال البنت ‪ ...‬إنه ما نشوف إشي‬
‫وطلعنا أنا وإياها ‪ ..‬قضيت يومي عند أهلي‪ ،‬هو طلب م ّني”‪.‬‬
‫رغم أنّ القريناوي (‪ )2001‬يشير إلى أنّ إجناب البنات يعتبر من األسباب التي تدفع الرجال إلى‬
‫تعدّ د الزوجات بني العرب البدو‪ ،‬إال أنّه من الواضح أن ذلك ال يقتصر على البدو فقط‪ ،‬بل يشمل‬
‫العربي بر ّمته‪ .‬فاملجتمع يق ّيم مكانة املرأة ومدى االحترام الذي تستح ّقه بنا ًء على ما تنجبه‬
‫املجتمع‬
‫ّ‬
‫من أوالد ذكور يحملون اسم العائلة ويحافظون على استمراريتها‪ ،‬وهم “عزوة”‪ ،‬حسب وصف‬
‫محمد‪ ،‬أحد الرجال املشاركني في البحث‪ ،‬والذي قام بتشجيع أخيه على تعدّ د الزوجات‪ ،‬ألنّ زوجته‬
‫األولى أجنبت إنا ًثا‪ ،‬وعلى اعتبار أنّ املرأة هي املسؤولة عن ذلك‪ ،‬وأنّ اإلناث ال يضيفون للعائلة وزنًا‬
‫يحملن اسم العائلة‪ .‬في مجتمع‬
‫وينتقلن إلى عائلة أخرى وال‬
‫جن من أغراب‬
‫َ‬
‫َ‬
‫واعتبا ًرا ألنّهن يتز ّو َ‬
‫املؤسسة املركزية في حياة األفراد‪ ،‬ومنها يستمدّ الفرد احلماية والبقاء‪ ،‬يصبح‬
‫تكون العائلة فيه هي ّ‬
‫الهدف األسمى توسيع العائلة كآل ّية لتوسيع السيطرة والنفوذ لتكون النساء واألطفال ضحاياها‪.‬‬
‫‪123‬‬
‫حتفيز الرجال للرجال على الزواج من امرأة أخرى‪:‬‬
‫تز ّوج زوج جميلة التي تسكن في منطقة النقب من امرأة أخرى قبل تسع سنني‪ ،‬أي بعد مرور‬
‫أربعة عشر عا ًما من زواجهما‪ .‬وقد كانت جميلة حام ًال في ابنها األصغر وحتتاج ملتابعة طبية مستم ّرة‪.‬‬
‫تقول جميلة إنّ زوجها كان يردّد أمامها‪ ،‬أحيانًا‪ ،‬مسألة تفكيره في الزواج من امرأة أخرى‪ ،‬وأنّ‬
‫زواجه جاء بتشجيع من أصدقائه الرجال الذين يتج ّمعون عاد ًة قرب البيت في غرفة خارج ّية‪.‬‬
‫“كانوا بيجوا صحابه ع ّنا وبقعدوا وبقولوا إذا إنت زملة جتوز ويحكوا ّ‬
‫كل الوقت من‬
‫داميا‪ ،‬إ ّنه يعني إذا إنت زملة جتوز وإذا انت مش قادر‬
‫هاحلكي‪ ،‬هدا احلكي ع ّنا موجود ً‬
‫تتجوز معناته إنت محكوم ملرتك” ‪ -‬هكذا تصف جميلة الدافع لزواج زوجها‪.‬‬
‫ّ‬
‫تصف زهى ظرو ًفا حتفيزية مشابهة أحاطت بزوجها‪ .‬تز ّوج زوج زهى من امرأة أخرى بعد مرور‬
‫عشرين سنة على زواجهما‪ .‬تقول زهى إنّ زوجها تز ّوج بسبب تشجيع الرجال اآلخرين له للزواج دون‬
‫وجود أي مشاكل زوجية بينهما‪“ .‬كانوا أيام هالشباب يلتموا ويعملوا اجتماعات وهدا بقول‬
‫كلمة وهداك بقول كلمة ‪ ...‬قالوله إجتوز ‪ ..‬وإجتوز‪ ،‬و ّملا شافهم أعطاهم كلمة منه وصعب‬
‫يتراجع فيها واللي بتراجع عندهم مش زملة ‪ ..‬ق ّلي أنا بدّ ي أجتوز‪ ..‬عارف إ ّنك مش مقصرة‬
‫‪ ...‬وال رايح أجيب أحلى منك‪ ،‬أما خلص طلعت مني الكلمة وبدّ ي أكمل ‪ ..‬وقال وال‬
‫يهمكوا كل إشي ببقى علي بس من بعدها صار الوضع معاه يوم أسوأ من يوم”‪ُ .‬صدمت‬
‫زهى بشدة من هذا اخلبر واعتبرته دما ًرا لبيتها وألوالدها‪ ،‬وحاولت إقناعه بالعدول عن رأيه‪ ،‬إال‬
‫أنّه بقي مص ّم ًما على ذلك‪ ،‬فتز ّوج من امرأة تبلغ من العمر ثالثة وعشرين عا ًما‪ ،‬بينما كان هو في‬
‫منتصف األربعين ّيات‪ ،‬وكانت هذه املرأة قريبة له من منطقة الشمال‪ .‬رفضت زهى أن تعيش الزوجة‬
‫ّ‬
‫مستقل بالقرب من بيته األ ّول‪.‬‬
‫معها وفي بيتها‪ ،‬وقام الزوج بتسكني الزوجة الثانية ببيت‬
‫أ ّما فاطمة فقد جاء قرار زوجها الزواج من أخرى بعد ستة عشر عا ًما على زواجهما على أثر‬
‫زيارة قام بها ألقرباء له في األردن‪ .‬تقول فاطمة إنّ أقرباءه عرضوا عليه تزويجه إحدى بناتهم‪،‬‬
‫فجاء وأعلمها بقراره‪ .‬ورغم أنها أبدت معارضتها إال أن زوجها بقي مص ّم ًما على قراره‪ ،‬وبعد زواجه‬
‫استم ّرت عالقة فاطمة بزوجها رغم نشوء الكثير من اخلالفات واملشاكل‪ ،‬إذ انتقل للسكن مع الزوجة‬
‫اجلديدة‪ ،‬وكان يتردّد على بيت فاطمة من وقت آلخر‪.‬‬
‫لم ِ‬
‫“خارجي” يلقونه‬
‫تأت اإلشارة إلى هذا السبب من قبل النساء كمحاولة للتفتيش عن عامل‬
‫ّ‬
‫على املجتمع للتخفيف من وطأة الوضع‪ ،‬وإمنا ظهر هذا السبب كذلك في مقابالت الرجال التي اعتبر‬
‫أحد املشاركني فيها أنّ التزامه في الزواج أمام رجال آخرين في أحد املجالس الرجالية كان الدافع‬
‫‪124‬‬
‫األساسي الذي ح ّثه على الزواج من امرأة أخرى‪ .‬وعاد هذا األمر ليطفو في احلوار الذي دار في‬
‫ّ‬
‫املجموعة البؤرية في منطقة النقب‪ ،‬حيث أشارت النساء املشاركات فيها إلى أن العديد من الرجال‬
‫يقومون مبمارسة تعدّ د الزوجات بسبب التشجيع الذي يتل ّقونه من رجال آخرين‪ ،‬فاألمر يدخل‬
‫الرجل في اختبار إلثبات مدى رجولته وقدرته على اتخاذ خطوة كهذه‪.‬‬
‫إ ًذا‪ ،‬يتح ّول تعدّ د الزوجات إلى عالمة من عالمات الرجولة في سياق يعيش فيه الرجل العربي‬
‫بعيدً ا من مصادر الق ّوة احلقيق ّية‪ ،‬سواء االقتصادية منها أو السياس ّية‪ .‬يعود الرجل العربي اجلريح‬
‫واملقصى سياس ًّيا للبحث عن رجولته الضائعة في احل ّيز اخلاص‪ ،‬وللتعبير عن جنسان ّيته مبطلق‬
‫وهم السيطرة في سياق يعيش فيه في احلقيقة عاجزًا‪ .‬ويدخل في‬
‫ذكور ّيتها‪ .‬وبذلك‪ ،‬يشتري الرجل َ‬
‫لعبة دور املسيطر ويع ّبر فيها عن سلطته وتس ّلطه اللذين ال يجد لهما مكانًا في احل ّيز العام‪ .‬ويصبح‬
‫“الرهان” على النساء والقدرة على تنفيذ هذا الرهان العالمة التي تثبت هذه الرجولة املفقودة‪،‬‬
‫لتتناقل النساء بذلك من أيدي أب‪ /‬أخ مسيطر إلى أيدي زوج آخر مسيطر من خالل كلمة واحدة‬
‫ال غير‪ ،‬وعبر حلظة زهو طفولية يعيشها الرجل‪ ،‬تدغدغ مخ ّيلته الذكورية وقيمه التي نشأ عليها في‬
‫كمتاع ُيشترى ويباع‪.‬‬
‫النظر للمرأة‬
‫ٍ‬
‫ردود فعل الزوجة على تعدّد الزوجات ‪ -‬محور ميت ّد من رفض ومت ّرد‬
‫إلى قبول ورضوخ لألمر الواقع‪:‬‬
‫الزوجات اللواتي قام أزواجهنّ بالزواج من امرأة أخرى ُي‬
‫قسمن إلى قسمني في ما يتع ّلق مبوقفهنّ‬
‫َ‬
‫العام من تعدّ د الزوجات‪ .‬لقد أجمعت النساء على رفضهنّ ومعارضتهنّ قيام أزواجهنّ بالزواج‬
‫من امرأة أخرى‪ ،‬وسردن املعاناة التي يعشنها بسبب ذلك‪ .‬غير أنّ مواقف النساء انقسمت من‬
‫قض ّية تعدّ د الزوجات مبنظورها العام‪ .‬فبعض النساء عارض‪ ،‬بشكل تا ّم‪ ،‬تعدّ د الزوجات‪ ،‬مثل مي‬
‫عتبرات أنه حتقير‬
‫واعتبرن أن زواج أزواجهنّ هو مهانة قصوى لهنّ وخيانة زوجية كاملة‪ُ ،‬م‬
‫وندى‪،‬‬
‫ٍ‬
‫َ‬
‫لكيانهنّ ولكرامتهنّ ولكافة النساء‪ .‬من املهم اإلشارة هنا إلى أنّ مي ترفض تعدّ د الزوجات من خالل‬
‫كونها امرأة متد ّينة‪ ،‬ترتدي غطاء الرأس ومتارس طقوس الصاله اليوم ّية‪ .‬أ ّما ندى فلم تعرب عن‬
‫تبنّيها لنمط متد ّين وهي ترتدي ثيا ًبا عصرية‪ .‬بينما ع ّبرت باقي النساء املشتركات عن أن تعدّ د‬
‫الزوجات ممارسة مشرعنة دين ًّيا‪ ،‬وكانت جميع النساء املشاركات في هذه املجموعة من املقابالت من‬
‫‪125‬‬
‫منطقة النقب‪ ،‬اللواتي نسنب اعتراضهنّ لتعدّ د الزوجات إلى عدم “عدل” أزواجهنّ وإهمالهنّ لهم‬
‫وملسؤول ّياتهنّ ‪ ،‬وهي تتطابق بذلك مع نتائج حسونة‪ -‬فيليب (‪)Hassouneh-Phillips,2001‬‬
‫التي ظهرت في بحثها مع نساء مسلمات يعشن في الواليات املتحدة ضمن تعدّ د الزوجات‪ .‬وكان هناك‬
‫تناقضا في هذا املوقف‪ ،‬األمر‬
‫َمن اعتبرن تعدّ د الزوجات ممارسة شرعية كقمر وسمية اللتني أبدتا‬
‫ً‬
‫الذي يعزى للتمزّق الداخلي الذي تعيشه بقية املشاركات بني املنظومة القيمية التي استقينَها من‬
‫املجتمع وبني جتربتهنّ الشخصية بكل ما حتويه من قسوة‪ .‬وقد انعكست هذه املواقف في ممارساتهنّ‬
‫وسلوك ّياتهنّ بعد الزواج باألشكال التالية‪:‬‬
‫مت ّرد ضمن إطار الزواج‪:‬‬
‫ترفض مي فكرة تعدّ د الزوجات كل ًّيا‪ ،‬وترى أنه بالرغم من التشريع الديني للظاهرة إال أنّه‬
‫“غلط”‪ ،‬وأن متطلبات احلياة ال ميكن أن تتيح هذه الوضعية‪ .‬منذ أن علمت مي بقرار زوجها الزواج‬
‫اعتبرت أنّه من املستحيل استئناف عالقتها الزوجية معه‪ ،‬وتقول مي إنه في اليوم الذي أعلمها فيه‬
‫أنه سيخرج ليقوم بإجراءات الزواج‪ ،‬أعلمته أنه إذا خرج من البيت اآلن فال عودة له‪ ،‬غير أن ذلك‬
‫لم يحصل متا ًما‪ .‬فزوج مي انتقل بالفعل للعيش مع زوجته اجلديدة في بيت قام باستئجاره‪ ،‬لكنه‬
‫بقي يتردّد على البيت يوم ًّيا أو بضع م ّرات في األسبوع ليرى األوالد‪ ،‬وهو ما زال اجتماع ًّيا في نظر‬
‫زوجا لها‪ ،‬وقد حاول باستمرار استئناف عالقته اجلنس ّية بها‪ ،‬غير أنها أص ّرت على قطع هذه‬
‫اجلميع ً‬
‫ّ‬
‫مستقل‪ .‬ورغم كل ذلك‬
‫العالقة‪ .‬وبدأت مبمارسة حياتها وحت ّمل مسؤول ّيات البيت واألوالد بشكل شبه‬
‫إال أنّها لم تطلب الطالق حتى اليوم‪ .‬في داخلها رغبة شديدة في تنفيذ ذلك‪ ،‬وسنأتي الح ًقا لألسباب‬
‫التي تعيقها عن اتخاذ هذا القرار‪ .‬تقول مي إنها حتى اآلن ّ‬
‫تفكر بالطالق “أنا بدّ ي كتير‪ ،‬أنا‬
‫ّ‬
‫بفكر بحياتي ومن ح ّقي إني أرجع أعيش”‪ .‬بالرغم من أنّ مي تعتبر متز ّوجة في نظر املجتمع‬
‫واضحا من زوجها‪ ،‬حيث‬
‫وتتص ّرف في املناسبات املتع ّلقة باألوالد كزوجة‪ ،‬إال أن مي تبدي موق ًفا‬
‫ً‬
‫تظهر على مدى السنوات ثبا ًتا واستمرارية في عدم استئناف عالقتها الزوجية به واقتصار التعاطي‬
‫معه كأب ألوالدها واعتبار نفسها مط ّلقة فعل ًّيا‪.‬‬
‫أ ّما عليا وندى فيتم ّيز موقفهما من زوجيهما بالبلبلة وعدم الثبات‪ .‬وتتشابه كلتاهما في شكل‬
‫التعاطي مع األمر من حيث التأرجح بني الرفض واألمل‪ .‬رفض أن تكون الواحدة منهما زوجة أخرى‬
‫لزوج له أكثر من امرأة‪ ،‬واألمل في أن يعود زوجها عن خطوته ويط ّلق زوجته اجلديدة ويعود‬
‫الستئناف حياتهما كما كان في السابق‪ .‬إنّ التأرجح بني هذين الطرفني يجعالن عليا وندى تتن ّقالن‬
‫وتتردّدان في موقفهما وسلوكهما مع زوجيهما‪ ،‬فتار ًة تستأنف عليا كما ندى حياتها الزوجية‪ ،‬وحتاول‬
‫‪126‬‬
‫جتاهل وجود امرأة أخرى مع ّولة على تغ ّير الوضع‪ ،‬وتار ًة ترفض هذا الواقع وتفاوض زوجها على‬
‫ترك الزوجة األخرى‪ ،‬وعندما ّ‬
‫تتأكد من أنّ زوجها ما زال يخفي عليها استمرار زواجه تتم ّرد وتعلن‬
‫العصيان‪ .‬كلتا الزوجتني‪ ،‬عليا وندى‪ ،‬تبقيان بذلك داخل د ّوامة تعصف بهما وجتعل حياتهما مليئة‬
‫بالتو ّترات وعدم االستقرار‪.‬‬
‫تع ّبر عليا عن هذا التناقض بني قبول األمر الواقع وبني الرفض والتم ّرد في قولها التالي‪:‬‬
‫“ملا رجع بقولي مالك هيك نافرة مني قلت له بصراحة ملا معك واحدة تانية بحياتك‬
‫كيف بتقبل على حالك تقرب علي‪ ،‬ق ّلي خلص إنت تركزي بهاي القصة ‪ ...‬أنا شو يعني‬
‫بدّ ي أضحك على حالي وعلى حساب كرامتي ‪ ..‬أنا مش عارفة أصل لقرار‪ ،‬أنا بقول يا‬
‫ريت يرجع بس هو مش راضي يتركها ‪ ...‬صارلي فترة بقعد حلالي بآخر الليل‪ ،‬بفكر وبقول‬
‫أتقرب له وأرجع عشان األوالد‪ ،‬مش عشان إشي تاني‪ ،‬أنا بصراحة‬
‫حلالي إ ّني أحاول ّ‬
‫تعبت‪ ،‬كل إشي علي‪ ،‬طلبات الوالد كتيرة وك ّله ضغط ‪ ..‬مش عارفة شو أساوي‪ ،‬حاسة‬
‫بضياع ‪ ..‬أنا عايشة بد ّوامة”‪.‬‬
‫ويزداد هذا التخ ّبط لدى عليا بوجود معارضة شديدة من قبل أوالدها‪ ،‬وحتديدً ا البنت الكبرى‬
‫التي تبلغ من العمر ستة عشر عا ًما‪ ،‬فهي تضغط باستمرار على والدتها لرفض زواج والدها الثاني‬
‫وعدم القبول به‪ ،‬األمر الذي يجعلها تتمزّق بني ما يحاول زوجها فرضه عليها وبني موقف االبنة الذي‬
‫الداخلي‪ .‬أ ّما زوج عليا‪ ،‬فهو حينًا يعلن لها أنه سيقوم باالنفصال عن الزوجة‬
‫مي ّثل‪ ،‬عمل ًّيا‪ ،‬صوت عليا‬
‫ّ‬
‫الثانية‪ ،‬وحينًا آخر يؤكد أنه سيستم ّر في عالقته الزوجية مع الزوجة الثانية محاو ًال إقناعها بتجاهل‬
‫الصعوبة العاطف ّية التي تعيشها‪.‬‬
‫بشكل مشابه‪ ،‬ترفض ندى تعدّ د الزوجات ليس فقط من منطلق جتربتها الشخصية بل من قناعتها‬
‫الديني الذي يل ّوح به كثيرون‪ ،‬فتقول‪:‬‬
‫بكون هذه الوضعية مهين ًة للنساء‪ ،‬وهي ترفض التشريع‬
‫ّ‬
‫“قلت له (للزوج) ممكن أقبل ضرب‪ ،‬أقبل إهانة‪ ،‬أقبل أي شي‪ ،‬بس مرا تانية ما‬
‫بقبلها يعني لو كان عندي عشر أوالد‪ ،‬أنا معك ما بقدر أكمل إذا في مرا تانية‬
‫‪ ..‬إحنا اليوم مش غنم وعايشني بحظيرة‪ ،‬يعني إحنا مش حيوانات‪ ،‬الزملة ساعة‬
‫يروح مع هاي وساعة مع هاي‪ ،‬وآخر شي بده يرجع للي إله”‪.‬‬
‫يتشابه موقف ندى ومي في تعدّ د الزوجات‪ ،‬إال أن ندى أقرب إلى قمر في السلوك القائم على‬
‫‪127‬‬
‫التأرجح بني الرفض والقبول‪ ،‬فندى تعيش هذه احلالة منذ زواج زوجها‪ ،‬أي منذ خمس سنوات‪.‬‬
‫إنه تأرجح بني االمتثال واالمتناع دون اتخاذ قرار ثابت بخصوص قطع عالقتها بزوجها‪ .‬قامت ندى‬
‫باستئناف عالقتها الزوجية مع زوجها عدة م ّرات‪ ،‬بني فترة وأخرى‪ ،‬على اعتبار ما يعلنه لها عن‬
‫انفصاله عن الزوجة الثانية حسب طلبها‪ ،‬لكن سرعان ما تكتشف ندى في ّ‬
‫كل مرة من جديد أنّ هذا‬
‫يتم كما يدّ عي‪ ،‬وأنّ عالقته الزوجية بالزوجة الثانية مستم ّرة على حالها‪ .‬طلبت ندى‬
‫االنفصال لم ّ‬
‫الطالق منذ اللحظة األولى من علمها بأمر زواج زوجها لكنها بقيت تعود على هذا القرار باستمرار‪،‬‬
‫والتوجه للمحكمة‬
‫نهائي‬
‫وقد م ّر نحو خمس سنوات على زواج زوجها حني ق ّررت االنفصال بشكل‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫املدنية لطلب الطالق‪ ،‬حيث تتل ّقى املرافقة القضائية من إحدى اجلمع ّيات النسوية‪ ،‬إال أنه يبدو بني‬
‫السطور أنّ ندى ما زالت ُمتردّدة‪.‬‬
‫رضوخ لألمر الواقع‪:‬‬
‫ّ‬
‫يتجذر فيه واجب املرأة في طاعة الرجل تصبح معارضة املرأة لزواج زوجها وتعدّ د‬
‫في خطاب‬
‫تؤججه مشاعرها من مهانة وألم وحتقير‬
‫زوجاته معصية جتعلها تتمزّق ما بني صراعها الداخلي الذي ّ‬
‫ّ‬
‫املتجذرة داخلها‪ ،‬والتي عاشت وترعرعت عليها جميع النساء ومتاهت معها‬
‫لها‪ ،‬وبني منظومة القيم‬
‫ متاهت مع قيمها الذكورية التي جتعلها تعيد إنتاجها من جديد من خالل إعالن تأييدها لتعدّ د‬‫الزوجات واعتبار هذه املمارسة ح ًّقا للرجل‪ .‬إنّه التماهي مع القاهر‪ ،‬وهي وسيلة دفاعية نفسية‬
‫تساعد املرأة على التعاطي مع وضعيتها من خالل تذويت القهر وتبنّي املقهورين لقيم وآراء ومواقف‬
‫القاهر جتاههم‪.‬‬
‫فزهرة التي اجنبت ابنة واحدة وكانت تعاني من مشاكل صحية حالت دون حملها لم تستطع‬
‫الوقوف بوجه زوجها وضغط عائلته املستم ّر بالزواج من أجل إجناب املزيد من األوالد‪ ،‬وحظي هذا‬
‫السبب مبصادقة مطلقة من املجتمع‪ ،‬وإن لم يتّخذ الزوج نفسه قرا ًرا كهذا فإن احمليط يدفعه‬
‫قائم على التمييز بني اجلنسني‪،‬‬
‫باستمرار عبر الضغط عليه لتزويجه من امرأة ثانية‪ .‬في مجتمع ٍ‬
‫يعتبر إجناب الذكور ذخ ًرا للعائلة والمتدادها‪ ،‬أ ّما اإلناث فينظر إليهنّ ككائنات منقوصة‪ ،‬يصبح‬
‫تعدّ د الزوجات هد ًفا سام ًيا وأم ًرا ال تستطيع الزوجة رفضه أو التم ّرد عليه‪ ،‬فهي ال متلك احلقّ في‬
‫االعتراض‪ .‬تع ّبر زهرة عن ذلك قائلة‪:‬‬
‫مرة رحت ّ‬
‫أحتكم قالوا لي بدنا نعملك كمان عملية‪ ،‬بس هاي العملية‬
‫“أنا آخر ّ‬
‫يتجوز‬
‫ميا يا زهرة إذا إنت م ّتي هو بدّ و‬
‫صعبة‪ ،‬رحت حكيت إلمي‪ّ .‬‬
‫أمي قلتلي ّ‬
‫ّ‬
‫‪128‬‬
‫وبنتك بدها تتر ّبى حتت إيدين النسوان‪ ،‬خليكي ط ّيبة ور ّبي بنتك‪ ،‬وإذا بدّ و يتجوز‬
‫يتجوز ‪ ..‬قلتلها وال الضالني آمني‪ .‬بصمت بالعشرة وقلتله روح اللي بدّ ك إياه‬
‫ما‬
‫ّ‬
‫تعمله أعمله‪ ،‬أنا خلص ال عدت ّ‬
‫أحتكم وال بدّ ي أوالد‪ ،‬هاي البنت كافية وزيادة‪،‬‬
‫تتجوز‪ ،‬أنا‬
‫أجتوز‪ ،‬قلتله ما‬
‫ّ‬
‫بدّ ك تضل متلي ضل‪ ،‬ما بدّ ك إنت حر ‪ ...‬ق ّلي أنا بدّ ي ّ‬
‫مش زعالنة‪ ،‬ق ّلي بدّ ك تد ّوري لي ‪ ..‬والله رحت عند تنتني ثالثة وما صار بينهن‬
‫وجتوز بدون عقد”‪.‬‬
‫نصيب ‪ ..‬فداروا أهله يد ّوروا والقوله واحدة ّ‬
‫ال يعطي املجتمع هذا التشريع لو كانت احلالة معاكسة‪ ،‬أي في حال لم يكن الرجل قاد ًرا على‬
‫اإلجناب واملرأة ال تعاني من مشاكل‪ ،‬بل يتو ّقع منها أن تقبل هذه احلال وتساند زوجها‪ ،‬بل حتى أن‬
‫تتستّر على عجزه اعتبا ًرا لرجولته‪ .‬أ ّما زهرة فال سبيل لها سوى الرضوخ‪ ،‬وكان يعني زواج زوجها‬
‫قدوم الزوجة الثانية للعيش معها في البيت نفسه‪ .‬مع ّ‬
‫كل ما يرافق ذلك من ألم ومعاناة‪ ،‬وهي تع ّبر‬
‫عنهما بقولها‪:‬‬
‫“شو حسيت؟‪ ,‬شو ممكن مرا حتس بهيك وضع!! (وتصمت طويال)‪ .‬حسيت إشي‬
‫بدهن يوخدوه مني ‪ ..‬حسيت حدا أخد كل اللي بنيته ‪ ..‬أنا صرلي ببني دار عشرين‬
‫سنة‪ ،‬فيه من امللحة للخميرة حتى تيجي وحدة تقولك إلي النص بالنص‪ ،‬ساعتها‬
‫كيف أنا بدّ ي أحس‪ ،‬مش عالزملة‪ ،‬بالش الزملة‪ ،‬بس عالتعب اللي ّ‬
‫حطيته ببيتي”‪.‬‬
‫تعتبر حسونة‪ -‬فيليب (‪ )Hassouneh-Phillips, 2001‬في بحثها املم ّيز بني العائالت‬
‫العربية املسلمة في أمريكا أن تعدّ د الزوجات هو ممارسة تنكيلية بحدّ ذاتها تتع ّرض لها النساء‪،‬‬
‫مشير ًة إلى عمق هذا التنكيل حني تكون الزوجة شاهد ًة على طقوس زواج زوجها‪ .‬هذا ما عاشته‬
‫زهرة عندما طلب زوجها منها أن تقوم بنفسها بالتفتيش عن عروس له‪ ،‬فقامت بزيارة ثالث عائالت‬
‫بألم‬
‫لتخطب لزوجها‪ّ ،‬‬
‫ثم لتكون شاهدة على التحضيرات التي أجرتها عائلته لعرسه‪ .‬تصف زهرة ٍ‬
‫اللحظات التي راقبت فيها نساء العائلة يقمن بتحضير احلنّة للعروس القادمة‪ ،‬وما ارتدينه من‬
‫خصيصا حلفل زواج زوجها‪ ،‬فتقول‪:‬‬
‫مالبس احتفالية قمن بشرائها‬
‫ً‬
‫“أنا ضليتني ببيتي ّملا راحوا جابوها‪ ،‬أنا كنت قاعدة بالبيت وكنت عاملة قهوة‬
‫سادة واستقبلتهن وص ّبيتلهن قهوة‪ ،‬وملا فاتت العروس أخدت بنتي ونزلت منت عند‬
‫جوا فش حدا بعلم بحدا!! احلمدالله‬
‫دار أبوي ‪ ...‬شو حسيت؟ الله بعلم‪ ،‬يعني من ّ‬
‫‪ ..‬تاني يوم الصبح ر ّوحنا وقعدنا إحنا وإ ّياها هي بأوضة وأنا بأوضة”‪.‬‬
‫‪129‬‬
‫أبدت جميع النساء اللواتي قام زوجهنّ بالزواج من امرأة ثانية استياءهنّ ومعارضتهنّ لتعدّ د‬
‫الزوجات انطال ًقا من جتاربهنّ الشخصية التي يتخ ّللها الكثير من األلم واملعاناة‪ .‬غير أنّ النتائج‬
‫الشخصي من تعدّ د الزوجات الناجت عن جتربتهنّ الشخصية وبني‬
‫تظهر كذلك انشطا ًرا بني املوقف‬
‫ّ‬
‫تشريعهنّ للظاهرة‪ .‬فالزوجات يصفن معاناتهنّ ويظهرن اعتراضهنّ ورفضهنّ ملا قام أزواجهنّ به‪،‬‬
‫لكن معظمهنّ ش ّرعن تعدّ د الزوجات كظاهرة وفكرة‪ ،‬وينسب قسم من النساء معاناتهنّ لعدم التزام‬
‫النص القرآني الذي أباح التعدّ د‪ .‬ألنّ (املقهور ال يستطيع حت ّمل استمرار‬
‫الزوج بالعدل الذي ورد في ّ‬
‫القهر والتوق للحرية‪ ،‬وفي نفس الوقت يقوم إذا لم يستطع تغيير الواقع املرير بتغيير رؤيته لهذا‬
‫الواقع ليراه مبنظار جديد‪ ،‬مبنظار القاهر‪ ،‬ما يعطي معنى وتبري ًرا لقهره من جهة‪ ،‬ويجعله يحظى‪،‬‬
‫وهمي‪ ،‬بقسط من الق ّوة التي يحظى بها القاهر) دويري (‪ .)217 :1997‬تتر ّبى الفتاة كي‬
‫ولو بشكل‬
‫ّ‬
‫تع ّبر عن نفسها من خالل القوانني واملعايير الذكورية‪ .‬كيف ستع ّبر النساء عن أنوثتهنّ وهنّ غير‬
‫واعيات ملسألة جتعل املرأة في عاملنا تهرب من داخلها لتحاول العيش من أجل مجتمعها و‪/‬أو عائلتها‬
‫– عشيرتها‪ ،‬وتلغي ذاتها‪ .‬وجتد هذه األزمات لها مكانًا في جسم املرأة‪ ،‬حيث د ّلت األبحاث على نسب‬
‫عالية تعاني منها النساء من اضطرابات نفسية كاالكتئاب واألوجاع اجلسدية التي ال يوجد لها عارض‬
‫عضوي‪ ،‬إنمّ ا هي نتيجة األزمة النفسية التي تعيشها‪ ،‬والتقدير الذاتي املنخفض الذي تعيشه نسبة‬
‫ّ‬
‫توجه إليهنّ‬
‫عالية من الزوجات إلحساسهنّ بالفشل في دورهنّ كزوجات‪ ،‬عدا عن نظرة املجتمع التي ّ‬
‫أصبع االتهام وحت ّملهنَّ مسؤولية التقصير‪.‬‬
‫الديني الذي يجيز تعدّ د الزيجات‪،‬‬
‫هكذا تبدي جنوى قبولها تعدّ د الزوجات استنادًا إلى التشريع‬
‫ّ‬
‫وتع ّبر عن ذلك وهي تبكي بقولها‪:‬‬
‫“الصراحة أنا بتطلع من ناحية دينية واجتماعية‪ ،‬ما بفكر بس من ناحية نفسية‪،‬‬
‫ال‪ ،‬بفكر ككل‪ ،‬من ناحية دينية إذا بقرر الرجل يتجوز‪ ،‬حتى لو عنده والد‪ ،‬بس كان‬
‫مقتدر من ناحية مادية‪ ،‬مقتدر يدير العيلتني وما يظلم عيلة عشان يأسس عيلة‬
‫جديدة‪ ،‬ويهد عيلة تانية‪ ،‬إذا بقدر ليش أل‪ ،‬أوال بيستر من ناحية اجتماعية‪ ،‬بعالج‬
‫من ناحية اجتماعية‪ ،‬في كتير بنات‪ ،‬احلاجة معروفة ما بنقدر ننكرها‪ ،‬البنات أكتر‬
‫من الوالد‪ ،‬ساوي إحصائية تعالي عالبيوت‪ ،‬نسبة البنات أكثر‪ ،‬إذا واحد بساوي‬
‫حاجة ومبشي بحسب الدين ليش أل ‪ ...‬صحيح جوزي جتوز علي وأنا حلد اليوم‬
‫ثم تصمت جنوى من احلرقة‪.‬‬
‫بعاني من جيزتي ‪ ..‬بس‪ّ ”..‬‬
‫تعتقد جنوى أن عدم العدل الذي يسلكه زوجها مردّه إلى عدم تد ّينه وأنه لو كان متدينًا لعدل في‬
‫تص ّرفاته جتاهها كزوج‪ ،‬وهي بذلك تتشابه مع النساء في البحث الذي أجرته حسونة‪ -‬فيليب‪ ،‬حيث‬
‫‪130‬‬
‫لم تعتبر معظم املشتركات أن تعدّ د الزوجات‪ ،‬بشكل عام‪ ،‬هو ممارسة تنكيل ّية‪ ،‬بل نسنب التنكيل‬
‫الذي يتع ّرضون إليه إلى عدم “عدل” الزوج ولسوء تطبيقه للتعدّ د‪.‬‬
‫كانت جنوى قد حاولت إقناع زوجها بالعدول عن هذا القرار إال أنه بقي مص ًّرا على الزواج رغم أنها‬
‫أبلغته أنّها حامل (وهي التي كانت قد أجنبت بن ًتا واحدة أصبح عمرها خمس سنوات)‪ ،‬غير أنه تل ّقى‬
‫هذا اخلبر بغضب لتكتشف حينها مشروعه في الزواج‪ .‬بعد زفاف زوجها عادت جنوى إلى بيتها‪ ،‬بينما‬
‫انتقل زوجها للعيش مع زوجته الثانية في بيت أهله القريب من بيتها‪ّ .‬‬
‫مت استئناف عالقتها الزوجية‬
‫دون التفكير باالنفصال أو طلب الطالق أو مطالبة زوجها باالنفصال عن الزوجة الثانية‪ .‬وبقيت‬
‫اخلالفات تدور بينهما حول عدم حت ّمله مسؤول ّيات البيت وإهماله لها ولبناتها‪ ،‬وبحسب ما تصفه جنوى‬
‫لعدم “عدله”‪ .‬لم ّ‬
‫تفكر جنوى بالطالق بتا ًتا‪ ،‬فهذا من ناحيتها “حرام ‪ ..‬احلمد لله عندي بنات‬
‫وعايشة مليح”‪ .‬فما ميكن أن يحدث في حال الطالق‪ ،‬حسب رأي جنوى‪ ،‬هو أصعب من كونها‬
‫تعيش كزوجة “متروكة”‪.‬‬
‫بذلك يظهر التناقض والبلبلة في موقف قسم من النساء‪ ،‬فرغم املعاناة الكبيرة التي تصفها جميع‬
‫النساء اللواتي تز ّوج أزواجهنّ بامرأة أخرى ويعشن في زواج متعدّ د الزوجات‪ ،‬إال أن موقف الزوجات‬
‫أنفسهنّ متناقض ما بني التجربة الشخصية وبني املوقف العام من تعدّ د الزوجات‪ .‬إن العديد من‬
‫النساء‪ ،‬وخاصة املشاركات من منطقة اجلنوب‪ ،‬ش ّرعن تعدّ د الزوجات كظاهرة في حال استطاع الزوج‬
‫العدل بني الزوجات‪ ،‬وفي حال كان ميلك إمكانيات مادية عالية وكان قاد ًرا على تأمني احتياجات‬
‫كال البيتني‪ .‬لكنّ ذلك ال يلغي لديهنّ الشعور باإلهانة واأللم الذي يتس ّببه زواج الزوج‪ .‬يتغ ّلب بذلك‬
‫كأهم وظيفة للمرأة‪ ،‬وهي وظيفة ميكن‬
‫مفهوم الطاعة الذي يدعو املرأة دائ ًما إلى االمتثال والرضوخ‬
‫ّ‬
‫أن تفقد من خاللها وجودها إذا مت ّردت على سلطة الرجل‪.‬‬
‫يتشابه موقف جميلة مبا يحويه من تناقضات مع موقف جنوى‪ ،‬وفي حني تتحدّ ث جنوى بحزن‬
‫وألم‪ ،‬فإنّ حديث جميلة يتم ّيز بالغضب العارم‪ .‬ترى جميلة أنّ تعدّ د الزوجات مشروط بالعدل بني‬
‫الزوجات واقتدار الرجل على إعالة كال الطرفني‪“ .‬اللي مش قادر يقوم بواحدة أنا بفضل يضله‬
‫عليها ‪ ..‬شوفي في حاالت كتيرة بصير فيها تعدّ د زوجات‪ ،‬املهم يعدل من التنتني وميشي‬
‫بحق الله‪ ،‬وما يقصر في واحدة وال يترك احلمل ك ّله على واحدة‪ ،‬املرأة اللي مش قامية‬
‫يتجوز عليها”‪.‬‬
‫بواجبها من ح ّقه‬
‫ّ‬
‫في الوقت ذاته تقول جميلة إنّ على الزوج أن يحترم مشاعرها “مش يقل من قيمتها ويهينها‬
‫ويسب عليها ويغلط عليها‪ ،‬كمان املرا إلها مشاعرها واحترامها وكيانها وزي ما هو إله‬
‫ّ‬
‫‪131‬‬
‫حقوق كمان هي إلها حقوق”‪ .‬ترى جميلة أنّ األزواج‪ ،‬بشكل عام‪ ،‬غير أوفياء لزوجاتهم‪“ .‬لو‬
‫قصرت معاه في‬
‫تضوي أصابعك العشرة ما بطمر فيه‪ .‬كل حياتي واقفة معاه‪ ،‬عمري ما ّ‬
‫إشي ‪ ..‬هو عندو يا إ ّنو بتمشي متل ما بدّ ي يا ما بتلزميني بالبيت”‪ .‬تقول جميلة إنّ زوجها‬
‫يتعامل بعنف جتاهها وجتاه األوالد‪ ،‬االمر الذي يجعلها دائ ًما تقف أمامه وتعترضه لتحمي األوالد وال‬
‫تدع أحدً ا من أقربائه يتدخل في حياتها‪.‬‬
‫كذلك األمر بالنسبة إلى فاطمة‪ ،‬فهي تتحدّ ث عن األمر بعدم اكتراث يخفي خلفه الكثير من‬
‫متجوز ثالثة ‪ ..‬شو‬
‫يتجوزوا‪ ،‬أخوي كان‬
‫املرارة والتسليم بالوضع القائم‪“ .‬هني عادات البدو‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫وأيضا عليا (من الشمال)‪ ،‬أنّ هناك أسبا ًبا‬
‫بدّ ي أقول”‪ .‬وترى زهى‪ ،‬كما جميلة وجنوى وفاطمة ً‬
‫يجوز فيها للرجل الزواج من عدّ ة نساء‪ ،‬وعلى رأس هذه األسباب تقصير الزوجة األولى في واجباتها‬
‫الزوج ّية والعائل ّية جتاه زوجها‪.‬‬
‫واضحا أن صياغة النساء لألسباب التي دفعت أزواجهنّ إلى الزواج من أخرى حتدّ د‪،‬‬
‫لقد كان‬
‫ً‬
‫مركزي‪ ،‬موقفهن من ازواجهن وتعاملهن الالحق معهم‪ .‬وبكلمات أخرى‪ ،‬إنّ النساء اللواتي‬
‫بشكل‬
‫ّ‬
‫رأين أنّ أزواجهنّ قمن بذلك النعدام مسؤوليتهم وهر ًبا من أداء دورهم ولم يقبلن التبريرات التي‬
‫عرضها األزواج أمامهنّ ‪ ،‬فقد كانت سلوك ّياتهنّ جتاه الزوج أكثر حز ًما وثبا ًتا‪ .‬مي‪ ،‬مثال‪ ،‬رفضت تبرير‬
‫زواج زوجها لتقصيرها في تلبية احتياجاته اجلنسية‪ ،‬واعتبرت أن ما قام به زوجها ما هو سوى ته ّرب‬
‫من مسؤول ّياته وخيانة مطلقة لها‪ .‬وقد انطلقت بعد ذلك لتتخذ موق ًفا يرفض بشكل مستم ّر وقاطع‬
‫استئناف عالقتها به‪ ،‬بينما قامت جنوى التي تعتبر أن تعدّ د الزوجات ممارسة شرعية وهي تختلف‬
‫مع زوجها لعدم عدله‪ ،‬باستئناف عالقتها الزوجية ومن ضمنها اجلنسية بحسب رغبته‪ ،‬فور زواجه‬
‫صراعا مستم ًّرا في داخلها‪ ،‬ينعكس في الصعود‬
‫الثاني‪ ،‬وهي دو ًما متخ ّبطة في هذا اجلانب وتعيش‬
‫ً‬
‫والهبوط املستم ّر في عالقتها بزوجها وأحساسها باإلهانة من جهة‪ ،‬ووالئها ملفهوم الطاعة الذي تتبنّاه‬
‫والذي يتط ّلب منها رضوخً ا لهذه الوضع ّية القاسية‪ ،‬من جهة أخرى‪.‬‬
‫‪132‬‬
‫احملور الرابع‪ :‬الزوجة الثانية ‪ -‬األسباب التي‬
‫دفعت النساء إلى الزواج من رجل متز ّوج‬
‫متوسط عمر زواج النساء اللواتي تز ّوجن من رجل متز ّوج هو ‪ 26‬عا ًما‪ .‬وهو عمر يعتبر‬
‫ظهر أنّ‬
‫ّ‬
‫في أوساط محافظة متأخّ ًرا للزواج‪ ،‬وهو عاد ًة ما مي ّيز الزوجة الثانية‪ ،‬والتي ّ‬
‫يشكل عمرها عام ًال‬
‫حاس ًما في اعتبار أنّها لم تعد صاحلة للزواج‪ ،‬وأن قطار الزواج قد فاتها‪ ،‬وأنّ إمكانية تقدّ م عريس‬
‫يقربها جي ًال أصبحت ّ‬
‫أقل احتما ًال‪ .‬وبالتالي‪ ،‬يصبح زواجها من رجل متز ّوج مبثابة تسوية ‪ -‬قيمتها‬
‫ّ‬
‫تقل وعليها التنازل والقبول بنصف رجل‪.‬‬
‫احلب‪:‬‬
‫التخلّص من السلطة األبوية واحلاجة إلى ّ‬
‫تز ّوجت سلمى في سنّ ثمانية وثالثني عا ًما برجل متز ّوج تع ّرفت عليه أثناء عملها‪ ،‬فنشأت بينهما‬
‫حب انتهت بالزواج‪ .‬كانت سلمى قد خطبت عدة م ّرات في السابق‪ ،‬أ ّولها وهي في سنّ ستة‬
‫عالقة ّ‬
‫ّ‬
‫الصف العاشر‪ ،‬وكان اخلطيب ابن ع ّمها‪ .‬عند نهاية مرحلة الدراسة‬
‫عشر عا ًما‪ ،‬وقد كانت طالبة في‬
‫الثانو ّية تغ ّيرت مشاعر سلمى جتاه هذا الشاب‪ ،‬وق ّررت فسخ اخلطوبة رغم معارضة أفراد عائلتها‪،‬‬
‫وقد أدّى ذلك إلى مشاكل بني العائلتني ما زالت تداعياتها بادية حتى اليوم‪ .‬تابعت سلمى الدراسة‬
‫املهني‬
‫ثم بدأت العمل في مجال الطفولة وش ّقت طريقها‬
‫وحصلت على شهادة حضانة مؤهّ لة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫عصامي‪ ،‬إذ التحقت بإحدى اجلامعات في البالد وبدأت تعمل في النهار وتدرس‬
‫والتعليمي بشكل‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫لي ًال لتمويل دراستها‪ .‬خالل ذلك ّ‬
‫متت خطوبتها من شاب كان قد تقدّ م لها عن طريق أهلها‪ ،‬فقبلت‬
‫و ّ‬
‫رسمي قبل مراسيم الزواج‪ ،‬لكنّ سلمى لم تشعر باالنسجام مع خطيبها وبعد‬
‫مت إجراء عقد زواج‬
‫ّ‬
‫خطوبة دامت سنة ق ّررت إنهاء العالقة وفسخ اخلطوبة‪ ،‬األمر الذي ح ّملها الكثير من األعباء املالية‬
‫أي دعم من عائلتها نهائ ًّيا‪.‬‬
‫والضغوطات االجتماعية‪ .‬في تلك األوقات لم تتلقّ سلمى ّ‬
‫طبعا‪ ..‬وفي‬
‫“كان في عقد رسمي ‪ ...‬فإذا بدّ ي أتركه بدي أكون مطلقة ‪ ..‬عالورق ً‬
‫بتدفعي تكاليف كتيرة ‪ ..‬الزم تدفعيله مصاري عشان تطلقي ‪ ...‬قعدنا سنتني باحملاكم‬
‫‪ ..‬ومصاري ماكنش معاي وأبوي ما بدّ و يساعدني وأخوي كمان‪ ،‬وحاولوا‪ ،‬وضربوني‬
‫مرة وأنا حاولت أنتحر‪ ،‬باآلخر أخذت قرار من القاضي ‪ ..‬حتى زمان كان‬
‫أكثر من ّ‬
‫يسأل القاضي‪ :‬ليش ما بدّ ك إياه؟ قلتله بدّ ي أجهّز (وتقصد التجهيزات للعرس وتبتسم‬
‫‪133‬‬
‫رجعت ّ‬
‫كل األغراض اللي‬
‫علي‪ 7000 ،‬شيكل‪ّ ،‬‬
‫ساخرة)‪ ،‬كان بوقتها مبلغ كثير كبير ّ‬
‫كان يجيبها‪ ،‬الذهب اللي جابه وهيك ‪ ..‬وعملنا اتفاق وط ّلقنا”‪ .‬كانت سلمى تذهب جللسات‬
‫احملكمة وحدها‪ .‬كانت أخواتها البنات يدعمنها في خطوتها‪ ،‬بينما عارضها والداها وإخوتها الذكور‪،‬‬
‫بشكل تام‪.‬‬
‫تتوجه إلى جلسات احملكمة وحيدة‪ ،‬إلى‬
‫اضط ّرت سلمى إلى دخول هذه املواجهة مبفردها‪ .‬فكانت ّ‬
‫أن ّ‬
‫متت اإلجراءات و ّ‬
‫مت االنفصال‪ .‬بعد سنتني من فسخ اخلطوبة ارتبطت سلمى للم ّرة الثالثة بشاب‬
‫واحلزبي ألحد التيارات العلمانية والراديكالية‪ ،‬لكنّ أهله‬
‫الفكري‬
‫أح ّبته وكان يجمعهما انتماؤهما‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫مرتني”‪ ،‬وقالوا له‬
‫عارضوا هذه العالقة‪ ،‬إذ رأوا‪ ،‬حسب تعبيرها‪ ،‬أنها صبية “قوية” و”مدشرة ّ‬
‫“ما بتقدرلها‪ ،‬وبعد أسبوعني من قراية الفاحتة أجبروه أهله على إنهاء العالقة ‪ ..‬وهيك‬
‫انحسبوا علي ثالثة عرسان ‪ ..‬بعدها وبعمر ثمانية وعشرين سنة بطل حدا يتقدّ ملي ‪..‬‬
‫الصراحة الثمن كان غالي ‪ ..‬هو جتوز باآلخر زواج تقليدي ‪ ..‬بنت عمرها ‪ 18‬سنة‪ ،‬كان‬
‫طبعا وال تعتبر هداك التهديد‬
‫عمري صار ‪ 28‬سنة ‪ ..‬صبية طويلة‪ ،‬حلوة ومش متع ّلمة ً‬
‫عليه”‪.‬‬
‫بقيت سلمى عزباء في الوقت الذي تز ّوج فيه جميع أخواتها وإخوتها وصديقاتها‪ ،‬فاستم ّرت في‬
‫تطوير مهنتها‪ ،‬كما مارست كتابة الشعر‪ ،‬األمر الذي كانت قد بدأت به منذ مراهقتها‪ .‬غير أن سلمى‬
‫عاشت مع شعور بالفراغ العاطفي تع ّبر عنه بقولها‪:‬‬
‫“مع كل اللي صار معاي من حقي أجتوز ‪ ..‬يكونلي بيت‪ ،‬أستقر ‪ ..‬كان برضه في‬
‫مشاكل مع إخوتي‪ ،‬كان واحد من إخوتي كتير يضايقني وين رايحة؟ ووين جاي؟‪.‬‬
‫من ناحية ثانية أبوي ب ّلش يتغ ّير جتاهي وصار يسمع من برا عن الشعر اللي كنت‬
‫أكتبه شغالت إيجابية‪ ،‬فب ّلش يتغ ّير معي ويحترمني أكثر‪ .‬لكن أنا بلش فراغ كبير‬
‫بحياتي‪ ،‬فراغ عاطفي‪ ،‬فراغ اجتماعي‪ ،‬يعني صاحباتي كلهن جتوزوا‪ ،‬إلهن أوالد‪،‬‬
‫يعني لو بدي أروح داميا أحس إنه في إشي ناقصني‪ ،‬برضه أنا ح ّقي أجتوز ويكون‬
‫إلي أوالد”‪.‬‬
‫في الثالثة والثالثني من عمرها وبعد أن كانت سلمى قد قطعت ً‬
‫املهني‪،‬‬
‫شوطا كبي ًرا في مسارها‬
‫ّ‬
‫حيث عملت في عدة مؤسسات تربوية وكان لها مساهمة كبيرة في تطوير مجال الطفولة في منطقة‬
‫مؤسسة حضانات خاصة بها تقوم اليوم على إدارتها بنفسها‪ .‬تع ّرفت سلمى‬
‫سكناها‪ ،‬قامت بافتتاح ّ‬
‫على زوجها احلالي من خالل عملها‪ ،‬وهو رجل متز ّوج وأب لستّة أطفال‪ ،‬وتصف سلمى طفولته‬
‫‪134‬‬
‫التعسة للغاية‪ ،‬فقد تو ّفي والده وهو طفل‪ ،‬وقام أهل أ ّمه بتزويج أ ّمه آلخر بينما تر ّبى هو لدى جدّ ته‬
‫من طرف والده‪ .‬حني كان في السادسة عشرة من عمره نشب حريق في بيته وتو ّفيت جدّ ته وأخته‪،‬‬
‫فقام أعمامه بعد ذلك مباشرة بتدبير زواجه‪ ،‬وهو في السابعة عشرة من عمره‪ ،‬من ابنة ع ّمه التي‬
‫تكبره بسنة‪ .‬عن تط ّور هذه العالقة تقول سلمى‪:‬‬
‫احلب كان صعب للغاية باألول ‪ ..‬أنا مش محتاجة حماية‪،‬‬
‫علي هذا ّ‬
‫“عندما عرض ّ‬
‫أنا بحاجة ملشاركة‪ ،‬كان رجل قوي‪ ،‬هو اللي مر عليه كتير بحياته خاله يتحمل‬
‫كتير ‪ ..‬حدث إشي بداخلي‪ .‬كان من الصعب باأل ّول أتقبل الفكرة بس بعدين من‬
‫بقوة بحياتي خلص صار ييجي عالبيت ع ّنا وعقد صداقة مع والدي‬
‫إحلاحه ودخوله ّ‬
‫وحكى ألبوي كمان‪ ،‬ك ّنا نحكي عن جيزة بس فش خطوبة عمل ًّيا ‪ ..‬فحكى مع‬
‫أبوي وأبوي وافق‪ .‬أنا متأكدة شو أبوي ّ‬
‫فكر‪ :‬كبرت‪ ،‬صارت فوق الثالثني‪ ،‬خواتها‬
‫جتوزوا‪ ،‬وبالرغم من إنه عنده ستة أوالد‪ ،‬مش ولد وال ولدين وعنده زوجة ًّ‬
‫جدا‬
‫وجتوزنا”‪.‬‬
‫قوية‪ ،‬فأبوي وافق‪ ،‬و ّملا أجا سألني صارت ّ‬
‫لم تقم سلمى مراسيم عرس كباقي األعراس “ما عملتش عرس زي اللي بعملوه ‪ ..‬ذهب‬
‫ما أخدت ‪ ..‬لليوم عندي شعور إنه زواج أقل من الزواج العادي‪ ،‬مش محترم زي الزواج‬
‫العادي ‪ ..‬يعني مع الشاب اللي خطبني وتركني كان عندي أحالم أخرى‪ ،‬العرس‪،‬‬
‫عالقاتنا‪ ،‬طلعاتنا‪ ،‬كل إشي ‪ ..‬عالقتي بعيلته لليوم محدودة‪ ،‬ما عندي عالقة بعيلته إال‬
‫إمه وخواته”‪.‬‬
‫مع ّ‬
‫أ ّما عن األسباب التي دفعت سلمى الشابة املستقلة ماد ًّيا إلى هذا الزواج‪ ،‬فقد أشارت إلى قض ّيتني‬
‫أساس ّيتني‪ ،‬األولى هي التخ ّلص من سيطرة أخوتها على حياتها‪ ،‬وقد ع ّبرت عنه بالشكل التالي‪:‬‬
‫“اليوم فش حدا بقدر يتحكم فيي من إخوتي‪ ،‬يعني تخايلي لو ضليت عند‬
‫جتوزت‪ ،‬أخوي كان قاسي علي‪ ،‬كان يضل يسألني ويتطلع عالساعة‬
‫أهلي وما ّ‬
‫ومرات يضربني‪ ،‬ممنوع أتاخر عن البيت ويسأل مني هدا اللي بتصل فيكي؟ وليه‬
‫ّ‬
‫وحريتي اللي هي‬
‫هيك شعرك؟ بالذات إني أنا بحكي عن مشاعري وعن ّ‬
‫احلب ّ‬
‫أهم إشي‪ ،‬اليوم بطلع وبنزل على راحتي‪ ،‬جوزي منفتح‪ ،‬كان متدين بس اليوم‬
‫هو ماشي معاي وين ما بدّ ي بروح ‪ ...‬تلبية حاجاتي اجلنسية واجلسدية واجلانب‬
‫االجتماعي بعملك هدوء نفسي واستقرار عاطفي‪ ،‬يعني ملا بكون أسهر أنا وإياه‬
‫بالليل مع البنات بكون كتير سعيدة‪ ،‬هني بلعبوا حوالينا‪ ،‬أنا كسبت بناتي‪ ،‬كسبت‬
‫‪135‬‬
‫استقرار معني‪ ،‬مزبوط ممكن مرات العيلة تعرج‪ ،‬مرات ممكن ناقصها أشياء هون‬
‫جواتي بح ّبها وبتحبني ‪ ..‬ملا وقعت قبل فترة وانكسروا رجلي‬
‫وهناك‪ ،‬بس من ّ‬
‫يفوتني عاحلمام ويعتني فيي‪ ،‬أمي اليوم‬
‫وأكعابي كان يحملني زي البنات الزغار‪ّ ،‬‬
‫ختيارة‪ ،‬ملا كنت الزم أفوت عالعلمية كنت بحاجة حلدا حدي وهو يكون حدي‬
‫ميسك بإيدي وميسحلي دمعتي‪ ،‬يجبلي لقمة‪ ،‬هو إنسان رائع‪ ،‬مرات بزعل مني‬
‫مرات بزعل منه‪ ،‬ووجود بناتي بحياتي ساعدني أني أفهمه وأفهم مشاعره جتاه‬
‫ّ‬
‫والده وبفهمه كأب كيف ممكن يقدّ م ألوالده كل إشي‪ ،‬بتخايل لو بنتي كانت بحاجة‬
‫إلشي وأنا ما أعطيتها”‪.‬‬
‫األمومي‪ ،‬وعن ذلك تقول سلمى‪:‬‬
‫أ ّما القضية الثانية فهي رغبتها في تكوين عائلة وممارسة دورها‬
‫ّ‬
‫“أنا سألت حالي هدا السؤال ‪ ..‬إنت مستقلة وبتشتغلي وبتروحي وبتيجي ‪ ..‬شو‬
‫احلاجة كان‪ ،‬بالعكس املصروفات زادت واملسؤوليات زادت‪ ،‬في والد هون بالصورة‪،‬‬
‫في بيت‪ ،‬بجوز أنا بحاجة لرجل‪ ،‬حلب‪ ،‬لوالد بشكل شرعي‪ ،‬يعني سألت أبوي مرة‬
‫أجتوز؟ هو ما استوعب قلي كيف يعني جتيبي والد‬
‫بتسمحلي أجيب والد بدون ما ّ‬
‫بدون ما تتجوزي ‪ ...‬لو كنت عايشة ببلد بسمح بهيك إشي كنت أكيد بفكر بهيك‬
‫إمكانية”‪.‬‬
‫بالرغم من معطيات سلمى وخلفيتها التعليمية واملهنية فهي تشير إلى كونها امرأة مستقلة‬
‫حزبي ُيعتبر راديكال ًّيا للغاية‪ ،‬وهو ما من شأنه أن يثير الكثير‬
‫اقتصاد ًّيا وناشطة سياس ًّيا في إطار‬
‫ّ‬
‫قصة سلمى حتديدً ا‬
‫من التساؤل حول األسباب التي دفعت بها إلى الزواج من رجل متزوج‪ ،‬إال أنّ ّ‬
‫تس ّلط الضوء على عدة نقاط‪ ،‬أ ّولها هو أنّ االستقاللية االقتصادية واإلجنازات املهنية والتعليمية التي‬
‫ح ّققتها وأخريات غيرها ما زالت حتى اآلن غير كافية لكي حتصل املرأة على حريتها ومتلك مصيرها‬
‫بيدها‪ ،‬وال يزال املجتمع يرفض تق ّبلها طاملا بقيت دون زواج‪ ،‬أي من دون رجل تتبع له‪ .‬وهذا بالضبط‬
‫ما ورد في نتائج بحث غامن (‪ )2005‬حول املواقف من حقوق املرأة‪ ،‬إذ أظهر أنّ املجتمع يبدي‬
‫استعدادًا واس ًعا لالعتراف بحقوق املرأة العينية‪ ،‬مثل احلق في التع ّلم والعمل واحلماية من العنف‪،‬‬
‫إال أنه ما زال غير مستعدّ للقبول بهذه احلقوق بشكل جارف‪ ،‬عبر شرطها مبجموعة من املطالب‬
‫املترافقة‪ ،‬التي تأتي عمل ًّيا لتك ّرس النظام األبوي من خالل عدم حقّ اإلقرار بحقّ املرأة في حرية‬
‫احلركة والسيطرة على اجلسد وإقامة عالقات ندية مبنية على املساواة التامة مع الرجل‪.‬‬
‫الذكور في العائلة هم من ّ‬
‫يتحكمون بحياة سلمى ويق ّيدونها ويقيدون حركتها‪ ،‬األمر الذي يجعلها‬
‫‪136‬‬
‫ّ‬
‫متجذرة في‬
‫ترسبات املجتمع األبوي‬
‫ترى في الزواج املنفذ للتخ ّلص من هذه السلطة األبوية‪ .‬وتبقى ّ‬
‫تكوين شخصية الرجل الفلسطيني الذي لم ينجح اإلطار السياسي اليساري ذو النزعة الراديكالية‬
‫في خلق حت ّول جوهري في شخصية من أح ّبته سلمى‪ ،‬ليخضع في النهاية لرغبة عائلته التي لم تر‬
‫ّ‬
‫وتشكل بالنسبة لهم تهديدً ا‪ ،‬بل‬
‫أن سلمى زوجة مالئمة‪ ،‬ألنها شابة غير منطية وغير منوذجية‪،‬‬
‫عائلي‬
‫فضلوا أن يرتبط بفتاة صغيرة غير متع ّلمة وال تعمل لكنها تتمتّع باجلمال‪ .‬إ ًذ‪ ،‬فالزواج شأن‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫وليس فرد ًّيا وال مكان حلرية االختيار ولفردانية الفرد‪ .‬من هنا‪ ،‬خضع هذا الشاب لرغبة أهله وعاد‬
‫ليتبنّى املعايير التقليدية لزوجة املستقبل‪ّ .‬‬
‫شكلت هذه العالقة بالنسبة إلى سلمى منعط ًفا مركز ًّيا‬
‫أ ّثر بشكل كبير على مسار حياة سلمى‪ ،‬إذ وجدت نفسها وحيدة‪ ،‬وقد فاتها قطار الزواج‪.‬‬
‫قصة‬
‫غير أنّ قرار سلمى الزواج من رجل متز ّوج ال ينسجم مع التو ّقع النمطي لهذه الزيجات‪ .‬تكسر ّ‬
‫النمطي في ما يتع ّلق باملجتمع وموقفه من املرأة التي تتز ّوج من رجل متز ّوج‪ .‬ففي‬
‫سلمى التفكير‬
‫ّ‬
‫زوجا يقوم على إعالتها حيث ال متلك هي‬
‫أغلب األحيان‪ ،‬تكون حاجة املرأة لزوج اقتصادية‪ ،‬فهي تريد ً‬
‫حب جمعتها بزوجها‪ ،‬وهي عالقة القت‬
‫استقاللية اقتصادية واجتماعية‪ .‬أما سلمى فتشير إلى عالقة ّ‬
‫الرفض املطلق واالعتراض الشديد من املجتمع‪ .‬وتذكر سلمى ظرو ًفا (سيظهر فيما بعد أنها تتشابه‬
‫مع قصص أحد الرجال في املقابالت املع ّمقة‪ ،‬والذي أرغم على الزواج من زوجته األولى بحسب رغبة‬
‫أيضا فرض عليه الزواج من‬
‫ضحية لنظام‬
‫ذكوري‪ً ،‬‬
‫ّ‬
‫العائلة)‪ .‬في املقابل‪ ،‬الزوج كما زوجته االولى‪ ،‬هو ّ‬
‫ابنة ع ّمه في سنّ صغيرة‪ .‬لقد كانت هناك خالفات كثيرة بني زوج سلمى وزوجته األولى‪ ،‬لكن فكرة‬
‫زوجا للثانية هو‪ ،‬عمل ًّيا‪ ،‬حتايل أو‬
‫الطالق لم ُتطرح أبدً ا‪ .‬إن زواج زوج سلمى بها وبقاءه بشكل‬
‫رسمي ً‬
‫ّ‬
‫تسوية بني النظام البطريركي وبني النزعة إلقامة شراكة زوج ّية غير منط ّية‪.‬‬
‫وفي الوقت الذي تز ّوجت فيه سلمى باتفاق واضح بينها وبني زوجها على كل تفاصيل حياتهما‬
‫املشتركة‪ ،‬فإنّ زوجي سمية ووهيبة أخفيا على زوجتيهما أنهما تز ّوجا من قبلهما‪ ،‬ولم تعلما بذلك‬
‫إال عن طريق الصدفة‪.‬‬
‫“ ظل رجل وال ظل حيطة”‪:‬‬
‫تع ّرفت وهيبة على زوجها من خالل عملها في مجال اخلياطة في أحد املصانع اإلسرائيلية حيث‬
‫كان زوجها‪ ،‬وهو من سكان الضفة الغربية احملتلة‪ ،‬يعمل في إحدى املناطق العربية‪ .‬كانت وهيبة‬
‫تعرف أنّ الزوج مطلق وله ثالثة أوالد‪ ،‬ولديه مستند ّ‬
‫يؤكد ذلك‪ .‬تز ّوجت وهيبة وهي في الثالثة‬
‫عادي‪ ،‬واستق ّرا في منطقة سكناها‪ .‬كان زوج وهيبة يتردّد بني احلني‬
‫كأي زواج ّ‬
‫والعشرين من العمر‪ّ ،‬‬
‫‪137‬‬
‫واآلخر على بلدته‪ ،‬وفي معظم األحيان كانت ترافقه‪ ،‬لكنها ظ ّلت جتهل حقيقة أنه غير مط ّلق‪ .‬علمت‬
‫وهيبة أنّ زوجها لم يكن مط ّل ًقا بعد مرور ثالث سنوات فقط‪ ،‬وقد كانت حام ًال في طفلها األول‪.‬‬
‫ُصدمت‪ ،‬لكنها لم تطلب منه أن ُيط ّلق زوجته األولى‪.‬‬
‫أ ّما سم ّية فقد كانت تعيش في بيت عائلتها في إحدى قرى اجلليل وعرفت زوجها الذي جاء يبحث‬
‫عن زوجة من بلد آخر من خالل املعارف‪ .‬كان عمرها في حينه ثالثة وعشرين عا ًما‪ ،‬وكانت تعمل‬
‫مؤسسة التأمني الوطني‪ .‬لم‬
‫كمساعدة لوالدها‪ ،‬وتتل ّقى مقابل ذلك مبلغًا قلي ًال من املال من قبل ّ‬
‫تعرف سمية أنّ خطيبها متز ّوج إال قبل شهرين من زواجهما‪ ،‬ولم يخبرها هو نفسه‪ ،‬بل عرفت عن‬
‫طريق أشخاص عرفوه‪ُ .‬صدمت لكنها كما تقول كانت قد تع ّلقت به ولم تعد قادرة على التراجع‪.‬‬
‫بعد ذلك عرفت أنّ لديه أربع بنات‪ ،‬وأنّه يبحث عن زوجة أخرى لينجب منها أوالدًا ذكو ًرا‪“ .‬كان‬
‫احلب غالب على كل إشي وزي ما تقولي اجلهل وأنا وال مرة حبيت بحياتي وفكرت إنه‬
‫هدا هو احلب ‪ ..‬وأهلي بسطاء ووافقوا على هدا الشي”‪ .‬وافقت سمية على االنتقال من‬
‫بلدتها والسكن حيث يقيم زوجها‪ ،‬وفي البيت نفسه مع زوجته األولى وبناته‪ .‬اليوم‪ ،‬تقول سمية‪:‬‬
‫“لو وضعي ووضع أهلي كان أحسن كان بضلني عزابية عند أهلي وال أحمل مسؤوليات‬
‫وأعاني وكل ما كبروا أوالدي بدهن اهتمام أكتر وبدك تضلك حاطة هدف قدّ امك إنه‬
‫تضلي محبوبة قدّ ام الكل”‪.‬‬
‫قصة شمس‪“ :‬ختيار يحترمني وال شاب يهيني”‪:‬‬
‫ّ‬
‫تختصر شمس سبب زواجها من رجل متز ّوج باملقولة املعروفة‪“ :‬ختيار يحترمني وال شاب‬
‫يهيني”‪ .‬تنبع وجهة نظر شمس من جتربة زواج سابقة عاشتها ولم تدم سوى شهرين‪ ،‬حيث كانت‬
‫تبلغ من العمر تسعة عشر عا ًما في حينه‪ .‬وكما ّ‬
‫مت تزويج ندى‪ ،‬كما ُذكر‪ ،‬كصلح بني عائلتني‪ ،‬هكذا‬
‫أيضا من تزويج شمس‪ ،‬فقد نشأت خالفات بني العائلتني في فترة سابقة‪ ،‬وجاء زواجها‬
‫كان الدافع ً‬
‫ليصلح ذات البني بني العائلتني‪ .‬لم يدم الزواج طويال ألنها تعرضت للتنكيل والضرب‪ ،‬وعادت إلى‬
‫بيت أهلها بعد شهرين من زواجها‪ ،‬وباشرت بإجراءات الطالق‪ .‬تعتبر شمس أنها ضحية ألهلها الذين‬
‫تعاملوا معها كسلعة مقابل الصلح مع العائلة الثانية‪ .‬أ ّثر هذا األمر على نفسية شمس‪ ،‬فقد عانت‬
‫من اكتئاب لفترة من الزمن وتقدّ م لها شباب عازبون إال أنها كانت ترفضهم‪ .‬وحني تقدم زوجها احلالي‬
‫لم تتردّد رغم أنه متز ّوج ويبلغ من العمر سبعة وأربعني عا ًما‪ ،‬وذلك على اعتبار سمعته احلسنة‬
‫‪138‬‬
‫وأخالقه التي تشهد لها البلد ك ّلها‪ .‬وانطالقا من أنّ عدم اإلجناب هو سبب شرعي لزواج الرجل‪ ،‬فقد‬
‫أهم عنصر في تفضيلها له هو سمعته اجليدة في البلدة التي تسكن فيها‪ ،‬حيث يكنّ له اجلميع‬
‫كان ّ‬
‫االحترام‪ ،‬ويعرفونه بطباعه اجليدة‪ .‬ولم تر شمس أن هناك عائ ًقا في كونه متز ّو ًجا‪ ،‬فالزوجة األولى‬
‫هي من بادرت لتزويجهما‪ ،‬وزارت بيت عائلتها واعتبرتها مبثابة أ ّمها‪ .‬وهي تصف بذلك زوجة قامت‬
‫بفعل ما قامت به زهرة‪ ،‬حني رضخت لقرار زوجها مرغم ًة وقامت بنفسها بالتفتيش عن عروس له‪.‬‬
‫احملور اخلامس‪ :‬ر ّد فعل املجتمع على تعدّد‬
‫الزوجات‬
‫املجتمع يقبل ما يفرضه الرجال‪ -‬التعدّد خطأ لكن ال بديل إال‬
‫التعايش معه‪:‬‬
‫أشارت معظم املشاركات إلى أن املجتمع احمليط تق ّبل زواج أزواجهنّ وتعامل مع الزوجة اجلديدة‬
‫كأي زوجة أخرى‪ .‬وقد تفاوت مستوى هذا‬
‫كزوجة شرعية‪ ،‬وتعاطى معها اجتماع ًّيا من خالل زوجها ّ‬
‫القبول من محيط امرأة ألخرى‪ ،‬ولو استطعنا تقييم مستوى هذا القبول من خالل محور لظهر أنّ‬
‫األمر تراوح ما بني بعض التح ّفظ وبعض القبول‪ ،‬ليصل في طرف احملور لتشجيع ودعم كبيرين‪.‬‬
‫فهناك من أشارت إلى أنّ أفرادًا من املجتمع‪ ،‬وخاصة من احمليط القريب للعائلة‪ ،‬أبدوا في البداية‬
‫استياءهم أو حتفظهم من قرار الزوج بالزواج مرة ثانية‪ ،‬وأشاروا إلى أنّ هذا القرار خاطئ‪ ،‬غير أن‬
‫تقييمهم هذا لم يعن أنّهم أ ّيدوا الزوجة األولى في طلبها من زوجها إلغاء هذا الزواج‪ ،‬بل ّ‬
‫تركز في‬
‫محاولة إقناعها بقبول األمر الواقع‪ ،‬أي قبول وجود امرأة أخرى في حياة زوجها وقبول نفسها كزوجة‬
‫أولى لرجل متز ّوج من زوجة أخرى‪.‬‬
‫كانت مي املشاركة الوحيدة التي تل ّقت دع ًما كبي ًرا من عائلة زوجها املق ّربة‪ ،‬وحتديدا من والدة‬
‫زوجها وأخواته العزباوات القاطنات مع والدتهنّ ‪ ،‬كما أنها تل ّقت دع ًما كبي ًرا من عائلتها‪ .‬تقول مي‬
‫‪139‬‬
‫إنّ احمليط القريب منها اعترض على هذا الزواج ابتداء من عائلة الزوج القريبة وعائلتها‪ .‬تصف مي‬
‫ردّة فعل أهلها قائلة‪:‬‬
‫“أهلى ما صدقوا‪ ،‬أهلي ما كانوا يشوفوا وال مرة من هدا اللي عمله‪ ،‬ما حدا‬
‫صدق‪ ،‬اإلشي كان كتير صعب عليهن ‪ ..‬أمي صار عندها ّ‬
‫سكري من حتت راس هاي‬
‫املشكلة وأبوي صار عنده جلطة”‪ ،‬وقد قاطعت عائلتها زوجها لسنني طويلة‪ .‬إال ان‬
‫ذلك ال يلغي بعض التلميحات ملي عن مسؤول ّيتها ولومها من قبل أخواتها‪ .‬وتقول‬
‫مي‪“ :‬أهلي مثال يقولولي‪ ،‬خياتي يقولولي معقول إنت ما اهتميتي فيه كتير؟‬
‫ً‬
‫معاقا)‬
‫ميكن انتبهت للبيت ولألوالد أكتر‪ ،‬بلكي عشان طارق (ابنها الذي أصبح‬
‫إنت طول الوقت تعبانة ومتضايقة؟”‪.‬‬
‫املوسعة‪ ،‬كأخواله وأعمامه‪ ،‬الذين أبدوا معارضتهم لزواج‬
‫ا ّتضح ملي الح ًقا أنّ األقرباء من العائلة ّ‬
‫زوجها استأنفوا عالقتهم به من خلف ظهرها معربني عن التزامهم باحلفاظ معه على عالقة مستم ّرة‬
‫رافضا خلطوة‬
‫وما حتويه من زيارات ومناسبات اجتماعية أخرى‪ .‬بينما بقي موقف الوالدة واألخوات ً‬
‫االبن‪ ،‬رغم أن الزوجة الثانية هي ابنة اخلالة‪ ،‬وبقيت مي تتل ّقى الدعم املعنوي واملادي منهنّ ‪ .‬وهنا‬
‫يجدر الذكر أنّ والدة الزوج وأخواتها يسكنّ في نفس البناية التي تسكن فيها مي وأوالدها‪ ،‬ويبدو أنّ‬
‫الدعم املعنوي واملادي الذي منحوه ملي كان له أثر كبير في صمودها وفي إصرارها على موقف واضح‬
‫ال يتغ ّير من زوجها‪ ،‬وكذلك في قدرتها على جتاوز هذه األزمة واالنطالق للحيز العام واالنخراط في‬
‫سوق العمل‪ ،‬وكل ما رافق ذلك من تدعيم وتعزيز لشخصيتها‪ .‬يؤكد هذا األمر حاجة النساء املاسة‬
‫لهذا الدعم العائلي ولتلك املؤازرة‪ ،‬فالنساء اللواتي لم يقمن من قبل بأخذ زمام األمور بأيديهنّ‬
‫واعتمدن في كل تفاصيل حياتهم على الرجال (األب‪ ،‬األخ‪ ،‬ثم الزوج) يحتجن ملرجعية مجتمعية‬
‫تدعم موقفهنّ وتقف إلى جانبهنّ لكي يستطعن إحداث تغيير أو اتخاذ قرار ال يتماشى ورغبة الزوج‬
‫(التط ّرق إلى تأثير الدعم على تعاطي مي مع هذا األمر وعلى موقفها الثابت من زوجها)‪.‬‬
‫أ ّما عائلة ندى فلم تستقبل زواج زوج ندى برفض تام‪ ،‬ولم تبدر عن العائلة أية خطوة تظهر ذلك‪.‬‬
‫ويبدأ هذا القبول من عائلتها‪ ،‬وحتديدً ا والدها الذي عارض تركها بيتها ومجيئها إلى بيته‪ .‬لم حتصل‬
‫ندى على دعم منهم‪ ،‬وعندما تركت ندى بيتها بعدما اكتشفت زواج زوجها‪ ،‬وجاءت إلى بيت أهلها‪،‬‬
‫ً‬
‫اعتراضا بل استقبلت‬
‫طالبها والدها وآخرون من العائلة بالعودة إلى بيتها‪ .‬أ ّما عائلة زوجها فلم تبد‬
‫الزوجة الثانية بترحاب‪ ،‬وقامت إحدى سلفاتها باستقبال الزوجة الثانية بعد مراسيم الزواج وحتضير‬
‫العشاء لهما‪ .‬تقول ندى عن موقف الرجال من عائلتها أو من طرف زوجها أنهم مؤيدون لزوجها‪ ،‬إذ‬
‫يرى رجال العائلة أن زوجها أخطأ بزواجه من أخرى‪ ،‬ويعتبرون أنّ ما قام به “نزوة”‪ ،‬لكن على‬
‫‪140‬‬
‫كأي زوجني آخرين‪ ،‬وعليها‬
‫ندى تق ّبل الوضع القائم والتعايش معه بحيث تستم ّر حياتهما الزوجية ّ‬
‫أيضا‪ ،‬تن ّقله بني بيتني وعائلتني‪“ .‬صارت نزوة بحياته واملفروض أنا أتق ّبلها‪ ،‬أعيش‬
‫أن تتق ّبل‪ً ،‬‬
‫فيها وأحتايد أنه هو متجوز‪ ،‬مش مهم‪ ،‬بقدر يروح على بيته هدا وبيته هدا‪ ،‬مش أول‬
‫واحد وال آخر واحد ‪ ...‬هيك كلهن قالولي”‪ .‬هذا هو مضمون ما سمعته ندى من أقرباء زوجها‪.‬‬
‫وفي الوقت الذي طالبت فيه عائلة زوج ندى أن تتق ّبل ندى زواج زوجها‪ ،‬فإن احمليط األبعد تعامل‬
‫مع هذا األمر بالسخرية غير املباشرة على ندى وعلى الوضعية بشكل عام‪ .‬رأت ندى في عيون‬
‫احمليطني من أصدقاء ومعارف بعيدين الكثير من الهمس واللمز بسبب هذه الوضعية‪ .‬ففي كثير من‬
‫امل ّرات التي كانت ترافق زوجها ملناسبة اجتماعية كأمسيات أو سهرات في أماكن عامة كانت ترى في‬
‫بتحسي‬
‫عيون من يرافقونهم الكثير من الهمس والضحك‪ ،‬وهو ما كان يزيد من ضائقتها‪“ .‬يعني‬
‫ّ‬
‫مهرج وفايته”‪ .‬كان يتّضح لندى فيما بعد أن زوجها كان برفقة زوجته الثانية في‬
‫حالك زي إنت ّ‬
‫هذه األماكن نفسها ومع أولئك األصدقاء أنفسهم‪.‬‬
‫يظهر ذلك االزدواجية التي يتعامل فيها املجتمع مع قضية تعدّ د الزوجات‪ .‬فاملجتمع يرفض أو‬
‫ينتقد ما دام األمر بعيدً ا عنه‪ ،‬وال يقوم بفعل ذلك بالضرورة من مكان إبداء الدعم للمرأة‪ ،‬إمنا‬
‫يوجه لزوجة مثل ندى إهانة بالغة‪ .‬وتقوم عليا‬
‫من منطلق االستهزاء والسخرية بها‪ ،‬األمر الذي ّ‬
‫بدورها بوصف سيناريو مشابه ملا تصفه ندى‪ ،‬فعائلة زوجها‪ ،‬مبن في ذلك أعمامه وأخواله وإخوته‬
‫وأخواته‪ ،‬لم تؤ ّيد زواجه الثاني‪ ،‬واعتبروه تس ّر ًعا‪ ،‬إال أنّهم بادروا‪ ،‬بعد اخلالف الذي نشب بينها وبني‬
‫زوجها‪ ،‬إلى عقد الصلح بينهما‪ ،‬ودعوها إلى تق ّبل األمر الواقع‪ .‬تقول عليا إنّ النساء من أقارب زوجها‬
‫بدأن يستقبلن زوجها الذي يقوم بزيارتهنّ برفقة زوجته الثانية‪ ،‬في الوقت الذي يك ّررون أمامها‬
‫أيضا لزيارتهنّ ‪ّ ،‬‬
‫“ست الكل”‪ .‬في احمليط القريب حولها شعرت عليا‪،‬‬
‫مؤكدات لها أنّها‬
‫دعوتهنّ لها ً‬
‫ّ‬
‫كما شعرت مي‪ ،‬أنّ أخواتها يذنّبنها فيما حصل‪ ،‬فلربمّ ا كان هذا الزواج ناب ًعا عن تقصير عليا جتاه‬
‫زوجها‪.‬‬
‫جميلة تشير إلى ردود فعل مشابهة ملا سبق ذكره‪ ،‬فأفراد عائلة زوجها‪ ،‬من أوالد أعمام وإخوة‬
‫أساسا‪ ،‬بسبب شروط الزواج التي‬
‫وأخوات‪ ،‬عارضوا في البداية زواجه الثاني‪ ،‬وقد جاءت املعارضة‪،‬‬
‫ً‬
‫فرضتها عائلة الزوجة الثانية املتم ّثلة بدفع مهر يبلغ نحو ثالثني ألف دينار‪ ،‬ولم يكن الرفض نا ًجتا‬
‫عن سبب آخر‪ ،‬كرفض مبدأ تعدّ د الزوحات‪ ،‬مث ًال‪ .‬لكنهم سرعان ما شاركوا في مراسيم الزفاف‪ ،‬بل‬
‫جاءوا يطالبون جميلة باملشاركة في طقوس التحضيرات للحنّة والتحضيرات األخرى للعرس‪“ .‬الكل‬
‫‪141‬‬
‫أجا البس ومبسوط ومتهندم ويوم احل ّنة بيجوا بقولولي تعالي روحي معنا وأنا ما رحت”‪.‬‬
‫وقد أدّى هذا األمر فيما بعد إلى خلق مشاكل وتو ّترات بني جميلة وعائلة زوجها‪ .‬أ ّما زهى فتشير‬
‫إلى أنّ الرجال من طرف عائلتها‪ ،‬وحتديدً ا أزواج أخواتها‪ ،‬حاولوا ثني زوجها عن هذا الزواج‪ ،‬رغم أنّ‬
‫أحدهم متز ّوج من أخرى وجتربته صعبة‪ ،‬غير أنّ زوجها لم يقبل بنصيحتهم‪ .‬كذلك‪ ،‬عارض جزء‬
‫املوسعة‪ ،‬كأوالد أعمامه‪،‬‬
‫من إخوته زواجه وحاولوا ثنيه‪ .‬أ ّما باقي الرجال من أقربائه ومن عائلته ّ‬
‫شجعوه على ذلك‪.‬‬
‫فقد ّ‬
‫عدم اإلجناب أو عدم إجناب الذكور ترخيص تا ّم للتعدّد‪:‬‬
‫املجتمعي‪ ،‬بل إن احمليط العائلي‬
‫هناك عدد من الزوجات أشرن إلى أنّ أزواجهنّ تلقني الدعم‬
‫ّ‬
‫شجع وح ّفز الرجل على القيام بالزواج من امرأة أخرى‪ ،‬بد ًءا من العائلة املق ّربة له‪.‬‬
‫القريب هو من ّ‬
‫تقول جنوى‪“ :‬أهله ساعدوا كتير بالتحضير للزواج‪ ،‬حتى في السكن هو ساكن عندهم‪،‬‬
‫ساعدوه ووقفوا معاه كتير بحجة إنه مش رح يضل بدون ولد ‪ ..‬بقولوا إنه إنت بتطولي‬
‫احلجة”‪ .47‬كانت حتضيراتهم ومساعدتهم البنهم جتري س ًّرا ومن دون علم‬
‫حتججوا بهاي ّ‬
‫تتخلفي‪ّ ،‬‬
‫جنوى‪ ،‬ولذلك فعندما أعلمت جنوى زوجها أنّها حامل غضب وقال لها إنّ هذا احلمل في غير موعده‪،‬‬
‫جدا من ردّة فعله على هذا اخلبر السار بالنسبة‬
‫وصدمت ًّ‬
‫ولم تستطع جنوى أن تفهم غضب زوجها‪ُ ،‬‬
‫مشروعا لتزويج‬
‫لها‪ ،‬وكان هذا األمر هو ما جعلها تبحث عن السبب إلى أن اكتشفت أخي ًرا أن هناك‬
‫ً‬
‫زوجها‪.‬‬
‫تتابع جنوى مشيرة إلى ما طالبها به اجلميع من عدم التعبير عن غضبها أو اعتراضها‪ ،‬وكان‬
‫املوسعة‪ ،‬كاجليران مثال‪ ،‬فتقول جنوى إن ثالث‬
‫من ضمن هؤالء أهلها هي‪ .‬أ ّما في إطار الدائرة ّ‬
‫جاراتها يعشن في تعدّ د زوجات‪ ،‬اثنتان هما زوجتان ثانيتان والثالثة هي زوجة أولى لزوج تز ّوج‬
‫بعدها بأخرى‪“ .‬عايشني بتعدّ د زوجات‪ ،‬بس ميكن مش عايشني‪ ،‬يعني ملا ّ‬
‫تفكري باللي‬
‫حواليكي‪ ،‬النسبة عالية‪ ،‬يعني إشي عادي صار‪ ،‬بس اللي مش عادي إنه الزملة ينعوج‪،‬‬
‫يعني ما ميشي دغري”‪ .‬وتشير إلى أن هناك العديد من األشخاص ممّن حولها الذين ينظرون‬
‫إليها نظرة شفقة‪ ،‬وهناك في املقابل آخرون ينظرون إليها نظرة احترام‪“ .‬في ناس بقولوا يا حرام‪،‬‬
‫الله يعينها جوزها مش عندها ‪ ...‬اجليران بقولوا كل االحترام الها رمته وراها”‪.‬‬
‫‪47‬‬
‫للتذكير‪ ،‬أجنبت وهيبة بن ًتا وعند زواج زوجها كانت حام ًال في الشهر السابع‪.‬‬
‫‪142‬‬
‫مشجعة وداعمة البنها في زواجه بامرأة أخرى‪.‬‬
‫كانت عائلة زوج زهرة‪ ،‬بشكل مشابه ملا م ّر معنا‪ّ ،‬‬
‫وقد ذكر ساب ًقا أنّ زهرة نفسها قامت بالبحث عن زوجة أخرى لزوجها عندما أص ّر على الزواج‪ .‬وفي‬
‫ذلك ما يربط زهرة‪ ،‬كزوجة‪ ،‬بسمية وشمس‪ ،‬كزوجتني ثانيتني‪ ،‬فقد أشارتا إلى اشتراك الزوجة‬
‫األولى مبراحل مختلفة في الزواج نفسه‪ ،‬فقد ذكرت شمس أنّ زوجة زوجها قد أتت بنفسها إلى‬
‫بيت عائلتها وطلبت يدها‪ّ ،‬‬
‫وأكدت للعائلة ولشمس أنها ليست معترضة‪ ،‬وأنّ زواج زوجها يأتي فعال‬
‫بسبب مشاكل في اإلجناب موجودة لديها‪ .‬كذلك األمر بالنسبة إلى سمية التي أخفى زوجها في فترة‬
‫التعارف عليها أنّه متز ّوج وأب لثالثة بنات وزوجته األولى هي ابنة خالته‪ ،‬لكن عند الزواج تشير‬
‫سمية إلى أن الزوجة األولى شاركت في مراسيم الزواج منذ بدايتها‪ ،‬فقد زارتها في بيتها وخطبتها‬
‫لزوجها واشترت لها الثياب وأمو ًرا أخرى‪.‬‬
‫عندما يتع ّلق األمر مبشاكل في اإلجناب‪ ،‬أو في إجناب البنات فقط‪ ،‬يبدو عندها أن املرأة األولى‬
‫ال تشعر بأنّ لها احلقّ أصال في الرفض أو التم ّرد على هذه اخلطوة‪ ،‬بل إنها‪ ،‬في معظم احلاالت‪،‬‬
‫تكون هي من تد ّبر الزوجة الثانية وتقوم بترتيبات العرس‪ .‬يبدو ظاهر ًّيا أنّ النساء يفعلن ذلك وهنّ‬
‫رن عن األلم الكبير املوجود في داخلهنّ ‪ ،‬وعن قناعتهنّ بأنّ‬
‫راضيات ومقتنعات‪ ،‬رغم أنّ النساء ع ّب َ‬
‫زواج أزواجهنّ غير مب ّرر إنمّ ا يأتي رضوخً ا لضغوطات املجتمع‪.‬‬
‫تشير عليا‪ ،‬في ما يتع ّلق مبوقف املجتمع وسلوكه جتاه هذه القض ّية‪ ،‬إلى استهداف الرجال لها ممّن‬
‫احلي‪ ،‬منذ أن عرف أمر زواج زوجها وخالفاتها معه‪ .‬لقد أصبحت عليا مستهدفة من قبل‬
‫حولها في ّ‬
‫العديد من الرجال الذين يتح ّرشون بها تلفون ًّيا‪ ،‬أو بشكل مباشر‪ ،‬عارضني عليها إقامة عالقة‪ .‬وهي‬
‫تصف األمر كما يلي‪“ :‬اللي حابب يتعرف علي واللي بقولي شو ناقصك وأنا بنفعك أحسن‬
‫يتعرفوا‪ ،‬حلد إسا في واحد الحقني وين ما بروح‪،‬‬
‫من جوزك‪ .‬بتصلوا فيي بالليل بدهن‬
‫ّ‬
‫بتعاملوا معي زي كأني سلعة‪ ،‬غرض بدهن يوصلوا الشي‪ ،‬يعني ّ‬
‫بفكروا إنه جوزها‬
‫تركها فإحنا منتعرف عليها”‪.‬‬
‫لزواجها‪:‬‬
‫الزوجة الثانية ومدى قبول املجتمع َ‬
‫في الوقت الذي تشير فيه الزوجات أعاله إلى ما ملسنه من معارضة خجولة ورفض محدود‬
‫جتاه زواج زوجهنّ للمرة الثانية‪ ،‬تأتي النتائج لتتناسب مع ما تشير إليه الزوجات الثانيات‪ .‬فمعظم‬
‫رفضا كبي ًرا لهنّ بالذات عندما أتى زواجهنّ بهدف الزوج املعلن في‬
‫الزوجات الثانيات لم‬
‫يواجهن ً‬
‫َ‬
‫اإلجناب أو إجناب الصبيان‪ ،‬وقد أبدت عائالتهنّ وعائالت أزواجهنّ قبو ًال لهنّ واستعدادًا للتعاطي‬
‫معهنّ اجتماع ًّيا‪.‬‬
‫‪143‬‬
‫لهذا األمر‪ ،‬تشير شمس إلى تشجيع اجلميع لزواجها‪ ،‬وكانت زوجته األولى قد قامت بنفسها بزيارة‬
‫شمس وعائلتها ّ‬
‫شجعنها واعتبرن في هذا‬
‫وأكدت لها ولعائلتها موافقتها على الزواج‪ .‬أخوات شمس ّ‬
‫العرض فرصة ذهبية لها‪ ،‬وطالبنها باستغاللها وعدم التردّد‪ ،‬خو ًفا من بقائها من دون زواج‪ ،‬ومن‬
‫تق ّلص فرصها في املستقبل‪ .‬فشمس‪ ،‬وبعد زواج فاشل استم ّر شهرين ال غير‪ ،‬أصبحت امرأة مط ّلقة‪،‬‬
‫عالجا نفس ًّيا‪ ،‬وهو ما يجعلها في نظر‬
‫وبعد هذه التجربة م ّرت بضائقة نفسية‪ ،‬تل ّقت في أعقابها ً‬
‫املجتمع‪ ،‬كغيرها من النساء املط ّلقات‪ ،‬امرأة درجة ثانية‪ .‬كان عدم إجناب الزوجة األولى األوالد سب ًبا‬
‫عادي والقى الدعم والتف ّهم من اجلميع‪ .‬شمس تدرك أنه رغم موافقة الزوجة‬
‫شرع ًّيا قوبل بشكل‬
‫ّ‬
‫األولى‪ ،‬فإنّ هذه املوافقة ال بدّ أنّها جاءت بسبب عدم وجود خيار آخر لهذه الزوجة‪“ .‬قلتلي شو‬
‫بدّ ي أعم ّله‪ ،‬بدّ و أوالد‪ ،‬وأنا بقدرش أخلف‪ ،‬خ ّليه يتجوز”‪ .48‬لم تشر شمس طب ًعا إلى أي نبذ‬
‫أو انتقاد ملوافقتها على هذا الزواج‪ .‬لم يتّهم شمس أحد بأنّها تهدم بي ًتا وما إلى ذلك من كالم‪ ،‬باعتبار‬
‫أن هذا الزوج ال بيت له ما دام ال أوالد له‪.‬‬
‫أ ّما وهيبة التي لم تعلم عند زواجها بأنّ زوجها كان متز ّو ًجا قبلها‪ ،‬فهي تعيش في بلد بعيد كل ًّيا‬
‫عن بلدة عائلة زوجها وزوجته‪ ،‬األمر الذي خلق سيا ًقا مختل ًفا‪ ،‬وهي تقول إنّ عائلة زوجها تدعمها‬
‫وتستقبلها دائ ًما عندما تقوم بزيارتهم مع زوجها وأوالدها بني حني وآخر‪ .‬أما عائلتها فقد استاءت‬
‫عندما علمت بأنّ زوجها متز ّوج‪ ،‬لكنها لم حت ّثها على االنفصال أو على اتخاذ خطوة ما‪ ،‬وهي اختارت‬
‫بطائل حسب رأيها‪.‬‬
‫بالتالي عدم إثارة املشاكل أو توريط إخوتها بخالفات لن تأت‬
‫ٍ‬
‫معارضة شرسة‪:‬‬
‫ال يعني ما ّ‬
‫يجدن قبو ًال تا ًّما لزواجهنّ ‪ .‬فتجربة سلمى‬
‫مت ذكره اعاله أنّ جميع الزوجات الثانيات‬
‫َ‬
‫مختلفة للغاية‪ ،‬وهي تشير إلى كثير من املعارضة املجتمعية لزواجها‪ .‬تقول سلمى إنّها م ّرت بالكثير‬
‫من التخ ّبطات التي بقيت تالزمها حتى في أسبوع الزواج‪ ،‬وجزء كبير من هذه الصعوبة له عالقة‬
‫بالضغوطات االجتماعية ونقد املجتمع لقرارها وما سمعته من مواقف حولها‪.‬‬
‫تقول سلمى إنّ املجتمع انقسم إلى قسمني‪ :‬قسم أ ّيد الزواج وشارك في االحتفال املتواضع الذي‬
‫أقيم‪ ،‬وقسم عارضه وقاطعه‪ .‬كان َمن عارضوا هذا الزواج من أقاربها املق ّربني كزوج أختها الذي‬
‫رن عن استيائهنّ من قرارها‪،‬‬
‫رفض زواجها من رجل متز ّوج ‪ .‬كذلك‪ ،‬فإنّ جز ًءا من صديقاتها ع ّب َ‬
‫هذا املوقف يتشابه مع ما ورد ساب ًقا حول موقف زهرة الزوجة األولى التي أجنبت بن ًتا واحدة والتي اضط ّرت إلى الذهاب‬
‫‪48‬‬
‫بنفسها للتفتيش عن زوجة لزوجها باعتبار أنّ ال خيار لها سوى ذلك‪.‬‬
‫‪144‬‬
‫باإلضافة إلى جزء من اجليران الذين ع ّبروا عن استغرابهم وأبدوا معارضتهم‪ .‬أ ّما أخوات سلمى‬
‫ووالدتها فكنّ الوحيدات اللواتي دعمنها إلى جانب والدها‪ .‬وقد اعتبرت سلمى أنّ موافقة والدها‬
‫لم ِ‬
‫احلب التي تعيشها مع هذا الرجل‪ ،‬إمنا من موقفه‬
‫تأت من منطلق دعم خيارها واحترا ًما لعالقة ّ‬
‫التقليدي الذي يجعلها بذلك امرأة متز ّوجة وال يبقيها امرأ ًة عزباء‪ ،‬مع ّ‬
‫كل ما يرافق عزوب ّيتها من‬
‫ّ‬
‫قلق وخطر على سمعتها وشرفها وما يخلق من إشكال ّيات له كأب ولعائلته‪.‬‬
‫إنّ املعارضة الشديدة التي واجهتها سلمى كانت من خالل النظرة واألحاديث التي كانت تنقل لها‬
‫سطحي للغاية‪،‬‬
‫من أشخاص ليسوا بالضرورة على صلة قريبة بها‪ ،‬بل من أشخاص تعرفهم بشكل‬
‫ّ‬
‫أو حتى ال تعرفهم مطل ًقا‪ .‬وعن هذه الصعوبة تع ّبر سلمى قائلة‪“ :‬كنت أحس إنه الناس بتوكل‬
‫بلحمي‪ ،‬كنت أشعر إنه حلمي بوجعني‪ ،‬كان يصلني حكي وتيجيني تيلفونات‪ ،‬ما كنش‬
‫سهل‪ ،‬أقول حلمي بوجعني‪ ،‬ليش الناس بتوكل فيه؟ كان كتير صعب وبجوز هدا السبب‬
‫اللي ما عملت عشانه عرس كبير‪ ،‬يعني حتى يوم سهرتي الصبح رحت عالشغل‪ ،‬اشتغلت‬
‫للضهر ور ّوحت”‪.‬‬
‫بالرغم من أن سلمى إنسانة ذات نزعة علمانية في سلوكياتها ومنط حياتها وقد انتمت في ماضيها‬
‫علماني‪ ،‬إال أنها تستخدم اليوم اخلطاب الديني لكي حتصل على شرعية املجتمع‬
‫حلزب سياسي‬
‫ّ‬
‫لزواجها ولتظهر التناقض بني سلوكيات الناس املتدينة في كل مناحي حياتهم وبني موقفهم من‬
‫زواجها‪ ،‬فتتحدّ ث بأسف وانتقاد لهذا التناقض وتقع هي نفسها في فخه‪“ :‬حتى النساء املتد ّينات‬
‫بقولوا مزبوط وشرعي بس إذا في حاجة ‪ ..‬باإلضافة إنه كان االتهام إنه كان الي عالقة‬
‫متجوز‪ ،‬كانوا يتهموني ويحكوا علي‪ ،‬مثال‪ ،‬إنه هو عنده أوالد‪ ،‬إنه‬
‫معه‪ ،‬عملت عالقة مع‬
‫ّ‬
‫أنا بدي آخد رجل من أوالده‪ ،‬ومن زوجته”‪.‬‬
‫تعتقد سلمى أن املجتمع واجهها برفض شرس ألن املجتمع يعارض تعدّ د الزوجات‪ ،‬لكنها ال تلتفت‬
‫إلى أن منوذج تعدّ د الزوجات الذي ط ّبقته ال يتطابق مع هذه املنظومة من حيث املضمون التقليدي‬
‫واضحا له)‪ ،‬إمنا من حيث الشكل‪ ،‬وهو عمل ًّيا عند التم ّعن فيه عبارة عن‬
‫له (وقد أظهر البحث تق ّب ًال‬
‫ً‬
‫بديل للطالق الذي ال يتج ّرأ الكثيرون من األزواج على اإلقدام عليه‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإنّ تعدّ د الزوجات‬
‫في هذه احلالة ليس سوى التفاف حول الطالق ووسيلة لسلمى ولزوجها للتسوية ما بني حاجاتها‬
‫ومشاعرها وبني حاجات زوجها ومشاعره كأفراد‪ ،‬وبني التزامه كأب وما يفرضه املجتمع من التزامات‬
‫وتقييدات عليه‪ .‬فقد اشترطت سلمى قبل زواجها أن تنحصر عالقة زوجها الزوج ّية واجلنس ّية بها‬
‫فقط‪ ،‬ومع زواجهما انتقل الزوج للعيش بشكل ثابت مع سلمى‪ .‬اقتصرت عالقة زوجها بالزوجة األولى‬
‫في حدود زياراته إلى بيتها لغرض االلتقاء باألوالد وقضاء الواجبات االجتماعية جتاه األقارب معهم‪.‬‬
‫‪145‬‬
‫كان عدم اللجوء إلى تطليق الزوجة األولى موق ًفا ناب ًعا من رغبتها في إبقاء املجال أمام زوجها‬
‫ملمارسة دوره كأب بشكل مريح‪ ،‬إذ يستطيع زيارة أوالده‪ ،‬وهو أمر سيصبح محا ًال عند وقوع الطالق‬
‫ليس فقط ملا قد يس ّببه الطالق من مشاكل زوجية مع الزوجة األولى‪ ،‬وإنمّ ا في األساس لتحرمي هذا‬
‫اللقاء دين ًّيا بني الرجل وطليقته‪ ،‬باعتباره أصبح رج ًال غري ًبا‪ ،‬األمر الذي ّ‬
‫أيضا في‬
‫متت اإلشارة إليه ً‬
‫املجموعات البؤرية وفي إحدى املقابالت مع أحد األزواج‪ .‬عمل ًّيا‪ ،‬قام هذا الزوج بالطالق‪ ،‬بينما بقي‬
‫زوجا رسم ًّيا واجتماع ًّيا‪.‬‬
‫ً‬
‫ينطوي تعدّ د الزوجات في هذه احلالة على أبعاد أخرى تس ّلط الضوء على البنية الذكورية للمجتمع‬
‫الذي ك ّرس زواج األقارب والزواج ّ‬
‫املبكر كإستراتيجية أساسية في حفظ النظام القائم وإخضاع‬
‫أفراده ملجموعة من القوانني والنظم التي تقمع حريته الفردية وتقمع إمكانيات اخليار‪ ،‬وجتعل من‬
‫الزواج أداة إخضاع وقمع مركزية في احلفاظ على هذه البنية‪ .‬فقد مت تزويج زوج سلمى في املرة األولى‬
‫تراجيدي أودى‬
‫في السادسة عشرة من عمره من ابنة ع ّمه التي كانت تكبره بعام‪ ،‬وذلك بعد حادث‬
‫ّ‬
‫بحياة جدّ ته وأخته اللتني عاش معهما طفولته بعد طالق والدته‪ .‬وجد زوج سلمى نفسه أ ًبا وهو‬
‫قاصر وأجنب خمسة أوالد من زوجة لم يخترها كما لم تختره‪ ،‬ومت ّيزت عالقتهما الزوج ّية بخالفات‬
‫شديدة وصلت حدّ قطع عالقته الزوجية منذ أكثر من سنتني قبل تعارفه على سلمى‪ .‬وكان قد بدأ‬
‫بإجراءات الطالق التي ج ّمدها بعد ذلك بنا ًء على طلب سلمى‪ .‬ولهذا‪ ،‬فإنّ السؤال هنا هو‪ :‬هل فع ًال‬
‫قاوم املجتمع زواج سلمى ألنّه يرفض قض ّية تعدّ د الزوجات ويتصدّ ى لها‪ ،‬أم أنه قاوم شخص سلمى‬
‫بتوجس كونها امرأة “ قوية” و”مدشرة”‪ ،‬كما أشارت سلمى لصورتها‬
‫التي ينظر إليها هذا املجتمع ّ‬
‫في نظر عائلة الشاب الذي أح ّبته ساب ًقا ‪ -‬والتي أجبرته على تركها وعملت على اقترانه بشابة‬
‫يسجل‬
‫تقليد ّية بعيدة عن هذه املواصفات – من إنّها امرأة حتمل سجال إشكال ًّيا في نظر املجتمع ّ‬
‫ليوجه‬
‫لها اخلطوبة من شابني وتركهما‪ ،‬وهي بالتالي خطر وتهديد على املجتمع الذي قفز دون تردّد ّ‬
‫سهامه نحوها بشكل حادّ‪ .‬هل كانت ستلقى سلمى ّ‬
‫كل هذه املعارضة لو كانت امرأة مبواصفات‬
‫وجهها له املجتمع بشكل أساسي؟ هل كان‬
‫أخرى؟ وهل كان زوجها سيلقى نفس هذه املعارضة التي ّ‬
‫س ُيواجه كل هذه املعارضة لو أبدى رغبته في الزواج ألنّه يريد اإلجناب‪ ،‬أو ألنه يعلن عن أسباب‬
‫أخرى تلقى الدعم والقبول؟ من الواضح أنّ اإلجابة هي النفي‪.‬‬
‫‪146‬‬
‫احملور السادس‪ :‬الصعوبات الذاتية واملجتمع ّية‬
‫في العيش كزوجة في زواج تعدّدي‬
‫يعايشن‬
‫قمن بالبوح بوجعهنّ وما‬
‫َ‬
‫كان األلم هو العامل املشترك جلميع النساء االثنتي عشرة اللواتي َ‬
‫من صعوبات داخل هذه املنظومة من الزواج‪ .‬وقد ظهر وجود ثالثة أشكال – أمناط ‪ -‬ملنظومة تعدّ د‬
‫اليومي املُعاش‪ :‬األول‪ ،‬حني تقوم الزوجة بطرد الرجل لينتقل إلى العيش في بيت الزوجة‬
‫الزوجات في‬
‫ّ‬
‫الثانية ويبقى يتردّد على البيت األول دون املبيت فيه‪ .‬والثاني‪ ،‬حني تبقى الزوجة موافقة على وجود‬
‫دوري‪ ،‬فيكون يو ًما في البيت األ ّول ويو ًما‬
‫الزوج الذي يقسم بذلك وقته بني البيتني ويتواجد بشكل‬
‫ّ‬
‫في البيت الثاني‪ .‬والثالث‪ ،‬حني تقوم الزوجتان بالعيش م ًعا في البيت نفسه‪.‬‬
‫إهمال ّ‬
‫وعاطفي ‪ -‬أزواج يتركون البيت وينتقلون للعيش مع‬
‫مادي‬
‫ّ‬
‫الزوجة الثانية‪:‬‬
‫أشارت الزوجات اللواتي قام أزواجهنّ بالزواج من أخرى إلى قضايا شائكة عديدة‪ .‬فقد ظهرت‬
‫أمناط متعدّ دة في ممارسة هذه املنظومة‪ .‬كانت النساء املشاركات من منطقة النقب أكثر النساء‬
‫تض ّر ًرا من تعدّ د الزوجات‪ .‬إذ ظهر بشكل صارخ اإلهمال املادي والعاطفي الذي تتعرض له الزوجات‬
‫واألوالد من قبل األزواج الذين تركوا البيت وانتقلوا للعيش مع الزوجة الثانية‪ ،‬وإهمال الزوجة األولى‬
‫واألوالد‪ .‬تقول جنوى التي أصبحت أ ًّما لثالث بنات ‪ -‬حيث أجنبت االبنة الثانية بعد زواج زوجها بأشهر‬
‫قليلة وحملت بعد ذلك للم ّرة الثالثة بعد زواجه ‪ -‬أنّ زوجها سكن مع زوجته الثانية حسب خياره‬
‫في بيت قريب من بيتها‪ ،‬وبقي يتردّد على البيت بوتيرة محدودة‪ ،‬تصل أحيانا إلى م ّرة في الشهر‪،‬‬
‫أو أقل من ذلك‪ ،‬وملدّ ة تكاد تصل إلى ساعة من الزمن‪ ،‬وتع ّبر جنوى ع ّما يو ّلده هذا اإلهمال قائل ًة‪:‬‬
‫ترملت ‪ ...‬بحس (وينحبس‬
‫“عايشة حلالي‪ ،‬أنا ما بفكر فيه كتير كزوج‪ ،‬أنا معتبرة حالي ّ‬
‫ثم تتابع)‪ ،‬بشوف إنه بنتي تأثرت‪ ،‬بتأثروا الصراحة‪ ،‬بسألوني‬
‫الكالم وتصمت جنوى متأ ّثرة ّ‬
‫هدا السؤال هو أبونا وإال مش أبونا؟ بقولهن أبوكم‪ .‬الكبيرة بتعرف بس الزغار ال‪ .‬كتير‬
‫بحسوا بنقصه بس بحاول أنا ّ‬
‫أغطي‪ ،‬تخ ّيلي لو ما كنش هو ساكن قريب منا كنت ناوية‬
‫ّ‬
‫أقولهن إنه بالسجن‪ ،‬أو ببلد تانية بس هيك هني شايفينه إنه هو ببيته وعايش مع أوالده‬
‫‪147‬‬
‫‪ ..‬صعب‪ ،‬هديك اليوم قالت بنتي الكبيرة خلياتها أبوكم مات‪ ،‬هدا مش أبوكم ‪ ..‬إجن ّنت‬
‫البنت الزغيرة ‪ ...‬بس الزغار ما بستصعبوا ألنهن طلعوا عاحلياة ما القوه‪ ،‬صحيوا عالدنيا‬
‫وما شافوه في حياتهن‪ ،‬وشاكات في األمر إنه يكون مش أبوهن ‪ ..‬بس البنت الكبيرة‬
‫ماخدة موقف منه وزعالنه عليه كتير‪ ،‬ملا بيجي عالبيت وهو عادة ما بيجي كتير بتحكي‬
‫عليه وبتشكي بتقولي أنا زعالنة منه كتير”‪ .‬وتتابع جنوى قائلة‪“ :‬بطل في إحساس إنه‬
‫موجود بحياتنا‪ ..،‬وبنتي عندها مشكلة بالكتابة وترفض تروح عاملدرسة‪ ،‬ما بزورهن وال‬
‫بعرف إشي عنهن‪ ،‬بقولي أنا متكل عليك‪ ،‬بقوله زورهن بترفع معنوياتهن شوي‪ ،‬املدير‬
‫قعد مع البنت وشاف شو مالها بس إنت شارك معنا شوي قالي هو أنا فاضي؟ قال أنا‬
‫عشان أع ّيشكوا الزم أطلع من قبل السبعة‪ ،‬قلتله تعال إحكي معها ميكن تسمع منك‬
‫شوي‪ ،‬كل الناس تشوفني كيف أودّيها املدرسة غصب عنها‪ ،‬بس ملا أحكي معها تقولي‬
‫ميا أنا بكرا ما أزعلك”‪.‬‬
‫خلص ّ‬
‫تقول جنوى إن زوجها يحاول تأمني حاجيات البيت املادية لكنه في النهاية راتبه محدود ووضعه‬
‫املادي صعب‪ ،‬وبالتالي فإنّ الكثير من األمور األساسية غير متوافرة لديها‪ ،‬األمر الذي دفع جنوى إلى‬
‫العمل في اخلياطة‪ ،‬وهي حال ًّيا ّ‬
‫تفكر في إنشاء حضانة بيتية‪.‬‬
‫رغم ذلك ال ترى جنوى أن هذا األمر هو أكثر ما ينقص العائلة‪ ،‬وهي تشير إلى غياب الزوج املعنوي‬
‫والعاطفي عن حياة أوالدها‪“ .‬حضوره أنا عندي أهم‪ ،‬أهم من املصاري والفقر والغنى‪ ،‬أنا‬
‫ما بحسه إنه بس ّلم أولوياتي‪ ،‬لكن احلنان والعطف من أبوهن يغني عن كتير أشياء‪ ،‬إنه‬
‫البنت تالقي أبوها يطبطب عليها‪ ،‬يخرفها‪ ،‬هدا يغني عن أشياء كتيرة‪ ،‬بس لألسف مش‬
‫موجود هدا‪ ،‬أغلب احلكي بحكيه معنا عالتلفون بقوله إنه هو مهمل‪ ،‬بصير يقولي إنت‬
‫البسك شيطان”‪ .‬ميارس زوج جنوى حياته الزوجية والوالدية مع عائلته الثانية على مرأى من‬
‫خارجا في س ّيارته‬
‫بنات جنوى‪ ،‬وكثي ًرا ما يكنّ شاهدات على ذلك عن قرب‪ ،‬إذ من املمكن أن يروه‬
‫ً‬
‫مع أوالده لنزهة ما‪ ،‬بينما ال يبادر لذلك مطل ًقا مع جنوى وبناتها‪.‬‬
‫وتركز فاطمة على الضائقة املادية الصعبة التي عانت هي وأوالدها منها بعد زواج زوجها وانتقاله‬
‫للعيش مع الزوجة األخرى في بلد آخر‪ .‬فزوج فاطمة سائق شاحنة وكل مدخوله يكاد ال يكفي‬
‫لتسديد دفعات املشكنتا (قرض اإلسكان) ومصاريف البيت األساس ّية من ماء وكهرباء وإلى ما ذلك‬
‫من متطلبات‪ .‬لم يعد زوج فاطمة قاد ًرا على االلتزام بأعباء عائلته املادية‪ ،‬األمر الذي جعلها تلجأ‬
‫لعائلتها وإخوتها ملساندتها ماد ًّيا‪ .‬رغم ذلك‪ ،‬استم ّرت عالقة فاطمة بزوجها وواصل هو تردّده على‬
‫البيت بني حني وآخر‪ ،‬وأجنبت أربعة أوالد آخرين منه بعد زواجه الثاني‪ ،‬لكنها تستدرك قائل ًة‪:‬‬
‫‪148‬‬
‫بحسه مش جوزي‪ ،‬اإلشي تغ ّير‬
‫قرر إنه يتجوز ما ض ّلت احملبة متل قبل‪،‬‬
‫ّ‬
‫“خلص ّملا ّ‬
‫كتير حسيته صار لواحدة تانية‪ ،‬بالنسبة إلي مات”‪ .‬تقول فاطمة إن أوالدها لم ينجحوا في‬
‫دراستهم‪ ،‬وإن لغياب والدهم أث ًرا كبي ًرا في ذلك‪ .‬كانت تتو ّقع من زوجها أن يشاركها في رعايتهم‬
‫ودراستهم‪“ .‬أنا احلني بالليل بقعد ّ‬
‫بفكر‪ ،‬كان نفسي الولد يبقى متع ّلم‪ ،‬يطلع شاطر‪ ،‬أنا‬
‫عندي ولد يقولوا لي عنه شاطر خدي بالك منه وصل صف ثامن بس لو لقي حدا يضل‬
‫معاه ويسنده كان طلع منه حاجة‪ ،‬اليوم بشتغل بالباطون ‪ّ ..‬‬
‫بفكر باحلاجات اللي راحت‬
‫بتحسر مش على حب وال على غرام بس عشان مستقبل الوالد”‪.‬‬
‫وبتحسر‪ ،‬بنخنق‪،‬‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫تصف مي صعوبات احلياة بعد زواج زوجها بالكثير من احلرقة واأللم‪ ،‬وهي تعتبر من النساء اللواتي‬
‫املادي‬
‫أحرزن تغيي ًرا في حياتهنّ بعد زواج زوجها‪ ،‬فهذا دفعها أكثر نحو االستقالل ّية وعدم التع ّلق‬
‫ّ‬
‫العاطفي به‪.‬‬
‫أو‬
‫ّ‬
‫“يعني تشوفي جوزك اللي بتحبيه وعايشة إنت وإياه مع بعض ومرة واحدة يصير‬
‫مع وحدة تانية وأبو ألوالد تانيني مش أوالدك‪ ،‬أوالده متهنيني بشغله وأوالدي محرومني‬
‫من هاي األشياء‪ ،‬هو بقول لي أنا عم بقدّ م لهم بس كذب وال إشي قدّ م”‪ .‬كانت ظروف‬
‫مي وزوجها املادية ج ّيدة قبل زواجه الثاني‪ ،‬إال أنه بعد الزواج تضعضعت أعماله‪ ،‬ومع التزاماته‬
‫أي شيء من التزاماته‬
‫بفتح بيت جديد وتكاليف اإليجار ومصاريف األوالد لم يعد يقدّ م ملي وأوالدها ّ‬
‫املادية‪ .‬أص ّرت مي على تعليم أوالدها‪ ،‬وأ ّمنت من خالل عملها أقساط املدارس اخلاصة التي كان‬
‫اجلامعي الذي تخ ّرج حدي ًثا‬
‫أوالدها يتع ّلمون فيها‪ ،‬فق ّررت اخلروج إلى العمل وقامت بتأمني تعليم ابنها‬
‫ّ‬
‫من كل ّية احلقوق‪ ،‬وعن ذلك تقول مي‪:‬‬
‫“أنا طلعت واشتغلت هاي صارلي السنة الثامنة بشتغل‪ ،‬اشتغلت هون (إحدى‬
‫مراكز الرعاية التابعة خلدمات الرفاة االجتماعي)‪ ،‬وهاي صار لي السنة الثالثة‪،‬‬
‫بتهرب‬
‫واشتغلت قبل مبحل في ّ‬
‫مؤسسة عشان أسد حاجيات أوالدي‪ ،‬حتى النفقة ّ‬
‫منها وألف مرة صار البوليس مدوّر عليه عشان بدفعش‪ ،‬شو بطلعلي أنا؟ شواقل‬
‫أل ّنه أوالدي صفوا أغلبهن فوق الـ ‪ .. 18‬ملا كان معه كان يعطيهن بس ّملا انكسر‬
‫وخرب بيته وقعد فترة كبيرة بدون شغل خلص كله انعكس علينا‪ ،‬عشان هيك‬
‫مرقنا إحنا ظروف صعبة ّ‬
‫وبطل في تفاهم وكل ما يفوت عالبيت مشكلة وضرب‬
‫توجهت‬
‫قررت التجئ للمحكمة الشرعية وأطلب نفقة‪ّ ،‬‬
‫وتكسير‪ ،‬آلخر إشي ّ‬
‫شجعتني إني أروح عاحملكمة يومتها‪ ،‬وه ّني‬
‫لعاملتي االجتماعية وهي اللي ّ‬
‫ساعدوني وطلعولي محامي”‪.‬‬
‫‪149‬‬
‫مخصصات النفقة‪ ،‬بينما لم يدفع هو شي ًئا‪ ،‬وما زال التأمني‬
‫تل ّقت مي من مؤسسة التأمني الوطني ّ‬
‫يالحقه ويطالبونه بتسديد ديونه‪ .‬ومع تفاقم أزمته املادية لم يعد زوج مي قاد ًرا على استئجار بيت‬
‫رفضا‬
‫للزوجة الثانية‪ ،‬فق ّرر بناء بيت لها في الطابق العلوي من بيت مي‪ ،‬األمر الذي رفضته مي ً‬
‫شديدً ا‪ ،‬وو ّلد خالفات وصلت حدّ العنف بينهما وتوجيه شكوى ضدّ ه في الشرطة‪ .‬استطاعت مي‬
‫بتصميمها منع زوجها من اإلقدام على هذه اخلطوة‪ .‬وبذلك يستم ّر حال ًّيا في العيش مع زوجته الثانية‬
‫وأوالده الثالثة في اإليجار وبظروف مادية صعبة‪.‬‬
‫لهذه ّ‬
‫احملطات تأثير كبير على وضعية مي النفسية‪ ،‬وقد أشارت مي إلى أنها في مرحلة مع ّينة من‬
‫زواج زوجها انهارت كل ًّيا‪ ،‬غير أنّها استطاعت بعد ذلك النهوض واملواجهة‪ .‬ورغم مرور سنني ليست‬
‫بقليلة على هذا الزواج إال أنّ األلم ما زال يحفر عمي ًقا في داخلها‪ ،‬فمي التي استطاعت مللمة نفسها‬
‫املبعثرة والتص ّرف بشكل حازم وثابت جتاه زوجها‪ ،‬لم تدخل في دائرة األمل في عودة زوجها إليها‪،‬‬
‫كل هذا التصميم إال أنّ ذلك ال يعني أنّ ّ‬
‫ولم تفاوضه بعد زواجه على ذلك‪ .‬بالرغم من ّ‬
‫كل ذلك من‬
‫خلفها بل هو ألم مستم ّر تع ّبر عنه مي خالل سير املُقابلة بكثير من االنفعال والبكاء احلار‪ ،‬فتقول‪:‬‬
‫“مرات ال شعور ًّيا بحس إنه كل األشياء اللي مريت فيها بترجع قدّ ام عيني‪ ،‬يعني‬
‫ّ‬
‫بتفرج عمسلسل بالتلفزيون بصير أتخيل حالي كأنه الشيء‬
‫حتى لو بكون عم ّ‬
‫مرات حلالي هيك وأنا بالبيت بكون قاعدة‬
‫صاير معي‪ ،‬بشوف حالي صرت أع ّيط‪ّ ،‬‬
‫أتخرف أنا وإ ّياهن بشوف حالي صرت أعيط‪ .‬بقولهن بعرفش ميكن‬
‫أنا والوالد بكون‬
‫ّ‬
‫جواتي بقدرش‪ ،‬قدما بخنق بحالي بصير أع ّيط‬
‫أنا مضغوطة كتير بدّ ي أطلع اللي ّ‬
‫‪ ..‬أنا إلي عليه كل احلقوق وكل إشي إلني أنا مرته‪ ،‬بس أنا دعست على حالي في‬
‫وموتت حالي وأعصابي وجسمي من إحدعشر سنة”‪.‬‬
‫كل إشي‪ ،‬متت بالنسبة إلي ّ‬
‫“تعودت إنه أعمل كل شيء‬
‫اضط ّرت مي أن تتح ّمل مسؤوليات األوالد والبيت بشكل كامل‪.‬‬
‫ّ‬
‫لوحدي‪ .‬بالبداية كان صعب الشي‪ ،‬يعني بعد ما صارت املشكلة كان الزم أنزل بطارق‬
‫(االبن الذي يعاني من إعاقة) على فحص بتل أبيب‪ ،‬وما كنش صار لي زمان ماخدة‬
‫رخصة السواقة‪ ،‬وبحياتي ما سافرت لتل أبيب حلالي‪ ،‬سافرت وسقت ّ‬
‫كل الطريق حلالي‪،‬‬
‫حسي‪ ،‬كيف أنا جاي وصلت بالسيارة‬
‫بس وصلت املستشفى صرت أع ّيط على طول ّ‬
‫وماخدة طارق وغامرت وما خفتش ووصلت فيه‪ ،‬من بعدها تع ّلمت فش إشي اسمه‬
‫خوف‪ ،‬فش إشي اسمه مستحيل”‪.‬‬
‫متنصل حال ًّيا‪،‬‬
‫يحضر زوج مي للبيت م ّرتني أو ثالثة خالل األسبوع في ساعات املساء‪ .‬ورغم أنّه‬
‫ّ‬
‫‪150‬‬
‫بشكل تام‪ ،‬من مسؤول ّياته املادية جتاه البيت‪ ،‬إال أنّه عند حضوره ميارس دور الرقيب ويحاول فرض‬
‫عصبي‪ .‬تقول مي إنّ األوالد‬
‫قرارات مع ّينة تتع ّلق بلباس االبنة ومدى حشمته‪ ،‬وكل ذلك بأسلوب‬
‫ّ‬
‫يحاولون إشراكه في أمورهم‪ ،‬لكنه يتجاوب حينًا‪ ،‬ويبقى سلب ًّيا‪ ،‬حينًا آخر‪ .‬وتصف مي اإلهمال الذي‬
‫يتع ّرض له أوالدها من خالل التط ّرق إلى تفاصيل صغيرة ذات دالالت كبيرة‪ ،‬فتقول‪:‬‬
‫تعودوا إنه أبوهم مش موجود بالبيت‪ ،‬و ّملا بشوفوه مع مرته التانية‬
‫“األوالد ّ‬
‫بكون عندهن غضب‪ ،‬بتطلعوا عليه بنظرة غضب كإنهن عم بقولوا اله شو إنت‬
‫مرات كان يكون معاه مصاري‪ ،‬أقوله والدي مش مشتهيني‬
‫عم بتساوي فينا ‪ّ ...‬‬
‫ّ‬
‫األكل بس الولد كمان بحب أبوه يوخده ويشتريله‪ ،‬أنا باخدهن وبجيبهن‪ ،‬فكر‬
‫مرة أجا عبالك توخدهن؟ حتى لو عالبلد توخدهن تطعميهن‬
‫باألوالد شوي‪ ،‬وال ّ‬
‫رغيف فالفل‪ ،‬هدا ولد بضل زغير بديش توخدهن على محل تاني‪ ،‬بح ّبوا يطلعوا‬
‫مع أبوهن‪ ،‬يقولي أنا مش فاضي”‪.‬‬
‫عند التط ّرق ملا يتع ّرض له األوالد من تأثيرات نفس ّية بسبب هذه الوضعية تورد مي حادثة وقعت‬
‫البنتها وهي طالبة في الصف اخلامس قبل حوالي سنة فتقول‪“ :‬بنتي قوية‪ ،‬جريئة بتخافش من‬
‫حدا باجتهادها ومجهودها وما بهمها حدا‪ ،‬استفزّ تها بنت باملدرسة‪ ،‬تخانقت هي واياها‬
‫قدّ ام كل أوالد املدرسة‪ ،‬إجت البنت بتقولها روحي ض ّبي حالك بكفي أبوي مش متجوز‬
‫على إمي‪ ،‬بكفي إحنا عايشني مع أبوي‪ ،‬بنتي فقدت عقلها‪ ،‬راحت عالبنت معطتلها‬
‫موتتها من القتل‬
‫شعرها وخرمشتها من وجهها‪ ،‬ما قدرتش تطلع هدا الغضب‪ ،‬قتلتها ّ‬
‫وانفصلت عن املدرسة ثالثة أيام ‪ ...‬قدّ يش اإلشي بوجعهن حلد اليوم”‪.‬‬
‫في املناسبات التي تتع ّلق بأوالدها تشعر مي بصعوبة أشد‪ ،‬وتصف بانفعال شديد تخ ّرج ابنها‬
‫وحفل زفاف ابنتها‪ .‬فقبل سنتني تز ّوجت ابنتها وأقامت لها حف ًال في إحدى القاعات مص ّرة على منح‬
‫ثم اجلامعية‪،‬‬
‫ابنتها زفا ًفا سعيدً ا كباقي بنات جيلها‪ ،‬وكذلك في حفل تخ ّرج ابنها من املرحلة الثانوية ّ‬
‫فتقول‪:‬‬
‫تخرج للولد‪ ،‬قدّ يش األم بتحب تروح هي‬
‫“أدّيش األم واألب بربوا الوالد وملا بصير في ّ‬
‫تخرج من مدرسته أنا رحت حلال وهو راح حلال‪،‬‬
‫وجوزها عند ابنها‪ ،‬حتى ابني محمد ملا ّ‬
‫بنتي نفس الشي‪ ،‬يوم عرسها ما حسيته ‪ ..‬تخ ّيلي إنك رايحة على سهرة بنتك ومن‬
‫البيت للقاعة تبكي”‪ .‬وعندما تخ ّرج ابن مي من اجلامعة من كل ّية احلقوق طلب من أ ّمه أ ّال تأتي‬
‫مبفردها كما فعلت في تخ ّرجه من املدرسة‪ ،‬فتقول‪:‬‬
‫‪151‬‬
‫التخرج من‬
‫“ق ّلي ابني أنا ما بنسى هداك اليوم ّملا إنت إجيتي على حفلة‬
‫ّ‬
‫وجعني وقتها‪ ،‬قدّ موه باملدرسة‬
‫املدرسة‪ ،‬إنت حلالك وأبوي حلال‪ ،‬قدّ يش الشي ّ‬
‫مثالي ومم ّيز وطلع حكى كلمة ‪ ..‬عشان هيك بدّ ك تيجي إنت كمان مرة على‬
‫طالب‬
‫ّ‬
‫ميا ما تقبلي بهدا‬
‫تخرجي باجلامعة كمان مرة حلالك وهو حلاله؟؟ بحياتك ّ‬
‫حفل ّ‬
‫واحتملت‬
‫الشي‪ ،‬قلتله أنا رح آجي على حالي عشانك ورحت هداك اليوم أنا وابوه‬
‫ّ‬
‫احتملته‪ ،‬شو بدّ ي أساوي‪ ،‬طلعنا مع بعض بالس ّيارة بس خلص‪ ،‬إحنا بعالم‬
‫اللي ّ‬
‫بالنص‪ّ ،‬ملا الواحد قلبه مبوت مشاعره كمان‬
‫وهو بعالم‪ ،‬يعني في حلقة مفقودة‬
‫ّ‬
‫بتموت!!”‪.‬‬
‫ً‬
‫إرباكا وأملًا عندما تكون املناسبة االجتماعية خاصة بأحد األقارب‪ .‬في تلك‬
‫األمر يكون أكثر‬
‫املناسبات تلتقي مي بزوجها وهو برفقة أوالده وزوجته‪“ .‬أنا بهيك مناسبات بحاول أجت ّنبه‪،‬‬
‫كأني ما بعرفه‪ ،‬يعني ملا بكون معي طارق بالعرباي‪ ،‬يعني ما بتل ّفت تاله وال هو ّ‬
‫بفكر‬
‫يساعدني عليه ‪ ...‬الوالد بصيروا يسألوا طيب ليش هو موجود معهن ومش موجود معنا؟‬
‫وداميا بسأل‬
‫مش إحنا إلنا حق فيك ‪ ..‬كنت أجت ّنب كل مرة نكون فيها بعرس أو بعزى‬
‫ً‬
‫قبل عشان أعرف إذا ه ّني عازمينها بلغي أنا روحتي‪ ،‬بتنازل‪ ،‬بصيروا بناتي يقولوا لي شو‬
‫إحنا ذنبنا‪ ،‬بدنا نروح عند عمتو ليه إنت بدكيش تروحي؟”‪.‬‬
‫وبشكل مشابه‪ ،‬قام زوج ندى باستئجار بيت لزوجته اجلديدة بعد أن جنحت ندى في احلصول على‬
‫أمر بإبعاده هو وزوجته عن البيت‪ ،‬فانتقل للسكن مع الزوجة الثانية‪ ،‬لكنه استم ّر في التردّد على‬
‫بيت ندى‪ .‬تسكن ندى‪ ،‬كما مي‪ ،‬في طابق علوي من بيت عائلة زوجها‪ .‬وتعيش ندى منذ خمس‬
‫سنوات في تو ّترات وخالفات حادة‪ ،‬وقد ق ّررت االنفصال عن زوجها خالل هذه السنوات اخلمس‬
‫أربع م ّرات‪ ،‬وكانت تتراجع عن هذا القرار وتستأنف العالقة بعد أن يتع ّهد لها زوجها بأنّه سيقوم‬
‫باالنفصال عن الزوجة الثانية‪ ،‬ثم سرعان ما تكتشف ندى من جديد أنّ زوجها لم يفعل ذلك‪ .49‬تقول‬
‫توجهها إلى احملكمة لطلب النفقة سيكون وسيل ًة للضغط عليه لكي ينفصل عن‬
‫ندى إنّها اعتقدت أنّ ّ‬
‫الزوجة الثانية ويعود إلى البيت‪ّ .‬‬
‫“فكرت أ ّنه هيك هو بغ ّير حاله ‪ ..‬أنا كنت متو ّقعه إنه ملاّ‬
‫بدّ ي أفتح ملف باحملكمة يعرف النهاية ويشوف إنه رح يخرب بيته وبيت والده‪ ،‬فكرت إنه‬
‫ّ‬
‫يفكر بأسلوبي بس هو كل اللي كان خايف إنه ّملا أتطلق آخد حقوقي”‪ .‬حال ًّيا‪ ،‬يتواجد زوج‬
‫ندى ساعتني كل يوم في البيت‪ ،‬وبسبب طلب ندى الطالق مؤخّ ًرا وبسبب اإلجراءات التي باشرت بها‬
‫في احملكمة املدنية فإن تواجده محدّ د بساعات مع ّينة وكثي ًرا ما تتخ ّلل ذلك تو ّترات‪.‬‬
‫ومع تسلسل األحداث تكتشف ندى أنّ هناك زوجة ثالثة ورابعة‪ّ ،‬‬
‫كل واحدة تعيش في مكان مختلف خارج بلدتها‪.‬‬
‫‪49‬‬
‫خالل السنوات التسع منذ زواجه األول وحتى اليوم عادت ندى إلى زوجها أربع م ّرات‪ ،‬بعد أن كان يتعهّد في كل مرة أنه سيط ّلق‬
‫الزوجة الثانية أو الزوجات األخريات‪ .‬لكن‪ ،‬كان يتّضح الح ًقا أنّ ذلك لم يحصل‪.‬‬
‫‪152‬‬
‫ترى ندى أنّ آثار هذه الوضعية تظهر جلية على أحد أبنائها الذي كان طفال عندما بدأت هذه‬
‫تشربها ‪ ..‬بنرفز‪،‬‬
‫املشاكل‪ ،‬وهو يبلغ من العمر اآلن اثنتي عشرة سنة‪“ .‬كل األشياء السلبية‬
‫ّ‬
‫بضرب‪ ،‬بقاتل‪ ،‬بق ّلد أشياء كتيرة إللي إنت ما تقدري تسيطري عليها‪ ،‬اجليران متأ ّثرين‬
‫منه كتير‪ ،‬بضربلهن أوالدهن بيجوا يشكولي وصعب تيجي تقولي للناس ع ّنا وضع صعب‪،‬‬
‫ميا أنا مجنون‪،‬‬
‫إللي بتيجي تقولي مرة إبنك ضرب إبني روحي عاجليه وهو بيجي يسألني ّ‬
‫بتصرفاتك‪ ،‬وفش حاجة‬
‫ميا إنت مش مجنون بس هيك بظهر‬
‫أنا مبسكه وبقوله معلش ّ‬
‫ّ‬
‫إسا ‪ ،18‬بصراحة بتقدرش تشوفوه‬
‫وإنت ماشي تلطش األوالد ‪ ..‬كمان البنت عمرها ّ‬
‫ألبوها ومش ألنه أنا ّ‬
‫بحطلها هدا اإلشي براسها”‪.‬‬
‫يحاول زوج ندى‪ ،‬كزوج مي‪ ،‬التم ّلص من دفع مستح ّقات النفقة التي أق ّرتها احملكمة مؤخّ ًرا بشكل‬
‫مؤ ّقت قبل صدور احلكم النهائي بخصوص حضانة األوالد‪ ،‬وهذا يدفعها حال ًّيا لالستدانة لغرض‬
‫الصحي‬
‫تأمني حاجيات األوالد التي يرفض زوجها دفعها‪ .‬ال تستطيع ندى اخلروج للعمل بسبب وضعها‬
‫ّ‬
‫الوطني‪ ،‬لكن املبلغ الذي تتل ّقاه خفض مؤخّ ًرا‪ ،‬ولم يعد‬
‫مخصصات إعاقة من التأمني‬
‫وهي تتل ّقى‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫بإمكانها تأمني كل ما يحتاجه البيت واألوالد‪ ،‬بينما يتل ّقى الزوج رات ًبا ج ّيدً ا‪ ،‬فهو يعمل مح ّق ًقا‬
‫في الشرطة‪“ .‬يعني اليوم جاي علينا أعياد‪ ،‬فاتوا املدارس‪ ،‬كلياته صعوبة بصعوبة ومع‬
‫أعصاب‪ ،‬يعني اليوم رافض يعطيني مصاري وأنا بدّ ي أشتري فواكه عيد وبدّ ي أشتري‬
‫مرات أنا بحكيش معه بخ ّلي الوالد يطلبوا بقولهن أنا بدّ يش اشتريلكوا‬
‫أغراض للبيت‪ّ ،‬‬
‫أضطر إنه أحكي معاه”‪ .‬يحاول زوج ندى مبختلف‬
‫أمكم تدبر حالها‪ ،‬ليه؟ عشان‬
‫خ ّلوا ّ‬
‫ّ‬
‫الوسائل الضغط عليها وابتزازها للعدول عن طلب الطالق‪ ،‬وفي جلسات احملكمة يحاول إظهار وجود‬
‫عالقة زوجية كاملة مع زوجته لدحض ادعاءاتها‪ .‬ويشترط االعتناء بأوالده باستئناف عالقتهما‪ ،‬لذلك‬
‫حني يطلب األوالد منه اخلروج لنزهة يشترط عليهم أن تأتي ندى معهم‪ ،‬وحني ترفض ذلك يرفض‬
‫ألي نزهة برفقته‪ .‬ال‬
‫اصطحابهم‪ ،‬وبهذه احلالة فإنه في السنوات الثالث األخيرة لم يخرج األوالد بتا ًتا ّ‬
‫يتوانى زوج ندى عن محاوالته في استئناف عالقته اجلنس ّية معها حتى اليوم‪ ،‬وهو يقول لها بأصرار‪:‬‬
‫أي زوج وزوجة”‬
‫“أنا بدّ ي إ ّياكي‪ ،‬بدّ ي أنام وأقوم معك زي ّ‬
‫أما زهى فإنّ زواج زوجها الثاني‪ ،‬حسب تعبيرها‪ ،‬د ّمر حياتها وحياة أوالدها‪ ،‬فزوجها بات شبه‬
‫غائب عن البيت‪ ،‬وانتقل للعيش في بيت زوجته الثانية‪ ،‬ولم يعد قاد ًرا على حت ّمل األعباء واملسؤوليات‬
‫امللقاة عليه‪ .‬هكذا ع ّبرت زهى عن اإلهمال الالحق بها وبأوالدها‪:‬‬
‫“تغ ّيرت حياتنا من نعيم جلحيم ‪ ...‬األوالد لو تشوفي حالتهم‪ ،‬تغ ّير معهم بشكل‬
‫بطل يحن عليهم‪ ،‬بطل ّ‬
‫داميا أجتادل معاه ونتخانق أنا‬
‫يطلع فيهم ويهتم ‪ ..‬صرت ً‬
‫‪153‬‬
‫واياه‪ ،‬كل ما ييجي اقعد أبكي‪ ،‬مش طايقة أشوفه‪ ،‬األوالد ملا يشوفوا هاملشاكل‬
‫بحسوا فيها حلد اليوم ‪ ..‬كان زمان ييجي‬
‫يحزنوا‪ ،‬كل ما تصير مشكلة في الدار‬
‫ّ‬
‫من الشغل ويقعد بني أوالده ويوكل ويشرب معهم واللي بدّ ه شي يعطيه وإلي‬
‫بده يروح يكسي بيوخده عمحل يكسيه واللي بدّ ه مصاري بيعطيه‪ ،‬اليوم بعد‬
‫هاجليزة صارت ّ‬
‫كل مصاريفه عليها (على الزوجة الثانية)‪ ،‬وصار يقولهم ما معي‪،‬‬
‫يتخرج من سابع لثامن ّ‬
‫نشف ريقه وهو يقوله يا يابا بدّ ي أواعي وبدّ ي‬
‫الولد بدّ و‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫مرات بجيب إشي خفيف عالبيت بس ما بدفع‬
‫حق االمتحانات‪ ،‬يقولوا ما معي ‪ّ ..‬‬
‫مي وال كهربا وال كتب لألوالد وال كإنه موجود ‪ ..‬أصغر ولد عندي بقولي هدا مش‬
‫أبوي‪ ،‬هدا أبوهم ه ّني ‪ ..‬يعني بطل يهتم لتعليمهم ‪ ..‬بس منشوفوا بجيبلها أشياء‬
‫كتيرة عالطالعة وعالنازلة‪ ،‬بطلع هو واياها وبيسهروا‪.‬‬
‫بالرغم من كل ذلك تستم ّر زهى في عالقتها اجلنسية مع زوجها انطال ًقا من كون هذه العالقة‬
‫“حاجة” و”واجب”‪ ،‬وفي بعض األحيان وسيلة للحصول على املوارد املادية التي تؤ ّمن لها حاجاتها‬
‫وحاجيات بيتها‪ ،‬فتتح ّول العالقة بذلك إلى ما يشبه عالقة الدعارة وليس العالقة الزوجية مع كل ما‬
‫يترافق ذلك من حتقير وامتهان لزهى‪“ .‬شوفي هم الزالم كلهم جنس واحد‪ ،‬حاجة بدّ ه إ ّياها‬
‫بسوي قدامي حركات يعني متال‬
‫منك بوخدها‪ ،‬أما إنت إذا بدّ ك منه شي ما يعطيكي ‪ّ ..‬‬
‫أنا ممنوع اركب معاه في الس ّيارة‪ ،‬مانعني ما بدّ و أطلع بالس ّيارة خلص وال كأ ّني مرته وال‬
‫كأنه بعرفني بعد كل هالعمر ‪ ..‬بس معها بوخدها وبجيبها”‪.‬‬
‫تز ّوج زوج جميلة من أخرى وعاش في بلدة أخرى وتركها غارقة في ديون أقساط املشكنتا (قرض‬
‫وتنصل من كل مسؤولية مادية‪ ،‬بينما استم ّرت جميلة في تدبير‬
‫اإلسكان) وديون أخرى كبيرة‬
‫ّ‬
‫ومخصصات التأمني الوطني‪ ،‬وبقي يقسم وقته بشكل‬
‫شؤون بيتها من خالل عملها في مجال اخلياطة‬
‫ّ‬
‫دوري بني جميلة وبني الزوجة الثانية ليبيت كل ليلة في بيت‪ .‬قبل حوالي السنة ومع تدهور العالقات‬
‫ّ‬
‫التوجه إلى احملكمة وطالبت بدفع نفقتها‪“ .‬كان ييجي علينا شهر‬
‫بني جميلة وزوجها ق ّررت‬
‫ّ‬
‫رمضان فش أكل بالبيت إلي وألوالدي للفطور‪ ،‬يعني الواحد يوكل على قدّ ه ويشرب على‬
‫قدّ ه”‪ .‬بعدها انقطعت العالقة الزوجية بينهما ولم يعد زوجها يتردّد على البيت مطل ًقا‪ .‬يرى األوالد‬
‫تزج باألوالد في خالفاتهما إال أنّها ترى تأثير هذه الوضعية‬
‫خارج البيت‪ .‬ورغم أنّ جميلة حتاول أال ّ‬
‫داميا ما بحكي قدّ امهم”‪.‬‬
‫سل ًبا عليهم‪“ .‬حاقدين عليه‪ ،‬مع إ ّني ً‬
‫‪154‬‬
‫أزواج بقوا في البيت ويتردّدون على الزوجة الثانية‪:‬‬
‫أما زوج عليا فلم يترك البيت‪ ،‬فمبيته بقي في بيته في حني يتردّد على بيت الزوجة الثانية‪ .‬بالرغم‬
‫يتنصل من مسؤوليات‬
‫من أنّ زوج عليا بقي يبدي مسؤولية أكبر جتاه التزاماته املادية للبيت ولم ّ‬
‫الشهري لكنه يترك باقي املصروفات‬
‫البيت واألسرة بشكل تا ّم‪ ،‬فيقدّ م بهذا لزوجته مبلغًا من املال‬
‫ّ‬
‫على كاهل عليا‪ ،‬خاصة عندما تتو ّتر العالقات بينهما بسبب موضوع زواجه‪ ،‬األمر الذي يجعلها‬
‫تتح ّمل مسؤولية تأمني باقي املتطلبات وحدها‪ .‬ولكون عليا تواجه هذا التغيير حدي ًثا‪ ،‬فإنّ الصعوبات‬
‫أيضا‪ .‬تقول عليا إنّ حياتها العائلية كانت تختلف كل ًّيا قبل زواج زوجها‪ ،‬فقد كانا يقومان‬
‫تظهر بحدّ ة ً‬
‫م ًعا بالتس ّوق وبشراء احتياجات البيت‪ ،‬وكانا ميارسان م ًعا حياة اجتماعية عادية تتخ ّللها زيارات‬
‫ألفراد عائلته وعائلتها‪ ،‬وكان زوجها يعود إلى البيت يوم ًّيا‪ ،‬فيجلس مع أوالده باستمرار‪ .‬أ ّما اليوم‬
‫فهو غائب عن البيت لساعات طويلة وال يعود إال في منتصف الليل‪ .‬ويظهر هذا الغياب جل ًّيا في‬
‫املناسبات اخلاصة واألعياد‪ ،‬ففي شهر رمضان املاضي اتفقت عليا مع زوجها بعد صلح ّ‬
‫مت بينهما على‬
‫أن يعود إلى البيت ويشاركهم اإلفطار‪ ،‬غير أنّه اشترط عليها أن يتناوب بينهم وبني زوجته الثانية‪،‬‬
‫فيكون يو ًما معهم ويو ًما معها‪ ،‬لكن عليا رفضت ذلك وألحّ ت عليه أن يكون في ذلك اليوم في البيت‪،‬‬
‫فحضرت أصنا ًفا من الطعام التي يح ّبها وانتظرته مع أوالدها طويال على املائدة‪ ،‬إال أنّه لم يحضر‪.‬‬
‫ّ‬
‫“صرت أع ّيط وما أكلت‪ ،‬قلتلي بنتي ليه بتع ّيطي؟ إنت اللي عليكي عملتيه‪ ،‬إنت عزمتيه‬
‫مرت علينا‬
‫وهو ما إجا‪ ،‬معناه أبوي مختارها هي مش مختارك‪ ،‬والبنات تضايقوا يعني ّ‬
‫باملرة‪ .‬وأنا اللي صار لي تالتة عشر سنة عند دار عمي‬
‫أول سبع أيام برمضان ما أكلناش ّ‬
‫أيضا أثر على عالقتها‬
‫أكون برمضان ومنفطر مع بعض عيلة واحدة”‪ .‬أ ّما اليوم فإنّ زواجه ً‬
‫بعائلته وخلق أجواء مشحونة باستمرار‪ ،‬خاصة أنّ عائلته تق ّبلت زواجه الثاني‪.‬‬
‫إسا ما بحكوا مع‬
‫إسا مصدومات وحلد ّ‬
‫وعن وضعية أوالدها‪ ،‬تصف عليا اآلتي‪“ :‬بناتي حلد ّ‬
‫أبوهن‪ ،‬ال أنا وال ه ّني‪ ،‬بس بفوت عالبيت بنام‪ ،‬بيجي الساعة ‪ 12‬أو واحدة بنام‪ ،‬بياكل‬
‫عند إمه أو عند مرته التانية ‪ ..‬بحس متل األغراب حتى األغراب أحسن منا‪ ،‬يعني هو‬
‫بغرفة وأنا بغرفة صارلنا أربع شهور هيك ‪ ..‬حالتي النفسية مش منيحة‪ ،‬بناتي حالتهن‬
‫النفسية تعبانة‪ ،‬ال بروحوا وال بيجوا‪ ،‬صارلهن شهرين وال على محل‪ ،‬إنه أبوهن مش‬
‫ّ‬
‫يتفششوا ببعض ويتغاوشوا‪ ،‬بتغاوش أنا وإياهن كتير‪،‬‬
‫معهن بتتعب نفس ّيتهن‪ ،‬بصيروا‬
‫وباملدرسة عم تستصعب البنت الكبيرة‪ ،‬بحياتها ما كانت هيك عم بقولولي باملدرسة إنها‬
‫بتفتح الدفاتر وبتشرد بإيش ما كان”‪.‬‬
‫‪155‬‬
‫زوجات يتقاسمن البيت نفسه‪:‬‬
‫كان السبب املعلن لزواج زوج زهرة هو الرغبة في إجناب األطفال‪ ،‬في حني لم تستطع زهرة أن‬
‫تنجب سوى طفلة‪ ،‬ولم يكن من خيار إال أن تعيش الزوجة الثانية في البيت نفسه مع زهرة إذ لم‬
‫تكن تسمح حالة زوجها املادية بإقامة بيت آخر‪ .‬كان ذلك قبل سبع وعشرين سنة‪ .‬عن التغييرات‬
‫التي طرأت على حياتها تقول زهرة‪“ :‬كتير تغيرت احلياة‪ ،‬يعني ّملا هي بدها تكون بغرفتها‬
‫هو عندها‪ّ ،‬ملا أنا بدّ ي أكون بغرفتي وهو عندي يصير في تو ّتر‪ ،‬البني آدم حلم ودم ‪..‬‬
‫مش حجر‪ّ ،‬ملا بدّ و يعاملني أحسن هي تتضايق‪ّ ،‬ملا بدّ و يعاملها أحسن أنا نفس الشي‬
‫أتضايق‪ ،‬يعني كتير صار في تو ّتر في البيت‪ ،‬إحنا بالبيت مش طبيع ّيات”‪ .‬زهرة تتحدّ ث‬
‫عن تسعة عشر عا ًما عاشتها وتعيشها حتى اآلن في هذه الوضعية‪ .‬ترى زهرة أن ظهور زوجة أخرى‬
‫في البيت لم يغ ّير من موقعها‪ ،‬إذ بقيت هي صاحبة القرار فيما يتع ّلق بالبيت‪ ،‬فهي تعمل في فالحة‬
‫أرضهم منذ زواجها وما تكسبه من عملها يبقى معها وهي من تدير شؤون البيت‪ .‬كما ترى أن زوجها‬
‫يفضلها عاطف ًّيا‪“ .‬احمل ّبة كانت إلي‪ ،‬بس هو‬
‫بقي يحترم قراراتها فيما يتعلق بأمور البيت‪ ،‬وبقي ّ‬
‫أخدها عشان اخللف‪ ،‬مش أكتر‪ ،‬حبني ما حبها ‪ ..‬مث ًال ك ّنا بدنا نشتري شغلة يسألني أنا‪،‬‬
‫بدنا نطبخ طبخة يسألني أنا ‪ ..‬هي بتعرفش وال إشي وما بسألها”‪ .‬إال أنّها تدرك أن هذا‬
‫األمر لم يكن صدفة‪ ،‬بل جاء بسبب أنّ الزوجة الثانية لم تستطع اإلجناب‪ ،‬ولو حصل وأجنبت الزوجة‬
‫الثانية‪ ،‬فإنّ هذا املوقع سيتغ ّير وال ّ‬
‫سيفضل الزوجة الثانية عليها وسينقل لها‬
‫شك عندها أن زوجها‬
‫ّ‬
‫الصالحيات التي كانت تتمتّع بها‪“ .‬يعني لو إجاها أوالد بضل يحبني؟؟ ال ‪ ..‬لو إجاها والد‬
‫وصار عندها صبيان بتكون محبتها أكتر‪ ،‬بتكون معزّ تها أكتر ‪ ..‬بس ر ّبنا ما أعطاها وضل‬
‫الدوني الذي بقيت‬
‫يحبني أنا”‪ .‬وعن التو ّقف عند موقع الزوجة الثانية ميكن االنتباه إلى املوقع‬
‫ّ‬
‫تتذمر على هيك بس ما حدا كان يرد عليها ‪..‬‬
‫تعيشه الزوجة الثانية‪ ،‬تقول زهرة‪“ :‬كانت‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫أتدخل ‪..‬‬
‫يرجعها ‪ ..‬بس أنا ما‬
‫كانت تزعل وتروح عند أهلها وأنا ما‬
‫أتدخل ‪ ..‬هو يروح ّ‬
‫هديك اليوم سمعتها تقوله أنا شو ماخدة منك ما إنتو حاطيني خدامة‪ ،‬قلها مش عاجبك‬
‫بطلي‪ ،‬إل ّنه ال معقود عقدها وال معموللها إشي مبني‪ ،‬يعني ما معه مصاري إللي ّ‬
‫يحطلها‬
‫رصيد بالبنك‪ ,‬بحياته ما عمل مصاري‪ ،‬كان يوخد “نيخوت” (إعاقة)‪ ،‬صرله ‪ 12‬سنة ويا‬
‫دوب مصروفات البيت وه ّياها قاعدة بتوكل وبتشرب‪ ،‬قاعدة متل ما إحنا قاعدين ‪ ..‬ما‬
‫تضل قاعدة مش كيف ما كان مساعدتني (وتضحك)”‪.‬‬
‫بعد مرور تسع عشرة عا ًما تتحدّ ث زهرة عن الزوجة الثانية كأنّها ضيفة في البيت‪ .‬وهي ال تعتقد‬
‫أخف وطأ ًة عليها‪ ،‬بل ّ‬
‫أنّ سكن الزوجة الثانية في بيت منفصل سيكون‪ ،‬بالضرورة‪ّ ،‬‬
‫تفكر أنّ هذا‬
‫األمر كان سيجعل زوجها يهملها ويهمل مسؤولياته جتاه البيت كل ًّيا‪ .‬لكن‪ ،‬اآلن وبعد مرور كل تلك‬
‫‪156‬‬
‫السنني‪ ،‬تقول زهرة إنّ اخلالفات بينها وبني الزوجة الثانية ما زالت قائمة رغم أنهما تديران حياتهما‬
‫ً‬
‫مشتركا‪ ،‬وتتقاسمان ّ‬
‫كل شيء في البيت‪ ،‬ومتارسان حياتهما االجتماعية م ًعا‪،‬‬
‫وحتضران طعا ًما‬
‫م ًعا ّ‬
‫ورغم أنّ ابنة زهرة تكنّ لها مشاعر االحترام وتتعامل معها بودٍّ‪.‬‬
‫ما زالت زهرة التي تز ّوج زوجها قبل خمسة وعشرين عا ًما ّ‬
‫تتذكر حتى اليوم اإلساءة واأللم اللذين‬
‫عانتهما ابنتها بسبب زواج والدها‪ .‬وهي تسرد ما جرى خالل حتضير احلنّة لعرسه‪ ،‬حيث اجتمعت‬
‫النساء محتفالت خللط احلنّة للعروس‪ ،‬ومن املتّبع أن يشترك في ذلك األطفال والطفالت تي ّمنًا بإجناب‬
‫األطفال للعروسني‪ .‬كانت ابنة زهرة حاضرة في هذه التحضيرات التي تعدّ ها ع ّماتها وع ّمات والدها‪،‬‬
‫وتقول زهرة‪:‬‬
‫“نزلوا عند إمه جبلوا احلنة‪ ،‬عنا العادة بجيبوا والد يحطوا إيد ولد باحلنة عشان‬
‫إسا‬
‫العروس جتيب والد‪ ،‬مدّ ت إيدها بنتي عاحلنة قاموا ضربوها على إيدها‪ ،‬حلد ّ‬
‫بتقدرش تسمع حدا بجبل ح ّنة‪ ،‬يعني كانت بنت عشر سنني‪ ،‬مش زغيرة‪ ،‬حلد إسا‬
‫إذا بتشوف حدا بجبل حنة عروس بتقعد تع ّيط”‪.‬‬
‫ال تنتهي الصعوبات التي وصفتها النساء اللواتي تز ّوج زوجهنّ من زوجة ثانية عندهنّ فقط‪ ،‬بل‬
‫تظهر النتائج أنه من املمكن أن تعاني الزوجة الثانية حالة مشابهة شكال ومضمونًا‪ .‬فالزوجات‬
‫الثانيات يعشن كذلك صعوبات مشابهة ويعانني وأوالدهنّ الكثير من الصعوبات التي تنعكس في‬
‫غياب الزوج عن حياة أسرته وزوجته لصالح العائلة األولى والزوجة األولى‪ .‬وفي حني تتحدّ ث زهرة‬
‫عن جتربتها كزوجة أولى في العيش مع زوجة ثانية‪ ،‬مع ّ‬
‫كل ما يرافق ذلك من إحساس باالقتحام‬
‫والسطو على بيتها‪ ،‬فإنّ هذه الصعوبة ال ّ‬
‫تقل حدّ ة من وجهة نظر زوجة ثانية تأتي بعد زواجها للعيش‬
‫في البيت نفسه مع الزوجة األولى‪.‬‬
‫تقول ُسمية التي جاء بها زوجها منذ اليوم األ ّول لزواجها للعيش مع زوجته األولى وبناته في ظروف‬
‫سكن ّية صعبة للغاية عن العيش املشترك لها مع الزوجة األولى‪“ :‬صعب‪ ،‬صعب كتير‪ ،‬بدك‬
‫تعيشي بحرمان‪ ،‬وبيوم وليلة يكون عندك عيلة وأربع أنفار أم وبناتها‪ ،‬تاني يوم تبدي‬
‫تشتغلي لعيلة مش على راحتي أنام وأفيق‪ ،‬بدّ ك تفهمي إنك مش مستقلة‪ ،‬بدك تفهمي‬
‫هدا اإلشي حلالك وتعملي بحسبه‪ ،‬هيك عشت ور ّبيت البنات بعدين خلفت ابني وخلفت‬
‫وخلفت توصلت ألربعة ‪ ...‬أول ما بديت عيشتي عالفرشة‪ ،‬عاألرض‪ ،‬بعدين عالصوفا‪،‬‬
‫افتحها إلي والبني‪ ،‬بعدين اشتريت صوفا إلي والبني ووحدة بتنام حدو ووحدة بأوضة‬
‫تتحملي كل إشي”‪.‬ولكي تستطيع سمية حت ّمل‬
‫تانية ‪ ...‬مجبورة تقومي باجلهتني‪ ،‬مجبورة‬
‫ّ‬
‫‪157‬‬
‫هذه الوضعية التي يقوم زوجها مبمارسة عالقته الزوجية واجلنسية مع الزوجة األولى في نفس املكان‪،‬‬
‫فإنّها تق ّرر التجاهل ومنح عالقتها الزوجية تسمية أخرى‪ ،‬فتقول‪ ”:‬بدّ ك ّ‬
‫حتطي مشاعرك مبحل‬
‫مجرد أخوك وموجود مع مرته‪ ،‬بدّ ك تعملي‬
‫تاني‪ ،‬يعني ما ّ‬
‫تهتمي أو إنه تنظريله إنه هو ّ‬
‫هاي احلسابات‪ ،‬مش إنه جوزك وتغاري عليه ‪ ..‬هو جوزي صحيح وكل واحدة بتغار على‬
‫تتحمليها”‪.‬‬
‫جوزها بس هاي احلياة وبدّ ك‬
‫ّ‬
‫تصف سمية عالقتها بالزوجة األولى والتي يتض ّمنها الكثير من الدعم املتبادل في مش ّقات احلياة‪،‬‬
‫فالزوجة األولى وبناتها يعتنني بأوالدها باستمرار‪ ،‬كما فعلت سمية في املاضي حني ساعدت الزوجة‬
‫األولى في تربية بناتها‪ ،‬وجتمعها بها وببناتها عالقة متينة مبنية على الدعم‪ .‬أ ّما عن دور الزوج في هذه‬
‫املسؤول ّيات فإنّ سمية تختصره بجملة وحيدة ال غير تعقبها تنهيدة عميقة “ع ّنا زوج”‪.‬‬
‫في نهاية املطاف أصبحت سمية والزوجة األولى شريكتني تتك ّبدان نفس الصعوبات‬
‫ً‬
‫معا من أجل أوالدهما مع زوج يبدو‪ ،‬من‬
‫مصيرا‬
‫وتعيشان‬
‫مشتركا وتواصالن العيش ً‬
‫ً‬
‫ً‬
‫وقمعا جتاههما‪ .‬تبدي سمية تفهّمها للزوجة األولى في‬
‫تسلطا‬
‫حديث سمية‪ ،‬أنه مارس‬
‫ً‬
‫الوقت الذي أصبحت هي معها في نفس اخلندق‪ ،‬وتقول‪“ :‬هي مش قوية‪ ،‬مش جبارة‪،‬‬
‫بسيطة‪ ،‬هي كستني‪ ،‬هي اشترت لي مالبس وأعطتني ذهباتها‪ ،‬هي بدها السترة وأنا‬
‫بدّ ي السترة‪ ،‬هي بدها السترة‪ ،‬بدهاش تكون مطلقة‪ ،‬مرا مستورة‪ ،‬لو بدها الفضيحة‬
‫توجهت ألهلها وقالتلهن جوزي بدّ و يتجوز علي‪ ،‬برضه ما قالت ألهلها‪ ،‬أجا خطبني‬
‫كانت ّ‬
‫حلاله وجتوزني حلاله من غير حدا معه”‪ .‬وتتابع سمية فتقول عن قبولها لألمر الواقع ّ‬
‫بكل‬
‫وتتحمليه‪ ،‬بكل‬
‫صعوبته‪“ :‬ملا إنت بدّ ك تعيشي وصرت بهدا الوضع بدك تبقي ماشية فيه‬
‫ّ‬
‫إشي بدك تضغطي على حالك‪ ،‬الغيرة بصرش أنا ضرة تانية ما بصير استحل على اللي‬
‫قبلتني بدارها وأعملها مشاكل ‪ ..‬يعني إنو بدي أرضى باملوجود وهي بدها ترضى‪ ،‬يعني‬
‫خلص”‪.‬‬
‫كذلك شمس‪ ،‬فقد عاشت في السنة االولى لزواجها مع الزوجة األولى في نفس البيت‪ ،‬غير أن‬
‫ظروف زوج شمس املادية أتاحت له بناء بيت مستقل وكان ذلك شرطا مسبقا لزواجهما‪ .‬وفي الوقت‬
‫الذي تلمح فيه سمية للمعاملة السيئة والتسلط الذي تعيشه هي والزوجة االولى من قبل الزوج فإن‬
‫شمس تتحدث عن عالقة زوجية داعمة ومتفهمة يتخللها االحترام وهذا ما جعلها تختصر وصف‬
‫زواجها سابقا مبقولتها “ ختيار يحترمني وال شاب يهيني” ‪ .‬تشير شمس إلى الدعم العاطفي الذي‬
‫تل ّقته من زوجها وإلى استمرار حياتها معه في تفاهم وانسجام‪ ،‬كما تشير إلى بناء عالقة قريبة‬
‫وحميمة مع زوجته األولى التي تساعدها في تربية أوالدها‪ ،‬وتقدّ م لها كل العون‪ .‬تذكر شمس أن‬
‫‪158‬‬
‫تهتم باستمرار بهم ومتنحهم دال ًال‬
‫أوالدها يحبون الزوجة األولى وهم متع ّلقون بها بشكل كبير‪ ،‬فهي ّ‬
‫واهتما ًما كبيرين‪ .‬في الفترة التي سكنت شمس مع الزوجة األولى كان زوج شمس يبيت ليلة في‬
‫غرفتها وليلة في غرفة زوجته األولى‪ .‬منذ بضع سنني لم يعد زوج شمس على عالقة جنس ّية مع‬
‫زوجته األولى‪ ،‬وذلك استجاب ًة لطلب الزوجة األولى كما تشير شمس‪.‬‬
‫إال أنّ هذا اجلانب ال يخفي لشمس ما يستتر خلف كل ذلك من ألم تعيشه الزوجة األولى‪ .‬فهي‬
‫تدرك صعوبة ما تعانيه الزوجة األولى من ألم لعدم قدرتها على اإلجناب‪ ،‬وللمرارة التي تعتصر قلبها‬
‫لتغ ّير وضع ّيتها الزوجية‪ .‬وترى شمس هذا األلم من خالل شرود الزوجة األولى في كثير من األوقات‪،‬‬
‫وكذلك هربها املستم ّر إلى بيت أهلها في كل مرة تعلم فيه أن شمس حامل‪ .‬حتاول شمس قدر‬
‫استطاعتها التخفيف عنها‪ ،‬لذا ففي كل مرة تذهب الزوجة األولى إلى بيت أهلها مدعي ًة أنها ترغب‬
‫في قضاء بعض الوقت لديهم‪ ،‬تقوم شمس وزوجها بزيارتها لالطمئنان عليها ومطالبتها بالعودة إلى‬
‫البيت‪ ،‬كما تع ّبر لها عن أهمية وجودها في حياتها وفي حياة األوالد‪.‬‬
‫تدعم الزوجتان بذلك الواحدة األخرى‪ ،‬وهذا ما ب ّينته شهد (‪ )Shahd, 2001‬في بحثها في‬
‫املصري‪ ،‬حيث ظهر أنّه حينما يكون الفارق في العمر بني الزوجة األولى والزوجة الثانية كبي ًرا‬
‫الريف‬
‫ّ‬
‫للغاية‪ ،‬ولم تقم الزوجة األولى بإجناب األوالد‪ ،‬تتق ّلص املنافسة بني الزوجات‪ .‬تقوم شمس بذلك‬
‫بالتعاطي مع الزوجة األولى لزوجها كأ ّم لها ال كزوجة‪ ،‬تقدّ م لها الدعم واملساعدة الكاملة في تربية‬
‫ورعاية األوالد‪ .‬بينما تتعامل الزوجة األولى مع شمس كابنة لها‪ .‬يبدو أنّ األحساس بتدنّي مرتبة‬
‫الزوجة األولى في هذه احلالة لعدم إجنابها وإلحساسها بالنقص‪ ،‬بل بانعدام دورها كل ًّيا لكونها زوجة‬
‫من دون أوالد‪ ،‬يجعلها تنسحب بنفسها إلى هذا املوقع وتتّخذ لها دو ًرا يع ّوضها عن خسارتها لزوجها‪.‬‬
‫أ ّما وهيبة التي اكتشفت بعد مرور حوالي ثالث سنوات أنها الزوجة الثانية لرجل له بيت وعائلة‬
‫وزوجة أولى في إحدى مناطق الضفة الغربية احملتلة‪ ،‬فهي تبكي بصمت وتتحدّ ث عن األوقات التي‬
‫يقضيها زوجها في بيته األول‪ ،‬وما يرافق ذلك من صعوبات‪ ،‬خاصة في األوقات احلرجة‪ ،‬إذ صادف أن‬
‫ولدت أكثر من والدة من دونه‪ ،‬واضط ّرت إلى التعاطي مع هذه املواقف وحدها‪ ،‬وإلى اللجوء إلخوتها‬
‫ملساعدتها‪“ .‬بهاي اللحظات مبضيها عياط‪ ،‬شو بدّ ي أساوي‪ ،‬بضلني كل الوقت أع ّيط ‪...‬‬
‫ما بحكي”‪ .‬حال ًّيا‪ ،‬تضطر وهيبة أن تقضي أيام األعياد مع أوالدها من دون زوجها الذي يص ّر على‬
‫قضاء أيام العيد مع عائلته األولى وأهله‪ ،‬ويعود في اليوم الثالث أو الرابع‪ ،‬األمر الذي يعود على‬
‫داميا بسألوني الوالد وين‬
‫أوالدها بكثير من الوحدة واحلزن‪“ .‬بكونوا يستنوا فيه بالدقيقة‪ً ..‬‬
‫بتحمم؟ وين بوكل؟ عند مني بنام؟ البنات‬
‫بابا راح؟ وينتا بابا بيجي” بابا وين بنام؟ وين‬
‫ّ‬
‫داميا بسألوني ليش بدّ و يروح؟؟ بس إذا بدّ ي أقولها وين بدّ و يروح رح تفهم؟؟ بتفهمش‬
‫ً‬
‫‪159‬‬
‫إشي‪ ،‬الولد إللي أكبر بصف ثالث لو أشرحله ليل نهار بفهمش ‪ ..‬هدا احلكي بدّ و ليصير‬
‫ابن عشرين تيدور براسه”‪.‬‬
‫وهيبة تعاني حال ًّيا حالة من االكتئاب ّ‬
‫وتفكر في بعض األحيان باالنفصال عن زوجها‪ ،‬غير أنها‬
‫تخشى على أوالدها ّ‬
‫وتفكر أنّ هذا األمر سيحرم أوالدها من والدهم‪ .‬عمل ًّيا‪ ،‬يقضي زوج وهيبة أيامه‬
‫متن ّق ًال ما بني الض ّفة الغرب ّية واجلليل‪ ،‬ويتقاسم بذلك ما يكسبه من راتب محدود في العمل في‬
‫تبث وهيبة الكثير من العجز واحلزن واأللم الصامت‪“ :‬بدّ ي أتقبل الوضع‪ ،‬إذا‬
‫اجلليل بني البيتني‪ّ .‬‬
‫بضل أفكر بضلني أتعب‪ ،‬بس راسي كتير مدووش‪ ،‬األفضل أخلي كل يوم بيومه ‪ ..‬شو‬
‫أعمل يعني ‪ ..‬بدّ ي أحرمهن منه‪ ،‬شو أعمل‪ ،‬إذا بنفصل ممكن هو ياخدهن مني‪ ،‬يعني‬
‫مش قادرة أعمل إشي‪ ،‬كل موقف بدّ ي أفوت فيه بدّ ي أفوت بصعوبات‪ ،‬صرت أتق ّبل‬
‫يحسوا بشي”‪ .‬تقول وهيبة إن أصعب موقف مي ّر‬
‫الوضع بأي إشي‪ ،‬عشان ما أخ ّلي الوالد‬
‫ّ‬
‫عليها في حياتها اليومية مع زوجها عندما يحدث خالف بينهما‪ ،‬وبشكل عام فإنّ اخلالفات تدور حول‬
‫املادي واحتياجات البيت املادية التي ال يستطيع زوجها تأمينها‪“ .‬بطلع بقولي أنا مر ّوح‪،‬‬
‫الوضع‬
‫ّ‬
‫بطرق الباب بلبس أواعيه وبروح‪ ،‬هاي أصعب إشي علي‪ ،‬إني أنا مر ّوح”‪ .‬يعقب ما تقوله‬
‫وهيبة الكثير من الصمت املد ّوي‪.‬‬
‫أما سلمى التي تعيش في ظروف أفضل من املشاركات األخريات كزوجة ثانية من مختلف النواحي‬
‫االقتصادية واملهنية والزوجية ‪ -‬فزوجها يتواجد بشكل ثابت في البيت منذ زواجه منها واستطاعا‬
‫ّ‬
‫مستقل بهما كان لسلمى مساهمة مادية أساسية فيه بينما بقي زوجها يتح ّمل مسؤولياته‬
‫بناء بيت‬
‫املادية واملعنوية كاملة جتاه بيته وأوالده من الزواج األول من خالل زيارته ومتابعاته شبه اليومية‬
‫لهم‪ .‬وفي الوقت الذي ترى سلمى ما ح ّققه لها هذا الزواج من اكتفاء عاطفي وجنسي وأمومي وبناء‬
‫احلب واالحترام ‪ -‬إال أنّ ذلك ال يلغي الصعوبات الكثيرة التي تواجهها سلمى وزوجها‬
‫عائلة يسودها ّ‬
‫في متزّقه بني مسؤولياته جتاه أوالده وانعكاس ذلك على نفس ّيته‪ ،‬وبالتالي على عالقتهما الزوجية‪،‬‬
‫وما يولد في بعض األحيان لديها األحساس بالذنب فتقول‪“ :‬في مرات كانت مرته متنعه يشوف‬
‫الوالد وملا كان يحاول يفوت البيت جتيبله البوليس‪ ،‬كان يفوت بأزمة واألزمة تأثر على‬
‫عالقتنا ومشاعرنا‪ ،‬كان يشعر باشتياق كبير للوالد‪ ،‬كنت أشوف إني أنا أخذته من‬
‫أوالده وأشعر شعور سئ‪ ،‬كنت أعيش مع تأنيب ضمير وقلق‪ ،‬أقول حلالي أنا السبب وكان‬
‫يأثر هدا الشي على عالقتنا‪ ،‬اليوم الوالد كبروا‪ ،‬البنات قسم منهن جتوز وهو بروح على‬
‫بيوتهن‪ ،‬أما بالبدايات فكانوا كلهن زغار وبحاجة إله”‪.‬‬
‫تختلط مشاعر سلمى بني األحساس باإلقصاء والنبذ وبني الشعور بالذنب جتاه أوالد وبنات زوجها‪.‬‬
‫‪160‬‬
‫تصف سلمى إحدى املواقف احلرجة حني اقتضت احلاجة نقل إحدى بناته إلى املستشفى وأخذ‬
‫موافقته إلجراء عملية طارئة لها في منتصف الليل “فقنا الصبح‪ ،‬فتح تلفونه على الستة وإال‬
‫في رسائل‪ ،‬بنته الكبيرة صار في عندها نزيف وكانوا يحاولوا يوصلوله بالليل‪ ،‬بتعرفي‬
‫حسيت إ ّني سيئة‪ ،‬إنه هو إنسان سيء‪ ،‬إنهن ه ّني بدّ هن أبوهن ومش‬
‫شو شعرت؟؟ ّ‬
‫داميا معهن وبكون عندهن وبزورهن وبقصرش من واجباتهن‬
‫مالقيينه ‪ ..‬صح هو بحكي ً‬
‫‪ ..‬بس أكيد بشعروا بغيابه وأكيد هدا إشي صعب كتير عليهن”‪.‬‬
‫ولكي تتغ ّلب سلمى على هذه املشاعر جتتهد لكي تقدّ م ما ميكن تقدميه لهم‪/‬ن فتروي عن إحدى‬
‫املرات التي احتاجت فيها إحدى بنات زوجها مبلغًا من املال للتسجيل للجامعة ولم يكن مع زوجها‬
‫املبلغ املطلوب فذهبت وباعت قطعتي ذهب كانت قد تل ّقتهما من والدتها ومن زوجها عند والدتها‬
‫ابنتها وباعتهما وطلبت من زوجها إعطاء املبلغ البنته‪ ،‬بعد ذلك سألته إن كان قد أعلم ابنته أنها هي‬
‫من أ ّمنت لها هذا املبلغ وانزعجت عندما قال زوجها لها إنه لم يخبر ابنته بذلك فتقول‪“ :‬سألته‪،‬‬
‫قلت لها إنه أنا بعت إسوارتي عشان تقدّ مي االمتحان؟ تضايقت ‪ ..‬طيب ليه ما قلتلها”‪.‬‬
‫ينبع أهمية هذا األمر بالنسبة إلى سلمى من الرغبة التي ع ّبرت عنها بكلماتها قائل ًة‪“ :‬بلكي‬
‫حتسنت العالقة‪ ،‬بلكي يصيروا يح ّبوني أو يقبلوني”‪.‬‬
‫ّ‬
‫وبينما خ ّفت حدّ ة هذه الوضعية مع بلوغ أوالد زوجها‪ ،‬غير أنّ الشعور باإلقصاء االجتماعي الذي‬
‫تعيشه ما زال مستم ًّرا على حاله‪ .‬تتحدّ ث سلمى بألم عن اإلقصاء الذي تعانيه كزوجة ثانية هي‬
‫جدا التي تتعاطى معها بسبب هذه الوضعية‪.‬‬
‫وبناتها وشبكة العالقات االجتماعية احملدودة ًّ‬
‫إمه وأهلي زي ما قلتلك‪ ،‬يعني أنا‬
‫“مع جوزي ما إلنا عالقات اجتماعية كثير غير ّ‬
‫واياه ما منروح على محالت‪ ،‬حتى ّملا يدعى على عرس املكتوب إللي بيجي من جهة‬
‫عيلته بصل عالبيت إللي بحارته إللي هو ساكن فيها‪ ،‬بروح حلاله أنا ما بروح معه‪ ،‬قبل‬
‫أمي‬
‫جتوزت بنت جوزي‪ ،‬أخد بناتي وراح عالسهرة‪ ،‬شعوري كان سيء‪ ،‬طلعت عند ّ‬
‫شهر ّ‬
‫عيطت عيطت‪ ،‬كمان إله دار عم بالناصرة كان عندهن عرس بعتولي دعوة باسمي‪ ،‬ما‬
‫خالنيش أروح‪ ،‬راحوا بناته ومرته يعني ه ّني بسيارة وهو بسيارة‪ ،‬بس أنا ما إليش عالقة‬
‫براني ‪..‬‬
‫فيهن‪ ،‬بتشعري إنك أقل‪ ،‬مش الزوجة الشرعية إللي عندها مكانتها‪ ،‬زواجنا ّ‬
‫خصوصا الكبيرة ليه منروحش عند دار عمو عمر‪ ،‬أو عند دار عمو ناجي‬
‫بناتي بسألوني‪،‬‬
‫ً‬
‫داميا واضحة‪ ،‬وهاي من األسباب اللي خلتني ّ‬
‫أفكر‬
‫وكمان العالقة مع إخوتهن بتكونش ً‬
‫عرفها على إخوتها‬
‫أجيب أختها عشان ما تضلهاش حلالها‪ .‬داميا كنت أقول جلوزي خدها ّ‬
‫لسه بدري حلد ما التقوا‪ ،‬هو كان مع بنتي والتقوا مبكتبة يعني كان‬
‫ً‬
‫وداميا كان يقولي ّ‬
‫‪161‬‬
‫رايح يشتريلهن كتب‪ ،‬وأخدها معه وكان هدا أول لقاء بس بريت البيت ملا رجعت بتقولي‬
‫بسوني وعبطوني بس ملا بابا دار ضهره اجتقلموا علي‪ ،‬عملولي حركات وصارت تع ّيط ‪...‬‬
‫حلد اليوم بتصلوا عالبيت بدهن أبوهن بقولوش مرحبا ‪ ..‬بس بدّ ي أبوي ‪ ..‬في رفض إلي‪،‬‬
‫رفض واتهام إنه أنا إللي فرقت بني إمهن وأبوهن إنه أنا إللي ‪ ..‬مع إني متأكدة لو مش‬
‫أنا كان رح يتجوز وحدة غيري ‪ ..‬بس في إشي بالواقع إنه الوالد عاشوا بدون أبوهن‪ ،‬هاي‬
‫متجوزة”‪.‬‬
‫السنة التاسعة صارلي‬
‫ّ‬
‫ال بدّ من اإلشارة كذلك إلى أنّ أوضاع سلمى االقتصادية مختلفة عن الكثير من النساء الزوجات‬
‫الثانيات من حيث املستوى التعليمي واالقتصادي‪ ،‬فزواجها لم ِ‬
‫يأت من منطلق البحث ع ّمن يعيلها‪،‬‬
‫بل على العكس فهي املعيلة املركزية للبيت‪ ،‬وقد قامت من مدخولها وعملها بشراء قطعة أرض وبنت‬
‫بيتها حيث كانت مساهمتها هي األساس‪ ،‬بينما يذهب حتى اليوم مدخول زوجها ألوالده من الزواج‬
‫األ ّول‪.‬‬
‫محاوالت مستم ّرة من األزواج الستمرار العالقة الزوجية مع الزوجة‬
‫األولى وإخفاق الزوجة في الطالق‪.‬‬
‫تصف جميع الزوجات التي قام زوجهنّ بالزواج من امراة أخرى ممارسات متشابهة من قبل األزواج‬
‫يظهر فيها أنّ جميع األزواج حاولوا احلفاظ على عالقات زوجية وجنسية مع زوجاتهنّ ُ‬
‫األول َيات‪ .‬ويبدو‬
‫كذلك أنه في حني تقوم الزوجة األولى بصدّ هذه احملاوالت بشكل تام أو متردّد‪ ،‬فإن الزوج يستم ّر‬
‫بشكل متواصل في محاوالته استئناف هذه العالقة ومحاولة إقناع الزوجة األولى بتق ّبل األمر القائم‬
‫وقبوله كزوج له امرأة أخرى والتزامات أخرى‪.‬‬
‫يحاول زوج ندى الضغط عليها بشتّى الوسائل الستئناف عالقتها الزوجية‪“ .‬كتير محاوالت منه‬
‫بجرب ملا منكون قراب من جلسة محكمة بحاول‬
‫‪ ..‬يعني مرات بجرب إنه يغتصبني‪ّ ،‬‬
‫مرات مع بعض‪ ،‬مثال بقو ّلي قدّ ام احملكمة إنه نام معي‪ ،‬أنا بقول‬
‫يبينّ للمحكمة إنه كنا ّ‬
‫جرب بس مش إني قبالنة‪ ،‬أنا بديش‬
‫مرات بقول آه ّ‬
‫ال فش منه‪ ،‬بقول مبال ح ّلفها‪ ،‬أنا ّ‬
‫ّ‬
‫أتشكى عليك عشان بدّ يش أحبسك ‪ ..‬كتير محاوالت حتى قدّ ام والدي بتصير الشغالت‪،‬‬
‫هو فش عنده حدود لشيء‪ ،‬إنت شايف األوالد موجودين املفروض أي إشي بدّ ك حتكيه‬
‫‪162‬‬
‫مرات بدّ ه ميزح معاي مرات ببقى‬
‫أو تعمله مش قدّ امهم‪ ،‬هو بستفزّ ني من خالل األوالد ّ‬
‫قاعدة بيجي بنط علي عارفني إ ّنه قدّ ام األوالد بديش أظهر شي بس إسا من شهر وجاي‬
‫مرات‬
‫بطل في احتمال‪ ،‬يعني بشو بدّ ي احترمه‪ ،‬بجادلني بقولي تطلعي على املنيح إللي ّ‬
‫جتوزت ‪ ...‬أنا اليوم فاهمة جوزي‪،‬‬
‫كنت أعمله‪ ،‬بقوله أي منيح إنت عملتلي بحياتك من ملا ّ‬
‫متمسك فيي عشان ما يدفع األشياء إللي عليه”‪.‬‬
‫هو‬
‫ّ‬
‫واجهت مي موق ًفا مشاب ًها‪ ،‬فزوجها كذلك حاول باستمرار استئناف عالقته الزوجية واجلنسية معها‬
‫إال أنها رفضت ذلك بشكل قاطع‪ .‬تشير مي إلى أنّ زوجها حتى اآلن يحاول استئناف عالقته اجلنسية‬
‫بها لكنها ترفض ذلك بشدة‪ ،‬ألنها تعتقد أن زواجه من امرأة أخرى هو خيانة لها‪“ .‬كيف بدّ ي‬
‫أتقبل هدا الشيء منه وأنا حسيته إنه خانني؟ خيانة زوجية كاملة هو خانني‪ ،‬يعني لو‬
‫قعد معي وصارحني وقال واحد تنني تالثة قديش كان الشي أهون من هيك‪ ،‬قدّ يش كان‬
‫ممكن تتعالج األشياء ‪ ...‬مستحيل بني آدم يعيش مع اتنتني ويكون عادل بينهم‪ ،‬مستحيل‬
‫وال بأي شكل من األشكال‪ ،‬وال من ناحية مادية وال من ناحية اجتماعية‪ ،‬إال ما يضل‬
‫الشيء مش مزبوط ‪ ..‬هو ّ‬
‫فكر إنه بالبداية أنا أنهار ويصير إللي بدّ و يصير وينطرد من‬
‫البيت ويصير مشاكل وبعدين خلص أنا انحط حتت األمر الواقع ومتشي احلياة طبيعية‬
‫ويرجع ويفوت عالبيت وميارس حياته الطبيعية كأ ّنه فش شي‪ ،‬بس أنا متقبلتش هدا‬
‫الشيء وحلد اليوم بتق ّبلش”‪.‬‬
‫يتع ّلق شكل العالقة الزوجية التي تتشكل بعد زواج الزوجة مبوقف الزوجة‪ .‬فاألزواج جميعهم‬
‫أبدوا مبادرتهم إلستئناف عالقتهم الزوجية بزوجاتهم بالرغم من زواجهم من نساء أخريات وبالرغم‬
‫من أن جز ًءا منهم انتقل للعيش مع الزوجة الثانية‪ .‬لكن‪ ،‬يتحدد شكل العالقة مبوقف الزوجة األولى‪،‬‬
‫رافضا لفكرة تعدّ د الزوجات‪،‬‬
‫فالزوجة التي اعتبرت أن ما قام به زوجها هو خيانة لها وتتخذ موق ًفا ً‬
‫بشكل عام‪ ،‬حتافظ على موقف ثابت من زوجها ومن عالقته بها‪ .‬مي هي منوذج ألولئك النساء‪،‬‬
‫فبالرغم من أنها لم تطلب الطالق وما زال زوجها يتواجد في البيت بعض األوقات‪ ،‬إال أنها تعتبر‬
‫رسم ًّيا واجتماع ًّيا امرأة متز ّوجة‪ ،‬مع أنها فعل ًّيا هي امرأة مط ّلقة ومعيلة وحيدة لعائلتها‪.‬‬
‫نساء أخريات رفضن زواج زوجهن لكنهنّ اعتبرن أن عالقتهنّ بأزواجهنّ من املمكن أن تعود إلى‬
‫مجراها الطبيعي إذا قام الزوج باالنفصال عن الزوجة الثانية‪ ،‬وعاد إلى كنف البيت‪ .‬لقد حت ّول شكل‬
‫العالقة بني ندى وزوجها أو عليا وزوجها إلى شكل غير ثابت‪ ،‬فتار ًة تستأنفان عالقتهما بالزوج وتار ًة‬
‫تقطعانها وتتأرجحان ما بني التفكير بالطالق وما بني محاولة قبول الصلح والعمل على إصالح هذه‬
‫العالقة‪ .‬أ ّما النساء اللواتي يتق ّبلن تعدّ د الزوجات كظاهرة ويتبنّني املوقف الذكوري لتفسير أسبابها‬
‫‪163‬‬
‫ودوافعها‪ ،‬فقد وصفن معاناتهنّ في هذه املنظومة الزوجية ملقيات سبب هذه املعاناة على عدم العدل‬
‫الذي يسلكه أزواجهنّ وعلى التمييز الالحق بهنّ ‪ .‬فنجوى الزوجة التي تعدّ د الدوافع التي من املمكن‬
‫أن تكون من وراء تعدّ د الزوجات والشبيهة باخلطاب الذكوري السائد كتف ّوق عدد اإلناث في املجتمع‬
‫على الذكور وغير ذلك‪ ،‬تقبل األمر الواقع وال ّ‬
‫تفكر بالطالق‪ ،‬رغم اإلهمال الشديد الذي تالقيه من‬
‫زوجها الذي يجعلها تشعر بصراع داخلي بشأن قبولها للعالقة اجلنس ّية التي يبادر إليها زوجها بني‬
‫ّ‬
‫يستغل غياب الزوجة الثانية التي‬
‫فترة وأخرى والتي تكون‪ ،‬حسب وصفها‪“ ،‬كالسرقة”‪ ،‬فزوجها‬
‫ّ‬
‫يستغل انشغالها ويأتي لوقت قليل ليقيم معها عالقة جنسية مع أخذ االحتياط من‬
‫تسكن قربها أو‬
‫التوجه ألحد‬
‫جانبه لكي ال يجعل جنوى حتمل‪ ،‬األمر الذي تعتبره جنوى “حرام”‪ ،‬وهو ما دفع جنوى إلى ّ‬
‫الشيوخ واستشارته إن كانت هذه العالقة التي تقام وكأنّها بالسر والسرقة هي حرام‪.‬‬
‫“كل مرة بستغل وقت غيابها‪ ،‬هي بتشتغل وبيجي شوي‪ ،‬العالقة اجلنسية حلد‬
‫مستمرة‪ ،‬حلد هال بحاول بس على قدر احلاجة‪ .‬نهار أو ليل مش مهم بالنسبة‬
‫هال‬
‫ّ‬
‫مرات الصراحة‪ ،‬إل ّني ما‬
‫إله‪ ،‬يريدني والعالقة اجلنسية موجودة‪ ،‬بس أنا بطرده ّ‬
‫بدّ ي عالقة جنسية‪ ،‬وما بدّ ي أهني حالي‪ ،‬هو بيجي بس على قدر حاجته للعالقة‬
‫اجلنسية وبروح‪ ،‬و ّملا برفض يقعد يتخانق معي ويقولي إنت بتكفري‪ ،‬صالتك رايحة‬
‫بحسها باحلرام‪ ،‬ما‬
‫لله‪ ،‬أنا زوجك باحلالل وما بجيكي باحلرام‪ ،‬بس احلقيقة أنا‬
‫ّ‬
‫بحسها إنها حالل ‪ ..‬هو حالل بس بيجي بساويه بشكل إ ّنه حرام‪ ،‬يعني بصراحة‬
‫ّ‬
‫متجوزين وفي عالقة جنسية‬
‫ملا تكون العالقة بني واحد وواحدة باحلرام‪ ،‬مش‬
‫ّ‬
‫بحرصوا على إ ّنه ما تنكشف العالقة وهو هيك بالزبط بعمل”‪.‬‬
‫لكي تستطيع جنوى العيش مع معاملة زوجها الس ّيئة وأهماله الشديد لها ولبناتها‪ ،‬تلجأ إللقاء اللوم‬
‫على زوجته الثانية وحتميلها مسؤولية ابتعاده عنها‪ .‬إنها الطريق األسلم للتعاطي مع قبح سلوكياته‬
‫وهو إيجاد تبرير يعفيه من املسؤولية أو يلقي بجزء من هذه املسؤولية على كاهل امرأة وليس‬
‫رجال ليبقى بذلك كزوج يتنقل بني كلتا املنظومتني دون حت ّمل مسؤولياته‪ .‬يسخّ ر زوج جنوى‪ ،‬عنصر‬
‫املنافسة في إدارة حياته وتعدّ د زوجاته ليجعل من ّ‬
‫كل زوجة جتتهد من أجل احلصول على رضاه‬
‫وإثبات جدارتها وهذا عمل ًّيا ما حتاول جنوى في مختلف املفترقات أن تقوم به‪ .‬وبذلك فهي تشير إلى‬
‫سوء معاملة الزوجة الثانية لزوجها‪ ،‬فهي تصرخ وتقوم بإعالء صوتها عند خالفاتها مع الزوج بينما‬
‫تظهر جنوى استياءها من ذلك لتؤكد تفوقها على الزوجة الثانية بطاعتها وعدم التمادي على زوجها‪.‬‬
‫تزج بذلك نفسها داخل منافسة جتتهد فيها في تأكيد طاعتها وإظهار مآثرها على الزوجة الثانية‪.‬‬
‫وهي ّ‬
‫‪164‬‬
‫“هي (الزوجة الثانية) ساكنة مع أهله‪ ،‬يعني نسمع بعضنا‪ ،‬يعني أنا مش‬
‫مبسوطة بس بعرف إنها عايشة أسوأ من عيشتي‪ ،‬تخانقت هي وإياه‪ ،‬بس هي‬
‫بتعجب بقول‬
‫ما تطاوعه‪ ،‬تاكل قتل‪ ،‬أنا صارلي عشرين سنة عمره ما ضربني‪،‬‬
‫ّ‬
‫أما هي معها كل يوم الصبح‪،‬‬
‫ليش؟‪ ..‬أنا معاه كتير كتير أصرخ‪ ،‬أما ضرب فال‪ّ ،‬‬
‫يعني لدرجة إنه من سنتني كان في صراخ من ذمة الله على الفجر‪ ،‬مع األذان وهو‬
‫يزعق ويصرخ عليها والصبح صار معه نوبة وساووله سنتور ‪ ..‬اول ما جتوزها حرام‬
‫كان في اله اتصاالت معي وكان ييجي عندي بس ملا كان يروح على طول عندها‬
‫على طول تصير طوشة‪ ،‬بضل هو وإياها مشاكل مشاكل ‪ ..‬يجاكرها وييجي‬
‫لعندي ‪ ..‬بستغل فرصة غيابها وييجي يقول بدي آكل ‪ ..‬أنا إللي اكتشفت إنه هو‬
‫ما بكرهني‪ ،‬بس هي بتحاول ّ‬
‫مرات‬
‫تكرهه فيي‪ ،‬هي بتشتغل وهو بستغل ملا تروح ّ‬
‫وبجيني”‪.‬‬
‫إنها الديناميكية نفسها التي تصفها جميلة كذلك‪ ،‬والتي جعلتها تدور باستمرار داخل هذه الدائرة‬
‫لتكتشف في النهاية أنّ ذلك لن يجدي نف ًعا وتصل إلى االستنتاج التالي‪“ :‬جوزي كل تفكيره‬
‫اجلنس‪ ،‬إذا بنام عندك وبوخد إللي بدّ و إياه بعملك إللي بدّ ك إياه‪ ،‬إذا ال‪ ،‬بتركك وبقولك فيكي حت ّلي‬
‫مشاكلك حلالك”‪.‬‬
‫احملور السابع‪ :‬العوائق التي تقف أمام النساء‬
‫في كسر منظومة تعدّد الزوجات‬
‫“كلّه إال الطالق”‪:‬‬
‫يفضلن عدم اللجوء إلى الطالق ألسباب عديدة‪ ،‬يقف على‬
‫يظهر من خالل املقابالت أن النساء ّ‬
‫رأسها نظرة املجتمع القاسية جتاه املرأة املطلقة‪ .‬والتي تعتبر من وجهة نظرهنّ أنها اسوأ من كونهنّ‬
‫‪165‬‬
‫ني كل ًّيا التفكير بالطالق‪ ،‬غير‬
‫زوجات يعشن في منظومة متعدّ دة الزوجات‪ .‬غالبية املشاركات نف َ‬
‫أن جز ًءا منهنّ ‪ّ ،‬‬
‫يفكرن ويرغنب في حتقيقه‪ ،‬إال أ ّنهنّ ال يجدن الدعم املناسب ممّن حولهنّ ومن‬
‫املوسعة كاألخوة واألخوات واآلباء واأل ّمهات الذين‬
‫املجتمع‪ ،‬ابتدا ًء من أفراد العائلة النواة ومن العائلة ّ‬
‫لن بقاء ابنتهم مع‬
‫ينصحون الزوجة عاد ًة بعدم اللجوء إلى الطالق‪ ،‬فجزء من عائالت الزوجات ّ‬
‫يفض َ‬
‫حرصا على‬
‫زوجها عن حت ّولها المرأة مط ّلقة‪ .‬كذلك‪ ،‬هناك من نصح بناتهنّ بعدم‬
‫ّ‬
‫التوجه إلى الطالق ً‬
‫احلقوق وخو ًفا من فقدان هذه احلقوق سواء في ملكية البيت أو النفقة‪ .‬ولذلك‪ ،‬إن التفكير بالطالق‬
‫يبقى لدى غالبيتهنّ رغبة داخل ّية ال يستطعن حتقيقها أو كبديل ّ‬
‫يفكرن به بني فترة وأخرى‪ .‬بينما‬
‫تبقى هناك نساء ال ّ‬
‫يفكرن بالطالق نهائ ًّيا رغم معاناتهنّ الشديدة‪ .‬يظهر أن الصعوبات التي تواجه‬
‫النساء في عدم اتخاذ قرار الطالق تتع ّلق بعدة عوامل‪ ،‬كعدم تل ّقيهن الدعم من العائلة القريبة من‬
‫آباء وأخوة وأخوات‪ ،‬أو بسبب الصعوبة الداخلية التي تواجهها الزوجة في حت ّولها المرأة مطلقة‪ ،‬وما‬
‫يتجسد في‬
‫يرافق ذلك من نظرة دونية ينظر بها املجتمع إلى املرأة املطلقة‪ .‬وكما أن هناك عام ًال‬
‫ّ‬
‫رفض األوالد لفكرة طالق والدتهم لنفس األسباب‪ .‬إنّ القيام بالتغيير يحتاج إلى الشعور بالثقة‪،‬‬
‫والثقة ال تأتي بغير سند‪ ،‬والسند يأتي من مرجعية مع ّينة‪ .‬واملرجعية التي حتتاج إليها النساء‪ ،‬في‬
‫األساس‪ ،‬هي مرجعية العائلة وحني ال حتصل عليها تأتي النتيجة في قبول األمر والواقع‪.‬‬
‫يظهر أنّ ندى هي الزوجة الوحيدة التي باشرت في إجراءات الطالق‪ ،‬والتو ّقف عند حالتها يظهر‬
‫عمق الصعوبات التي تتع ّرض لها أي زوجة أخرى في نفس وضع ّيتها‪ .‬إذ يبدو أنّه بالرغم من‬
‫استمرارها في هذه اخلطوة إال أنّها ما زالت متردّدة وتتخ ّبط ما بني االستمرار في هذه اإلجراءات وبني‬
‫استئناف عالقتها الزوجية والتخ ّلي عن الطالق‪ .‬كانت ندى قد طلبت الطالق في السابق في احملكمة‬
‫منذ حوالي خمس سنوات‪ ،‬وكانت تتراجع كل مرة من جديد عن متابعة املسار القضائي أم ًال في‬
‫توجهت إلى احملكمة املدنية وقد حصلت على مرافق ًة قضائ ّي ًة‬
‫إصالح عالقتها بزوجها‪ .‬أ ّما حال ًّيا فقد ّ‬
‫من قبل إحدى احملاميات العامالت في إحدى اجلمعيات النسوية‪.‬‬
‫تقول ندى إنّ مثل هذا القرار هو صعب للغاية‪ ،‬ألنّه يع ّرضها البتزاز مستم ّر من زوجها وحملاوالت‬
‫حثيثة من قبله لثنيها عنه‪ .‬فمنذ أن عرف زوج ندى عن البدء من جديد في اإلجراءات القانونية‬
‫بالطالق بدأ ميارس جتاهها كافة أصناف االبتزاز والتنكيل لثنيها عن ذلك‪ ،‬ولكي ينجح زوج ندى‬
‫في إحباط خطوتها فإنه يقوم باستمرار مبحاوالت لتشويه صورتها وسمعتها أمام األوالد وذلك عن‬
‫طريق التشكيك بأخالقياتها كانتقاد لباسها واعتباره غير محتشم والتشكيك بتحركاتها ومحاولة‬
‫تقييد حركتها خارج البيت أو اتهامها بوجود عالقة لها مع رجل‪ ،‬وأنها تنوي الزواج فيما بعد لتثير‬
‫بذلك املخاوف لدى األوالد وجتعلهم يطالبونها بالعدول عن هذا القرار‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬تشير‬
‫املجتمعي الذي ميارس على أوالدها من قبل أوالد آخرين‪ ،‬مبا يحمله من‬
‫أيضا‪ ،‬إلى الضغط‬
‫ندى‪ً ،‬‬
‫ّ‬
‫‪166‬‬
‫جتريح لهم فتقول‪“ :‬إبني متأ ّثر كتير بهدا الوضع‪ ،‬بقولي ماما ما بدّ ي تطلقيه‪ ،‬يعني يض ّلوا‬
‫ينادوا عليكي مطلقة؟”‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن ندى ال تتل ّقى دعم عائلتها‪ ،‬وتع ّبر عن ذلك في‬
‫حديثها قائلة‪:‬‬
‫“فش حدا معي اليوم‪ ،‬بعد ما مرقت العملية (عملية قلب) رحت لعند أبوي‬
‫وقلتله بدّ ي أطلقه بس فكرة الطالق ما عجبت أبوي‪ ،‬ملا صرت أروح لعند أهلي صار‬
‫أبوي يظهرلي إنه مش عاجبه اللي بصير‪ ،‬قعدنا يوم نتناقش‪ ،‬قلي إذا إنت بتطلقي‬
‫ما بتعودي تفوتي بيتي‪ ،‬قلتله ماشي أنا بروح على ملجأ‪ ،‬بستأجر بيت‪ ،‬الدنيا ما‬
‫بتخلى‪ ،‬بروح وين ما كان‪ ،‬بس الناس رح حتكي عليك كمان‪ ،‬إنه بنتك مستأجرة‬
‫بيت وهو عنده بيت‪ ،‬قلتله يابا إنت جوزتني غصب عني‪ ،‬بس أنا اليوم املفروض‬
‫آخد قراري حلالي‪ ،‬أنا مش قادرة أكمل ‪ ..‬قعدت شهرين حرب أنا واياه وبطل‬
‫يحكي معي ‪ ..‬ق ّلي شو يعني إذا جتوز عليكي‪ ،‬مش أول واحد بتجوز على مرته‬
‫وصار بدّ و يقنعني أقبل‪ ،‬قلتله إسمع يابا هو مزبوط مش أول واحد بتجوز على‬
‫مرته بس أنا مش املرا إللي بتقبل بهيك وضع‪ ،‬أنا ما بقبل أكون متل باقي النسوان‬
‫يتجوزوا عليهن‪ ،‬يعني أنا إحساسي ما بقدر ّ‬
‫أحتكم فيه”‪.‬‬
‫إللي قبلوا زالمهن‬
‫ّ‬
‫أيضا‪ ،‬اآلراء التي‬
‫باإلضافة إلى عدم تل ّقي ندى الدعم من عائلتها املقربة بخصوص طالقها‪ ،‬فهناك‪ً ،‬‬
‫تسمعها ممّن حولها كاجلارات‪ ،‬والتي تنقسم بني معارضات ومؤيدات‪ .‬تقول ندى إنّ النساء اللواتي‬
‫يتف ّهمن رفضها لقبول هذا الزواج ويدعمنها في قرار الطالق هنّ القريبات من حيث السكن منها‬
‫واللواتي يطلعن عن قرب عن معاناتها‪ ،‬وعاملات مبا يدور في حياتها من تفاصيل صعبة‪ ،‬أما البعيدات‬
‫اللواتي ال يعرفن مدى معاناتها فال يؤ ّيدونها في هذه اخلطوة‪“ .‬إللي من بعيد بقولوا عشان‬
‫أوالدك خليكي ببيتك ما تطلعي من بيتك‪ ،‬طيب إذا لقدّ ام أجا حكى ببنتك بدهن يقولوا‬
‫داميا بوخد اإلشي السلبي‪،‬‬
‫وين أبوها وليش هاي املرا مطلقة وليش وليش ‪ ...‬املجتمع ً‬
‫املجتمع اليوم ال عاجبه طريقة لبسي‪ ،‬ال عاجبه إ ّني أطلع وإن طلعت بحكوا علي وأنا‬
‫علي بكل اجلهات‪ ،‬بسمع وبطنش‪ّ ،‬ملا أنا بفوت على بيتي وببكي ما فش حدا‬
‫بالبيت بحكوا ّ‬
‫ومرات الواحدة بتستسلم‪ ،‬ملا أخدت القرار بالطالق كنت حلالي‪ ،‬فش‬
‫بيجي بطبطبلي ‪ّ ..‬‬
‫أب واقف معي‪ ،‬زوجي من ناحية تانية بضغط علي‪ ،‬وكان ممكن إني أتقبل الوضع‪ ،‬بس كل‬
‫واحدة عندها قوة والزم تدور عليها بحالها‪ ،‬بس في إللي بوخدوا وقت طويل وأنا قعدت‬
‫قررت”تشير مي‬
‫تسع سنني أفكر‪ ،‬ميكن لو واحدة تانية كان صارت زهقانة بس أنا اليوم ّ‬
‫إلى عامل مشترك مع ندى وهو الصعوبة التي يشعر بها أوالدها في وصم أ ّمهم بصفة “مطلقة”‪،‬‬
‫وهي إمكانية ّ‬
‫تفكر فيها وترغب داخل ًّيا في تنفيذها‪ .‬فتع ّبر عن ذلك بقولها‪:‬‬
‫‪167‬‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫أتشكى عليه باحملكمة الشرعية وأطلب الطالق‪ ،‬بس إبني الكبير ما‬
‫“فكرت‬
‫ميا أنا ما بكون ابن مطلقة‪ ،‬كمان أنا ما بقدر إنه يعايروني الوالد‬
‫خالني‪ ،‬بقولي ّ‬
‫فيها‪ ،‬بدّ ك الوالد يقولولي يا ابن املطلقة!‪ ..‬شوفي مجتمعنا العربي قدّ يش وضعية‬
‫املرا صعبة ملا بتكون مطلقة‪ ،‬لو بدها تدير بالها على حالها مية مرة‪ ،‬بس بتضلها‬
‫نظرة مجتمعنا قاسية عليها كتير”‪.‬‬
‫ّ‬
‫فكرت زهى بالطالق في البداية وعن ذلك تقول‪“ :‬طلبت الطالق‪ ،‬بس إخوتي قالوا والدك‬
‫زغار وإنت بعدين ما بتقدري تد ّبريهم‪ ،‬قعدت عند أهلي وقلت ال ميكن‪ ،‬ما بروح إال‬
‫هون‪ ،‬صار يجيب ناس ويودّي ناس مشان يعني يأثروا علي‪ ،‬قالولي والدك زغار‪ ،‬كان‬
‫أكبر واحد فيهم بصف عاشر‪ ،‬رديت عليهم ورجعت ‪ ..‬ملا بشوفه بطلع هو وإياها قدام‬
‫عيني بفكر لو إني بعيدة‪ ،‬لو إني اتط ّلقت وأبعدت كان أحسن‪ ،‬كنت ارحتت ‪ ..‬أنا متندّ مة‬
‫إني ما اتطلقت‪ ،‬لو اتطلقت كان ضليتني بعيدة عنه وفي مثل بقول ال عيني تشوف وال‬
‫قلبي يحزن‪ ،‬وكنت أخدت معاشي أنا ووالدي‪ ،‬قبل فترة مرقت الشتوية والولد ما كان‬
‫عندو حفاضات والدنيا مطر والغسيل مش ناشف‪ ،‬تزاعلت أنا واياه ورحت قعدت عند‬
‫أهلي شهرين‪ ،‬وقلت ما برجع وطلبت الطالق وما بدّ ي أروح أشتكي عليه‪ ،‬وعيوا إخواني‬
‫وقالولي هدا عيب وبتتبهدلي وإنه والدي محتاجني ألبوهم ومستقبلهم ‪ ..‬بقول لو إنه يا‬
‫ربي سبحان الله لو إنه هداه وإخواني عينوا طالق ووقفوا معاي وصار في طالق كانت‬
‫الوحدة بتتريح ‪ ..‬إل ّنه فش غير هدا احلل‪ ،‬كل واحدة بتجوز جوزها عليها أحسنلها تتطلق‬
‫وتز ّتوا من دربها إلنها مش رح تشوف يوم معه إال املهانة ‪ ..‬الواحدة ما جتوزت الزملة‬
‫علشان يعملها عصاي”‪.‬‬
‫بكلمات أخرى قامت عائلة عليا بإحباط قرارها بالطالق‪“ :‬قالولي بطلعوكي من البيت‬
‫ووين بدك تتشحططي وين بدّ ك تعيشي‪ ،‬إوعك تطلبي الطالق إلنه مش رح توخدي‬
‫إشي من حقوقك‪ ،‬إذا هو بطلق منوافق بس إذا إنت بدّ ك وال إشي بطلعلك”‪ .‬وهو مضمون‬
‫أيضا جلميلة التي تقول‪:‬‬
‫ال يختلف ع ّما قيل ً‬
‫“أنا فكرت بالطالق كتير‪ ،‬بس في حاجز هون بخ ّلي الواحدة ما تطلب الطالق ‪..‬‬
‫أبوي كان يحكيلي راح تخسري كل إشي‪ ،‬رح هو يوخد كل إشي‪ ،‬إذا بدّ ك تروحي‬
‫عمحكمة وترفعي عليه قضية وتطلبي نفقة بينما وإنت قاعدة بدارك بطلعلك‬
‫عليه نفقة ‪ ..‬يا ريت اتطلق ‪ ..‬عن نفسي أنا خلص نزل من عيني ‪ ..‬هو بالنسبة‬
‫إلي إنسان ميت وأنا حكيتله إنه أنا مش مستعدة أرجعلك‪ ،‬أنا ما بدّ ي إياك إلني‬
‫‪168‬‬
‫بحكي حلالي بقول لشو أرجع؟ عشان أرجع للمهانة واملذلة”‪.‬‬
‫أ ّما جنوى فقد كانت الوحيدة كزوجة أولى والتي لم تفكر بالطالق بتا ًتا معللة ذلك بقولها‪:‬‬
‫“إنه تطلبي الطالق في الدين حرام‪ ،‬إذا كان في سبب آه‪ ،‬مزبوط هو مش عادل معنا‪،‬‬
‫بس أنا بفكر من ناحية اجتماعية تخ ّيلي ملا العيل (الولد) يكبر ويقولوا أبوه مطلق‬
‫إمه‪ ،‬حتى في املدرسة صعب‪ ،‬صعب تهدمي‪ ،‬يعني أهون عالولد أو البنت يكون أبوها‬
‫متجوز وعايش خارج البيت بس ما يكون مطلق‪ ،‬هاي احلاجة عنا مش كويسة باملرة‪،‬‬
‫ّ‬
‫يوجهوا اتهامات على املرا‪ ،‬بنظرولها نظرة مش كويسة‪ ،‬هادي مطلقة‪ ،‬حتى‬
‫بصيروا ّ‬
‫يسموها باسمها‪ ،‬بصيروا ينادوها املطلقة‪ ،‬املطلقة إجت واملطلقة روحت‪ ،‬عشان‬
‫ببطلوا‬
‫ّ‬
‫هيك ما في سبب أطلق‪ ،‬بس لو استقل من ناحية مادية وما أعود أحتاج أحكي معاه”‪.‬‬
‫بالتوجه إلى احملكمة الشرعية وطلب الطالق‪ .‬أي بعد مضي‬
‫أما فاطمة فقد قامت قبل ست سنني‬
‫ّ‬
‫أكثر من ‪ 10‬سنني على زواج زوجها من امرأة أخرى‪ ،‬وقد كان عمرها ‪ 36‬عا ًما‪ّ .‬‬
‫“اطلقت بعد‬
‫كتير وقت‪ ،‬بعد ما زهقت من هاي العيشة ارحتت‪ ،‬كنت ال مع ّلقة وال مط ّلقة‪ ،‬احلني ارحتت‪،‬‬
‫ّملا تط ّلقت خلص اليوم تر ّيحت‪ ،‬قبل ّ‬
‫أفكر وينتا رح ييجي أو ما ييجي‪ ،‬است ّنى ي ّتصل‬
‫تلفون‪ ،‬اليوم تر ّيحت خلص ما بيجي”‪.‬‬
‫وكان من بني الزوجات الثانيات اللواتي أظهرن معاناة واضحة ُسمية ووهيبة‪ ،‬حيث عرفتا أن‬
‫زوجيهما متز ّوجان فيما بعد‪ ،‬وقد اعتبرتا أنهما دخيلتان على هذه املنظومة وعليهما قبول احلالة‬
‫كما كانت من قبلهما‪ .‬فوهيبة التي اكتشفت بعد ثالث سنوات أن زوجها متز ّوج من قبلها‪ ،‬وله أوالد‬
‫تفكر بالطالق من زوجها ولم ّ‬
‫وعائلة لم ّ‬
‫تفكر بأن تطلب من زوجها تطليق زوجته األولى‪“ .‬هدا‬
‫صحتها النفسية‬
‫ما بصير”‪ .‬ومع استمرار زواجها وازدياد الصعوبات املتع ّلقة بزواجه األ ّول وتدهور ّ‬
‫فإنّها ال ّ‬
‫تفكر بالطالق بسبب األوالد‪.‬‬
‫تشير وهيبة إلى أنّ ما مينعها من االنفصال والطالق عن زوجها هو األوالد‪ ،‬وما‬
‫تتلمسه من حاجتهم إليه “أنا ما بدّ ي أحرم الوالد من أبوهم‪ ،‬الوالد كل إشي بالدنيا‪،‬‬
‫ّ‬
‫بدهن يسألوني وين بابا؟ وين راح؟ وبدّ ي أضطر أفوت مبواضيع أكبر وأكبر‪ ،‬بدّ ي أضطر‬
‫أفوت بأسئلة وعندي ولد بضل يسأل ومستحيل يسكت”‪.‬‬
‫باإلضافة إلى ّ‬
‫كل ما ورد‪ ،‬من اجلدير ذكره أنّ بعض النساء‪ ،‬وكذلك الرجال‪ ،‬في املقابالت املع ّمقة‬
‫‪169‬‬
‫وفي املجموعات البؤرية‪ ،‬أشاروا عند التط ّرق إلى جتنّبهم الطالق باعتبار أنه سيصبح عقبة تقف أمام‬
‫الزوج عند وجوده في بيت الزوجة األولى‪ ،‬حيث سيصبح ذلك مح ّر ًما دين ًّيا‪ ،‬وال يجوز لها االنكشاف‬
‫والتواجد مع زوجها عندما يحضر إلى البيت لرؤية أوالده‪ ،‬وهذا األمر هو ما جعل سلمى ترفض‬
‫حرصا منها على استمرار عالقة زوجها بأبنائه بشكل سليم‬
‫أن يقوم زوجها بتطليق زوجته األولى‪ً ،‬‬
‫وضمن بيئتهم الطبيعية بعيدً ا عن مراكز اللقاء التي يلجأ إليها األزواج في حاالت اخلالفات‪ .‬حال ًّيا‪،‬‬
‫ومع بلوغ أوالد زوجها وزواجهم‪ ،‬وبالتالي توافر إمكان ّية أن يقوم زوجها باحلفاظ على عالقة بهم من‬
‫خالل زيارتهم في بيوتهم‪ ،‬يطرح موضوع الطالق مجددًا‪ ،‬لكن ما يقف عائ ًقا هو رفض الزوجة األولى‬
‫قادر على تأمينه في الوقت احلالي‪.‬‬
‫له‪ ،‬وما يتر ّتب عنه ً‬
‫أيضا من دفع للمستح ّقات‪ ،‬وهو أمر غير ٍ‬
‫عدم تطبيق قانون منع تعدّد الزوجات‪:‬‬
‫رغم أنّ القانون يعتبر تعدّ د الزوجات مخالفة جنائية‪ ،‬تصل عقوبتها إلى خمس سنوات سجن‪ ،‬إال‬
‫أنّ اجلهات املسوؤلة عن تطبيق القانون ال تط ّبق هذا األمر‪ .‬لم تقم أية زوجة من الزوجات اللواتي‬
‫تز ّوج زوجهنّ من أخرى بتقدمي شكوى ضدّ ه بسبب ذلك سوى ندى‪ ،‬التي يوجد لديها مستند‪ ،‬هو‬
‫عبارة عن عقد زواج خارجي كان قد عقده أحد الشيوخ‪.‬‬
‫التوجه إلى الشرطة وتقدمي شكوى ضدّ زوجها‪ ،‬ألنّ هذا‬
‫ترى جنوى أنّ الزوجة غير قادرة على‬
‫ّ‬
‫يتجسد في نبذ عائلة الزوج لها وطردها وتطليقها‪“ .‬أنا ما ّ‬
‫األمر يك ّبدها ثمنًا ً‬
‫فكرت أروح‬
‫باهظا‬
‫ّ‬
‫أشتكي‪ ،‬إلنه مجتمعنا صعب‪ ،‬حرمة تتشكى على جوزها ما بخ ّليها في الدار تبعته وال‬
‫ّ‬
‫وبتتشكى على زوجها بتطلق فو ًرا‪ ،‬حتى لو زوجها ما‬
‫في بيئته‪ ،‬املرا إللي بتطلع عنا‬
‫ط ّلقها إخوانه بطلقوها‪ ،‬العيلة كلها بتعاديها‪ ،‬أبوها بعارضها‪ ،‬مني بده يساندها‪ ،‬أهلها‬
‫ميكن يذبحوها‪ ،‬في ع ّنا زوجات قدموا بس خلص تنسى بهاي احلالة إنها ترجع‪ ،‬وتخ ّيلي‬
‫هي تكون مشاركة للي بدو يصير للوالد‪ ،‬ميكن أبوهن يرضى يوخدهن منها‪ ،‬لو قدّ مت‬
‫شكوى على طول بصير علي وعلى أعدائي‪ ،‬بس ما في قانون بخالف‪ ،‬وال واقف مع املرأة‪،‬‬
‫كمان املأذون إللي عم بجوز الزم يتخالف‪ ،‬إللي بعقد العقد كمان هو بشارك‪ ،‬هو إله‬
‫جزء وعليه مسؤولية‪ ،‬ولو إنه بس مرة تصير بعيلة كان كل العائالت بتخاف وبتصير‬
‫عبرة‪ ،‬حتى الشاهد الزم يوخدوه عالشرطة‪ ،‬يغرموه غرامة مالية‪ ،‬بالش حبس‪ ،‬إحنا ع ّنا‬
‫املصاري أصعب من السجن‪ ،‬لو الشاهد بتخالف ما بعاود يعيدها”‪.‬‬
‫‪170‬‬
‫عمل ًّيا‪ ،‬تشير جنوى بذلك إلى الكثير من النساء اللواتي يتواجدن في نفس وضع ّيتها‪ ،‬واللواتي ال‬
‫يستطعن اللجوء إلى القانون‪ .‬وتقول ندى إنّ ما ميكن أن يساعد الزوجة‪ ،‬في هذه احلاالت‪ ،‬هو أن‬
‫يأخذ القانون مجراه‪ ،‬وأن تقوم الشرطة واجلهات القضائية مبعاقبة مخالفي القانون‪ ،‬األمر الذي ال‬
‫توجهت ندى إلى جهات مهن ّية‪ ،‬مثل مكتب خدمات الرفاه االجتماعي‬
‫يحدث‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ّ ،‬‬
‫في منطقة سكناها‪ ،‬كما أنّها تتلقى اليوم مرافقة قضائية من إحدى اجلمعيات النسوية في قضية‬
‫الطالق‪ ،‬والتي ترى فيها موردًا مه ًّما في تدعيمها‪.‬‬
‫انعدام االستقالل ّية االقتصادية لدى النساء‪:‬‬
‫تقول مي عن دخولها إلى سوق العمل بعد أزمة زواجها ما يلي‪:‬‬
‫“أفضل شي صار لي بهاألزمة إني طلعت واشتغلت‪ ،‬ملا صار عندي كل هاملسؤوليات‬
‫والوالد عندهن كتير طلبات‪ ،‬سألت حالي‪ ،‬شو األفضل‪ ،‬الوالد يضيعوا‪ ،‬أبطل إبني‬
‫تعود عليها؟ كان من قبل املشكلة إللي صارت بيني وبني أبوه‬
‫من املدرسة التي ّ‬
‫تعود عليها‪ ،‬قلت‬
‫بتعلم مبدرسة خاصة‪ ،‬شو ذنبه اليوم أطلعه من املدرسة إللي ّ‬
‫بحالي متل ما أعطيت إبني األ ّول كمان بدّ ي أعطي إبني التاني‪ ،‬واملدارس اخلاصة‬
‫توجهت‬
‫بتك ّلف كتير كل شهر‪ ،‬سألت حالي ليش أنا ما بفكرش أروح أشتغل‪ّ ،‬‬
‫ملكتب “يديد” قلتلهن أنا بدي أشتغل ومش عارفة أالقي شغل‪ ،‬سألوني شو بحب‬
‫وقلتلهن إنه أنا بحب أشتغل كتير بتحضير األكل‪ ،‬قالولي شو رأيك بشغل طباخة‬
‫مبؤسسة لألوالد إللي مع إعاقات‪ ،‬ورحت على مقابلة وقدّ مت سيرة ذات ّية‪ ،‬قلتلي‬
‫ّ‬
‫وخصوصا إلنه عندك ولد مع إعاقة متل األوالد املوجودين‬
‫متحمستلك‪،‬‬
‫املديرة أنا‬
‫ً‬
‫ّ‬
‫املؤسسة‪ ،‬وأنا شاعرة إنك قد املسؤولية‪ ،‬وبديت بالشغل وأثبتت حالي‪ ،‬بقيت‬
‫بهاي ّ‬
‫إجتوزت بنتي رنا‪ ،‬صار صعب علي ومع وجود إبني املعاق وكلّ‬
‫خمس سنني حلد ما ّ‬
‫فقررت أفتش عن شغل تاني تكون أوقاته مالئمة مع أوقات إبني‪ ،‬أنا‬
‫مسؤول ّياته ّ‬
‫تعودت عالشغل وصار بالنسبة إلي مصدر بعيل فيه أسرتي بدل ما أقعد بالبيت‬
‫ّ‬
‫وأحط إيدي على خدّ ي‪ ،‬مبلغ النفقة إللي بطلعلي مش أكتر من ألف شيكل‪ ،‬وهدا‬
‫املبلغ شو بدّ و يعملي؟ سألت حالي ليش أنا ما بتع ّلمش؟ ليه ما بفوت دورة‪ ،‬شو‬
‫ناقصني؟ الدنيا ما وقفت أل ّنه صارت معي هاي املشكلة‪ ،‬أنا عندي عيلة وعندي‬
‫جتوزت بنتي قعدت فترة ‪ 3‬أشهر‬
‫سيارة‬
‫وبتحرك وبروح وباجي وبعرف لغة‪ ،‬بعد ما ّ‬
‫ّ‬
‫تعودت على الشغل وعلى مدخول تاني يساعدني‬
‫بدون شغل انصرعت‪ ،‬خلص ّ‬
‫‪171‬‬
‫املؤسسات التابعة ملركز‬
‫في البيت‪ ،‬واجتني فرصة الشغل هون (أم بيت في إحدى ّ‬
‫اخلدمات االجتماع ّية)‪ ،‬كان بالنسبة إلي زي حلم وح ّققته‪ ،‬سمعت عنه بالصدفة‬
‫وتوجهت ملديرة القسم في مكتب الشؤون‪ ،‬كنت بالصدفة رايحة أس ّلمهم أوراق‬
‫ّ‬
‫بخصوص طارق‪ ،‬إتقدّ مت للوظيفة وفي املقابلة انبسطوا كتير م ّني وشافوا فيي‬
‫قوتني‪،‬‬
‫اإلنسانة املناسبة واحلمد لله بشتغل ومبسوطة كتير بشغلي ‪ ..‬هاي الضربة ّ‬
‫قوتي استمديتها من والدي إلنهن موجودين حولي ومعي ‪ ..‬يعني ملاّ‬
‫وحسيت إنه ّ‬
‫ّ‬
‫تخرج محمد ما تتخ ّيلي كيف كان شعوري‪ ،‬بعد احلفلة أجا جابلي الشهادة وق ّلي‬
‫ّ‬
‫ميا هدا تعبك‪ ،‬مسك الثوب إللي كان البسه ولفني فيه‪ ،‬ق ّلي إنت تعبتي‬
‫خدي ّ‬
‫وضحيتي واشتغلت مناوبات متواصلة وضحيت‪ ،‬صار هو يبكي وأنا أبكي‪ ،‬كان‬
‫صعب ومفرح بنفس الوقت‪ ،‬تشوفي إبنك طالع قدّ ام الكل ويعطوه شهادة امتياز‬
‫ويحمدوا بأخالقه‪ ،‬الكل يس ّلم علي‪ ،‬ساعتها حسيت إ ّنه الدنيا صحيح ما خلصت‪،‬‬
‫تتمسك فيه”‪.‬‬
‫في بعد شي الواحدة بحاجة‬
‫ّ‬
‫إنّ وضع النساء اللواتي لم يخرجن إلى العمل يبقى مختل ًفا‪ ،‬بشكل كبير‪ ،‬عن وضع األخريات‪.‬‬
‫إنّ مي التي استطاعت عبر عملها حتقيق استقاللية مادية واجتماعية وذاتية كبيرة أحدثت نقلة‬
‫نوعية في حياتها وحياة أوالدها‪ .‬بل أحدثت تغيي ًرا جذر ًّيا في حياتها مقارن ًة مبا كانت عليه في فترة‬
‫زواجها‪ ،‬حيث كان زوجها هو املعيل الوحيد للعائلة‪ ،‬وهي لم تخرج من قبل للعمل بتا ًتا‪ .‬استطاعت‬
‫والشخصي‪ ،‬وقد أشارت‬
‫املهني‬
‫مي حتويل أزمتها الشخصية والزوجية إلى فرصة للتط ّور واالزدهار‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫إليه كثي ًرا بفخر واعتزاز‪ .‬استطاعت مي بخروجها إلى العمل أن حت ّقق جز ًءا من داخلها كان في‬
‫سبات‪ .‬إنّ جناحها في عملها يز ّودها بالكثير من الشعور باالكتفاء والرضى‪ ،‬خاصة أنها تعمل اليوم في‬
‫إطار يعتني بأوالد في ضائقة‪ ،‬األمر الذي يجعلها تعمل من خالل تعاطف وتف ّهم كبيرين الحتياجات‬
‫ّ‬
‫وموظفة هذا الربط لصالح أولئك‬
‫هؤالء األوالد‪ ،‬رابط ًة بذلك ما م ّر عليها وعلى أوالدها من صعوبات‪،‬‬
‫األطفال‪.‬‬
‫أ ّما النساء اللواتي لم ّ‬
‫يتم فحصها في هذا البحث لكنّ‬
‫يتمكنَّ من اخلروج إلى العمل ألسباب لم ّ‬
‫واضحا من خالل اخللفية األساسية للنساء املتع ّلقة مبحدودية إمكان ّياتهنّ التعليمية‬
‫جز ًءا منها كان‬
‫ً‬
‫والعملية‪ ،‬فمعدّ ل سنوات التع ّلم لدى أغلب النساء املشاركات كان قلي ًال‪ ،‬وأغلب ّيتهنّ لم يسبق لهنّ أن‬
‫أي حرفة أو عمل‪ ،‬األمر الذي يجعلهنّ معتمدات‬
‫مهني في ّ‬
‫ني ّ‬
‫خرجن إلى العمل‪ ،‬ولم يتل ّق َ‬
‫أي تأهيل ّ‬
‫يتنصل الكثير من األزواج من واجباتهم جتاه الزوجة األولى واألوالد‪،‬‬
‫بشكل‬
‫أساسي على إعالة الزوج‪ّ .‬‬
‫ّ‬
‫مادي صارخ هنّ وأوالدهنّ ‪ .‬كما هي احلال لدى‬
‫األمر الذي يجعل معظم هؤالء الزوجات يعشن في عوز ّ‬
‫زهى وعليا وفاطمة‪ .‬وبالطبع‪ ،‬إنّ هذه الضائقة ال تقتصر‪ ،‬بالضرورة‪ ،‬على الزوجات األوائل فحسب‪،‬‬
‫‪172‬‬
‫أيضا‪ ،‬أنّ الزوجات الثانيات كذلك يعشن هنّ أوالدهنّ في هذه الضائقة‪ ،‬كما‬
‫وإنمّ ا أظهر البحث‪ً ،‬‬
‫هي حال وهيبة وسمية‪.‬‬
‫تقول زهى‪ ،‬ابنة اجلنوب‪ ،‬عن عدم ّ‬
‫متكنها من العمل ما يلي‪“ :‬لو في شغل ببالدنا كان الوضع‬
‫بكون أفضل‪ ،‬بس هون الوضع مش متل الشمال‪ ،‬في الشمال في شغل بس عنا هون فش‬
‫تشتغلي وال تضلي تكسري نفسك عالغرض وتطلبي‪ ،‬يعني مثال بدّ ك تروحي للدكتور‬
‫وهذا إشي مستحيل‪ ،‬بدّ ك تشتري دوا‪ ،‬بتترجيه بتقولي أعطيني مصاري بقولك ما‬
‫معاي‪ ،‬بتطلع روحنا حلد ما يجبلنا الغرض‪ ،‬يعني باملوت‪ ،‬بقولولي الوالد بدنا مصروف‪،‬‬
‫بقولهن إنتو اطلبوا منه ‪ ..‬أبوي مرض باملستشفى بقوله بدّ ي أروح أزوره ما بدّ ه‪ ،‬بدّ ي‬
‫أروح عالدكتور ما بيرضى ياخدني”‪.‬‬
‫كذلك عليا التي تز ّوج زوجها حدي ًثا فإنّها تقول‪“ :‬لو كان بإيدي شغل ووضعي املادي منيح‬
‫ما بكون بحاجة إله‪ ،‬شو بدّ ي فيه‪ ،‬بعيش أنا واألوالد أحسن عيشة‪ ،‬شو بدّ ي بزملة يكون‬
‫بس باالسم بالبيت”‪.‬‬
‫عمل ًّيا‪ ،‬يظهر أنّ العمل والتعليم هما مصدر دعم وق ّوة للنساء‪ .‬وفي حال توافرهما فإنّ املرأة تصبح‬
‫قادرة على اتخاذ قرارات مستق ّلة وعلى فرض ما يناسبها‪.‬‬
‫مؤسسات الدولة للنساء العرب ّيات‪:‬‬
‫ّ‬
‫توجه ّ‬
‫وقومي لكونهنّ نساء‬
‫عنصري‬
‫يع ّبر صوت جميلة عن صوت نساء عرب ّيات كثيرات يتع ّرضن لتمييز‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫مؤسسة التأمني الوطني‪ ،‬وينعكس‬
‫عرب ّيات‪ ،‬ويبرز هذا األمر في‬
‫ّ‬
‫مخصصات الضمان االجتماعي في ّ‬
‫على وضعها االقتصادي وعلى قراراتها األسر ّية‪“ .‬وضع املرأة اليهودية بكتير أحسن‪ ،‬كوني أنا‬
‫تكمل حياتها‬
‫عربية بخليني أعاني من متييز‪ ،‬متل ما الدولة بتدعم املرا اليهودية إنها ّ‬
‫مستقرة وتعيش حياتها متل ما الزم‪ ،‬كمان املرا العربية بطلعلها نفس الشي‪،‬‬
‫وتكون‬
‫ّ‬
‫داميا؟ هم ربنا أعطاهم التعليم والنور والله ما أعطانا‪ ،‬إحنا منطلع‬
‫ليش إحنا أقل منهم ً‬
‫ومنروح ومنشوف وعارفني كل إشي‪ّ ،‬ملا أنا عندي عيلة وواحدة متلي يهودية متل ما‬
‫هي بتروح عالتأمني وبتختم كمان أنا بختم شو املعنى إنه هي بتوخد ‪ 2,500‬شيكل‬
‫‪173‬‬
‫وأنا باخد ‪ ،1300‬ليش بتقبض عن أوالدها أكتر من ما أنا بقبض؟ يعني ليش إحنا مش‬
‫زيهم‪ ،‬ليش حقنا ضايع؟”‪.‬‬
‫كانت مساندة أهل زوجها‪ ،‬وحتديدً ا احلماة واألخوات‪ ،‬عامال حاس ًما في متاسك مي واستمرارها في‬
‫أداء دورها كأ ّم‪ ،‬وحت ّمل كامل املسؤوليات التي ألقيت عليها‪ .‬ترى مي أن هذه املساندة املعنوية‪ ،‬وفي‬
‫أيضا‪ ،‬ساعدتها كثي ًرا في حت ّمل ّ‬
‫كل املش ّقات وفي تخفيف مشاعر األلم والتعب‬
‫بعض األحيان املادية ً‬
‫والوجع التي ترافقت مع زواج زوجها‪.‬‬
‫متاما‪ ،‬لكن بعدين قويت‪ ،‬أنا بقول عن حالي إني قويت وإني‬
‫“أنا بالبداية انهرت ً‬
‫استعدت قوتي بنفسي‪ ،‬إلني أنا إنسانة ومن ح ّقي أعيش حياتي‪ ،‬أنا ما عملت‬
‫غلط‪ ،‬ومش ذنبي إنه صار معي هيك‪ ،‬مع إنه مجتمعنا العربي قد ما بدّ ي أقولك‬
‫قوتي بتطلع على والدي وبستمد‬
‫قاسي‪ ،‬قاسي كتير ‪ ..‬بس أنا كل ما بدّ ي أجدّ د ّ‬
‫القوة منهن‪ ،‬هدا تعبي‪ ،‬وهدا أنا إللي ح ّققته وهدا إللي أخدته من الدنيا‪ ،‬هذا الزرع‬
‫ّ‬
‫إللي أنا زرعته واليوم أنا عم بحصده”‪.‬‬
‫املقابالت املعمقة مع الرجال‪:‬‬
‫االسم‬
‫السنّ‬
‫سنوات‬
‫التع ّلم‬
‫عدد‬
‫سنوات‬
‫الزواج‬
‫السنّ‬
‫عند‬
‫الزواج‬
‫األول‬
‫عمر‬
‫‪37‬‬
‫السنّ‬
‫عدد‬
‫عند‬
‫الزواج األوالد‬
‫الثاني‬
‫يدرس‬
‫احلقوق‪،‬‬
‫حال ًّيا‬
‫‪20‬‬
‫‪21‬‬
‫‪31‬‬
‫‪5‬‬
‫خالد‬
‫‪43‬‬
‫فوق‬
‫ثانوي‬
‫‪24‬‬
‫‪19‬‬
‫‪36‬‬
‫‪9‬‬
‫جمال‬
‫‪58‬‬
‫إعدادي‬
‫‪42‬‬
‫‪19‬‬
‫‪19‬‬
‫صالح‬
‫‪53‬‬
‫فوق‬
‫ثانوي‬
‫‪34‬‬
‫‪19‬‬
‫‪42‬‬
‫‪15‬‬
‫ناصر‬
‫‪51‬‬
‫ثانوي‬
‫ّ‬
‫‪23‬‬
‫‪24‬‬
‫‪43‬‬
‫‪4‬‬
‫أحمد‬
‫‪81‬‬
‫حسن‬
‫‪46‬‬
‫‬‫فوق‬
‫ثانوي‬
‫‪65‬‬
‫‪21‬‬
‫‪51‬‬
‫‪18‬‬
‫‪25‬‬
‫‪21‬‬
‫‪29‬‬
‫‪6‬‬
‫‪174‬‬
‫العمل‬
‫السكن‬
‫أعمال‬
‫ح ّرة‬
‫اجلليل‬
‫صاحب‬
‫ّ‬
‫محطة‬
‫تاكس ّيات‬
‫سائق‬
‫باص‬
‫سكرتير‬
‫مج ّلس‬
‫محلي‬
‫عضو‬
‫بلدية‬
‫متقاعد‬
‫اجلليل‬
‫إمام جامع‬
‫اجلليل‬
‫النقب‬
‫النقب‬
‫النقب‬
‫املثلث‬
‫احملور األول‪ :‬اخللفية‬
‫متوسط عمر الرجال هو اثنان وخمسون عا ًما‪ .‬أصغر املشاركني س ّنًا الذي يبلغ من العمر‬
‫يظهر أنّ‬
‫ّ‬
‫ثم حسن ابن السادسة‬
‫سبعة وثالثني عا ًما‪ ،‬يليه خالد الذي يبلغ من العمر ثالثة وأربعني عا ًما‪ّ ،‬‬
‫واألربعني عا ًما‪ .‬أما جمال وناصر وصالح فهم في اخلمسني من العمر‪ .‬وبذلك‪ ،‬فإنّ أحمد هو أكبرهم‬
‫س ّنًا‪ ،‬وهو يبلغ من العمر إحدى وثمانني سن ًة‪ .‬يظهر أنّ عمر الرجال عند زواجهم األول كان عشرين‬
‫سنة ونصف السنة‪ .‬أ ّما سنوات تع ّلمهم فهي أعلى من النساء‪ .‬ثالثة من بينهم تل ّقوا تع ّل ًما فوق ثانوي‪،‬‬
‫فعمر يدرس حال ًّيا احملاماة‪ ،‬وصالح قام بإكمال دراسته بعد املدرسة الثانوية في أحد املعاهد وعمل‬
‫في مجال املساحة‪ ،‬وخالد درس في كلية تكنولوجية بعد املدرسة الثانوية‪ ،‬ولم يكن سوى أحمد‬
‫بينهم َمن لم يذهب مطل ًقا إلى املدرسة‪ .‬أ ّما جمال فقد أنهى تع ّلمه في املرحلة اإلعداد ّية‪.‬‬
‫احملور الثاني‪ :‬قرار الزواج األ ّول ومفهوم الرجل‬
‫للحياة الزوجية‬
‫تز ّوج جميع الرجال أ ّول مر ّة في سنّ صغيرة‪ ،‬معظمهم كان في سن التاسعة عشرة من العمر‪ .‬وقد‬
‫عائلي‪ ،‬حيث كان لآلباء‪ ،‬وفي بعض‬
‫جاء زواج جميع الرجال دون تعارف مسبق‪ ،‬إنمّ ا من خالل ترتيب‬
‫ّ‬
‫احلاالت لألمهات‪ ،‬حقّ تقليدي في تقرير زواج أبنائهم‪ ،‬لتمنح لهم‪/‬نّ بذلك سلطة كبيرة لم يكن‬
‫أي خيار‪ ،‬فمعظهم صغار في السنّ ولم ُيظهروا استعدادًا مسب ًقا لهذه اخلطوة‪.‬‬
‫ملعظم الرجال فيها ّ‬
‫أشار البعض من بينهم إلى أنّ موافقته على هذا الزواج جاءت رغب ًة في إقامة عالقة مع فتاة دون‬
‫فهم مسبق ملتر ّتبات االرتباط والزواج واملسؤول ّيات امللقاة عليه كزوج وأب‪ .‬ع ّبر الرجال املتقدّ مون في‬
‫العمر (أواسط اخلمسني من العمر) عن تق ّبلهم لهذا الوضع باعتبار أنّ ما فرضه األب عليه من هذا‬
‫الترتيب هو ال شك نابع من معرفته ملصلحته كابن‪ ،‬بينما ظهر أنّ الرجال األصغر س ّنًا‪ ،‬مثل خالد أو‬
‫عمر‪ ،‬ممّن تز ّوجوا في سن صغيرة‪ ،‬يظهرون انتقادًا في الوقت احلالي لهذا الفرض الذي مورس عليهم‪.‬‬
‫ناضجا ملفهوم الزواج‪ .‬ميكن تصنيف األسباب‬
‫أظهرت املُقابالت كذلك أنّ الرجال ال ميلكون تص ّو ًرا‬
‫ً‬
‫التي يوردها الرجال لزواجهم ولظروف ترتيباته كما يلي‪:‬‬
‫‪175‬‬
‫الزواج كفرصة للتع ّرف على امرأة‪:‬‬
‫أي شكل‬
‫في‬
‫مجتمع ال يسمح باالختالط بني اجلنسني ويتس ّلح مبفهوم الع ّفة والشرف‪ .‬فإن وجود ّ‬
‫ٍ‬
‫من أشكال العالقات‪ ،‬كالصداقة بني اجلنسني‪ ،‬هو أم ٌر مثي ٌر للشبهات‪ .‬نظ ًرا للقيود املفروضة على‬
‫اللقاء بني اجلنسني يبدو الزواج الفرصة الوحيدة للقاء باجلنس اآلخر‪ ،‬في مجتمع يحكم قبضته في‬
‫السيطرة على هذا الفصل‪ .‬ويتر ّتب على هذا الفصل بني اجلنسني املنع املطلق لكل لقاء بني الرجال‬
‫والنساء الذين ال تربط بينهم عالقة قرابة أو زواج‪ ،‬وينقسم بذلك املكان االجتماعي إلى قسمني‪:‬‬
‫اخلاص بالنساء من جهة أخرى‪ ،‬وهو املكان املنزلي‪ .‬وحني‬
‫األمكنة اخلاصة بالرجال من جهة‪ ،‬واملكان‬
‫ّ‬
‫تنعدم إمكان ّية اللقاء باجلنس اآلخر كح ّيز لالنكشاف على اآلخر وبلورة الشخصية الذاتية يصبح‬
‫الزواج املنفذ الوحيد لتحقيق ذلك‪ .‬يع ّبر خالد الذي تز ّوج في سنّ تسعة عشر عا ًما عن ذلك بقوله‪:‬‬
‫إمي اتصلت علي قالت لي إحنا‬
‫“الصراحة أنا ما اخترت زوجتي‪ ،‬كنت بالشغل‪ّ ،‬‬
‫بدنا نخطبلك بنت فالن‪ ،‬قلت خلص ماشي‪ ،‬ما كانت احلياة متل اليوم‪ ،‬البنت اليوم‬
‫باملرة”‪ .‬اختارت له بذلك‬
‫تطلع وبتمشي وتروح‪ ،‬أنا قصتي ما كان في تعارف من قبل ّ‬
‫ابنة خالته‪ ،‬وكان في ذلك الوقت قد أنهى تع ّلمه في إحدى الكليات التكنولوجية‬
‫في اجلنوب حيث مسكنه‪ ،‬وانخرط في سوق العمل في مجال السفر ّيات‪.‬‬
‫أي تص ّور أو مفهوم للزواج‪ .‬بالنسبة إليه‪ ،‬إنّ الزواج هو فرصة للتع ّرف‬
‫لم يكن لدى خالد في حينه ّ‬
‫على فتاة في مجتمع يضع الكثير من التقييدات على أ ّية عالقة قد تنشأ بني اجلنسني خارج إطار‬
‫حتمست‪ ،‬كان عمري ثماني عشر ونص‪ ،‬بحياتي‬
‫الزواج الرسمي‪ .‬ويتابع قائ ًال‪“ :‬بوقتها أنا ّ‬
‫ما طلعت مع أي واحدة بالدنيا‪ ،‬يعني أول ما تعرفت عالزواج مع مرتي‪ ،‬وأول مرة باحلياة‬
‫بقرب من مرا‪ ،‬قعدت شهرين ما أقدر أعمل وال إشي معها‪ ،‬بعد شهرين طلعنا بعدين‬
‫لبرا وحجزنا بفندق‪ ،‬بقول بعقلي اليوم لو ما تز ّوجت‪ ،‬كنت زغير وما كنت جاهز إ ّني‬
‫ّ‬
‫أجتوز‪ ،‬إل ّنه الزواج بده مسؤولية‪ ،‬والتزام‪ ،‬بدك تلتزم بلوازم وبكل الدنيا‪ ،‬إللي بدهن‬
‫ّ‬
‫أيضا‪ ،‬كانت صغيرة في السنّ ‪،‬‬
‫يتجوزوا الزم يكونوا مش أقل من ثالثني سنة “‪ .‬زوجة خالد‪ً ،‬‬
‫وبلغ عمرها سبعة عشر عا ًما‪ .‬لم يتح ّمل خالد في بداية زواجه مسؤوليات البيت‪ ،‬وقد سكن مع‬
‫ّ‬
‫مستقل وينجب أربعة‬
‫عائلته‪ ،‬وبدأ في العمل وتكوين نفسه تدريج ًّيا لينتقل بعد ذلك إلى بيت‬
‫صبيان وبن ًتا‪.‬‬
‫‪176‬‬
‫الزواج كآل ّية للحفاظ على مصالح العائلة االقتصادية‪:‬‬
‫أشار عمر‪ ،‬مثل خالد‪ ،‬إلى أنه وافق على الزواج من نفس املنطلق‪ ،‬فهو لم يكن قد أقام أية عالقة‬
‫مع فتاة‪ ،‬واعتقد أنّ خطوبته ستمنحه ذلك‪ .50‬كان عمر يطمح في متابعة دراسته اجلامعية‪ ،‬غير أنّ‬
‫ظروف عائلته االقتصادية ووجود ٍأخ يكبره يتع ّلم في اخلارج أجبره على االنخراط في العمل‪ ،‬وكان‬
‫قد أنشأ مع والده مشغل خياطة‪ .‬تز ّوج عمر من فتاة تعمل في املخيطة التي أقامها والده وعمل هو‬
‫فيها‪ .‬كانت عائلة عمر ترتبط بعالقات صداقة مع عائلة تلك الفتاة‪ ،‬بينما هو لم يكن يعرفها ساب ًقا‪.‬‬
‫يقول عمر‪“ :‬أنا اليوم بعتبر إ ّنه زواجي كان بهدف احلفاظ على “املصلحة”‪ ،‬أبوي عرض‬
‫علي هذا الزواج وأنا باعتقادي ورؤيتي للموضوع إنه هو اختار باألساس ومش أنا‪ ،‬هو قال‬
‫لي إنها رح حتافظلك على املصلحة‪ ،‬هي بتشتغل باخلياطة‪ ،‬بس أنا ما كان هدا حلمي‪ ،‬كان‬
‫عندي طموح كبير وأبوي ما فهم وال تو ّقع طموحي‪ ،‬كان عمري عشرين سنة وما كان‬
‫عندي عالقات مع بنات وال اتصاالت‪ّ ،‬‬
‫ففكرت إ ّني أوافق‪ ،‬أشوف شو يعني جيزة‪ ،‬أتعرف‬
‫عالزواج‪ ،‬بس وقتها ما كان عندي فهم إنه الزواج رح يأ ّثر على طموحاتي”‪.‬‬
‫خالل فترة اخلطوبة التي استم ّرت سنتني ظهرت الكثير من اخلالفات بينه وبني خطيبته‪ ،‬وتردّد‬
‫عمر كثي ًرا ّ‬
‫وفكر عدة م ّرات بفسخ اخلطوبة‪ ،‬إال أنّ عائلته ضغطت عليه لعدم اإلقدام على ذلك‪ .‬لم‬
‫أي توجيه من أفراد عائلته‪ ،‬ولم يتلقّ تشجي ًعا لفسخ اخلطوبة‪.‬‬
‫يلقَ عمر ّ‬
‫“الكل وقف جنب أبوي ‪ ..‬كان بدّ ي حدا يوقف جنبي إل ّني كنت بدّ ي أح ّقق رغبات‬
‫ويوجهني إلنه كنت يوم أقول‬
‫كتير إلي‪ ،‬ومن ناحية ثانية كان بدي حدا يساعدني‬
‫ّ‬
‫ألبوي بدي ويوم أقوله ال‪ ،‬كنت وقتها بتدرب مبجال الكراتيه ومتمسك كتير فيه‪،‬‬
‫إجيت ألبوي قلت له إذا بتساعدني أكمل بالكراتيه بوافق على الزواج‪ ،‬يعني حلد‬
‫هاي الدرجة‪ ،‬كنت بدي أتقدم بهدا املجال ووصلت للحزام الثالث‪ ،‬كانت الكراتيه‬
‫حلمي وكنت بدي أصير أع ّلم‪ ،‬وافق هو على هدا املوضوع وأنا وافقت على الزواج‪،‬‬
‫كتير مرات بفترة اخلطوبة جربت أفسخ اخلطوبة بس إلنه عنا مبجتمعنا العربي في‬
‫احترام زايد أو سلطة زائدة لألب على االبن‪ّ ،‬ملا كنا نصل لدرجة الفسخ كان ييجي‬
‫أبوي ويرضيني ويقولي عيب والناس ومش الناس ‪ ..‬وهي كانت تيجي وترضيني‬
‫وأنا بوقتها كنت مراهق وكنت بعدني مش مجرب عالقات تانية‪ ،‬كانت ترضيني‪،‬‬
‫السياسي ومشاركته في‬
‫املهم اإلش��ارة إلى أنّ عمر تع ّرض للسجن وهو في الصف احل��ادي على خلفية نشاطه‬
‫‪50‬‬
‫من ّ‬
‫ّ‬
‫إحدى املظاهرات املعارضة لسياسة الدولة القامعة ضدّ الفلسطينيني‪ ،‬وقد حكم عليه بالسجن مدة عام كامل‪ ،‬ليعود بعدها ملتابعة‬
‫ّ‬
‫الصف الثاني عشر في مدرسة أخرى‪.‬‬
‫دراسته وإنهاء‬
‫‪177‬‬
‫جتوزنا‬
‫أقعد أنا واياها وأرضى حلد ما ترجع املشاكل كمان مرة وهيك كمل بعد ما ّ‬
‫‪ ..‬ما كان عندي رؤية واسعه عن الزواج وإنه الزواج مسؤولية‪ ،‬كمراهق كنت بدي‬
‫أحقق طموحاتي ورغباتي وبدي أجتوز”‪.‬‬
‫وفي حني كان والد عمر هو من اختار زوجة ابنه فقد اختار جدّ صالح حلفيده زوجته‪ ،‬وتز ّوج هو‬
‫أيضا في سنّ تسعة عشر عا ًما‪ .‬يصف صالح ذلك فيقول‪“ :‬ما كان اختياري زي ما موجود اليوم‪،‬‬
‫ً‬
‫بالوقت هداك أنا جدي إللي زوجني حتى مش أبوي زوجني وأبوي ما يعلم ‪ ..‬كان زواج‬
‫وقررت أجوز إبن‬
‫بدل‪ ،‬بنت جدي ّ‬
‫جتوزت لعيلة وجدي قال لهم إنتو كمان عندكم بنت ّ‬
‫إبني‪ ،‬أنا ما كان لي علم باملرة‪ ،‬أجا قال ألبوي إنه أنا جوزته خلص بس ألجل الصدفة‬
‫أو ألجل الـحــظـ البنت أنا بعرفها‪ ،‬يعني جارتنا‪ ،‬يعني إحنا هون عيلة مش من بلد بعيدة‬
‫أو بلد تانية”‪ .‬في البداية رفض صالح هذا األمر غير أنّ ضغوطات جدّ ه ووالده جعلته يرضخ في‬
‫النهاية لقرارهما فيقول‪“ :‬أنا ما كنت بدّ ي أزعّ ل جدي إللي بادر بهاي املبادرة‪ ،‬إلنه واضح إنه‬
‫العمل إللي قام فيه ملصلحتي فما كان إال إنه أجتاوب مع املوضوع”‪.‬‬
‫أ ّما جمال وأحمد وناصر وحسن فلم يع ّبروا بتا ًتا عن تص ّورهم للحياة الزوج ّية ومفهومهم لهذا‬
‫أيضا‪ ،‬في سنّ تسعة عشر عا ًما من امرأة في مثل سنّه لم يعرفها‪ ،‬إنمّ ا‬
‫االرتباط‪ .‬فجمال تز ّوج‪ً ،‬‬
‫عرف عائلتها وإخوتها من خالل زواج أحد إخوتها بابنة ع ّمه‪ .‬وأحمد الذي تز ّوج وهو في الواحدة‬
‫نتعرف على بعض زي اليوم”‪ .‬أ ّما ناصر فقد‬
‫والعشرين من عمره من ابنة ع ّمه يقول‪“ :‬ما ك ّنا ّ‬
‫أيضا من خالل األهل‪ .‬كان كالهما يبلغ من العمر أربع ًة وعشرين عا ًما‪.‬‬
‫تز ّوج امرأته األولى ً‬
‫ثم تابع تع ّلم الشريعة في الض ّفة‬
‫بشكل مشابه‪ ،‬أنهى حسن دراسته الثانوية في مكان سكناه ّ‬
‫الغربية‪ ،‬وقد ُعينِّ أما ًما ألحد املساجد في منطقة اجلليل‪ .‬حني كان في سنّ إحدى وعشرين سنة‬
‫تز ّوج للم ّرة األولى من خالل األقارب‪ ،‬وهو يقول‪“ :‬د ّلوني عليها أهل اخلير‪ ،‬كمان هي متعلمة‬
‫الشريعة‪ّ ،‬‬
‫ومت الزواج”‪.‬‬
‫‪178‬‬
‫احملور الثالث‪ :‬الزواج الثاني ‪ -‬موقف الرجال‬
‫من تعدّد الزواج‬
‫ينطلق جميع الرجال في تفسير زواجهم الثاني برصد أسباب ومح ّفزات مختلفة‪ ،‬وهم يشيرون إلى‬
‫قائمة طويلة من األسباب التي من املمكن أن تدفع بالرجال عام ًة إلى تعدّ د الزوجات‪ .‬جتتمع مختلف‬
‫هذه األسباب في منطلقها بتشريع هذه املمارسة وبحشد من التسويغات الدينية ذاتها املتم ّثلة في‬
‫اآليات القرآنية التي ح ّللت للرجال تعدّ د الزوجات‪ .‬هنالك إجماع تا ّم بني جميع الرجال املشاركني‬
‫على اعتبار تعدّ د الزوجات ح ًّقا شرع ًّيا وقض ّي ًة مقبول ًة وممارس ًة عاد ّي ًة‪ .‬يتالصق مع هذا املوقف بشكل‬
‫الديني الذي يبيح هذه املمارسة ليكون هذا التشريع قضية مالزمة‬
‫ال ميكن فصله بتا ًتا التشريع‬
‫ّ‬
‫ترافق مختلف القضايا التي ّ‬
‫مت التط ّرق إليها‪ ،‬و ُيضاف إلى ذلك أنّ الرجال يعتبرون أنفسهم يتمتّعون‬
‫بامتيازات ملج ّرد كونهم رجا ًال‪ ،‬وهم يؤمنون بتف ّوقهم على النساء وانعدام إمكانية املقارنة بينهم‬
‫كرجال وبني زوجاتهم كنساء في احلقوق والواجبات‪ .‬عمل ًّيا‪ ،‬انطلق جميع الرجال من اإلميان املعلن‬
‫والضمني بقوامتهم على النساء‪ ،‬األمر الذي يجعل تعاملهم مع املرأة بوصفها “شي ًئا”‪ ،‬موردين لذلك‬
‫ّ‬
‫كل التفسيرات الذكورية املمكنة‪.‬‬
‫كان عمر هو الرجل الوحيد الذي أقدم على الزواج للم ّرة الثانية بسبب املشاكل الزوجية احلادة‬
‫القائمة مع زوجته‪ .‬أ ّما باقي األزواج املشاركني فقد ذكروا أسبا ًبا أخرى متن ّوعة‪ .‬اعتبر جميع األزواج‬
‫أن تعدّ د الزوجات هو حقّ‬
‫شرعي لهم‪ُ ،‬مستندين بذلك إلى الشرع والدين كحقّ غير قابل للنقاش‪.‬‬
‫ّ‬
‫ورغم أنّ جميع املشتركني قد رصدوا أسبا ًبا مختلفة ومح ّفزات متن ّوعة إلقدامهم على تلك املمارسة‪،‬‬
‫ً‬
‫وسلوكا مقبولني‪ ،‬وأنه ّ‬
‫طبيعي يستمدّ جذوره‬
‫حل‬
‫إال أنهم أجمعوا على اعتبار تعدّ د الزوجات ممارس ًة‬
‫ّ‬
‫من منظومة الثقافة السائدة ومن القيم االجتماعية والدينية التي تتالءم مع هذا التعدّ د‪ .‬بل ذهب‬
‫جزء منهم إلى حدّ تصوير “منافع” تعدّ د الزوجات” و” جمال ّية” احلياة الزوجية مع تعدّ د الزوجات‪.‬‬
‫كما وصف إمام املسجد حسن مدى مساهمة هذا التعدّ د في حتسني حياتهما وفي تهيئة ظروف أفضل‬
‫لهم كرجال‪ .‬كان خالد هو الرجل الوحيد الذي اعتبر أنّ إقدامه على الزواج مر ًة ثاني ًة هو خطأ وهو‬
‫نادم عليه‪ ،‬وهو يرى أنّ زواجه الثاني أحلق به وبحياته الكثير من التعب واملشاكل‪ ،‬لكن ذلك ال يقف‬
‫عن هذا احلد‪ ،‬فخالد ال يقول ذلك من منطلق أنّ تعدّ د الزوجات كمنظومة هو أمر مسيء للحياة‬
‫الزوجية‪ ،‬إنمّ ا ير ّد ذلك إلى كونه لم يجد التفاهم واالستقرار مع الزوجة الثانية‪ ،‬وأنّ هذا األمر يدفعه‬
‫اآلن إلى التفكير في الزواج بامرأة ثالثة لتحقيق ما لم يستطع حتقيقه حتى اآلن في العيش في زواج‬
‫احلب والتفاهم‪.‬‬
‫يتض ّمنه ّ‬
‫‪179‬‬
‫ثان ينعكس في محور ّية الرجال وفي انطالقهم جمي ًعا من رؤية وحتليل كافة جت ّليات‬
‫هنالك بعدٌ ٍ‬
‫هذه املمارسة من كون الرجل هو احملور‪ .‬يستحضر كافة الرجال خطا ًبا يرى في الرجل‪/‬الذكر‬
‫أساسا‪ ،‬ويجعله في بؤرة االهتمام وفي مركز احلركة‪ .‬فجميعهم يسوقون مواقفهم من اعتباراتهم‬
‫ً‬
‫وحاجاتهم ورغباتهم كرجال دون أن يأخذوا حاجات النساء ورغباتهن ومواقفهن بعني االعتبار‪.‬‬
‫عمل ًّيا‪ ،‬قام جميع الرجال بإلغاء وجود النساء‪ ،‬سواء إن كنّ الزوجات اللواتي تز ّوجنهنّ أ ّوال أو إن كنّ‬
‫الزوجات الثانيات‪ ،‬ليتمحور معظم حديثهم على أنفسهم كرجال‪ ،‬وما يقدّ مه تعدّ د الزوجات لهم في‬
‫منظومة زوجية تو ّفر لهم إطا ًرا أسر ًّيا أفضل‪ .‬إن ّ‬
‫تركز الرجال بذواتهم جعلهم يبدون عدم اكتراث‬
‫يصل‪ ،‬في أحيان مع ّينة‪ ،‬حدّ إنكار موقف الزوجة األولى أو الثانية‪ ،‬وتأثيرات تعدّ د الزوجات عليهنّ‬
‫كنساء‪ ،‬وتداعيات هذه املنظومة سل ًبا على حياتهنّ ‪.‬‬
‫هذا االستناد إلى الشريعة في تأكيد الفروق النوعية وفي حتقيق مشروعية عدم املساواة مي ّهد‬
‫الطريق إلى احلديث عن األنثى وعن “اجلنس اللطيف” الذي تتحدّ د مه ّمته في تخفيف العناء عن‬
‫البيتي واألسري الذي ّ‬
‫ميكنه من ممارسة احلياة‪ ،‬اإلنتاج والعمل‪ .‬في هذا‬
‫اجلنس اخلشن وتهيئة املناخ‬
‫ّ‬
‫يتم إلغاء املرأة‪/‬األنثى حلساب الرجل‪/‬الذكر إلغا ًء شبه تا ّم‪ ،‬وتصبح مه ّمتها ك ّلها هي تلبية‬
‫التص ّور ّ‬
‫طلباته وتأمني حاجته‪ ،‬بد ًءا بفنجان الشاي وانتهاء بالعالقة اجلنس ّية‪ ،‬بحيث تكون مبثابة وعاء لرغباته‬
‫اجلنسية‪ ،‬وليس ث ّمة تبعات يتح ّملها الرجل في عالقته باملرأة سوى أن مينحها الغذاء واملسكن‪ ،‬أي‬
‫إنّها عالقة أشبه بعالقة التابع واملتبوع‪ ،‬والعبد والس ّيد‪.‬‬
‫من هنا‪ ،‬ميكن تصنيف األسباب التي أوردها الرجال كالتالي‪:‬‬
‫تعدّد الزوجات بسبب خالفات زوجية حادة ‪ -‬تسوية بني الواجب‬
‫ّ‬
‫األبوي وحتقيق حياة زوجية هانئة‪.‬‬
‫ست سنوات هو الرغبة في ممارسة حياة زوجية هانئة‬
‫كان احلافز الذي دفع عمر قبل حوالي ّ‬
‫تتجنّب الطالق باعتباره أسوأ احللول‪ .‬فبعد فترة وجيزة من زواج عمر الذي جاء كما ّ‬
‫متت اإلشارة‬
‫ساب ًقا في سنّ صغيرة وبنا ًء على ضغوطات عائلته بدأت اخلالفات واملشاكل تتط ّور بني عمر وزوجته‬
‫التي تفصله عنها‪ ،‬حسب وصفه‪ ،‬فجوة فكرية كبيرة في تص ّورهما ملفهوم احلياة الزوجية‪ .‬فزوجة‬
‫ً‬
‫ناشطا سياس ًّيا وقضى فترة سنة كاملة في السجن أثناء تع ّلمه الثانوي‪ ،‬وهي‬
‫عمر ‪ -‬الذي كان‬
‫‪180‬‬
‫فترة يعتبرها حاسمة في حياته‪ ،‬حيث صقلت شخص ّيته سياس ًّيا واجتماع ًّيا‪ -‬كانت في نظره زوجة‬
‫ومتسكت بدورها كزوجة وأ ّم‪ ،‬األمر الذي رفضه عمر‪،‬‬
‫تقليد ّية رفضت اخلروج عن دورها‬
‫ّ‬
‫التقليدي ّ‬
‫وحني أراد حتقيق طموحاته التي تتجاوز العمل في مشغل العائلة من خالل التع ّلم والتطور لم يجد‬
‫منها الدعم واملساندة‪ .‬يقول عمر‪“ :‬اكتشفت إنه الفرق بيني وبينها كبير‪ ،‬وبدأت املشاكل‬
‫تتطور”‪ .‬ورغم أنّ عالقته الزوج ّية استم ّرت في التدهور‪ ،‬إال أنّه أجنب خالل هذه الفترة ثالث بنات‬
‫ّ‬
‫وصب ًّيا‪ .‬بعد مرور سبع سنوات ق ّرر عمر الزواج من امرأة أخرى‪ .‬خالل هذه السنوات كان عمر قد‬
‫ح ّقق استقالل ّية اقتصاد ّية‪ ،‬إذ ترك مشغل والده وعمل في مجال األعمال احل ّرة‪ ،‬وافتتح متجرين‬
‫االقتصادي بشكل ملموس‪.‬‬
‫ضخمني ليزدهر وضعه‬
‫ّ‬
‫ينفي عمر تأثير العامل االقتصادي في قراره املتع ّلق بتعدّ د الزوجات‪ ،‬إذ يشير إلى أنّ وضعه‬
‫االقتصادي كان مي ّر في حالة تدهور شديدة عندما اتخذ قراره دون تراجع بتعدّ د الزوجات‪ ،‬وقد‬
‫تبلور هذا القرار في داخله نتيج ًة الستمرار اخلالفات وازدياد حدّ تها ونتيجة للنصائح التي سمعها‬
‫بعض ممّن حوله في أنّ ّ‬
‫احلل يكمن في تعدّ د الزوجات‪.‬‬
‫من ٍ‬
‫تتجوز‪ ،‬ناس تقولي اترك وناس تقولي ال‬
‫“كتير سمعت نصائح إنه إنت الزم‬
‫ّ‬
‫تترك‪ ،‬حتى أخوي كان يقولي أنا لو مح ّلك كنت بتجوز‪ ،‬وأنا ما بصير أضلني‬
‫هيك مغ ّلب‪ .‬املفروض أنا كمان أشوف حياتي‪ ،‬بعدني شاب صغير ومفروض أشوف‬
‫حياتي وأنا عمري بعده ‪ 28‬سنة”‪.‬‬
‫يقول عمر إنه اقتنع بضرورة الزواج مرة أخرى غير أن وجود أربعة أوالد جعله يتردّد كثي ًرا‬
‫ويتخ ّوف من أن يأتي زواجه على حسابهم‪ .‬ولذلك‪ ،‬رأى أنّ ّ‬
‫احلل األنسب يأتي من خالل تعدّ د‬
‫الزوجات‪ ،‬وبدأ يبحث عن زوجة‪ ،‬غير أنّه في كل م ّرة كان يشير لعائلته عن فتاة مع ّينة كانت عائلته‬
‫تذكر ع ّلة ما فيها كمحاولة‪ ،‬كما يرى عمر‪ ،‬لثنيه عن الزواج‪ .‬بقي الوضع على حاله إلى أن تع ّرف‬
‫ست سنوات على شابة أردن ّية األصل تتع ّلم في البالد‬
‫عمر عن طريق الصدفة احملضة قبل حوالي ّ‬
‫في إحدى اجلامعات من خالل بعثة خاصة‪ ،‬فجمعته بها عالقة أخفى في بدايتها عليها أنّه متز ّوج‪،‬‬
‫وكشف لها األمر بعد أن ّ‬
‫توطدت عالقتهما‪ ،‬األمر الذي لم يثنها بعد ذلك عن استمرار هذه العالقة‪.‬‬
‫ّ‬
‫متت خطوبة عمر التي حاول والده منعها‪ ،‬وتعاون مع الزوجة األولى على ذلك‪ ،‬غير أنّ هذا األمر‬
‫ثن عمر عن قراره‪ ،‬فت ّمت اخلطوبة واستم ّرت سنتني إلى أن انتهت بالزواج‪ .‬وبذلك يصبح عمر‬
‫لم ُي ِ‬
‫زوجا لزوجتني‪.‬‬
‫ً‬
‫يرى عمر أنّه في حال وجود خالفات وعدم تفاهم بني الزوجني‪ ،‬ولم يكن لديهما أطفال‪ ،‬فإنّ ّ‬
‫احلل‬
‫‪181‬‬
‫املثالي هو الطالق‪ ،‬لكنه يرفض الطالق بتا ًتا ّ‬
‫حلل هذه اخلالفات في حال كان للزوجني أوالد‪ ،‬ويرى‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫الديني الذي أجاز تعدّ د الزوجات‪.‬‬
‫أنّ احلل األمثل هو تعدّ د الزوجات‪ ،‬ليعتمد بذلك على التشريع‬
‫ّ‬
‫ويع ّبر عن ذلك قائ ًال‪:‬‬
‫“الدين والشرع مينح للرجل تعدّ د الزوجات‪ ،‬ولو ربنا ما كان شايف األمور من البداية‬
‫ما كان حلل إنه يكون في زوجتني‪ ،‬بس ربنا شايف إنه عشان ما نط ّلق ونترك الوالد‪.‬‬
‫مزبوط كمان من ناحية دينية ربنا ح ّلل الطالق‪ ،‬بس من ناحية تانية في حل أنسب‪ ،‬يعني‬
‫في رجال دين بشرحوها بطريقة تانية‪ ،‬أنا بفكر ربنا قلنا إنه في طالق بس في حل أمثل‬
‫إنه جتوز كمان واحدة وعيش معها وعيش مع التانية‪ ،‬يعني خد راحتك إنت مع الزوجة‬
‫إللي بدك إياها‪ ،‬بس إدّي واجب للزوجة إللي ما بدك إياها وصار عندك أوالد منها‪ّ ،‬ملا‬
‫أما ملا يكون‬
‫فش والد احلل األمثل إنه تعطيها حريتها وتوخد حريتك‪ ،‬ما فش فيها جدال‪ّ ،‬‬
‫في والد أنا ما بفضل وال أي زوجني إنهم يطلقوا”‪.‬‬
‫واالجتماعي في سنوات بلوغه‬
‫السياسي‬
‫يلجأ عمر للتسويغات الدين ّية في الوقت الذي بلور وعيه‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫في حركة الشبيبة الشيوعية ودفع ثمنًا ً‬
‫السياسي أثناء فترة تع ّلمه الثانوي‪ .‬ولم‬
‫باهظا مقابل نشاطه‬
‫ّ‬
‫السياسي‪ ،‬فهو ال يزال حتى اليوم يتماهى مع هذا‪ ،‬ويعتبر أنّ السنة التي‬
‫يغ ّير عمر من انتمائه‬
‫ّ‬
‫قضاها في السجن كانت سنة حاسمة في بلورة وعيه السياسي‪ ،‬األمر الذي يعكس‪ ،‬بوضوح‪ ،‬الفجوة‬
‫القائمة بني هذا الوعي ووعيه االجتماعي واجلندري‪ ،‬ويجعل خطابه ازدواج ًّيا‪ .‬عمر شاب في مقتبل‬
‫العمر‪ ،‬وهو يبلغ سبعة وثالثني عا ًما‪ ،‬ومن هنا فهو يعكس شريحة من اجليل اجلديد‪ ،‬ويع ّبر عن‬
‫مواقف ووجهات نظر الكثيرين من أبناء اجليل الثالث لألقل ّية الفلسطين ّية في إسرائيل‪ ،‬فقد استطاع‬
‫مبجهوداته الشخصية التحرك ضمن الواقع السياسي واالقتصادي واالجتماعي ذي املوارد احملدودة‪،‬‬
‫وحتقيق إجنازات مه ّمة على صعيد عمله‪ .‬يتبنّى عمر نهج حياة عصر ًّيا مبختلف سلوك ّياته وسلوك ّيات‬
‫زوجاته‪ ،‬فعمر ال ينطلق في حديثه من كونه رج ًال متد ّينًا كما فعل غيره من املشاركني‪ ،‬وهو فخور‬
‫باإلجنازات العلمية التي ح ّققتها زوجته الثانية‪ ،‬فهي حاصلة على اللقب الثاني في أحد املواضيع‬
‫أيضا نهج حياة عصر ًّيا‪ ،‬بعيدً ا عن مظاهر التد ّين من ناحية الثياب واملظهر‬
‫العلمية‪ ،‬ومتارس هي ً‬
‫ومسلك ّيات احلياة‪ .‬ويقوم هو‪ ،‬حال ًّيا‪ ،‬بدراسة موضوع احلقوق‪ ،‬ويطمح كما أشار في املقابلة في العمل‬
‫في مجال حقوق اإلنسان‪ .‬يرغب عمر في ذلك في الوقت الذي يش ّرع لنفسه تعدّ د الزوجات‪ ،‬وهو يلجأ‬
‫الديني لتبرير خياره‪ ،‬فيقوم بتبنّي وجهة نظر ذكور ّية‪ ،‬ويتعامل بالذكور ّية نفسها التي‬
‫إلى التشريع‬
‫ّ‬
‫ُمورست ضدّ ه حني فرض والده عليه الزواج في سنّ ّ‬
‫مبكرة‪ ،‬وحرمه من حتقيق أحالمه وطموحاته‪،‬‬
‫كفرد في اختيار شريكة حياة‪.‬‬
‫وكذلك من ح ّقه ٍ‬
‫‪182‬‬
‫إنّ عدم ّ‬
‫الديني‬
‫جتذر الفكر العلماني الذي نشأ عليه عمر هو السبب الذي جعله يلجأ إلى التشريع‬
‫ّ‬
‫أي نظرة نقدية جتاه هذا التشريع‪ ،‬ودون وجود وعي لهذا التناقض وهذا االنشطار‪ .‬يبدو‬
‫دون وجود ّ‬
‫أنّ الوعي السياسي ال يضمن‪ ،‬بالضرورة‪ ،‬وع ًيا جندر ًّيا‪ .‬فال ُبنى االجتماعية التقليدية والقيم الثقافية‬
‫السائدة تبقى هي الطاغية ليرتدّ عمر إلى مرجع ّيات جتعله يتعامل مع مشكلة خالفاته الزوجية‪،‬‬
‫ويبحث عن ّ‬
‫السياسي الذي نشأ عليه‪ .‬في مجتمع تتزايد‬
‫حل ذكوري‪ ،‬يتناقض كل ًّيا مع بذور الوعي‬
‫ّ‬
‫الديني‬
‫الديني‪ ،‬يصبح اللجوء إلى التشريع‬
‫فيه مظاهر التد ّين‪ ،‬وينحى أكثر فأكثر نحو تبنّي اخلطاب‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫أي ّ‬
‫حل آخر‪.‬‬
‫ح ًال أسهل وأكثر قبو ًال من ّ‬
‫أيضا يع ّبر عمر عن‬
‫وكما أنّ النساء تتبنّى الرفض التا ّم في تنفيذ الطالق أو تستصعبه‪ ،‬فهكذا ً‬
‫اعتقاده في أنّ الطالق هو أسوأ احللول‪ .‬يعتقد عمر أنّ العالقة الزوجية قائمة‪ ،‬في األساس‪ ،‬بسبب‬
‫األوالد‪ ،‬وهي جزء من واجباته التي يقدّ مها جتاه زوجته‪ .‬إنّ انطالق عمر في التعامل مع عالقته‬
‫عائلي وليس كعالقة إنسان ّية تقوم على التفاهم واحلميم ّية يجعله يرى في‬
‫بزوجته األولى كالتزام‬
‫ّ‬
‫كرجل ألكثر من أمرأة إمكان ّية واردة‪.‬‬
‫إمكان ّية العيش‬
‫ٍ‬
‫مجتمعي للتعدّد والبحث عن “السعادة‬
‫تعدّد الزوجات ‪ -‬نتاج تشجيع‬
‫ّ‬
‫املتخ ّيلة”‬
‫يبدو أنّ إعالن خالد الزواج من امرأة ثانية كان عبارة عن حلظة امتحان وإثبات لرجولته مقابل‬
‫كدليل على قدرته وق ّوته‪ .‬وبذلك‪ ،‬يصبح تعدّ د الزوجات مبثابة ممارسة تتالءم وتو ّقعات‬
‫رجال آخرين‬
‫ٍ‬
‫احمليطني من خالد‪ .‬يعيش خالد في منطقة النقب حيث ينتشر تعدّ د الزوجات بنسب عالية أكثر ممّا‬
‫هي احلال في مناطق أخرى‪.‬‬
‫رغم أنّ خالد لم ُيعانِ من مشاكل زوج ّية كما هي حال عمر‪ ،‬إال أنّه لم يشعر بالرضى واالكتفاء‬
‫العاطفي من زواج ّ‬
‫مت في ظروف مشابهة لزواج عمر‪ ،‬حني قامت والدته باختيار عروس البنها وهو في‬
‫ّ‬
‫سنّ التاسعة عشرة‪ .‬ومتا ًما كما وافق عمر على زواجه كفرصة إلقامة عالقة والتع ّرف على امرأة‪،‬‬
‫األرض اخلصبة املوجودة لدى‬
‫فسر لنا هذه الظروف‬
‫هكذا ً‬
‫َ‬
‫أيضا وافق خالد على اختيار والدته‪ُ .‬ت ّ‬
‫خالد للتجاوب مع أصوات من رجال آخرين تدعوه لتعدّ د الزوجات‪ .‬هكذا يصف خالد قراره بتعدّ د‬
‫زوجاته‪ ،‬حيث يتم ممارسة تعدّ د الزوجات في منطقة النقب بوتيرة أعلى منها من مناطق أخرى في‬
‫‪183‬‬
‫البالد‪ ،‬ويصبح التعدّ د قضي ًة ميتحن فيها الرجل مدى رجولته‪ .‬قام خالد بالزواج من امرأة ثانية‬
‫بسبب الضغوطات التي تع ّرض لها من قبل أقاربه من الرجال‪ .‬ويبدو أنّ حلقات اجتماع الرجال في‬
‫أماكن قريبة من بيوتهم وثقافة “الديوان” املألوفة في النقب تستحضر‪ ،‬بشكل دائم‪ ،‬قض ّية تعدّ د‬
‫الزوجات‪ ،‬حيث يقوم بعض ال ّرجال بتشجيع بعضهم البعض على اتخاذ هذه اخلطوة‪ ،‬وهو األمر‬
‫أيضا‪ ،‬في املجموعة البؤر ّية التي ّ‬
‫متت في النقب وفي املُقابالت املُع ّمقة مع نساء النقب‪،‬‬
‫الذي برز‪ً ،‬‬
‫وقد وصفت زهى حيث ّيات مشابهة لتلك التي يصفها خالد هنا والتي دفعت بزوجها إلى الزواج من‬
‫امرأة أخرى‪.‬‬
‫حب استطالع‪ ،‬طلعت بضحكة‪،‬‬
‫يعتبر خالد أنّ زواجه الثاني “غلطة”‪ ،‬وهو يقول‪“ :‬غلطة‪ّ ،‬‬
‫كلمة قلتها‪ ،‬مش عارف شو إللي خالني أعملها”‪ .‬لقد أتت الدعوة من بعض رجال العائلة‬
‫في إحدى اجللسات التي يتسامر فيها الرجال عادة‪ّ “ ،‬ملا بتقعد العيلة مع بعض بصير في نقاش‬
‫عائلي بني بعض‪ ،‬ك ّنا قاعدين بديوان‪ ،‬حكينا عن الزيجة الثانية‪ ،‬أجا واحد بقولي الزم‬
‫إنت التاني تتز ّوج‪ ،‬قلتلهن هتولي عروس وأنا بتز ّوج”‪ .‬وهكذا عرض عليه أحد أبناء عمومته‬
‫أن يز ّوجه من ابنته‪ ،‬وهي شابة تبلغ من العمر سبعة وعشرين عا ًما‪ ،‬كان قد ّ‬
‫مت ساب ًقا فسخ خطوبتها‪.‬‬
‫يقول خالد إنه تس ّرع في ذلك‪ ،‬وإنه رغب في التراجع عن كالمه‪ ،‬إال أنّ ذلك يعتبر عا ًرا “ف ّتشت‬
‫على سبب‪ ،‬كنت بدّ ي أفسخ اخلطوبة‪ ،‬بس بتعرفي شرف العيلة كان صعب‪ ،‬صعب جدً ا‬
‫جدً ا”‪ .‬ال يستطيع خالد اليوم متييز األسباب التي دفعته إلى الزواج وتفسير انصياعه لهذه البنى‬
‫الذكورية‪ ،‬فيقول “ميكن الواحد ما كان ّ‬
‫مركز بوقتها‪ ،‬ميكن ما كنت واعي على حالي”‪.‬‬
‫ورغم ندم خالد على زواجه الثاني إال أنّ هذا األمر ال يعني أنّه يرفض تعدّ د الزوجات‪ ،‬بل إنّ فشل‬
‫زواجه الثاني يجعله اآلن مص ّم ًما على البحث عن زوجة ثالثة ليح ّقق الزواج الذي يطمح إليه والذي‬
‫زواجا‪ ،‬حسب رأيه‪ .‬وهو يقول‪“ :‬أنا لليوم‬
‫احلب والتفاهم‪ ،‬فإذا لم يتح ّققا ال يكون ذلك ً‬
‫يتخ ّلله ّ‬
‫بد ّور‪ ،‬أنا عمري ‪ 43‬سنة‪ ،‬خلص أجا الوقت‪ ،‬شفت حالي هياني خلص‪ ،‬بدّ ي أح ّقق الزواج‪،‬‬
‫كلمة الزواج بدّ ي أح ّققها‪ ،‬أنا حلد اليوم ما عشت الزواج”‪ .‬ورغم أنّ وضع خالد االقتصادي‬
‫يعتبر ج ّيدً ا‪ ،‬إذ ميلك ّ‬
‫محطة تاكسيات‪ ،‬وهو قاد ٌر من ناحية مادية على حت ّمل أعباء عائلتيه‪ ،‬إال أنّه‬
‫ال يرى أنّ هذا العامل هو الذي يح ّفز الرجل على تعدّ د الزيجات‪ ،‬فحسب قوله‪“ :‬الرجل ّملا بدّ و‬
‫يتز ّوج بتز ّوج وبقول الرزقة على الله”‪.‬‬
‫بني ط ّيات ما يقوله خالد يبدو أنّه اتخذ قراره بتعدّ د الزيجات في حلظة تس ّرع قد ندم عليها‪ ،‬غير‬
‫أنّه من الواضح أنّ هذا القرار جاء من خلفية مع ّينة‪ ،‬فعمر الذي تز ّوج دون خيار‪ ،‬ومارس حياة‬
‫وعاطفي لهذه احلياة ومتط ّلباتها‪ ،‬يطمح اليوم في البحث عن عالقة‬
‫اجتماعي‬
‫زوجية دون استعداد‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫‪184‬‬
‫متنحه االكتفاء العاطفي والسعادة دون أن يعرف حتديدً ا مق ّوماتها وشكلها وكيف ّية الوصول إليها‪،‬‬
‫ودون أن يدرك دوره داخل هذه العالقة‪ .‬عمل ًّيا‪ ،‬إنّ هذه امله ّمة صعبة للغاية بالنسبة إلى خالد‬
‫ومعظم الرجال الذين ترعرعوا في مجتمع بطريركي ال يقوم على تربية أبنائه وبناته على قيم‬
‫ملؤسسة الزواج وللحياة‬
‫احلرية والعدالة واملساواة بني اجلنسني‪ ،‬وال يعمل على خلق مفهوم تقدّ مي ّ‬
‫الزوجية‪ ،‬بحيث تكون قائمة على املشاركة واالحترام واملساواة‪ .‬وبذلك‪ّ ،‬‬
‫يؤكد خالد‪ ،‬رغم فشل‬
‫زواجه الثاني وربمّ ا بسبب فشله‪ ،‬أنّ رغبته في الزواج مر ًة ثالث ًة تأتي أم ًال في العثور على هذا الزواج‬
‫منوذجا للرجال الذين أشارت إليهم‬
‫املنشود الذي لم يجدْه في زيجاته السابقة‪ُ .‬يعتبر بذلك خالد‬
‫ً‬
‫ميني (‪ )Yamani, 2008‬في بحثها في اململكة العرب ّية السعودية‪ ،‬إذ إنّ ثمانية أزواج من ضمن‬
‫زوجا ممّن أقدموا على تعدّ د الزيجات‪ ،‬ذكروا أنّ عدم شعورهم باالكتفاء من الزواج‬
‫خمسة عشر ً‬
‫األول هو سبب التعدّ د لديهم‪ ،‬لكن أشار رجل واحد فقط من بني ثمانية إلى أنّ زواجه الثاني جعله‬
‫يشعر باالكتفاء‪ ،‬بينما ع ّبر الباقون عن عدم حتقيقهم ذلك‪ ،‬وعن أنّ تعدّ د زوجاتهم لم يحدّ هم من‬
‫إقامة عالقات جنس ّية خارج إطار الزواج بح ًثا عن التجديد‪ ،‬وأنّ الرجال الذين يستم ّرون في البحث‬
‫شرعي‪ ،‬من خالل‬
‫املتواصل لتحقيق هذا االكتفاء سيواصلون فعل ذلك إ ّما خارج الزواج وإ ّما بشكل‬
‫ّ‬
‫وصاية دين ّية‪ ،‬كاستخدام زواج املسيار ومختلف الوسائل األخرى‪.‬‬
‫بشكل مشابه‪ ،‬يع ّبر جمال الذي تفصله عن خالد سنوات كثيرة ‪ -‬إذ يبلغ من العمر ثمانية‬
‫وخمسني عا ًما ‪ ،-‬بشكل أكثر مباشر ًة‪ ،‬عن عدم الشعور باالكتفاء من زواجه األ ّول‪ ،‬األمر الذي‬
‫دفعه إلى تعدّ د الزوجات‪ ،‬وهو يشير إلى أنّه‪ ،‬كسائق باص‪ ،‬اعتاد التج ّول كثي ًرا في مختلف املناطق‬
‫مرات‬
‫والعمل في مناوبات طويلة‪ ،‬لكن كما يذكر‪“ :‬صرت أشعر إنه في شي ناقص‪ ،‬يعني ّ‬
‫كنت أشتغل ورديات تنتني وأرجع يكونوا ك ّلهن ناميني‪ ،‬ما أالقي مرا تط ّيب بخاطري‪،‬‬
‫تسألني شو بدّ ك‪ ،‬شو عايز ‪ ..‬ما في‪ .‬أنا كزوج ما كنت مقتنع‪ ،‬كان عندها نوع من عدم‬
‫تهتم بالوالد وحتافظ عليهن بس بالنسبة إلي ما كانت تهتم فيي‪ ،‬حاولت‬
‫االهتمام‪ ،‬يعني ّ‬
‫ّ‬
‫املتحضرة‪ ،‬لكن ما كان في جتاوب معي”‪.‬‬
‫التفاهم معها بس ما في فايدة‪ ،‬أنا أحب احلياة‬
‫وفي إطار عمله وضمن سفرياته إلى الض ّفة الغربية تع ّرف جمال على بعض األشخاص الذين ع ّرفوه‬
‫ثم انتقلت من الض ّفة للعيش معه في منطقة النقب‪ .‬لم يشر جمال‬
‫على عروس‪ ،‬وقام بالزواج منها‪ّ ،‬‬
‫إلى صعوبات أو تخ ّبطات في اتخاذ قرار كهذا‪ ،‬وكان في سرده التفاصيل يتعامل مع تعدّ د الزوجات‬
‫كسلوك متّبع ومألوف‪ ،‬ال يحتمل نقاشات كثيرة‪ ،‬كما لم يتط ّرق إطال ًقا إلى زوجته األولى وموقفها‬
‫في حينه‪ ،‬أو إلى انعكاسات هذا التعدّ د عليها‪.‬‬
‫ال يكتفي جمال باإلشارة إلى عدم رضاه واكتفائه من حياته الزوجية‪ ،‬بل يورد توليفة من الدوافع‬
‫املرافقة لذلك‪ ،‬يعتبر أنها مبثابة أرباح جانبية ناجتة عن تعدّ د الزواج‪ ،‬ومنها اإلجناب وزيادة عدد‬
‫‪185‬‬
‫األوالد‪ ،‬وهو سبب وجيه لتعدّ د الزوجات‪ .‬كما يعتبر جمال أنّ الزواج من امرأة ثانية هو “شجاعة”‪.‬‬
‫كبر الزوجة األولى‪:‬‬
‫كان صالح وناصر وحسن قد أشاروا إلى أنّ تعدّ د الزوجات لم ِ‬
‫يأت مطل ًقا بالنسبة إليهم لسبب‬
‫عدم رضاهم أو اكتفائهم من احلياة الزوجية‪ .‬كان قد م ّر على زواج صالح من زوجته أربعة وعشرون‬
‫وتخصصه‪ ،‬أ ّما زوجته فهي‬
‫عا ًما‪ ،‬وولد له تسعة أوالد‪ .‬يعمل صالح في املساحة‪ ،‬أي في مجال تع ّلمه‬
‫ّ‬
‫ر ّبة منزل‪ .‬بعد أربعة وعشرين عا ًما على زواجه ق ّرر صالح الزواج مر ًة ثانية‪ّ .‬‬
‫يؤكد صالح أنّ السبب‬
‫الذي دفعه إلى ذلك لم يكن ناب ًعا من مشاكل زوج ّية أو من عدم رضاه عن الزواج األ ّول‪ ،‬وهو ير ّد‬
‫أسباب زواجه إلى ما يلي‪:‬‬
‫“ما كان عندي أي مشاكل مع مرتي األولى نهائ ًيا‪ ،‬بالعكس هي حرمة محترمة‪،‬‬
‫الشيء الوحيد إللي خالني ّ‬
‫أفكر بالزواج إنه مرتي جابت أحد عشر بطن وفي جيل‬
‫وطبعا الرجل نشاطه أزود‪ّ ،‬‬
‫ففكرت إنه كمان عشر سنني‬
‫األربعني بدا يبينّ التعب عليها‪،‬‬
‫ً‬
‫جايات إذا الله مد بعمر اإلنسان بكون الوضع صعب على الرجل إلنه مرته بتكون تعبانة‬
‫بتتصعب إنها تقوم وتروح‪ ،‬عندها بنات‬
‫‪ ...‬أنا بقولك اليوم ّملا بدها تعم ّلي فنجان القهوة‬
‫ّ‬
‫والبنات ه ّني إللي بعملوا شاي‪ ،‬بعملوا قهوة”‪.‬‬
‫املهم اإلشارة إلى الشعور باحلرج أو‬
‫في البداية لم يتط ّرق صالح إلى حاجاته اجلنسية‪ ،‬وهنا من ّ‬
‫الرغبة في عدم كشف هذا اجلانب‪ .‬مع ذلك‪ ،‬أشار صالح في موضع آخر من املقابلة إلى هذا اجلانب‬
‫خضم احلديث عن عدله بني زوجاته‪ ،‬مستثنيا بذلك العالقة اجلنسية التي‬
‫بشكل مباشر‪ ،‬وذلك في‬
‫ّ‬
‫يرى أنه ميارسها بوتيرة أعلى مع زوجته الثانية األكثر شبا ًبا‪ ،‬مس ّو ًغا ذلك بحاجاتها هي كزوجة ثانية‬
‫ال لنفسه‪ .‬وهو يتشابه بذلك مع رجال آخرين ممّن يعتبرون أن تعدّ د الزوجات هو حقّ‬
‫حكري‪ .‬يعتبر‬
‫ّ‬
‫شخصا متد ّينًا‪ ،‬وهو ينتمي إلى احلركة اإلسالمية الناشطة في منطقة اجلنوب‪ ،‬وينشط ضمن‬
‫صالح‬
‫ً‬
‫الديني‪.‬‬
‫هذا اإلطار‪ ،‬وهو ير ّد تعدّ د زوجاته‪ ،‬كما باقي الرجال‪ ،‬إلى التشريع‬
‫ّ‬
‫إنّ اللغة املستخدمة توهم السامع‪/‬ة‪ ،‬للوهلة األولى‪ ،‬بتبجيل املرأة‪ ،‬لكن هذه اللغة‪ ،‬في احلقيقة‪،‬‬
‫موجه لها‪ ،‬ليس هو في احلقيقة إال من ذلك‬
‫حت ّول املرأة إلى شيء ما‪ ،‬وما قد يبدو على أنه احترام ّ‬
‫النوع من االحترام الذي تتحدّ د أهم ّيته مبدى نفع ّيته بالنسبة إلى املالك‪/‬الرجل‪ .‬يتحدّ ث صالح‬
‫احملترم لزوجاته‪ ،‬فالزوجة األولى‪ ،‬رغم زواجه الثاني‪ ،‬تتمتّع مبكانتها واحترامها‪،‬‬
‫بفخر عن تعامله‬
‫ِ‬
‫‪186‬‬
‫أي تناقض بني زواجه الثاني وبني نظرته نحوها‪ ،‬ويتحدّ ث بفخر عن قدرته على تأمني‬
‫وهو ال يرى ّ‬
‫أيضا ّ‬
‫كل‬
‫احتياجات زوجاته من مأكل ومسكن وغير ذلك‪ .‬بهذا األسلوب‪ ،‬كما سنرى الح ًقا‪ ،‬يتعامل ً‬
‫من ناصر وحسن وأحمد وجمال‪.‬‬
‫ينطلق صالح من أنّ دور الزوجة يتم ّثل في خدمته وتأمني حاج ّياته اجلسدية واجلنسية كزوج‪،‬‬
‫ولذا ففي حال أصبحت الزوجة غير قادرة‪ ،‬أو في حال أصبحت مه ّيأة ألن تكون غير قادرة‪ ،‬على‬
‫تأمني حاج ّياته‪ ،‬فإنّ من ح ّقه أن يتز ّوج م ّرة أخرى‪ .‬ال يعتبر صالح أنّ قرار تعدّ د زوجاته إهانة‬
‫لزوجته األولى‪ .‬وهو يرى أنّ تعدّ د الزوجات قض ّية عادية ومتّبعة طاملا استطاع الزوج تأمني احتياجات‬
‫زوجاته وأوالده‪ .‬لذلك‪ ،‬تز ّوج صالح م ّرة أخرى‪ ،‬وهو في سنّ اثنني وأربعني عا ًما‪ ،‬من امرأة تبلغ من‬
‫العمر سبعة وعشرين عا ًما‪ ،‬وهو لم يتع ّرف عليها قبل الزواج وإنمّ ا تز ّوجها من خالل تنسيق األمر‬
‫مع عائلتها‪.‬‬
‫تعدّد الزوجات ‪ -‬الزواج من أرملة األخ كشرط للحفاظ على األوالد‪.‬‬
‫يقول أحمد البالغ من العمر ثمانني عا ًما إنّه قام بتعدّ د الزوجات من خالل زواجه بأرملة أخيه‬
‫التي اشترط أهلها عليه أن يتز ّوج منها لكي تبقى مع أوالدها في عائلة الزوج املُتو ّفى‪ .‬كان أحمد هو‬
‫إناث‪ ،‬العتباره أنّ الذكور‬
‫َمن نصح أخاه بالزواج م ّر ًة أخرى عندما لم تنجب الزوجة األولى سوى ٍ‬
‫“عزوة”‪ ،‬وبالفعل فقد أجنبت الزوجة الثانية أوالدًا ذكو ًرا‪ .‬بعد وفاة أخيه‪ ،‬وبسبب خالفات جرت‬
‫بني أرملة أخيه‪ ،‬أي الزوجة الثانية‪ ،‬وبني الزوجة األولى وبناتها‪ ،‬قامت الزوجة الثانية بأخذ أوالدها‬
‫ً‬
‫حفاظا على األوالد‪،‬‬
‫والتوجه إلى بيت عائلتها‪ ،‬األمر الذي جعل أحمد يلحق بها ليعيدها إلى بيتها‬
‫ّ‬
‫وعندها كان شرط عودتها من بيت عائلتها أن يقوم هو بالزواج منها‪.‬‬
‫إما‬
‫“قالوا لي‪ ،‬إسمع‪ ،‬هاي احلرمة ما دام فش عندها جوز أنا ما بخليها هناك‪ ،‬يا ّ‬
‫إما د ّبر حالك‪ ،‬قلتلهن ليش أل وهدا إللي صار ورجعت املرا ورجعوا الوالد‬
‫بتتجوزها يا ّ‬
‫ّ‬
‫جتوزنا عشان أضب والدها”‪ .‬يقول أحمد إنّه لم‬
‫معها ‪ ...‬يعني جبروني أخدها جبر ‪ ..‬إحنا ّ‬
‫يكن ّ‬
‫يفكر بالزواج من امرأة ثانية‪ ،‬لكنّه لم يجد غضاض ًة في ذلك‪ .‬يعتبر أحمد أنّ زوجته الثانية‬
‫جاءت في وقتها‪ ،‬إذ إنّ زوجته األولى كانت قد بدأت تعاني من مرض ّ‬
‫الصحي بدأ‬
‫السكري ووضعها‬
‫ّ‬
‫بالتدهور‪ ،‬وهو ُيع ّبر عن رضاه عن زواجه الثاني‪.‬‬
‫‪187‬‬
‫تعدّد الزوجات من أجل اإلجناب‪.‬‬
‫إنّ السبب املعلن لزواج ناصر الذي جاء بعد عشرين عا ًما من زواجه األ ّول هو رغبته في إجناب‬
‫األطفال‪ ،‬كما ذكر بداية‪ .‬فزوجته األولى أجنبت ولدً ا واحدً ا كان يبلغ من العمر أربعة عشر عا ًما عند‬
‫زواجه الثاني‪ّ .‬‬
‫يؤكد ناصر‪ ،‬كما أشار من قبله صالح‪ ،‬أنّه لم تكن هناك مشاكل وخالفات زوجية‬
‫أما لواحد‬
‫مع زوجته األولى‪ .‬يقول ناصر‪“ :‬بجوز السبب الرئيسي بالنسبة إلي هو األوالد‪ّ ،‬‬
‫يتجوز من امرأة تانية ممنوع نسأله عن السبب‪ ،‬إل ّنه في ع ّنا متل بقول البيوت‬
‫تاني بدّ و‬
‫ّ‬
‫مرة‪ ،‬أنا بسنة الـ ‪2000‬‬
‫أسرار‪ ،‬أنا احلمد الله ّ‬
‫رب العاملني ما كان عندي مشاكل وال ّ‬
‫والـ ‪ 2001‬صار عندي مشاكل بالشغل‪ ،‬يعني كنت متر ّيح وكان معاي مصاري بس ما‬
‫أجتوز‪ ،‬بعد ما صار عندي مشاكل بالشغل ّ‬
‫ّ‬
‫أجتوز‪ ،‬ليش بعرفش”‪.‬‬
‫فكرت إ ّني ّ‬
‫فكرتش إني ّ‬
‫وعن توقيت ناصر لهذا القرار ومرور سنوات كثيرة كان مكتف ًيا فيها بولد واحد‪ ،‬وعن السبب الذي‬
‫جعله ّ‬
‫يفكر بعد كل هذه السنوات برغبته في إجناب املزيد من األوالد‪ ،‬يقول‪“ :‬إل ّني كنت مشغول‬
‫بالشغل‪ ،‬كان ماخد كل وقتي‪ّ ،‬ملا صار عندي وقت فراغ ّ‬
‫فكرت بهاي األمور‪ ،‬أو بحالتي‬
‫خ ّلينا نسميها بسبب الولد‪ ،‬صرنا نشوف حوادث كتير بالطريق‪ ،‬إنه بطلع الولد الصبح‬
‫برجع املغرب بجنازة وحدثت كتير إنه إللي عندهن ولد أو ولدين فقدوهن وبجوز احلوادث‬
‫من هدا النوع أعطتني دافع إني ّ‬
‫أفكر باملوضوع‪ ،‬حلد سنة األلفني وواحد فاتت الشغلة‬
‫براسي”‪.‬‬
‫يشير ناصر‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬بشكل مباشر‪ ،‬إلى دوافع أخرى غير معلنة لهذا الزواج ترتكز في أساس‬
‫ّ‬
‫يستهل احلديث في هذا‬
‫اعتبار حاجات الرجل اجلنسية غير متناسبة مع حاجات املرأة اجلنس ّية‪ ،‬وهو‬
‫التوسع حول هذا‬
‫وسيتم‬
‫ثم يتط ّرق إلى وضعه هو بشكل غير مباشر‪،‬‬
‫ّ‬
‫اجلانب عن الرجال بشكل عام‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫املوضع في الفقرة القادمة‪.‬‬
‫اجلنسي‪:‬‬
‫“الع ّفة”‪ -‬تعدّد الزوجات للتحصني‬
‫ّ‬
‫رغم حتدّ ث حسن بشكل مستفيض عن تعدّ د الزوجات وموقفه منه واألسباب التي تدفع الرجال إلى‬
‫الشخصي‪ ،‬وهو لم يستطع التحدّ ث بشكل‬
‫ذلك‪ ،‬إال أنّه أبقى نقاشه في اإلطار العام بعيدً ا عن الدافع‬
‫ّ‬
‫مباشر وصريح عن السبب الذي جعله ميارس تعدّ د الزوجات‪ ،‬وعندما تط ّرق إلى السؤال الذي ألزمه‬
‫‪188‬‬
‫خصوصا‬
‫الشخصي واألسباب التي دفعته كرجل إلى الزواج من امرأة أخرى ‪-‬‬
‫بالتحدّ ث عن قراره‬
‫ً‬
‫ّ‬
‫أنّه شدّ د ساب ًقا على عدم اتخاذه هذا القرار بسبب مشاكل زوج ّية‪ ،‬كما فعل قبله صالح وناصر ‪ -‬فقد‬
‫ذكر ما يلي‪:‬‬
‫“في قضية تعدّ د الزوجات يستطيع اإلنسان أن ينوي تطبيق أمر مباح فيه ثواب من‬
‫خالل الستر‪ ،‬الستر على فتاة مستورة تربت في بيت الفضيلة‪ ،‬فاتها القطار‪ ،‬يستطيع‬
‫كذلك أن ينوي العفاف في هذا الزمن العصيب املليء باملعاصي على مستوى العياذ‬
‫بالله‪ ،‬يعني الكل بعرف اإلنسان املتد ّين هو بشر ليس نبي وال مالك والبشر معرض‬
‫للخطأ والصواب للمعصية وللطاعة‪ ،‬فهذا اإلنسان الذي ي ّتقي الله عز وجل في هذا الزمن‬
‫العصيب ال يجرؤ على أن يعصي الله تبارك وتعالى‪ ،‬لكن يستطيع أن يحصن نفسه مبا‬
‫أح ّله الله ‪ ..‬كثير من أصحابي قالوا لي ليه شو السيرة مرتك األولى منيحة وبنت عيلة‬
‫طبعا أميرة‪ ،‬قلتلهن لكن احلمد الله أ ّنها أميرة وهيك‬
‫ومتد ّينة‪ ،‬قلتلهن يعني أميرة؟ قالوا ً‬
‫بد ّور على كمان أميرة بصير عندي أميرتني”‪.‬‬
‫ستر املرأة والع ّفة هما الدافعان اللذان يذكرهما حسن لقراره تعدّ د الزوجات‪ .‬كانت زوجة حسن‬
‫عند زواجه الثاني حام ًال في الشهر السابع باالبن الرابع‪ّ ،‬‬
‫ويؤكد عدم وجود أي خالفات مع زوجته‪،‬‬
‫وبالطبع فإنّه يستند بذلك إلى التشريع الديني ويسوق موقفه فيتحدّ ث بلغة التم ّرس بالدين انطال ًقا‬
‫من مكانته كإمام مسجد ودارس لعلوم الشريعة‪ ،‬وبلغة الوعظ واإلرشاد يورد التالي‪:‬‬
‫تصرفاتنا‪ ،‬اعتقاداتنا وأقوالنا إلى تعاليم الدين اإلسالمي‪ ،‬دين‬
‫“نحن نعود بكل‬
‫ّ‬
‫جميع األنبياء ‪ ..‬وإلى القرآن الكرمي كالم الله تعالى واإلسالم الذي أباح تعدّ د‬
‫الزوجات بشرط العدل ألن رب العاملني قال‪“ :‬فانكحوا ما طاب لكم من النساء‬
‫مثنى وثالث ورباع فإن خفتم ّ‬
‫أال تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أميانكم”‪ ،‬والنبي‬
‫كذلك تز ّوج بأكثر من واحدة‪ ،‬والصحابى والصاحلون‪ ،‬لكن بحكم ابتعاد الناس في‬
‫هذه األ ّيام عن مصدر العزّ ة والكرامة وعن هذا الدين العظيم كثير من األمور‬
‫بالقوها غريبة باملجتمع‪ ،‬أنا استطيع أن أضرب عدة أمثلة بدون ذكر أسماء‪ ،‬كثير‬
‫بحجة‬
‫من رجال األعمال بطلعوا مثال على أوروبا‪ ،‬عالصني‪ ،‬على مصر‪ ،‬عاألردن ّ‬
‫األشغال‪ ،‬وزوجاتهم ال يعلمون ما يصنعون هناك‪ ،‬ربمّ ا الواحد يكون له مئة خليلة‬
‫السوي الذي ال يقترف وال يقترب من‬
‫أو صاحبة أما هدا مخفي ‪ ..‬لكن اإلنسان‬
‫ّ‬
‫احلرام يتز ّوج مثنى وثالث ورباع ويعدل وال يعصي الله تعالى في معصية واحدة‬
‫‪ ..‬كتير ناس بكون متال عندهن أعذار لكن خوفه من أهله ومن أهل زوجته ومن‬
‫‪189‬‬
‫املجتمع مبنعه‪ ،‬فيذهب للسفر بحجة التجارة ويرتكب املعصيات ويرجع إلى بيته‬
‫محترم موقر‪ ،‬قد يكون هذا الرجل ال يجد هذا الشيء في بيته إلن اإلنسان من‬
‫وجهة نظر إميانية يستطيع أن يتز ّوج اثنتني أو ثالث أو أربع وال يقترف معصية‬
‫وحرم أمور أخرى ‪ ..‬ولم يشترط اإلسالم إن‬
‫واحدة النه الشرع أباح تعدّ د الزوجات ّ‬
‫كانت الزوجة مريضة أو بها مثال شيء معني أو لم تنجب األطفال‪ .‬اإلسالم ليس‬
‫فقط في هذه احلاالت يبيح للرجل أن يعدّ د الزوجات وحتى لو لم يكن هناك أي‬
‫مرض أو أي سبب وإال قد يجد اإلنسان أن حياة النبي (صلعم) والصحابة الكرام‬
‫والسلف الصالح اللي هم قدوتنا‪ .‬وقال النبي ما يصلح آخر األمة إال من صلح به‬
‫أولها‪ ،‬واإلمام الغزالي كان يقول من له من الصحابة الثالث واألربع ومن كان له‬
‫اثنتان ال يحصوا ‪ ...‬إإلسالم أباح هذا األمر‪ ،‬نحن ال نفرضه‪ ،‬نقول فقط من استطاع‬
‫بشرط أن يعدل ‪ ..‬أنا أحتدّ ى أي رجل متز ّوج من امرأة واحدة في العشرين أو‬
‫الثالثني أو األربعني وال يطمح أو عالقليلة ّ‬
‫يفكر إنو يكون عنده زوجتني أو ثالث أو‬
‫أربعة‪ ،‬إذا كان متدي ًنا وإذا ما كان متدي ًنا‪ ،‬يبحث عن حلول فيها ما هو محظور أو‬
‫ما هو شرعً ا ‪ ..‬إلنسان مستقيم ال تكفي الرجل امرأة واحدة”‪.‬‬
‫يلتقي بذلك حسن مع ناصر في هذا اجلانب‪ ،‬فقد تط ّرق ناصر إلى هذا األمر قائ ًال‪:‬‬
‫“إذا منرجع من األول إنه الله سبحانه وتعالى أعطانا املسلمني حق نتجوز من ثنتني‬
‫وثالثة وأربعة حلكمة معينة مش عبث وإحنا لو رجعنا للوراء بعد احلروب كانوا ياخذوا‬
‫عشيقات‪ ،‬اليوم خلينا نحكي باحلالل‪ ،‬بالش نروح عاحلرام وحتى بعرف من ناس عن واحد‬
‫جتوز مرته عارضته وكانت تعاير فيه وهي بتعرف إنه‬
‫إللي جتوز من ثانية وساعة ما ّ‬
‫يتجوز‪ ،‬شوفي‬
‫جوزها كان يروح عند الروسيات وساكته ومش هاممها إنه بروح بس ممنوع‬
‫ّ‬
‫أما باحلالل ساعتها‬
‫الفرق بني الثنتني يروح عاحلرام يروح عالروسيات يعمل إللي بدّ و إياه ّ‬
‫هي عارضت”‪.‬‬
‫“إنّ مشكلة احلديث في قضايا املرأة ‪ -‬حريتها أو تعليمها أو مساواتها بالرجل‪ ،‬فض ًال عن ز ّيها‬
‫ومكانتها اإلنسانية في املجتمع ‪ -‬من منظور النصوص الدينية والفكر الديني‪ ،‬أنه حديث ّ‬
‫يظل مرتهنًا‬
‫بآفاق تلك النصوص من جهة‪ ،‬وينحصر في آل ّيات السجال مع أطروحات اخلطاب الديني العميقة‬
‫اجلذور في تربة الثقافة من جهة أخرى‪ ،‬وكال األمرين يؤدّي إلى حصر املناقشة في إطار ض ّيق‪،‬‬
‫وهو إطار احلالل واحلرام‪ .‬وهو إطار ال يسمح بالتداول احل ّر لألفكار‪ .‬فضال عن أنّه إطار يحصرنا في‬
‫دائرة تكرار األسئلة القدمية املعروفة‪ ،‬األمر الذي يفضي بنا إلى االكتفاء بالوقوف عند حدود بعض‬
‫‪190‬‬
‫الديني القدمي أو الوسيط أو‬
‫اإلجابات اجلاهزة املعروفة سل ًفا في هذا الت ّيار أو ذاك من ت ّيارات الفكر‬
‫ّ‬
‫احلديث” (أبو زيد‪.)1999 ،‬‬
‫ُيعاد طرح مسألة “تعدّ د الزوجات” باستحياء‪ ،‬أحيانًا‪ ،‬وبشكل سافر‪ ،‬أحيانًا اخرى‪ ،‬في سياق‬
‫سجالي بوصفها أفضل أخالق ًّيا‪ّ ،‬‬
‫وأقل ضر ًرا من الوجهة االجتماعية‪ ،‬إذا قورنت بفوضى العالقات‬
‫ّ‬
‫العربي‪ ،‬ومن هم بعيدون عن‬
‫مبن يسلكون كما الغرب في املجتمع‬
‫اجلنس ّية احلرة في الغرب‪ ،‬أو َ‬
‫ّ‬
‫الدين والتد ّين من وجهة نظر اإلمام حسن والشيخ ناصر‪ .‬إنّ هذا اخلطاب يقسم املجتمع إلى قسمني؛‬
‫مؤمنني وك ّفار‪ ،‬والدفاع عن “تعدّ د الزوجات” في سياق املساجلة يقوم على افتراض‬
‫ضمني هو أنّ‬
‫ّ‬
‫اخلطاب ذاته الذي يك ّرره‬
‫“طبيعة” الرجال تختلف عن طبيعة النساء‪ .‬كما ردّد الرجال املشاركون‬
‫َ‬
‫جميع الكتّاب اإلسالميني سواء أكانوا من املتز ّمتني أو من املعتدلني‪ .‬إنّ قس ًما من األزواج يطرح‬
‫خطابه على استحياء وبحذر‪ ،‬كما فعل عمر في املقابلة معه‪ ،‬خو ًفا من أن يفهم بأنّه يدعو إلى تعدّ د‬
‫الزوجات‪ ،‬وهو ينطلق من كون تعدّ د الزوجات لديه أم ًرا استثنائ ًّيا أو ح ًال اضطرار ًّيا جاء بسبب‬
‫خالفاته الزوج ّية‪ ،‬وأنّ تعدّ د الزوجات لديه كان مبثابة تسوية ما بني حاجته ورغباته الشخصية وما‬
‫بني مصلحة أوالده التي تقتضي عدم تطليق والدتهم‪ ،‬ليرى في الزواج من امرأة أخرى ّ‬
‫حل وسط‬
‫يضم كال األمرين‪ .‬أ ّما عمر فيع ّبر عن حقّ الرجل في تعدّ د الزوجات‪ ،‬وعن صواب خياره في تعدّ د‬
‫ّ‬
‫زوجاته‪ ،‬من منطلق أنّه ّ‬
‫عملي خلالفاته الزوج ّية‪.‬‬
‫حل‬
‫ّ‬
‫يقوم ناصر وحسن وصالح مبناقشة قض ّية تعدّ د الزوجات من منطلق أيديولوجي يجعلهما يدعوان‬
‫بني أوساطهما إلى ممارسة هذه املنظومة من نافذة االختالفات البيولوج ّية التي جتعل العديد من‬
‫الرجال يتمتّعون بطاقة جنس ّية كبيرة ال تستطيع امرأة واحدة أن تل ّبيها‪ .‬وهنا ال بدّ من التذكير بأنّ‬
‫كليهما يلعبان أدوا ًرا فاعلة في املجتمع‪ ،‬فناصر هو عضو بلدية في إحدى املدن العرب ّية‪ ،‬وحسن هو‬
‫إمام مسجد في مدينة أخرى‪ ،‬وهما ال يتردّدان في العمل في أوساطهما على تشجيع تعدّ د الزوجات‪،‬‬
‫كل الرجال ‪ -‬يحتاجون إلى تعدّ د الزوجات ّ‬
‫مباح وأنّ هنالك رجا ًال ‪ -‬ليس ّ‬
‫كحل ملنع‬
‫باعتبار أنّه أمر ٌ‬
‫الزنى‪.‬‬
‫يتم حصر ّ‬
‫احلل في طرفني نقيضني‪ ،‬فإ ّما إباحة الزنا‪ ،‬وإ ّما إباحة تعدّ د الزوجات‪ ،‬ولتبرير‬
‫وهكذا ّ‬
‫يتم حتويل حاالت الشذوذ من وضع ّيتها الشاذة إلى قانون من قوانني‬
‫اإلجابة الضمنية في ب ّينة السؤال ّ‬
‫الوجود الثابتة‪ .‬وهي رغبتهم اجلنس ّية التي يدّ عون أنها أكبر من أن تل ّبيها زوجة واحدة‪ .‬بالنسبة إلى‬
‫أيضا بنقيضني‪ ،‬فإ ّما الطالق وضياع األوالد وهدم البيت‪ ،‬وإ ّما تعدّ د الزوجات‬
‫عمر فإنّ األمور ُتقاس ً‬
‫ّ‬
‫للحل ُتطرح من ضمنها إمكان ّية الطالق من الزوجة األولى‪ ،‬ودون أن‬
‫دون البحث عن صيغ أخرى‬
‫ً‬
‫ضياعا لألوالد‪.‬‬
‫تفكيكا للبيت أو‬
‫يعني هذا االنفصال‬
‫ً‬
‫‪191‬‬
‫مكتف جنس ًّيا‬
‫إنّ ك ًال من حسن وناصر وكذلك صالح يأتون باألسباب التي جتعل الرجل غير‬
‫ٍ‬
‫بزوجته من منطلق أنّ رغبات الرجل اجلنسية تفوق حاجات املرأة بسبب الطبيعة البيولوجية للمرأة‬
‫املختلفة عن طبيعة الرجل البيولوجية‪ .‬إنّ التركيز على اجلانب البيولوجي وجتاهل الشروط احملدّ دة‬
‫للوضع اإلنساني بشكل عام وللواقع االقتصادي‪ ،‬االجتماعي والفكري وما يفرزه من عالقات غير‬
‫متوازنة في شروط اإلنتاج‪ ،‬وبالتالي في وضعية الرجل واملرأة‪ ،‬يؤدّيان إلى الدخول في سجال تتحدّ د‬
‫إنساني‬
‫احلركة فيه من خالل هذا ال ُبعد الوحيد الذي يؤدّي‪ ،‬في الواقع‪ ،‬إلى نفي املرأة ككائن‬
‫ّ‬
‫ويتم بهذا حتويل اخللية الزوجية إلى خلية جنس ّية‪ ،‬ويصبح الرجال كائنات جنسية‬
‫واستبدالها بأنثى‪ّ ،‬‬
‫ويتم اختزال‬
‫ُتلقي على النساء في داخل هذه اخللية مه ّمة تلبية حاجات الرجال اجلنس ّية ال غير‪ّ ،‬‬
‫غريزي ال غير‪.‬‬
‫مفهوم الزواج والعالقة اجلنس ّية‪ ،‬بأبعادها العاطف ّية الوجدان ّية‪ ،‬إلى ازدواج‬
‫ّ‬
‫يعتقد ناصر‪ ،‬كما صالح‪ ،‬أنّ رغبة الزوجة األولى في املمارسة اجلنس ّية تتق ّلص مع تقدّ مها في‬
‫العمر‪ ،‬األمر الذي يجعل الرجل بحاجة إلى امرأة أخرى لسدّ حاجاته اجلنسية‪ ،‬وهذا ما يجعل عالقته‬
‫اجلنسية مع الزوجة األولى ّ‬
‫أقل من الزوجة الثانية‪ .‬يعتقد ناصر أنّ النساء‪ ،‬بشكل عام‪ ،‬ومع اقترابهنّ‬
‫أيضا‪ ،‬ال يبقني ف ّعاالت جنس ًّيا‪ .‬وهو يقول‪“ :‬ما‬
‫من سنّ اخلمسني من العمر‪ ،‬وربمّ ا قبل ذلك بكثير ً‬
‫ّ‬
‫ومروا بوالدات عندهن رغبة جنسية عادية‬
‫بفكر إنه النساء إللي ممكن يكونوا أمهات ّ‬
‫زيهن زي أزواجهن ‪ ..‬بالنسبة للمرأة وبسبب الوالدات وكونهن أمهات بتصير قضية‬
‫اجلنس أمر ثانوي بحياتهن‪ ،‬املرأة بعد الوالدات وهموم الدنيا بتربية األوالد اجلنس بصير‬
‫مبرتبة متأخرة عندها‪ ،‬بتصير بس بدها ترضي زوجها بهدا اجلانب”‪.‬‬
‫بعد أن ط ّلق ناصر زوجته الثانية ألنّها لم تلد عاد وتز ّوج م ّرة ثالثة‪ ،‬ليخلط بذلك بني رغبته في‬
‫بتجوز‬
‫اإلجناب وبني حاجاته اجلنس ّية التي يعتقد أنّ زواجه الثاني قد ح ّفزها‪ .‬وهو يقول‪“ :‬إللي‬
‫ّ‬
‫ثنتني أو ثالثة صعب يرجع عند مرا واحدة‪ ،‬برجع كأنه عزابي‪ ،‬بشعر الواحد إنه في عنده‬
‫طبعا أنا برجع للسبب األ ّول إنه بدّ ي أوالد وبجوز زادت عندي‬
‫نقص من ناحية ِعشرة ‪ً ...‬‬
‫الرغبة بالقضية هاي”‪ .‬ويقصد ناصر بقوله “بالقض ّية هاي” املمارس َة اجلنس ّية التي يعتبرها‬
‫مكس ًبا من مكاسب تعدّ د زيجاته‪ ،‬باإلضافة إلى إجناب األوالد‪.‬‬
‫يك ّرر حسن ما ذكره ساب ًقا ناصر وصالح‪ ،‬فأحد األسباب التي تدفع الرجال إلى تعدّ د الزوجات‬
‫حسب رأيه هو حاجة الرجل اجلنسية التي تفوق حاجة املرأة‪ ،‬ولذا فإنّ زوج ًة واحد ًة ال تسدّ احتياجات‬
‫الرجل اجلنس ّية‪ .‬وهو يقول‪:‬‬
‫‪192‬‬
‫“يعني اليوم مثال امرأة مع ّينة في فترة احلمل في شهرها السادس أو السابع‬
‫أو الثامن والتاسع‪ .‬في خالل هذه الشهور األربعة وفترة النفاس أربعني يوم وهدا‬
‫كمان شهر وفترة الرضاعة‪ ،‬إذا منجمعهن على بعض خالل هاي الفترة تستطيع‬
‫املرأة أن تتخ ّلى عن غريزتها اجلنسية تخليا شبه كامل‪ ،‬في هذه الفترة ماذا يفعل‬
‫الرجل املتد ّين؟؟ إذا هو يريد االستقامة وطاعة الله‪ ،‬واإلسالم أعطى احللول وأباح‬
‫تعدّ د الزوجات بشرط أن يعدل وهو يستطيع شو املانع؟؟ غير املتد ّين ال تفرق‬
‫معه‪ .‬أناس غير متدينني ما بتفرق معهن بهاي الفترة أو بغيرها فهو يتوجه لطرق‬
‫ومجاالت أخرى”‪.‬‬
‫مي ّثل حسن وناصر في هذه املواقف الكثي َر من الرجال‪ ،‬وميكن التو ّقف هنا عند ما ُذكر أعاله‪،‬‬
‫فث ّمة العديد من القضايا التي ُطرحت‪ .‬القض ّية األولى هي حسمهما التا ّم لسلبية النساء اجلنسية‬
‫مقابل فاعلية األزواج‪ ،‬وعدم قدرتهما على رؤية املرأة أ ًّما وامرأ ًة في الوقت نفسه‪ .‬فاألمومة تعني أنّ‬
‫سن طاقاتهنّ ألوالدهنّ ‪ ،‬حسب اعتقادهما‪ .‬أ ّما القضية‬
‫ني عن فاعل ّيتهنّ اجلنسية ويك ّر َ‬
‫النساء يتخ ّل َ‬
‫الثانية فتظهر في حتميل حسن وناصر املسؤولية الضمنية للنساء عند خيانة أزواجهما لهما‪ ،‬وبالتالي‬
‫إعفاء الرجال من مسؤولية االلتزام جتاه الزوجات‪ ،‬بل هنالك توجيه مباشر للنساء بعدم التقوى وعدم‬
‫السير وفق تعاليم الدين‪ ،‬فاملرأة التي تعلم بقيام زوجها مبمارسة الزنى مع نساء أخريات وترفض‬
‫أن يقوم زوجها بالزواج من أخرى تصبح إنسانة متّهمة بالتقصير دين ًّيا‪ ،‬وتصبح هي املسؤولية عن‬
‫ارتكاب زوجها هذه املعصيات‪.‬‬
‫عند تط ّرقه إلى االختالفات البيولوجية يتحدّ ث ناصر ّ‬
‫مؤكدً ا وجود هذه االختالفات وتبعاتها‪ ،‬وهو‬
‫يتناول هذا املوضوع بشكل مشابه ملا ع ّبر عنه حسن‪ .‬يقول‪:‬‬
‫“ملا املرا بجيها ولدين أو تالتة بتبطل تتفضى لزوجها بتصير تتفضى لوالدها‪ ،‬لهذا‬
‫السبب اليوم الرجل بصير يشوف شغالت بالشارع وبالتلفزيون وبكل محل إللي‬
‫طبعا مش‬
‫بتثيره من ناحية جنس ّية وبدّ و يشبع رغباته ‪ ..‬امرأة واحدة ما بتكفي‪ً ،‬‬
‫لكل الرجال‪ ،‬في بعض الرجال ال تكفيهم امرأة واحدة‪ ،‬وباألخص ساعة ما بصير‬
‫مشرع الزواج بأربعة‪ .‬حتى لو تز ّوج الثانية وايضا صار‬
‫عندهم والد ‪ ..‬وعشان هيك‬
‫ّ‬
‫في أوالد ‪ ..‬الرجل من ناحية جنسية يختلف عن املرأة”‪.‬‬
‫عمل ًّيا‪ ،‬يقوم ناصر بالتط ّرق إلى االختالفات في األدوار االجتماعية وليس في األدوار البيولوجية‬
‫التي ال تتع ّلق بالفروق في احلاجة اجلنسية‪ ،‬بل بالفروق في األدوار النمطية للمرأة والرجل دون‬
‫‪193‬‬
‫أن يدرك الفرق بني االثنني‪ ،‬ودون أن يرى أنّ عدم إعادة صياغة األدوار بني اجلنسني وعدم حت ّمل‬
‫الرجل‪-‬األب لدور الرعاية هو ما يجعل الكثير من الزوجات منهكات جسد ًّيا ّ‬
‫وأقل فعالي ًة جنس ًّيا‪.‬‬
‫تبدأ الدعوة إ ًذا من “عدم املساواة” في حقائق بيولوجية عن الفروق النوعية بني الرجل واملرأة‪،‬‬
‫ومن اختزال املرأة‪ /‬اإلنسان إلى “أنثى”‪ .‬يرى ابو زيد إنّ مثل هذا الطرح للمشكلة يقدّ م تبري ًرا‬
‫أكثر ممّا يقدّ م تفسي ًرا‪ .‬فتفسير تلك السيادة التاريخ ّية للذكر على األنثى يجب أن ينطلق من‬
‫إنثربولوجيا التط ّور ال من “الطبيعة” البيولوجية واالرتكاز على مشاهدات املجموعة احليوانية‪،‬‬
‫صحت هذه املشاهدات أص ًال‪ .‬فقياس اإلنسان على احليوان يتجاهل حقيقة كون اإلنسان كائنًا‬
‫إن ّ‬
‫طبيعي‪ .‬لكن علينا أن نق ّرر‬
‫ثقاف ًّيا‪ .‬ونتيجة ملثل ذلك الطرح يتح ّول “التعدّ د” – الشذوذ ‪ -‬إلى قانون‬
‫ّ‬
‫البيولوجي‪ ،‬الذي ال تاريخ له سوى تاريخه‬
‫اإلنساني في إطار الكائن‬
‫أنّ ذلك الطرح يختزل الوجود‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫الطبيعي‪ ،‬وال ثقافة له تفصل تاريخه عن تاريخ الكائنات الطبيعية األخرى‪ .‬إن القول بأن “الذكر”‬
‫ّ‬
‫جنسي أعلى من درجة نهم األنثى‪ ،‬وذلك بسبب انشغال األنثى لفترة تطول أو‬
‫يتمتّع بدرجة نهم‬
‫ّ‬
‫تقصر بعمل ّية “اإلجناب”‪ ،‬سواء عن طريق احلمل أو عن طريق احتضان البيض‪ ،‬هو قول ال دليل‬
‫علم ًّيا عليه‪ .‬أ ّما االستناد إلى واقع حت ّول “اجلنس” إلى جتارة في بعض املجتمعات‪ ،‬فهو بدوره يغفل‬
‫حقيقة املشكلة في تلك املجتمعات‪ ،‬ويكتفي باتخاذ هذه األوضاع املخزية مب ّر ًرا لتقنني امتهان املرأة‪.‬‬
‫إنّه حتليل مسجون في سجن البيولوجيا التي يتعامل معها باعتبارها “جوهر الوجود اإلنساني”‪،‬‬
‫حيث تتح ّول القضية إلى قضية “الذكر واألنثى‪ ،‬في حني أنّ القض ّية هي قضية “الرجل واملرأة”‪،‬‬
‫ثقافي اجتماعي تاريخي (أبو زيد‪.)228 :1999 ،‬‬
‫وهي قض ّية ذات بعد‬
‫ّ‬
‫ينطلق جميع الرجال املشاركني الذين تط ّرقوا إلى اجلنس وإلى حياتهم اجلنسية في البحث‬
‫معتبرين أنفسهم رجا ًال يتمتّعون بطاقة جنسية تفوق بشكل كبير الطاقة اجلنسية لدى زوجاتهم‪،‬‬
‫ديني مردّه خطاب احلالل‬
‫األمر الذي يس ّوغ بالتالي تعدّ د زوجاتهم‪ُ ،‬مغ ّلفني هذا التسويغ بخطاب ّ‬
‫الديني‪ ،‬وبا ّتباعهم التعاليم‬
‫واحلرام‪ ،‬فهم بخطوتهم هذه يقومون بتحصني أنفسهم ضمن اإلطار‬
‫ّ‬
‫الدينية التي جتيز لهم ذلك فهم ال يرتكبون املعصيات كغيرهم من الرجال الذين يقيمون عالقات‬
‫ارسن‬
‫َ‬
‫جنس ّية خارج إطار الشرع والدين من خالل اتخاذهم عشيقات لهم أو تردّدهم على نساء يمُ‬
‫الدعارة‪ .‬ينطلق الرجال من هذا اخلطاب بادّعاء أنّ الزوجات سالبات غير ف ّعاالت جنس ًّيا‪ ،‬األمر الذي‬
‫يجعل من اتخاذهم زوجة أخرى مبثابة ّ‬
‫شرعي لسدّ احتياجاتهم اجلنس ّية‪.‬‬
‫حل‬
‫ّ‬
‫‪194‬‬
‫ثنائ ّية املرأة ‪ -‬ما بني العذرية والغواية‬
‫خضم تناولهم هذا اجلانب‪ ،‬أسبا ًبا أخرى عامة تدفع نحو تعدّ د الزوجات‪،‬‬
‫يضيف املشاركون‪ ،‬في‬
‫ّ‬
‫ومنها الغواية التي يتع ّرض لها الرجل من قبل املرأة‪ .‬يرتبط هذا السبب بسبب سابق صاغه حسن‬
‫ضمن احلديث عن “الع ّفة”‪ ،‬وهو يتط ّرق‪ ،‬مع آخرين غيره‪ ،‬إلى موضوع الغواية الذي ّ‬
‫مت طرحه‪،‬‬
‫أيضا‪ ،‬في املجموعات البؤر ّية بنفس املضمون والشكل‪ ،‬بحيث تص ّور املرأة كمبعث لإلغراء‪ ،‬األمر‬
‫ً‬
‫الذي يخرج الرجل عن سيطرته ويح ّفز غريزته اجلنسية‪ ،‬وهو ما يقتضي اللجوء للتحصني‪ ،‬وتعدّ د‬
‫الزوجات هو إحدى وسائل التحصني‪.‬‬
‫يقوم ناصر باحلديث عن املرأة كمصدر للغواية‪ ،‬وكسبب يدفع الرجل إلى الزواج من أجل حتصني‬
‫نفسه‪ ،‬وهو يأتي بحادثة معتب ًرا أنها “نكتة”‪ ،‬لكي يوصل رسالته‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫مرة‬
‫“في نكتة عن مرا كل يوم الصبح كانت تصحى تالقي كتفها مبلول‪ ،‬قالت ّ‬
‫بدّ ي أشوف من وين بتيجي املي هاي‪ .‬املغرب ّ‬
‫حطت راسها وعملت حالها نامية‪ ،‬أجا‬
‫زوجها نام جنبها وفتح التلفزيون‪ ،‬صار يشوف املذيعات وكل ما يغ ّير من محطة‬
‫ّ‬
‫حملطة يقول هاي النسوان ويتف على مرته ‪ ..‬يعني األشياء إللي بشوفها الواحد‬
‫بالشارع وبالتلفزيون بدّ و حل إلها‪ ،‬يا بفتش عليها باحلالل يا بفتش عليها باحلرام”‪.‬‬
‫“يتم ّيز املجتمع اإلسالمي بتناقض بني ما ميكن نعته بـ”نظرية علنية” وأخرى “ضمنية” عن‬
‫احلياة اجلنسية‪ ،‬أي بنظرية مزدوجة عن ديناميكية اجلنسني‪ .‬وتتم ّثل األولى في االعتقاد السائد‪،‬‬
‫في الوقت احلاضر‪ ،‬بأنّ حياة الرجل اجلنسية تتّسم بطابع ف ّعال‪ ،‬في حني أن حياة املرأة اجلنسية‬
‫اإلسالمي من خالل ُم َّؤلف‬
‫هي ذات طابع سالب‪ ،‬وتتّضح النظرية “الضمنية” املكبوتة في الالوعي‬
‫ّ‬
‫اإلمام الغزالي الهام “إحياء علوم الدين”‪ ،‬حيث يرى فيه أنّ احلضارة مجهود يهدف إلى احتواء‬
‫سلطة املرأة الهدّ امة والكاسحة‪ .‬ولذلك‪ ،‬يجب ضبط النساء لكي ال ينصرف الرجال عن واجباتهم‬
‫ترسخ الهيمنة الذكورية عن طريق‬
‫االجتماعية والدينية‪ ،‬كما أنّ بقاء املجتمع ره ٌ‬
‫مؤسسات ّ‬
‫ني بخلق ّ‬
‫ميكانيزمات‪ ،‬من ضمنها الفصل بني اجلنسني وتعدّ د زوجات املؤمن” (املرنيسي‪.)2001 ،‬‬
‫تلقي املرنيسي الضوء‪ ،‬في احلقيقة‪ ،‬على اعتراف املجتمع اإلسالمي بفاعلية املرأة اجلنسية بشكل‬
‫املسيحي وكما تص ّوره النظرية الفرويدية في‬
‫ضمني لتختلف بذلك ع ّما يظهر في التقليد الغربي‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫النفسي لسلبية املرأة اجلنسية‪ .‬وتضيف أنه إذا تت ّبعنا النظرية الضمنية حول حياة املرأة‬
‫التحليل‬
‫ّ‬
‫اجلنسية‪ ،‬حسب آراء الغزالي‪ ،‬سنرى أنّ املرأة تلعب دور الصائد والرجل دور الفريسة السلبية بينما‬
‫‪195‬‬
‫متنح النظرية املعلنة ‪ّ -‬‬
‫املاشية (‪ - )machismo‬الرجل دور الصائد واملرأة دور الفريسة‪ ،‬وهذه‬
‫ّ‬
‫متجذرة بعمق في‬
‫يتم التعامل معها في الوقت الراهن لدى الرجال والنساء‪ ،‬ألنّها‬
‫النظرية هي التي ّ‬
‫دوني‬
‫التص ّور الذي ميلكونه عن ذواتهم‪ .‬وفي حني ّ‬
‫يتم النظر إلى املرأة في النظرية املعلنة ككائن ّ‬
‫وضعيف‪ ،‬فإنّ اإلمام الغزالي يعتبر أنها أكثر العناصر تهديدً ا للنظام االجتماعي‪ .‬ولذلك‪ ،‬يبدو النظام‬
‫االجتماعي كما لو أنه محاولة هادفة إلى كسر شوكة هذه السلطة وجتميد مفعولها‪ .‬إنّ املجتمعات‬
‫التي تعمل على إنقاذ الع ّفة قبل الزواج بعزل الفتاة العذراء وفرض كافة التقييدات على حركتها‪ ،‬أو‬
‫باللجوء إلى الوسائل اخلارجية كوضعها احلجاب‪ ،‬هي مجتمعات تتص ّور ضمن ًّيا أنّ دور املرأة ف ّعال‪،‬‬
‫في حني أنّ تلك التي ال متارس مراقبة على املرأة وال تفرض ضوابط عليها وحتدّ د سلوكها تعتبره‬
‫سلب ًّيا (املرنيسي‪.)2001 ،‬‬
‫اجلنسي‪ ،‬وحتديدً ا خارج‬
‫إنّ أحد متظهرات غياب الفهم املتبادل بني اجلنسني يكمن في اعتبار الفعل‬
‫ّ‬
‫إطار الزواج‪ ،‬من مسؤول ّية املرأة وحدها‪ ،‬بينما ُيص ّور الرجل ك َمن ال حول له وال ق ّوة في هذا السياق‪.‬‬
‫صارخ‪ ،‬فمن جهة يص ّور ناصر‬
‫يوقع هذا اخلطاب بعض الرجال املشاركني‪ ،‬ومنهم ناصر‪ ،‬في تناقض‬
‫ٍ‬
‫املرأة الزوجة أنّها سلبية جنس ًّيا وغير قادرة على سدّ احتياجات زوجها‪ ،‬وهو ما يحتّم تعدّ د الزوجات‪،‬‬
‫ومن جهة أخرى يقوم بعرض املرأة كف ّعالة جنس ًّيا‪ ،‬بحيث تغوي الرجل‪ ،‬وهي مغرية وخادعة‪ ،‬و ُيعتبر‬
‫الرجل أكثر حساسية وعرض ًة للغواية جتاهها‪ .‬إنّ هذا األمر يتناقض مع فلسفة قوامة الرجال على‬
‫النساء التي يلجأون إليها‪ .‬فناصر وحسن ورجال آخرون في البحث انطلقوا من اعتبار أنفسهم‬
‫يتمتّعون بقدرات عقل ّية ومبهارات حياتية تفوق قدرات ومهارات النساء‪ ،‬األمر الذي يجعلهم أقدر‬
‫منطي للنساء مقابل‬
‫على إدارة شؤونهم وشؤون النساء‪ .‬تعزو هذه الفلسفة صفة “العاطف ّية” بشكل‬
‫ّ‬
‫“العقالنية” للرجال‪ ،‬وهو ما يستحضر تساؤ ًال تلقائ ًّيا عن سبب عدم فاعل ّية هذه العقالن ّية وهذا‬
‫التم ّرس وهذه القدرة في السيطرة على عدم االنفعال والتص ّرف مقابل غواية النساء‪.‬‬
‫التوجه يحمل في ط ّياته تقسي ًما منط ًّيا راسخً ا في الذهنية الذكورية‬
‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬إنّ هذا‬
‫ّ‬
‫ُتقسم النساء وف ًقا له إلى صنفني‪ :‬نساء سلبيات و”فاضالت” مقابل نساء غير فاعالت جنس ًّيا‬
‫و”مغويات”‪ ،‬وهي نظرة تتّصف بالشيزوفرينيا االجتماع ّية كما تصفها املرنيسي (‪،)245 :2004‬‬
‫احلب واجلنسان ّية‪ :‬فالرجل يجعل الزوجة‬
‫وتنبع من االنفصام التام الذي يقيمه النظام البطريركي بني ّ‬
‫التي “يحترمها” جامدة وباردة‪ ،‬ويختار ملتعته امرأة من “مكانة أدنى”‪ ،‬أي اجلارية في املاضي‬
‫والبغي في وقتنا احلالي‪ ،‬لتكون النتيجة احلتمية لهذا االنفصام العنّة التي حدّ دها فرويد بوصفها‬
‫ظاهرة سيكولوجية يعجز فيها الرجل عن أداء الفعل اجلنسي مع الشريكة التي تعتبر “مثالية”‪،‬‬
‫اجلنسي إال مع امرأة يشتريها أو‬
‫تب ًعا ملعاييره اخلاصة‪ ،‬والتي يحترمها‪ ،‬وال يستطيع القيام بالفعل‬
‫ّ‬
‫باثالوجي ألشخاص ال يقدرون على تشويه أنفسهم مبا فيه الكفاية ليصبحوا مكتملي‬
‫يحتقرها كفعل‬
‫ّ‬
‫‪196‬‬
‫الرجولة تب ًعا لنظام يخاف جسد املرأة‪ .‬وبذلك‪ ،‬يح ّول الرجال أنفسهم إلى قذارة لتلويث شريكاتهم‪،‬‬
‫وحتقيري‪ ،‬فالعذراء التي فقدت عذر ّيتها‬
‫تدميري‬
‫ولنفس السبب يح ّولون الفعل اجلنسي إلى فعل‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫اخلرافي من بني الركام أكثر نقا ًء ورجول ًة‪.‬‬
‫منحطة‪ ،‬أ ّما الرجل فيخرج كطائر العنقاء‬
‫تصبح امرأة‬
‫ّ‬
‫تتابع املرنيسي (‪ )2004‬في املقال نفسه مع ّرف ًة هذه احلالة سيكولوج ًّيا بالشيزوفرينيا‪ ،‬حيث يعيش‬
‫فصامي‪ ،‬على درجة من الكلية والشمولية‪ ،‬بحيث ال يستطيع األفراد من الرجال‬
‫الرجال في تناقض‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫اجلنسي‬
‫الفعل‬
‫وال مجتمعات بر ّمتها قبوله كأمر صحيح دون تدمير ذاتهم‪ .‬تك ّرس هذه الوضعية‬
‫َّ‬
‫كفعل بطريركي لرجل لم يتخ ّلص من اخلوف املرعب لتفاهته فيما يتّصل باأل ّم الواهبة للحياة‪ ،‬والذي‬
‫ٍ‬
‫لم يصبح أبدً ا بالغًا مبا فيه الكفاية لرؤية املتعة اجلنسية كعالقة بني أنداد متساوين وليس كآل ّية‬
‫لفرض تراتبية وفرض سلطة وفرض سيطرة‪ ،‬وبالتالي التجريد من اإلنسانية‪.‬‬
‫إنّ اخلطاب الذي يدعو إلى تعدّ د الزوجات من منطلق مواجهة الغواية التي يتع ّرض لها الرجل‬
‫كمرادف للشيطنة‪ ،‬ويح ّولها‬
‫بسبب املرأة وما تب ّثه من شهوة وفتنة هو خطاب يتعامل مع األنوثة‬
‫ٍ‬
‫إلى كائن مح ّرك للغرائز وباعث على الفتنة‪ ،‬ليلقي بذلك مسؤولية عدم قدرته على تهذيب غريزته‬
‫اجلنسية‪ ،‬حتى يصبح ّ‬
‫احلل الوحيد هو تعدّ د الزوجات‪ ،‬وفرض احلجاب وكل ما كان ميارسه العربي‬
‫البدوي في اجلاهل ّية‪ .‬إنّه املعادل املوضوعي لعملية “الدفن” على سطح األرض مقابل الوأد اجلاهلي‬
‫الفقهي األثير “درء املفاسد مقدم على‬
‫كما يراه أبو زيد (‪ )1999‬در ًءا مقدّ ًما للشبهات وعم ًال باملبدأ‬
‫ّ‬
‫جلب املصالح”‪ ،‬والذي يعني جوهر ًّيا احملافظة على احلال كما هي‪ ،‬مهما كان حجم التخ ّلف‪ ،‬إذا كانت‬
‫احلركة وحتقيق املصلحة يحتمالن – مج ّرد احتمال ‪ -‬أن يفضيا إلى بعض املفاسد‪.‬‬
‫ازدياد عدد اإلناث على الذكور‬
‫تتماشى األسباب والدوافع األخرى التي يوردها الرجال لتعدّ د الزوجات مع ما سبق أن أوردوه من‬
‫أسباب دفعتهم شخص ًّيا إلى الزواج‪ ،‬وهي تنطلق من نفس املنطلقات التي ّ‬
‫متت االشارة إليها في‬
‫البداية‪ ،‬ومن صميم فلسفة القوامة‪ ،‬حتديدً ا‪ .‬يأتي اإلمام حسن بسبب آخر يستدعي تعدّ د الزوجات‪،‬‬
‫وهو تف ّوق عدد اإلناث على عدد الذكور‪ ،‬وهو يقول‪:‬‬
‫“هنالك عدّ ة أحكام وعدة حكم وعدة إيجابيات يعني إذا بدنا نتناول القضية‬
‫بحديث النبي (صلعم) عندما أخبرنا في الزمان يقل الرجال وتكثر اإلناث عالذكور‬
‫حتى يكون ألربعني امرأة قيم واحد‪ ،‬روحي عاملستشفى شوفي املواليد قدّ يش‬
‫نسبة اإلناث عالذكور يعني إذا اإلنسان ضل عواحدة خلينا ننظر للموضوع شوفي‬
‫‪197‬‬
‫الزيادة ملا اإلنسان بوخد أربعة‪ ،‬قديش هيك منقضي على نسبة العوانس املوجودات‬
‫في املجتمع‪ .‬في فتيات صار عمرهن ثالثني وأربعني وعباب الله‪ ،‬تضلها هيك ّ‬
‫وال‬
‫تفوت عواحدة كزوجة رابعة وتنجبلها ولد ولدين ‪ ..‬اإلحصائيات بتقول إنه نسبة‬
‫النساء سبعة على واحد‪ ،‬يعني على ّ‬
‫كل ألف رجل في قبالهن سبعة آالف امرأة‪،‬‬
‫على مستوى مصر ومستوى أندونيسيا واجلزائر والعراق‪ ،‬فوتي على أي بيت‬
‫وشوفي قديش عدد البنات فيه”‪.‬‬
‫يك ّرر حسن هنا نفس اإلدعاءات التي تطرحها األدب ّيات ووسائل اإلعالم املختلفة التي ينكشف‬
‫لها املجتمع الفلسطيني‪ ،‬وتلك اخلطابات التي تتردّد بكثافة في املجتمعات العربية من خالل كتّاب‬
‫إسالميني وشخصيات ُيعتبرون مرجع ّيات دينية مه ّمة‪ ،‬وهم يعدّ دون أهداف التعدّ د وغاياته ُمعتمدين‬
‫الصحة‪ .‬يرى الشعراوي‪ ،‬كما تشير‬
‫على معطيات أظهرت اإلحصائ ّيات العلم ّية أنّ ال أساس لها من‬
‫ّ‬
‫يقبلن‬
‫ميني (‪ )Yamani, 2008‬في تط ّرقه إلى النسبة الكبيرة من النساء غير املتز ّوجات واللواتي‬
‫َ‬
‫أن يكنّ زوجات ثانيات‪ ،‬أنّ هذه الصيغة هي األمثل‪ ،‬إذ متنحها الشرف واالحترام وتسدّ احتياجاتها‬
‫بشكل شرعي‪ .‬وفي هذا املعرض لم يتط ّرق الشعراوي إلى آالف الشباب املصري العاجزين‪ ،‬بسبب‬
‫األوضاع االقتصادية‪ ،‬عن تأسيس بيت مع امرأة من هؤالء النساء غير املتز ّوجات‪ ،‬رغم أنّه يرى أنّ‬
‫احلل األمثل لهؤالء النساء وهو ّ‬
‫تعدّ د الزواج هو ّ‬
‫احلل للحدّ من الزنى‪.‬‬
‫وطني‪:‬‬
‫تعدّد الزوجات كفعل ّ‬
‫يشير ناصر إلى تعدّ د الزوجات كـ”دافع وطني”‪ ،‬وهو يشرح ذلك كما يلي‪:‬‬
‫“الزواج من امرأة تانية مش بس ممكن يكون بهدف اإلجناب‪ ،‬في رجال بتطلعوا‬
‫على املوضوع من ناحية وطنية‪ ،‬اليوم إحنا مشكلتنا مع إسرائيل في العامل‬
‫الدميوغرافي‪ ،‬عند الفلسطينيني مش رح تصير دولة إنسي املوضوع‪ ،‬مشكلتنا مع‬
‫إسرائيل قض ّية العدد”‪.‬‬
‫ويتم توظيفها في تشريع تعدّ د الزوجات‪.‬‬
‫يبدو أنّ دعوة عضو الكنيست عباس زكور تلقى صدً ى ّ‬
‫وطني‪ ،‬متاما كما فعل عضو الكنيست عباس‬
‫فناصر‪ ،‬عمل ًّيا‪ ،‬يقوم بتغليف تعدّ د الزوجات بغالف‬
‫ّ‬
‫ناري‪ ،‬على تصريحات أفيغدور ليبرمان‪،‬‬
‫منصة الكنيست عام ‪ ،2006‬حني ردّ‪ ،‬بشكل ّ‬
‫زكور من على ّ‬
‫منصة‬
‫زعيم حزب املعارضة في حينه‪ ،‬يسرائيل بيتينو‪ ،‬بقوله‪“ :‬أدعو اجلماهير العربية من على ّ‬
‫‪198‬‬
‫اإلستراتيجي‪ ،‬ومبا أنّ اإلسالم يجيز الزواج بأكثر من امرأة واحدة‪،‬‬
‫الكنيست إلى استعمال املصنع‬
‫ّ‬
‫فأقول إنّه ور ّدًا على تصريحات ليبرمان يجب أن يتح ّول املسموح إلى واجب وخاصة في هذه الدولة‪،‬‬
‫وأدعوكم إلى الزواج من أكثر من امرأة واحدة وعلى ّ‬
‫كل امرأة إجناب أكثر من عشرة أوالد”‪.51‬‬
‫يحاول ناصر حتويل تعدّ د الزوجات إلى ممارسة “مقاومة” في دولة ال تسمح بتعدّ د الزوجات‬
‫ومتارس سياسة عنصرية منهجية جتاه األقلية الفلسطينية‪ .‬ويرى حسن أنّ عدم اتساع‪ ،‬أو تراجع‪،‬‬
‫قض ّية تعدّ د الزوجات في مراحل سابقة يعود إلى االبتعاد عن االلتزام بالدين‪ .‬ير ّبي حسن أوالده‬
‫الديني هو أمر‬
‫على االلتزام بالدين‪ ،‬ولذلك فبالنسبة له إنّ التزام بناته الشابات وزوجاته اللباس‬
‫ّ‬
‫أي ثمن ميكن أن يعرض عليه‪ .‬تتع ّلم بنات حسن في اجلامعات‬
‫حتمي‪ ،‬وال ميكن أن يستبدله مقابل ّ‬
‫ّ‬
‫اإلسرائيل ّية‪ ،‬وإحداهنّ على وشك إنهاء دراستها في معهد التخنيون‪ ،‬أ ّما االبنة الثانية فستبدأ‬
‫دراستها اجلامعية في إحدى الك ّليات قري ًبا‪ ،‬وهو يتحدّ ث عن إجنازاتهنّ الدراس ّية بفخر‪ ،‬شرط أن‬
‫يتم ذلك من خالل تبنّي منط حياة متد ّين‪ ،‬ومن خالل رفض مظاهر التح ّرر واالنفتاح‪ ،‬لذلك فهو لم‬
‫ّ‬
‫بأي حال من األحوال أن تخرج احدى بناته في رحلة مدرس ّية مع مبيت‪ ،‬وينحصر‬
‫يسمح وال يقبل ّ‬
‫خروجهنّ إلى احل ّيز العام من أجل حتصيل العلم‪ ،‬فقط‪ .‬ومتا ًما كما يح ّول حسن قضية ارتداء زوجته‬
‫وبناته احلجاب إلى صراع قوى بني التعاليم اإلسالمية والتراث اإلسالمي والعادات واألصول وبني‬
‫غربنة الدولة اإلسرائيلية جلعلها ساحة مقاومة سياسية بني الدولة والفلسطيني في إسرائيل‪ ،‬فهو‬
‫األساسي فيها‪.‬‬
‫يعرض تعدّ د زوجاته كعالمة أخرى من عالمات هذه املقاومة التي يبدو أنّه الرابح‬
‫ّ‬
‫موقع أمان ‪ -‬املركز العربي حول العنف ضد املرأة‪ .‬مقال بعنوان "حركة السوار ترفض تصريحات النائب زكور التي‬
‫‪51‬‬
‫اعتبر فيها املرأة مصن ًعا إستراتيج ًيا لإلجناب"‪.‬‬
‫‪199‬‬
‫ّ‬
‫حكري للزوج‬
‫احملور الرابع‪ :‬الزواج قرار‬
‫يرى أبو زيد (‪)1999‬أنّ اخلطاب املنتج حول النساء في املجتمعات العربية املعاصرة هو خطاب‬
‫وعنصري‪ ،‬فهو يتحدّ ث عن مطلق املرأة‪ /‬األنثى ويضعها في عالقة مقارنة مع‬
‫طائفي‬
‫في مجمله‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫مطلق الرجل‪ /‬الذكر‪ .‬وحني حتدّ د عالقة ما أنّها بني طرفني متقابلني أو متعارضني‪ ،‬ويلزم وفقها‬
‫ضرورة خضوع أحدهما لآلخر واستسالمه له ودخوله طائ ًعا منطقة نفوذه‪ ،‬فإنّ من شأن الطرف‬
‫الذي يتص ّور نفسه مهيمنًا أن ينتج خطا ًبا طائف ًّيا عنصر ًّيا ّ‬
‫بكل معاني األلفاظ الثالثة ودالالتها‪ .‬ليس‬
‫هذا شأن اخلطاب الديني وحده‪ ،‬بل شأن اخلطاب الشعبي واإلعالمي السائد شعب ًّيا وإعالم ًّيا‪.‬‬
‫لهذا اخلطاب جذوره في بنية الثقافة العربية بكافة روافدها وجت ّلياتها وبكامل مستوياتها‪ ،‬وهو‬
‫ّ‬
‫يؤكد الدالالت املستنبطة على مستوى بنية الوعي اإلنساني‪ .‬لم يلتفت الرجال املشاركون في البحث‬
‫في قرارهم الزواج من امرأة ثانية ملوقف الزوجة األولى‪ ،‬باعتبار أنّ موقفها غير قابل لألخذ باحلسبان‬
‫عادي وعابر‪ ،‬والزواج بامرأة ثانية ال يحمل‬
‫من قبلهم‪ .‬فاملعارضة أو “الزعل”‪ ،‬حسب تعبيرهم‪ ،‬أم ٌر ّ‬
‫في ط ّياته إهان ًة أو أ ًذى للزوجة األولى‪ .‬يع ّبر عن ذلك صالح بقوله‪:‬‬
‫يتجوزوا الرجال تنتني‪ ،‬يعني ما في إهانة لها‪ ،‬ال أبدً ا‪،‬‬
‫“إشي طبيعي عندنا‬
‫ّ‬
‫بتكون إهانة إلها في حالة إنه الرجل ما يعدل‪ّ ،‬ملا الرجل بيعدل بني زوجاته ما‬
‫وقصر في واجبها أو في حقوقها بتكون‬
‫بتكون إهانة للمرا‪ ،‬بس إذا الرجل ما عدل ّ‬
‫مهانة ‪ ..‬ما كان وارد إنه تقول لي ال تتز ّوج‪ ،‬ولو عارضت كان ممكن تصير مشاكل‪،‬‬
‫أجتوز نعم‪ ،‬القرار بالنسبة إلي هو قرار ما‬
‫لكن ً‬
‫طبعا هذا ما بغ ّير من قراري‪ ،‬رح ّ‬
‫في تراجع عنه ‪ ..‬ساعة ما ّ‬
‫وقررت مبوضوع الزواج من تانية وال شي بالعالم‬
‫فكرت ّ‬
‫مبنعني”‪.‬‬
‫تك ّررت هذه املقوالت عند معظم الرجال‪ ،‬فقد ّ‬
‫أكدوا أنّ قرارهم في الزواج كان قرا ًرا محسو ًما وأنّ‬
‫أي شخص آخر ال تأثير لها إطال ًقا على هذا القرار‪.‬‬
‫معارضة الزوجة أو ّ‬
‫يس ّوغ صالح لنفسه هذا القرار باعتبار أن تعدّ د زيجاته هو حقّ له‪ ،‬مستندً ا بذلك إلى ّ‬
‫كل األسباب‬
‫التي ذكرت ساب ًقا من قبله ومن قبل رجال آخرين‪ ،‬والتي تش ّرع من وجهة نظره هذا القرار‪ .‬يرى‬
‫صالح أنّ الشرط الوحيد في حتقيق الزواج الثاني هو عدم التقصير في واجباته جتاه الزوجة األولى‬
‫واألوالد‪ ،‬ويقصد بهذا الواجبات املادية‪ .‬عندما تز ّوج صالح كانت امرأته حام ًال في الشهر السابع‪.‬‬
‫‪200‬‬
‫بحث صالح عن زوجة من خالل األقارب واملعارف الذين أشاروا عليه بفتاة تبلغ من العمر ثالثة‬
‫وعشرين عا ًما‪ ،‬في حني كان يبلغ هو من العمر اثنني وأربعني عا ًما‪ ،‬وال يرى صالح أن الفرق بينهما‬
‫كبير‪ ،‬وهو يقول‪“ :‬هذا الفرق أبدً ا مش كبير‪ ،‬أنا تز ّوجت بعمر اثنني وأربعني سنة‪ ،‬تز ّوجت‬
‫شاب ما في أي إشي احلمد الله‪ ،‬لو كنت أكبر في السن كان بكون الفرق كبير”‪ .‬وكان‬
‫شرط عائلة الزوجة الثانية هو تأمني بيت منفصل لها‪ ،‬فقام صالح ببناء بيت في قطعة األرض التي‬
‫ميلكها قرب بيته األ ّول‪.‬‬
‫يقول ناصر إنّه عندما ق ّرر الزواج ّ‬
‫فكر بكل الصعوبات التي من املمكن أن يواجهها‪ ،‬ولذلك ق ّرر أ ّو ًال‬
‫الزواج من امرأة من خارج منطقة سكناه‪ ،‬وحتديدً ا من منطقة الض ّفة الغرب ّية احملت ّلة‪“ .‬ما د ّورت‬
‫على بنات من ع ّنا مع العلم إنه في كتير بنات خلينا نسميهن عوانس أو ما فش عندهن‬
‫يتجوزا وينزلوا على ضرة‪ ،‬بس أنا د ّورت وطلبت من األصحاب يفتشوا لي على‬
‫مشكلة‬
‫ّ‬
‫ضرة‪ ،‬عشان هيك د ّورت‬
‫ناس أوادم هاديني إللي تعمل حسابها إنها بدها تنزل على ّ‬
‫بالضفة ‪ ..‬ع ّنا مبجتمع عرب الـ‪ 48‬النساء متطلبات أكثر‪ ،‬قليالت إللي بقبلوا باألمر الواقع‬
‫ضرة بس بعدين بتبدا املشاكل‪ ،‬بالض ّفة الواقع‬
‫إللي موجودات فيه‪ ،‬يعني ممكن تفوت على ّ‬
‫مختلف وفش عندهم مشكلة من الزواج من تانية وتالتة ورابعة من ناحية اجتماعية‬
‫ومن ناحية قانون ‪ ..‬املجتمع عندهم متق ّبل الزواج من أكتر من واحدة أكتر من ع ّنا”‪.‬‬
‫يتم تعدّ د الزوجات دون وجود مشاكل زوج ّية‪ ،‬لذلك يقول‪ّ “ :‬ملا‬
‫وكما ذكر ساب ًقا بأنّه من املمكن أن ّ‬
‫يتجوز من امرأة ثانية ممنوع نسأله عن السبب إلنه في ع ّنا مثل بقول البيوت‬
‫واحد بده‬
‫ّ‬
‫أسرار‪ ،‬في أسباب كثيرة”‪ .‬يؤمن ناصر بأنّ الرجل حني يق ّرر الزواج بزوجة ثانية فهو غير ملزَم‬
‫بتوضيح األسباب التي تدفعه إلى ذلك‪.‬‬
‫قام ناصر بالزواج دون علم زوجته واستأجر للزوجة الثانية بي ًتا في املدينة التي يعمل فيها‪ ،‬وهو‬
‫يقول‪“ :‬عملت الشي بسرية‪ ،‬يعني هي أ ّول على آخر بدها تعرف‪ ،‬بس أنا ما حكيتلها‬
‫أما بصورة عامة‬
‫إلنه مستحيل امرأة بالعالم توافق إنه زوجها‬
‫يتجوز عليها‪ ،‬مستحيل‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫النسوان بقبلوا بالوضع القائم”‪ .‬يرى ناصر أنّ اعتراض الزوجة على زواج زوجها هو أمر يتع ّلق‬
‫بالسياق االجتماعي الذي هي فيه‪ ،‬والذي ينتقد هذه الظاهرة‪ ،‬أي أنّ اعتراضها يأتي نتيجة اعتراض‬
‫يعترضن بل‬
‫املجتمع‪ ،‬بينما هناك مجتمعات أخرى تتق ّبل تعدّ د الزوجات‪ ،‬وبالتالي فإنّ النساء ال‬
‫َ‬
‫ً‬
‫سلوكا عاد ًّيا‪“ .‬هاي املعارضة بس ع ّنا هون إحنا عرب الـ‪ ،48‬في النقب مث ًال‬
‫يعتبر هذا األمر‬
‫ثم‬
‫فش مشكلة من هالنوع‪ ،‬املرا ما بتعترض”‪ .‬فقد اختار ناصر أن يتز ّوج دون علم زوجته‪ّ ،‬‬
‫يعلنُ األم َر فيما بعد ليضعها حتت األمر الواقع‪“ ،‬النسوان باآلخر بقبلوا بالوضع إللي بنوجدوا‬
‫فيه”‪ .‬للتمهيد كان ناصر يل ّمح أمام زوجته بن ّيته في الزواج‪ ،‬وكانت زوجته تبدي معارضتها‪ .‬بعد‬
‫‪201‬‬
‫مرور ثالثة أشهر من زواجه علمت زوجته األولى باألمر من خالل آخرين ممّن حولها‪ .‬وعن عدم إعالم‬
‫زوجته األولى بزواجه وعن تعارض هذا األمر دين ًّيا وأخالق ًّيا‪ ،‬يقول ناصر إنّ إعالم الزوجة ليس‬
‫ً‬
‫شرطا من ناحية دينية‪ ،‬وبكلماته‪“ :‬ما أظن إنه إعالمها وموافقتها شرط‪ ،‬ما بعرف إذا هدا‬
‫شرط‪ ،‬ال ال هو مش شرط‪ ،‬هادا خ ّلينا نسميه حق إلي مش حق إلها”‪.‬‬
‫كان ناصر يتو ّقع أن يتط ّور احلال مبسارين‪ ،‬فإ ّما أن تبقى زوجته معترض ًة وتطلب الطالق‪ ،‬وإ ّما أن‬
‫ترجيحا‪ ،‬وبذلك يعيش مع كلتيهما‪ .‬وعلى افتراض تصميم زوجته على الطالق‬
‫توافق‪ ،‬وهو األكثر‬
‫ً‬
‫فهذا ال يعني من ناحيته هد ًما لبيت ولعائلة‪“ :‬أنا كنت متوقع إنه ما يصير عندي مشاكل إلنه‬
‫مش رح أسمح إنه يكون مشاكل‪ ،‬في احتمالني للموضوع يا بتقبل بالوضع القائم يا بتقول‬
‫عمي بدنا نتطلق‪ ،‬يا بتطلب الطالق يا تقول لي ما تيجي عالبيت‪ ،‬ما فش مشكلة‪،‬‬
‫لي يا ّ‬
‫حتما إنه الطالق هو هدم لعائلة‬
‫أما مشاكل مش رح أسمح يكون عندي مشكلة ‪ ..‬ليس ً‬
‫وبيت‪ ،‬هدم البيت بصير إذا الرجل بترك البيت كل ًّيا وما بعود يسأل عنهم وما بتابعهن‬
‫وما بنفق عليهن”‪.‬‬
‫بعد ثالث سنوات قام ناصر بتطليق زوجته الثانية ألنها كانت تعاني من مشاكل صح ّية ولم تستطع‬
‫اإلجناب‪ .‬يصف ناصر عملية طالقه من زوجته الثانية بأنها عملية إعادة “بضاعة فاسدة” ألصحابها‪،‬‬
‫فيقول‪:‬‬
‫جتوزتها‪ ،‬شعرت إنهن ّ‬
‫غشوني باملوضوع‪،‬‬
‫“كانت صعبة املزبوط املرا التانية إللي ّ‬
‫شو يعني ّ‬
‫غشوني باملوضوع ولهدا السبب أخدت موقف وباآلخر ط ّلقتها‪ ،‬أنا ساعة‬
‫أجتوز عشان بدّ ي أوالد‪ ،‬البنت كان عندها‬
‫ما رحت طلبتها كانوا عارفني إنه أنا بدّ ي ّ‬
‫مشاكل طبية من قبل وإللي أهلها كانوا بعرفوا إنه مش رح حتمل وهذا كان السبب‬
‫طبعا ط ّلقتها وأعطيتها شو بطلعلها‪ ،‬طلعت أخدتها من دار‬
‫اآلخر عشان أطلقها‪ً ،‬‬
‫أبوها أخدتها عاحملكمة وط ّلقتها باحملكمة الشرع ّية”‪.‬‬
‫أيضا من‬
‫أيضا بنفس الطريقة وبنفس املواصفات‪ ،‬فكانت هي ً‬
‫بعد ذلك تز ّوج من امرأة أخرى ً‬
‫الضفة الغرب ّية‪ .‬حني تز ّوجت كانت تبلغ من العمر سبعة وعشرين عا ًما‪ ،‬أ ّما ناصر فقد كان يبلغ من‬
‫العمر سبعة وأربعني عا ًما‪ .‬قام بالعيش معها أثناء اختالقه لبعض األعمال في تلك املنطقة مخف ًيا‬
‫زواجه عن زوجته األولى كما فعل ساب ًقا‪ ،‬إلى أن اكتشفت ذلك بنفسها‪ .‬وكما جرى في الزواج الثاني‬
‫أيضا‪ ،‬إذ حني علمت الزوجة األولى قامت بزيارة الزوجة اجلديدة‪ ،‬وبعد‬
‫هكذا كان في الزواج الثالث‪ً ،‬‬
‫بيت‬
‫ذلك اقترحت على زوجها أن يحضر الزوجة اجلديدة ويسكنها بالقرب منها‪ ،‬فقام ناصر باستئجار ٍ‬
‫‪202‬‬
‫بالقرب من بيته وهو حال ًّيا يقسم وقته بني البيتني‪ ،‬ومباته كذلك مناصفة‪ .‬أجنبت الزوجة الثالثة‬
‫ثالثة أوالد‪.‬‬
‫أ ّما بخصوص حسن وعالقته بالزوجة األولى وما يراه وما ميكن أن يس ّبب لها هذا الزواج من ألم‬
‫ومهانة فيقول‪“ :‬هاي اإلنسانة أنا اخترتها بالبداية أل ّنها متد ّينة‪ ،‬إل ّنه النبي (صلعم) قال‪:‬‬
‫انكحوا املرأة ألربع ملالها وجلمالها وحلسبها ولدينها فافخر بذات الدين تربت يداك‪ .‬بعدين‬
‫النبي قال‪ :‬من رزقه الله امرأة صاحلة فقد أعانته على شطر دينه فيلتقي الله في الشطر‬
‫اآلخر‪ ,‬يعني إذا هي كانت من البداية متدينة وبنت أصل وفاهمة الدين هي ال تعترض‬
‫على حكم الله عز وجل وال تعترض على شرع الله ما دام متو ّفر عندها بيت ومش ناقصها‬
‫شي والزوجة التانية عندها بيت ومش ناقصها شي‪ .‬مرات بتحصل مشاكل بني زوج‬
‫ومرات إللي بكون عنده ثالث نسوان عايش عيشة أحسن من‬
‫وزوجته بدون تعدّ د زوجات ّ‬
‫للضرة وين رايحة يا جديدة‪ ،‬رايحة‬
‫إللي عايش مع واحدة ‪ ..‬في مثل عامي بقولوا فيه‬
‫ّ‬
‫أعمل بخت للعتيقة ‪ ..‬حتى مع التعدّ د احلياة بتكون أجمل”‪.‬‬
‫يفسر‬
‫يتابع حسن قائ ًال إنّ عامل التد ّين هو العامل الذي يجعل النساء َي َ‬
‫قبلن بتعدّ د الزوجات‪ ،‬وهو ّ‬
‫ذلك كما يلي‪:‬‬
‫أما أنا ما بنزل على‬
‫“املرأة إللي مش متد ّينة بتقول لزوجها اطلع اعمل إللي بدّ ك ّ‬
‫ضرة حتى لو راح أرتكب املعصيات إلنها مش متدينة‪ ،‬يعني ال تنظر إلى األمر من‬
‫ناحية إميانية‪ ،‬ما بتفرق معها طلع على الصني على اليابان على األردن على مصر‪،‬‬
‫أما عند أهل اإلميان إلها اعتبارات‪ .‬املرأة املتدينة هل تقبل أن زوجها يقع في‬
‫الفاحشة أو في املعصية مقابل أن متنعه من أن يخطو هذه اخلطوة؟ إذا كانت هي‬
‫توجهتي إلنسان إللي هو إمام مسجد‪ ،‬وهادا‬
‫ُمؤمنة تق ّية نق ّية ال تقبل ذلك‪ .‬إنت ّ‬
‫مسجل‪ ،‬إحنا منشرح األمر من ناحية إميانية من ناحية دينية وإسالمية‬
‫الكالم‬
‫ّ‬
‫ونربطه بالواقع ‪ ..‬قد يكون عند بعض النساء استغراب أو كذا لكن إللي برجع‬
‫لشرع الله برضى ‪ ..‬بعدين كل إنسان وذكاؤه وإقناعه”‪.‬‬
‫يتجاهل اإلمام حسن عندما يتط ّرق إلى موضوع الزوجة األولى موقفها الرافض‪ ،‬ويستعرض من‬
‫خالل كالمه موافقة ضمنية لزوجته باعتبارها زوجة متد ّينة‪ ،‬لكنّ هذه املوافقة سرعان ما يتبدّ ى‬
‫أنّها لم تكن‪ ،‬بل إنّ هناك محاوالت كثيرة من قبلها ومن قبل أهلها لثنيه عن قراره‪ .‬حاول حسن‬
‫انطباعا في البداية كما لو أنّ تعدّ د زوجاته جاء مبوافقة ضمن ّية‬
‫عدم التط ّرق لهذا األمر‪ ،‬بل أعطى‬
‫ً‬
‫‪203‬‬
‫من زوجته‪ .‬لقد تز ّوج حسن في امل ّرة الثانية بعد تسع سنوات من زواجه األ ّول‪ ،‬وكان ذلك قبل‬
‫خمسة عشر عا ًما‪ ،‬ووصف ر ّد فعل زوجته باالستغراب في البداية‪ ،‬غير أنه عند التع ّمق في حيثيات‬
‫احلالة يظهر أن معارضة زوجة حسن كانت ف ّعالة وواضحة‪ ،‬وقد جتنّدت عائلتها حملاولة ثني حسن‬
‫توجهوا إلى الشيخ رائد صالح لكون حسن إمام مسجد‪ ،‬وهو بدوره اجتمع‬
‫عن خطوته‪ ،‬وبذلك فقد ّ‬
‫معه‪ ،‬غير أنّ حسن ناقش الشيخ رائد صالح متس ّل ًحا بالتشريع القرآني‪ّ ،‬‬
‫مؤكدً ا أنّه ال يعمل ما يخالف‬
‫شريعة الله‪ ،‬األمر الذي لم يستطع دحضه الشيخ رائد صالح وباقي من اجتمع معه‪ ،‬كما يصف هو‬
‫طبيعي‪ ،‬وهو ناجت عن غيرة النساء املم ّيزة لهنّ ‪ ،‬غير أنّه بذكائه‬
‫األمر‪ .‬يقول حسن إنّ استغراب زوجته‬
‫ّ‬
‫وبقدرته على اإلقناع استطاع أن يتغ ّلب على ذلك‪ ،‬وال بدّ من اإلشارة هنا إلى أنّ حسن‪ ،‬كسابقيه‪،‬‬
‫لم يتط ّرق أص ًال إلى هذا اجلانب إال بسبب األسئلة العين ّية التي ّ‬
‫مت توجيهها إليه بشكل مباشر‪ ،‬والتي‬
‫املوجهة فإنّه‪ ،‬كما غيره‪ ،‬ينطلق في احلديث عن تعدّ د‬
‫تتع ّلق مبوقف الزوجة‪ ،‬ومن دون هذه األسئلة ّ‬
‫زيجاته من فرض ّية ضمن ّية مضمونها موافقة زوجته على هذا التعدّ د‪ ،‬أو من فرضية ضمنية ترى أن‬
‫ال اعتبار لتلك املعارضة‪ .‬وقد ّخلص موقفها باالستغراب فقط‪ .‬يقول حسن كسابقيه إنّه حتى لو بقيت‬
‫زوجته معترض ًة‪ ،‬فإنّ ذلك ال يثنيه عن قراره‪ ،‬ألنّ معارضة الزوجة ناب ٌع من غيرة طبيع ّية‪ ،‬وهذه‬
‫املعارضة ال أه ّمية لها بنظر الرجال‪.‬‬
‫“من ناحية دينية‪ ،‬الغيرة ال شيء أمام أمر قد يحدث بسبب ممانعة الزوجة‬
‫لزوجها‪ ،‬إذا هي مانعت قد حتصل أمور أصعب من قضية الغيرة‪ .‬الغيرة ما هي‬
‫شيء طائل”‪ .‬وفي حال مانعت زوجة اإلمام حسن‪ ،‬ونحن هنا ال نعرف فع ًال إن‬
‫وافقت أصال‪ ،‬يقول‪“ :‬يستطيع اإلنسان أن يقوم بهدا األمر حتى لو مانعت‪ ،‬أل ّنه‬
‫العصمة بيد الرجل ‪ ..‬إذا أراد الرجل ممارسة تعدّ د الزوجات وإذا هو قد حاله‬
‫يخطوها وال يشترط موافقة املرأة األولى”‪.‬‬
‫ولصحتها النفسية‪ ،‬وهو يقول‪“ :‬ال يوجد‬
‫ال يعتبر حسن تعدّ د الزوجات ُمسي ًئا للزوجة األولى‬
‫ّ‬
‫خطر‪ ،‬هذا األمر ال يؤ ّثر على النفسية‪ ،‬ليه؟ ألنه هدا الشرع‪ .‬ورد في القرآن وفي الس ّنة‬
‫والله أعلم بنا من أنفسنا‪ ،‬إذا طبق اإلنسان هذا األمر كما أراد الشرع وفق التعاليم‬
‫اإلميانية ال يعود بالضرر عالنفسية ‪ ..‬فش ضرر نفسي‪ ،‬ال يصل األمر لضرر نفسي ألنه لو‬
‫كان في ضرر نفسي الله تعالى يعلم السر وأخفى وأدرى ‪ ..‬هذه احلال ال توصل لضرر ‪..‬‬
‫إللي إنت بتحكي عنه ضرر ال يؤ ّدي إلى أعراض‪ .‬هذا أمر الضرر قد يكون شيء موقت‬
‫ثم تستقر‪ ،‬هنالك ضرر دائم وضرر طائش والضرر الطائش ينتهي”‪.‬‬
‫يوم أو يومني ّ‬
‫بذلك فقد تز ّوج حسن زوجته الثانية البالغة في حينه ستّة وعشرين عا ًما من خالل املعارف الذين‬
‫‪204‬‬
‫ع ّرفوه بأهلها‪ ،‬وهي من قرية قريبة من مدينته‪ .‬يقول حسن إنّ زوجته الثانية وافقت على الزواج منه‬
‫رجل أعزب غير‬
‫رغم أنه رجل متز ّوج‪ ،‬ألنّها إنسانة متد ّينة وعائلتها متد ّينة‪ ،‬وبهذا فقد ّ‬
‫فضلته على ٍ‬
‫متد ّين‪ .‬كان حسن يبلغ من العمر تسعة وعشرين عا ًما حني تزوج مرة ثاني ًة‪ .‬سكنت الزوجة الثانية‬
‫في بيت والدة حسن وهو طابق أرضي‪ ،‬بينما كانت الزوجة األولى تسكن في الطابق األعلى‪ ،‬إلى أن‬
‫قام حسن بعد فترة ببناء بيت منفصل في نفس البناية في الطابق العلوي‪.‬‬
‫ال يتط ّرق أحمد‪ ،‬شأنه في ذلك شأن الرجال اآلخرين في البحث‪ ،‬إلى ر ّد فعل الزوجة األولى إال‬
‫عند سؤاله عن ذلك‪ .‬يقول أحمد إنّ زوجته «زعلت»‪ ،‬لكنّ ذلك لم َي ُحل دون هذا الزواج‪ .‬يعتقد‬
‫أحمد‪ ،‬شأنه شأن غيره من الرجال املشاركني في البحث‪ ،‬أنّه يحقّ للرجل الزواج من أربع‪« :‬هدا‬
‫ّ‬
‫تتجوز ‪ ..‬هاي حياتي وأنا‬
‫نتدخل فيه ‪ ..‬ما في واحد يقدر يقول لي ما‬
‫الدِّ ين وإحنا ما نقدر‬
‫ّ‬
‫حر فيها‪ .‬حتى لو الزوجة األولى عارضت ‪ ..‬حتى لو بتكون معارضة‪ ،‬إلها حقوق بتوخدها‬
‫‪ ..‬يعني مثال مصروفها‪ ،‬مصروف البيت‪ ،‬وإنه مش أحطهن مع بعض وأسكر عليهن‪ ,‬الزم‬
‫أعمل لكل واحدة بيت»‪ .‬وبعد وفاة الزوجة األولى تز ّوج أحمد من امرأة ثالثة تبلغ من العمر أربعة‬
‫وثالثني عا ًما‪ ،‬وبالتالي قطع عالقته مع الزوجة الثانية فعل ًّيا‪.‬‬
‫“فش واحدة بالدنيا بتقبل إنه الزملي يتز ّوج زوجة تانية” ‪ -‬هذا ما يقوله ناصر وهذا ما ع ّبر‬
‫عنه جميع الرجال املشاركني بكلمات شبيهة‪ .‬هذه اجلملة تك ّررت من جميع الرجال‪ ،‬وهم يعتبرون‬
‫أنّ هذا األمر جز ٌء من طبيعة اإلناث‪ ،‬ويربطون بينه وبني الغيرة‪ ،‬وال يعيرون لهذا الرفض ثق ًال في‬
‫قراراتهم ألنهنّ “قليالت عقل ودين”‪.‬‬
‫يقول عمر عن زوجته األولى وعن مدى ما أظهرته من معارضة “هي الزم تعرف إنه من ناحية‬
‫دينية ومن ناحية شرعية هدا شي عادي‪ ،‬شي متفق عليه بالدين إنه يكون متز ّوج أربعة‬
‫مش بس ثنتني”‪ .‬أ ّما خالد فيقول‪“ :‬بحطهن حتت األمر الواقع‪ ،‬فش جدال”‪ .‬هكذا يع ّبر خالد‬
‫عن رغبته في الزواج من امرأة ثالثة‪ .‬ويقول جمال إنّه ال ّ‬
‫يشك في أنّ امرأته استاءت من زواجه‪،‬‬
‫لكنّ هذا األمر لم يأخذه في حساباته‪.‬‬
‫‪205‬‬
‫احملور اخلامس‪ :‬ردود فعل املجتمع ‪ -‬تأرجح‬
‫سلبي وبني تشجيع فاعل‬
‫بني حت ّفظ ّ‬
‫تن ّوعت ردود فعل املجتمع التي يشير إليها الرجال بخصوص قرار الرجل وممارسته تعدّ د الزوجات‪،‬‬
‫لكن معظمها ا ّتسمت بقبول هذا الظاهرة‪ ،‬بينما كانت املعارضة محدود ًة وخجولة ووصل الطرف‬
‫النقيض إلى حد تشجيع املجتمع على تعدّ د الزوجات‪ .‬فأفراد املجتمع املتم ّثل باألقارب واألصدقاء‬
‫يشجعون الرجل على تعدّ د الزوجات‪ ،‬ويعتبرون طرح هذه الفكرة‬
‫من الرجال في منطقة اجلنوب ّ‬
‫ً‬
‫ضغطا عليه‪ ،‬ليصبح تعدّ د الزوجات في دائرة الرهان‬
‫على رجل مبثابة امتحان لرجولته‪ ،‬وميارسون‬
‫ويصير مبثابة “لعبة” يلجها الرجل من دون القدرة على اخلروج منها‪ .‬هذا ما أشار إليه خالد‬
‫وهذا هو ما دفعه إلى الزواج في حينه مرة ثانية‪ ،‬وهذا ما أشارت إليه في املقابل النساء اللواتي قام‬
‫أزواجهنّ بالزواج من أخرى (زهى وجميلة)‪ ،‬وما استفاضت في احلديث عنه النساء اللواتي شاركن‬
‫في املجموعة البؤر ّية في منطقة النقب‪.‬‬
‫في اجلهة املقابلة‪ ،‬يشير عمر إلى أنّ املجتمع البعيد عنه ال يتق ّبل تعدّ د زيجاته‪ ،‬األمر الذي يخلق‬
‫املرارة لديه‪ .‬وفي حني حتدّ ث عمر بأسف عن عدم تف ّهم املجتمع لتعدّ د زيجاته‪ ،‬فقد ع ّبر الرجال‬
‫يخصصوا ح ّيزًا كبي ًرا لهذا اجلانب في‬
‫اآلخرون املشاركون عن عدم اكتراثهم لردود فعل املجتمع‪ ،‬ولم ّ‬
‫املقابالت‪ .‬اعتبر املشاركون أنّ موقف املجتمع لم يكن عام ًال حاس ًما في اتخاذهم هذا القرار‪ ،‬وهو غير‬
‫مؤ ّثر حال ًّيا على سير حياتهم كأزواج ألكثر من زوجة‪ .‬من الواضح أنّ هناك اختال ًفا في مستوى تق ّبل‬
‫املجتمع في أوساط الرجال املشاركني من منطقة النقب‪ ،‬حيث تنتشر هذه الظاهرة هناك مبستوى‬
‫يفوق ما هو في مناطق أخرى من البالد‪ ،‬وفي أوساط الرجال املشاركني من مناطق أخرى‪ .‬فموقف‬
‫املجتمع من تعدّ د الزوجات بني الرجال املشاركني من منطقة اجلنوب كان يراوح ما بني التح ّفظ (في‬
‫حالة واحدة فقط أشار جمال إلى أنّ إخوته نصحوه بعدم التو ّرط في هذه الوضعية) وبني تق ّبل‪ ،‬ال‬
‫قصة خالد الذي يعتبر أنّ تشجيع األقارب‬
‫بل تشجيع الرجل على الزواج من أخرى‪ ،‬كما هي احلال في ّ‬
‫األساسي التخاذه هذا القرار (اليوم‪ ،‬يستم ّر هذا التشجيع مع‬
‫وأعمام كان هو احمل ّفز‬
‫أخوال‬
‫له من‬
‫ٍ‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫رغبة خالد في الزواج من امرأة ثالثة)‪ .‬بالنسبة إلى الرجال املشاركني من النقب فإنّهم يعتبرون أن‬
‫يتم التعامل معها كممارسة خارجة عن‬
‫تعدّ د الزوجات هو ممارسة عادية ومقبولة في املنطقة‪ ،‬وال ّ‬
‫ألي صوت معارض بأن‬
‫املألوف‪ .‬في احلقيقة‪ ،‬يبدو أنّ الرجال عامة من مختلف املناطق لم يسمحوا ّ‬
‫يعلو‪ ،‬ابتدا ًء من داخل البيت‪ ،‬أي من الزوجة واألوالد‪ ،‬وانتهاء بأشخاص آخرين في دوائر أوسع‪،‬‬
‫منطلقني بذك من كونهم هم فقط أصحاب القرار‪ ،‬ولذلك فقد أشاروا جمي ًعا في بادئ األمر إلى عدم‬
‫‪206‬‬
‫مواجهتهم معارضة‪ .‬إنّ االنطالق من هذه الوضعية جعل معظم الرجال يتجاهل موقف املجتمع‪،‬‬
‫ويتغاضى ع ّما ميكن أن يسمعه من مواقف مخالفة ملوقفه‪ ،‬وبالتالي فقد جعل بعض الرجال يعتبرون‬
‫أن املجتمع لم يعارض‪ ،‬ال بل حتى أنه يفترض أن املجتمع‪ ،‬واملقصود هو الرجال في املجتمع‪،‬‬
‫يحسدونه على جرأته‪ ،‬لعدم قدرتهم على التصرف بهذه اجلرأة‪ ،‬كما يعبر عن ذلك حسن وناصر‪.‬‬
‫يصل بحسن األمر حدّ قوله‪“ :‬الكل بحسدوني ‪ ..‬الكل بتمنى يكون عنده تنتني أو ثالثة‪،‬‬
‫بس مساكني بطلعش بإيدهن شي‪ ،‬كثير منهم ال يستطيع أن يخطو هذه اخلطوة”‪.‬‬
‫هنالك جتاهل تا ّم من قبل الرجال لردود فعل املجتمع‪ .‬وقد كان عمر وحسن الوحيدين اللذين‬
‫أشارا إلى معارضة العائلة القريبة ومحاوالتها ثنيهما عن قرارهما‪ .‬فعمر واجه هذه املعارضة من‬
‫والديه‪ ،‬ويبدو أن هذه املعارضة كانت متغ ّيرة وازدواجية كما يصفها عمر‪:‬‬
‫أجتوز ومن ناحية تانية ما بدهن‪ ،‬حطوني مبوقف محير‪ ،‬كل مرة‬
‫“ه ّني بدهن إياني ّ‬
‫كنت أقولهم عن وحدة ّ‬
‫تتجوز‪،‬‬
‫يحطوا فيها مية ع ّلة ‪ ..‬سمعت نصائح كتير‪ ،‬إنه إنت الزم‬
‫ّ‬
‫بتجوز”‪ .‬ولهذا فقد‬
‫ناس تقولي اترك وناس تقولي ال تترك‪ ،‬أخوي كان يقولي لو أنا مح ّلك‬
‫ّ‬
‫كان أهله يشيرون في كل مرة إلى “ع ّلة” عندما يطرح أمامهم اس ًما لفتاة‪ .‬أما عن موقف املجتمع‬
‫حيال تعدّ د زيجاته بعد الزواج‪ ،‬فيلحظ عمر عدم تق ّبل املجتمع‪ ،‬ويقول إن املجتمع ال يتق ّبل تعدّ د‬
‫الزوجات‪ ،‬وهو يع ّبر عن أسفه لهذا األمر‪.‬‬
‫أ ّما حسن الذي لم يتط ّرقْ إلى هذا اجلانب ُمطل ًقا‪ ،‬وحاول الته ّرب منه‪ ،‬واجتهد ليصف قرا ًرا‬
‫ومسا ًرا مقبو ًال يضط ّر حتت ضغط األسئلة لالشارة إلى معارضة عائلة زوجته‪ ،‬فيقول‪“ :‬في البداية‬
‫توجهوا لبعض املشايخ ومن ضمنهم الشيخ رائد صالح‪ .‬كنت بدأت بالتفكير‬
‫دار ّ‬
‫عمي ّ‬
‫بهدا املوضوع من سنة الـ ‪ ،1986‬بس أنا كان إلي عنده سؤال هل عندك ما يحرم؟ فقال‬
‫عمي عارضوا ‪ ..‬هل إنت بتضمن إنه دار العم كلهم نفس القلب والفكر‬
‫أل‪ .‬في البداية دار ّ‬
‫والتقوى؟ في البداية بحاولوا بس أنا بقول إللي عنده دين وإميان ويرى إنه إللي قباله ال‬
‫وطبعا ال يتر ّتب إغالق بيت على حساب‬
‫يخالف شرع الله يستطيع أن يخطو هذه اخلطوة‬
‫ً‬
‫فتح بيت‪ ،‬وأنا ً‬
‫أيضا أنصح أال يخطو هذه اخلطوة”‪.‬‬
‫يجم ُع جميع الرجال (عدا عمر) على عدم وجود معارضة‪ ،‬ليتّضح الح ًقا أنّ األمر نابع عن عدم‬
‫أي صوت معارض‪ .‬يقول خالد عن ر ّد فعل أوالده وعن عدم مواجهته معارضة‪:‬‬
‫سماحهم بإصدار ّ‬
‫“في احترام إلي‪ .‬فش حدا بجادل”‪ .‬وبشكل مشابه‪ ،‬يع ّبر صالح ع ّما كان في حالته‪ ،‬فيقول إنه‬
‫‪207‬‬
‫عندما أبلغ أوالده وزوجته لم يكن هذا األمر بهدف احلوار‪ ،‬فقراره اتخذه لنفسه‪ ،‬وأن احلديث عن‬
‫ذلك ألفراد عائلته جاء في مستوى إعالمهم فحسب‪.‬‬
‫“والدي االثنني الكبار قالوا ما عنا مشكلة‪ ،‬بناتي انقسموا في منهن عارضوا وفي‬
‫يتجوز ‪ ..‬إللي اعترضوا أكيد فكروا إلنه في كتير حاالت‬
‫منهن قالوا إحنا مع أبونا خليه‬
‫ّ‬
‫بتنظلم فيها األم‪ ،‬املرا األولى هي وأوالدها وما بعودوا يصرفوا عليهم‪ ،‬من هدا املنطلق‬
‫ً‬
‫معارضا‬
‫هم عارضوا”‪ .‬أما في الدائرة األوسع فيقول صالح إنّ املجتمع لم يتدخّ ل في قراره‪ ،‬فال كان‬
‫مشج ًعا‪“ .‬أص ًال أنا ما بعنيني الناس شو بتقول وإذا منيح للناس أو مش منيح للناس‪،‬‬
‫وال ّ‬
‫برا‪ ،‬ما حدا يجرؤ يحكي بهدا املوضوع‪ ،‬أنا ما حدا‬
‫أنا بفكر شو منيح لي شخص ًّيا ‪ ..‬الناس ّ‬
‫بسترجي من إللي حوالي ومن برا يحكي معي فيه‪ ،‬إلنه فش شي غلط فيه”‪.‬‬
‫أ ّما الرجال املشاركون من مناطق أخرى من البالد فقد أشاروا إلى أن موقف املجتمع ينقسم‬
‫ومشجع على تعدّ د الزوجات‪ ،‬إال أنّهم جمي ًعا ّ‬
‫أكدوا أن هذا التح ّفظ لم يؤثر بتا ًتا‬
‫ما بني متح ّفظ‬
‫ّ‬
‫على قرارهم‪ .‬معظم الرجال يعزون حت ّفظ املجتمع من تعدّ د الزوجات إلى وضع املجتمع الفلسطيني‬
‫في داخل إسرائيل‪ ،‬وانصياع املجتمع للقانون اإلسرائيلي الذي مينع تعدّ د الزوجات وابتعاد املجتمع‬
‫للمؤسسة‬
‫الفلسطيني عن الدين‪ ،‬وبذلك فإنّ جز ًءا منهم يعتبر أنّ مخالفة القانون اإلسرائيلي هي حتدّ‬
‫ّ‬
‫وإعالن عودة‬
‫اإلسرائيل ّية وملنظومة القوانني املوضوعة فيها‪ .‬يصبح بذلك تعدّ د الزوجات حتدّ ًيا للنظام‬
‫َ‬
‫إلى األصول‪.‬‬
‫وعن تف ّرد ناصر بقراره‪ ،‬يقول ما يلي‪:‬‬
‫“صار ع ّنا بعض الزيجات باملدينة أعطت نظرة سيئة عن موضوع تعدّ د الزوجات‪،‬‬
‫اطلع على فالن ّ‬
‫إلنه صار عندهم مشاكل‪ ،‬بصيروا يقولوا ّ‬
‫واطلع على فالن‪ ،‬بس أنا‬
‫ّ‬
‫يتدخل‬
‫بالنسبة إلي ما سألت حدا مع إنه أنا متجوز “بدل”‪ ،‬بس ما سمحت حلدا‬
‫بأموري الشخصية ‪ ..‬أنا ما سألت مرتي‪ ،‬بس كنت أحكي قدّ امها ‪ ..‬ع ّنا تسعني في‬
‫يتجوزوا من زوجة‬
‫املية من الرجال لو األمور بتنفتح قدّ امهم ما في عندهم مشكلة‬
‫ّ‬
‫يتجوزوا من‬
‫تانية‪ ،‬بس خلينا نسميه الضغط االجتماعي والقانون هو إللي مبنعهم‬
‫ّ‬
‫امرأة تانية”‬
‫بكلمات أخرى‪ ،‬يقول حسن عن تف ّرده في القرار‪“ :‬أنا شيخ البيت ‪ ..‬أنا أخدت اخلطوة إل ّنه‬
‫األئمة‬
‫قبلنا أخدها الصحابة رضي الله عنهم‪ ،‬س ّيدنا عثمان وس ّيدنا أبو بكر وكثير من‬
‫ّ‬
‫‪208‬‬
‫األعالم إللي هم نشروا العلم في مشارق األرض ومغاربها‪ ،‬هدا املوضوع مفهوم ضم ًنا‬
‫بس حال ًيا هدا غريب ع ّنا إحنا عرب الـ‪ ،48‬إلنه هم أصال شو بفهموا باإلسالم؟ شو بفهموا‬
‫بالدين؟ اليوم بحكم ابتعاد الناس عن مصدر العزّ ة والكرامة وعن هذا الدين العظيم‬
‫كثير من األمور بالقوها غريبة باملجتمع”‪.‬‬
‫بشكل مشابه‪ ،‬يعبّر أحمد عن عدم اكتراثه مبوقف املجتمع في املرّتني اللتني تز ّوج فيهما‪ ،‬وهو‬
‫أجتوز”‪.‬‬
‫يقول‪“ :‬أنا ّملا بدي أجتوز ما أسمع من حدا‪ ،‬أنا بسمع رأيي أنا‪ ،‬أنا إللي بدّ ي ّ‬
‫احملور السادس‪ :‬احلياة الزوجية من وجهة نظر‬
‫الرجال املتعدّدي الزوجات‬
‫تعدّد الزوجات كدليل على قدرة الرجل وحنكته‪:‬‬
‫وعادي كأزواج متعدّ دي‬
‫إيجابي‬
‫يجتهد معظم الرجال املشاركني في إظهار سير حياتهم بشكل‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫الزوجات‪ ،‬بل حتى إظهار االمتياز الذي يعيشونه في هذه املنظومة‪ّ .‬‬
‫يؤكد جميع املشاركني أن تعدّ د‬
‫الزوجات وكيفية املعايشة السليمة هما بيد الرجل‪ ،‬وأن الرجل احلكيم يستطيع أن يتغ ّلب على‬
‫عادي‪ ،‬ويقضي‪ ،‬بالتالي‪ ،‬على إمكانية نشوب اخلالفات‬
‫املشاكل وأن يبني هذه املنظومة لتسير بشكل ّ‬
‫والتو ّترات‪ ،‬ويجعل جميع األطراف راضني عن األمر الواقع‪ .‬وعند التط ّرق إلى بعض الصعوبات‪ ،‬فقد‬
‫والعملي‪ ،‬من دون استعراض صعوبات عاطفية للموضوع‪.‬‬
‫التكتيتي‬
‫بقيت جمي ًعا ضمن املجال‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫مهم في تعدّ د‬
‫أشار جميع الرجال إلى أن الوضع االقتصادي للرجل وقدرته على إعالة بيتني‪ ،‬شرط ّ‬
‫كاف‪ ،‬حيث يبقى العامل األكثر أهمية هو قدرة‬
‫الزوجات‪ ،‬غير أن جميعهم اعتبروا هذا الشرط غير ٍ‬
‫الرجل على التوفيق بني كال الزواجني‪ ،‬وأن هذا األمر مرتبط بحنكة الرجل وحزمه وقدرته في التغ ّلب‬
‫على املشاكل التي قد تنشأ لسبب تعدّ د الزوجات‪ .‬فشخصية الزوج وحكمته هما الشرط األساسي‬
‫يتمسك جميع الرجال مبفهوم العدل‪َ ،‬وفق وروده في اآلية القرآنية‪،‬‬
‫والعامل‬
‫ّ‬
‫األهم لتعدّ د الزوجات‪ّ .‬‬
‫‪209‬‬
‫معتبرين أن جميعهم (ما عدا خالدً ا الذي اعترف بأنه غير عادل) يط ّبقون هذا اجلانب‪ .‬وبالنظر‪،‬‬
‫عمي ًقا‪ ،‬في مقصدهم‪ ،‬يظهر أن الرجال يلخّ صون مفهوم العدل باجلانب املاد ّّي‪ ،‬حيث إنهم يقومون‬
‫متساو متا ًما‪ ،‬وهم بذلك يرون أن زواجهم الثاني لم يهدم‬
‫بالصرف على احتياجات البيتني بشكل‬
‫ٍ‬
‫البيت األول‪ ،‬ألنهم لم ُيهملوا احتياجات البيت واألوالد‪ .‬ولكن عند التط ّرق إلى إمكانية حتقيق هذا‬
‫العدل بعالقتهم العاطفية واجلنسية مع زوجاتهم‪ ،‬فقد اعتبر جميع الرجال أنه من املستحيل تطبيق‬
‫هذا األمر‪ ،‬وأنهم كرجال غير ملزمني بتحقيقه‪.‬‬
‫“أول شي إنه يكون متدين يراعي حرمات وحدود الله في هذا األمر‪ ،‬أن يتقي الله‬
‫وتكون شخصيته قوية وما بتغلب عليه العواطف‪ّ ،‬‬
‫يحكم الشرع والعقل”‪ .‬يؤكد حسن من‬
‫جديد أنه ليس بإمكان ّ‬
‫كل رجل أن يخطو خطوة كتلك‪ ،‬وأن األمر ال يتعلق بالوضع املاد ّّي‪ ،‬فقط‪،‬‬
‫إمنا األهم تعلقه مبستوى تد ّينه‪ ،‬وهو بذلك يجعل من ممارسة تعدّ د الزوجات دلي ًال على قدرة الرجل‬
‫في السيطرة‪ ،‬وسمة من سمات الرجولة التي يطمح ّ‬
‫كل رجل إلى أن يتّسم بها‪.‬‬
‫ويتط ّرق غالبية الرجال إلى التعاطي مع تعدّ د الزوجات كدليل على كبر املسؤولية‪ ،‬وبالتالي‪،‬‬
‫على مت ّيز الرجل كرجل‪ ،‬فيقول جمال إنه ال يستطيع ّ‬
‫كل الرجال الزواج بأكثر من امرأة‪ ،‬ألن هذه‬
‫الوضعية حتتاج إلى كثير من املسؤولية‪ .‬فتعدّ د الزوجات دليل على قدرة الرجل وحكمته في التحكم‬
‫والسيطرة على أكثر من زوجة‪ ،‬و ُيعطي مثا ًال‪“ :‬في واحد تز ّوج وحدة‪ ،‬وبعد شهرين طلقها‪ ،‬ما‬
‫جتوزوا ثالثة وأربعة ومد ّبرين حالهم”‪.‬‬
‫قدر يوقف باملسؤولية‪ .‬وفي ناس ّ‬
‫وبكلمات حسن‪ ،‬فإن تعدّ د الزوجات “أحلى أحلى أزبط لي إلنو فوق وحتت (ويقصد بذلك‬
‫العلوي)‪ .‬بالليل وبالنهار مندخل‬
‫السفلي والثانية في‬
‫بيتيه‪ ،‬حيث تسكن الزوجة األولى في الطابق‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫عبيت ومنطلع عبيت‪ .‬حياة يعني جميلة ًّ‬
‫جدا ‪ ...‬الزوجة األولى ارتاحت من الغسيل‬
‫والكوي‪ ،‬ألنه الزوجة الثانية قلتلي أنا مستعدة إنه غسيلك وكويك وأكلك وأصحابك‬
‫يكونوا مبسؤوليتي‪ ،‬ألنها قبلت تفوت كزوجة ثانية ‪ ...‬احلمدالله‪ ،‬إحنا ع ّنا ّ‬
‫كل يوم جمعة‬
‫الكل ‪ ..‬بتكون قامية القيامة بالبيت ّ‬
‫بعد صالة اجلمعة وليمة بكون فيها ّ‬
‫وكل شي بكون‬
‫على أكمل وجه‪ ،‬بتر ّبوا األوالد ضمن العيلة الكبيرة‪ ،‬يعني في صار انسجام”‪ ...‬ويضيف‬
‫جدا‪ ،‬فيسودها التفاهم واالنسجام بني الزوجات‬
‫حسن أن احلياة التي فيها تعدّ د زوجات جميلة ًّ‬
‫أيضا‪ ،‬يرجع إليه هو‪ ،‬لكونه يتعامل مع الطرفني بعدل‪ّ .‬‬
‫“كل الرجال إللي بشوفونا‬
‫واألوالد‪ ،‬وذلك‪ً ،‬‬
‫بتحسروا عحالهن‪ ،‬إنه ليش فش ع ّنا تنتني‪ّ ،‬‬
‫الكل بتم ّنى يكون عنده ثنتني أو ثالث‪ ،‬بس‬
‫مساكني ما بطلع بإيدهن”‪.‬‬
‫‪210‬‬
‫أ ّما جمال الذي أحضر زوجته الثانية للعيش مع الزوجة األولى في البيت نفسه‪ ،‬فيصف بعض‬
‫شوي‪ ..‬لكن اإلنسان إللي عنده أعصاب‬
‫صعوبات التعدّ د التي استطاع التغ ّلب عليها‪“ :‬في غلبة‬
‫ّ‬
‫حتملت‬
‫قوية بتغ ّلب عاملشاكل‪ ،‬يعني في واحد بعد شهرين ط ّلق ا َمل َرة‪ ،‬ما ِقدِ ر‬
‫يتحمل‪ ،‬أنا ّ‬
‫ّ‬
‫متحمل وقامي بالواجب”‪ .‬يختصر جمال املشاكل “بغيرة النسوان”‪ ،‬ويقول‬
‫املشاكل‪ ..‬أنا كنت‬
‫ّ‬
‫إن زوجته األولى اعترضت على الزواج‪ ،‬لكنه ّ‬
‫مضرة‪ ،‬وإنه ا َملرا‬
‫“مش‬
‫وضح لها أن هذا الزواج ِ‬
‫ّ‬
‫التانية بتجيب َك َمان ولد ولدين‪ ،‬وهادا كمان مليح ألوالدك‪ .‬واقتنعت”‪ .‬بعد عدة سنوات‬
‫قام جمال باالنفصال عن زوجته الثانية التي طلبت الطالق‪ ،‬بعد أن أجنب منها أربعة صبيان وابنتني‪،‬‬
‫ترض الزوجة األولى باستئناف عالقتها بزوجها‪،‬‬
‫إثر خالفات بينهما‪ ،‬ليتز ّوج بعد ذلك بزوجة ثالثة‪ .‬لم َ‬
‫لكنه ال يتط ّرق إلى هذا املوضوع‪ ،‬بل يعرضه من خالل الكثير من األسئلة االستفسارية‪ .‬وحال ًّيا‪ ،‬يقوم‬
‫بالتردد على بيت الزوجة األولى من دون التحادث مع زوجته‪ ،‬التي يبدو أنها ترفض التواصل معه‪.‬‬
‫تزوج جمال للمرة الثالثة بامرأة من منطقة الشمال‪ ،‬قام أحد أصدقائه بتعريفه بأهلها‪ ،‬وهي في سنّ‬
‫الواحدة والثالثني‪ ،‬وأجنب منها ولدً ا وابنتني‪ .‬أصبح جمال بذلك أ ًبا لتسعة عشر ولدً ا‪.‬‬
‫حسب‬
‫كذلك ناصر‪ ،‬الذي يرى أن ال صعوبات أو مشاكل ظهرت بسبب تعدّ د زوجاته‪ .‬ويرجع األمر ‪َ -‬‬
‫رأيه ‪ -‬إلى أنه ال يسمح بظهور املشاكل‪ .‬و ُيضيف أنه تسود اليوم عالقة ممتازة بني زوجاته واألوالد‪.‬‬
‫يقول ناصر إن زوجته ‪ -‬وبعد أن علمت بزواجه ‪ -‬ذهبت معه لزيارة الزوجة الثانية‪ ،‬وتع ّرفت إليها‬
‫متزوجا الزوجة الثانية‬
‫وتصادقت معها وطلبت منه أن ينتقل للعيش معها في البلد نفسه‪ .‬بقي ناصر‬
‫ً‬
‫مدة ثالث سنوات‪ ،‬إذ اتضح وجود مشاكل طبية لديها متنعها من اإلجناب‪ ،‬فقرر تطليقها‪.‬‬
‫بعد تطليق الزوجة الثانية‪ ،‬يقول ناصر إنه شعر بأنه أعزب‪ .‬إنّ تطليقه الزوجة الثانية جعلها‬
‫تشعر بأنها “ارتاحت” بعد الطالق‪ ،‬لكنّ راحة زوجته لم تكن في احلسبان‪ ،‬فرغبته في إجناب املزيد‬
‫األهم‪ .‬لم ِ‬
‫يكتف عمر في هذه املرحلة من البحث بتصريحه السابق‬
‫حسب تعبيره ‪ -‬هي ّ‬
‫من األوالد ‪َ -‬‬
‫أيضا‪ ،‬إلى العالقة اجلنس ّية‪ ،‬معتب ًرا أن رغبته اجلنسية‬
‫بأنّ الهدف من زواجه هو اإلجناب‪ ،‬بل تط ّرق‪ً ،‬‬
‫بسبب زواجه الثاني قد تعاظمت‪ ،‬ولذلك فقد ّ‬
‫فكر في الزواج مرة أخرى‪ .‬تزوج ناصر باألسلوب نفسه‬
‫بامرأة أخرى من منطقة الضفة الغربية‪ ،‬متست ًرا على زواجه‪ ،‬كما في املرة السابقة‪ ،‬وسكن معها‬
‫فترة سنتني في مكان سكناها‪ ،‬مع ّل ًال غيابه عن بيته بعمل كان قد قام به‪ ،‬كحجة ملَبِيته خارج البيت‪.‬‬
‫ومرة أخرى علمت زوجته بذلك من آخرين‪ ،‬وبعد االستفسار منه اقترحت عليه إحضارها والعيش‬
‫قري ًبا منهم‪ ،‬فقام باستئجار بيت بقرب بيته األول‪ .‬وحال ًّيا‪ ،‬تسكن هناك الزوجة الثانية التي أجنبت‬
‫ولدً ا وبن ًتا‪“ .‬كنت ِمتوقع إنه ما يصير عندي مشاكل ألنه أنا مش رح أسمح إنه يصير‬
‫في مشاكل‪ ،‬في احتمالني للموضوع‪ :‬يا بصير مشاكل‪ ،‬يا بتتقبل الوضع القائم‪ ،‬يعني يا‬
‫أما مشاكل مش‬
‫بدنا نتطلق‪ ،‬يا بتقبل بالوضع املوجودين فيه‪ ...‬وهادا إللي صار معي‪ّ .‬‬
‫‪211‬‬
‫يقسم ناصر وقته مناصفة بني البيتني‪ ،‬ويعتقد أن زوجتيه‬
‫رح أسمح تكون عندي مشاكل”‪ّ .‬‬
‫راضيتان عن ذلك‪ ،‬ويرى اليوم امتيازات كونه متعدّ د الزوجات‪ ،‬من حيث إجنابه لألوالد‪ .‬كما يعتبر‬
‫أن وضعه املادي اجل ّيد شرط من شروط تعدّ د الزوجات‪ .‬ويرى ناصر أنه ناجح في خلق توازن بني‬
‫جدا‪ ،‬وأن عالقة الزوجة األولى بأوالد الزوجة الثانية‪،‬‬
‫زيجاته‪ ،‬وأن العالقات بني زوجتيه متينة وج ّيدة ًّ‬
‫أيضا‪ ،‬متينة‪ ،‬وأن األوالد يرون فيها أ ًّما ثانية‪ ،‬وبذلك فإن تعدّ د الزوجات بالنسبة إليه منظومة تل ّبي‬
‫ً‬
‫احتياجاته كا ّفة‪.‬‬
‫جدا في إدارة عائلتني‪ ،‬وأن هذا‬
‫ناجحا ًّ‬
‫كذلك األمر بالنسبة إلى صالح‪ ،‬الذي يعتبر نفسه ً‬
‫زوجا ً‬
‫األمر راجع إلى قوة شخصيته‪ .‬فيصف صالح كيفية إدارته بنجاح ملنظومة تعدّ د الزوجات‪ ،‬كالتالي‪:‬‬
‫“واحدة من املشاكل إللي بتصير بني الزوجني ّملا الرجل بتزوج على مرته‪ ،‬إنه بهمل‬
‫الزوجة األولى‪ ،‬وهون أنا بهذه القضية ما ظلمتها وما أهملتها‪ ..‬عملت نظام يومي‪ ،‬ألني‬
‫إنسان متدين بتعامل بالشرع وباإلميان‪ ،‬ألنه ّ‬
‫كل املشاكل إللي بتصير بتكون منبعها‬
‫الرجل‪ ،‬البنت (أي زوجته) بتعرف إنه أنا متجوز‪ ،‬وه ّني عارفني إنه أنا مش رح أضل‬
‫نامي في البيت‪ ،‬أنا بعدل‪ ،‬بنام يوم هون ويوم هون‪ ،‬أنا ما بجيب حاجة عالدار ّ‬
‫إال بتكون‬
‫للجهتني‪ ،‬مستحيل أجيب قطف عنب لبيت ولبيت ال‪ ،‬أنا يوم اجلمعة بروح بشتري للبيتني‬
‫ألنه هدول أوالدي وهدول أوالدي”‪ .‬لصالح أربعة أوالد من الزوجة الثانية‪ ،‬وعن دوره املنزلي‬
‫فعال في أشياء كتيرة في البلد‪ ،‬والصحيح ِف ّش عندي وقت‬
‫في تربية األوالد يقول‪“ :‬أنا ّ‬
‫طبعا مع األوالد في املدارس‪،‬‬
‫كتير أقعد بالبيت‪ ...‬ما عندي دور برعاية األوالد‪ ،‬عندي دور ً‬
‫أما بطبيعة احلال ا َملرا في الدار أكثر م ّني‪ ،‬ألنه أنا بشتغل ساعات‬
‫إذا بعملوا مشاكل‪ّ ،‬‬
‫كثيرة”‪ .‬ويصف صالح العالقة بني البيتني كعالقة ممتازة‪ ،‬عاز ًيا سبب ذلك إلى نفسه‪ ،‬فيقول‪“ :‬إللي‬
‫الشي األب‪ِ ،‬ليش العالقات ْك َو ْيسة بني الوالد؟ ألنه أنا ّ‬
‫بز ّبط ّ‬
‫الصبح بعطيهم‬
‫كل يوم ُّ‬
‫مصاري للمدرسة‪ ،‬إللي بده إشي بجيبله‪ ،‬ما بوخد قسم وقسم ال‪ ،‬مث ًال بدّ ي أشتري‬
‫الكل‪ّ ،‬‬
‫مالبس لقسم باخد ّ‬
‫الكل عالقاتهم ْك َو ْيسة مع بعض ألنه ما بشعروا إنه أبوهم‬
‫ّ‬
‫مفضل حدا على حدا‪ ..‬لو كنت بعرف إنه أنا بظلم مرتي األولى وأوالدي ما تزوجت”‪.‬‬
‫بشكل مشابه‪ ،‬يصف أحمد أدا َءه لدوره بشكل ناجح‪ ،‬كزوج وأب لعائلتني‪:‬‬
‫“ف ّش صعوبات ‪ ..‬كلهن مبسوطات‪ِ ،‬فش واحدة من ال ِّنسوان بتحكي كلمة على التانية‪،‬‬
‫ِ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ألنه ال ِّنسوان علمك بتشلخ بعضها‪ِ ،‬بتْعاير بعضها‪ ،‬وما بتخلي‪ .‬أنا عندي ِفش م ّنه هادا‬
‫ومش على كيفها حتكي وتقاتل”‪ .‬يقول أحمد إن حياته الزوجية‬
‫بحب طلعان‬
‫احلس ِ‬
‫‪ ..‬أنا ما ّ‬
‫ّ‬
‫‪212‬‬
‫كانت تسير بشكل هادئ ومن دون وجود مشاكل ُتذكر‪ ،‬بعدما تز ّوج بأرملة أخيه بقي في بيته مع‬
‫الزوجة األولى‪ ،‬وكان يذهب إلى الزوجة الثانية عندما يريد أن يقيم عالقة جنسية معها‪ ،‬فقط‪ُ .‬يع ّرف‬
‫أحمد هذا األمر كما يلي‪“ :‬مبارس عل‬
‫أما أنا بداري وممنوع َو ْحدِ ة من ال ِّنسوان ‪ -‬بال‬
‫األوالد هي بتر ّبيهم‪ ،‬أنا بروح أزورهم زيارة‪ّ ،‬‬
‫مؤاخذة ‪ -‬تيجي من هناك لهون‪ ،‬العالقة اجلنسية إللي حكيت عنها ِمش ممكن تكون ّ‬
‫إال‬
‫ببيتها”‪.‬‬
‫إن املعايير التي وضعها جميع الرجال للداللة على جناحهم في تعدّ د الزوجات‪َ ،‬ل ِهي معايير تقليدية‬
‫جدا؛ فتقسيمة األدوار واملها ّم التي يصفونها‪ُ ،‬تظهر أن دور الرعاية مل ًقى بالكامل على‬
‫ومنطية ًّ‬
‫الزوجة‪ ،‬وأن اهتمامهم بأوالدهم وعدم تقصيرهم في واجباتهم األبوية‪ ،‬يتمحوران في فلك الرقابة‬
‫وتأمني احتياجات األوالد العملية‪ ،‬من دون التط ّرق إلى االحتياجات العاطفية لألوالد‪ ،‬ومن دون‬
‫االنطالق من وجود تقسيمة متساوية تعتمد على االشتراك مع الزوجة في عملية التربية والرعاية‪.‬‬
‫وفي الوقت الذي اجتهد فيه معظم الرجال لتأكيد قيامهم مبسؤولياتهم كآباء جتاه أوالدهم بدون‬
‫تقصير‪ ،‬حتى خالد الذي أشار إلى أنّه “غير عادل”‪ ،‬وأنه ال ُيدير منظومة تعدّ د زوجاته بشكل‬
‫متكافئ‪ ،‬ما يجعله يغيب أيا ًما قد تصل حتى شهر عن الزوجة الثانية‪ ،‬لم يعتبر أن هذا الغياب‬
‫يعني عدم قيامه بدوره كأب جتاه األوالد الذين أجنبهم‪ ،‬فهو يقوم باالتصال بهم باستمرار ويؤ ّمن لهم‬
‫احتياجاتهم‪ ،‬من دون التطرق إلى ما تعكسه هذه العالقة الزوجية املخت ّلة على الصحة النفسية‬
‫ألوالده‪ ،‬وعلى مسار تط ّورهم العاطفي واالجتماعي‪ .‬وبشكل مشابه‪ ،‬وصف أحمد دوره كأب‪ ،‬فهو‬
‫الذي قام بالزواج بأرملة أخيه‪ ،‬وقد أجنب منها أوالدًا‪ ،‬بينما بقي يقطن في بيته األول مع الزوجة‬
‫كأي أب آخر‪ ،‬مؤكدً ا بدوره على اجلانب املادي‬
‫األولى‪ .‬يعتبر أحمد أنه مارس دوره كأب بشكل كامل‪ّ ،‬‬
‫وعلى قدرته في فرض هذا األمر الواقع بقوة سيطرته‪ ،‬األمر الذي جنّبه اعتراض زوجته األولى‪.‬‬
‫كان عمر وخالد هما‪ ،‬فقط‪ ،‬من حتدّ ثا عن الصعوبات التي يواجهانها لسبب تعدّ د الزوجات‪ .‬غير‬
‫املهم اإلشارة إلى أن خالدً ا ال يعتبر أن هذه الصعوبات ناجتة عن التركيبة ال ُب ْن َي ِوية لهذه‬
‫أنه من ّ‬
‫املنظومة‪ ،‬إنمّ ا يعزو ذلك إلى عدم رضاه عن اختياره للزوجة الثانية‪ .‬وبالعودة إلى تفاصيل زواج‬
‫خالد‪ ،‬ال بدّ من اإلشارة إلى أن خالدً ا تزوج بشابة بتشجيع من أقاربه من رجال العائلة‪ ،‬وقد قام أحد‬
‫أقاربه بعرض ابنته عليه ليتزوجها‪ ،‬األمر الذي لم يستطع بعد ذلك التراجع عنه‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬فقد بدأ‬
‫توسعه في‬
‫هذا الزواج وما زال مستم ًّرا من دون أن تكون له رغبة حقيقية في ذلك‪ .‬أ ّما عمر‪ ،‬فرغم ّ‬
‫وصف هذه الصعوبات‪ ،‬فهذا األمر ال يغ ّير من قناعاته بأن هذه املنظومة هي ّ‬
‫احلل األفضل لوضعيته‪،‬‬
‫وحيث يختلف عن خالد بكونه اختار زوجته الثانية‪ ،‬وح ّقق بذلك ما كان يطمح إليه من العيش مع‬
‫ّ‬
‫فتشجعه وتسانده في‬
‫معنوي‪،‬‬
‫وتشكل بالنسبة إليه مصدر دعم‬
‫زوجة يجمعه بها احلب واالنسجام‪،‬‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫‪213‬‬
‫ّ‬
‫املشاق‪.‬‬
‫التغ ّلب على هذه‬
‫اعتبر خالد من البداية أن زواجه الثاني كان “غلطة”‪ .‬لكن من رحم هذه “الغلطة” أجنب خالد‬
‫أربعة أوالد‪ ،‬في زواج تع ّمه اخلالفات والتوترات فيقول‪“ :‬من أول ما جتوزت بدأت املشاكل‪ ،‬ما‬
‫بعتقد إنه في زملة متجوز تنتني وسعيد بحياته‪ ،‬بغض النظر إذا كان في مساواة أو ما‬
‫في‪ ...‬أنا من ناحيتي عادي‪ ،‬ما بقسم أيامي بني البيتني بال ُّنص‪ ،‬وين بدّ ي بنام‪ ،‬ممكن‬
‫أكون شهر هون وكم يوم هناك‪ ،‬أنا بقولك ِف ّش مساواة عندي‪ِ ..‬ف ّش مشاكل بني التنتني‪،‬‬
‫س الكراهية ُج ّوا بقلبهن”‪.‬‬
‫س احلقد والكراهية جواتهن‪ ،‬يعني ِف ّش زعل وخناقات‪َ ،‬ب ّ‬
‫َب ّ‬
‫وكما ُذكر‪ ،‬ساب ًقا‪ ،‬ال يعني موقف خالد من تعدّ د زوجاته أنه يعارض هذه املنظومة‪ ،‬بل إنه يعتقد‬
‫أن الصعوبات احلالية التي يواجهها نابعة من اختياره للزوجة الثانية‪ ،‬وأنه‪ ،‬حال ًّيا‪ ،‬يفكر في الزواج‬
‫حسب رغبته‪ ،‬وباختياره‪ ،‬لكي يستطيع أن يح ّقق معها ما لم‬
‫بثالثة‪ ،‬حيث يختار هذه املرة امرأة َ‬
‫أي زواج‪.‬‬
‫يح ّققه‪ ،‬حتى اآلن‪ ،‬في ّ‬
‫وكان عمر الزوج الوحيد الذي حتدّ ث بتوسع عن صعوباته كزوج‪ ،‬لسبب تعدّ د الزوجات‪ ،‬رغم أن‬
‫ذلك ال يغ ّير في اعتقاده أن هذه املنظومة هي ّ‬
‫املهم االنتباه هنا إلى أن عمر‬
‫احلل األفضل حلالته‪ .‬ومن ّ‬
‫العملي لألداء في هذه املنظومة‪ ،‬وفي اجلانب الوظيفي الذي يتصل به‬
‫حصر هذه الصعوبات في اجلانب‬
‫ّ‬
‫فيها‪ ،‬من دون التطرق إلى اجلانب النفسي‪ ،‬حيث يرى كذلك املكسب من هذه املنظومة‪ ،‬وذلك بكونها‬
‫جتعله يحافظ على أسرته األولى وأوالده الذين يصف عالقته القريبة بهم‪ ،‬وتعلقهم الكبير به‪ ،‬ويبتعد‬
‫بذلك عن الطالق الذي يؤمن بأنه سيهدم بيته األول ويؤذي أوالده‪ .‬وال بدّ من اإلشارة إلى أنّ عمر‬
‫كان الرجل الوحيد الذي أظهر أنه ميارس دوره بشكل يختلف ع ّما وصفه األزواج اآلخرون‪ .‬وهذا‬
‫منطي حتى النهاية‪ ،‬لكنه باملقارنة مع األزواج اآلخرين‪،‬‬
‫تشاركي‪ ،‬وغير‬
‫ال يعني أنه يقوم بدوره كأب‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫كان من الواضح أن رعايته ألوالده واهتمامه بهم يبدوان في مست ًوى أعلى من مستوى باقي الرجال‪.‬‬
‫دوري‪ ،‬كان‬
‫وفي وصفه لسير منظومة تعدّ د زوجاته‪ ،‬يعتبر عمر أن تقسيم وقته بني البيتني بشكل‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫احلل األنسب‪“ ،‬احلياة مع ثنتني صعبة‪ِ ،‬مش سهلة‪ ،‬صعبة‪ ،‬فيها سلبيات وفيها إيجابيات‪،‬‬
‫س ِمش سهلة‪ ،‬صعبة ًّ‬
‫جدا‪ ..‬ألنه أنا عندي أوالد‪ ،‬وبالدرجة األولى أنا بدّ ي أقدّ م واجبات‬
‫َب ّ‬
‫األوالد على أكمل وجه‪ ،‬عشان ِهيك أنا ما قبلت الطالق‪ ،‬ألني عارف إنه إذا طلقت رح‬
‫أوصل لوضع إنه األوالد يعيشوا بظروف نفسيه صعبة‪ ،‬حاولت قد ما بقدر أسيطر على‬
‫هذا الوضع‪ ،‬إنه ما يعيشوا بهاي الظروف‪ ،‬عشان هيك اضطريت إنه أقسم وقتي يوم‬
‫هون ويوم هون”‪.‬‬
‫قام عمر في البداية بالسكن مع الزوجة الثانية في بيت منفصل‪ ،‬غير أنه‪ ،‬وبعد مرور عدة أسابيع‪،‬‬
‫‪214‬‬
‫واجه صعوبات في هذا التنقل‪ ،‬وفي عدم قدرته على متابعة أمور أوالده‪ ،‬فق ّرر تقسيم وقته مناصفة‪،‬‬
‫حيث يبيت ليلة في بيت الزوجة األولى‪ ،‬وليلة في البيت الثاني‪ .‬فاجأ هذا الترتيب الزوجة اجلديدة‬
‫التي كانت تعتقد أن عمر سيعيش بشكل ثابت معها‪ ،‬وأن عالقته بزوجته األولى ستبقى على حالها‪،‬‬
‫غير أنها تقبلت األمر‪ ،‬على حدّ تعبير عمر‪ ،‬بل عملت على مساعدته في حتسني عالقته بزوجته‪.‬‬
‫في تلك املرحلة‪ ،‬كانت عالقة عمر الزوجية بزوجته األولى تع ّمها التوترات واخلالفات‪ ،‬ولم تكن‬
‫بينهما أ ّية عالقة جنسية‪ ،‬وقد كان دخوله البيت و َمبِيته من أجل أن يكون مع األوالد‪ ،‬فقط‪ .‬لكن‬
‫بعد مرور فترة‪ ،‬يقول عمر إن تغ ّي ًرا جذر ًّيا نحو األفضل طرأ على زوجته األولى‪ ،‬األمر الذي أدّى إلى‬
‫استئناف عالقتهما اجلنسية كذلك‪ ،‬منذ نحو سنة ونصف‪.‬‬
‫“بالبداية ما كان عالقة عادية بيني وبني الزوجة األولى‪ ،‬ولليوم بعدها احلساسية‬
‫موجودة‪ ،‬أول سنة وتاني سنة حلد تقري ًبا سنة ونص‪ ،‬صار في تغيير جذري‪ ،‬قعدت أنا مع‬
‫مدير اخلدمات النفسية ببلدة مع ّينة‪ ،‬وصرنا نروح زيارات عائلية‪ ،‬أ ّثروا علينا كتير وأنا‬
‫أ ّثرت عليها‪ ،‬عشان هيك تغيرت‪ ...‬عالقتي بزوجتي األولى رجعت طبيعية زَ ّي أي زوج ودار‬
‫طبعا ّ‬
‫ضطر‬
‫أحس إنه في فرق بيني وبينها‪ ،‬أل ّني مجبور‪ُ ،‬م‬
‫عمه‪ّ ،‬‬
‫س ً‬
‫بضل ّ‬
‫وأي زوج ومرته‪َ ،‬ب ّ‬
‫ّ‬
‫أحتمل‪،‬‬
‫أر ّبي األوالد تربية صاحلة وسليمة‪ ،‬حقهن علي أعطيهن هذا الشي‪ ،‬مجبور أنا ّ‬
‫س في عندي أربع والد”‪.‬‬
‫أحتسر‪ ،‬أرفض‪ ،‬في كتير شغالت أنا برفضها وما ِبدّ ي إ ّياها‪َ ،‬ب ّ‬
‫ّ‬
‫يعتبر عمر أن عالقته بالزوجة األولى تأتي من منطلق االلتزام بأوالده وبيته‪ ،‬أ ّما في عالقته مع‬
‫الفكري‪ ،‬ويلقى التفاهم‬
‫واجلنسي واالنسجام‬
‫العاطفي‬
‫الزوجة الثانية فهو يشعر من خاللها باالكتفاء‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫والدعم من جانبها‪ .‬فزوجة عمر الثانية أكادميية حاصلة على اللقب الثاني في أحد املواضيع العلمية‪،‬‬
‫شجعت عمر‪ ،‬حال ًّيا‪ ،‬على مواصلة دراسته‪ .‬فيع ّبر عمر عن تفضيله للزوجة الثانية‪ ،‬قائ ًال‪:‬‬
‫وهي من ّ‬
‫مرات ّملا بروح مقابالت خارجية أو على اجلامعة وأماكن‬
‫“يعني الصراحة كتير ّ‬
‫عامة‪ّ ،‬‬
‫مرات بتقول لي‬
‫ّ‬
‫بفضل إنه تكون هبة معي‪ ،‬هي (الزوجة األولى) كثير ّ‬
‫إنت بتوخد هبة معك على هاي الشغالت ‪ ...‬أنا بجاوبها ألنه إنت من البداية ما‬
‫كنت تتقبلي إنك تروحي معاي على كتير أمور‪ ،‬باألول أنا كنت مرتفع من ناحية‬
‫ِ‬
‫اقتصادية‪ ،‬ما حدا كان يتوقعها بجيلي‪ ،‬سبعة وعشرين سنة‪ .‬ما كنت تساعديني‪،‬‬
‫س بالبيت زوجة‪ ،‬ربة‬
‫ما كنت تتواجدي معي‪ ،‬ما كنت تدعميني معنو ًّيا‪ ،‬كنت َب ّ‬
‫بيت‪ ،‬أكثر من هيك ما كنت تدعميني ‪ ...‬هبة بالعكس‪ ،‬موجودة معي خطوة‬
‫بخطوة‪ ،‬بتساعدني‪ ،‬حتى من ناحية تعليم‪ ،‬أكثر إنسان دعمني إني أروح أتعلم‬
‫‪215‬‬
‫هي هبة ‪ ..‬عشان هيك مرات كتيرة بكون علي اختار مع مني اروح‪،‬اختياري داميا‬
‫اني اخد هبه معي”‪.‬‬
‫غير أن هذا التفضيل ‪ -‬وكما ّ‬
‫متت اإلشارة ساب ًقا ‪ -‬لم مينع عمر من استئناف عالقته الزوجية مع‬
‫الزوجة األولى‪ ،‬من دون التوقف عند هذه الصعوبة العاطفية وعند الصعوبة في ممارسة عالقة جنسية‬
‫مع زوجة يعتبر أن عالقته بها تنبع من فلسفة “الواجب”‪ .‬ويبدو أن عمر الذي قام بالزواج بأخرى‪،‬‬
‫حتديدً ا لسبب خالفاته الزوجية احلادّة‪ ،‬التي كانت تصل في كثير من امل ّرات إلى القطيعة اجلنسية‪،‬‬
‫عادت األمور لتسير بشكل سلس لديه‪ ،‬وذلك للتغ ّير الذي طرأ على تعامل زوجته معه‪ ،‬والذي ُيحيل‬
‫أسبابه إلى املنافسة التي تو ّلدت لسبب التعدّ د‪ ،‬فيع ّبر عن ذلك‪ ،‬بقوله‪:‬‬
‫“في َمثل عربي بقول ا َمل َرا ما بردّها غير َم َرا‪ ،‬يعني ّملا إنت جبت زوجة تانية صار‬
‫في منافسة‪ ،‬صارت ا َمل َرا األولى تشوف إنه هاي ا َمل َرا (الزوجة الثانية) عم تعطيني‬
‫السعادة عم ترضيني‪ ،‬عم بتقدّ م لي إللي أنا ِبدّ ي إياه‪ ،‬وشافت من بعيد إني أنا‬
‫عايش أنا ِو ّياها ومبسوط‪ ...‬فصار في عندها صراع داخلي‪ ،‬إنها ليش هي عَ م تقدّ م‬
‫هيك‪ ،‬ليش هي عَ م تساوي هيك‪ ،‬ليش هي‪ ،‬ليش هو متق ّبلها‪ ،‬الصراع الداخلي‬
‫أجبرها إنها تتغ ّير معي‪ ،‬عشان هيك بقولوا ا َمل َرا ما بجيبها غير َم َرا‪ ،‬يعني ا َمل َرا‬
‫بتجيب الصراع الداخلي ّ‬
‫للض ّرة إللي إلها‪ ،‬مجبورة تصير تتعامل مع جوزها بطريقة‬
‫غير إللي كانت تتعامل باألول‪ .‬تغ ّير في منط حياتها‪ ،‬تغ ّير في أسلوب حياتها‪ ،‬وهاد‬
‫باآلخر إنه الزوج ينحط في وضع إنه ه ّياها عم بتعاملني مليح‪ ،‬فأنا‬
‫ممكن يؤثر‬
‫ِ‬
‫مجبور أتعامل مع البيتني أو مع زوجتي كزوجة عادية”‪.‬‬
‫إن املنظور الذي يتعامل به عمر في حتليله لوضعيته‪ ،‬يستقي جذوره من منظومة القيم السائدة‬
‫التي تعزو سلطة الكيد إلى النساء‪ ،‬وتنطلق من احلكمة الشعبية القائلة “ ُذ ّل امرأة بأخرى”‪ .‬إنها‬
‫جنسي‪ ،‬لعجزها عن إرضائه‪ .‬وهي وسيلة تنتقص من التعامل‬
‫وسيلة تواصل إذالل املرأة ككائن‬
‫ّ‬
‫اإلنساني للرجل مع ذاته قبل املرأة‪ ،‬ألنها تعمل على جتميد طاقاته باللجوء إلى عنصر املنافسة‬
‫بني زوجتني‪ ،‬بدل التعاطي بتفاصيل عالقته الزوجية بشكل عميق‪ ،‬والوصول إلى ّ‬
‫حل للصراعات‬
‫واخلالفات‪ ،‬من خالل هذه الثنائية التي من املمكن أن ُتتيح له فرصة لتطوير ذاته املتشظية‪ ،‬ورفع‬
‫مستوى الوعي الذاتي وتدريب نفسه على التعاطي مع اآلخر وتطوير وسائل اتصال ناضجة ومسؤولة‬
‫في التعامل مع املشاكل‪ .‬يع ّبر بذلك عمر عن الكثير من احلاالت‪ ،‬التي يقوم بها األزواج بالهرب من‬
‫التعاطي مع اخلالفات الزوجية‪ّ ،‬‬
‫ثان‬
‫وكل ما يرافق املؤسسة الزوجية من مسؤوليات وأعباء‪ ،‬إلى زواج ٍ‬
‫أقل بكثير من تلك التي يتطلبها التعاطي مع املنظومة القائمة ّ‬
‫كحل أسهل يتطلب طاقات نفسية ّ‬
‫ّ‬
‫بكل‬
‫‪216‬‬
‫يتم إدخال الكثير من‬
‫إشكال ّياتها‪ .‬استطاع عمر‪ ،‬عمل ًّيا‪ ،‬إخضاع الزوجة األولى لهذه املنظومة التي ّ‬
‫النساء إليها‪ ،‬في محاولة الستعادة رضى الزوج واالمتثال لنظام جتتهد فيه من أجل إثبات جدارتها‬
‫الداخلي بني رفضها لهذه الوضعية‬
‫وتف ّوقها على الزوجة الثانية‪ ،‬وهو ما ُيدخلها في حالة من التمزّق‬
‫ّ‬
‫حسب رغباته وميوله‪ ،‬من طرف إلى طرف‪ ،‬متجاه ًال الصعوبة التي‬
‫وامتثالها لها‪ ،‬بينما يتنقل الزوج َ‬
‫تواجهها كلتا زوجتيه‪ ،‬والشعور باإلهانة‪ .‬فعمر لم يتطرق إلى الصعوبة التي تواجهها الزوجة األولى‪،‬‬
‫والتي جعلها تعدّ د زوجاته زوج ًة من املرتبة الثانية‪.‬‬
‫“عندها مزاجية باحلياة‪ ،‬إذا اليوم هي مزاجها تضحك بوجهي بتضحك‪ ،‬و ّملا أنا ِمش‬
‫عندها وبرجع تاني يوم مزاجها بكون مقلوب‪ ،‬وهادا بأثر ف ّيي‪ ،‬أنا الزم أعيش على مزاج‬
‫شخص تاني؟؟”‪ .‬لم يتطرق عمر إلى الدوافع التي جتعل زوجته األولى تعيش هذه املزاجية‪ ،‬ولم‬
‫يلتفت إلى أن وضعية تعدّ د زيجاته هي جزء أساسي من هذا األمر‪ .‬عندما ُطلب منه اإلجابة ع ّما‬
‫يمُ كن أن يتوقعه من زوجة يقوم زوجها بإشراك امرأة أخرى في حياته ثم يعود إليها‪ ،‬يعترف عمر‬
‫بالصعوبة النفسية التي تعيشها هذه الزوجة (وكذلك الزوجة الثانية)‪ ،‬والتي ال بدّ أنها مصدر هذه‬
‫حل لها‪ ،‬يهرع عمر إلى ّ‬
‫املزاجية‪ ،‬وعندما يصل إلى اإلفصاح عن عدم قدرته على إيجاد ّ‬
‫احلل اجلاهز‬
‫س‬
‫يني‪ ،‬قائ ًال‪َ “ :‬ب ّ‬
‫الذي ال يكلّفه عناء إيجاد حلّ آخر أكثر تعقيدًا‪ ،‬ف ُيخرج من َجعبته الكليشيه الدّ ّ‬
‫هي الزم تعرف إنه من ناحية دينية ومن ناحية شرعية هادا شي عادي‪ ،‬شي ُمتفق عليه‬
‫س ثنتني”‪.‬‬
‫بالدين إنه يكون الرجل متزوج أربعة ِمش َب ّ‬
‫ترى املرنيسي (‪ )122 :2001‬أن تعدّ د الزوجات وما فرضه الدين من عدل كشرط في تعدّ د‬
‫أيضا‪ ،‬متنع الرجل من ممارسة أكثر حقوقه حميمية‪ ،‬أي االتصال اجلنسي بالزوجة‬
‫الزوجات‪ ،‬هو آلية‪ً ،‬‬
‫التي يختارها‪ ،‬وفي اللحظة التي يرغبها‪ .‬إن تطبيق النظام الدوري على الزوجات يعني بالنسبة‬
‫إلى الرجل أن عليه أ ّال ينقاد لرغبته إذا تعلق األمر بزوجة ال يكون الدور عليها‪ ،‬وحني يضمن هذا‬
‫أيضا‪ ،‬قاعدة‬
‫فحسب‪ ،‬بل يعزّز‪ً ،‬‬
‫النظام ال ُّندرة وسط الوفرة‪ ،‬فإنه ال يجبر اإلنسان على التوزع العاطفي ْ‬
‫االستبدال‪ ،‬فالرجل ُمجبر على أن يجامع امرأة ال يرغب فيها‪ ،‬وأ ّال ينقاد جلاذبية امرأة أخرى رغم‬
‫أن األمر يتعلق بزوجته‪.‬‬
‫وقد ع ّبر عمر عن هذا االنشطار‪ ،‬بقوله‪:‬‬
‫س أنا ما‬
‫“صار في عالقات جنسية عادية‪ ،‬أنا بتمم العالقة اجلنسية معها َب ّ‬
‫س في‬
‫داميا ِبال ّلي الزم‬
‫س‪ً ،‬‬
‫طبعا‪ ،‬مع هبة‪ ،‬الزوجة الثانية‪ِ ،‬‬
‫بحس ً‬
‫بح ّ‬
‫أحس فيه‪َ ،‬ب ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫تفاهم بيني وبينها‪ ،‬في تناسب باألفكار‪ ،‬أفكارها بتناسب أفكاري‪ ،‬قريبة ًّ‬
‫جدا م ّني‪،‬‬
‫‪217‬‬
‫س إ ّني مبسوط معها وبعيش حياة سعيدة معها”‪.‬‬
‫ِ‬
‫بح ّ‬
‫إن ّ‬
‫يفسر ويس ّوغ تعدّ د زوجاته َوفق املعايير والشروط‬
‫جتذر اخلطاب السائد في ذهنية عمر يجعله ّ‬
‫املوضوعة للتعدّ د‪ ،‬لكي يثبت بذلك مصداقية هذه املنظومة‪ .‬غير أنه من الواضح أن عمر بذلك‬
‫خصوصا‬
‫متناقضا في خطابه وفي مواقفه وآرائه‪،‬‬
‫يصل إلى العديد من املفترقات التي جتعله يبدو‬
‫ً‬
‫ً‬
‫ديني‪ ،‬كما يفعل حسن‬
‫لكونه‬
‫ً‬
‫شخصا غي َر متد ّين‪ ،‬وال ينطلق في تفسير تعدّ د زوجاته من منطلق ّ‬
‫منوذجا للشاب الذي‬
‫وناصر وصالح‪ ،‬بل إنه يستعني بهذا التشريع في بعض املفترقات‪ُ .‬يعتبر عمر‬
‫ً‬
‫زواجا لم يرغب فيه‪ ،‬وهو‪ ،‬اآلن‪ ،‬يستخدم آل ّيات هذه ال ُبنْية‬
‫قمعته ال ُبنْية الذكورية حني فرضت عليه ً‬
‫الذكورية نفسها لكي يحيا‪ ،‬جزئ ًّيا‪ً ،‬‬
‫منطا مخال ًفا يح ّقق فيه رغباته وميارس عالقة لم ُيتِح له املجتمع‬
‫الذكوري‪ .‬تكمن املفارقة هنا في‬
‫ممارستها‪ .‬بينما يقوم في الشقّ الثاني مبواصلة تبنّي ق َيم املجتمع‬
‫ّ‬
‫تسخير عمر لل ُبنْية الذكورية ّ‬
‫بكل ما حتويه من ق َيم اجتماعية و ُمباحات دينية‪ ،‬لكي يح ّقق منط زواج‬
‫التوجه حالة االنشطار ويخلق الكثير من البلبلة والتناقضات‪.‬‬
‫يقوم على حرية االختيار‪ .‬يك ّرس هذا ّ‬
‫يتطرق عمر كذلك إلى الصعوبة القائمة في العالقات بني الزوجتني‪ ،‬والتي تخلق الكثير من‬
‫االرتباك في املناسبات االجتماعية كاألعياد وااللتزامات االجتماعية‪ .‬ففي البداية‪ ،‬كانت الزوجة‬
‫الثانية تتنازل وتختار أن يتركها ويخرج مع العائلة األولى‪ ،‬غير أن عمر ‪ -‬ومع إجناب الزوجة الثانية‬
‫يرض بهذا األمر‪ ،‬وحاول أن يجمع بني زوجتيه‪ ،‬لكي يتسنّى كذلك لألوالد من الزوجة‬
‫طفلتها ‪ -‬لم َ‬
‫األولى وابنته من الزوجة الثانية‪ ،‬أن يكونوا م ًعا‪ .‬لم تكن هناك عالقات بني الزوجتني‪ .‬وقبل فترة‪،‬‬
‫يقول عمر إنه قرر جمعهما وخلق تواصل بينهما لكي يتر ّبى األوالد من الزوجة األولى وابنته من‬
‫والتهجم على بعضهما‬
‫الزوجة الثانية في ج ّو مريح‪ ،‬غير أن التوترات بينهما وصلت إلى درجة العنف‬
‫ّ‬
‫بعضا‪ ،‬األمر الذي جعله يقرر احملافظة على ُبعد بينهما‪.‬‬
‫ً‬
‫طب ًعا‪ ،‬يعتبر عمر أن املشكلة ليست في هذه املنظومة وفي دوره األساسي‪ ،‬بل ُيلقي بالصعوبات‬
‫القائمة على كلتا الزوجتني وصداماتهما‪ ،‬كعامل من العوامل الصعبة في تعدّ د الزوجات‪“ .‬قبل‬
‫حسيت ّ‬
‫إال ه ّني بتقاتلوا‪ ،‬وصلت‬
‫فترة‬
‫ِ‬
‫أصلحتهن مع بعض‪ ،‬حكوا مع بعض يوم‪ ،‬ومرة ما ّ‬
‫بيناتهن للعنف وأنا ح ّبيت إنه ّ‬
‫س‬
‫ِ‬
‫حسيت إنه أحسن لي َب ّ‬
‫تظل العالقة سطحية أحسن‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫حلدّ ما وصلت لوضع ال يطاق‪ ،‬بطلت أحتمل‪ ،‬ملا بكون في مناسبة لألقارب‪ ،‬للعيلة أو‬
‫مناسبة عيد و ِبدّ ي أطلع مع العيلة‪ِ ،‬بكون ًّ‬
‫جدا صعب‪ ،‬هذه أصعب شغلة”‪.‬‬
‫وفضل عدم الطالق لكي‬
‫رغم أن عمر يقول إنه اختار منظومة تعدّ د الزوجات ملصلحة األوالد‪ّ ،‬‬
‫يجنّب أوالده الضرر النفسي الذي يلحق تبعات هذا الطالق‪ ،‬فالوضعية اجلديدة التي يتقاسم فيها‬
‫‪218‬‬
‫أوالده وقتَه مع بيت آخر وعائلة أخرى؛ إذ أجنب من زواجه الثاني طفلة‪ُ ،‬تلقي بظاللها على حالتهم‬
‫النفسية‪ .‬فعمر يشير إلى أن هناك تراج ًعا في حتصيلهم التعليمي‪ ،‬وقد قام باستشارة صديق له‬
‫كاف معهم‪“ .‬ق ّلي صديقي‬
‫اخصائي‬
‫نفسي‪ ،‬ولفت نظره إلى أن ذلك يعود إلى عدم وجوده بشكل ٍ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫إنه ممُ كن التأثير ألنه إنت ِمش عَ م تقعد معهم كفاية‪ِ ،‬مش عَ م تعطيهم كفاية‪ ،‬وهذا‬
‫س في عندي كمان عيلة و ِبدّ ي أعطي هون وأعطي‬
‫علي أنا‪ ،‬أنا ِبدّ ي أعطي َب ّ‬
‫الشي أ ّثر ّ‬
‫هناك”‪.‬‬
‫ثان في الطابق األعلى‪ ،‬فوق بيته األول‪ ،‬ليسكن مع زوجته الثانية‬
‫حال ًّيا‪ ،‬يعمل عمر على بناء بيت ٍ‬
‫فيه‪ ،‬لكي يستطيع أن يكون وق ًتا أكثر مع أوالده‪ ،‬ومتابعة أمورهم عن كثب‪ ،‬ورغم أن الكثير من‬
‫األقارب نصحوه باحلفاظ على ُبعد بني البيتني‪ ،‬يرى عمر أن هذا هو ّ‬
‫احلل األنسب لكي يستطيع متابعة‬
‫أوالده عن كثب وسدّ هذه الفجوة‪.‬‬
‫باإلمعان فيما يورده الرجال لوصف منظومات تعدّ د الزوجات التي يديرونها‪ ،‬فالعودة إلى حتليل‬
‫والشعوري لتعدّ د الزوجات‪،‬‬
‫العاطفي‬
‫املرنيسي(‪ )2001‬تمُ ّكننا من فهم التجاهل التا ّم للرجال للجانب‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫العاطفي وإلى معنى احلب‬
‫والذي لم يتطرق له أحد سوى عمر‪ ،‬الذي ملّح بشكل محدود إلى ال ُبعد‬
‫ّ‬
‫العاطفي الذي حققه من خالل زواجه الثاني‪ ،‬غير أنه استم ّر في تبنّي اخلطاب السائد‪،‬‬
‫واالكتفاء‬
‫ّ‬
‫وبدا بوضوح ّ‬
‫جتذر املفاهيم الذكورية في تسويغه ووصفه حلياته كزوج متعدّ د الزوجات‪ .‬فجميع‬
‫الوظيفي‪ ،‬مشيرين إلى اجلوانب التي‬
‫الرجال يصفون املنظومة الزوجية املتعدّ دة الزوجات بجانبها‬
‫ّ‬
‫متنح فيها هذه املنظومة حياتهم إضافة نوعية مه ّمة‪ّ ،‬‬
‫لي للجنس‬
‫تتركز‪ ،‬في األساس‪ ،‬في اجلانب األ ّو ّ‬
‫البيولوجي‪ .‬إن انطالق معظم الرجال من التعامل مع منظومة تعدّ د الزوجات كمنظومة‬
‫وبعده‬
‫ّ‬
‫حيوية وفاعلة‪ ،‬يعود‪ ،‬في األساس‪ ،‬إلى ّ‬
‫جتذر األدوار النمطية بني اجلنسني وإلى التص ّور السائد‬
‫للمرأة ولدورها في املجتمع وفي اخللية األسرية‪ ،‬والتي ُتنتج تص ّو ًرا ومجموعة من املفاهيم القِ َيمِ ية‬
‫العاطفي‬
‫املنتقصة للعالقة الزوجية‪ ،‬التي ال تقتصر على األبعاد السابقة‪ ،‬فقط‪ ،‬بل تتعدّ اها ب ُبعدها‬
‫ّ‬
‫ويفسر دويري (‪ )1997‬هذه املواقف من خالل التطرق إلى ُبنْية املجتمع العربي‪ ،‬حيث‬
‫ّ‬
‫واملعنوي‪ّ .‬‬
‫التبعية شبه الكاملة للفرد العربي لعائلته‪ ،‬اجتماع ًّيا واقتصاد ًّيا‪ ،‬حتول دون انبثاق شخصية فردية‬
‫مستقلة‪ ،‬وبالتالي فالعالقات احلميمية بني األفراد ليست بني شخصيات مستقلة‪ ،‬كما هي احلال‬
‫في مرحلة العالقات احلميمية (‪ ،)Intimacy‬بل بني شخصيات ّ‬
‫كل منها تابعة وخاضعة لسلطة‬
‫العائلة ولقيم املجتمع‪ .‬إنها عالقات بني جماعات أكثر ممّا هي عالقات بني أفراد‪ ،‬فالزواج هو زواج بني‬
‫يتم إ ّال مبوافقة العائلتني على االرتباط والنسب‪ ،‬والصداقة والعالقات احلميمية‬
‫عائلتني‪ ،‬وغال ًبا ما ال ّ‬
‫عادة ما تكون بني األقارب أوالً‪ ،‬وإذا نشأت صداقة بني شخص من خارج العائلة يؤدّي هذا‪ ،‬غالبًا‪،‬‬
‫إلى صداقة بني عائلتيهما م ًعا‪.‬‬
‫‪219‬‬
‫إعفاء الرجل من العدل بني الزوجات في العالقة اجلنسية‪:‬‬
‫يرى جميع الرجال أن العدل الذي يؤكدون تطبيقه بني زوجاتهم‪ ،‬ال ينطبق على حياتهم اجلنسية‪.‬‬
‫فهم كأزواج معف ّيون من تطبيق هذا اجلانب‪ .‬ويرون أن العدل الذي يقصدونه هو العدل املادي‪ ،‬وهو‬
‫ما يطالبهم به الشرع‪ .‬ال يربط الرجال تفضيلهم لزوجة على أخرى بسبب االرتابط العاطفي الذي‬
‫قد ينعكس في العالقة اجلنسية وممارساتها‪ ،‬إمنا يعزون ذلك التفضيل إلى جاهزية املرأة لتلبية‬
‫حسب رأيهم‪،‬‬
‫احتياجاتهم اجلنسية‪ ،‬أو إلى حاجتها كزوجة إلى تلبية حاجتها اجلنسية‪ ،‬والتي هي َ‬
‫تختلف من زوجة إلى أخرى لسبب العمر وفترات احلمل‪ ،‬الوالدة‪ ،‬والرضاعة‪.‬‬
‫رغم أن ناصر يرى أن مفتاح هذا التوازن هو العدل بني الزوجات‪ ،‬فإنه لدى التطرق إلى العالقة‬
‫اجلنسية‪ ،‬ال يرى أن إمكانية العدل واردة هنا‪ ،‬انطال ًقا من أن الزوجة األولى‪ ،‬ومع تقدّ مها في‬
‫السنّ ‪ ،‬تكون حاجتها اجلنسية أقل بكثير من حاجة الزوجة الثانية األصغر س ّنًا‪ ،‬والتي كانت تبلغ‬
‫حني تز ّوجها سبعة وعشرين عا ًما‪“ .‬ساعة الواحد ّملا يبقى عايش مع َو َحدِ ة عمرها خمس‬
‫وعشرين أو ثالثني‪ ،‬بكون في فرق بينها وبني َو َحدِ ة عمرها خمسني‪ .‬يعني بشكل عام ّملا‬
‫الرجل بتزوج كمان َم َرا بتالقي الزوجة األولى بتغ ّير طريقة حياتها ومتطلباتها بتزيد من‬
‫س من ناحية طبيعية ا َمل َرا إللي باخلمسني بتشبع خلص وأقل كمان”‪.‬‬
‫ناحية جنسية‪َ ،‬ب ّ‬
‫بشكل مشابه‪ ،‬يعتبر صالح أن العدل في هذا اجلانب مستحيل‪ ،‬وذلك ألن متطلبات الزوجة‬
‫الثانية جنس ًّيا واألصغر سن ًا‪ ،‬من املؤكد أكبر من متطلبات الزوجة األولى‪ ،‬التي ال ترغب بذاتها في‬
‫إقامة عالقة جنسية‪ .‬لذلك فهو ميارس اجلنس مع الزوجة الثانية بوتيرة أعلى بكثير من ممارسته‬
‫اجلنس مع الزوجة األولى‪ .‬يعتقد صالح كما ناصر أن الزوجة التي تتقدم في السنّ تتقلص حاجتها‬
‫اجلنسية‪ ،‬وهي التي ال ترغب بذلك‪“ .‬ا َمل َرا الكبيرة ما بتفكر بالليلة إللي بنام عندها من‬
‫ناحية جنسية‪ ،‬احترامها موجود على ّ‬
‫الكل‪ ،‬من املؤكد إنه حاجتي اجلنسية كرجل ِمش‬
‫متساوية مع الزوجة األولى‪ ..‬إمكانية العدل بهادا املجال مستحيلة‪ ،‬ألنه هادا الشي إنت‬
‫ما إلك سيطرة عليه”‪.‬‬
‫بعد أن ُتوفيت زوجة أحمد األولى‪ ،‬قام أحمد بالزواج للمرة الثالثة‪ ،‬هاج ًرا بذلك الزوجة الثانية‪،‬‬
‫أي أرملة أخيه‪ .‬يقول أحمد إنه كان بحاجة إلى أن يتزوج لكي يأتي بامرأة تد ّبر أمور البيت‪ ،‬ومبا‬
‫فضلها على الزوجة‬
‫أن الزوجة الثالثة كانت أصغر س ّنًا‪ ،‬تبلغ من العمر ثالثني سنة في حينه‪ ،‬فقد ّ‬
‫الثانية‪.‬‬
‫‪220‬‬
‫وفي حني أن املشاركني مبعظمهم أكدوا أن العدل اجلنسي مستحيل‪ ،‬فمن الواضح أن هذا األمر لم‬
‫يفعلوه بفعل عاطفتهم‪ ،‬أو لسبب تكوين عالقة عاطفية مع أخرى‪ ،‬إمنا جاء تلبية حلاجاتهم اجلنسية‬
‫التي يعتقدون أن الزوجة الشابة قادرة على تلبيتها أكثر من الزوجة األولى التي تقدّ مت بها السنّ ‪،‬‬
‫وهذا ما دفع بأحمد إلى هجر زوجته الثانية عندما تزوج بزوجة ثالثة‪ ،‬قائ ًال‪“ :‬بنت تالتني مش زي‬
‫بنت خمسني”‪.‬‬
‫إن حتليل سير اخللية العائلية الذي يو ّفره املجتمع العربي ألبنائه وبناته في مجال العالقات‬
‫اجلنسية‪ُ ،‬يتيح لنا فهم الديناميكيات القائمة بني اجلنسني‪ ،‬و ُيتيح كذلك فهم منظومة تعدّ د الزوجات‬
‫كتعبير بالغ عن هذه الديناميكيات‪ ،‬ف ُيتيح لنا بالتالي فهم الرجال املشاركني (وكذلك املشاركات)‬
‫وفهم تفاعلهم وتعاملهم في منظومة تعدّ د الزوجات‪ ،‬التي انطلقوا جمي ًعا في تفسيرها وتسويغها من‬
‫خالل الدين والتشريع الديني الذي ُيبيح لهم تعدّ د الزوجات‪ .‬تورد املرنيسي (‪ )2001‬أن تفسير هذه‬
‫التشريعات الدينية التي استقاها العديد من العلماء والفقهاء الذين يحملون ذهنية ونفسية ذكورية‬
‫لي للمرأة ولدورها في املجتمع‪ ،‬فتب ًعا‬
‫وتفسيرات بطريركية لها‪ ،‬تعود بجذورها إلى التصور األ ّو ّ‬
‫لإلمام للغزالي‪ ،‬فإن زوجة املؤمن املثالية هي املرأة احلسناء احملبة لزوجها التي تشبع رغبات زوجها‬
‫والتي يقوم زوجها بإشباع رغباتها اجلامحة ليضمن استتباب النظام االجتماعي السائد‪ .‬أ ّما العشق‪،‬‬
‫فهو تهديد لسيطرة الرجل على املرأة وعالمة من عالمات فقدان السيطرة وخضوعه للمرأة وإذالله‬
‫وعبوديته‪ ،‬وهذا يعني زعزعة النظام االجتماعي القائم على سيطرة الرجال‪ .‬لذا فإن الوضع األفضل‬
‫ُ‬
‫املعنوي لهذه العالقة‪ .‬وتتابع‬
‫التحكم بزوجته‪ ،‬ويتجاهل اجلانب‬
‫الرجل فيه‬
‫هو الوضع الذي ُيخ َّول‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫املرنيسي أنه حني يعترف الغزالي بأن الزواج يوازي العبودية بالنسبة إلى املرأة‪ ،‬مبا أنها مجبرة على‬
‫يشجع الزوج في املجتمع اإلسالمي على لعب دور الس ّيد‬
‫طاعة زوجها بشكل مطلق‪ ،‬فهذا‪ ،‬عمل ًّيا‪ ،‬ما ّ‬
‫وليس العشيق‪ ،‬ألن هذا العشق بني الزوجني يهدّ د ُبنْية أساسية في الهندسة االجتماعية‪.‬‬
‫إن السيطرة التي ميارسها جميع الرجال املشاركني تتمظهر في سلوكياتهم داخل هذه املنظومة‪،‬‬
‫التي تتجاهل بشكل واضح وضعية الزوجات ومشاعرهنّ جتاه هذا التعدّ د‪ ،‬وتنطلق في تص ّور منظومة‬
‫ً‬
‫محاطا مبجموعة من االحتياطات والطقوس‪ ،‬التي تهدف‬
‫ناجعة بل ومثالية‪ .‬فيصبح االتصال اجلنسي‬
‫لي يتلخّ ص بالقذف‬
‫إلى خلق مسافة عاطفية بني الزوجني وحتويل لقائهما إلى فعل‬
‫وظيفي أ ّو ّ‬
‫ّ‬
‫واإلخصاب‪ .‬وتضيف املرنيسي (‪“ :)117:2001‬إن اخللية الزوجية أخطر من االتصال اجلنسي‬
‫الذي يتّصف بسمة الزوال‪ ،‬حيث إن احلب اإليروسي يمُ كن أن يكبر ويتفتح في إطار ليغدو شي ًئا أكثر‬
‫اتساعا وشمولية‪ ،‬وقد يتح ّول إلى خطر يشغل املؤمن عن هدفه األساسي في احلياة وهو عبادة الله‪...‬‬
‫ً‬
‫يفسر هشاشة العالقة الزوجية كهندسة قانونية واجتماعية‪ ،‬ويمُ كن‪،‬‬
‫ويمُ كن أن نعتبر ذلك عنص ًرا ّ‬
‫بالتالي‪ ،‬أن نفهم‪ ،‬مث ًال‪ ،‬تعدّ د الزوجات والطالق‪ ،‬وكذلك النظرة املأساوية للحب كتدمير وطيش‬
‫‪221‬‬
‫وحمق‪ .‬إن الهندسة االجتماعية قائمة بشكل متنع معه احلميمية وحتدّ منها حتى ال تتسع وتغدو‬
‫ُ‬
‫سام يتعالى على االرتباطات‬
‫مهدّ دة”‪ .‬وتتابع املرنيسي ان عبادة الله هي هدف الوجود‪ ،‬وهي حب ٍ‬
‫الدنيوية‪ ،‬والعالقة العاطفية الشهوانية تهدّ د هذه العبادة‪ ،‬ألنها ُتتيح املجال للرجل واملرأة لاللتحام‬
‫ً‬
‫تعارضا كل ًّيا مع‬
‫روحيًّا وتعمّق اإلحساس الداخلي بإدراك األمان عن طريق حب شهوانيّ يتعارض‬
‫العبادة‪ .‬وألن اخللية الزوجية ّ‬
‫تشكل خط ًرا دنيو ًّيا حقيق ًّيا‪ ،‬فلقد ّ‬
‫مت إضعافها بواسطة ترتيبني قانونني‪:‬‬
‫التعدّ د والطالق‪.‬‬
‫إن ّ‬
‫جتذر هذا التص ّور في ذهنية الرجل‪ ،‬وليس الرجل فقط‪ ،‬بل املرأة كذلك‪ ،‬يتج ّلى بأزخم تعبيراته‬
‫في منظومات متعدّ دة الزوجات‪ ،‬كما وصفها املشاركون‪ ،‬حيث تنعدم فيها احلميمية بني الزوجني‪،‬‬
‫وهي احلالة التي يستطيع فيها كال اجلانبني ممارسة عالقة عاطفية بشكل ح ّر والتعبير عن ذاتيهما‬
‫بشكل صادق وحقيقي‪ ،‬وتع ّرف ذاتيهما من خالل االنكشاف على اآلخر ومشاطرته مشا ّقه وضعفه‬
‫وطموحاته‪ .‬في الوقت الذي ينظر فيه جميع الرجال إلى الزواج كمؤسسة اجتماعية وظيفية‪ ،‬من‬
‫دون إدراكه كح ّيز عاطفي‪ ،‬يصبح تعدّ د الزوجات ممارسة ميكانيكية يستطيع الرجل ممارستها من دون‬
‫نضوجا ووع ًيا ذات ّي نْي‪ .‬بل تصبح اإلمكانيات‬
‫تخصيص طاقات ومن دون استثمار عاطفي يتطلب منه‬
‫ً‬
‫العملية واملوارد املادية ومستوى إحكامه وسيطرته على النساء‪ ،‬هي العامل األهم الستمراريتها‪ ،‬وبناء‬
‫عليه ُيق ّيم مدى جناعتها‪ .‬بسبب هذا األمر رأى ّ‬
‫كل من حسن وناصر وأحمد وجمال وسائر املشاركني‬
‫أن تعدّ د الزوجات منظومة ناجعة وف ّعالة وقادرة على تلبية احتياجاتهم‪ ،‬وهم يشيرون إلى امتيازاتها‬
‫التي تصل حدّ التغزل بجمال ّيتها‪ ،‬كما وصفها حسن‪.‬‬
‫من خالل حتليلها لرأي اإلمام الغزالي في املجتمع اإلسالمي‪ ،‬تشير املرنيسي (‪ )2001‬إلى أن‬
‫مؤسسة تعدّ د الزوجات‪ ،‬وبناء على ما يورده الغزالي‪ ،‬ما هي إ ّال مؤسسة تعكس هشاشة الروابط‬
‫الزوجية‪ ،‬وأن هذا الرابط الزوجي يصبح ًّ‬
‫هشا من خالل مؤسسة تعدّ د الزوجات‪ .‬وهي تنظر إلى تعدّ د‬
‫الزوجات كمحاولة ملنع تنامي العاطفة في وحدة الزواج‪ .‬فالرجال يجعلون أنفسهم كذوي قيمة ليس‬
‫من خالل السعي للكمال‪ ،‬بل‪ ،‬ببساطة‪ ،‬من خالل خلق وضعية تنافسية بني اإلناث‪ .‬يحتاج الرجال‬
‫أقل مع ّ‬
‫متعدّ دو الزوجات إلى استثمار عاطفي ّ‬
‫كل زوجة‪ .‬وحتى في املجتمعات املسلمة املعاصرة التي‬
‫رائجا‪ ،‬فإن التهديد الثابت من قبل األزواج بجلب زوجة‬
‫تعاني اقتصاد ًّيا‪ ،‬وحيث تعدّ د الزوجات ليس ً‬
‫حقيقي قائم كذلك في العائالت األحادية الزوجة‪.‬‬
‫أخرى‪ ،‬هو تهديد‬
‫ّ‬
‫‪222‬‬
‫املجموعات البؤرية‪:‬‬
‫من املهم اإلشارة إلى أن املجموعات البؤرية ال مت ّثل الشرائح املجتمعية كافة‪ ،‬وهي‪ ،‬في األساس‪،‬‬
‫تعكس مواقف ووجهات نظر النساء‪ ،‬وحتديدً ا نساء مي ّثلن فئة واسعة من نساء مجتمعنا اللواتي يعملن‬
‫كر ّبات بيوت‪ ،‬ومتوسط مستوى سنوات تعليمهنّ ُيراوح بني املرحلة اإلعدادية والثانوية‪ .‬وفي حني‬
‫ض ّمت مجموعة ر ّبات البيوت القطرية نساء من شريحة عمرية بالغة أكثر‪ ،‬حيث يمُ كن التخمني أن‬
‫متوسط العمر فيها يتجاوز اخلامسة واألربعني‪ ،‬فإن مجموعة ر ّبات البيوت التي أقيمت في أحد أحياء‬
‫الناصرة ض ّمت نساء شا ّبات ُيتراوح متوسط أعمارهنّ بني اخلامسة والثالثني‪ ،‬واألربعني عا ًما‪ .‬وحني مت‬
‫املهم اإلشارة كذلك إلى أن هذه الشريحة ال تعكس ّ‬
‫كل شريحة‬
‫اختيار مجموعة نساء عزباوات‪ ،‬من ّ‬
‫عال‬
‫النساء العزباوات‪ ،‬لكنها تعكس شريحة واسعة من النساء العزباوات اللواتي ال يتمتّعن مبست ًوى ٍ‬
‫من التعليم‪ ،‬وهنّ غير منخرطات في سوق العمل‪ .‬وهذه الشريحة نرى أنها أكثر النساء ُعرضة‬
‫أساسا‪.‬‬
‫للدخول في منظومة تعدّ د زوجات‪ ،‬وقبول الوضع‪ ،‬لعدم تدعيمها‪،‬‬
‫ً‬
‫احملور األول‪ :‬موقف املشاركني واملشاركات‬
‫من قضية تعدّد الزوجات‬
‫أظهرت احلوارات في املجموعات البؤرية وجود آراء مختلفة في خصوص تعدّ د الزوجات‪ .‬ورغم‬
‫واضحا وجود مسارات مترابطة‬
‫االختالفات بني املجموعات والفروقات في التعاطي مع القضية‪ ،‬بدا‬
‫ً‬
‫بعضا في جميع املجموعات البؤرية‪ .‬لقد كان من الواضح أن قضية تعدّ د‬
‫ُتفضي جميعها إلى بعضها ً‬
‫الزوجات قضية مثيرة للجدل‪ ،‬عندما يتم طرحها ُتظهر اآلراء واملواقف ازدواجية وتضار ًبا‪ .‬وقد كان‬
‫التناقض والبلبلة هما املم ّيز األساسي لهذه احلوارات‪ .‬أ ّما املم ّيز الثاني جلميع املجموعات البؤرية‪،‬‬
‫واضحا أنه رغم املضامني واآلراء املختلفة التي من املمكن أن تطفو‪ ،‬فجميع‬
‫فهو مص ّبها‪ ،‬إذ بدا‬
‫ً‬
‫لتصب في النقاش حول املساواة بني اجلنسني والعالقات الشائكة بني‬
‫الطروحات تصل في النهاية‬
‫ّ‬
‫الرجل واملرأة‪ ،‬واملكانة الدونية التي تعيشها النساء في املجتمع‪ ،‬والتمييز الذي تتع ّرض له‪ .‬وعمل ًّيا‪،‬‬
‫ما كان سيظهر ذلك التناقض الصارخ بني ما يمُ كن أن حتمله املشاركات وكذلك املشاركون (رغم‬
‫ق ّلتهم) في بداية احلوار من مواقف مؤ ّيدة لتعدّ د الزوجات‪ ،‬أو األسباب التي يعزونها إلى إقبال الرجال‬
‫على هذه املمارسة‪ ،‬وبني ما يمُ كن أن ُتشير إليه املشاركات أنفسهنّ من غنب وظلم تتع ّرض لهما‪.‬‬
‫كانت املواقف بشكل عا ّم من تعدّ د الزوجات تتفاوت على محور‪ ،‬في طرفه األول املعارضة املطلقة‬
‫‪223‬‬
‫لتعدّ د الزوجات‪ ،‬وفي الطرف الثاني التأييد املتحمس له‪ .‬وقد كانت غالبية املواقف تعارض تعدّ د‬
‫الزوجات بشكل عا ّم‪ ،‬ثم تشرعه في حاالت وظروف مع ّينة‪ .‬وتختلف حدّ ة هذا التشريع من مجموعة‬
‫إلى أخرى باختالف العوامل اجلغرافية والتعليمية واالقتصادية للمشاركني واملشاركات‪ .‬فقد ظهرت‬
‫في مجموعة النساء ر ّبات البيوت القطرية أصواتٌ أوضح‪ ،‬تع ّبر عن مواقف رافضة لتعدّ د الزوجات‬
‫إطال ًقا‪ ،‬بينما لم يكن هذا األمر متبدّ ًيا بالوضوح والثبات نفسيهما في مجموعات أخرى‪ ،‬كمجموعة‬
‫نساء النقب أو مجموعة النساء العزباوات‪.‬‬
‫لقد ظهر في جميع املجموعات شبه إجماع على تشريع تعدّ د الزوجات في حاالت وظروف مع ّينة‪،‬‬
‫وحتديدً ا في حالة عدم إجناب الزوجة ومرضها (حتديدً ا في مجموعة نساء النقب‪ ،‬نساء الناصرة‪،‬‬
‫النساء العزباوات)‪ .‬بينما ظهر أن هذا التشريع الذي وجد له بعض األصوات في املجموعة القطرية‬
‫لر ّبات البيوت‪ ،‬القى انتقادًا مباش ًرا من مشاركات أخريات‪ .‬إذ كان الصوت السائد في مجموعة ر ّبات‬
‫البيوت‪ ،‬والتي ض ّمت نساء من منطقة اجلليل واملثلث‪ ،‬صوت موقف معارض لتعدّ د الزوجات‪ .‬بينما‬
‫علت بعض األصوات التي شرعت تعدّ د الزوجات في أوضاع مع ّينة تتعلق‪ ،‬في األساس‪ ،‬بحالتني‪:‬‬
‫األولى مرض الزوجة وعدم قدرتها على أداء دورها املنزلي والزوجي‪ ،‬والثانية عدم اإلجناب‪ .‬غير أن‬
‫هاتني احلالتني لم تلقيا التأييد عند معظم النساء‪ ،‬ممّا ح ّرك احلوار في اجتاه مكانة املرأة في املجتمع‬
‫والظلم الذي تتعرض له‪ .‬وتع ّبر عن هذه املعارضة إحدى النساء ر ّبات البيوت‪ ،‬قائلة‪:‬‬
‫“إللي ِبدّ ي أحكيه إنه في ظلم كبير للزوجة األولى والثانية‪ ،‬الظلم النفسي‪،‬‬
‫س املعاملة‬
‫يعني بالنسبة للوضع املادي ما بتفرقش معها الزوجة األولى وال الثانية‪َ ،‬ب ّ‬
‫والعشرة هو هاد إللي بهدم املرأة وبهدم حياتها”‪.‬‬
‫وتتابع امرأة أخرى‪:‬‬
‫س بظلم مرته األولى‪ ،‬بظلم‬
‫“أنا بعرف إنه الزملة ّملا بتجوز من َم َرا تانية ِمش َب ّ‬
‫يتحمل مسؤولية بيت واحد‪ ،‬كيف إنه‬
‫حاله كمان‪ ،‬اليوم الوضع بسمحش للواحد‬
‫ّ‬
‫يتجوز كمان َو َحدِ ة ويجيب اوالد‪ ،‬يعني هو ظلم َم َرته األولى واوالده‪ ،‬وظلم حاله‪،‬‬
‫منشان متعة ليلة‪ ،‬أو إنه شوفوني يا ناس جتوزت تاني َم َرة”‪.‬‬
‫وتنضم ثالثة‪ ،‬لتقول‪:‬‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫“هادا ظلم وقسوة ّ‬
‫وحق الرجل نفسه‪ ،‬مستحيل الرجل‬
‫وحق الوالد‬
‫بحق املرأة‬
‫‪224‬‬
‫يتزوج أكثر من َو َحدِ ة ويعدل فع ًال أو يل ّبي ّ‬
‫كل املتطلبات إللي بدها ا ّياها األسرة‪،‬‬
‫ويقدر يعدل بشكل كامل‪ ...‬الزوجة األولى هي الضحية األولى والزوجة التانية هي‬
‫الضحية التانية‪ ،‬الزوجة األولى مبنعوها كيف تختار شريك حياتها وما بهيئوها‬
‫تتعامل مع جوزها وما بسمحولها تعترض على تصرفاته‪ ،‬والضحية الثانية الزوجة‬
‫الثانية‪ ،‬النساء العزباوات إللي بقبلوا بهيك زواج‪ ،‬وبخلوهن يقبلوا يفوتوا على‬
‫ضرة”‪.‬‬
‫وعندما أشارت إحدى املشاركات إلى أن تعدّ د الزوجات يمُ كن أن يتم إذا وافقت الزوجة األولى‬
‫خاصة كمشكلة اإلجناب أو املرض‪ ،‬فقد ع ّبرت نساء‬
‫على ذلك‪ ،‬فقط‪ ،‬وبشروط مع ّينة وفي حاالت ّ‬
‫أخريات عن رأيهنّ في أن ال زوجة توافق على ذلك إ ّال مرغمة‪ ،‬وتورد إحداهنّ حالة لقريبة تعرفها‪،‬‬
‫قام زوجها بالزواج بعد محاوالت مستمرة منه لكي تقبل‪ ،‬فتقول‪:‬‬
‫“مستحيل امرأة تقبل إنه جوزها يتجوز كمان َم َرا”‪ .‬وتضيف أخرى‪“ :‬مستحيل‬
‫تقبل ا َمل َرا‪ ،‬وال َو َحدِ ة بتقبل إنه َو َحدِ ة تانية تشاركها بجوزها‪ ،‬حتى لو وافقت بكون‬
‫غصب عنها أو فوق إرادتها”‪.‬‬
‫وتعتبر امرأة أخرى أنه ال يمُ كن للزوجة أن تقبل بزواج زوجها‪ ،‬كما يمُ كن أن ُيشاع‪“ :‬هادا ِمش‬
‫س ظلم‪ ،‬هادا قتل حلرية املرأة‪ِ ،‬مني ممُ كن تسمح لزوجها إنه يتجوز كمان عليها‪ّ ،‬‬
‫إال إذا‬
‫َب ّ‬
‫بكون اإلشي غصب عنها وغصب عن كرامتها”‪.‬‬
‫استحضرت النساء بذلك قصص الكثير من النساء ممّن حولهنّ ‪ ،‬واللواتي يتعرضن للظلم لسبب‬
‫تعدّ د الزوجات‪ .‬وتورد إحدى املشاركات قصة المرأة تعرفها قام زوجها بالزواج بأخرى رغم قبولها‬
‫مرغمة‪ ،‬فتقول‪:‬‬
‫“ ّملا الزملة بفكر يتجوز َم َرا تانية وتفوت الفكرة براسه ويبدا بدّ و يحققها بنهدّ‬
‫عمود ورا التاني من عمدان البيت‪ ،‬ألنه شفنا شغالت كتير والتجارب قدّ امنا هي‬
‫بتأكد‪ ..‬البيت بنهدّ ”‪ .‬وتورد مشاركة أخرى حالة تعرفها عن زوجة قام زوجها‬
‫بالزواج بامرأة أخرى بحجة عمله خارج منطقة سكناه‪ ،‬مع ّل ًال تعدّ د زوجاته‬
‫بتحاشي ارتكابه الزنى‪ ،‬فتقول‪“ :‬أجا قلها مني أحسن أدور باحلالل ِو ّال احلرام‪..‬‬
‫وبعد جداالت وافقت مرغمة ‪ ...‬وطلع من البيت ومن حياتها‪ .‬بقي الزواج عالورق‪،‬‬
‫أنا سألتها بحالي إنه إنت ما بيجي على بالك إنه هو ييجي عندك وينام عندك‪،‬‬
‫‪225‬‬
‫بتقولي ال خلص من ناحيتي هو انتهى وبتالقي الغصة بحكيها”‪.‬‬
‫يتناسب هذا األمر مع ما جاء في املقابالت املع ّمقة مع النساء اللواتي قام أزواجهنّ بالزواج بقبولهنّ ‪،‬‬
‫وقد تبينّ خالل املقابالت أن النساء‪ ،‬عمل ًّيا‪ ،‬يحاولن ّ‬
‫بكل إمكانياتهنّ رفض األمر ومنعه واالعتراض‬
‫عليه‪ ،‬إلى أن يصلن إلى طريق مسدود‪ ،‬فيستسلمن ويعلنّ القبول ظاهر ًّيا‪ .‬وهذا ما ع ّبرت عنه‬
‫ُ‬
‫واضط ّرت حتت ضغطه إلى الذهاب بنفسها‬
‫“زهرة” في حينه عندما قام زوجها بالزواج لهدف اإلجناب‬
‫لطلب يد أكثر من عروس من أهلها‪ ،‬بينما كانت في داخلها تتمزّق أملًا‪.‬‬
‫في مجموعة نساء النقب‪ ،‬والتي ض ّمت كذلك نساء أزواجهنّ متزوجون بامرأة أخرى‪ ،‬اتفقت النساء‬
‫كذلك على معارضة تعدّ د الزوجات واإلشارة إلى الظلم الذي تتعرض له النساء‪ ،‬وحتديدً ا الزوجة‬
‫األولى‪ .‬وقد ّ‬
‫ركزت املجموعة في حوارها على الظلم الذي تتعرض له الزوجة األولى و َل ْوم املجتمع لها‬
‫يتم وضعها فيها من قبل املجتمع‪ ،‬مقابل االعتراف والشرعية واملكانة التي تتمتع‬
‫واملكانة الدونية التي ّ‬
‫بها الزوجة الثانية‪ .‬أشارت غالبية املشاركات في هذه املجموعة إلى اإلقصاء الذي تعيشه الزوجة‬
‫األولى وزعزعة مكانتها‪ ،‬حيث ينطلق املجتمع من التعامل معها كزوجة غير صاحلة‪ ،‬متّه ًما إياها‪،‬‬
‫بشكل مباشر وغير مباشر‪ ،‬بتقصيرها وفشلها في دورها كزوجة‪.‬‬
‫وفي حني ع ّبرت مجموعات النساء ر ّبات البيوت على اختالفها‪ ،‬عن اعتراضها على تعدّ د الزوجات‪،‬‬
‫فقد طغى على مجموعة النساء العزباوات ٌ‬
‫ميل نحو تأييد هذه املمارسة‪ ،‬انطال ًقا من التجارب‬
‫الشخصية للمشاركات أنفسهنّ ‪ ،‬اللواتي يعتبرن أن تعدّ د الزوجات ممارسة ُتتيح لهنّ فرصة الزواج‬
‫وحتقيق ما لم يحصلن عليه حتى اآلن‪ .‬لكن من املهم اإلشارة إلى أن هذا ال يعني أن جميع املشاركات‬
‫ع ّبرن عن تأييدهنّ لتعدّ د الزوجات‪ ،‬بل ظهرت كذلك أصواتٌ ترفض ذلك‪ ،‬وترى في قبول عرض‬
‫مبديات تعاطفهنّ مع الزوجة األولى‪ ،‬وما تتعرض له من ظلم‬
‫للزواج بزوج متزوج أم ًرا مهينًا لهنّ ‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وإهمال لسبب زواج زوجها‪.‬‬
‫كان من بني األصوات التي علت تأييدً ا للظاهرة‪ ،‬أصوات تعتبر تعدّ د الزوجات هو ّ‬
‫احلل األنسب‬
‫لهنّ ‪ ،‬وقد ع ّبرت إحداهنّ عن ذلك‪ ،‬قائلة‪:‬‬
‫“يعني ّ‬
‫س كمان إحنا من حقنا نعيش‪ ،‬ط ّيب‬
‫الكل بقول حرام الزوجة األولى‪َ ،‬ب ّ‬
‫ّ‬
‫زي ما ّ‬
‫نضل هيك؟ أكيد القصة عاحلالتني صعبة‪ ،‬يعني‬
‫كل إشي إلك‪ ،‬لوينتا بدنا‬
‫ّ‬
‫أضل صاحية وأفكر ّ‬
‫هديك الليلة ّملا بكون نامي مع مرته األولى رح ّ‬
‫كل الليل‪ ،‬شعور‬
‫علي‬
‫صعب‪ِ ،‬مش هو ّين َب ّ‬
‫س شو بدنا نساوي‪ ،‬في بنات كتير‪ ،‬أنا بصراحة معروض ّ‬
‫‪226‬‬
‫س املشكلة‬
‫إني أتزوج من واحد متزوج وأكون ا َمل َرا التانية‪ ،‬وأنا بأ ّيد هادا اإلشي‪َ ،‬ب ّ‬
‫س بدولة إسرائيل ممنوع‪،‬‬
‫بالقانون إنه ما بعطيني حقوقي‪ ،‬الشرع اإلسالمي بعطي َب ّ‬
‫القانون ِمش مع الزوجة التانية”‪.‬‬
‫وفي املقابل‪ ،‬وكما ّ‬
‫متت اإلشارة إليه ساب ًقا‪ ،‬فقد ظهرت أصواتٌ تعارض هذا املوقف‪ ،‬وتشير إلى‬
‫مشيرات إلى حاالت يعرفنها‪ ،‬ممّن حولهنّ من الرجال‪ ،‬ومن بينهم‬
‫الظلم الذي يلحق بالزوجة األولى‪،‬‬
‫ٍ‬
‫من يعتبرون أنفسهم شيوخً ا‪ ،‬لكنهم ُيهملون الزوجة األولى و ُيلحقون بها األذى‪.‬‬
‫أ ّما نساء النقب فقد ع ّبرن عن استيائهنّ من تعدّ د الزوجات‪ ،‬غير أنهنّ ‪ -‬كما مجموعة ر ّبات‬
‫البيوت ‪ -‬اعتبرن املرض وعدم اإلجناب وتقصير الزوجة في واجبات الزوج‪ ،‬سب ًبا شرع ًّيا للزواج‪ .‬وكان‬
‫هذا هو الصوت السائد في املجموعة‪ .‬وبشكل مشابه‪ ،‬تعاملت مجموعة ر ّبات البيوت من مدينة‬
‫الناصرة مع املوضوع‪ ،‬فبدأت املجموعة بصوت يع ّبر عن هذا التأييد‪ ،‬لتقول إحداهنّ ‪:‬‬
‫“إذا بحوج األمر ليش أل‪ ،‬إذا ا َمل َرا بتحوج جوزها يعني ِمش غلط‪ ،‬إذا بتقصر‬
‫بواجباته‪ ،‬إذا كانت مريضة فممكن الزوج يتزوج زوجة ثانية”‪.‬‬
‫بينما ع ّبرت أخريات عن رفضهنّ لهذا املوقف‪ ،‬لتقول إحداهنّ ‪“ :‬تعدّ د الزوجات بشتت العيلة‪،‬‬
‫َس عشان أوالدها‪ ،‬وباآلخر ما بتطلع ببياض الوجه”‪.‬‬
‫وإذا ا َملرَا بتتحمل فب ّ‬
‫أ ّما في املجموعة البؤرية للعاملني والعامالت االجتماعيني واالجتماعيات‪ ،‬فقد ظهرت املعارضة‬
‫خاصة‬
‫بشكل واضح لتعدّ د الزوجات من قبل جميع املشتركات النساء‪ ،‬بينما جاء التشريع حلاالت ّ‬
‫ولظروف مع ّينة من قبل املشاركني الرجال في املجموعة‪ ،‬الذين أبدوا تف ّه ًما ملمارسة تعدّ د الزوجات‬
‫في حاالت مع ّينة‪ ،‬كمرض الزوجة‪ ،‬ليتناسب خطابهم هذا مع اخلطاب السائد‪.‬‬
‫اعتبرت جميع العامالت االجتماعيات أن تعدّ د الزوجات طعن وخيانة للزوجة‪ ،‬وهو انعكاس‬
‫اجتماعي واحد من بني املشاركني من الرجال‬
‫للسيطرة الذكورية للرجل في املجتمع‪ .‬وقد ع ّبر عامل‬
‫ّ‬
‫عن موقف مشابه ملوقف العامالت االجتماعيات املشاركات‪ .‬فتقول إحدى العامالت االجتماعيات‬
‫مع ّبرة عن اعتراضها على تعدّ د الزوجات‪“ :‬أنا ضدّ تعدّ د الزوجات‪ ،‬إذا إحنا مننظر للحياة‬
‫الزوجية السليمة ما بصير يكون في واحد صاحب سلطة والتاني محكوم‪ ،‬تعدّ د الزوجات‬
‫يعني في عالقة بني طرفني واحد حاكم وواحد محكوم‪ ،‬وبهيك عالقة ِمش ممكن يكون‬
‫طبعا بنعكس على التربية واألوالد‪ ،‬كيف ممُ كن يتر ّبى ولد‬
‫في مشاركة وتفاهم‪ ،‬وهادا ً‬
‫‪227‬‬
‫ببيت إذا الزوج ما اهتم مبشاعر زوجته والزوجة ما اهتمت مبشاعر زوجها‪ ،‬كيف ممُ كن‬
‫يهتموا مبشاعر أوالدهن؟”‪.‬‬
‫وتقول عاملة اجتماعية أخرى‪“ :‬أنا بربط تعدّ د الزوجات بامللكية‪ ،‬تعدّ د الزوجات معناه إنه‬
‫الرجل بتملك أكتر من امرأة‪ ،‬االنطالق بهاي احلالة من إنه املرأة عنصر أضعف ومسكينة‬
‫وبحاجة لكنف الرجل عشان يدعمها”‪.‬‬
‫انطلقت العامالت االجتماعيات بذلك من مواقفهنّ الشخصية‪ ،‬وكذلك من جتاربهنّ امل ْهنية في‬
‫التعامل مع عائالت متعدّ دة الزوجات‪ ،‬وما ُيعا ِينّه من ظلم وإهمال جلميع أفراد هذه املنظومة‪.‬‬
‫فترفض العامالت املقولة التي تعتبر أن هناك نساء يقبلن بزواج أزواجهنّ ‪ ،‬وأن هناك إمكانية إلدارة‬
‫منظومة زوجية متعدّ دة الزوجات برضى جميع األطراف‪ .‬فتقول إحدى املشاركات‪:‬‬
‫“تعدّ د الزوجات بيجي من منطلق إنه الرجل هو إللي بقدر وهو إللي مسموح‬
‫له‪ .‬وعادة بيجي الرجل وبحط ا َمل َرا حتت األمر الواقع‪ ،‬بكون صار متجوز عليها‬
‫إما بتدخل بصراعات‬
‫وبقولها تعالي اختاري‪ ،‬وهي شو بدها تختار؟؟ يا بتتطلق يا ّ‬
‫مع املجتمع إللي بطالبها إنه ترضى وتضل على ذمته‪ ،‬يعني ّ‬
‫بكل األحوال هادا ظلم‬
‫وكبت للمرأة”‪.‬‬
‫وقد تبدّ ى هذا األمر بوضوح كبير في املقابالت املع ّمقة مع النساء اللواتي عارضن ّ‬
‫بكل ق ّوتهنّ‬
‫قرار أزواجهنّ الزواج مرة أخرى‪ ،‬بينما لم ُيعِ ر األزواج اهتما ًما لهذه املعارضة‪ .‬وذهب جميع الرجال‬
‫في املقابالت املع ّمقة للتحدّ ث عن موافقة الزوجات وعدم تعارض زواجهم الثاني مع موقف الزوجة‬
‫األولى‪ ،‬بينما أظهرت األسئلة املتعاقبة عكس ما يقولونه‪.‬‬
‫رافضا بشكل مطلق‬
‫وفي الوقت الذي كان فيه موقف العامالت االجتماعيات من تعدّ د الزوجات ً‬
‫لتعدّ د الزوجات‪ ،‬بدأ التشريع له حتديدً ا من قبل رجلني مشاركني‪ ،‬إذ ع ّبر األول منهما عن عدم‬
‫اقتناعه الشخصي بهذه املمارسة‪ ،‬بينما أظهر تف ّهمه ألشخاص يستطيعون ممارستها كآلية وظيفية‬
‫تساعد األفراد وتل ّبي احتياجاتهم في حاالت وظروف مع ّينة‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫“إذا أنا ِبدّ ي أحكي عن نفسي كفرد من ناحية مشاعر‪ ،‬فأنا ضدّ تعدّ د الزوجات‪،‬‬
‫كشخص صعب يكون عندي ازدواجية باملشاعر‪ ،‬لكن اإلشكالية إنه رؤيتنا نابعة‬
‫س الواقع إنه في كتير حاالت تعدّ د‬
‫من امللفات ‪ -‬احلاالت إللي منشتغل فيها‪َ ،‬ب ّ‬
‫‪228‬‬
‫زوجات بتخدم وظائف اجتماعية كتيرة‪ ،‬وفي كتير حاالت تعدّ د زوجات ما بتوصل‬
‫لع ّنا كمكتب خدمات اجتماعية‪ ،‬إللي بصل ع ّنا هي احلاالت إللي فيها مشاكل‬
‫س في حاالت تعدّ د الزوجات بتخدم مجتمعنا‪ ،‬مت ًال موضوع اخللفة‬
‫اقتصادية‪َ ،‬ب ّ‬
‫ومواضيع كتيرة إللي الشخص بجيب كمان زوجة‪ ،‬ومن ناحية دينية كمان في‬
‫نظرة دينية إلها فلسفتها اخلاصة إللي ما منقدر ندخل فيها بنقاش‪ ..‬في أشخاص‬
‫عندهن الطاقات والقدرات نتيجة لظروف مع ّينة‪ ،‬وبقدر يقسم املشاعر ويتواصل‬
‫جنس ًّيا بشكل متساوي‪ ،‬وبر ّبي أوالد ا َمل َرا األولى وأوالد ا َمل َرا التانية بشكل متساوي‪،‬‬
‫ويع ّلم أوالد ا َمل َرا األولى ويوصلهم للجامعة وأوالد التانية كمان‪ ،‬ومتل ما بجيب‬
‫على هادا البيت خمس أكياس بجيب للبيت التاني نفس اإلشي‪ ..‬يعني في حاالت‬
‫كتيرة في واقعنا منشوفها ناجحة ًّ‬
‫جدا في الزواج املتعدّ د ومحافظني عالتوازن”‪.‬‬
‫أ ّما العامل االجتماعي الثاني‪ ،‬فقد تابع بالروح نفسها‪ ،‬قائ ًال‪:‬‬
‫س من جهة ثانية الزم ما يكون في رفض عاإلطالق‬
‫“أنا بشكل شخصي برفضه‪َ ،‬ب ّ‬
‫ّ‬
‫وقبول عاإلطالق‪ ،‬إذا ِبدنا نكون منطقيني الزم نبحث كل حالة بشكل منفرد‪ ،‬إذا‬
‫ِبدنا نحكي عن سالمة العيلة والراحة النفسية وراحة الزوج‪ ،‬احلل الوحيد بكون‬
‫ّ‬
‫وبضل الرجل موجود بالبيت‪ .‬يعني إذا‬
‫بتعدّ د الزوجات‪ ،‬ألنه بحفظ العيلة وا َمل َرا‬
‫احلل مقابل إنه الزملة يفلت بطبريا وبحيفا ويجيب ّ‬
‫بحط هذا ّ‬
‫كل األمراض الصحية‬
‫إللي ممُ كن تكون بعالقات ِمش مزبوطة‪ ،‬في هون سالمة مجتمع وسالمة أفراده‬
‫ومش تعدّ د الزوجات‪ ،‬تعدّ د الزوجات هو االستثناء ‪..‬‬
‫واألساس هو الزواج من َو َحدِ ة ِ‬
‫في ع ّنا خلط حتى في استخدام الدين مبحالت بصير العدل أو االستطاعة‪ ،‬هادا‬
‫ّ‬
‫زي ما أنا بقدر‬
‫بطل تعدّ د زوجات هادا صار اسمه بطر‪ ،‬وإذا املفهوم هيك بكون ّ‬
‫اشتري سيارة أو تنتني معناه أنا بقدر أجتوز أربعة‪ ،‬هادا مفهوم خاطئ وهون الزملة‬
‫ال بفكر بسالمة عيلته وال بإنشاء أسرة وال ّ‬
‫بكل املفاهيم إللي إحنا منحكي فيها‪،‬‬
‫س في حاالت محدّ دة وواضحة‪ ،‬يعني إحنا منحكي عن تعدّ د الزوجات كأمر‬
‫َب ّ‬
‫س في ظواهر كتير أسوأ‪ ،‬مزبوط في رجال بض ّلوا متجوزين َو َحدِ ة وممُ كن‬
‫س ّيئ‪َ ،‬ب ّ‬
‫ّ‬
‫يكونوا دايرين مع الروسيات‪ ،‬وإذا ما حدا بعرف عنه بضل االحترام تاعه موجود‪،‬‬
‫علما إنه ممُ كن يسبب مآسي كتيرة‪ ،‬تعدّ د الزوجات مقبول في حالة إنه هو كان‬
‫ً‬
‫ّ‬
‫وسيلة متل ما هو دينيًّا شرع لسبب واضح‪ ،‬واللي هو حل لشغالت الهدف منها‬
‫نحافظ على العيلة وسالمة املجتمع”‪.‬‬
‫‪229‬‬
‫يعكس هذا املوقف الفجوة القائمة في املجموعة البؤرية بني امل ْهنيني كرجال وامل ْهنيات كنساء‪ ،‬ففي‬
‫ني ناقد جتاه قضايا‬
‫ذاتي وم ْه ّ‬
‫الوقت الذي استطاعت الهوية امل ْهنية للعامالت االجتماعيات بلورة فكر ّ‬
‫املرأة ومن ضمنها تعدّ د الزوجات‪ ،‬يبدو أن امل ْهنيني الرجال ما زالوا يتبنّون مواقف تقليدية تتأرجح‬
‫ما بني القيم الذكورية السائدة والتي تشرع الظاهرة‪ ،‬وبني املواقف امل ْهنية التي تكشفهم على مفاهيم‬
‫ومعايير مختلفة‪ .‬وهنا ال بدّ من اإلشارة إلى أن هذا املوقف ال مي ّثل جميع الرجال امل ْهنيني املشاركني‪،‬‬
‫ني آخر في املجموعة البؤرية موقف معارض متا ًما لتعدّ د الزوجات‪ ،‬يتشابه في وضوحه‬
‫فقد كان مل ْه ّ‬
‫مع موقف امل ْهنيات‪.‬‬
‫احملور الثاني‪ :‬األسباب التي تدفع الرجال إلى‬
‫تعدّد الزوجات‬
‫ميكن تقسيم األسباب التي ّ‬
‫متت اإلشارة إليها من قبل املجموعات إلى قسمني‪ :‬أسباب مباشرة‬
‫وأسباب غير مباشرة‪ .‬وعمل ًّيا‪ ،‬فإنّ اخلوض في األسباب التي جتعل الرجال ميارسون تعدّ د الزوجات‬
‫هي املرحلة الثانية في مسار املجموعة‪ ،‬والتي تتكشّف فيها مواقف املشاركني واملشاركات من تعدّ د‬
‫الزوجات كمرآة تعكس املواقف من حقوق املرأة ومن املساواة بني اجلنسني‪.‬‬
‫لقد أوضح التطرق إلى األسباب التي يعتقد املشاركون واملشاركات أنها تدفع الرجال إلى تعدّ د‬
‫الزوجات ظهور آراء مختلفة‪ ،‬قسم منها يح ّمل املسؤولية للرجال‪ ،‬ويرفض قبول هذه األسباب لتشريع‬
‫تعدّ د الزوجات‪ ،‬و ُيشير إلى انعدام املسؤولية والنضوج لدى الرجال الذين ميارسون هذه املنظومة‪.‬‬
‫بينما ّ‬
‫متت اإلشارة في املقابل إلى أسباب تلقى القبول‪ ،‬وتس ّوغ للرجل تعدّ د زوجاته‪ ،‬وتلقي بالالئمة‬
‫واملسؤولية على الزوجات والنساء‪ .‬وقد طغى هذا التوجه في معظم املجموعات البؤرية‪ .‬وعمل ًّيا‪ ،‬فقَد‬
‫يفسر‬
‫تشابهت جميع املجموعات البؤرية (ما عدا مجموعة امل ْهنيني وامل ْهنيات) في تبنّي خطاب ذكوري ّ‬
‫ويح ّلل القضية من وجهة نظر ذكورية‪ ،‬وقد كان هذا األمر يتفاوت بني مجموعة وأخرى‪ ،‬من حيث‬
‫التوجه‪ .‬فمجموعة ر ّبات البيوت القطرية أظهرت تن ّو ًعا ومي ًال نحو طرح أسباب ال تشرع‬
‫حدّ ة هذا‬
‫ّ‬
‫للرجل تعدّ د الزواج‪ ،‬وتعتبره قرا ًرا غير مسؤول‪ ،‬ناب ًعا من سيطرته وعدم اكتراثه لزوجته ولزواجه‪،‬‬
‫ومنتقدات العديد من األسباب التي‬
‫دات على الظلم الذي يلحق بجميع أفراد هذه املنظومة‪،‬‬
‫ٍ‬
‫مشدّ ٍ‬
‫يتم تداولها مجتمع ًّيا كأسباب شرعية لتعدّ د الزوجات‪ .‬بينما اختلف هذا اخلطاب في مجموعة النساء‬
‫ّ‬
‫‪230‬‬
‫العزباوات ونساء النقب‪ ،‬اللواتي مِ لن أكثر إلى تسويغ تعدّ د الزوجات في حاالت مع ّينة وحتميل الزوجة‬
‫مسؤولية هذه اخلطوة‪ ،‬وإلقاء اللوم عليها‪.‬‬
‫إن جميع املشاركات في املجموعات البؤرية‪ ،‬اللواتي ع ّبرن عن رفضهنّ لتعدّ د الزوجات‪ ،‬أشرن‬
‫العربي‪ ،‬ليس فيما يتعلق بتعدّ د الزوجات فقط‪ ،‬بل فيما‬
‫إلى الغُنب الذي يلحق بالنساء في املجتمع‬
‫ّ‬
‫يتعلق ّ‬
‫أساسا‪ ،‬من عدم املساواة القائم بني املرأة والرجل واملكانة الدونية‬
‫بكل قضايا املرأة‪ ،‬والنابع‪،‬‬
‫ً‬
‫للنساء‪ .‬أ ّما في باقي املجموعات‪ ،‬فكانت هذه األصوات ّ‬
‫أقل حدّ ة‪ ،‬حيث كان اخلطاب السائد فيها‬
‫أساسا‪ ،‬بتشريع تعدّ د الزوجات في حاالت مع ّينة‪ ،‬ل ُيفضي‪ ،‬أحيانًا‪ ،‬إلى تل ّمس التمييز‬
‫خطا ًبا يبدأ‪،‬‬
‫ً‬
‫وانعدام املساواة والعدالة‪ ،‬لكن من دون أن تستطيع النساء وضع اإلصبع على األسباب‪ ،‬األمر الذي‬
‫جعل خطابهنّ يغرق في التناقضات والبلبلة‪ .‬وهي النتيجة الطبيعية ملا تعايشه ّ‬
‫كل مشتركة حتاول‬
‫كحل أسلم ّ‬
‫التماهي مع اخلطاب السائد ّ‬
‫وأقل صدامية مع املنظومة القِ َيمِ ية التي ينقلها لها املجتمع‪،‬‬
‫ومع جتارب شخصية يع ّمها الظلم والتمييز‪ .‬إن هذا الصراع بني اجتاهني مختلفني جعل خطاب‬
‫مناح عديدة‪.‬‬
‫املشاركات ازدواج ًّيا في ٍ‬
‫لدى التط ّرق إلى حركية هذه املسارات املتشابهة‪ ،‬ظهرت كذلك مضامني متشابهة في جميع‬
‫املجموعات‪ ،‬حوت في داخلها تضار ًبا بني وجهات النظر املعارضة لتعدّ د الزوجات في التط ّرق للموقف‬
‫العا ّم‪ ،‬ليظهر‪ ،‬فيما بعد‪ ،‬وعند التط ّرق إلى األسباب من وراء هذه املمارسة‪ ،‬أمران‪ :‬األمر األول هو‬
‫مشتركي جلميع‬
‫عاملي‬
‫تشريع هذه املمارسة في حاالت مع ّينة‪ .‬وقد كان عدم اإلجناب ومرض الزوجة‬
‫نْ‬
‫نْ‬
‫املجموعات البؤرية‪ ،‬ومن بينها كذلك أصوات الرجال في مجموعة امل ْهنيني وامل ْهنيات‪ .‬أ ّما األمر الثاني‬
‫فهو ظهور مواقف تعتبر تعدّ د الزوجات ممارسة سلبية وتلقي باملسؤولية فيه على الرجل الذي ال يقوم‬
‫باحترام زوجته األولى وبيته‪ ،‬ومواقف أخرى حت ّمل الزوجة املسؤولية على جلوء زوجها إلى الزواج‬
‫بأخرى لسبب “تقصيرها”‪ ،‬ذلك باإلضافة إلى عوامل أخرى تتض ّمن وتعلن‪ ،‬أحيانًا‪ ،‬بشكل مباشر‪،‬‬
‫مسؤولية النساء جمي ًعا في إغراء الرجل الذي ال يستطيع إ ّال أن يتجاوب مع هذا اإلغراء‪ .‬ويجعل هذا‬
‫التفسير جميع املشاركات‪ ،‬وحتديدً ا النساء‪ ،‬يقعن في فخ التناقض والبلبلة؛ فتارة يتعاطفن مع الزوجة‬
‫يعزين هذا األمر إلى “طبيعته”‪ .‬وعمل ًّيا‪ ،‬تبنّت‬
‫و ُيشرن إلى سوء تص ّرف الرجل وعدم وفائه‪ ،‬وتارة ِ‬
‫معظم النساء اخلطاب السائد حول تعدّ د الزوجات‪ ،‬وقد كان موضوع تشريع الزواج دين ًّيا أم ًرا مت َف ًقا‬
‫تفسيرات أخرى لآليات القرآنية التي تجُ يز‬
‫عليه لدى النساء‪ ،‬ولم تظهر بني املشاركات نساء يطرحن‬
‫ٍ‬
‫معاني أخرى‪ .‬فعمل ًّيا‪،‬‬
‫التعدّ د‪ ،‬بل إنهنّ تعاملن مع هذا التشريع كأمر مس ّلم به‪ ،‬وال يحمل في ط ّياته‬
‫َ‬
‫لم ُتبد املشاركات في املجموعات البؤرية وجهة نظر نقدية جتاه التفسيرات املختلفة للتشريع الديني‬
‫لتعدّ د الزوجات وإمكانية التعارض معه‪ .‬يبدو أنّ النساء يخشني إبداء معارضتهنّ لهذه التفسيرات‬
‫وتبنّي تفسيرات أخرى حتدّ من هذا التشريع‪.‬‬
‫‪231‬‬
‫األسباب املباشرة‪:‬‬
‫مرض الزوجة وعدم إجنابها‪:‬‬
‫ّ‬
‫أكد املشاركون واملشاركات في جميع املقابالت أن مرض الزوجة وعدم إجنابها‪ ،‬هما سببان‬
‫مركزيان لتعدّ د الزوجات‪ .‬وقد قوبل هذان السببان بشكل عا ّم‪ ،‬وبني مجموعات النساء حتديدً ا‪ ،‬شبه‬
‫إجماع وتف ّهم‪.‬‬
‫تقول إحدى النساء من مجموعة ر ّبات البيوت القطرية‪:‬‬
‫“إذا الزوجة بتكون مريضة مرض مزمن أو مشلولة مسموح للرجل يتجوز‬
‫زوجة ثانية‪ ،‬تدير بالها عليهن وتصلح شأنهن وبكون في صبايا ما في حدا يرعاهن‪،‬‬
‫فش أم ترعاهن‪ ،‬ليه ما يتزوج ويحافظ على بيته وعلى مرته وكمان ما يروح يدور‬
‫برا على الروسيات‪ ،‬يعني بنظري يتزوج ملا املرا مريضة وأوالدها صغار بالبيت‬
‫بحاجة المرأة تديره‪ ،‬يعني ملا مرا مشلولة شو بتتوقعي منها للموضوع‪ ..‬في‬
‫تأثيرات إيجابية بس نكون معتدلني في االختيار”‪.‬‬
‫وقد رأى قسم من النساء أن التعدّ د بذلك‪ ،‬هو حق للرجل ما دامت زوجته توافق على ذلك‪ ،‬وتع ّبر‬
‫إحدى املشاركات عن ذلك‪:‬‬
‫ً‬
‫“إذا من ناحية ثانية من حقه إذا في تفاهم بينه وبني مرته األولى‪ ،‬وهي موافقة‬
‫‪52‬‬
‫وقادر يلبيلها طلباتها ورغباتها‪ ،‬من حقه بس يكون في شروط”‪.‬‬
‫وتقول واحدة من املشتركات في مجموعة النساء العزباوات‪“ :‬ملا بتكون مريضة مضطر‬
‫يتجوز”‪.‬‬
‫وتنطلق معظم النساء بذلك من قبولهنّ بالدور التقليدي للمرأة‪ ،‬والذي ّ‬
‫يركز على دورها في رعاية‬
‫البيت وأداء الواجبات املنزلية لألوالد والزوج‪ ،‬فالرجل “بحاجة ملرا تقوم فيه”‪ .‬كما ع ّبرت إحدى‬
‫النساء في مجموعة ر ّبات بيوت الناصرة‪ ،‬وأما حني تعجز عن ذلك فإن تعدّ د الزوجات أمر مشروع‪.‬‬
‫وهنا ال بد من التذكير بالنقاش الذي أشير إليه ساب ًقا‪ ،‬والذي ع ّبرت فيه النساء بعد تطور احلوار عن قناعتهنّ بأنه‬
‫‪5‬‬
‫‪2‬‬
‫رغما عنها‪.‬‬
‫ال ميكن للزوجة األولى ‪ -‬وال في أيّ ٍ‬
‫حال من األحوال ‪ -‬أن توافق‪ ،‬إمنا تأتي موافقتها ظاهرية‪ً ،‬‬
‫‪232‬‬
‫لم توافق جميع النساء على هذا املوقف‪ ،‬واعترضت بعضهنّ على ذلك واعتبرت أن عدم اإلجناب أو‬
‫املرض ليس سب ًبا مس ِّو ًغا لتعدّ د الزوجات‪ .‬وانتقد الكثير من األصوات هذا التشريع لهاتني احلالتني‪،‬‬
‫متسائالت عن الفرق الذي يتعامل به املجتمع مع الرجال في حال كانت احلالة ضدّ ّية‪ ،‬وكان الرجل‬
‫هو من يعاني من مرض أو من مشاكل في اإلجناب‪ ،‬وتوقعات املجتمع من الزوجة قبول هذه الوضعية‪،‬‬
‫متسائالت ملاذا يتعامل املجتمع مع هاتني احلالتني مبكيالني؟ وقد ع ّبرت إحدى النساء في مجموعة‬
‫ر ّبات البيوت القطرية عن ذلك بقولها‪:‬‬
‫“إذا هي مريضة يتحملها الزملة‪ ..‬ما هي حتملته وحتملت أوالده‪ ،‬هو وقت املرض‬
‫بدوش يتحملها‪ ،‬ما هو هدا ظلم بحد ذاته ملا يروح يتجوز عليها”‪.‬‬
‫داميا بتضحي وهي الضحية‪ ،‬يعني ّملا الرجل بخلفش‬
‫وتتابع أخرى‪“ :‬الرجل أناني‪ ،‬املرا ً‬
‫ليش املرا بتقبل وبتضل مستعدة تعيش معاه ّ‬
‫كل حياتها‪ ،‬من دون ما يكون عندها خلف‪،‬‬
‫أما ِع ّنا الزملة إذا املرا بتخلفش بالقيها حجة‪ ،‬هذا ظلم”‪ .‬وتضيف مشاركة أخرى‪:‬‬
‫ّ‬
‫“بعرف واحدة قعدت خمسة وعشرين سنة مع جوزها وما أجاها والد‪ ،‬هي ما‬
‫صارحت من مني السبب‪ ،‬منها أو من جوزها‪ ،‬بس بتحكي إنه هي بتتعالج لدرجة‬
‫إنه وصلت إنه خواته قالولها أخونا خلص الزم يتجوز‪ ،‬تصوروا لوين الظلم واصل‪.‬‬
‫لو كانت املشكلة فيها كان الرجل جتوز‪ ،‬و ّملا املرا بتصير مريضة هو الزم يتجوز‪ ،‬بس‬
‫ّملا الزملة مريض بقولولها ال هدا نصيبك والزم تعيشي معه”‪.‬‬
‫وفي التوجه نفسه‪ ،‬فقد تابعت النساء في املجموعة نفسها ل ُيع ّبرن عن رفضهنّ للتشريع الذي‬
‫تتبناه نساء أخريات لزواج الزوج عند مرض الزوجة األولى‪ ،‬فتقول إحداهنّ ‪:‬‬
‫“ ّملا الزملة بنشل املرا بتضلها قاعدة مع أوالدها وهي مجبورة تخدم فيه‪ ،‬يعني في‬
‫شخص بعرفه مرته مريضة وضل صابر عليها وعنده أوالد زغار‪ ،‬وهو بروح بطبخ‬
‫ومرته من ناحية أعصاب كانت مريضة ًّ‬
‫جدا‪ ،‬يعني مش إنه حالة استثنائية”‪.‬‬
‫لكن هذه االعتراض ظهر‪ ،‬فقط‪ ،‬في هذه املجموعة ولم يظهر هذا املوقف نفسه في املجموعات‬
‫األخرى‪ ،‬بل ّ‬
‫مت التعامل مع هاتني احلالتني كحالتني يشرع فيهما الزواج للزوج بشكل مطلق‪ ،‬من دون‬
‫وجود انتقاد على ذلك‪.‬‬
‫‪233‬‬
‫تقصير الزوجة في واجبات زوجها‪:‬‬
‫لقد ّ‬
‫احتل هذا السبب ح ّيزًا مركز ًّيا في املجموعات البؤرية‪ ،‬وقد ّ‬
‫مت التطرق إليه عند الدخول في‬
‫مسارات أخرى‪ ،‬أفضت إلى تل ّمس القضية مبنظار شمولي‪ ،‬وخلقت حوارات جعلت الكثير من النساء‬
‫ُيغ ّيرن مواقفهنّ التي تبنّينها في بداية احلوار‪ ،‬مقارنة بنهاية احلوار‪.‬‬
‫لقد تط ّرقت بعض النساء إلى األسباب التي جتعل الرجل يتز ّوج بسبب تقصير الزوجة األولى في‬
‫االهتمام به‪ ،‬وع ّبر العديد منهنّ عن تقصير الزوجة في واجباتها جتاه البيت وجتاه زوجها‪ ،‬التقصير‬
‫في واجبات الزوج‪ ،‬وإهمالها لنفسها‪ ،‬على اعتبار أن اعتناء املرأة بنفسها هو واجب على املرأة تلبيته‪،‬‬
‫من أجل الرجل ال من أجل نفسها‪ ،‬وهو جزء من الوظائف واملها ّم امللقاة عليها‪ ،‬ضمن واجباتها جتاه‬
‫زوجها‪ .‬وقد ظهر هذا التشريع لهذا السبب بشكل أكثر حد ًة في مجموعات نساء النقب‪ ،‬ومجموعة‬
‫ر ّبات البيوت احمل ّلية في الناصرة‪ ،‬وكان أكثر حد ًة في مجموعة النساء العزباوات‪.‬‬
‫تقول إحدى النساء من مجموعة ر ّبات البيوت القطرية‪:‬‬
‫“فش زملة بتجوز بيوم وليلة بدو يكون الشي مر عليه سنني وأيام‪ ،‬الزملة بلف وبشوف‬
‫وبشتغل والواحد بلحق اجلمال‪ ..‬بكون مشتغل ومارق عليه بنات حلوات ومرتبات‪ ،‬بالقي‬
‫مرته بأواعي الدار وشغل ومي وريحتها طبيخ‪ ،‬ميكن نفسه يروح يالقي مرته مرتبة‬
‫ميكن هذا الشي معدوم ِع ّنا وتتابع أخرى في االجتاه نفسه‪ ،‬لكن مع اإلشارة إلى األسباب التي‬
‫جتعل الزوجة تهمل بنفسها‪ ،‬والتي تعود إلى كبر املسؤوليات امللقاة عليها‪ ،‬فتقول‪:‬‬
‫“املرا عليها ّ‬
‫كل املسؤوليات‪ ،‬هي بتروح عاملدرسة‪ ،‬هي بتجيب أغراض‪ ،‬هي الزم‬
‫تنظف البيت‪ ،‬هي الزم تساوي ّ‬
‫كل إشي‪ ،‬وبتحاول تنقص من ميزانية نفسها عشان‬
‫تصرف عالبيت‪ ،‬النتيجة بتكون إنه هي من ناحية صحة بتزيد بالوزن‪ ،‬بتبطل تهتم‬
‫بحالها‪ ،‬مش مهتمة تعمل إشي مخصص إلها وجلوزها‪ ،‬مش مهتمة تعمل زاوية‬
‫مخصصة إلها وجلوزها‪ ،‬هدا ِبأثر إنه هو يطلع برا‪ ،‬يدور إلنه في إشي ناقص”‪.‬‬
‫تضحي من أجل‬
‫رغم هذا املوقف املتماثل مع الزوجة وما تتحمله من مسؤوليات وأعباء جتعلها ّ‬
‫البيت واألسرة‪ ،‬فهذا املوقف‪ ،‬عمل ًّيا‪ ،‬يح ّمل الزوجة املسؤولية ويتوقع منها أن تعمل من أجل أن‬
‫تالئم ذاتها الحتياجات البيت واألسرة واحتياجات الزوج‪ ،‬باعتبارها هي املسؤولة عن استمرارية هذه‬
‫املنظومة الزوجية في جميع املستويات‪ ،‬بينما ال يطالب الرجل ‪ -‬باملقابل ‪ -‬بتحمل مسؤوليات مشابهة‪.‬‬
‫‪234‬‬
‫لقد ع ّبرت مجموعة نساء النقب بغالبيتهنّ عن اعتقادهنّ أن للزوج احلق في الزواج مرة أخرى‬
‫إذا كانت الزوجة األولى “غلطانة”‪ ،‬بحسب تعبير بعض النساء‪ .‬فتقول إحداهنّ ‪“ :‬إذا كانت ما‬
‫بتخلف وما بتحترمه‪ ،‬ما في انسجام زوجي بحقله يتجوز”‪ .‬وتقول أخرى‪“ :‬أو إنها منقصة‬
‫بواجباته يعني ما بتهتم فيه”‪ .‬في هذه احلالة‪ ،‬اعتبرت غالبية النساء أن هذا السبب مس ِّوغ لزواج‬
‫الزوج‪.‬‬
‫تشير مجموعة النساء العزباوات إلى أن عدم اهتمام الزوجة بزوجها دافع لتعدّ د زواجه‪ ،‬فتقول‬
‫إحداهنّ ‪“ :‬من األسباب‪ ،‬مث ًال‪ ،‬إنه هي ما بتهتم فيه‪ ،‬ما بتهتم بلبسه‪ ،‬بأكله‪ ،‬حتطله أكل‬
‫أو تلبس فستان حلو‪ ،‬ليش ما تقعد معاه وتاكل معاه وتهتم فيه”‪.‬‬
‫وتتابع امرأة ثالثة‪ ،‬فتقول‪:‬‬
‫“املرا الزم تقعد مع زوجها تهتم فيه‪ ،‬حتطله أكله‪ ،‬يعني ّملا يرجع من الشغل تقعد‬
‫معاه تقوله يعطيك العافية مش بدنا وبدنا وبدنا”‪ .‬وتضيف أخرى‪“ :‬املرا الزم‬
‫تعطيه ّ‬
‫كل احتياجاته في الليل وفي النهار مش بس بالنهار‪ ،‬في نساء ما ودهنّ ”‪.‬‬
‫تك ّرر هذا السبب في مجموعة نساء الناصرة‪“ :‬وال زملة بتجوز ّ‬
‫إال ما يكون سبب يعني‪ ،‬مث ًال‪،‬‬
‫إذا زوجته ما بتقوم بواجباته”‪.‬‬
‫وتشير امرأة أخرى من املجموعة نفسها‪ ،‬قائلة‪:‬‬
‫علي إذا في أشياء ناقصته‪ ،‬إذا كنت مريضة‪ ،‬إذا مش قاميه‬
‫“أنا بوافق يتجوز زوجي ّ‬
‫بواجبه مثل الالزم‪ ،‬يعني في كثير أشياء ممكن تنقص عالزملة”‪ .‬لكن هذا األمر قوبل بالرفض‬
‫من نساء أخريات‪ ،‬وقد ع ّبرت إحداهنّ عن ذلك قائلة‪“ :‬هي املرا شو مجرد حيط بالبيت”‪.‬‬
‫كان تقصير الزوجة في واجبات الزوج محو ًرا مركز ًّيا في حوار النساء العزباوات‪ ،‬اللواتي من‬
‫األسهل عليهنّ التفتيش عن أسباب لدى الزوجة‪ ،‬لكي يشرعن بذلك للزوج زواجه بامرأة أخرى‪،‬‬
‫ولكي يشرعن بذلك ألنفسهنّ الزواج برجال متزوجني‪“ :‬في نساء بتجبر الزملة يتزوج عليهنّ ‪..‬‬
‫في نسوان مش قاميه بواجب جوزها ووالدها”‪ .‬وهنا ال بد من اإلشارة إلى أن دور الزوجة في‬
‫تلبية حاجة زوجها‪ ،‬كان أم ًرا اتفق عليه بني جميع املشاركات من النساء العزباوات‪ ،‬حتى من كانت‬
‫منهنّ معترضات على تعدّ د الزوجات‪.‬‬
‫‪235‬‬
‫ع ّبرت النساء العزباوات عن هذا السبب‪ ،‬معتبرات هذا الوضع تسويغًا للرجل الزواج بأخرى‪ ،‬من‬
‫خالل ما تقوله إحدى املشاركات‪:‬‬
‫“ممكن املرا بتكون هي اللي بتشتغل بالبيت وهي اللي بتتحكم باملصروف و ِبت ِْهت‬
‫عليه‪ ،‬بتصير مشاكل وليش مش عامل هيك وليش مش مساوي هيك‪ ،‬وإنه ّ‬
‫بطال ّبه‬
‫يشتغل شغل البيت‪ ،‬كمان هذا الوضع بزهقه وبصير يطلع لبرا‪ ،‬بالقي واحدة‬
‫يصاحبها يحكيلها ويشكيلها‪ ،‬وهيك شوي شوي بتطور العالقة وبتجوزها”‪.‬‬
‫وتابعت أخرى قائلة ومبدية تفهمها للرجل‪“ :‬املرا ممكن تكون مقصرة بجوزها من ناحية‬
‫نفسانية‪ ..‬أو إنه بتضلها ّ‬
‫كل الوقت باملطبخ‪ ،‬بتضلها بنفس األواعي‪ ،‬علشان هيك الزملة‬
‫مرات بنهزم من البيت‪ ،‬الزملة ّملا بالقيش راحة بالبيت بطلع‪ ،‬بدو يشوف املرا مرتبة‪ ،‬يعني‬
‫ليش الزملة بنهزم من البيت يعني خلي عصفور بقفص وهالباب معكوس بدو يهج ويطلع”‪.‬‬
‫وتضيف أخرى‪:‬‬
‫“املرا بتكون مقصرة بجوزها إذا ما بتحترمه‪ ،‬عيب املرا يطلع صوتها على جوزها‪،‬‬
‫االحترام هو ّ‬
‫كل إشي‪ ،‬وبهاي األ ّيام فش احترام‪ ،‬إذا اختلفت املرا هي وجوزها الزم‬
‫يضل صوتها واطي ومش الزم ترفعه وال مرة عليه”‪.‬‬
‫ّ‬
‫كحل لهذه اخلالفات‬
‫لم تتحدث املشاركات عند التطرق إلى هذا السبب عن إمكانية الطالق‬
‫مت االنطالق لدى غالبيتهنّ من اعتبار الطالق خارج إطار احلوار‪ ،‬وكأنه ال ّ‬
‫الزوجية‪ ،‬و ّ‬
‫يشكل بدي ًال أو‬
‫ح ًّال عند اخلالفات الزوجية‪.‬‬
‫يعود بنا هذا الوصف إلى ما أشارت إليه املرنيسي (‪ )35:2001‬بالنظرية الغزالية عند حتليل‬
‫وضعية املرأة‪“ ،‬فاملجتمع اإلسالمي في رأي الغزالي ينقسم إلى قسمني‪ :‬فئة تنتج املعرفة وتطلبها‬
‫كطريقة لعبادة الله وطاعته‪ ،‬وفئة أخرى تستهلك (بضم التاء) من طرف هذه الفئة املنتجة ثقاف ًّيا‪،‬‬
‫وتتكون من النساء”‪ .‬إننا ندرك من خالل حديث اإلمام الغزالي عن اجلنسني‪ ،‬أن هناك عنص ًرا‬
‫منتجا وعنص ًرا آخر يسخّ ر للعنصر األول (النساء)‪ ،‬ولذلك فإن مفك ًرا شامخً ا كاإلمام الغزالي يسقط‬
‫ً‬
‫ّ‬
‫في شرك تقسيم املؤمنني إلى فئتني‪ ،‬لكل فئة دورها املتباين واملتناقض مع دور األخرى في املجتمع‬
‫يشكلون الفئة التي تنتج فكر ًّيا‪ ،‬والنساء وهنّ ّ‬
‫اإلسالمي‪ :‬الرجال‪ ،‬وهم ّ‬
‫يشكلن الفئة املسخّ رة خلدمة‬
‫احلياة اجلنسية لدى هؤالء‪ .‬وذلك يتناقض مع روح الرسالة اإلسالمية التي حتث على املساواة بني‬
‫‪236‬‬
‫املؤمنني كمساواة مطلقة‪ ،‬حيث إن اإلسالم ال مي ّيز‪ ،‬مبدئ ًّيا‪ ،‬بني املؤمنني‪ ،‬إ ّال بدرجة تقواهم”‪.‬‬
‫عمل ًّيا‪ ،‬ما قالته النساء وما ذكره الرجال في املقابالت املع ّمقة‪ ،‬هو استمرار الستحضار هذه النظرية‬
‫ّ‬
‫بكل ما ّ‬
‫أي وقت مضى عند التطرق إلى الهندسة‬
‫مت تذويته منها عبر السنني‪ ،‬لتبقى حاضرة أكثر من ّ‬
‫االجتماعية‪ ،‬وإلى دور املرأة في النظام االجتماعي القائم‪.‬‬
‫تنطلق بذلك جميع املشاركات من اقتناعهنّ بأن دور املرأة األساسي هو خدمة الرجل وتلبية‬
‫جميع احتياجاته‪ ،‬لتتشابه هذه القناعة بذلك مع اخلطاب الذكوري الذي ظهر بوضوح في مقابالت‬
‫الرجال‪ .‬إنها الرسائل املجتمعية املتجذرة في وعي النساء‪ ،‬والتي يقوم املجتمع بب ّثها باستمرار خالل‬
‫عملية التنشئة االجتماعية‪ ،‬التي تك ّرس األدوار االجتماعية للجنسني‪ ،‬حيث تضع في مسؤولية النساء‬
‫احلفاظ على الزوج والزواج وتعفي الرجل من أية مسؤوليه له في هذه املنظومة‪.‬‬
‫تتم مطالبة النساء مبا ال يستطيع فعله إ ّال “قوى خارقة”‪ ،‬وهذا هو‪ ،‬عمل ًّيا‪،‬‬
‫من الطبيعي بذلك أن ّ‬
‫ما يدفع النساء باستمرار إلى إلغاء ذواتهنّ ورغباتهنّ واحتياجاتهنّ من أجل إرضاء الرجل‪ ،‬والسعي‬
‫باستمرار من أجل إثبات جدارتهنّ كزوجات ناجحات‪ .‬وأ ّما الفشل فيعني عدم جدارة هذه الزوجة‬
‫بهذه املرتبة وعدم كفاءتها‪ ،‬وهي حالة تدخل إليها معظم الزوجات اللواتي يقوم أزواجهنّ بالزواج‬
‫بأخريات‪ .‬وعندما تدور معظم النساء في فلك هذا الدور‪ ،‬ساعيات لتحقيق النجاح وإثبات أنفسهنّ‬
‫يتم جتريد النساء من ّ‬
‫وجناحهنّ للمجتمع‪ ،‬فإن الفشل يعني الدمار وفقدان ّ‬
‫كل‬
‫كل ما متلك‪ .‬عندما ّ‬
‫مصادر القوة والتحقيق الذاتي‪ ،‬امل ْهنّي والتعليمي‪ ،‬فهذا يعني أن النساء جت ّردن من الدور الوحيد الذي‬
‫ك ّلفهنّ املجتمع القيام به‪ ،‬وفشلن فيه‪ .‬إن هذه املواقف املجتمعية التي تظهر في املجموعات البؤرية‪،‬‬
‫يوجه‬
‫تشير إلى املواقف االتهامية التي تتع ّرض لها النساء اللواتي قام أزواجهنّ بالزواج بأخرى‪ ،‬والتي ّ‬
‫املجتمع بها أصابع االتهام لهنّ ‪.‬‬
‫وقد أشارت معظم النساء الزوجات في املقابالت املع ّمقة إلى تعرضهنّ التهامات مباشرة أو تساؤالت‬
‫وتلميحات من املجتمع‪ ،‬لتقصيرهنّ في واجباتهنّ جتاه الزوج‪ .‬لقد ذكرت مي كزوجة أولى‪ ،‬ما م ّرت به‬
‫حني قامت بتح ّمل جميع مسؤوليات املنزل ورعاية األوالد‪ ،‬وتخصيص الكثير من جهدها البنها الذي‬
‫أصبح يعاني من إعاقة من دون أن يشاركها الزوج هذه األعباء‪ ،‬وحني قرر الزواج ع ّلل قراره بإهمالها‬
‫له وعدم تخصيص وقتها وجهدها لراحته وإلشباع غريزته اجلنسية‪ ،‬التي يدّ عي أنها كبيرة‪ ،‬والتي‬
‫لم تعد مي قادرة على سدّ ها‪ .‬حني يدرك الرجل أن دور زوجته قائم‪ ،‬فقط‪ ،‬من أجل سدّ احتياجاته‬
‫والسهر على خدمته‪ ،‬وال يدرك دوره كشريك لها في هذه اخللية الزوجية‪ ،‬يصبح تعدّ د الزوجات‬
‫نتيجة حتمية غير قابلة للنقاش‪.‬‬
‫‪237‬‬
‫كان من الواضح أن النساء غير قادرات على حتليل األسباب العميقة‪ ،‬وهو ما يوقعهنّ في تناقض‪،‬‬
‫فاملرأة نفسها التي أوردت حالة لزوج قام بالزواج بأخرى ألنّ زوجته لم تكن تعتني به‪ ،‬أبدت تفه ّمها‬
‫لذلك‪ّ ،‬‬
‫لتهتم بالزوج وتقوم باالعتناء مبلبسه وأناقته‪ .‬ثم تابعت‬
‫وأكدت أهمية أن تأتي الزوجة الثانية‬
‫ّ‬
‫هذه املرأة حديثها بعد ذلك ليتبينّ أن هذا الزوج نفسه‪ ،‬ك ّرر زواجه بثالثة‪ ،‬لكنها هذه املرة‪ ،‬لم‬
‫تستطع فهم سبب ذلك‪ ،‬ومن دون أن تأتي بتسويغ له (وقد فشلت جميع النساء املشاركات في تفسير‬
‫زواجه الثالث)‪ .‬وقد ع ّبرت تلك املشاركة عن استغرابها حني قرر ذلك الرجل أن يتزوج بامرأة ثالثة‪،‬‬
‫ثم تابعت لتقتبس تبريره‪ ،‬فتقول‪:‬‬
‫“مرته الثانية ذهب‪ ،‬يعني ما بتخليه يطلع غير والبنطلون مكوي والقميص مكوي‬
‫ومزبط والعطر ّ‬
‫أما السبب ليش جتوز من الثالثة ما بقدر أجاوبك‪ ..‬صار‬
‫وكل اللوازم‪ّ ..‬‬
‫يقول إنه مرته الثانية عصبية‪ ،‬أنا حكيت معاه‪ ،‬قلتله مرتك كويسة ونظيفة ّ‬
‫وكل إشي‬
‫عندها مز ّبط‪ ،‬قال لي يا وردة إنت ما بتعرفي شي‪ ،‬قال لي هي عصبية وما بتتحملني‬
‫وبتتعصنب على الوالد‪ ،‬وأنا ودي واحدة هادية وأنا لقيت واحدة هادية اللي هي بتتحملني‬
‫علي‪ ،‬يعني أمشي عالشغل وأنا بالي رايق”‪.‬‬
‫وما‬
‫ّ‬
‫بتعصب ّ‬
‫تعترض بعض النساء على املواقف التي حت ّمل النساء مسؤولية تعدد الزيجات‪ ،‬فيتطرقن إلى الوضع‬
‫االقتصادي الذي ال ُيتيح للنساء التفكير في االهتمام بأنفسهنّ ‪ ،‬ف ُيلغني ذواتهنّ وحاجاتهنّ ملصلحة‬
‫حاجات البيت واألوالد‪“ .‬الزملة ِع ّنا بحط غريزته قبل أوالده‪ ،‬إحنا النساء بشكل عامّ منقمع‬
‫أنفسنا عشان األوالد وعشان البيت وعشان الزملة‪ ،‬وأنا كامرأة بتنازل عن كثير من‬
‫حقوقي‪ ،‬وعن كثير أمور بكون ِبدّ ي إياها‪ ،‬وبقول معلش الوضع واحلياة وعشان أوالدي‬
‫وعشان حياتي‪ .‬بس احلقيقة إنه أنا بتنازل عن حقوقي‪ ،‬وجوزي بشوفها عند واحدة ثانية‪،‬‬
‫هي بتوخد هاي األمور مش أنا”‪.‬‬
‫بشكل شبيه‪ ،‬أفضى احلوار الذي دار بني نساء النقب إلى موقف مشابه ملا وصلت إليه مجموعة‬
‫ر ّبات البيوت العا ّمة‪ .‬فبرغم التشريع الذي ع ّبرت عنه النساء في هذه املجموعة لتعدّ د الزوجات‪،‬‬
‫الضمني بتقصيرهنّ جتاه الزوج‪ ،‬كسبب مركزي في زواجه الثاني‪ّ ،‬‬
‫مت توسيع النقاش‪،‬‬
‫واتهام الزوجات‬
‫ّ‬
‫وتوجيه بعض األسئلة التي حتمل في طياتها حافزًا نقد ًّيا جتاه اخلطاب السائد‪ ،‬شجع الكثير من‬
‫املشاركات على إبداء مواقف وآراء مختلفة ع ّما ع ّبرن عنه مع بداية احلوار‪ ،‬وبذلك فقد اتخذ مسار‬
‫منحى مختل ًفا‪ .‬وبهذا‪ ،‬فاملشاركات أنفسهنّ اللواتي شرعن تعدّ د الزوجات في بداية احلوار‪ ،‬هنّ‬
‫احلوار ً‬
‫أنفسهنّ من ع ّبرن عن نظرتهنّ النقدية إلى انعدام املساواة بني النساء والرجال‪ ،‬واألدوار االجتماعية‬
‫املكرسة للرجل واملرأة‪ ،‬والتي تطالب املرأة بتح ّمل جميع أعباء املنزل وأمور التربية والرعاية‪ ،‬بينما‬
‫‪238‬‬
‫تعفي الرجل من هذا اجلانب‪ ،‬األمر الذي يجعل النساء يشعرن بالتعب واإلرهاق‪ ،‬بينما ُيلقي الرجل‬
‫مبسؤولياته ويذهب للزواج بامرأة أخرى‪ .‬تط ّرقت إحدى النساء إلى هذا اجلانب‪ ،‬وهي املرأة نفسها‬
‫التي أشارت إلى أن تقصير الزوجة في واجبات زوجها‪ُ ،‬يعطي الزوج ح ًّقا شرع ًّيا في الزواج بأخرى‪،‬‬
‫فتقول‪:‬‬
‫“املفروض صار في مساواة‪ ،‬املرا صارت متساوية بالرجل‪ ،‬املرا بتقول للزملة أنا والله‬
‫تعبانة أنا بشتغل زيي زيك‪ ،‬فبدك تشتغل معاي‪ ،‬والرسول كان يعاون مرته في بيته‪ ،‬في‬
‫ِع ّنا فئة من الرجال اللي ما دخلهن وال بإشي‪ ،‬في زالم بتحملوا إنه يساعدوا نسوانهن‪،‬‬
‫في زالم ما بتحملوا‪ ،‬إحنا مجتمع ِع ّنا إذا كان الزوج عصبي بضرب بغضب إنت الزم‬
‫تتحملي عشان أوالدك‪ِ ،‬ع ّنا مسموح يعمل ّ‬
‫كل إشي”‪.‬‬
‫وبالروح نفسها‪ ،‬تط ّرقت النساء في النقب إلى هذه الوضعية‪“ :‬إذا ه ّني متفقني هي تطلع‬
‫تشتغل عشان احلالة املادية ومتطلبات البيت‪ ،‬هي بتطلع معاه عالشغل ّملا بترجع هي الزم‬
‫كل إشي‪ ،‬هو كمان الزم يفهمها‪ ،‬بس هو مش رح يفهمها‪ ،‬هي عليها ّ‬
‫تطبخ وتساوي ّ‬
‫كل‬
‫شي بالبيت‪ ،‬األوالد والدار‪ ،‬وه ّني ما خصهن بإشي بالدار‪ ،‬وهي كمان إلها حق معاك هي‬
‫من الصبح لليل بتشتغل‪ ،‬تعال إنت شوف الدار شو ودها مرتك‪ ،‬مش شرط احلياة الزوجية‬
‫هو بس اجلنس”‪.‬‬
‫عمل ًّيا‪ ،‬يبدو من املجموعات البؤرية أن النساء في البداية يك ّررن اخلطاب املجتمعي السائد‪ ،‬الذي‬
‫ينطلق من اعتباراته البطريركية‪ ،‬لتكون النساء بذلك حامالت وصائنات النظام االجتماعي القائم‪.‬‬
‫غير أن األمر ال يقف‪ ،‬دائ ًما‪ ،‬عند هذا احلد‪ ،‬فالقليل من األسئلة احلافزة جتعل بعض النساء يعِ دْن‬
‫بالتواصل مع أنفسهنّ ومع حاجاتهنّ ومع ما يواجهنه من غنب وظلم‪ ،‬لتعود األسئلة ذاتها تطفو على‬
‫السطح من جديد‪.‬‬
‫ُتظهر هذه احلوارات الفجوة القائمة بني توقعات الرجال من الزواج وتوقعات النساء منه‪ ،‬ففي‬
‫الوقت الذي يرى فيه الرجل أن الزواج مؤسسة تقوم من أجل خدمته وتأمني جميع احتياجاته‪ ،‬من‬
‫دون التطرق إلى مسؤولياته كأب في حتمل أعباء األسرة ورعاية األوالد (والتركيز‪ ،‬فقط‪ ،‬على قدرته‬
‫واضحا في املقابالت مع الرجال)‪ ،‬فإن النساء‬
‫املادية في تأمني احتياجات العائلة املادية‪ ،‬وهذا ما كان‬
‫ً‬
‫في حلظات انكشافهنّ احلقيقية‪ ،‬وعندما يستطعن التخلي عن اخلطاب السائد وإلقا َءه بعيدً ا‪ ،‬فإنهنّ‬
‫املعنوي‪ .‬وقد ع ّبرت إحدى النساء‬
‫يع ّبرن عن تو ّقعاتهنّ من الرجل كزوج باملشاركة واملساندة والدعم‬
‫ّ‬
‫عن عدم تف ّهم الرجل لزوجته لعدم حتمله املسؤوليات التي تتحملها‪ ،‬قائلة‪:‬‬
‫‪239‬‬
‫“في رجال ما بشعروا مع زوجاتهن‪ ،‬إنه املرا بتكون تعبانة وهو بكون عنده قوة أكثر‬
‫من الالزم‪ ،‬بدو إنه ّ‬
‫داميا مهيأة‪ ،‬يعني هي مهيأة باللبس‬
‫كل ليلة ينام مع مرته‪ ،‬واملرا مش ً‬
‫مرات يبقى في عطل مش جاي عبالي‪ ،‬هاي مشكلة كبيرة في البيوت‪ ..‬لو‬
‫والتزبيط‪ّ ،‬‬
‫أما ّ‬
‫هو بكون معها وبشتغل معها بصير يحس فيها”‪.‬‬
‫وتتابع امرأة أخرى‪ ،‬قائلة‪:‬‬
‫“إحنا النساء محتاجات للتعاطف واالحترام واحلب‪ ،‬هاي بالنسبة إلنا أهم من هاي‬
‫“الشغلة”‪ ،‬أنا بالنسبة إلي العبطة والبوسة وا ِحلنية واالحترام قدام الوالد‪ ،‬أهم من هاي‬
‫الشغالت”‪.‬‬
‫وفي املفترق الذي ّ‬
‫مت فيه التطرق إلى هذه القضية‪ ،‬أشار العديد من النساء إلى عدم االكتفاء‬
‫اجلنسي الذي من املمكن أن يعيشه الكثير من النساء‪ ،‬وان عدم املساواة القائمة بني الزوجني في أداء‬
‫دورهما وفي تلبية احتياجاتهم‪ ،‬فتقول إحدى املشاركات في مجموعة نساء الناصرة‪:‬‬
‫“ومني قال إنه بس املرا بتكون تعبانة‪ ،‬كمان الزملة بكون تعبان‪ ،‬ليه املرا بتسكت‬
‫وبتقبل‪ ،‬في نسوان ميكن تكون غريزتهن أقوى من غريزة الزملة‪ ،‬بس إحنا باملجتمع‬
‫العربي ممنوع املرا تطلب هيك إشي”‪.‬‬
‫وتتابع أخرى من املجموعة نفسها‪ ،‬قائلة‪“ :‬إحنا تربينا إنه عيب نحكي بهاي األشياء”‪.‬‬
‫أيضا‪ ،‬إحدى النساء في مجموعة ر ّبات البيوت القطرية‪ ،‬فتقول‪:‬‬
‫وتع ّبر عن ذلك‪ً ،‬‬
‫“املجتمع ذكوري‪ ،‬الزملة مسموحله ّ‬
‫أما املرا حتى لو زوجها عنده نقص‬
‫كل إشي‪ّ ،‬‬
‫ما بتسترجي تقول‪ ،‬هو حتى لو بده منها هاي الشغلة (اجلنس)‪ ،‬بوخدها غصب عنها‪.‬‬
‫العالقة‪ ..‬اجلنس‪ ،‬العالقة بني الرجل واملرا وحتى الولد مسموحله ّ‬
‫كل إشي‪ ،‬مهما منقول‬
‫الولد زي البنت‪ ،‬قديش بتحاولي بتالقي الولد أبوه بعطيه وإنه هو الصح والبنت هي‬
‫الغلط‪ ،‬ومرات بتكون في أشياء بني الزملة واملرا‪ ،‬بس املرا ما بتسترجي حتكي إشي‪ ،‬أنا‬
‫أشمت الناس بجوزي‪ ،‬في أوالد‪ ،‬في بنات‪ ،‬ما بصير‬
‫أحكي على جوزي‪ ،‬بتصير تقول شو ّ‬
‫أدمر حياتي وحياة أوالدي وبناتي من حتت راس شغلة‪ ،‬بتسكت حتى لو هو غلطان‪،‬‬
‫ّ‬
‫والزملة من هو ولد وشاب وزملي بضل متنمرد على املرا”‪.‬‬
‫‪240‬‬
‫تتناقض هذه املقوالت مع ما حاول الرجال في املقابالت املع ّمقة تأكيد صوابه‪ ،‬وهو فاعلية الرجل‬
‫اجلنسية مقابل سلبية املرأة وبرودها‪ ،‬وهنا تأتي هذه املقوالت لتدحض هذا الرأي‪ ،‬فاملرأة ليست‬
‫سلبية جنس ًّيا‪ ،‬لكن املجتمع هو من ير ّبيها على السير في هذا املسار‪ ،‬وتبقى هذه احلالة دلي ًال‬
‫على ع ّفتها وحيائها‪ ،‬وهي غير قادرة على التعبير عن حاجاتها خج ًال وخو ًفا‪ ،‬وليس لسبب فروقات‬
‫بيولوجية قائمة بينها وبني الرجل‪.‬‬
‫عدم اكتفاء الرجل بامرأة واحدة‬
‫لقد أشارت العديد من املشاركات في جميع املجموعات إلى أن أحد األسباب التي تدفع‬
‫دائما‪ ،‬عن‬
‫الرجل إلى تعدّ د الزوجات‪ ،‬هو أنه ال يكتفي بزوجة واحدة ويستمر في البحث‪ً ،‬‬
‫تسليما بهذا األمر‪ ،‬كجزء من “طبيعة الرجل” ومن‬
‫أخريات‪ ،‬وهو سبب يحمل في طياته‬
‫ً‬
‫األداور املولودة معه‪ ،‬وليس كدور مكتسب يتطور ويصقل من خالل التنشئة املجتمعية‬
‫التي تربي الولد الذكر على دور “الصائد” الذي يبحث باستمرار عن نساء‪ ،‬كجزء من‬
‫طبيعته‪ ،‬وبالتالي التسليم بها كحقيقة ال يمُ كن جتاوزها‪.‬‬
‫أشارت نساء النقب إلى أن “الزملة عينه بتزوغ”‪ ،‬وهذا سبب يدفعه للزواج‪ ،‬فهو يريد التنويع‪.‬‬
‫وقد تك ّرر هذا األمر في باقي املجموعات‪ .‬تقول إحدى املشاركات في مجموعة النساء العزباوات‪“ :‬في‬
‫زالم بجهلوا على كبر‪ ،‬بسن األربعني”‪ .‬وتقول مشاركة أخرى‪“ :‬أول سبب إنه الزملة عينه‬
‫فارغة‪ ،‬مش مستكفي باللي عنده‪ ،‬فش وال زملة على الكرة األرضية راضي ومكتفي”‪.‬‬
‫وتع ّبر امرأة أخرى عن ذلك‪ ،‬باإلشارة إلى رغبة الرجل في تبديل زوجته بأخرى أكثر شبا ًبا‪،‬‬
‫فتقول‪:‬‬
‫“الرجال بدهن ّ‬
‫كل األنواع‪ّ ،‬ملا بتعتق بتركها‪ ،‬أنا بعرف حالتني الله معطيهن أوالد‬
‫وصاروا جامعيني‪ ،‬وعندهن ّ‬
‫كل إشي‪ ،‬جمال ومصاري‪ ،‬بعد عشرين سنة جتوز الزملة‬
‫برا بتسأل شو ناقصك؟ أنا بالنسبة إلي الرجال‬
‫الثانية‪ ،‬وهو عالطريق للزواج الناس ك ّلها ّ‬
‫بدهن ّ‬
‫كل األنواع‪ّ ،‬ملا بتعتق املرا بتركها”‪.‬‬
‫وهنا تربط املشاركات هذه “الطبيعة” بدور اإلغراء الذي متارسه النساء والفتيات على الرجال‪،‬‬
‫حلثهم بذلك على الزواج‪ .‬وعمل ًّيا‪ ،‬تقوم النساء مرة أخرى بإعفاء الرجل من مسؤوليته جتاه زواجه‪،‬‬
‫‪241‬‬
‫وتلقي باللوم على املرأة التي تقوم بإغرائه‪ ،‬وهو اخلطاب الذكوري ذاته الذي ظهر في املقابالت‬
‫املع ّمقة مع الرجال‪ ،‬والذي يقوم املجتمع بإرضاعه ألفراده رجا ًال ونسا ًء‪ ،‬والتماهي معه واجتراره من‬
‫دون توقف‪.‬‬
‫تربط النساء املشاركات بني “العني الزايغة” للرجل وبني “احلرية” احلديثة التي تتمتع بها “بنات‬
‫اليوم”‪ ،‬التي تع ّبر النساء عن استيائهنّ منها‪ ،‬حيث تقوم النساء بإغراء الرجال‪ ،‬فتكون النهاية تعدّ د‬
‫الزوجات‪.‬‬
‫تقول إحدى النساء في مجموعة ربات بيوت الناصرة‪“ :‬اليوم البنات والنسوان بغروا‪،‬‬
‫الزملة ّملا بكون شيخ وحليته هالقد ّ‬
‫الس َّطاش‬
‫إال ما يتطلع ويلتفت نظره‪ ..‬اليوم بنت ِّ‬
‫والسبعطاش بتلفت نظر ابن اخلمسني سنة بلبسها ومكياجها‪ ،‬بشعراتها ومبشيتها‬
‫َّ‬
‫بالشارع”‪ .‬وتتابع أخرى من املجموعة نفسها‪ ،‬قائلة‪“ :‬البنات اليوم بتغري كثير‪ ،‬ما بهمهن إذا‬
‫الزملة متجوز أو هيك‪ ،‬في بنات مستعدة تعطي حالها ومالها بس تعال جتوزني”‪.‬‬
‫بالروح نفسها‪ ،‬ع ّبرت النساء العزباوات عن ذلك‪:‬‬
‫ميا ما أحالها‪ ،‬طلع لبسها‪ ...‬يعني واحدة حلوة‬
‫“لبس الصبايا املغري‪ ،‬الزملة بفور دمه‪ّ ،‬‬
‫والبسة‪ ،‬معلوم إنه بدو يتطلع عليها‪ ،‬بدو يتجوز‪ ،‬بنجن‪ ،‬ألنه لبسها مغري‪ ،‬صار اللبس‬
‫أكثر مغري”‪.‬‬
‫تعود هذه املقوالت لتربط املرأة بالفتنة والشيطنة واإلثارة‪ ،‬وتصوغ تعدّ د الزوجات كميكانيزم‬
‫ناجع من أجل حتصني الرجل من خالل مؤسسة شرعية‪ ،‬إلى جانب ميكانيزمات أخرى كاحلجاب من‬
‫أجل فرض ضوابط أحكام الفصل بني اجلنسني‪ .‬وقد تساءل قاسم أمني (‪ )1970‬في هذا اخلصوص‪،‬‬
‫قائ ًال‪“ :‬هل اعتبرت عزمية الرجل أضعف من عزمية املرأة؟ واعتبر الرجل أعجز من املرأة عن ضبط‬
‫نفسه واحلكم على هواه؟”‪ .‬من الواضح أن املشاركات ك ّررن بذلك اخلطاب السائد من دون التم ّعن‬
‫فيه‪ ،‬ومن دون نقده‪ .‬إنه التماهي مع خطاب األقوى واخلضوع لقواعده‪ .‬وعمل ًّيا‪ ،‬تقوم الثقافة األبوية‬
‫التي تتغلغل في بناء شخصيات النساء والرجال بتأطير املرأة كمبعث للفساد ومصدر للفتنة‪ ،‬تعمل‬
‫باستمرار على إخراج الرجل عن سراطه املستقيم‪ ،‬وتتحمل بذلك مسؤولية ز ّلته‪ .‬إنها قصة حواء‬
‫التي أغوت آدم وأوقعته في اخلطيئة ل ُيطرد من اجلنة‪ ،‬التي تغلغلت بعمق في النسق الذهنّي العا ّم‪.‬‬
‫والتي تع ّبر عن ّ‬
‫جتذرها العميق مقوالت النساء وتفسيراتهنّ وما يوردنه من تسويغات للرجال‪ .‬ويقوم‬
‫املجتمع بثقافته األبوية بإعادة إنتاجها من جديد‪.‬‬
‫‪242‬‬
‫احلالة االقتصادية للزوج‬
‫تشير مياني (‪ )2008‬في مقدمة كتابها “تعدّ د الزوجات والقانون في اململكة العربية السعودية”‪،‬‬
‫إلى اعتبار الثراء أحد العوامل األساسية في توسع ظاهرة تعدّ د الزوجات احلديثة في السعودية‪،‬‬
‫خصوصا بني فئة املتعلمني من احلجازيني الذين استطاعوا جمع ثروة مادية كبيرة بعد الثورة‬
‫ً‬
‫النفطية‪ ،‬ويقومون بالزواج مرة أخرى بالنساء النجديات املنحدرات من أصول عربية عريقة‪ ،‬ليكون‬
‫اقترانهم بهنّ س ّل ًما لالرتقاء االجتماعي‪ ،‬وقد ع ّبرت إحداهنّ عن ذلك‪ ،‬قائلة‪“ :‬إنني أناسب غناه‬
‫واضحا‪ ،‬و ّ‬
‫مت التطرق إليه بشكل عابر‪،‬‬
‫وهو يناسب نسبي”‪ .‬غير أن هذا العامل لم يجد له ح ّيزًا‬
‫ً‬
‫هامشي‪ ،‬فتعدّ د الزوجات الذي كان ينتشر في املاضي بني مشايخ البدو لكونهم‬
‫إذ يبدو أنه عامل‬
‫ّ‬
‫ميلكون موارد أكبر‪ ،‬لم يعد قائ ًما في مجتمع مجرد من املوارد االقتصادية ويعيش على هامش احلياة‬
‫االقتصادية للدولة‪،‬‬
‫ولذلك فقد ّ‬
‫مت التطرق إلى هذا األمر بشكل عابر‪ .‬فأشارت مجموعات ر ّبات البيوت ونساء النقب‬
‫والناصرة‪ ،‬إلى كون الرجل مقتد ًرا اقتصاد ًّيا‪ ،‬كعامل يدفع الرجل إلى الزواج‪“ :‬اليوم الزملة ّملا يكون‬
‫معه مصاري أكثر من طاقته بصير بدو يطلع مع هاي ويساوي مع هاي وكثير شغالت”‪.‬‬
‫كما ع ّبرت بطريقة مشابهة إحدى املشاركات من مجموعة ر ّبات البيوت‪ ،‬فقالت‪“ :‬احلالة املادية‬
‫بشوفها إنها براس اإلشي‪ ،‬الرجل إللي معاه مصاري ووضعه االقتصادي منيح أول تفكير‬
‫ّ‬
‫يحتل ح ّيزًا كبي ًرا‬
‫بفكر فيه هو إني بدي أجتوز كمان واحدة‪ ،‬هذا غال ًبا”‪ .‬لكن هذا العامل لم‬
‫في املجموعات البؤرية‪ ،‬و ُذكر بشكل عابر‪ .‬رغم أنه عامل مركزي في األبحاث األنثروبولوجية‪ ،‬التي‬
‫ثري‬
‫أظهر العديد منها أن النساء اللواتي يعشن في مناطق شحيحة املوارد‪ّ ،‬‬
‫يفضلن الزواج برجل ّ‬
‫متزوج يؤ ّمن للزوجة احتياجاتها‪ ،‬بد ًال من الزواج برجل أعزب ال ميلك موارد اقتصادية متكنهنّ من‬
‫العيش الرغيد‪.‬‬
‫‪243‬‬
‫أسباب غير مباشرة‪:‬‬
‫تشجيع رجال الدين وأئمة املساجد (املشايخ)‬
‫لقد أظهر بحث مياني احلديث (‪ )2008‬في اململكة العربية السعودية الدور املركزي الذي تلعبه‬
‫والتوجه املنهجي الذي يرتكز على الدعوة إلى ذلك‬
‫املؤسسة الدينية في الترويج لتعدّ د الزوجات‪،‬‬
‫ّ‬
‫من قبل أئمة املساجد احمللية‪ ،‬الذين ير ّوجون باستمرار لنشر املمارسة‪ ،‬ويعملون من خالل أجهزة‬
‫اإلعالم الرسمية لذلك‪ .‬وقد ّ‬
‫أكد العديد من األزواج في ذلك البحث أن لدور اإلعالم والطروحات‬
‫الدينية املشجعة تأثي ًرا بالغًا في إقدامهم على تعدّ د الزوجات‪.‬‬
‫حسب مياني ‪ -‬في عدد أئمة املساجد الذين يتصرفون‬
‫هناك تزايد مستمر في السنوات األخيرة ‪َ -‬‬
‫كدعاة ويقومون بالتنسيق واملالءمة بني األزواج وعائالت فتيات لم يتز ّوجن بعدُ ‪ ،‬من أجل التعارف‬
‫حسب ما يسمح به الشرع‪ .‬وقد وصل هذا األمر إلى مؤسسة العمل من خالل افتتاح‬
‫بني األطراف َ‬
‫مكاتب ووكاالت يرأسها شيوخ‪ ،‬كالشيخ عبد العزيز الغمدي‪ ،‬ومشروعه‪“ ،‬املشروع اخليري للداللة‬
‫على الزواج”‪ ،‬والذي ابتدأ‪ ،‬أو ًال‪ ،‬من خالل مقال يومي ينشر في إحدى الصحف ب ُعنوان “نصف‬
‫الدين”‪ ،‬ليتحول بعد ذلك إلى مشروع يتلقى الدعم احلكومي‪ .‬وتورد مياني التشريع الصريح الذي‬
‫أصدره رئيس هيئة كبار العلماء عام ‪ 2001‬كفتوى جديدة‪ ،‬والذي دعا فيه جميع النساء السعوديات‬
‫إلى قبول تعدّ د الزوجات كجزء من قبولهم للدين اإلسالمي‪.‬‬
‫ّ‬
‫ويحتل مكانًا رئيس ًيا في بلورة السلوكيات واملمارسات‬
‫عندما يتزايد اخلطاب الديني في املجتمع‬
‫يتم أخذ رأيها ومواقفها بعني‬
‫املتبعة في املجتمع‪ ،‬تصبح هذه الشخصيات بنظر أفراده مرجعية ّ‬
‫يتم تقليد سلوكها‪ .‬ويبدو أن املجتمع الفلسطيني يستورد ‪ -‬كما يستورد الكثير من‬
‫االعتبار‪ ،‬كما ّ‬
‫يتم‬
‫املُنتَجات الثقافية األخرى ‪ -‬هذا النهج‪ ،‬ويعمل على تطبيقه‪ .‬إن الترويج لتعدّ د الزوجات الذي ّ‬
‫ديني‪ّ ،‬‬
‫ً‬
‫ضغطا كبي ًرا على مجتمع يفتقر إلى التوازن‪،‬‬
‫يشكل‬
‫نشره‪ ،‬حال ًّيا‪ ،‬من خالل رزمة بغالف ّ‬
‫ويعيش على هامش احلياة السياسية واالقتصادية واالجتماعية للدولة‪.‬‬
‫وتشير إحدى املشاركات في مجموعة النساء القطرية إلى الفتاوى الدينية احلديثة‪ ،‬الصادرة في‬
‫منطقة املثلث‪ ،‬قائلة‪:‬‬
‫“ع ّنا مبنطقة إم الفحم ط ّلعوا فتوى الزم الزملة يتجوز أربعة‪ ،‬ومنسمع عن فالن‬
‫ِ‬
‫بريت‬
‫جتوز بالسر‪ ،‬كان برام الله أو باخلليل‪ ،‬وتزوج عشان شغله‪ ،‬وألنه ببقى وبنام ّ‬
‫‪244‬‬
‫البيت والزم يتجوز‪ ...‬عملوا إحصائية قديش نسبة الفتيات العزباوات من جيل‬
‫ثالثة وعشرين وفوق‪ ،‬طلعت نسبة كبيرة كثير‪ ،‬ف ِبديوا يقولوا إنه ّ‬
‫كل رجل ياخد‬
‫فتاة عزباء من شان يقللوا أو ما يضل فتيات عزباوات‪ ..‬هذا التشجيع بأ ّثر بالنسبة‬
‫للناس املتدينة‪ ،‬هذا اإلشي مقدس‪ ،‬ومن ناحية دينية ّملا الرسول كان يتزوج ما‬
‫كانوا يفكروا ليش تزوج مسيحية‪ ،‬وإنه هو كان بدو ينشر الدعوة اإلسالمية‪ ،‬يعني‬
‫هذا ابن خالي وال بيوم من األيام تخيلت إنه ممكن يتجوز”‪.‬وتضيف على ذلك امرأة‬
‫أخرى‪:‬‬
‫“في ظاهرة هيك‪ ،‬ه ّني شباب إللي عملوا هاي اإلحصائيات‪ ،‬بكفرمندا بالذات‬
‫ّ‬
‫الكل إنه ينشر هاي الفكرة‪ ،‬وبصيروا ينشروا من قرية‬
‫عملو جلنة وطلبوا من‬
‫للثانية‪ ،‬مث ًال بصيروا يقولوا إنه فالن الفالن متجوز وعنده هالقد أوالد‪ ،‬وعنده بيت‬
‫وبطلب بنت من هدول البنات (العزباوات)‪ ،‬في حدا بخصني من كفرمندا‪ ،‬ابن‬
‫خالي وهو من الناصرة‪ ،‬كان مارق من كفرمندا يصلي‪ ،‬قالوا له شو رايك في كذا‬
‫وعرفوه على واحدة من عرابة‪ ،‬جاب املرا‬
‫وكذا‪ ،‬قلهن آه‪ ،‬أنا مقتدر وباخذ وحدة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫محل‪،‬‬
‫رجعها على عرابة واستأجرلها‬
‫الثانية عالناصرة وتقاتلت هي واألولى‪ ،‬فعاود ّ‬
‫وحياته اليوم مثل الدوامة”‪.‬‬
‫حتدثت نساء النقب عن وضع مشابه‪ ،‬حيث يقوم أشخاص مل ّقبون برجال “الدعوة” بالدخول إلى‬
‫البيوت‬
‫والتقصي عن النساء العزباوات‪ ،‬وتعريف رجال متزوجني بهنّ وتزوجيهنّ ‪ .‬وع ّبرت إحداهنّ‬
‫ّ‬
‫عن ذلك‪ ،‬قائلة‪:‬‬
‫يلموا البنات إللي مش متجوزات‪ ،‬بضلهن يلفوا‬
‫“في ناس بعملوا على إنهن ّ‬
‫عالبيوت‪ ،‬بعطوهن معونة‪ ،‬بقولوا إ ّنه بدنا نلم النسوان ‪ ..‬جنوزهم ‪ ..‬في إللي‬
‫بيجوا بعد صالة العصر وبقولوا والله في بيت فالنة الفالنة شو رأيك تتجوزها‪،‬‬
‫وصارت إنه راحوا أخدوا الزملة وجوزوه‪ ،‬واملرا ما بتعرف ‪ ..‬يعني كلفة الزواج ك ّلها‬
‫بتيجي من شيوخ الدعوة‪ ،‬وفي كثير شباب ماشيني بالدعوة‪ ،‬إللي ه ّنه بهدوا الناس‬
‫وبدعوهم يتجوزوا ثنتني وثالثة”‪.‬‬
‫يشجع الكثير من الرجال على الزواج‪ .‬لكنهنّ لم يستطعن‬
‫وقد ع ّبرت النساء عن أن هذا األمر ّ‬
‫التوجهات عندما تأتي من شخصيات مت ّثل‬
‫نقضه أو انتقاده‪ .‬كيف ستستطيع النساء دحض هذه‬
‫ّ‬
‫لهنّ مرجعيات دينية؟‬
‫‪245‬‬
‫من الواضح أن النساء اللواتي يستمددن مواقفهنّ ووجهات نظرهنّ من خالل االعتماد على‬
‫مرجعيات دينية‪ّ ،‬‬
‫تشكل بالنسبة إليهنّ جز ًءا مركز ًّيا من منظومة املعايير القيمية واألخالقية التي‬
‫يستمددن منها ممارساتهنّ ‪ ،‬ال يستطعن رفع صوتهنّ في وجه هذا التشريع‪ ،‬ألن معارضتهنّ له تعني‬
‫يفسر عدم تطرق‬
‫حسب اعتقادهنّ ‪ -‬عن الدين‪ ،‬أي جت ِّردهنّ من هُ ويتهنّ ‪ .‬وهذا ما ّ‬
‫تخ ّليهنّ ‪َ -‬‬
‫املجموعات البؤرية إلى مناقشة هذا التشريع‪ ،‬والتعامل معه كأمر َّ‬
‫مسلم به (كما ظهر ذلك بوضوح‬
‫في املقابالت املع ّمقة مع النساء)‪ .‬كان من الواضح أن النساء املشاركات لم ُيبدين معرفة في اآليات‬
‫القرآنية التي تشرع تعدّ د الزوجات‪ ،‬ولم يك ّررن سوى بعض الكلمات التي جتيز التعدّ د‪ ،‬من دون‬
‫امتالكهنّ نظرة نقدية‪ ،‬أو اعتمادهنّ على تفسيرات جديدة تنقض هذا التشريع‪ .‬ولذلك فقد بقي‬
‫هذا التشريع مغ ّل ًفا بتحفظ خجول‪.‬‬
‫أ ّما في مجموعة النساء العزباوات‪ ،‬فقد أشار جزء منهنّ بإيجابية إلى ظاهرة تشجيع الشيوخ‬
‫حسب ما قالته إحداهنّ ‪.‬‬
‫للرجال‪ ،‬من أجل الستر على البنات‪“ ،‬فالبنات اليوم أكثر من الزالم”‪َ ،‬‬
‫التوجه وأصوات أخرى معارضة‪ ،‬فقالت إحداهنّ ‪ ،‬مورِ دة ذلك لتعزيز‬
‫وقد ظهرت أصوات مؤيدة لهذا ّ‬
‫موقفها الداعم لتعدّ د الزوجات‪ ،‬قائلة‪“ :‬الشيوخ ما ح ّللوا من دون سبب‪ ،‬بس بدل ما البنت‬
‫برا وتطلع مع هاد وتطلع مع هاد‪ ،‬تتجوز‪ ..‬وفي شيوخ بقولوا إنه الشرع بسمح‪ ،‬وأنا‬
‫تطلع ّ‬
‫كمان سمعتها من إمام جامع مش أي واحد‪ ،‬بقول أنا‪ ،‬مث ًال‪ّ ،‬‬
‫بفضل الزملة يتجوز جيزة‬
‫ثانية‪ ،‬و ّملا سألته ليه‪ ،‬حكى إنه في نسبة بنات اليوم بتطلع كثير”‪.‬‬
‫ّ‬
‫تشكل هذه الدعوات املنهجية من قبل شخصيات دينية وأخرى سياسية‪ ،‬بالنسبة إليهنّ ‪ ،‬مرجعيات‬
‫دينية تضع النساء في حالة عجز وعدم قدرة على املواجهة‪ .‬وحني ّ‬
‫حتتل القيم الدينية والدين مساحة‬
‫أساسية في تك ّون شخصياتهنّ ومواقفهنّ ونهجهنّ في احلياة‪ ،‬فإن هذا الترويج يضع النساء في حالة‬
‫صراع ما بني اخلطاب الديني الذي يتب ّن ْينه‪ ،‬وبني هذا التشريع الصادر من صميم القرآن‪.‬‬
‫لم تستطع النساء االقتراب من التشريع الديني الذي ُيجيز تعدّ د الزوجات‪ ،‬واللجوء إلى تفسيرات‬
‫جديدة‪ .‬وظهر أن النساء في املقابالت املع ّمقة ‪ -‬كما في املجموعات البؤرية ‪ -‬ال ميتلكن األدوات‬
‫الكافية لدحض هذا التشريع واجلدال فيه‪ ،‬انطال ًقا من رؤية جديدة حتمل تفسيرات جديدة‪ ،‬مما ُيبقي‬
‫النساء في دائرة تكريس الظلم وعدم العدل والتلويح بشرط العدل الذي يفرضه التشريع القرآني‬
‫في حال عدم تطبيقه‪ .‬ولذلك‪ ،‬فإن النساء‪ ،‬بأغلبهنّ ‪ ،‬تعاملن مع هذا التشجيع كأمر واقع ال يمُ كن‬
‫نقده واالقتراب منه‪ ،‬العتقادهنّ أن الرجال ميلكون هذا التشريع‪ .‬وقد ع ّبرت إحدى النساء عن ذلك‬
‫بقولها‪“ :‬املشكلة إنه الرجل عينه قوية ألنه الشرع معه”‪.‬‬
‫‪246‬‬
‫وفي املجموعة البؤرية للعاملني‪/‬ات االجتماعيني‪/‬ات‪ ،‬تورد إحدى العامالت االجتماعيات توظيف‬
‫التشريع الديني في قضية تعدّ د الزوجات‪ ،‬من خالل حالة شخصية لقريبة لها‪ ،‬فتقول‪“ :‬في‬
‫إنسانة قريبة لزوجي وكان زوجها قبل فترة متجوز عليها وط ّلق‪ ،‬واليوم كمان مرة عم‬
‫بفكر باملوضوع‪ ،‬بهديك الفترة كان متدين ّ‬
‫وكل الوقت وهو يستخدم غطاء الدين‪ ،‬ويقول‬
‫الشيوخ قالوا لي وسمحولي‪ ،‬وفع ًال‪ ،‬الشيوخ سمحوله وطلبوا موافقة الزوجة‪ ،‬وهون‬
‫القضية‪ .‬كيف الزوجة بتوافق؟ “بقلعطلها” حياتها عشان توافق‪ ،‬حلدّ ما وصلت ملرحلة‬
‫إنها توافق‪ ،‬يعني بتقوله ّ‬
‫وجتوز”‪.‬‬
‫حل ع ّني ّ‬
‫إن اإلطار الذي يتحرك فيه أولئك األشخاص هو ذلك التشريع‪ ،‬إذ يغلفون تشجيعهم ملمارسة‬
‫تعدّ د الزوجات من منطلق اآلية القرآنية التي جتيز التعدّ د‪.‬‬
‫ويشير أحد العاملني االجتماعيني إلى هذا األمر‪ ،‬مع ّب ًرا عن اإلشكالية التي يواجهها املجتمع‬
‫الفلسطيني‪ ،‬وإلى اعتبار الدين مرك ًبا من مركبات ال ُهوية‪ ،‬فيقول‪“ :‬في ِع ّنا صراع إحنا‬
‫فلسطينيي الـ ‪ 48‬في الداخل‪ ،‬بالنسبة ّ‬
‫لكل مفهوم الهوية مع السلطة‪ ،‬عشان هيك‬
‫ِف ّش ِع ّنا مؤسسة دينية واضحة‪ ،‬وفي أئمة مساجد من عدة أمناط‪ ،‬منهم ممكن يكون‬
‫“شاباك”‪ ،53‬وبتشوفي كثير من أئمة املساجد ممكن تعطي شرعية لتعدّ د الزوجات”‪.‬‬
‫وقد برز هذا املوقف بوضوح في املقابالت املع ّمقة مع إمام أحد املساجد وأحد املشايخ‪ ،‬الذين‬
‫وعلني في نشر هذه املمارسة‪ ،‬فاإلمام حسن ُيجيز‬
‫ميارسون تعدّ د الزوجات وينشطون بشكل صريح‬
‫ّ‬
‫لنفسه فهم التعاليم الدينية‪ ،‬وينطلق من أن معارضي تعدّ د الزوجات يجهلون أمور الدين‪ ،‬ومتأثرون‬
‫من الدولة اإلسرائيليلة والغرب‪ .‬وبذلك‪ ،‬فإن هذه املعارضة‪ ،‬عمل ًّيا‪ ،‬هي نِتاج لتخ ّلي املجتمع عن‬
‫أصوله وتراثه وابتعاده عن الدين وتعاليمه‪ ،‬بينما تشريعه لتعدّ د الزوجات يأتي من دراية بشؤون‬
‫الدين‪ ،‬ما يجعله مرجعية‪ ،‬وهو بذلك يستسيغ ّ‬
‫كل مواقفه الذكورية انطال ًقا من التشريع الديني‪،‬‬
‫ومن اآليات الواردة‪ ،‬متب ّن ًيا بذلك التفسيرات التي تتناسب مع ذكوريته ومع نظرته الدونية جتاه‬
‫النساء‪.‬‬
‫و ُيعتبر ما قاله أحد العاملني االجتماعيني في شرح هذا الواقع دقي ًقا‪ ،‬فقد قال‪“ :‬واقع اإلسالم في‬
‫إسرائيل إنه ِف ّش إ ُله مرجعية‪ِ ،‬ع ّنا اإلسالم السياسي إللي برز من احلركات اإلسالمية‪،‬‬
‫وفي ِع ّنا الناس التقليديني ًّ‬
‫وهم‪ ،‬عمل ًّيا‪،‬‬
‫جدا إللي بتأرجحوا‪ ،‬والطرف الثاني رجال الدين‪ِ ،‬‬
‫تابعني للسلطة‪ ،‬اليوم ما منقدر نحكي عن قيادة دينية اجتماعية‪ ،‬في قيادة دينية‬
‫سياسية‪ ،‬و ّملا منحكي عن واقع اجتماعي منحكي عن تضارب مصالح”‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪3‬‬
‫جهاز املخابرات اإلسرائيلي‪.‬‬
‫‪247‬‬
‫مشجع‪ :‬رجال يح ّثون ً‬
‫رجاال على تعدّد الزوجات‪:‬‬
‫سياق اجتماعي ّ‬
‫أشارت نساء النقب إلى الضغط االجتماعي الذي يواجهه الرجال من رجال آخرين‪ ،‬وتشجيعهم‬
‫للرجل على الزواج املتعدّ د‪ ،‬كعالمة إلثبات رجولته‪“ .‬هاي ظاهرة‪ ،‬هُ ون بصيروا الزالم يشجعوا‬
‫بعض‪ ،‬بقولوا لواحد‪ ،‬مث ًال‪ ،‬إذا بتتجوز الطقم علينا‪ ،‬أو إذا بتتجوز بعطيك ألف دوالر‪،‬‬
‫علي‬
‫وإذا بقول ما معي مصاري بصيروا يقولوا أنا م ّني ألف وواحد ثاني بقوله أنا الطقم ّ‬
‫بس يتجوز‪ ..‬والزملة إذا ما بروح يتجوز‬
‫وأنا بجيب بدلة العريس‪ ،‬يعني بدعموه‪ ،‬ا ُمل ّ‬
‫هم ّ‬
‫س ألنه الزالم هيك‬
‫بصيروا يقولوا حاكمتك مرتك‪ ،‬وحصلت يعني إنه راح واحد جتوز َب ّ‬
‫بلشوا ِيحكوا ُله”‪.‬‬
‫كان هذا األمر قد ظهر بوضوح في املقابالت املع ّمقة التي ّ‬
‫متت مع نساء النقب‪ ،‬حيث أشارت زُها‬
‫وجميلة إلى أن زواج زوجيهما‪ ،‬جاء لسبب تشجيع أقاربهما من الرجال هذا الزواج‪.‬‬
‫الزواج ّ‬
‫املبكر‪:‬‬
‫أشارت مجموعة نساء النقب إلى الزواج ّ‬
‫املبكر كسبب أساسي يؤدي إلى تعدّ د الزوجات‪ ،‬حيث‬
‫ينتشر بشكل عا ّم في منطقة النقب‪ ،‬ويجعل الرجل بعد مضي بضع سنني يفكر في الزواج بأخرى‪،‬‬
‫وقد ع ّبرت عن ذلك إحدى املشاركات قائلة‪“ :‬مرات كمان بكون الزواج ِع ّنا من بنات زغار‪،‬‬
‫الزملة بروح بجيب بنت ِس ّطاش أو سبعطاش‪ ،‬ما بكون واعي للمسؤولية‪ ،‬ما بكون واعي‬
‫يقرب عالثالثني‪ ،‬العقل بصير يفكر عندو أنا ما كنتش متجوز‪،‬‬
‫إلشي‪ ،‬هو بكبر بصير بدّ و ّ‬
‫يعني كثير حصلت مع ناس زي هيك‪ ،‬بتحصل هون ِع ّنا كثير‪ ،‬خالي مدير مدرسة‪،‬‬
‫جتوز مرة ومرتني”‪.‬‬
‫جوز أوالده ّ‬
‫تخ ّيلي‪ ،‬بعد ما ّ‬
‫وبشكل متصل مع ما ُذكر عن الزواج ّ‬
‫املبكر‪ ،‬أشارت نساء النقب إلى احلواجز املجتمعية القائمة‬
‫بخصوص الزواج‪ ،‬والتي جتعل الكثير من العشائر ترفض تزويج بناتهم من عشائر من خارج منطقة‬
‫سكناهم‪ ،‬أو من عشائر أقل مكانة‪ ،‬أو عشائر متواضعة حج ًما واقتصادًا‪ ،‬األمر الذي يحرم الكثير‬
‫فيتم تزويجهنّ بقريب من داخل العائلة والعشيرة‪ ،‬حتى لو‬
‫من الشابات فرص الزواج مبن يرغنب‪ّ ،‬‬
‫متزوجا‪ .‬وعن ذلك تع ّبر إحدى النساء املشاركات‪ ،‬قائلة‪:‬‬
‫كان‬
‫ً‬
‫‪248‬‬
‫“لو كمان أهلنا يوافقوا يعطونا إللي إحنا بدنا إياه‪ ،‬مث ًال‪ ،‬أنا كنت حا ّبة شخص‬
‫من وين ما كان‪ِ ،‬م ْ‬
‫ش شرط من البلد‪ ،‬ممكن يكون من حورة‪ ،‬من تل السبع‪ ،‬إللي‬
‫س في عائالت لحَ َ دّ اليوم ما‬
‫أهلي يوافقوا إنه أجتوزه‪ ،‬ما بكون ِع ّنا بنات كثار‪َ ،‬ب ّ‬
‫بتقبل‪ ..‬هاي عادة مسبقة إللي أخذوها من أجدادنا‪ ..‬إنه البنت الزم ّ‬
‫تض ّل بالعيلة‪،‬‬
‫وم ْ‬
‫س ولد العم‪ ،‬القصد إنه تكون عيلة أو عشيرة ثانية‪ ،‬يعني‪ ،‬مث ًال‪ ،‬أنا‬
‫ِ‬
‫ش القصد َب ّ‬
‫اللقية‪ ،‬من عيلة األسد‪ ،‬أهلي مبا إنهم‬
‫من دار الصانع‪ ،‬أو إ ّني ِبدّ ي أجتوز من نفس ِ‬
‫من دار الصانع بعارضوا‪ ،‬ألنه في عائالت‪ ،‬مث ًال‪ ،‬برهط أو تل السبع‪ ،‬إللي مسموح‬
‫ألنهن من نفس املستوى‪ ..‬من ناحية اجلاهة‪ ..‬في بنات إللي ح ّبوا‬
‫نتجوز منهم‪ِ ،‬‬
‫شباب من عيلة ثانية‪ ،‬أهلهم حكولهم إنتم اخترتوا شباب إللي أهاليهم بشتغلوا‬
‫ّ‬
‫س اليوم ما عاد في زراعة وال مواشي‪،‬‬
‫كل حياتهم ِع ّنا‪ ،‬ب ِيرعوا غنم بالزراعة‪َ ،‬ب ّ‬
‫س أنا بسأل‬
‫س ِه ّني بعدهن بهاي العقلية‪َ ،‬ب ّ‬
‫ويعني الناس ك ّلها مستوى واحد‪َ ،‬ب ّ‬
‫ليش أخوي بحق ُّله يتجوز من وين ما ودُّه‪ ،‬وأنا كبنت ما بحقلي‪ ،‬وال ودنا نغ ّير؟‬
‫هدول البنات إللي بوصلن جليل الثالثني واألربعني‪ ،‬لو أعطوهن اخليار من وين‬
‫بدهن‪ ،‬ما كانوا ض ّلو بنات من دون زواج‪ ،‬وال بنفكر إنه يا حرام صار عمرها ثالثني‬
‫وأربعني سنة‪ ،‬ليه ما يتجوزها ولد عمها‪ ..‬املجتمع بصير يطلع على هاي البنت نظرة‬
‫شفقة‪ ،‬يا حرام ما جتوزت‪ ،‬الله يبعتلها ولد احلالل‪ ،‬يعني حتى لو هي ِمش مفكرة‬
‫داميا املجتمع ّ‬
‫بذكرها‪ ،‬وبتصير الفكرة إنه بالش يطلعوا يتجوزوا من‬
‫بهاي األشياء‪ً ،‬‬
‫ّ‬
‫س اليوم ِمش كل البنات بتوافق‪،‬‬
‫َبرّا‪ ،‬من األردن‪ ،‬خليهن يتجوزوا بنات املنطقة‪َ ،‬ب ّ‬
‫يتجوزوا وينزلوا على ضره”‪.‬‬
‫بنات املنطقة كمان عندهن وعي‪ ،‬وما بوافقوا إنهن‬
‫ّ‬
‫التوجه األبوي القامع للفتاة‬
‫تشير هذه املشاركة بذلك إلى البعد الطبقي‪ ،‬حني يشتبك مع‬
‫ّ‬
‫والختيارها لشريك حياتها‪ ،‬وإلى الثمن الباهظ الذي تدفعه الفتيات نتيجة نزعة املجتمع البدوي‬
‫الكبيرة إلى الزواج الداخلي‪ ،‬كاستمرار لنمط الزواج السائد في املجتمع العربي منذ قرون‪ ،‬والذي‬
‫يقوم فيه األفراد بالزواج في العائلة نفسها العتبارات كثيرة‪ ،‬تتصل باالستمرارية والوجود واحلفاظ‬
‫على املصالح املشتركة‪ .‬إن متسك املجتمع بهذا التوجه ال يحرم الفتاة من حرية اختيار شريك‬
‫فحسب‪ ،‬بل يجعلها مرشحة لتكون زوجة لرجل متزوج‪ ،‬لكن امتيازه يكمن في كونه من‬
‫حياتها ْ‬
‫العائلة نفسها‪.‬‬
‫وقد أفضى التطرق إلى الزواج ّ‬
‫املبكر إلى اخلوض في مفهوم الزواج وانعدام النضج العاطفي‬
‫واالجتماعي لدى األزواج املقبلني على الزواج‪ .‬لقد توصلت احلوارات إلى هذا املنحى نتيجة االختالفات‬
‫في املواقف والنقاشات التي دارت بني املشاركات‪ ،‬حول األسباب املباشرة التي جتعل الرجل ميارس‬
‫‪249‬‬
‫تعدّ د الزوجات‪ ،‬والتي تفتح الباب أمام أسئلة أخرى تتعلق مبوازين العالقات القائمة بني اجلنسني‬
‫وانعدام املساواة بينهما‪ ،‬األمر الذي قد دفع العديد من املشاركات إلى التعبير عن رفضهنّ لهذه‬
‫التعليالت‪ ،‬واعتبارها مس ِّو ًغا للرجل والستمرار ظلمه وسطوته على املرأة‪ .‬وقد رأت العديد من‬
‫النساء أن هذه األسباب (ومن ضمنها مرض الزوجة وعدم إجنابها) يجب أ ّال ُتلقى على مسؤولية‬
‫املرأة‪ ،‬بل على املجتمع الذي ال يعمل على بلورة مفهوم تشاركي للزواج‪ ،‬وال يهيئ رجاله ونساءه لهذه‬
‫العالقات‪ .‬وقد ع ّبرت إحدى املشاركات عن ذلك‪ ،‬بقولها‪:‬‬
‫ّ‬
‫إنت بتختار وبتكون‬
‫حسب رأيي‪ّ ،‬ملا ِ‬
‫“كل هذا املوضوع من األساس ألنه ِف ّش وعي‪َ ،‬‬
‫كل احملطات بحياتك‪ ،‬إللي منها سنّ املراهقة إللي بحدد ّ‬
‫واعي وفاهم ومارق ّ‬
‫كل‬
‫إشي‪ّ ،‬ملا بتصل ملشكلة في حياتك وبتعرفش حت ّلها بتكون حجة إنه أنا الزم أجتوز‪،‬‬
‫وألنه إحنا ّملا منتزوج ِمش عن وعي ونضج‪ ،‬لو ك ّنا فاهمني لوين رايحني ما بصير‬
‫هذا اإلشي‪ ،‬يعني شو ما كانت املشاكل لقدّ ام إحنا منقدر نح ّلها‪ ،‬و ّملا الواحدة‬
‫بتتزوج وهي واعية‪ ،‬ما بتصير شغلة إنه املرا تهمل نفسها‪ِ ،‬ف ّش إشي عن هالشكل‪،‬‬
‫أنا بقول”‪.‬‬
‫“احلل لهاي املشكلة ِم ّش تعدّ د الزوجات‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫احلل هو الوعي‪ ،‬وهذا‬
‫وتتابع أخرى‪ ،‬قائلة‪:‬‬
‫الوعي ِمش بيوم وليلة بيجي‪ ،‬هذا الوعي عملية تربوية إللي بتستمر وبتغ ّير نظام األسرة‬
‫ونظام املجتمع‪ ،‬ونظام السياسة‪ ،‬يعني كثير بدها عشان تتحقق‪ِ ،‬مش ْه َو ِّين”‪.‬‬
‫وتورد إحدى النساء جتربتها الشخصية‪ّ “ :‬ملا تركني جوزي كان عمري ‪ 18‬سنة‪ ،‬اليوم‬
‫س الفرق إنه اليوم أنا واعية‪ ،‬لو كنت بوقتها مثل اليوم كنت بتصرف مع‬
‫عمري ‪َ ،35‬ب ّ‬
‫جنوز األوالد‪،‬‬
‫س ّ‬
‫املشاكل إللي واجهتني بطريقة ثانية‪ ...‬احلق عاألهل بر ّبوا وبفكروا إنه َب ّ‬
‫وف ّش ال حوار وال تفاهم”‪.‬‬
‫ِ‬
‫“مش ّ‬
‫كل إشي عاملرا‪،‬‬
‫وتطرقت نساء النقب بشكل عابر إلى هذا اجلانب‪ ،‬فقالت إحداهنّ ‪ِ :‬‬
‫س هيك‪،‬‬
‫البنات بتجوزوا وه ّني ِمش واعيات‪ ،‬وال ِه ّني عارفني شو يعني اجلنس‪ِ ،‬‬
‫ومش َب ّ‬
‫يعني في حاجات كثيرة‪ ،‬يعني ما في توعية”‪.‬‬
‫وقد فتح هذا الباب النقاش على مصراعيه للحديث عن حقوق النساء ومواقف املجتمع من‬
‫حقوقهنّ ‪ ،‬والتمييز الذي تعاني منه النساء من قبل املجتمع‪ ،‬وموقف املجتمع الذي يشرع للرجل ما ال‬
‫يشرعه للمرأة‪ ،‬كما للحديث عن ّ‬
‫كل منظومة الزواج ومق ّوماتها ودور املجتمع‪.‬‬
‫‪250‬‬
‫وفي حني تطرقت النساء في النقب إلى القمع الذي تتعرض له الفتيات‪ ،‬بحرمانهنّ من اختيار‬
‫يتم الزواج‬
‫شريك حياتهنّ ‪ ،‬فقد أشارت النساء العزباوات إلى أمر مشابه يواجهه الرجال‪ً ،‬‬
‫أيضا‪ ،‬حيث ّ‬
‫املتعدّ د لسبب وجود خالفات زوجية ناجتة عن عدم زواج الرجل برغبته‪ ،‬بل باختيار عائلته‪ ،‬فتذكر‬
‫إحدى املشاركات ذلك‪ ،‬قائلة‪“ :‬ممكن إنه أجبروه إنه يتجوزها‪ ،‬إنه بنت عمي وال جارتي‪ ،‬أو‬
‫مرات‬
‫إمه قالت له الزم توخذ هاي‪ ،‬وبعد عشر‪ /‬عشرين سنة قلبه رشق لوحدة ثانية ‪ّ ..‬‬
‫العلم بكون سبب‪ ،‬فبصير في فجوة بني الزملة واملرا”‪.‬‬
‫ِ‬
‫وقد ّ‬
‫موسع في حالة عمر في املقابالت املع ّمقة‪ ،‬حيث قام والده بالضغط‬
‫مت الوقوف عند ذلك بشكل ّ‬
‫عليه للزواج بشابة ترتبط عائلتها بعالقة صداقة مع عائلته‪ ،‬األمر الذي أدى بعد ذلك إلى احتدام‬
‫اخلالفات الزوجية بينهما بعد الزواج‪ ،‬وجلوئه ‪ -‬فيما بعد ‪ -‬إلى الزواج بامرأة أخرى‪ .‬وكذلك خالد‬
‫الذي قامت والدته باختيار خطيبته له وهو في سنّ التاسعة عشرة‪ ،‬ليجد نفسه‬
‫متزوجا في سنّ‬
‫ً‬
‫صغيرة‪ ،‬األمر الذي يجعله حتى اليوم‪ ،‬ورغم زواجه الثاني‪ ،‬يشعر بأنه لم ميارس الزواج ولم يحققه‪.‬‬
‫احملور الثالث‪ :‬الشروط التي يجب تو ّفرها‬
‫لتعدّد الزوجات‬
‫يتم‪ ،‬وأنه شرط ال يضمن سير‬
‫أجمعت النساء على أن “العدل” في تعدّ د الزوجات أمر ال ميكن أن ّ‬
‫منظومة متعدّ دة الزوجات بشكل سليم‪ّ .‬‬
‫وتركز احلديث في هذا احملور على الظروف التي تدفع النساء‬
‫إلى القبول بالعيش في منظومة متعدّ دة الزوجات‪ ،‬سواء كانت هي الزوجة األولى أم الزوجة الثانية‪،‬‬
‫جدا‪.‬‬
‫فانها جتعل كلتيهما تعيشان حياة زوجية شاقة وصعبة ًّ‬
‫وفي حني ظهر العديد من األصوات في مجموعة ر ّبات البيوت القطرية ور ّبات بيوت الناصرة‪،‬‬
‫املنادية بتفضيل الطالق على االستمرار في تعدّ د الزوجات‪ ،‬فقد اتفقت أغلب النساء في النقب على‬
‫أن املوقف األفضل للمرأة التي يقوم زوجها بالزواج عليها‪ ،‬هو أن تبقى في بيتها وترعى أوالدها وال‬
‫تتّجه للطالق‪.‬‬
‫وقد ع ّبرت إحدى النساء املشاركات في مجموعة ر ّبات البيوت العا ّمة عن تفضيلها الطالق‪ ،‬قائلة‪:‬‬
‫‪251‬‬
‫“إذا املرا مريضة أو ألي سبب آخر‪ ،‬أفضل أن يكون طالقها‪ ،‬ألنه صدمة لفترة مع ّينة‪،‬‬
‫وال أنه تظل مصدومة ّ‬
‫كل الوقت‪ ،‬يعني ّملا بتجوز‪ ،‬بدو يكون عذابها على مدى السنني‪،‬‬
‫فالطالق بكون أفضل‪ ،‬بكون صعب لفترة مع ّينة وبعدين بتتعايش مع الوضع إللي هي‬
‫فيه”‪.‬‬
‫رغم أنه ظهرت أصوات حت ّمل املسؤولية للنساء أنفسهنّ ‪ ،‬لكونهنّ يقبلن بزواج أزواجهنّ أو يقبلن‬
‫بالزواج برجل متزوج‪ ،‬فهناك أصوات أخرى أشارت إلى األسباب التي جتعل النساء يقبلن بهذه‬
‫املنظومة‪ ،‬مشيرات إلى احلواجز التي تقف أمام النساء ومتنعهنّ من االنفصال عن أزواجهنّ ومن‬
‫اللجوء إلى الطالق‪ .‬لقد ع ّبرت النساء عن فهمهنّ لألسباب التي جتعل أخريات يقبلن بالزواج بزوج‬
‫متزوج‪ ،‬لتتناسب هذه التفسيرات مع ما أوردته النساء في املقابالت املع ّمقة‪.‬‬
‫أيضا‪ ،‬في املقابالت املع ّمقة ‪ -‬ال يطلنب الطالق لعدة أسباب‪ ،‬يقف على‬
‫معظم النساء ‪ -‬وكما ظهر‪ً ،‬‬
‫رأسها جتنّب الوصمة املجتمعية السلبية بتحولها إلى إنسانة “مطلقة”‪ ،‬مع ّ‬
‫كل ما يترافق مع ذلك من‬
‫نبذ مجتمعي لها وألوالدها‪ .‬وقد أظهرت املقابالت املع ّمقة أن معظم النساء لم يتلقني الدعم العائلي‬
‫من أسرهنّ ‪ ،‬بل قمن بإقناع النساء بالعودة إلى بيوتهنّ وقبول األمر الواقع‪ .‬إن معظم النساء تابعات‬
‫اقتصاد ًّيا واجتماع ًّيا ألزواجهن‪ ،‬وهذه التبعية تك ّبل قرارهنّ في االنفصال‪ ،‬والبديل القائم الوحيد‬
‫أمامهنّ هو رجوعهنّ إلى بيت األهل وحتولهنّ إلى عبء عليهم‪ .‬وعن ذلك تقول إحدى املشاركات‪:‬‬
‫“املرا بتقبل أو بتسمح ألنه هون بيجي دور األهل‪ ،‬إذا تطلقتي وين بدّ ك تروحي‪ ،‬يعني‬
‫إذا كان إلك إخوة بدك تكوني خدامة لنسوانهن‪ ،‬وهاي بصراحة موجودة ِع ّنا‪ ،‬يعني وين‬
‫بدّ ي أروح‪ ،‬ال بضل ببيتي‪ ،‬يعني أنا بضل ببيتي وإنت د ّبر حالك”‪ .‬وأشارت النساء إلى أن‬
‫املرأة مستعدة ألن تتحمل ّ‬
‫كل األذى الذي يلحق بها بسبب تعدّ د الزوجات‪ ،‬ألنها تختار الوضعية‬
‫السيئة من بني األسوأ‪ ،‬فالطالق هو أسوأ الوضعيات بالنسبة إلى النساء‪ ،‬وقد ع ّبرت نساء النقب عن‬
‫أن الطالق يق ّلل من مكانة املرأة‪ ،‬بينما استمرارها كزوجة يبقيها بعني املجتمع أكثر احترا ًما من‬
‫خالل قول إحداهنّ ‪“ :‬املطلقة وهي وأوالدها ِمش زَ ّي إللي بتكون عند جوزها”‪.‬‬
‫وانقسمت آراء النساء في مجموعة الناصرة بني نساء ّ‬
‫يفضلن طلب الطالق في حالة تزوج زوجهنّ‬
‫حرصا على سالمة البيت واألوالد وعدم اللجوء إلى الطالق‪،‬‬
‫بامرأة أخرى‪ ،‬وبني نساء يرفضن ذلك ً‬
‫حسب الشرع‬
‫لكي ال ُيحرم اللقاء بني الزوج والزوجة في حال لقائه بأوالده‪ّ “ .‬ملا بتكون مطلقة َ‬
‫أما ّملا يكون متجوزها حتى لو في هجر‪َ ،‬بس ِبظل يقدر يوخذ‬
‫والدين ممنوع حتكي معه‪ّ ،‬‬
‫دوره كأب‪ ،‬يعني يسيطر‪ ،‬بكون إ ُله تأثير عاألوالد حتى لو كانت شو ما كانت قوية‪ ،‬من‬
‫‪252‬‬
‫دون األب بتقدرش لألوالد”‪.‬‬
‫أ ّما النساء اللواتي ع ّبرن عن تفضيلهنّ للطالق فقد ع ّبرن بذلك عن احلل األفضل‪ ،‬ال عن احلل‬
‫يفضلن الطالق‪“ :‬أنا‬
‫الذي من املمكن بالفعل أن تقوم النساء باتخاذه‪ .‬تقول إحدى النساء اللواتي ّ‬
‫بالنسبة إلي الطالق هو احلل‪ ،‬ألنه الوحدة بتبقى من دون كرامة‪ ،‬حتى لو شو ما صار هي‬
‫رح تظلها على جنب”‪ .‬وبشكل مشابه تع ّبر مشاركة أخرى‪ ،‬فتقول‪“ :‬أنا بالنسبة إلي بفضل‬
‫الطالق يعني باخذ والدي وبعرف إنه أنا ووالدي حلالنا عايشني من دون مشاكل‪ ،‬بشتغل‬
‫أما ِمش يكون عندي زوج يوم معاي ويوم مع وحدة ثانية‪ ،‬ألنه بتصير‬
‫بعلمهن شو بدهن‪ّ ،‬‬
‫مشاكل‪ ..‬زَ ّي ما هو له كرامة أنا كمان إلي كرامة‪ ...‬كثير والد بتربوا من دون أب”‪.‬‬
‫أ ّما مجموعة العاملني والعامالت االجتماعيني‪ ،‬وإلى جانب اعتراض غالبية املشاركني واملشاركات‬
‫فيها على تعدّ د الزوجات‪ ،‬فقد أبدوا تفهمهم لقبول الزوجة األولى بالبقاء في منظومة متعدّ دة‬
‫الزوجات‪ ،‬لتتشابه في حتليلها مع ما أوردته النساء في املقابالت املع ّمقة‪ ،‬حيث يكمن هذا القبول في‬
‫الصعوبة املجتمعية في اللجوء إلى الطالق‪ ،‬فتقول إحدى العامالت االجتماعيات‪:‬‬
‫داميا‬
‫“من املفروض إنه يكون في إنهاء لعالقة وبداية لعالقة جديدة‪َ ،‬بس ِمش ً‬
‫الزوجة بتحب يصير هيك‪ ،‬في نساء أهون إلها إ ُّنه يتجوز عليها وال تكون مطلقة‪،‬‬
‫ِو ّ‬
‫تظل حلالها بالدنيا‪ ،‬وأنا هون بشوف إ ُّنه الزم يكون في احترام لهذا القرار‪ ،‬أل ُّنه‬
‫له أسبابه”‪.‬‬
‫وسع النقاش حول مكانة املرأة املطلقة في املجتمع‪ ،‬ودور املؤسسات‬
‫غير أن التطرق إلى هذا اجلانب ّ‬
‫املجتمعية واحلكومية املختلفة في تعزيز املرأة املطلقة وتدعيمها اقتصاد ًّيا وم ْهن ًّيا واجتماع ًّيا‪ ،‬لكي‬
‫تستطيع اتخاذ قرار بالطالق في حال قام زوجها بالزواج بامرأة أخرى‪ ،‬واالنفصال عنه‪.‬‬
‫أفضى التطرق إلى الطالق إلى اإلشارة إلى أهمية تدعيم املرأة املطلقة اجتماع ًّيا واقتصاد ًّيا‬
‫وم ْهن ًّيا؛ “كثير من النساء برضوا بتعدّ د الزوجات عشان ما ينحطوا بخانة املطلقة‪ ،‬وضعية‬
‫املطلقة بتختلف عن األرملة‪ ،‬وحتى في مؤسسة التأمني الوطني مكانة املرأة املطلقة‬
‫تختلف عن مكانة األرملة في كثير من احلقوق‪ ،‬وفي كثير من احلقوق إللي املرا الزم‬
‫ني‪ ،‬إللي ما بتحصل عليها املرأة‬
‫توخذها من خالل التمكني االقتصادي والتأهيل امل ْه ّ‬
‫املطلقة‪ ،‬املرا بتفضل تبقى بخانة املتزوجة”‪.‬‬
‫‪253‬‬
‫وبالقدر نفسه الذي حتدثت فيه النساء عن األسباب التي جتعل الزوجة األولى تقبل بالبقاء مع‬
‫زوجها بعد زواجه بأخرى‪ ،‬فقد أوردن كذلك األسباب التي جتعل نساء أخريات يقبلن الزواج برجل‬
‫مركزي يجعلهنّ يقبلن‬
‫متزوج‪ ،‬فتقدّ م الفتيات بالعمر وما يعانينه من تقييدات في عائالتهنّ ‪ ،‬سبب‬
‫ّ‬
‫الزواج‪ .‬تقول إحدى املشاركات من مجموعة ر ّبات البيوت‪“ :‬في بنات بقبلوا عشان ما يعنسوا‪،‬‬
‫يعني ظل رجل وال ظل حيط‪ ،‬يعني الشباب الصغار بتجوزوا بنات سبعطاش وثمنطاش‬
‫وتسعطاش‪ ،‬بنت الواحد وعشرين بطل حدا يطلع عليها‪ ..‬الوحدة بتشوف أختها أصغر‬
‫منها متجوزة ورايحة وجاي‪ ،‬وهي ال بتطلع وال بتنزل‪ ،‬فبتقبل تتجوز واحد أكبر منها‬
‫س تروح وتطلع وتعيش حياتها”‪.‬‬
‫تربيله والده‪َ ،‬ب ّ‬
‫وتع ّبر إحدى النساء ع ّما قالته الكثير من املشتركات عن األسباب التي تدفع النساء إلى هذا الزواج‬
‫قائلة‪“ :‬في بنات إللي ما تزوجوا وعايشني ظلم كبير من قبل األهل ومن قبل الناس‬
‫إللي حولهن‪ ...‬في بنات كثير بقولوا بفوت على ضرة وال بضلني بالبيت‪ ،‬أحيا ًنا بكون‬
‫في حاالت عنف بالبيت‪ ،...‬أو بكونوا األهل معقدين‪ ،‬مبنعوها تروح وتيجي وتشتغل‪،‬‬
‫وبفرضوا عليها َبس تظل بالبيت”‪.‬‬
‫وهنا تورد إحدى املشاركات جتربتها الشخصية‪ ،‬فقد تز ّوجت في سنّ التاسعة عشرة برجل لم‬
‫جنسي‪ .‬بعد‬
‫تعرفه قبل الزواج‪ ،‬واستمر هذا الزواج بضعة أشهر‪ ،‬حيث ا ّتضح لها أنه يعاني من عجز‬
‫ّ‬
‫مرور تسعة أشهر على طالقها تز ّوجت برجل متز ّوج‪ ،‬وقد ع ّللت السبب الذي دفعها إلى القبول بهذا‬
‫الزواج كما يلي‪“ :‬إمي باألول رفضت‪ ،‬ما قبلت جتوزني جيزة ثانية‪ ،‬أجا أخوي الكبير قلي‬
‫إنت يا أخوي‬
‫تطلعي‪ ،‬إذا ما بدّ ك توافقي بتقعدي خدامة لنسوان اإلخوة‪ ،‬أجيت قلتله إذا ِ‬
‫بتقول هيك‪ ،‬إنشا الله عالعكازة أنا بدّ ي أطلع من هون‪ ،‬وجتوزنا‪َ ،‬بس ‪ -‬احلمد لله ‪ -‬جوزي‬
‫محترم وإيدمي‪ ،‬عايشة معه وحريتي بإيدي وين بدّ ي بروح وشو بدّ ي بجبلي”‪.‬‬
‫وقد جاءت النساء العزباوات ليع ّبرن بشكل مباشر ع ّما قالته النساء األخريات‪ ،‬و ُيشرن إلى حاجتهنّ‬
‫إلى هذا الزواج‪ ،‬فتقول إحداهنّ ‪:‬‬
‫أبوك يأمنوها‪ .‬يعني إللي‬
‫“هذا الزواج ميكن َيأ ّمن لك أشياء ما بقدر‬
‫أخوك أو ِ‬
‫ِ‬
‫أخوك ِمش مثل إللي بتسمعيه من حبيبك أو من‬
‫أبوك أو من‬
‫بتسمعيه من‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫جوزك‪ ،‬أنا بحاجة ‪ -‬بال مؤاخذة ‪ِ -‬مش َبس للعالقة اجلنسية‪ ،‬أنا كمان بحاجة إ ُّنه‬
‫أصحى الصبح وأالقي جوزي حدّ ي يحكي معي‪ ،‬أنا عارفته إنه هو متجوز‪َ ،‬بس‬
‫صح ّلي شاب عزّ ابي ما‬
‫أنا كمان محتاجة لكلمة حلوة‪ ،‬يعني بعطيكي مثال‪ ،‬إذا ّ‬
‫‪254‬‬
‫كنت بتردّد‪َ ،‬بس ّملا الوحدة بتصير باألربعينات‪ ،‬يا بيجيكي أرمل يا متجوز‪ ..‬وأنا‬
‫من حقي أعيش”‪.‬‬
‫النساء العزباوات اللواتي يعتبرن أنهنّ تقدّ من في السنّ ‪ ،‬يعلمن ج ّيدً ا أن فرص زواجهنّ برجل أعزب‬
‫يتناسب مع س ّنهنّ أصبحت معدومة في مجتمع يوجه شبابه إلى الزواج مبن هنّ أصغر منهنّ ‪ ،‬األمر الذي‬
‫يبقي أمامهنّ الزواج برجل متزوج هو اخليار الوحيد‪ .‬وتع ّبر عن ذلك إحدى النساء العزباوات‪ ،‬قائلة‪:‬‬
‫“وين بدّ ك تالقي شاب عمره باألربعينات وبعده عزابي‪ ،‬وحتى لو كان ابن‬
‫األربعني بعده عزابي‪ ،‬بروح بوخذ بنت العشرين‪ ..‬عشان هيك إذا ييجي واحد‬
‫متجوز من الصبح بتجوزه”‪.‬‬
‫وتشارك إحدى النساء العزباوات بتجربتها الشخصية‪ ،‬فتقول‪“ :‬أنا اليوم بحب واحد متجوز‬
‫عنده خمس أوالد‪ ،‬وحالته االقتصادية سيئة‪َ ،‬بس إذا بيجي بقولي هاتي نتجوز بتجوزه‬
‫من الصبح”‪ .‬وتشير نساء أخريات إلى تعدّ د الزوجات كحل مناسب للنساء العزباوات اللواتي‬
‫ال ميلكن مصدر معيشة‪ ،‬ويحتجن إلى زوج يقوم بتأمني احتياجاتهنّ األساسية‪ .‬فتقول إحدى‬
‫املشاركات‪:‬‬
‫“البنت عيار ما كبرت بصير تعدّ د الزواج احلل الوحيد قدامها‪ ..‬من وين بدها تصرف‬
‫على حالها‪ ،‬ال عندها إخوة يهتموا فيها وال نسوان إخوة‪ ،‬فبتوخد واحد متجوز على‬
‫أساس إ ُّنه يأمن لها بيت‪ ،‬يأمن لها معيشتها”‪ .‬وتشير أخرى إلى حاجة املرأة في املجتمع إلى‬
‫سند‪ ،‬فتقول‪“ :‬املرا حلالها فريسة سهلة‪ ،‬الزالم بنظروا لها كفريسة سهلة‪ .‬الزملة بهيك حالة‬
‫عالقليلة سند”‪.‬‬
‫بالسنّ ‪ ،‬وفي الوقت نفسه‪ُ ،‬يصبح‬
‫يصبح تعدّ د الزوجات احلل األسلم حلماية الفتاة التي تقدّ مت ّ‬
‫وعنوانًا لغياب الفهم املتبادل الذي م ّيز العالقة بني اجلنسني عبر القرون‪ .‬هذا االفتقار إلى‬
‫جتسيدً ا ُ‬
‫الفهم املتبادل هو نتيجة غياب املساواة‪ ،‬أو الظلم الذي يستمر في االزدياد واالنتشار ك ّلما ساد‬
‫اخلمول االقتصادي‪ ،‬والعجز السياسي‪ ،‬وحيث تكون تعرية العادات والتقاليد أكثر عم ًقا ومك ًرا‪ ،‬ألن‬
‫املجتمع ينكرها أو ال يدركها‪ .‬إن أشدّ الظروف مأساوية‪ ،‬في األلفية اجلديدة‪ ،‬هو ذاك الذي يعيش‬
‫في ظله األفراد واجلماعات باستكانة وسلبية‪ ،‬بينما تدهمهم التغ ّيرات من ّ‬
‫كل صوب‪ ،‬وهم يرفضون‬
‫االعتراف بحدوثها‪ ،‬وبالتالي يكونون غير مستعدين التخاذ ِخيارات جديدة‪ ،‬لتتركز ّ‬
‫كل الطاقات‪،‬‬
‫بالتالي‪ ،‬إلعادة إنتاج القيم األبوية بأشكال جديدة تبدو أكثر عصرية لكنها في احلقيقة ما زالت حتمل‬
‫‪255‬‬
‫األبوي نفسه‪ُ .‬تخبر بذلك إحدى املشاركات في مجموعة النساء العزباوات والتي تعتبر‬
‫املضمون‬
‫ّ‬
‫نفسها امرأة ترفض الكثير من َّ‬
‫املسلمات املجتمعية‪ ،‬حيث تقوم بالتطرق إلى مفهوم العذرية‪ ،‬وهو‬
‫املوضوع الذي يحتل طروحات النساء‪ ،‬وحتديدً ا في مجموعة النساء العزباوات‪ ،‬من خالل ما ع ّبرت‬
‫إحدى املشاركات‪ ،‬قائلة‪:‬‬
‫“أنا بفضل أجتوز جيزة ثانية وال أغلط مع حدا وأضلني مكملة معه وأرضى‪ ،‬أنا‬
‫بدّ ي أجتوز وعشان هيك بصاحب فالن وأنا عارفة إ ُّنه متجوز‪ ،‬عشان هدفي إ ُّنه‬
‫وأخرب حالي وأفقد عذر ّيتي‪ ،‬عشان مرة وحدة‪،‬‬
‫أجتوز‪ ،‬أنا ِمش هدفي إ ُّنه أغلط‬
‫ّ‬
‫ومثل ما قلتلك‪ ،‬شاب عزابي‪ ،‬مث ًال‪ِ ،‬مش رح ييجي يوخذني أنا بنت األربعني أو‬
‫حتى الثالثني‪ ،‬أنا بقبل أجتوز جيزة ثانية أل ُّنه أنا كمان عندي غريزة وأنا بحاجة‬
‫ومش َبس لإلشي اجلنسي‪ ،‬كمان‬
‫لهاي الشغالت‪ِ ،‬فش وحدة ما عندها احلاجة ِ‬
‫للكلمة احللوة‪ ،‬علشان هيك ّ‬
‫بفضل أجتوز من واحد متجوز‪ ،‬وال أغلط مع واحد ِفش‬
‫منه زواج‪ ،‬أنا إلي صاحبات بطلعوا مع شباب ومع زالم متجوزين‪ ،‬ممكن الوحدة‬
‫تطلع مع صاحبها ليلة أو يومني أو ثالثة بالشهر‪ ،‬ف ِليش ما يتجوزها‪ ،‬يعني أنا إلي‬
‫جسمي وعندي غريزتي وبحاجة كمان للكلمة احللوة‪ ،‬أنا ِمش بغار وال بحسد َبس‬
‫بقول ِليش شو ناقصني‪ِ ،‬ليش فالنة عندها ّ‬
‫كل إشي‪ ،‬أنا ليه ما أكون مثلها‪َ ،‬بس‬
‫أنا بدّ ي عالقة باحلالل”‪.‬‬
‫تقوم بذلك املشاركة أعاله وغيرها ممن ع ّبرن عن املضمون نفسه بالتطرق إلى مفهوم العذرية‪ ،‬كما‬
‫منغرسا في صميم القضايا اجلنسانية املختلفة‪،‬‬
‫هو في احلقيقة‪ُ .‬يعتبر مفهوم العذرية محو ًرا أساس ًّيا‬
‫ً‬
‫يحرك ويصوغ ويهندس ّ‬
‫كل السلوكيات املجتمعية‪ .‬وحتظى عذرية املرأة العزباء في املجتمع العربي‬
‫بأهمية أن عفاف املرأة في املجتمعات البطريركية‪ ،‬كاملجتمع العربي‪ ،‬ليس مجرد ِخيار فردي‪ ،‬بل‬
‫هو شأن من شؤون األسرة‪ ،‬حيث تتحكم األسرة بجسد املرأة‪ ،‬فعذرية املرأة‪ ،‬إ ًذا‪ ،‬ليست مسألة‬
‫شخصية بل ظاهرة اجتماعية‪ ،‬وقد ع ّبرت هذه املشاركة بقولها هذا عن صوت املجتمع الذي يعتبر‬
‫مسها‪ ،‬وليع ّبر عن أصوات الكثير من الشابات اللواتي نشأن وترعرعن‬
‫العذرية قيمة مقدسة ال ميكن ّ‬
‫على أهمية احلفاظ على عذريتهنّ ‪ ،‬في مجتمع مير بتغ ّيرات مختلفة وكبيرة‪ ،‬أوجدت سيا ًقا لم ي ُعد‬
‫فيه احلفاظ على العذرية وظيفة آلية للجماعة االجتماعية‪ ،‬بل حتول إلى فعل من أفعال الشجاعة‬
‫الفردية‪ .‬ف ُيصبح القبول بتعدّ د الزوجات في هذا التوجه دليل عفة ونقاء املرأة‪ ،‬لتعلن إحداهنّ بفخر‬
‫أنها ترضى الزواج برجل متزوج‪ ،‬لكي ال تكون كصيدقاتها من الفتيات اللواتي ُيقِ من عالقات جنسية‬
‫خارج إطار الزواج مع رجال متزوجني أو عزّاب‪.‬‬
‫‪256‬‬
‫في مقالها “العذرية والبطريركية” (‪ )250-249 :2004‬تنظر املرنيسي إلى مؤسسة العذرية‬
‫كأداة ناجعة للتحكم باملرأة والسيطرة عليها‪ ،‬وهي تتلمس التغ ّيرات البنيوية املكانية‪ ،‬املؤسسية‪،‬‬
‫واالقتصادية والسيكولوجية‪ ،‬وتفاعلها مع مفهوم العذرية وما تنتجه من تأثيرات متشابكة وعويصة‬
‫خصص للنساء ووضع حدّ للعزل‬
‫وعميقة في احلياة اليومية‪ .‬وتشير إلى أن إعادة ترتيب احل ّيز املُ ّ‬
‫اجلنسي‪ ،‬قلب بشكل ك ّلي الدينامية اجلنسية املثالية التي ّ‬
‫نظمها املجتمع اإلسالمي‪ ،‬من خالل جملة‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫من التفاصيل الدقيقة‪ ،‬والتغ ّيرات في القانون وفي ال ُبنى االقتصادية‪ .‬كل هذه التغ ّيرات كانت على‬
‫وشك أن تهيئ ك ًّال من اجلنسني ألن يكونا على وشك اكتشاف أبعاد في اجلنس اآلخر تختلف عن‬
‫اجلنسانية املفتقرة واحملدودة للنموذج البطريركي‪ ،‬التي كان من املمكن أن تعكس بظاللها على مفهوم‬
‫العذرية‪ ،‬وتقود إلى إحداث تغيير ق َيمي في التعاطي معه‪ ،‬وبذلك تع ّرض للتدمير أكثر الوسائل‬
‫فاعلية في التأثير على السيطرة على اجلنس في املرحلة السابقة للزواج‪ .‬غير أن هذه التغ ّيرات‬
‫ال ُبنيوية لم تترافق مع تغ ّيرات جوهرية في املنظومة الق َيمية ملؤسسة العذرية (ومختلف املؤسسات‬
‫االجتماعية األخرى كالشرف والعرض)‪ ،‬وبالتالي لم تستطع الوصول إلى صياغة جديدة ملفهوم‬
‫اجلنسانية وجنسانية املرأة ومفهوم الرغبة‪.‬‬
‫التوصل‬
‫علني لتصبح جز ًءا من النقاش العا ّم‪ ،‬ولم تستطع‬
‫يتم طرح هذه القضايا بشكل‬
‫لم ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫إلى إحداث تغيير في املنظومة الق َيمية واألخالقية التي يتبنّاها املجتمع‪ ،‬فيما يتعلق بجنسانية‬
‫الفرد العربي ومن ضمنها مؤسسة العذرية‪ .‬يؤدي ّ‬
‫كل ذلك إلى خلق فجوة بني الواقع املُعاش وبني‬
‫استمرار مؤسسة العذرية في النسق االجتماعي والذهني للمجتمع العربي‪ ،‬األمر الذي يضع النساء‬
‫العزباوات في صراع عميق بني احلاجة إلى تلبية رغباتهنّ اجلنسية وبني املنظومة الق َيمية املتجذزة‬
‫لديهنّ ‪ ،‬املتمثلة في تقديس العذرية‪ .‬تبقى جنسانية املرأة بذلك أكثر اخلصائص البشرية سهول ًة في‬
‫ّ‬
‫التشكل والتغ ّير‪ ،‬لتقوم املجتمعات البطريركية بذلك بتسخيرها خلدمة غاياتها‪ .‬وتقدّ م بذلك تعدّ د‬
‫ومخرجا “ملتز ًما” يستمدّ نفوذه‬
‫كمؤسسة قدمية – جديدة بدي ًال ناج ًعا لهذا التقديس‬
‫الزوجات‬
‫ً‬
‫ّ‬
‫من مفهوم احلالل‪ ،‬وبهذا اجلوهر ميكن أن نفهم ما قالته املشاركة أعاله وأخريات كثيرات غيرها‬
‫من أنّ جلوءها إلى تعدّ د الزوجات هو إنقاذ لشرفها ولعذر ّيتها‪ ،‬وبالتالي لنقائها وع ّفتها‪ .‬وعمل ًّيا‪،‬‬
‫فقد كان مفهوم العذرية في مختلف املجموعات البؤرية (وكذلك في املقابالت) هو احملور احلاضر‬
‫علني‪ ،‬ليقود جميع املشاركني واملشاركات للتأكيد باستمرار على‬
‫بكثافة بصمت‪ ،‬وأحيانًا بشكل‬
‫ّ‬
‫أهمية احملافظة على عذرية الفتيات قبل الزواج‪ ،‬وقد ظهر ذلك بوضوح في مجموعة ر ّبات البيوت‬
‫من الناصرة اللواتي ع ّبرن بغالبيتهنّ عن حتفظهنّ من املمارسات العصرية للعالقات بني اجلنسني‬
‫في فترة اخلطوبة‪ ،‬واالختالط بني الفتاة والشاب في هذه الفترة وما ُيخفي بني طياته من خوف من‬
‫فقدان الفتاة لعذر ّيتها‪ .‬وبذلك‪ ،‬فقد تنافست النساء املشاركات بينهن (وجميعهنّ أمهات لفتيات في‬
‫سنّ املراهقة)‪ ،‬إلثبات والئهنّ ملفهوم العفة وأهمية محافظة الفتاة قبل الزواج على عذريتها وعفتها‪،‬‬
‫‪257‬‬
‫كدليل على شرفها‪ ،‬فتقول إحداهنّ ‪:‬‬
‫“اليوم الدنيا خربانة‪ ،‬اليوم قبل ما يخطبوا بكونوا صاروا يطلعوا ويروحوا‪ ،‬يعني‬
‫اليوم في حرية و ُبقعد هو و ّياها أكثر من الالزم‪ ،‬وعم بعطوا احلرية أكثر من‬
‫الالزم”‪ .‬وتتابع أخرى‪:‬‬
‫أما‬
‫“التعارف الزم يكون بالبيت‪ ،‬بيجي العريس مرة‪ ،‬مرتني ثالثة‪ ،‬أه ًال وسه ًال‪ّ ،‬‬
‫يلتقوا َب ّرا ويصير في طلعات ونزالت ومشاوير‪ ،‬فهذا ِمش مقبول‪ ،‬هاي هي األشياء‬
‫إللي بتخرب‪ ..‬ممكن خطبة متتد سنة وسنتني وما يعرفوا بعض منيح‪ ،‬وممكن خطبة‬
‫متتد شهرين ويكونوا عرفوا بعض وعالقتهن بتجنن”‪ .‬وتضيف ثالثة‪:‬‬
‫“في وحدة بعرفها كانت بعالقة هي و ّياه وصار معهن عالقة قبل اجليزة بشهرين‬
‫(عالقة جنسية)‪ ..‬هاي األشياء بتأدي خلراب بيوت‪ ،‬يعني حتى ه ّني ميكن ما كانوا‬
‫محددين موعد العرس‪َ ،‬بس صاروا بدهن يتجوزوا بسرعة عأساس هي حامل‬
‫وضروري يتجوزوا‪ ،‬وميكن ما كانوا صاروا مقررين إ ُّنه بدهن بعض‪َ ،‬بس إللي صار‬
‫كان سبب إ ُّنه الزم يتجوزوا‪ ،‬يعني وحدة مخطوبة بتروح بتعمل هاي “الشغلة”‬
‫وإنت بعدك ما جتوزتي!!”‪.‬‬
‫احملور الرابع‪ :‬القانون اإلسرائيلي وتأثيره‬
‫ّ‬
‫يحتل النقاش حول القانون اإلسرائيلي الذي مينع تعدّ د الزوجات ح ّيزًا مه ًّما في النقاش‪ ،‬ورغم‬
‫لم‬
‫أنه ّ‬
‫مت التطرق له في املجموعات البؤرية وكذلك في املقابالت املع ّمقة‪ .‬وال يبدو هذا األمر صدفة‪،‬‬
‫فالقانون اإلسرائيلي بالنسبة إلى أصحاب وصاحبات الشأن‪ ،‬أي الرجال والنساء املوجودين في‬
‫منظومة متعدّ دة الزوجات‪ ،‬وبالنسبة إلى باقي شرائح املجتمع‪ ،‬هو في عداد الغائب‪ ،‬ووجوده ال‬
‫يستحوذ على اهتمام املشاركني‪/‬ات في البحث‪ ،‬ألنه‪ ،‬ببساطة شديدة‪ ،‬قانون خامل غير مطبق‬
‫ّ‬
‫يحتل ح ّيزًا في اهتمام من يفكر في‬
‫وليس له تأثير واضح في مسار هذه الظاهرة‪ .‬وهو بذلك ال‬
‫تعدّ د الزوجات‪ ،‬وال تعتبره النساء اللواتي يواجهن تعدّ د زواج أزواجهنّ ُعنوانًا يمُ كن اللجوء إليه لنيل‬
‫حقوقهنّ ‪.‬‬
‫‪258‬‬
‫وتع ّبر عن هذه الهامشية إحدى املشاركات في مجموعة نساء النقب‪ ،‬قائلة‪:‬‬
‫“الزالم بعرفوا القانون إ ُّنه مبنع تعدّ د الزوجات‪َ ،‬بس ِمش مهتمني‪ ،‬واملرا بتقول‬
‫إذا بدي أمشي عالقانون وأروح أشتكي فهو بطلقني‪ ،‬يعني هيك حقها بضيع هي‬
‫والوالد‪ ..‬وإذا كشفه القانون بروح بطلق األولى‪ ،‬أو بروح بجيب فتوى‪ ،‬الفتوى ّملا‬
‫بطلقها َبس واحدة‪ ،‬يعني ما بلفظها‪ ،‬بكتبها طلقة واحدة‪ ،‬وبعد ما يروح بعد يومني‬
‫أو ساعتني بروح بقرأ الفاحتة من جديد”‪ .‬وكان مثال جنوى وما ع ّبرت عنه في املقابالت‬
‫ّ‬
‫بالتشكي على الزوج‪.‬‬
‫املع ّمقة خير منوذج على العوائق التي تقف في وجه أي امرأة تفكر‬
‫أ ّما نساء الناصرة اللواتي ع ّبرن بغالبيتهنّ عن تأييدهنّ للقانون الذي مينع تعدّ د الزوجات‪ ،‬فقد أبدت‬
‫بعضهنّ عدم معرفتها بوجود قانون مينع التعدّ د في الدولة‪ .‬وع ّبرت املشاركات ممّن يعرفن بالقانون‬
‫فضلن البقاء في بيتهنّ واالعتناء بأوالدهنّ ‪.‬‬
‫ووجوده أن النساء‪ ،‬بشكل عا ّم‪ ،‬ال يشتكني على أزواجهنّ ‪ ،‬و ُي ّ‬
‫بينما ظهرت أصوات في مجموعة النساء العزباوات ترى أن القانون اإلسرائيلي ظالم للنساء‬
‫العزباوات‪ ،‬ألنه مبنعه تعدّ د الزوجات يحرمهنّ من حقوقهنّ كزوجات‪ ،‬وال يعترف بهنّ كزوجات من‬
‫ناحية رسمية‪“ .‬القانون بحدّ من احلرية‪ ،‬هو ظالم‪ ،‬لو القانون بسمح زَ ّي الشرع كان بعطي‬
‫كثير حريات”‪ .‬غير أن هناك العديد من النساء في املجموعة نفسها اعترضن على ذلك واعتبرن‬
‫أن القانون في صالح النساء‪ ،‬وأنه ّ‬
‫كابحا لرجال ميارسون تعدّ د الزوجات من دون خوف‪،‬‬
‫يشكل ً‬
‫لتشجع الكثير من الرجال للزواج بامرأة أخرى‪ ،‬ما يؤدي إلى‬
‫ويق ّيد الرجال من الزواج ولو لم يكن‪،‬‬
‫َّ‬
‫تعرض املرأة للظلم‪ .‬فتقول إحدى املشاركات‪“ :‬لو بصح ّله الزملة ّ‬
‫كل يوم يشلح ويلبس امرأة‬
‫جديدة ما ّ‬
‫بأخر”‪.‬‬
‫يشجع الزوج‪ ،‬عمل ًّيا‪ ،‬على املصاحبة بدل‬
‫وترى أخريات أن القانون ظالم وال يهتم بالنساء‪ ،‬فهو ّ‬
‫الزواج‪”.‬ما هو القانون‪ ،‬أص ًال‪ِ ،‬مش مهتم له الزملة‪ ،‬وبقدر يطلع مع الوحدة وهيك موافقله‬
‫براني‪ ،‬و ّملا يروحوا‬
‫يصاحب عشرة ويطلع معهن‪ .‬ثالث أرباع الزالم بكونوا كاتبني عقد ّ‬
‫عاحملكمة بقولوا هاي صاحبتي‪ ،‬القانون بقلهن آه‪ ،‬ي ّال مع السالمة وروحوا‪ ،‬طب شو‬
‫القانون هذا”‪.‬‬
‫أ ّما في مجموعة العاملني‪/‬ات االجتماعيني‪/‬ات فقد ظهر خالف في وجهات النظر بني مجموعة‬
‫رأت أهمية بالغة في العمل على املستوى القانوني‪ ،‬والتشديد على أهمية القانون كوسيلة حيوية في‬
‫احلدّ من تعدّ د الزوجات‪ ،‬وقد ع ّبر عن هذه الوجهة أحد املشاركني‪ ،‬بقوله‪:‬‬
‫‪259‬‬
‫“في نهاية األمر إحنا كمجتع ّملا بدنا نرفع الوعي للمطالبة بتطبيق القانون‪ ،‬من‬
‫إما بنيجي نقول إ ُّنه إسالم ًّيا هذا‬
‫خالل الضغط في الكنيست ومؤسسات أخرى‪ّ ،‬‬
‫شرعي‪ ،‬فأنا ما بوافق‪ ،‬أنا بدّ ي ضابط قانوني يحمي مجتمعي من ه ّبات متغ ّيرة‬
‫بتشرع أمور غلط‪ ،‬تعدّ د الزوجات هو قضية ِفش فيها عدالة‪ ،‬وأنا بطالب القانون‬
‫يوخذ مجراه”‪.‬‬
‫أ ّما وجهة النظر الثانية‪ ،‬فلم ُتعِ ر اهتما ًما للقانون‪ ،‬واعتبرت أن القضية بر ّمتها تتلخص بالعمل‬
‫املجتمعي من دون أن ترى في القانون وسيلة قادرة على منع هذه املمارسة‪ ،‬بل تعتبر أن العامل‬
‫األهم في منع تعدّ د الزوجات يكمن في مواقف املجتمع‪ ،‬وفي العمل على مستوى التوعية والتثقيف‪،‬‬
‫من أجل إحداث تغيير مجتمعي‪ ،‬يتخذ فيه جميع امل ْهنيني وامل ْهن ّيات والعاملني في احلقل دو ًرا أساس ًّيا‬
‫في التثقيف والتوعية لقضية املساواة بني اجلنسني ومفهوم الزواج‪ .‬وتع ّبر عن هذه الوجهة الثانية‬
‫إحدى املشاركات‪ ،‬بقولها‪“ :‬أنا ما بختلف مع أهمية القانون وتطبيقه‪َ ،‬بس هذا ما بلغي‬
‫احملاور األساسية‪ ،‬أل ُّنه في ّ‬
‫كل املجتمعات املعايير االجتماعية هي السائدة‪ ،‬و ّملا منحكي‬
‫عن تغيير فالعمل املجتمعي هو عامل إ ُله تأثير كبير‪.‬‬
‫واشتبكت وجهتا النظر هاتان فيما بعد‪ ،‬للتأكيد على أهمية العمل على اإلدماج بني العمل على‬
‫تطبيق القانون والعمل املجتمعي‪ ،‬فع ّبر معظم املشتركني واملشتركات في هذه املجموعة‪ ،‬عن أن‬
‫املسار املوازي الذي يجب أن يترافق مع القانون هو ثقافة القانون‪ ،‬والعمل على نشر هذه الثقافة‬
‫مجتمع ًّيا من خالل العمل التوعوي والتثقيفي‪.‬‬
‫وظهر الكثير من اآلراء في مجموعة العاملني‪/‬ات االجتماعيني‪/‬ات التي حتدّ ثت عن دور الدولة‬
‫القامع ومساهمته في إفراز هذه املمارسة‪ .‬وع ّبر عن ذلك ما قاله أحد املشاركني‪“ :‬تعدّ د الزوجات‬
‫ناجت عن تضييق احلريات‪ ،‬ألنه ِفش وال أي حرية للتعبير‪ ،‬بتطلع مبحالت ثانية”‪.‬‬
‫واعترضت أصوات أخرى على هذا التحليل‪ ،‬ورأت فيه محاولة مستم ّرة إلسقاط تراجع املجتمع‬
‫وممارسته القامعة جتاه النساء على الدولة والقمع السياسي‪ ،‬الذي تتع ّرض له األقلية الفلسطينية في‬
‫الدولة اإلسرائيلية‪ ،‬وذلك لتجنب اخلوض في ال ُبنية البطريركية للمجتمع واإلشكاليات التي تفرزها‪،‬‬
‫وحت ّمل املسؤولية الذاتية‪.‬‬
‫“بالش نظل نحكي الدولة مض ّيقة علينا‪ ،‬أنا بحكي بشكل شخصي‪ ،‬هاي النقطة‬
‫صارت تعصبني‪ ،‬بالش نظل نحكي الصهيونية واألمريكية ض ّيقت علينا ورحنا‬
‫‪260‬‬
‫وهي صغيرة‬
‫جتوزنا‪ ،‬إحنا ِع ّنا غلط بالتربية‪ ،‬كيف منتطلع على املرا وعلى البنت من ِ‬
‫ّ‬
‫حلد ما تكبر‪ ،‬ومنعطي للشاب يعمل شو بدّ و‪ ،‬والبنت منقعدها بالبيت ومنض ّيق‬
‫عليها‪ ،‬إحنا شعب انهزامي”‪.‬‬
‫‪261‬‬
262
‫ا ُخلالصة‬
‫ُيعتبر تعدّ د الزوجات واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل ضمن رزمة القضايا املختلفة املتع ّلقة‬
‫باملرأة وحقوقها‪ .‬ورغم انحسارها منذ بداية القرن العشرين‪ ،‬فإنّها عادت لتنتعش ابتداء من سبعين ّيات‬
‫ً‬
‫ملحوظا‬
‫القرن املاضي‪ ،‬وباتت اليوم تتصدّ ر القضايا املتع ّلقة باملرأة‪ ،‬حيث ُتظهر اإلحصائيات ازديادًا‬
‫في السنوات األخيرة في إعادة إحياء هذه املمارسة في الشرق األوسط واملجتمعات اإلسالمية‪ ،‬وفي‬
‫التحسن الظاهر في مكانة املرأة العربية‪ ،‬يشهد العالم‬
‫مناطق أخرى مختلفة من العالم‪ .‬ورغم‬
‫ّ‬
‫متواز وتسير جن ًبا إلى جنب مع التطورات‬
‫العربي إعادة إحياء ملمارسة تعدّ د الزوجات‪ ،‬تتنامى بشكل ٍ‬
‫التي طرأت على وضعية النساء فيه‪ ،‬وعلى املجتمع عا ّمة‪.‬‬
‫انطلق هذا البحث في فهم وحتليل ظاهرة تعدّ د الزوجات في املجتمع الفلسطيني في دولة إسرائيل‪،‬‬
‫ً‬
‫آخذا باالعتبار القمع املتعدّ د املستويات الذي يمُ ا َرس ضدّ النساء الفلسيطينيات‪ ،‬أ ّو ًال من قبل الدولة‬
‫وسياستها املنهجية العنصرية ضدّ األقلية الفلسطينية‪ ،‬وثان ًيا القمع األبوي الذي يمُ ا َرس عليهنّ ‪.‬‬
‫النوعي‪ ،‬حيث اعتمد في املستوى األول منه املقابالت املع ّمقة مع‬
‫لقد ا ّتبع البحث أسلوب البحث‬
‫ّ‬
‫ثمان منهنّ زوجات قام أزواجهنّ بالزواج‬
‫اثنتي عشرة امرأة يعِ شن في منظومة زواج متعدّ د الزوجات‪ٍ ،‬‬
‫بامرأة أخرى‪ ،‬وأربع نساء قمن بالزواج برجال متز ّوجني‪ .‬أ ّما الرجال فقد ّ‬
‫متت مقابلة سبعة رجال‬
‫يعيشون في منظومة زوجية متعدّ دة الزوجات‪ .‬أجريت هذه املقابالت مع رجال ونساء من مختلِف‬
‫املناطق اجلغرافية في البالد‪ .‬توزّعت املقابالت التي أجريت مع النساء كالتالي‪ :‬أربع مقابالت مع نساء‬
‫من منطقة النقب‪ ،‬خمس مقابالت مع نساء من منطقة اجلليل املركزي‪ ،‬مقابلتان مع امرأتني من‬
‫منطقة اجلليل الشمالي‪ ،‬ومقابلة مع امرأة من منطقة املثلث‪ .‬أ ّما الرجال فقد مت إجراء ثالث مقابالت‬
‫مع رجال من منطقة النقب‪ ،‬وثالث مقابالت مع رجال من منطقة اجلليل ومقابلة واحدة مع رجل من‬
‫منطقة املثلث‪ .‬وفي املستوى الثاني‪ ،‬مت إجراء خمس مجموعات بؤرية مع شرائح مختلفة من املجتمع‪،‬‬
‫ّ‬
‫تركزت‪ ،‬في األساس‪ ،‬بني النساء‪ ،‬وقد تض ّمن جزء منها مجموعات محلية‪ ،‬حيث كانت املشارِ كات‬
‫من املنطقة اجلغرافية نفسها‪ ،‬كما كانت هناك مجموعة أخرى قطرية‪ ،‬حيث ض ّمت مشاركات من‬
‫مناطق مختلفة من البالد‪ .‬وبذلك‪ ،‬فقد أجريت مجموعة بؤرية لنساء عزباوات في مدينة الناصرة‪،‬‬
‫مجموعة بؤرية لنساء ر ّبات بيوت من منطقة املثلث واجلليل‪ ،‬ومجموعة ر ّبات بيوت في قرية اللقية في‬
‫النقب‪ ،‬ومجموعة ر ّبات بيوت في مدينة الناصرة‪ ،‬ومجموعة عاملني‪/‬ات اجتماعيني‪/‬ات في منطقة‬
‫الناصرة‪ .‬وقد هدفت املجموعات البؤرية إلى فحص املواقف واآلراء املتعلقة بتعدّ د الزوجات وحتليل‬
‫اخلطاب السائد في املجتمع الفلسطيني فيما يتعلق بهذه القضية‪.‬‬
‫‪263‬‬
‫املقابالت مع النساء‪:‬‬
‫لقد أظهر البحث وجود فجوة كبيرة بني نظرة النساء املشاركات إلى تعدّ د الزوجات وموقفهنّ من‬
‫هذه املنظومة‪ ،‬وبني نظرة الرجال وموقفهم من هذه القضية‪ .‬ففي حني عدّ دت النساء أسبا ًبا قليلة‬
‫يرين أنها تقف وراء قرار أزواجهنّ في تعدّ د الزوجات‪ ،‬فقد عدّ د الرجال قائمة طويلة من األسباب‬
‫التي يعزونها إلى تعدّ د زواجهم أو تعدّ د زواج رجال آخرين‪ ،‬تنطلق جميعها من وجود مفهوم ض ّيق‬
‫للحياة الزوجية وللعالقة مع الزوجة‪ .‬وقد ع ّبرت النساء عن الصعوبات البالغة التي يتعرضن لها‬
‫بسبب هذه املنظومة‪ .‬بينما ع ّبر الرجال عن مواقف مختلفة متا ًما عن مواقف النساء من هذه‬
‫املسألة‪ ،‬معدّ دين أسبا ًبا كثيرة تش ّرع تعدّ د الزوجات‪.‬‬
‫متوسط عمر النساء املشاركات هو اثنان وأربعون عا ًما‪ .‬و ُتظهر النتائج‬
‫كما أظهر البحث أن‬
‫ّ‬
‫أن متوسط عدد سنوات تعليمهنّ قليل‪ ،‬وأن معظمهنّ لم ُينهني تعليمهنّ الثانوي (ثالث من بني‬
‫املشاركات‪ ،‬فقط‪ ،‬أنهني التعليم الثانوي ومشتركة واحدة حاصلة على اللقب األول)‪ .‬كما قد تع ّرضت‬
‫نشأتهنّ لتمييز مزدوج‪ :‬قمع املجتمع األبوي الذي حرم الكثير منهنّ من التعليم ومن اخلروج إلى احل ّيز‬
‫العا ّم لكونهنّ بنات‪ ،‬من جهة‪ ،‬وقمع الدولة الذي مت ّثل في حرمان النساء اللواتي ترعرعن في ق ًرى غير‬
‫معترف بها من األطر التعليمية ومن احلق في التعلم‪ ،‬من جهة أخرى‪ .‬ومع ارتباط العمل بالتعليم‪،‬‬
‫ُتظهر النتائج أن مشتركتني‪ ،‬فقط‪ ،‬تعمالن خارج البيت‪ ،‬أ ّما باقي النساء فهنّ ر ّبات بيوت‪ .‬ويظهر‬
‫في احملور الثاني والذي تط ّرق إلى زواج النساء‪ ،‬أن‬
‫متوسط عمر زواج النساء اللواتي قام أزواجهنّ‬
‫ّ‬
‫بالزواج بأخرى‪ ،‬هو تسعة عشر عا ًما‪ .‬ويظهر أن الزواج ّ‬
‫املبكر هو سمة مشتركة لهنّ ‪ ،‬وقد تبينّ وجود‬
‫ثالثة أشكال لزواجهنّ ‪ ،‬حيث جاء زواج معظمهنّ – في الشكل األول ‪ -‬من خالل ترتيب عائلي‪ ،‬قام‬
‫بالتوجه إلى عائلة الزوجة من دون أية معرفة مس ّبقة‪ .‬أ ّما الشكل الثاني‪ ،‬فقد‬
‫فيه الزوج أو عائلته‬
‫ّ‬
‫جاء فيه الزواج كإعالن ُصلح بني عائلتني متنازعتني‪ ،‬مت خالله تزويج إحدى املشاركات وهي في‬
‫سنّ الرابعة عشرة من دون رغبتها‪ .‬وأ ّما الشكل الثالث‪ ،‬فقد مت ّثل بتعارف عابر مت فيه التعارف بني‬
‫الزوجة والزوج خالل حفلة زواج أحد األقارب‪ .‬ورغم انعدام وجود تص ّور واضح لدى معظم النساء‬
‫ملفهوم الزواج‪ ،‬ورغم ظهور ّ‬
‫جتذر لتص ّور يقوم على خدمة الزوجة لزوجها ودورها في تأمني احتياجاته‪،‬‬
‫فإن الكثير من النساء يتوقعن من مؤسسة الزواج أن تكون منظومة تؤ ّمن لهنّ االحترام واملساندة‬
‫املعنوية من قبل الزوج‪.‬‬
‫وفي التط ّرق إلى ر ّد فعل الزوجة األولى على زواج زوجها واألسباب التي تعزوها الزوجات إلى زواج‬
‫أزواجهنّ ‪ ،‬فكان هناك عدد من الزوجات اللواتي عزين السبب األول الذي دفع أزواجهنّ إلى الزواج‬
‫ِرات‬
‫بامرأة أخرى إلى انعدام النضوج في التعامل مع املسؤوليات التي تواجه املنظومة الزوجية‪ ،‬معتب ٍ‬
‫‪264‬‬
‫زواج أزواجهنّ خيانة زوجية وإهانة مطلقة وامتهانًا لكرامتهنّ ‪ .‬أ ّما السبب الثاني فقد متحور حول‬
‫زوجي زوجتني لم ُتنجبا سوى بنت‬
‫عدم اإلجناب أو عدم إجناب الذكور‪ ،‬كسبب وقف من وراء زواج َ‬
‫حسب بعض الزوجات وحتديدً ا من منطقة اجلنوب ‪ -‬جتاوب‬
‫واحدة‪ .‬وأ ّما السبب الثالث فقد كان ‪َ -‬‬
‫الزوج مع تشجيع رجال آخرين ممّن حوله‪ ،‬باعتبار تعدّ د الزوجات عالمة من عالمات الرجولة‪ ،‬األمر‬
‫الذي ّ‬
‫أيضا‪ ،‬في املجموعات البؤرية وفي املقابالت املع ّمقة مع الرجال‪.‬‬
‫متت اإلشارة إليه‪ً ،‬‬
‫لقد أظهر البحث أن ردود فعل النساء اللواتي قام أزواجهنّ بالزواج بأخرى‪ ،‬متتد على محور يبدأ‬
‫من الرفض والتمرد وينتهي بالقبول والرضوخ لألمر الواقع‪ .‬وفي اإلمكان اإلشارة إلى شكلني أساسني‪:‬‬
‫يتمظهر األول في مت ّرد الزوجة واعتراضها على قرار الزوج‪ ،‬ولكن ضمن إطار الزواج نفسه وبعيدً ا‬
‫عن اتخاذ قرار بالطالق‪ .‬أ ّما الشكل الثاني فيتمظهر في الرضوخ لألمر الواقع‪ ،‬حيث أبدت بعض‬
‫النساء معارضتهنّ ‪ ،‬لكنهنّ أبدين‪ ،‬كذلك‪ ،‬عدم وجود أية إمكانية أمامهنّ للتصدّ ي لهذه الوضعية‪.‬‬
‫بينما أبدت بعض النساء موق ًفا ميوقعهنّ في وسط احملور‪ ،‬ويتم ّثل في التأرجح بني رفض أن يكنّ‬
‫زوجات لرجل له زوجة أخرى‪ ،‬وبني األمل في أن يتراجع زوجهنّ عن خطوته ويقوم بتطليق زوجته‬
‫اجلديدة واستئناف حياتهما العادية‪ .‬وقد وضع هذا التأرجح بني هذين الطرفني الزوجات في دوامة‬
‫وصراع كبير ْين‪ ،‬وجعلهنّ يتخ ّبطن في سلوكهنّ ‪ ،‬فتارة يستأنفن حياتهنّ الزوجية و ُيحاولن جتاهل‬
‫وجود امرأة أخرى‪ ،‬مع ّوالت على تغ ّير الوضع‪ ،‬وتارة يرفضن هذا الواقع ويفاوضن زوجهنّ لترك‬
‫الزوجة األخرى‪ ،‬فيدخلن بذلك في دوامة تعصف بهنّ وجتعل حياتهنّ رهينة لكثير من التوترات‬
‫وعدم االستقرار‪.‬‬
‫وقد كان من الواضح أن موقف الزوجة من تعدّ د الزوجات كظاهرة في العموم‪ ،‬واألسباب التي‬
‫تنسبها لزواج زوجها‪ ،‬يؤثر بشكل واضح على ر ّد فعلها وعلى صياغة الشكل الذي تتبناه الح ًقا في‬
‫التعاطي مع عالقتها الزوجية‪ .‬فالزوجة التي اعتبرت تعدّ د الزوجات ممارسة ُمهينة ّ‬
‫حتط من مكانة املرأة‪،‬‬
‫واعتبرت أن زوجها قام بالزواج بأخرى ته ّر ًبا من التعاطي مع صعوبات احلياة الزوجية ومسؤولياته‬
‫ً‬
‫معارضا وثاب ًتا من زوجها‪ ،‬انعكس بشكل العالقة الزوجية التي نشأت واالمتناع‬
‫العائلية‪ ،‬تبنّت موق ًفا‬
‫عن ممارسة العالقة اجلنسية مع الزوج رغم احملاالوت املستمرة من قبله الستئنافها‪ .‬أ ّما النساء اللواتي‬
‫انطلقن من أن تعدّ د الزوجات ممارسة مشروعة دين ًّيا للرجال‪ ،‬وعادة مجتمعية‪ ،‬وال يمُ كن االعتراض‬
‫عليها‪ ،‬فقد ُقمن باالعتراض على مضمونها وعلى عدم العدل في تص ّرفات الزوج‪ .‬وبذلك فقد حافظت‬
‫النساء على عالقتهنّ الزوجية وأبدين رضوخً ا في عالقتهنّ بأزواجهنّ ‪ ،‬وتركز اعتراضهنّ على عدم‬
‫العدل الذي يمُ ارسه أزواجهنّ والتمييز بينهنّ وبني الزوجة الثانية‪.‬‬
‫‪265‬‬
‫يظهر بذلك التناقض والبلبلة في موقف قسم من النساء‪ ،‬فرغم املعاناة الكبيرة التي تصفها جميع‬
‫النساء اللواتي تز ّوج أزواجهنّ بامرأة أخرى‪ ،‬ويعشن في زواج متعدّ د الزوجات‪ ،‬فموقف الزوجات‬
‫أنفسهنّ متأرجح ما بني التجربة الشخصية واملوقف العا ّم من تعدّ د الزوجات‪ .‬فالعديد من النساء ‪-‬‬
‫ني شرعي ًة لتعدّ د الزوجات كظاهرة‪ ،‬في حال استطاع‬
‫وخصوصا املشاركات من منطقة اجلنوب – أعط َ‬
‫ً‬
‫الزوج العدل بني الزوجات‪ ،‬وكان ميلك إمكانيات مادية وقاد ًرا على تأمني احتياجات كال البيتني‪.‬‬
‫لكن ذلك ال ُيلغي لديهنّ الشعور باإلهانة واأللم الذي يتس ّبب به زواج الزوج‪ .‬ليتغ ّلب بذلك مفهوم‬
‫الطاعة الذي يدعو املرأة‪ ،‬دائ ًما‪ ،‬إلى االمتثال والرضوخ للنظام البطريركي القائم‪ ،‬وألداء أهم وظيفة‬
‫منوطة باملرأة فيه‪ ،‬املتمثلة بكونها أ ًّما وربة منزل‪ ،‬وهي وظيفة يمُ كن أن تفقد من خاللها وجودها‪،‬‬
‫إذا متردت على سلطة الرجل‪.‬‬
‫وقد تط ّرق احملور الرابع إلى الزوجات الثانيات‪ ،‬فأظهر البحث أنّ هناك ثالثة أسباب عزتها النساء‬
‫إلى قبولهنّ الزواج برجل متز ّوج‪ .‬كان السبب األ ّول هو اخلالص من السلطة األبوية واحلاجة إلى ُح ّب‪،‬‬
‫والذي ع ّبرت عنه إحدى املشاركات‪ ،‬التي تقدّ مت في السنّ ‪ ،‬والتي ظ ّلت عائلتها‪ ،‬وحتديدً ا الذكور من‬
‫ّ‬
‫يتحكمون بحياتها ويق ّيدونها‪ ،‬فاالستقاللية املادية واإلجنازات امل ْهنية العالية التي ح ّققتها لم‬
‫أخوتها‪،‬‬
‫تسعفها للحصول على حريتها‪ ،‬واخلالص من التحكم مبصير حياتها‪ ،‬لتعتبر بذلك أن حاجتها إلى‬
‫إنشاء عالقة زوجية تل ّبي احتياجاتها العاطفية واجلنسية‪ ،‬وحت ّررها من قيود السلطة األبوية امللقاة‬
‫عليها‪ ،‬هي ما دفعها إلى تطوير عالقة عاطفية بادر إليها أحد الرجال املتزوجني‪ ،‬لتصل في نهاية‬
‫املطاف إلى الزواج‪ .‬أ ّما السبب الثاني فتلخّ صه إحدى املشاركات بحاجة املرأة في املجتمع إلى أن‬
‫تكون متز ّوجة حتى لو ّ‬
‫مت اقترانها بشبه رجل‪ .‬وتلخّ ص السبب الذي دفعها لقبول الزواج برجل متز ّوج‬
‫باملثل الشعبي “ظل رجل وال ظل حيطة”‪ ،‬حيث يكون هذا الزواج هو اخلِيار الوحيد للمرأة غير‬
‫واجتماعي‪،‬‬
‫مادي‬
‫العاملة وال املتعلمة‪ ،‬والتي ال متلك استقاللية مادية وتتعامل معها عائلتها كعبء ّ‬
‫ّ‬
‫فيكون بذلك ِخيار الزواج برجل متزوج هو اخلِيار الوحيد الذي ُيكسبها مكانة واحترا ًما ومصدر رزق‬
‫للعيش‪ .‬وأ ّما السبب الثالث فيتلخّ ص باملقولة الشعبية األخرى التي ذكرتها إحدى املشاركات‪ ،‬وهي‬
‫“ختيار يدللني وال شاب يهيني”‪ ،‬والذي جاء نتيجة التجربة القاسية التي م ّرت بها في زواجها األول‬
‫برجل عنيف قامت بالطالق منه بعد أشهر قليلة‪ ،‬لتقبل بعد ذلك برجل متزوج لم ُتنجب زوجته‪،‬‬
‫لكنه معروف بحسن أخالقه ومعاملته احلسنة وقد تط ّرق احملور اخلامس إلى ر ّد فعل املجتمع على‬
‫تعدّ د الزوجات من وجهة نظر النساء‪ ،‬حيث أشارت املشتركات إلى أنّ املجتمع احمليط قد تق ّبل زواج‬
‫أزواجهنّ وتعامل مع الزوجة اجلديدة كزوجة شرعية وتعاطى معها اجتماع ًّيا من خالل زواجها كأي‬
‫زوجة أخرى‪ .‬وقد تفاوت مستوى هذا القبول من محيط امرأة إلى أخرى‪ ،‬كما تفاوت تقييم مستوى‬
‫هذا القبول‪ ،‬من خالل محور ُيظهر أن األمر ترا َوح ما بني بعض التحفظ وبعض القبول‪ ،‬ليصل في‬
‫طرف احملور إلى تشجيع ودعم كبير ْين‪ .‬يظهر هناك شكالن رئيسيان في هذا احملور‪ :‬الشكل األول‪،‬‬
‫‪266‬‬
‫وهو الشكل األكثر انتشا ًرا‪ ،‬حيث ُيبدي املجتمع تق ّب ًال مصحو ًبا بالتحفظ ملا يفرضه الرجال‪ ،‬فإن‬
‫اعتبر هذا املجتمع أن تعدّ د الزوجات أمر خاطئ‪ ،‬فإنه يرى أن ّ‬
‫احلل ال بدّ أن يكون في التعايش معه‬
‫وخصوصا من احمليط القريب للعائلة ‪ -‬أب َد ْوا‬
‫وقبوله‪ .‬هناك من أشارت إلى أن أفرادًا من املجتمع ‪-‬‬
‫ً‬
‫في البداية استياءهم أو حتفظهم من قرار الزوج‪ ،‬الزواج مرة ثانية‪ ،‬وأشاروا إلى أن هذا القرار خاطئ‪،‬‬
‫يعن أنهم أ ّيدوا الزوجة األولى في طلبها من زوجها إلغاء هذا الزواج‪ ،‬بل‬
‫غير أن تقييمهم هذا لم ِ‬
‫متوضع في محاولة إقناعها بقبول األمر الواقع‪ ،‬أي قبول وجود امرأة أخرى في حياة زوجها‪ ،‬وقبول‬
‫نفسها كزوجة أولى لرجل متزوج بزوجة أخرى‪ .‬أ ّما الشكل الثاني فيظهر في إبداء القبول التا ّم‪،‬‬
‫ترخيصا مطل ًقا‬
‫وذلك في حالة عدم اإلجناب‪ ،‬أو إجناب اإلناث‪ ،‬إذ مينح املجتمع الرجل في هذه احلالة‬
‫ً‬
‫للتعدّ د‪ .‬فاحمليط العائلي القريب هو َمن يكون احلافز األساسي للزوج‪ ،‬بل يكون ‪ -‬في معظم األحيان‬
‫ ّ‬‫يشكل مصدر ضغط على الرجل للزواج بامرأة أخرى‪ .‬و ُتظهر نتائج البحث أنه عندما يتعلق األمر‬
‫مبشاكل في اإلجناب أو إجناب اإلناث فقط‪ ،‬يبدو أن الزوجة األولى ال تشعر بأن لها احلق‪ ،‬أص ًال‪ ،‬في‬
‫الرفض أو التمرد على هذه اخلطوة‪ ،‬بل إنها‪ ،‬في غالب امل ّرات‪ ،‬تكون هي من ُيد ّبر الزوجة الثانية‪،‬‬
‫وتقوم بترتيبات العرس‪ .‬يبدو للعِ يان أن النساء يفعلن ذلك وهنّ راضيات ومقتنعات‪ ،‬غير أنهنّ‬
‫أعربن عن ألم كبير داخلهنّ ‪ ،‬كما أعربن عن قناعتهنّ بأنّ زواج أزواجهنّ غير ُمس َّوغ‪ ،‬إنمّ ا يأتي‬
‫رضوخً ا لضغوطات املجتمع‪.‬‬
‫وتط ّرق احملور السادس إلى الصعوبات الذاتية واملجتمعية في العيش كزوجة في منظومة زواج‬
‫متعدّ د الزوجات‪ .‬وقد أظهرت النتائج أن األلم هو العامل املشترك جلميع النساء االثنتي عشرة‪،‬‬
‫اللواتي ُقمن بالبوح بوجعهنّ وما يعايشنه من صعوبات داخل هذه املنظومة من الزواج‪ .‬وقد ظهر‬
‫وجود ثالثة أمناط ملنظومة تعدّ د الزوجات في املجال اليومي املَعِ يش‪ :‬في النمط األول تقوم الزوجة‬
‫ّ‬
‫ليظل يتردّد على البيت األول من دون املبيت‬
‫بطرد الرجل لينتقل للعيش في بيت الزوجة الثانية‪،‬‬
‫ّ‬
‫يقسم بذلك وقته بني البيتني‬
‫فيه‪ .‬أ ّما في النمط الثاني‬
‫فتظل الزوجة موافقة على وجود الزوج الذي ّ‬
‫ويحضر بشكل دوري‪ ،‬فيكون يو ًما في البيت األول ويو ًما في البيت الثاني‪ .‬وأ ّما في النمط الثالث‪،‬‬
‫فتقوم الزوجتان بالعيش م ًعا في البيت نفسه‪.‬‬
‫أظهرت نتائج البحث اإلهمال العاطفي واملادي الصارخ الذي تعاني منه الزوجات اللواتي قام‬
‫أزواجهنّ بالزواج بأخرى‪ ،‬كما أظهرت صعوبات مشابهة لدى الزوجات الثانيات اللواتي أشرن إلى‬
‫الضائقة املادية الشديدة والصعوبات الزوجية واملجتمعية األخرى‪ .‬وكانت النساء املشاركات من‬
‫منطقة النقب أكثر النساء تضر ًرا من تعدّ د الزوجات‪ ،‬من حيث حدّ ة اإلهمال الذي وصفنه‪ .‬كما‬
‫ظهر بشكل صارخ اإلهمال املادي والعاطفي الذي تتعرض له الزوجات واألوالد‪ ،‬من قبل األزواج‬
‫الذين تركوا البيت وانتقلوا للعيش مع الزوجة الثانية‪ ،‬متنصلني من واجباتهم ومسؤولياتهم املادية‬
‫‪267‬‬
‫والعاطفية جتاه الزوجات واألوالد‪ .‬وقد اعتبر معظم النساء أن أزواجهنّ ‪ -‬من ُوجهة نظرهنّ ‪ -‬في‬
‫َ‬
‫أرامل‪ ،‬كونهنّ يواجهن صعوبات‬
‫مطلقات أو‬
‫عِ داد الغائبني‪ ،‬أو املتوفني‪ .‬واعتبرن أنفسهنّ ‪ ،‬فعل ًّيا‪،‬‬
‫ٍ‬
‫احلياة ومسؤولياتها َوحدهنّ ‪ ،‬من دون وجود شريك حقيقي يتقاسم معهنّ أعباء احلياة ومسؤولياتها‪.‬‬
‫وقد أشارت جميع الزوجات ‪ -‬وحتديدً ا الزوجات األوائل ‪ -‬إلى غياب الدعم األبوي واملعنوي واملادي‬
‫عن حياة أطفالهنّ ‪ ،‬وإلى تداعيات هذا الغياب على نفس ّيات أوالدهنّ وعلى مسار تطورهم االجتماعي‬
‫موردات الكثير من املواقف التي يتعرضن لها في احلياة اليومية‪ ،‬والتي تتم ّيز‬
‫والعاطفي والتعليمي‪،‬‬
‫ٍ‬
‫بالكثير من األلم واحلزن واللوعة‪.‬‬
‫أ ّما احملور السابع فقد تط ّرق إلى العوائق التي تقف أمام النساء لكسر منظومة تعدّ د الزوجات‪.‬‬
‫يفضلن عدم اللجوء إلى الطالق ألسباب عديدة‪ ،‬يقف على رأسها نظرة‬
‫وقد أظهرت النتائج أن النساء ّ‬
‫املجتمع القاسية جتاه املرأة املطلقة‪ ،‬وهنّ يعتبرن الطالق أسوأ من كونهنّ زوجات يعشن منظومة‬
‫متعدّ دة الزوجات‪ .‬غالبية املشاركات نفني كل ًّيا التفكير في الطالق‪ ،‬ورغم أن عددًا منهنّ يرغنب فيه‪،‬‬
‫فهنّ ال يجدن الدعم املناسب ممن حولهنّ ومن املجتمع‪ ،‬وقد قامت واحدة‪ ،‬فقط‪ ،‬من بينهنّ قبل فترة‬
‫وجيزة بالطالق‪ ،‬وجاء ذلك بعد سنوات طويلة من العيش كزوجة أولى‪ ،‬وبعد تقدّ مها في السنّ وبلوغ‬
‫بالتوجه إلى احملكمة املدنية بطلب الطالق في أثناء إجراء البحث‪،‬‬
‫أوالدها‪ .‬بينما قامت مشتركة ثانية‬
‫ّ‬
‫ُمبدي ًة الكثير من التردّد في متابعة هذه اخلطوة‪ .‬ويبدو أن الصعوبات التي تواجه النساء في ومتنعهنّ‬
‫من اتخاذ قرار بالطالق‪ ،‬تتع ّلق بعدّ ة عوامل‪ ،‬يتم ّثل األول بعدم تل ّقيهنّ الدعم من عائالتهنّ التي‬
‫يقوم أفرادها بنصحهنّ ‪ ،‬عادة‪ ،‬بعدم اللجوء إلى الطالق‪ ،‬ويعملون على إعادتهنّ إلى بيوت أزواجهنّ‬
‫في حالة توجههنّ إليهم‪ .‬أ ّما العامل الثاني فيعود إلى الصعوبة الداخلية التي تواجهها الزوجة في‬
‫حتولها إلى امرأة مطلقة‪ّ ،‬‬
‫بكل مما يرافق ذلك من نظرة دونية يتعامل بها املجتمع مع املرأة املطلقة‪،‬‬
‫وكذلك رفض األوالد لفكرة طالق والدتهم لألسباب نفسها‪ .‬إن القيام بالتغيير يحتاج إلى الشعور‬
‫بالثقة‪ ،‬والثقة ال تأتي بغير سند‪ ،‬والسند يأتي من مرجعية مع ّينة‪ .‬واملرجعية التي حتتاجها النساء‪،‬‬
‫أساسا‪ ،‬هي مرجعية العائلة‪ ،‬وحني ال حتظى بها‪ ،‬تكون النتيجة قبول األمر الواقع‪.‬‬
‫ً‬
‫أ ّما العامل الثاني الذي ّ‬
‫متت اإلشارة إليه‪ ،‬فهو عدم تطبيق القانون الذي مينع تعدّ د الزوجات‪ ،‬وفي‬
‫حاالت كثيرة‪ ،‬عدم إمكانية استخدام هذا القانون من قبل النساء أنفسهنّ ‪ ،‬واللواتي ع ّبرن عن النبذ‬
‫الذي من املمكن أن يتع ّرضن له من قبل عائلة الزوج في حال قيامهنّ بتقدمي شكوى إلى الشرطة‪،‬‬
‫والذي يصل‪ ،‬عادة‪ ،‬إلى طردها من بيتها وجتريدها من ّ‬
‫كل ما متلك‪ .‬وأ ّما العائق األخير فيتمحور‬
‫جدا‪ ،‬ال‬
‫حول انعدام االستقاللية املادية للنساء‪ ،‬حيث إنهنّ ميلكن موارد تعليمية وم ْهنية محدودة ًّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫معتمدات على‬
‫مستقل‪ ،‬مما يجعلهنّ ‪ ،‬في أغلب األحيان‪،‬‬
‫متكنهنّ من العثور على عمل ومصدر دخل‬
‫ٍ‬
‫ما ميكن أن يتلق ْينه من األزواج من أجل تأمني معيشتهنّ ومعيشة أوالدهنّ ‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬فقد‬
‫‪268‬‬
‫ّ‬
‫متت اإلشارة بشكل محدود إلى التعامل املؤسساتي للدولة‪ ،‬القائم على التمييز بني النساء العربيات‬
‫والنساء اليهوديات‪ ،‬الذي من املُمكن أن يحرمهنّ من حقوق في تل ّقي مخصصات الدعم من قبل‬
‫مؤسسة التأمني الوطني‪ ،‬مقابل ما تتلقاه املرأة اليهودية في حال كونها ُمعيلة وحيدة للعائلة‪ ،‬األمر‬
‫الذي يزيد من الصعوبات املادية التي ُتضط ّر املرأة العربية إلى حت ّمل أعبائها مبفردها من دون أن‬
‫جتد الدعم لها‪.‬‬
‫املقابالت مع الرجال‪:‬‬
‫يتط ّرق احملور األول إلى خلفية الرجال‪ ،‬ويتط ّرق احملور الثاني إلى قرار الرجال بالنسبة إلى الزواج‬
‫األول‪ ،‬ومفهومهم للحياة الزوجية‪ .‬ف ُيظهر البحث أن جميع الرجال في زواجهم األول قد تز ّوجوا في‬
‫سنّ ّ‬
‫مبكرة‪ ،‬وغال ًبا‪ ،‬في سنّ التاسعة عشرة‪ .‬وقد جاء زواج جميع الرجال‪ ،‬من دون تعارف مس ّبق‪،‬‬
‫إمنا من خالل ترتيب عائلي‪ ،‬حيث كان لآلباء ‪ -‬وفي بعض احلاالت لأل ّمهات ‪ -‬حقّ‬
‫تقليدي في تقرير‬
‫ّ‬
‫أي ِخيار‪ ،‬فمعظهم لم ُيبدوا‬
‫زواج أبنائهم‪ ،‬ليمنحهم ذلك سلطة كبيرة لم يكن ملعظم الرجال فيها ّ‬
‫استعدادًا مس ّب ًقا لهذه اخلطوة‪ .‬وقد أشار البعض منهم إلى أن موافقته على هذا الزواج جاءت لرغبة‬
‫في إقامة عالقة مع فتاة من دون فهم مس ّبق ملترتبات االرتباط والزواج واملسؤوليات امللقاة عليه كزوج‬
‫وأب‪ .‬وع ّبر الرجال املتقدّ مون في السنّ (أواسط اخلمسني) عن تق ّبلهم لهذا الوضع‪ ،‬باعتبار أنّ ما‬
‫فرضه األب عليهم من ترتيب للزواج‪ ،‬هو – بال شك ‪ -‬نابع من معرفته ملصلحتهم كأبناء‪ .‬بينما ظهر‬
‫أنّ الرجال األصغر س ّنًا ُيبدون انتقادًا‪ ،‬في الوقت احلالي‪ ،‬لهذا األمر الذي ّ‬
‫مت إجبارهم عليه‪ .‬وقد‬
‫ناضجا ملفهوم الزواج‪ .‬ويمُ كن تصنيف األسباب‬
‫أظهرت املقابالت كذلك أن الرجال ال ميلكون تص ّو ًرا‬
‫ً‬
‫التي يوردها الرجال لزواجهم وظروف ترتيباته بسببني‪ ،‬األول هو اعتبار الزواج فرصة للتع ّرف إلى‬
‫فتاة ورغبة في إقامة عالقة مع امرأة‪ ،‬األمر الذي ال ُيتيحه املجتمع خارج إطار الزواج‪ .‬أ ّما السبب‬
‫الثاني فهو اعتبار الزواج آلية حلفظ مصالح العائلة االقتصادية‪ ،‬األمر الذي يدفع بعائلة الشاب إلى‬
‫ترتيب زواج االبن وتشجيعه‪ ،‬ولو كان ذلك في سنّ ّ‬
‫مبكرة‪.‬‬
‫أ ّما احملور الثالث والذي يتط ّرق إلى األسباب التي دفعت بالرجال ‪ -‬من ُوجهة نظرهم ‪ -‬إلى‬
‫تعدّ د الزوجات‪ ،‬فتُظهر فيه النتائج أن جميع الرجال ينطلقون في تفسير زواجهم الثاني من رصد‬
‫أسباب وحوافز مختلفة‪ ،‬مشيرين إلى قائمة طويلة من األسباب التي دفعتهم‪ ،‬والتي من املمكن أن‬
‫تدفع الرجال عمو ًما إلى تعدّ د الزوجات‪ .‬كما ُتظهر النتائج بعد ْين في تعامل الرجال مع قضية تعدّ د‬
‫الزوجات‪ ،‬يتم ّثل البعد األول باإلجماع التا ّم على شرعية هذه املمارسة‪ ،‬إذ يجتمع مختلِف هذه‬
‫‪269‬‬
‫األسباب مبنطلقها إلى تشريع هذه املمارسة‪ ،‬وحشد التسويغات الدينية ذاتها‪ ،‬واملتمثلة باآليات‬
‫القرآنية التي ح ّللت للرجال تعدّ د الزوجات‪ .‬هناك إجماع تا ّم بني جميع الرجال املشاركني على‬
‫اعتبار تعدّ د الزوجات ح ًّقا شرع ًّيا وقضية مقبولة وممارسة “عادية”‪ .‬يتماشى مع هذا املوقف ‪-‬‬
‫بشكل ال يمُ كن فصله بتا ًتا ‪ -‬التشريع الديني الذي ُيبيح هذه املمارسة‪ ،‬ليكون هذا التشريع قضية‬
‫مالزمة ترافق مختلِف القضايا التي مت التط ّرق إليها‪ ،‬واعتبار أنفسهم يتمتّعون بامتيازات كرجال‪،‬‬
‫وإميانهم بتف ّوقهم على النساء وانعدام إمكانية املقارنة بينهم كرجال وبني زوجاتهم كنساء في احلقوق‬
‫والواجبات‪ .‬عمل ًّيا‪ ،‬انطلق جميع الرجال من اإلميان املعلن والضمنّي بقوامتهم على النساء‪ ،‬األمر‬
‫الذي يجعل التعامل مع املرأة كـ “شيء”‪ ،‬موردين بذلك ّ‬
‫كل التفسيرات الذكورية والتي مينحون‬
‫من خاللها ألنفسهم املس ّوغات للتعدّ د‪ ،‬والتي ينعدم فيها النظر إلى العالقة الزوجية كعالقة إنسانية‬
‫تشاركية جتمع بني الرجل واملرأة‪ ،‬قائمة على الندّ ية واملساواة‪.‬‬
‫أ ّما البعد الثاني‪ ،‬فينعكس من خالل محورية الرجال وانطالقهم جمي ًعا من رؤية وحتليل ّ‬
‫كل جتليات‬
‫هذه املمارسة‪ ،‬من كون الرجل هو احملور‪ .‬يستحضر الرجال ك ّلهم خطا ًبا يرى في الرجل‪ /‬الذكر‬
‫أساسا ويجعله في بؤرة االهتمام وفي مركز احلركة‪ .‬فجميعهم يسوقون مواقفهم من اعتباراتهم‬
‫ً‬
‫وحاجاتهم ورغباتهم كرجال‪ ،‬من دون األخذ بعني االعتبار حاجات النساء ورغباتهنّ ومواقفهنّ ‪.‬‬
‫فعمل ًّيا‪ ،‬قام جميع الرجال بإلغاء وجود النساء‪ ،‬سواء أكنّ الزوجات ال ّلواتي تزوجوهنّ أو ًال‪ ،‬أم ُكنّ‬
‫الزوجات الثانيات‪ ،‬ليتمحور معظم حديثهم حول أنفسهم كرجال‪ ،‬وما يقدّ مه تعدّ د الزوجات لهم في‬
‫منظومة زوجية توفر لهم إطا ًرا أسر ًّيا أفضل‪ .‬إن تركيز الرجال على ذواتهم‪ ،‬جعلهم ُيبدون عدم‬
‫اكتراث يصل في أحيان أخرى إلى حدّ اإلنكار ملوقف الزوجة األولى أو الثانية‪ ،‬وإنكار تأثير تعدّ د‬
‫الزوجات عليهنّ كنساء‪ ،‬وتداعيات هذه املنظومة سل ًبا على حياتهنّ ‪ .‬ويستند جميع الرجال إلى‬
‫الشريعة الدينية في تأكيد الفروق النوعية بينهم وبني النساء‪ ،‬وفي حتقيق مشروعية عدم املساواة‪،‬‬
‫متهيدً ا للحديث عن األنثى وعن “اجلنس اللطيف”‪ ،‬الذي تتحدّ د َم َهمته في تخفيف العناء عن اجلنس‬
‫يتم‬
‫اخلشن‪ ،‬وتهيئة املناخ البيتي واألسري الذي يمُ ّكنه من ممارسة احلياة‪ ،‬اإلنتاج والعمل‪ .‬بهذا التص ّور ّ‬
‫ّ‬
‫لتتركز ّ‬
‫كل َم َهمتها في تلبية طلباته وتأمني‬
‫إلغاء املرأة‪ /‬األنثى حلساب الرجل‪ /‬الذكر إلغاء شبه تا ّم‪،‬‬
‫حاجاته‪ ،‬وليس ث ّمة تبعات يتحملها الرجل في عالقته باملرأة‪ ،‬سوى أن مينحها الغذاء واملسكن‪ .‬إنها‬
‫عالقة أشبه بعالقة التابع واملتبوع‪ ،‬والعبد بس ّيده‪ ،‬لكن الرجال يص ّورونها من وجهة نظرهم كعالقة‬
‫يقومون فيها مبنح النساء االهتمام واالحترام‪.‬‬
‫وكانت األسباب التي عزونها إلى تعدّ د زوجاتهم كالتالي‪ :‬اخلالفات الزوجية مع الزوجة األولى‪،‬‬
‫ليكون تعدّ د الزوجات تسوية ما بني الواجب األبوي جتاه األوالد والعائلة‪ ،‬وما بني الرغبة في ممارسة‬
‫حسب وجهة نظرهم ‪ -‬أمر‬
‫عالقة زوجية هانئة ومستقرة من دون اللجوء إلى الطالق الذي هو ‪َ -‬‬
‫‪270‬‬
‫يس ّبب األذى للعائلة واألوالد‪ .‬أ ّما السبب الثاني فهو التشجيع املجتمعي‪ ،‬وحتديدً ا من قبل األقارب‬
‫يحث الرجال على اتخاذ زوجة ثانية‪ ،‬ليتح ّول هذا التشجيع إلى حلظة امتحان‪ ،‬على‬
‫واألصدقاء‪ ،‬الذي ّ‬
‫الرجل أن يقوم فيها بإثبات رجولته مقابل رجال آخرين‪ ،‬كدليل على قدرته وقوته‪ .‬وقد ظهر هذا‬
‫األمر بحدّ ة أكبر في منطقة النقب‪ ،‬حيث ينتشر تعدّ د الزوجات بنسب عالية‪ ،‬أكبر ممّا هي عليه في‬
‫مناطق أخرى‪ .‬وأ ّما السبب الثالث فقد كان كبر الزوجة‪ ،‬انطال ًقا من اعتبار أن دور الزوجة يتمثل‬
‫بخدمة الزوج وتأمني حاجاته اجلسدية واجلنسية‪ .‬ولذا ففي حال أصبحت الزوجة غير قادرة‪ ،‬أو أنها‬
‫مهيأة لتصبح غير قادرة على تأمني حاجاته‪ ،‬فإن من حق الزوج أن يتزوج بامرأة أخرى‪ ،‬من دون‬
‫أن يعتبر أن هذه اخلطوة حتمل إهانة للزوجة األولى‪ .‬وأ ّما السبب الرابع فقد جاء ّ‬
‫كحل للحفاظ على‬
‫األوالد في العائلة عند وفاة األخ‪ ،‬حيث يصبح تعدّ د الزوجات وضعية شرعية لبقاء الزوجة مع أوالدها‬
‫في بيت عائلة الزوج‪ ،‬وعدم عودتها إلى بيت عائلتها مع أوالدها‪ .‬وقد كان السبب اخلامس الذي ُذكر‬
‫واحد‪ .‬وأ ّما السبب‬
‫ولد ٍ‬
‫هو إجناب املزيد من األوالد‪ ،‬في الوقت الذي لم تنجب فيه الزوجة األولى سوى ٍ‬
‫السادس فهو الع ّفة‪ ،‬باعتبار تعدّ د الزوجات وسيلة لتحصني الرجل جنس ًّيا وجتنيبه إقامة عالقات‬
‫جنسية مع نساء أخريات خارج إطار الزواج‪ .‬وفي هذا اإلطار‪ ،‬فقد انطلق معظم الرجال من اعتبار‬
‫تف ّوقهم اجلنسي على النساء‪ ،‬واالرتكاز على الفروقات البيولوجية بينهم وبينهنّ ‪ ،‬واإلميان بفاعلية‬
‫الرجال اجلنسية‪ ،‬وحاجاتهم التي تفوق بكثير حاجات النساء‪ ،‬التي تتق ّلص‪ ،‬أص ًال‪ ،‬وبالكاد تكون‬
‫موجودة بسبب اإلجناب والوالدات‪ُ .‬تظهر نتائج البحث أنّ الرجال قاموا بالتط ّرق إلى االختالفات في‬
‫األدوار االجتماعية‪ ،‬ال إلى االختالفات في األدوار البيولوجية‪ ،‬التي ال تتعلق بالفروقات في احلاجة‬
‫اجلنسية‪ ،‬بل تتعلق بالفروقات في األدوار النمطية للمرأة والرجل‪ ،‬من دون إدراك الفرق بني االثنني‪،‬‬
‫ومن دون أن يروا أن عدم إعادة صياغة األدوار بني اجلنسني وعدم حت ّمل الرجل‪ -‬األب لدور الرعاية‪،‬‬
‫منهكات جسد ًّيا ّ‬
‫وأقل فعالية جنس ًّيا‪.‬‬
‫هما ما يجعل الكثير من الزوجات‬
‫ٍ‬
‫وباإلضافة إلى األسباب الشخصية التي عدّ دها الرجال لتعدّ د زوجاتهم‪ ،‬فقد مت التطرق إلى أسباب‬
‫حسب تعبيرهم‪ ،‬التي يتعرض لها جميع‬
‫أخرى قد تدفع الرجال إلى التعدّ د‪ ،‬وعلى رأسها غواية املرأة َ‬
‫الرجال من قبل النساء‪ .‬يتم بذلك تص ّور املرأة كمبعث لإلغراء‪ ،‬األمر الذي ُيفقد الرجل سيطرته‬
‫على نفسه ويحفز غريزته اجلنسية‪ ،‬ممّا يقتضي اللجوء إلى التحصني‪ ،‬وإحدى وسائل التحصني تعدّ د‬
‫الزوجات‪ .‬تعكس هذه املواقف ال ُبنية البطريركية للمجتمع والتعامل القائم مع املرأة ومع مفهوم‬
‫اجلنسي‪ ،‬وحتديدً ا‬
‫العالقات بني اجلنسني‪ .‬ويكمن متظهر غياب هذا الفهم املتبادل في اعتبار الفعل‬
‫ّ‬
‫خارج إطار الزواج‪ ،‬كمسؤولية املرأة وحدَها‪ ،‬بينما ُيص ّور الرجل كال حول له وال قوة‪ .‬يوقع هذا‬
‫اخلطاب الرجال في تناقض صارخ؛ فمن جهة‪ُ ،‬تص ّور املرأة ‪ -‬الزوجة بأنها سالبة جنس ًّيا‪ ،‬وغير قادرة‬
‫على سدّ احتياجات زوجها‪ ،‬األمر الذي يحتّم تعدّ د الزوجات‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬يقوم بعرض املرأة‬
‫وعرضة‬
‫كف ّعالة جنس ًّيا‪ ،‬حيث ُتغوي الرجل‪ ،‬فهي مغرية وخادعة‪ ،‬ويعتبر الرجل أكثر حساسية ُ‬
‫‪271‬‬
‫للغواية جتاهها‪ .‬يتناقض هذا الوصف مع فلسفة قِ وامة الرجال على النساء‪ ،‬التي تبنّاها الرجال والتي‬
‫انطلقوا منها في اعتبار أنفسهم يتمتّعون بقدرات عقلية ومهارات حياتية تفوق قدرة النساء‪ ،‬األمر‬
‫الذي يجعلهم أقدر على إدارة شؤونهم وشؤون النساء‪ .‬تعزو هذه الفلسفة صفة “العاطفية” بشكل‬
‫منطي إلى النساء‪ ،‬مقابل عزو “العقالنية” إلى الرجال‪ ،‬التي ال يجدون تفسي ًرا الختفائها وعدم‬
‫فاعليتها أمام غواية النساء‪.‬‬
‫ُتظهر نتائج البحث أن هذا التوجه الذي يحمله الرجال جتاه املرأة‪ ،‬يحمل في ط ّياته تقسي ًما منط ًّيا‬
‫قسم فيه النساء إلى صنفني‪ :‬النساء السالبات و”الفاضالت”‪،‬‬
‫مترسخً ا في الذهنية الذكورية‪ُ ،‬ي ّ‬
‫ّ‬
‫مقابل النساء الفاعالت جنس ًّيا و”املغويات”‪ ،‬وهي تقسيمة متجذرة في الذهنية البطريركية‪ ،‬تنبع‬
‫من الفصل التا ّم الذي ُيقيمه النظام البطريركي بني ُ‬
‫احل ّب واجلنسانية مبا فيه الكفاية العتبار املتعة‬
‫اجلنسية كعالقة بني أنداد متساوين‪ ،‬وليس كآلية لفرض تراتبية وفرض السلطة وفرض السيطرة‪،‬‬
‫وبالتالي التجريد من اإلنسانية‪ .‬يح ّول بذلك الرجال اخلطاب الذي يدعو إلى تعدّ د الزوجات من‬
‫منطلق مواجهة الغواية التي يتعرض لها الرجل بسبب املرأة وما تب ّثه من شهوة وفتنة‪ ،‬إلى خطاب‬
‫يتعامل مع األنوثة كمرادف للشيطنة‪ ،‬ويح ّولها إلى كائن مح ّرك للغرائز وباعث على الفتنة‪ ،‬ليلقوا‬
‫عنه بذلك مسؤولية عدم قدرته على تهذيب غريزته اجلنسية‪ ،‬ليصبح ّ‬
‫احلل الوحيد هو تعدّ د الزوجات‪.‬‬
‫تتم اإلشارة إلى إمكان ّية ممارسة‬
‫وبإضافة أسباب أخرى قد تدفع الرجال إلى تعدّ د الزوجات‪ّ ،‬‬
‫وطني مقاوم‪ ،‬يأتي من أجل زيادة عدد الفلسطينني‬
‫تعدّ د الزوجات من قبل رجال آخرين‪ ،‬كر ّد فعل‬
‫ّ‬
‫والر ّد على سياسات الدولة العنصرية باعتبار الفلسطينيني خط ًرا دميوغراف ًّيا‪ ،‬وباعتبار ازدياد أعداد‬
‫حسب تعبير أحد املشاركني‪ .‬ليتم بذلك تبنّي الدعوة الصريحة التي‬
‫الفلسطينيني آلية مقاومة‪َ ،‬‬
‫أطلقها عضو الكنيست عباس زكور‪ ،‬ممثل احلركة اإلسالمية ‪ -‬الشق اجلنوبي‪ ،‬والتي دعا فيها‪ ،‬قبل‬
‫بضع سنوات‪ ،‬النساء الفلسطينيات إلى تسخير أرحامهنّ من أجل زيادة اإلجناب‪ .‬ودعا الرجال إلى‬
‫تعدّ د الزوجات‪ .‬وهي الدعوة التي يبدو أنها تتكرر على لسان الرجال‪ ،‬لتمنح ممارستهم في تعدّ د‬
‫الزوجات بعدً ا وطن ًّيا‪ ،‬حيث يبدو أن الرجل هو الرابح األساسي منها‪ ،‬في حني تبقى املرأة محرومة‬
‫من القرار واخليار‪.‬‬
‫اخلاص بتعدّ د زيجاته‪ ،‬أمر حكري‪ ،‬فال مكان فيه ملعارضة‬
‫لقد أظهرت النتائج أن قرار الزوج‬
‫ّ‬
‫الزوجة‪ .‬لم يلتفت الرجال عند قرارهم الزواج بامرأة ثانية إلى موقف الزوجة األولى‪ ،‬باعتبار أن‬
‫عادي لكنّه عابر‪ ،‬والزواج بامرأة ثانية‬
‫موقفها غير قابل لألخذ باحلسبان من قبلهم‪ .‬فاملعارضة ر ّد فعل ّ‬
‫ال يحمل في ط ّياته إهانة أو أ ًذى للزوجة األولى‪ ،‬كما أن معارضتها ال يمُ كن أن تغ ّير من قرارهم‪.‬‬
‫يتخذ الرجال إستراتيجية فرض األمر الواقع‪ ،‬منطلقني من فرضية أن الزوجة – ورغم معارضتها‬
‫‪272‬‬
‫األولى ‪ -‬ال ِخيار لها‪ ،‬إ ّال االمتثال والقبول ملا يفرضه الرجل‪ .‬وقد انقسم الرجال بذلك بني من قام‬
‫ثم أخبر‬
‫بإخبار زوجته بن ّيته الزواج قبل أن يقوم باإلجراءات الرسمية‪ ،‬وبني من قام بالزواج س ًّرا‪ّ ،‬‬
‫الزوجة األولى‪ .‬وقد أظهرت النتائج أن الرجال بشكل عا ّم جتاهلوا التط ّرق إلى املعارضة التي واجهوها‬
‫من قبل الزوجات‪ ،‬بل حاولوا إنكارها وإظهار تقبل الزوجات لهذا القرار‪.‬‬
‫أ ّما بخصوص ردود فعل املجتمع‪ ،‬فقد أظهر البحث في محوره اخلامس أن معظم الرجال يعتقدون‬
‫أن املجتمع يتق ّبل تعدّ د زيجاتهم‪ ،‬وإن تن ّوعت ردود فعل املجتمع التي يشير إليها الرجال بخصوص‬
‫تعدّ د زيجاتهم‪ ،‬لكن معظمها ا ّتسم بالقبول‪ ،‬ليصل في بعض احلاالت إلى التشجيع الفاعل‪ ،‬بينما‬
‫كانت املعارضة محدودة وخجولة‪ .‬ويعتقد بعض املشاركني أن الكثير من الرجال يتمنّون ممارسة‬
‫التعدّ د‪ ،‬لكنهم ما يزالون يخشون مواجهة بعض املعارضة‪.‬‬
‫أظهر البحث كذلك في تط ّرقه إلى موقف األزواج من احلياة الزوجية املتعدّ دة الزوجات‪ ،‬تفاو ًتا‬
‫كبي ًرا ع ّما وصفته النساء‪ .‬ففي الوقت الذي وصفت فيه النساء الشعور باملهانة‪ ،‬وع ّبرن عن الكثير‬
‫من األلم واإلهمال جتاههنّ وجتاه األوالد على ّ‬
‫الص ُعد‪ ،‬فقد عرضه معظم الرجال املشاركني بشكل‬
‫كل ُّ‬
‫وعادي‪ ،‬حتى إنهم أظهروا االمتياز الذي يعيشونه في هذه املنظومة‪ ،‬عازين ذلك إلى قوة‬
‫إيجابي‬
‫ّ‬
‫شخصيتهم كأزواج وحنكتهم في إدارة هذه املنظومة‪ .‬فيؤكد جميع املشاركني أن تعدّ د الزوجات‬
‫وكيفية املعايشة السليمة هما بيد الرجل‪ ،‬وأن الرجل احلكيم يستطيع أن يتغلب على املشاكل‪ ،‬وأن‬
‫وحيوي‪ ،‬ويقضي على إمكانية نشوب اخلالفات والتوترات‪،‬‬
‫يبني هذه املنظومة لتسير بشكل ناجع‬
‫ّ‬
‫ويجعل جميع األطراف ترضى باألمر الواقع‪ .‬وعند التط ّرق إلى بعض الصعوبات‪ ،‬فقد بقيت ضمن‬
‫والعملي‪ ،‬من دون التط ّرق إلى الصعوبات العاطفية وأية صعوبات من املمكن أن‬
‫التكتيكي‬
‫املجال‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫تواجهها زوجاتهم‪.‬‬
‫حسب ما جاء في اآلية القرآنية‪ ،‬معتبرين أن جميعهم (ما عدا‬
‫ّ‬
‫يتمسك جميع الرجال مبفهوم العدل َ‬
‫ً‬
‫مشاركا واحدً ا‪ ،‬اعترف بأنه غير عادل) يط ّبقون هذا اجلانب‪ ،‬وبالنظر عمي ًقا في مقصدهم‪ ،‬يظهر أن‬
‫الرجال يلخّ صون مفهوم العدل باجلانب املادي‪ ،‬حيث إنهم يقومون بإعالة العائلتني وتلبية احتياجات‬
‫متساو متا ًما‪ ،‬وهم بذلك يرون أن زواجهم الثاني لم يهدم البيت األول‪ ،‬ألنهم لم يهملوا‬
‫البيتني بشكل‬
‫ٍ‬
‫احتياجات العائلة األولى‪ .‬ولكن عند التط ّرق إلى إمكانية حتقيق هذا العدل في عالقتهم العاطفية‬
‫واجلنسية جتاه زوجاتهم‪ ،‬اعتبر جميع الرجال أنه من املستحيل تطبيق ذلك‪ ،‬وأنهم كرجال غير‬
‫ملزمني بتحقيقه‪ .‬من الواضح أن إمكانية العدل في املستوى العاطفي أمر من املستحيل حتقيقه‪،‬‬
‫غير أن الرجال لم يعتبروا أن هذا التمييز امتهان للزوجات ولكرامتهنّ وحتقير ملكانتهنّ ‪ ،‬بل انطلقوا‬
‫من اعتباره وض ًعا طبيع ًّيا على الزوجات قبوله ما داموا يقومون بواجباتهم األخرى جتاههنّ ‪ .‬وقد‬
‫‪273‬‬
‫أغلب‬
‫ظهر هذا التوجه منذ البداية عندما تط ّرقوا إلى قرار زواجهم وموقف الزوجة األولى‪ ،‬فلم ُيعِ ر ُ‬
‫الرجال اهتما ًما ملعارضتها‪ ،‬وانطلقوا في تفهمهم لهذه املعارضة واضعني إ ّياها في إطار الغيرة العادية‬
‫التي تشعر بها ّ‬
‫كل امرأة يقوم زوجها بالزواج بامرأة أخرى‪ ،‬من دون أن يأخذ بعني االعتبار املشاعر‬
‫املؤملة واإلحساس باخليانة التي تصفها الزوجات‪ .‬إن املعايير التي وضعها جميع الرجال للداللة على‬
‫جدا‪ .‬فتقسيمة األدوار واملَها ّم التي يصفونها ُتظهر‬
‫جناحهم في تعدّ د الزوجات معايير تقليدية ومنطية ًّ‬
‫أن دور الرعاية مل ًقى بالكامل على الزوجة‪ ،‬وأن اهتمامهم بأوالدهم وعدم تقصيرهم في واجباتهم‬
‫األبوية‪ ،‬يتمحوران في فلك الرقابة وتأمني احتياجات األوالد العملية من دون التط ّرق إلى االحتياجات‬
‫العاطفية لألوالد‪ ،‬ومن دون انطالقهم من وجود تقسيمة متساوية تعتمد على املشاركة مع الزوجة في‬
‫عملية التربية والرعاية‪ .‬وفي الوقت الذي اجتهد فيه معظم الرجال في تأكيد قيامهم مبسؤولياتهم‬
‫كآباء جتاه أوالدهم وزوجاتهم‪ ،‬فقد أشار أحد املشاركني إلى عدم حتقيق هذا األمر‪ ،‬وأشار مشارك‬
‫آخر إلى الصعوبات التي يواجهها في ممارسة واجباته كأب وزوج‪ ،‬وانشطاره بني بيتني وزوجتني‪،‬‬
‫لكنه لم ينسب هذه الصعوبة إلى تعدّ د الزوجات كمنظومة معقدة‪ ،‬بل إلى األعباء الكثيرة‪ ،‬كما إلى‬
‫العالقات املتوترة بني الزوجات وما يخلقه ذلك من صعوبات في التعامل اليومي وفي متطلبات احلياة‬
‫املختلفة‪ .‬ويرى جميع الرجال أن العدل الذي يؤكدون تطبيقه بني زوجاتهم‪ ،‬ال ينطبق على حياتهم‬
‫اجلنسية‪ ،‬فهم كأزواج معف ّيون من تطبيق هذا اجلانب‪ ،‬كما يرون أن العدل الذي يقصدونه هو العدل‬
‫املادي‪ ،‬وهو ما يطالبهم به الشرع‪ .‬ال يعزو الرجال تفضيلهم لزوجة على أخرى إلى االرتباط العاطفي‬
‫الذي قد ينعكس في العالقة اجلنسية وممارساتها‪ ،‬إمنا يعزون ذلك التفضيل إلى جاهزية املرأة لتلبية‬
‫حسب رأيهم ‪ -‬تتفاوت من زوجة إلى أخرى‪ ،‬بتفاوت السنّ وفترات‬
‫احتياجاتهم اجلنسية‪ ،‬والتي ‪َ -‬‬
‫احلمل‪ ،‬الوالدة والرضاعة‪.‬‬
‫ّ‬
‫متجذرة عمي ًقا‪ ،‬تقوم مؤسسة تعدّ د الزوجات‬
‫وعمل ًّيا‪ ،‬يقوم الرجال بالتعبير عن ذهنية ذكورية‬
‫بالتعبير عن أقصى جتلياتها جتاه مفهوم الزواج والعالقة مع املرأة‪ ،‬ومفهومهم للحياة الزوجية‪ُ .‬تظهر‬
‫النتائج وجود فجوة كبيرة بني توقعات املرأة من العالقة الزوجية وتوقعات الرجل؛ ففي الوقت الذي‬
‫مؤسسة‬
‫تتوق فيه املرأة لعالقة زوجية تقوم على االحترام واملشاركة واحلميمية‪ ،‬يتعامل الرجل مع ّ‬
‫الزواج كمنظومة اجتماعية وظيفية‪ ،‬تتواجد فيها املرأة من أجل تلبية حاجاته األ ّولية‪ ،‬من دون‬
‫إدراكها عاطف ًّيا‪ .‬لهذا يصبح تعدّ د الزوجات ممارسة ميكانيكية‪ ،‬يستطيع الرجل ممارستها من دون‬
‫نضوجا ووع ًيا ذات ًّيا‪ .‬بل تصبح اإلمكانيات‬
‫عاطفي يتطلب منه‬
‫تخصيص طاقات ومن دون استثمار‬
‫ً‬
‫ّ‬
‫العملية واملوارد املادية ومستوى إحكام سيطرته على النساء‪ ،‬هي العامل األهم الستمراريتها‪ .‬وبناء‬
‫عليه‪ ،‬يق ّيم مدى جناعتها‪ .‬هذا األمر هو ما جعل معظم الرجال يق ّيمون تعدّ د الزوجات كمنظومة‬
‫ناجعة وف ّعالة وقادرة على تلبية احتياجاتهم‪ ،‬مشيرين إلى امتيازاتها لتصل إلى حدّ االفتتان‬
‫بجماليتها‪ ،‬بينما وصفتها النساء كمنظومة قامعة إلنسانيتهنّ ومدمرة حلياة أوالدهنّ ‪ .‬ومع ّ‬
‫كل هذا‬
‫‪274‬‬
‫اخلاصة‪ ،‬وعدم االنصياع لقوانينها‪.‬‬
‫وذاك‪ ،‬فقد استطاعت بعض النساء حتدّ ي هذه املنظومة بطرقهنّ‬
‫ّ‬
‫املجموعات البؤرية‪:‬‬
‫أظهرت نتائج احلوارات في املجموعات البؤرية وجود آراء متعدّ دة بخصوص تعدّ د الزوجات‪ .‬إذ‬
‫أظهرت جميع املجموعات البؤرية وجود آراء تعارض تعدّ د الزوجات‪ ،‬وتعتبره امتهانًا للمرأة ولكيانها‪.‬‬
‫بينما ظهرت أصوات أخرى تشرع هذه املمارسة في حاالت وظروف مع ّينة‪ .‬ورغم االختالفات بني‬
‫واضحا وجود مسارات مترابطة ُتفضي جميعها‬
‫املجموعات والفروقات في التعاطي مع القضية‪ ،‬بدا‬
‫ً‬
‫بعضا في جميع املجموعات البؤرية‪ .‬فقد كان من الواضح أن قضية تعدّ د الزوجات قضية‬
‫إلى بعضها ً‬
‫مثيرة للجدل‪ ،‬فعندما يتم طرحها تظهر اآلراء واملواقف االزدواجية واملتضاربة‪ ،‬فقد كان التناقض‬
‫واضحا من خالل املم ّيز الثاني أنه رغم املضامني‬
‫والبلبلة هما املم ّيز األساسي لهذه احلوارات‪ .‬وقد بدا‬
‫ً‬
‫تصب في النهاية في مناقشة قضايا‬
‫واآلراء املختلفة التي من املُمكن أن تطفو‪ ،‬فجميع الطروحات‬
‫ّ‬
‫املرأة واملساواة بني اجلنسني‪ ،‬والعالقات الشائكة بني الرجل واملرأة‪ ،‬واملكانة الدونية التي تعيشها‬
‫النساء في املجتمع‪ ،‬والتمييز الذي يتع ّرضن له‪.‬‬
‫راوحة على محور‪ ،‬في طرفه األول املعارضة املطلقة‬
‫كانت املواقف‪ ،‬بشكل عا ّم‪ ،‬من تعدّ د الزوجات ُم ِ‬
‫لتعدّ د الزوجات‪ ،‬وفي الطرف الثاني التأييد املتحمس له‪ .‬وقد كانت غالبية املواقف تعارض تعدّ د‬
‫الزوجات بشكل عا ّم‪ ،‬ثم تشرعه في حاالت وظروف مع ّينة‪ .‬وتختلف حدّ ة هذا التشريع من مجموعة‬
‫إلى أخرى‪ ،‬باختالف العوامل اجلغرافية والتعليمية واالقتصادية للمشاركني واملشاركات‪ .‬فقد أظهرت‬
‫جميع املجموعات البؤرية النسائية (ر ّبات البيوت في املجموعات القطرية‪ ،‬ر ّبات البيوت في الناصرة‪،‬‬
‫ور ّبات البيوت في النقب) مواقف متن ّوعة‪ ،‬تتض ّمن أصوا ًتا معارضة لتعدّ د الزوجات وأصوا ًتا أخرى‬
‫ُتبدي التف ّهم ملمارسة تعدّ د الزوجات في حاالت وظروف مع ّينة‪ .‬وقد كانت مجموعة النساء القطرية‬
‫أكثر املجموعات التي أبدت معارضة لتعدّ د الزوجات‪ ،‬وتض ّمنت أصوا ًتا اعتبرت تعدّ د الزوجات إهانة‬
‫قصوى للنساء‪ ،‬في حني كانت هذه املعارضة ّ‬
‫أقل حدّ ة في مجموعة ر ّبات البيوت في النقب‪.‬‬
‫أ ّما مجموعة العاملني والعامالت االجتماعيني‪/‬ات‪ ،‬فقد ع ّبرت عن مواقف رافضة لتعدّ د الزوجات‬
‫باملُطلق‪ ،‬إلى جانب أصوات أخرى تشرعه في حاالت مع ّينة‪ .‬وجتدر اإلشارة إلى أنه في املجموعة‬
‫البؤرية للعاملني والعامالت االجتماعيني‪/‬ات‪ ،‬ظهرت املعارضة بشكل واضح لتعدّ د الزوجات من‬
‫خاصة ولظروف مع ّينة من قبل العاملني‬
‫قبل جميع املشاركات من النساء‪ ،‬بينما جاء التشريع حلاالت ّ‬
‫‪275‬‬
‫االجتماعيني الرجال في املجموعة‪ ،‬الذين أبدوا تف ّه ًما ملمارسة تعدّ د الزوجات في حاالت مع ّينة‪،‬‬
‫كمرض الزوجة‪ ،‬مث ًال‪ .‬اعتبرت العامالت االجتماعيات أن تعدّ د الزوجات طعن وخيانة للزوجة‪،‬‬
‫وانعكاس للسيطرة الذكورية للرجل في املجتمع‪ .‬وقد ع ّبر عامل اجتماعي واحد من بني املشاركني‬
‫من الرجال عن موقف مشابه ملوقف العامالت االجتماعيات املشاركات‪ .‬بينما أعرب رجالن مشاركان‬
‫الشخصي‬
‫عن تشريعهما لتعدّ د الزوجات في حاالت مع ّينة‪ ،‬إذ ع ّبر األول منهما عن عدم اقتناعه‬
‫ّ‬
‫بهذه املمارسة‪ ،‬بينما أبدى تف ّهمه ألشخاص يستطيعون ممارستها كآلية وظيفية تساعد األفراد وتل ّبي‬
‫احتياجاتهم في حاالت وظروف مع ّينة‪ ،‬كمرض الزوجة أو عدم اإلجناب‪ ،‬كونها تنطلق من فلسفة‬
‫دينية ال يمُ كن للم ْهنيني‪/‬ات مناقشتها ومعارضتها‪ .‬ويبدو أن ظهور هذا التفهم والتأييد لتعدّ د‬
‫الزوجات في حاالت مع ّينة من قبل الرجال حتديدً ا هو انعكاس للفجوة القائمة بني امل ْهنيني كرجال‬
‫وامل ْهنيات كنساء؛ ففي الوقت الذي استطاعت فيه الهوية امل ْهنية للعامالت االجتماعيات بلورة فكر‬
‫ذاتي وم ْهني ناقد جتاه قضايا املرأة‪ ،‬ومن ضمنها تعدّ د الزوجات‪ ،‬يبدو أن غالبية املهنيني الرجال ما‬
‫ّ‬
‫زالوا يتبنّون مواقف تقليدية تتأرجح ما بني القيم الذكورية السائدة‪ ،‬والتي تشرع الظاهرة‪ ،‬وبني‬
‫املواقف امل ْهنية التي تكشفهم على مفاهيم ومعايير مختلفة‪.‬‬
‫أ ّما مجموعة النساء العزباوات‪ ،‬فقد أظهر اخلطاب السائد فيها مي ًال نحو تأييد تعدّ د الزوجات‪.‬‬
‫وعلت أصوات مؤيدة انطال ًقا من التجارب الشخصية للمشاركات أنفسهنّ ‪ ،‬اللواتي يعتبرن تعدّ د‬
‫الزوجات ممارسة ُتتيح لهنّ فرصة الزواج‪ ،‬وأنه اخليار الوحيد أمامهنّ من أجل حتقيق رغبتهنّ في‬
‫الزواج‪ ،‬حيث قد فاتهنّ قطار الزواج ولم يعد الرجال العزّاب ينظرون إليهنّ كزوجات مناسبات‪،‬‬
‫لتقدّ مهنّ في السنّ ‪ ،‬فأصبح الزواج برجل متزوج هو اخليار الوحيد أمامهنّ لتأمني سند يدعمهنّ‬
‫ويؤ ّمن لهنّ احتياجاتهنّ العاطفية واجلنسية‪.‬‬
‫وبالتط ّرق إلى األسباب التي تدفع الرجال إلى ممارسة تعدّ د الزوجات‪ ،‬أظهرت النتائج وجود ثالثة‬
‫أسباب مباشرة تتض ّمن مرض الزوجة‪ ،‬تقصير الزوجة في واجباتها جتاه زوجها‪ ،‬وعدم اكتفاء الرجل‬
‫بزوجة واحدة واإلغراء الذي يتعرض له من قبل نساء أخريات‪ ،‬كأسباب مباشرة تدفع الرجل إلى‬
‫تعدّ د الزوجات‪ .‬أ ّما بالنسبة إلى األسباب غير املباشرة‪ ،‬فقد ّ‬
‫متت اإلشارة إلى ثالثة أسباب‪ ،‬أولها‬
‫تشجيع رجال الدين وأئمة املساجد‪ ،‬ويتعلق ثانيها باألول‪ ،‬وهو ظهور سياق اجتماعي يشجع الرجال‬
‫ويحثهم على ممارسة التعدّ د‪ ،‬وثالثها الزواج ّ‬
‫املبكر‪ ،‬الذي ُيفرض على الرجل واملرأة‪ ،‬والذي يدفع‬
‫زواجا تفرضه العائلة عليهم‪.‬‬
‫الكثير من الرجال فيما بعد إلى البحث عن زواج يختارونه هم‪ ،‬وليس ً‬
‫أ ّما في خصوص الفتيات‪ ،‬فقد مت التط ّرق في منطقة النقب إلى حرمان الفتاة من اختيار شريك‬
‫حياتها في حال كان من خارج عشيرتها‪ ،‬ومن عشيرة ّ‬
‫أقل مكانة من عشيرتها‪ ،‬األمر الذي يجعلها‬
‫تتقدّ م في السنّ ‪ ،‬لتُضط ّر‪ ،‬فيما بعد‪ ،‬إلى القبول بالزواج برجل متزوج من داخل عشيرتها‪ .‬وقد ظهرت‬
‫‪276‬‬
‫خالل ذلك آراء مختلفة‪ ،‬قسم منها يح ّمل املسؤولية للرجل ويرفض قبول هذه األسباب لتشريع تعدّ د‬
‫الزوجات‪ ،‬ويعزو انعدام املسؤولية والنضوج إلى الرجال الذين ميارسون هذه املنظومة‪ .‬بينما ّ‬
‫متت‬
‫اإلشارة في املقابل إلى أسباب تلقى القبول وتس ّوغ للرجل تعدّ د زيجاته‪ ،‬و ُتلقي بالالئمة واملسؤولية‬
‫على الزوجات والنساء‪ .‬وقد طغى هذا التوجه في معظم املجموعات البؤرية‪.‬‬
‫وعمل ًّيا‪ ،‬فقد تشابهت جميع املجموعات البؤرية (ما عدا مجموعة العاملني‪/‬ات االجتماعيني‪/‬ات)‬
‫يفسر ويح ّلل القضية من وجهة نظر ذكورية‪ .‬وقد كان هذا األمر يتفاوت‬
‫في تبنّي خطاب‬
‫ّ‬
‫ذكوري ّ‬
‫بني مجموعة وأخرى من حيث حدّ ة هذا التوجه‪ ،‬فمجموعة ر ّبات البيوت القطرية أبدت تن ّو ًعا ومي ًال‬
‫نحو إلقاء أسباب ال تشرع للرجل الزواج املتعدّ د‪ ،‬وتعتبره قرا ًرا غير مسؤول‪ ،‬ناب ًعا من سيطرته وعدم‬
‫مشددات على الظلم الذي يلحق بجميع أفراد هذه املنظومة‪ .‬بينما اختلف‬
‫اكتراثه لزوجته ولزواجه‪،‬‬
‫ٍ‬
‫هذا اخلطاب في مجموعة النساء العزباوات ونساء النقب‪ ،‬اللواتي مِ لن أكثر إلى تسويغ تعدّ د الزوجات‬
‫في حاالت مع ّينة وحتميل الزوجة مسؤولية هذه اخلطوة وإلقاء اللوم عليها‪.‬‬
‫إن جميع املشاركات في املجموعات البؤرية اللواتي ع ّبرن عن رفضهنّ لتعدّ د الزوجات‪ ،‬أشرن إلى‬
‫الغُنب الذي يلحق بالنساء في املجتمع العربي‪ ،‬ليس لسبب تعدّ د الزوجات‪ ،‬فقط‪ ،‬بل لسبب قضايا‬
‫أساسا‪ ،‬من عدم املساواة القائم بني املرأة والرجل واملكانة الدونية للنساء‪.‬‬
‫املرأة جمي ًعا‪ ،‬والنابع‪،‬‬
‫ً‬
‫ورغم اختالف حدّ ة هذا املوقف الواعي للتمييز القائم بني الرجال والنساء‪ ،‬ورغم وجود خطاب يبدأ‪،‬‬
‫أساسا‪ ،‬بتشريع تعدّ د الزوجات في حاالت مع ّينة‪ُ ،‬تظهر النتائج أن جميع هذه احلوارات استطاعت‬
‫ً‬
‫أن تلمس التمييز الذي تعاني منه النساء وانعدام املساواة والعدالة‪ .‬لكن من دون أن تستطيع النساء‬
‫وضع اإلصبع على األسباب‪ ،‬األمر الذي جعل خطابهنّ يغرق في التناقضات والبلبلة‪ .‬وهي النتيجة‬
‫كحل أسلم ّ‬
‫كل مشتركة حتاول التماهي مع اخلطاب السائد ّ‬
‫الطبيعية التي من املُمكن أن تعيشها ّ‬
‫وأقل‬
‫صدامية مع املنظومة الق َيمية التي ينقلها إليها املجتمع‪ ،‬ومع ما تعايشه من جتارب شخصية مليئة‬
‫مناح‬
‫بالظلم والتمييز‪ .‬إن هذا الصراع بني اجتاهني مختلفني‪ ،‬جعل خطاب املشاركات ازدواج ًّيا في ٍ‬
‫عديدة‪ ،‬وجعل جميع املشاركات وحتديدً ا النساء‪ ،‬يقعن في فخ التناقض والبلبلة؛ فتارة يتعاطفن مع‬
‫الزوجة و ُيشرن إلى سوء الرجل وعدم وفائه‪ ،‬وتارة يعزون هذا األمر إلى “طبيعته”‪ .‬عمل ًّيا‪ ،‬تبنّت‬
‫معظم النساء اخلطاب السائد حول تعدّ د الزوجات‪ ،‬وقد كان موضوع تشريع الزواج‪ ،‬دين ًّيا‪ ،‬أم ًرا متف ًقا‬
‫عليه بني النساء‪ ،‬ولم تظهر بني املشاركات نساء ميلكن تفسيرات أخرى لآليات القرآنية التي تجُ يز‬
‫معان أخرى‪ .‬وعمل ًّيا‪ُ ،‬تظهر‬
‫التعدّ د‪ ،‬بل تعاملن مع هذا التشريع كأمر مس ّلم به ال يحمل في ط ّياته ٍ‬
‫نتائج البحث أن النساء في املجتمع ال ميلكن وجهة نظر نقدية جتاه التفسيرات املختلفة للتشريع‬
‫الديني لتعدّ د الزوجات‪ ،‬وإمكانية التعارض معه‪ .‬ويبدو أن النساء يخشني إبداء معارضتهنّ لهذه‬
‫التفسيرات‪ ،‬وتبنّي تفسيرات أخرى حتدّ من هذا التشريع في ّ‬
‫تنام ملحوظ للخطاب الديني‪.‬‬
‫ظل ٍ‬
‫‪277‬‬
‫أظهرت نتائج البحث عند التط ّرق إلى قضية الزواج ّ‬
‫املبكر كعامل من العوامل التي تؤدّي‪ ،‬الح ًقا‪،‬‬
‫وواع ملنظومة الزواج يقوم‪ ،‬أو ًال‪ ،‬على حرية‬
‫إلى تعدّ د الزوجات‪ ،‬أن املجتمع يفتقر إلى مفهوم ناضج ٍ‬
‫اخلِيار للرجل واملرأة‪ .‬وقد تبينّ أن التط ّرق إلى األسباب التي تقود إلى تعدّ د الزوجات يفتح الباب‬
‫أمام أسئلة أخرى تتعلق مبوازين العالقات القائمة بني اجلنسني وانعدام املساواة بينهما‪ ،‬األمر الذي‬
‫قد دفع العديد من املشاركات إلى التعبير عن رفضهنّ لهذه التعليالت واعتبارها تسويغًا للرجل‬
‫والستمرار ظلمه وسطوته على املرأة‪ .‬وقد رأت العديد من النساء أن هذه األسباب (ومن ضمنها‬
‫مرض الزوجة وعدم إجنابها) يجب أ ّال ُتلقى على عاتق املرأة‪ ،‬بل على املجتمع الذي ال يعمل على بلورة‬
‫مفهوم تشاركي للزواج وال يهيئ رجاله ونساءه لهذه العالقة‪ ،‬وال يعمل على تربية األجيال الناشئة من‬
‫منطلق يساوي بني البنت والصبي‪ ،‬األمر الذي يقود إلى بناء مؤسسة زواج تقوم على هيمنة الرجل‬
‫وتبعية املرأة‪.‬‬
‫ّ‬
‫يحتل النقاش حول القانون اإلسرائيلي الذي مينع تعدّ د الزوجات ح ّيزًا مه ًّما في النقاش‪،‬‬
‫ولم‬
‫ورغم أنه مت التط ّرق إليه في املجموعات البؤرية‪ ،‬وكذلك في املقابالت املع ّمقة‪ .‬وال يبدو هذا األمر‬
‫صدفة‪ ،‬إذ يبدو أن القانون اإلسرائيلي بالنسبة إلى املجتمع الفلسطيني في عداد الغائب‪ ،‬ووجوده‬
‫ال يستحوذ على اهتمام املشاركني واملشاركات في البحث‪ ،‬ألنه‪ ،‬ببساطة شديدة‪ ،‬قانون خامل غير‬
‫مط ّبق وليس له تأثير واضح في مسار هذه الظاهرة‪ .‬وهو بذلك ال يشغل ح ّيزًا في اهتمام املجتمع‬
‫وال في اهتمام من ّ‬
‫يفكر في تعدّ د الزوجات‪ ،‬وال تعتبره النساء اللواتي يواجهن تعدّ د زواج أزواجهنّ‬
‫ُعنوانًا ميكن اللجوء إليه لنيل حقوقهنّ ‪ .‬بينما ظهرت أصوات في مجموعة النساء العزباوات ترى أن‬
‫القانون اإلسرائيلي ظالم للنساء العزباوات‪ ،‬ألنه مبنعه تعدّ د الزوجات يحرمهنّ من حقوقهنّ كزوجات‬
‫وال يعترف بهنّ كزوجات من ناحية رسمية‪ .‬واعتبرت مجموعة العاملني‪/‬ات االجتماعيني‪/‬ات أن‬
‫ضروري للحدّ من انتشار هذه الظاهرة ومن األذى الالحق بالنساء لسببها‪ ،‬إلى‬
‫تفعيل القانون أمر‬
‫ّ‬
‫جانب أهمية العمل املجتمعي القائم على التثقيف والتوعية للمساواة بني اجلنسني‪ ،‬ولثقافة زوجية‬
‫مبينة على االحترام واملساواة‪.‬‬
‫ورغم ّ‬
‫كل الصعوبات التي ع ّبرت عنها املشاركات‪ ،‬فقد جنح البعض منهنّ في كسر احلواجر التي‬
‫وقفت أمامهنّ واستطعن شق طريقهنّ باستقاللية ذاتية في تربية أوالدهنّ وإدارة حياتهنّ ‪ ،‬وحتقيق‬
‫استقاللية مادية كذلك من خالل العثور على عمل خارج املنزل‪ .‬وفي اخلتام‪ ،‬جتدر اإلشارة إلى اجلانب‬
‫الفاعل الذي تتخذه األطر النسوية الناشطة في املجتمع الفلسطيني‪ ،‬والتي تعمل على دعم النساء في‬
‫مختلف املجاالت‪ .‬لقد أكد البحث على الدور احلاسم الذي من املُمكن أن تلعبه األطر النسوية على‬
‫الصعيد العا ّم وعلى الصعيد التثقيفي التوعوي‪ ،‬وكذلك على صعيد العمل مع األفراد‪ .‬لقد أشارت‬
‫إحدى املشاركات إلى املرافقة القانونية التي قدّ متها إحدى اجلمعيات النسوية لها في إجراءات الطالق‬
‫‪278‬‬
‫والشكوى التي قدّ متها في الشرطة ضدّ زوجها‪ ،‬باعتبارها واحدة من اآلليات التي تلعب دو ًرا مه ًّما في‬
‫دعم النساء ومساعدتهنّ على كسر طوق العجز وشحذ ه ّمتهنّ والعمل على تغيير واقعهنّ وحتصيل‬
‫مجتمعي تزداد فيه حدّ ة اخلطاب االجتماعي‪،‬‬
‫حقوقهنّ ‪ .‬وال شك أن هذا العمل يزداد صعوبة في سياق‬
‫ّ‬
‫ويمُ ّيز فيه ضدّ املرأة باسم التقاليد االجتماعية والدينية‪.‬‬
‫‪279‬‬
:‫املراجع باإلجنليزية‬
Abdo, Nahla. (1994). Dislocating Self, Relocating ‹Other›: A
Palestinian Experience. In Nahla Abdo & Ronit Lentin (Eds.),
Women and the politics of military confrontation: Palestinian and
Israeli gendered narratives of dislocation (pp. 119-156). New York,
NY: Berghahn Books.
Abu–Lughod, Lila. (1986). Veiled sentiments: Honor and poetry in a
Bedouin society. Berkeley, CA: University of California Press.
Ahmed, Leila. (1992). Women and gender in Islam: Historical roots of
a modern debate. New Haven, CT: Yale University Press.
Al-Haj, Majed. (1989). Social research on family lifestyles among
Arabs in Israel. Journal of Comparative Family Studies, 20(2), 175195.
Al-Haj, Majed & Rosenfeld, Henry. (1990). Arab Local Government
in Israel. Boulder, Co: Westview Press.
Al-Issa, Issa. (1990). Culture and mental illness in Algeria. The
International Journal of Social Psychiatry, 36(3), 230-240.
Al- Krenawi, Alean. (1999). Women of polygamous marriages in
primary health care centers. Contemporary Family Therapy, 21(3),
417-430.
Al- Krenawi, Alean. (2001). Women from polygamous and
monogamous marriages in an out-patient psychiatric clinic.
Transcultural Psychiatry, 38(2), 187-199.
Al-Krenawi, Alean & Graham, John R. (2006). A comparison of
family functioning, life and marital satisfaction, and mental
health of women in polygamous and monogamous marriages.
International Journal of Social Psychiatry, 52(1), 5-17.
Al-Krenawi, Alean & Lev-Wiesel, Rachel. (2002). Wife abuse among
polygamous and monogamous Bedouin-Arab families. Journal of
Divorce & Remarriage, 36(3/4), 151-165.
Al-Krenawi, Alean & Lightman, Ernie S. (2000). Learning
280
achievement, social adjustment, and family conflict among
Bedouin-Arab children from polygamous and monogamous
families. The Journal of Social Psychology, 140(3), 345-355.
Allen, Carole J. (1974). Dimensions of Swazi households in urban
and rural areas. (Doctoral Dissertation). Amherst: University of
Massachusetts.
Altman, Irwin & Ginat, Joseph. (1996). Polygamous families in
contemporary society. Cambridge: Cambridge University Press.
Anderson, Connie M. (2000). The persistence of polygyny as an
adaptive response to poverty and oppression in Apartheid South
Africa. Cross-Cultural Research, 34(2), 99-112.
Barakat, Halim. (1993). The Arab World: Society, culture, and state.
Berkeley, CA: University of California Press.
Barber, Nigel. (2008). Explaining cross-national differences in
polygyny intensity: Resource-defense, sex ratio, and infectious
diseases. Cross-Cultural Research, 42(2), 103-117.
Borgerhoff Mulder, Monique. (1987). On cultural and reproductive
success: Kipsigis evidence. American Anthropologist, 89(3), 617634.
Bouhdiba, Abdelwahab. (1985). Sexuality in Islam. (A. Sheridan,
Trans.) London: Routledge & Kegan Paul.
Bove, Riley & Valeggia, Claudia. (2009). Polygyny and women’s
health in Sub-Saharan Africa. Social Science & Medicine, 68(1), 2129.
Burbank, Victoria. (1994). Fighting women: Anger and aggression in
Aboriginal Australia. Berkeley, CA: University of California Press.
Caldwell, John & Caldwell, Pat. (1993). The nature and limits of the
Sub-Saharan African AIDS epidemic: Evidence from geographic
and other patterns. Population and Development Review, 19(4),
817-848.
Chaleby, Kutaiba. (1985). Women of polygamous marriages in an
inpatient psychiatric service in Kuwait. The Journal of Nervous and
Mental Disease, 173(1), 56-58.
281
Chaleby, Kutaiba. (1987). Women of polygamous marriages in
outpatient psychiatric services in Kuwait. International Journal of
Family Psychiatry, 8(1), 25-34.
Charrad, Mounira. (2001). States and women’s rights: The making
of post-colonial Tunisia, Algeria, and Morocco. Berkeley, CA:
University of California Press.
Eapen, V.; Al-Gazali, L.; Bin-Othman, S. & Abou-Saleh, M. (1998).
Mental health problems among schoolchildren in United Arab
Emirates: Prevalence and risk factors. Journal of the American
Academy of Child & Adolescent Psychiatry, 37(8), 880-886.
Elbedour, Salman; Bart, William & Hektner, Joel. (2007). The
relationship between monogamous/polygamous family structure and
mental health of Bedouin Arab adolescents. Journal of Adolescence,
30(2), 213-230.
Espanioly, Nabila. (1994). Palestinian women in Israel: Identity in
light of the occupation. In Tamar Meyer (Ed.), Women and the
Israeli occupation: The politics of change (pp. 106-120). London:
Routledge.
Gilman, Sara E. (2007). Feminist organizing in Tunisia: Negotiating
transnational linkages and the state. In Valentine Moghadam
(Ed.), From patriarchy to empowerment: Women’s participation,
movements and rights in the Middle East, North Africa and South
Asia (pp. 97-119). Syracuse, NY: Syracuse University Press.
Glazer, Ilsa M. & Abu Ras, Wahiba. (1994). On aggression, human
rights, and hegemonic discourse: The case of a murder for family
honor in Israel. Sex Roles, 30(3/4), 269-288.
Haj-Yahia, Mouhamad M. (2000). Wife abuse and battering in the
sociocultural context of Arab society. Family Process, 39(2), 237256.
Hames, Raymond. (1996). Costs and benefits of monogamy and
polygyny for Yanomamö women. Ethology and Sociobiology, 17(3),
181-199.
282
Hassouneh-Philips, Dena. (2001). Polygamy and wife abuse: A
qualitative study of Muslim women in America. Health Care for
Women International, 22(8), 735-748.
Kandiyoti, Deniz. (1996). Contemporary feminist scholarship and
Middle East Studies. In Deniz Kandiyoti (Ed.), Gendering the
Middle East: Emerging perspectives (pp. 1-28). New York, NY:
Syracuse University Press.
Khattab, Nabil. (2002). Ethnicity and female labour market
participation: A new look at the Palestinian enclave in Israel. Work,
Employment and Society, 16(1), 91-110.
Lerner, Gerda. (1986). The creation of patriarchy. New York, NY:
Oxford University Press.
Lesthaeghe, Ron J., Kaufmann, Georgia & Meekers, Dominique.
(1989). The nuptiality regimes in Sub-Saharan Africa. In Ron
Lesthaeghe (Ed.), Reproduction and social organization in SubSaharan Africa (pp. 238-337). Berkeley, CA: University of
California Press.
Low, Bobbi S. (1988). Measures of polygyny in humans. Current
Anthropology, 29(1), 189-194.
Mar’i, Mariam & Mar’i, Sami K. (1991). The role of women as
change agents in Arab society in Israel. In Marilyn Safir, Martha T.
Mednick, Dafna Izraeli, & Jessie Bernard (Eds.), Women’s worlds:
From the new scholarship (pp. 251-259). New York, NY: Praeger.
Marlowe, Frank W. (2000). Paternal investment and human mating
system. Behavioural Processes, 51(1-3), 45-61.
Marlowe, Frank W. (2003). The mating system of foragers in the
standard cross-cultural sample. Cross-Cultural Research, 37(3),
282-306.
Marlowe, Frank W. (2007). Hunting and gathering: The human sexual
division of foraging labor. Cross-Cultural Research, 41(2), 170195.
Mashhour, Amira. (2005). Islamic law and gender equality: Could
283
there be a common ground? A study of divorce and polygamy in
Sharia law and contemporary legislation in Tunisia and Egypt.
Human Rights Quarterly, 27(2), 562-582.
Maziak, Wasim; Asfar, Taghrid; Mzayek, Fawaz; Fouad, Fouad M. &
Kilzieh, Nael. (2002). Socio-demographic correlates of psychiatric
morbidity among low-income women in Aleppo, Syria. Social
Science & Medicine, 54(9), 1419-1427.
Mctaggart, Stuart. (1998). The Difficulties of being an Arab in
a Jewish State: Case Study on Palestinian women. (Doctoral
Dissertation).
Meekers, Dominique & Franklin, Nadra. (1995). Women’s perceptions
of polygyny among the Kaguru of Tanzania. Ethnology, 34(4), 315329.
Murray, Christopher J. L. & Lopez, Alan D. (Eds.). (1996). The
global burden of disease: a comprehensive assessment of mortality
and disability from diseases, injuries and risk factors in 1990 and
projected to 2020 (Vol. 1). Cambridge, MA: Harvard School of
Public Health.
Nasir, Laeth S. & Al-Qutob, Raeda. (2005). Barriers to the diagnosis
and treatment of depression in Jordan: A nationwide qualitative
study. Family Medicine-World Perspective, 18(2), 125-131.
Ozkan, Mustafa; Altindag, Abdourrahman; Oto, Remzi & Sentunali,
Esin. (2006). Mental health aspects of Turkish women from
polygamous versus monogamous families. International Journal of
Social Psychiatry, 52(3), 214-220.
Rouhana, Nadim. (1991). Palestinians in Israel: Responses to the
uprising. In Rex Brynen (Ed.), Echoes of the Intifada: Regional
Repercussions of the Palestinian – Israeli Conflict (pp. 97-115).
Boulder, CO: Westview Press.
Rouhana, Nadim. (1997). Palestinian citizens in an ethnic Jewish
state: Identities in conflict. New Haven, CT: Yale University Press.
Sa’ar, Amalia. (2004). Many ways of becoming a woman: The case of
unmarried Israeli-Palestinian “girls.” Ethnology, 43(1), 1-18.
284
Sa’ar, Amalia. (2007). Contradictory location: Assessing the position
of Palestinian women citizens of Israel. Journal of Middle East
Women’s Studies, 3(3), 45-74.
Sadiqi, Fatima & Ennaji, Moha. (2006). The feminization of public
space: Women’s activism, family law, and social change in
Morocco. Journal of Middle East Women’s Studies, 2(2), 86-114.
Salem, Norma. (1984). Islam and the legal status of women in Tunisia.
In Freda. Hussain (Ed.), Muslim Women (pp. 141-168). New York,
NY: St. Martin’s Press.
Samooha, Sami. (1989). The Arab minority in Israel: Radicalization or
politicization? In Peter Y. Medding (Ed.), Israel: State and Society,
1948-1988. (Studies in Contemporary Jewry, Vol. 5) (pp. 59-88).
Oxford: Oxford University Press.
Shahd, Laila S. (2003). An investigation of the phenomenon of
polygamy in rural Egypt. New York, NY: American University in
Cairo Press.
Slonim-Nevo, Vered & Al-Krenawi, Alean. (2006). Success and
failure among polygamous families: The experience of wives,
husbands, and children. Family Process, 45(3), 311-330.
Valsiner, Jaan. (1989). Organization of children’s social development
in polygamic families. In Jaan Valsiner (Ed.), Cultural Context and
Child Development: Towards a Culture-Inclusive Developmental
Psychology (pp. 67-85). Toronto: Hogrefe and Huber Publishers.
Ware, Helen. (1979). Polygyny: Women’s views in a transitional
society, Nigeria 1975. Journal of Marriage and the Family, 41(1),
185-195.
Yamani, Maha. (2008). Polygamy and law in contemporary Saudi
Arabia. Reading, UK: Ithaca Press.
Zweigert, Konrad & Kötz, Hein. (1998). An introduction to
comparative law. (3rd ed.) (T. Weir, Trans.). Oxford: Clarendon
Press.
285
‫املراجع بالعربية‪:‬‬
‫أبو بكر‪ ،‬خولة‪ .)2001( .‬املرأة والسياسة‪ :‬تناقض املطالب بني قيادة املرأة وتقهقرها‪ .‬داخل مؤمتر املرأة العربية‪:‬‬
‫مشاركة املرأة في صنع القرار‪.29-12‬سخنني‪ :‬جمعية الزهراء لرفع مكانة املرأة‪.‬‬
‫أبو زيد‪ ،‬نصر‪ .(1999) .‬دوائر اخلوف‪ :‬قراءة في خطاب املرأة‪ .‬الدار البيضاء‪ :‬املركز الثقافي العربي‪.‬‬
‫البزري‪ ،‬دالل‪ .(1995) .‬املجتمع املدني‪ -‬اجلمعيات النسائية اللبنانية‪ .‬داخل البزري‪ ،‬دالل والزهراء أزوريل‪ ،‬فاطمة‪.‬‬
‫املرأة العربية‪ :‬الواقع والتصور ‪ .156-148‬القاهرة‪ :‬نور‪ -‬دار املرأة العربية للنشر‪.‬‬
‫أمني‪ ،‬قاسم‪ .)1993( .‬حترير املرأة‪ .‬القاهرة‪ :‬الهيئة املصرية العا ّمة للكتاب‪.‬‬
‫النقاش‪ ،‬فريدة‪ .(2003) .‬حدائق النساء‪ .‬القاهرة‪ :‬مركز القاهرة لدراسات حقوق اإلنسان‪.‬‬
‫احليدري‪ ،‬إبراهيم‪ .)2003( .‬النظام األبوي وإشكالية اجلنس عند العرب‪ .‬بيروت‪ :‬دار الساقي‪.‬‬
‫ايلكاركان‪ ،‬بينار‪ .)2004( .‬املرأة واجلنسانية في املجتمعات اإلسالمية ‪ .27-11‬دمشق‪ :‬دار املدى للثقافة والنشر‪.‬‬
‫ايلكاركان‪ ،‬بينار‪ .)2004( .‬استكشاف سياق جنسانية املرأة في مناطق شرق تركيا‪ .‬داخل ايلكاركان‪ ،‬بينار (محررة)‪.‬‬
‫املرأة واجلنسانية في املجتمعات اإلسالمية ‪ .291-273‬دمشق‪ :‬دار املدى للثقافة والنشر‪.‬‬
‫العلوي‪ ،‬هادي‪ .)1996( .‬فصول عن املرأة‪ .‬بيروت‪ :‬دار الكنوز العربية‪.‬‬
‫العقاد‪ ،‬محمود‪ .)1971( .‬املرأة في القرآن‪ .‬القاهرة‪ :‬دار الهالل‪.‬‬
‫املرنيسي‪ ،‬فاطمة‪ .(2001) .‬اجلنس كهندسة اجتماعية‪ .‬الدار البيضاء‪ :‬نشر الفنك‪.‬‬
‫املرنيسي‪ ،‬فاطمة‪ .)2004( .‬العذرية والبطريركية‪ .‬داخل بيار ايلكاركان‪(.‬محررة)‪ .‬املرأة واجلنسانية في املجتمعات‬
‫اإلسالمية ‪ .269-241‬دمشق‪ :‬دار املدى للثقافة والنشر‪.‬‬
‫اسبوزيتو‪ ،‬جون‪ ،‬ل‪ .)2003( .‬النساء في اإلسالم واملجتمعات اإلسالمية‪ .‬داخل حداد‪ -‬يزبك‪ ،‬أيفون‪ ،‬واسبوزيتو‪،‬‬
‫جون‪ ،‬ل‪( .‬محررين) اإلسالم‪ ،‬اجلنوسة والتغير االجتماعي ‪.44-11‬عمان‪ :‬األهلية للنشر والتوزيع‪.‬‬
‫الصراف‪ ،‬شيماء‪ .(2001) .‬أحكام املرأة بني االجتهاد والتقليد‪ .‬بيروت‪ :‬دار القلم‪.‬‬
‫العطار‪ ،‬عبد الناصر‪ .)1976( .‬تعدّ د الزوجات‪ .‬جدة‪ :‬دار الشروق‪.‬‬
‫بابة‪ ،‬إيالن‪ .‬التطهير العرقي في فلسطني‪ .)2007( .‬التطهير العرقي في فلسطني‪ .‬بيروت‪ :‬مؤسسة الدراسات‬
‫الفلسطينية‪.‬‬
‫بدران‪ ،‬مارغو‪ .(2000) .‬رائدات احلركة النسوية املصرية واإلسالم والوطن‪( .‬ترجمه عن اإلجنليزية علي بدران)‪.‬‬
‫القاهرة‪:‬املجلس األعلى للثقافة‪.‬‬
‫‪286‬‬
‫بركات‪ ،‬حليم‪.)2000( .‬املجتمع العربي في القرن العشرين‪ :‬بحث في تغير االحوال والعالقات‪ .‬بيروت‪ :‬مركز‬
‫دراسات الوحدة العربية‪.‬‬
‫بشارة‪ ،‬عزمي‪ .(2000) .‬العرب في إسرائيل‪ :‬نظرة من الداخل‪ .‬بيروت‪ :‬مركز دراسات الوحدة‪.‬‬
‫جاد‪ ،‬إصالح‪ .(2001) .‬خطة التنمية الفلسطينية ورؤيتها لدور املرأة‪ .‬داخل مؤمتر املرأة العربية األول‪ .‬مشاركة‬
‫املرأة في صنع القرار ‪ .104-94‬سخنني‪ :‬جمعية الزهراء لرفع مكانة املرأة‪.‬‬
‫جبران‪ ،‬مي‪ .2005)-(2006.‬البحث عن انثى بني امرأتني‪ .‬داخل‪ :‬باحثات‪ ,‬حفريات وحتريات‪ :‬حيوات نساء‬
‫عربيات‪.‬‬
‫الكتاب احلادي عشر ‪ .102-81‬بيروت‪ :‬جتمع الباحثات اللبنانيات‪.‬‬
‫جهشان‪ ،‬تغريد‪ .)2009(.‬املرأة العربية في النقب وقضايا األحوال الشخصية‪ .‬مرشد احلقوق في قضايا األحوال‬
‫الشخصية ‪ .9-7‬الناصرة‪ :‬جلنة العمل للمساواة في قضايا األحوال الشخصية‪.‬‬
‫حداد‪ -‬يزبك‪ ،‬ايفون‪ .‬أ‪ .‬اإلسالم واجلنوسة‪ :‬أزمات في العالم العربي املتغير‪ .‬داخل حداد‪ ،‬أ‪ .‬ي‪ ،.‬واسبوزيتو‪ ،‬جون‪،‬‬
‫ل‪(.‬حترير)‪ .‬اإلسالم‪ ،‬اجلنوسة والتغير االجتماعي‪ .90-47‬عمان‪ :‬األهلية للنشر والتوزيع‪.‬‬
‫دويري‪ ،‬مروان‪ .(1997) .‬الشخصية‪ ،‬الثقافة‪ ،‬واملجتمع العربي‪ .‬القدس‪ :‬مطبعة النور احلديثة‪.‬‬
‫عشا‪ ،‬غسان‪ .)2004( .‬الزواج والطالق وتعدّ د الزوجات في اإلسالم‪ .‬األحكام الفقهية وتبريرات الكتّاب املسلمني‬
‫املعاصرين‪ .‬بيروت‪ :‬دار الساقي‪.‬‬
‫غامن‪ ،‬هنيدة‪ .)2005( .‬مواقف من قضايا وحقوق املرأة الفلسطينية في إسرائيل‪ .‬الناصرة‪ :‬جمعية نساء ضدّ‬
‫العنف‪.‬‬
‫غامن‪ ،‬أسعد; مصطفى‪ ،‬مهند‪ .)2009( .‬الفلسطينيون في إسرائيل‪ :‬سياسات األقلية األصلية في الدولة‬
‫اإلثنية‪ .‬رام الله‪ :‬املركز الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية‪.‬‬
‫غصوب‪ ،‬مي‪ .)2002( .‬علكة ونساء شبقات وأعداء أجانب‪ .‬داخل‪ :‬غصوب مي وسنكلير‪ -‬ويب‪،‬‬
‫اميا‪(.‬محررات)‪.‬الرجولة املتخيلة‪ :‬الهُوية الذكرية والثقافة في الشرق األوسط احلديث ‪ .251-241‬بيروت‪:‬‬
‫دار الساقي‪.‬‬
‫ستوواسر‪ ،‬بربارا‪ .(2003) .‬قضايا اجلنوسة والتفسير املعاصر للقرآن‪ .‬داخل حداد‪ ،‬أ‪ .‬ي‪ ،.‬واسبوزيتو‪ ،‬جون‪ ،‬ل‪.‬‬
‫(محررات)‪ .‬اإلسالم‪ ،‬اجلنوسة‪ ،‬والتغير االجتماعي‪ .112-92 .‬عمان‪ :‬األهلية للنشر والتوزيع‪.‬‬
‫سعيد‪ ،‬إدوارد‪ .)1995( .‬االستشراق‪ :‬املعرفة‪ ،‬السلطة‪ ،‬اإلنشاء‪ .‬بيروت‪ :‬مؤسسة األبحاث العربية‪.‬‬
‫شرابي‪ ،‬هشام‪ .)2000( .‬النظام األبوي وإشكالية تخلف املجتمعات العربية‪ .‬السويد‪ :‬دار نلسن‪.‬‬
‫وهبة‪ ،‬توفيق‪ .)1978( .‬دور املرأة في املجتمع اإلسالمي‪ .‬بيروت‪ :‬دار اللواء للنشر والتوزيع‪.‬‬
‫ويب‪ ،‬اميا سنكلير‪ .(2002) .‬مقدمة داخل‪ :‬غصوب مي وسنكلير‪ -‬ويب‪ ،‬اميا‪( .‬محررات)‪ .‬الرجولة املتخيلة‪ :‬الهُ وية‬
‫‪287‬‬
‫الذكرية والثقافة في الشرق األوسط احلديث ‪ .24-13‬بيروت‪ :‬دار الساقي‪.‬‬
‫روحانا‪ ،‬ندمي; الصالح‪ ،‬نبيل; سلطاني‪ ،‬منر‪ .)2004( .‬تصويت بدون صوت‪ :‬األقلية الفلسطينية في االنتخابات‬
‫اإلسرائيلية‪ :‬حيفا‪ :‬مدى‪ -‬املركز العربي للدراسات االجتماعية التطبيقية‪.‬‬
‫مركز املرأة العربية للتدريب والبحوث‪ -‬كوثر‪ .)2007(.‬الفتاة العربية املراهقة‪ :‬الواقع واآلفاق‪ .‬تونس‪ :‬مجد‪-‬‬
‫املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪.‬‬
‫املراجع بالعبرية‪:‬‬
‫אבו בקר‪ ,‬חאולה‪ .)1998( .‬בדרך לא סלולה‪ :‬נשים ערביות במנהיגות פוליטית בישראל‪.‬‬
‫ירושליים‪ :‬מכון וון ליר‪ -‬המרכז לחקר החברה הערבית בישראל‪.‬‬
‫אלחאג'‪ ,‬מאגד‪ .)1997( .‬זהות ואוריינטציה בקרב הערבים בישראל‪ :‬מצב של פריפריה‬
‫כפולה‪ .‬מדינה‪ ,‬ממשל ויחסים בינלאומיים ‪ .122-104‬ירושליים‪ :‬האוניברסיטה‬
‫העברית‪.‬‬
‫אלחאג'‪ ,‬מאג'ד‪ .)1983( .‬סגנונות חיים משפחתיים בקרב קבוצות וסקטורים בעיר‬
‫ערבית בישראל‪ .‬ירושלים‪ :‬האוניברסיטה העברית‪.‬‬
‫אלחאג'‪ ,‬מאגד‪ .)2007( .‬מגמות בהצבעת הערבים בישראל לכנסת‪ .‬בתוך‪ :‬רכס‪ ,‬א‬
‫(עורך)‪ .‬המיעוט הערבי בישראל והבחירות לכנסת ה ‪ .21-17 17‬תל אביב‪:‬‬
‫אוניברסיטת תל‪-‬אביב‪ -‬מרכז משה דיין ללימודי המזרח התיכון ואפריקה וקרן‬
‫קונדר אדנאור‪ -‬תוכנית קונדר אדנאואר לשיתוף פעולה יהודי‪-‬ערבי‪.‬‬
‫אבו כף‪ ,‬סארה‪ .)2004( .‬פוליגמיה והסתגלות‪ :‬ייצוגי הורים אצל ילדים ערבים‪ -‬בדואים‪.‬‬
‫אוניברסיטת בן גריון‪ :‬עבודת גמר המוגשת כחלק מהדרישות לקבלת תואר‬
‫«מוסמך למדעי הרוח והחברה»‪.‬‬
‫אל קרינאוי‪ ,‬עליאן; סלונים‪-‬נבו‪ ,‬ורד‪ .)2005( .‬נישואים פוליגמיים ומנוגמיים‪ :‬השפעתם‬
‫על מצבן הנפשי והחברתי של נשים בדוויות ערביות בתוך‪ :‬לב‪-‬ויזל‪ ,‬רחל גולי‬
‫צוויקל‪ ,‬גולי‪ ,‬וברק נורית‪( ,‬עורכים) «שמרי נפשך»‪ :‬בריאות נפשית בקרב נשים‬
‫בישראל ‪ .162-149‬באר שבע‪ :‬אוניברסיטת בן גוריון בנגב ומאירס‪-‬גוינט ומכון‬
‫ברוקדיל‪.‬‬
‫אבו רביעה‪-‬קוידר‪ ,‬סראב‪ .)2004( .‬נשירת נערות מהחינוך הבדווי בנגב‪ :‬הדרה‪ ,‬אפליה‬
‫ואחרות‪ .‬ירושליים‪ :‬מכון ון ליר בירושלים‪ -‬המרכז לחקר החברה הערבית‬
‫בישראל‪.‬‬
‫צוויקל‪ ,‬גולי‪ .‬וברק‪ ,‬נורית‪ .)2002(.‬בריאות ורווחה של נשים בדואיות בנגב‪ .‬באר שבע‪:‬‬
‫אוניברסיטת בן גוריון בנגב ‪.‬מרכז הנגב לפיתוח אזורי‪.‬‬
‫הרצוג‪ ,‬חנה‪ .)2003( .‬המשפחה הלוחמת‪ -‬השפעת הקונפליקט הערבי‪ -‬הישראלי על‬
‫מעמד הנשים בישראל‪ .‬בתוך‪ :‬אלחאג' מאג'ד ואורי בן‪-‬אליעזר (עורכים)‪,‬‬
‫‪288‬‬
‫בשם הביטחון‪ :‬סוציולוגיה של שלום ומלחמה בעידן משתנה ‪ .419-401‬חיפה‪:‬‬
‫אוניברסיטת חיפה ופרדס הוצאה לאור‪.‬‬
‫חסן‪ ,‬מנאר‪ .)1999( .‬הפוליטיקה של הכבוד‪ :‬הפטיארכיה‪ ,‬המדינה ורצח נשים בשם כבוד‬
‫המשפחה‪ .‬בתוך גיורא רוזן (עורך)‪ .‬מין‪ ,‬מגדר ופוליטקה‪ :‬קו אדום‪ .306-276 .‬תל‬
‫אביב‪ :‬הקיבוץ המאוחד‪.‬‬
‫ע'אנם‪ ,‬הוניידה‪ .)2004( .‬תפקידם ומעמדם של האינטלקטואלים הפלסטינים בישראל‪.‬‬
‫עבודה לשם קבלת תואר דוקטור‪ ,‬החוג לסוציולוגיה ואנתופולגיה‪ .‬ירושלים‪:‬‬
‫האוניברסיטה העברית‪.‬‬
‫עלי‪ ,‬נוהאד‪ .)2007(.‬תפיסת ‹אל‪ -‬מג'תמע אל‪-‬עצאמי' של התנועה האסלמית‪ .‬בתוך‪:‬‬
‫רכס‪ ,‬אלי(עורך)‪ .‬המיעוט הערבי בישראל והבחירות לכנסת ה ‪ .110-100 .17‬תל‬
‫אביב‪ :‬אוניברסיטת תל‪-‬אביב‪ -‬מרכז משה דיין ללימודי המזרח התיכון ואפריקה‬
‫וקרן קונדר אדנאור‪ -‬תוכנית קונדר אדנאואר לשיתוף פעולה יהודי‪-‬ערבי‪.‬‬
‫עלי‪ ,‬נוהאד‪ .‬וגורדוני‪ ,‬גלית‪ .)2009( .‬אידיאולוגיה של חלוקת מטלות וסמכויות במשפחה‬
‫הפלסטינית בישראל‪ :‬אי שוויון מגדרי או מגמת או מגמות של שוויון?‪ .‬בתוך‪:‬‬
‫עזאיזה‪ ,‬פייסל; אבו בקר‪ ,‬חאולה;‪ ,‬הרץ‪-‬לזרוביץ‪ ,‬רחל; וגאנם‪ ,‬אסעד (עורכים)‪,‬‬
‫נשים ערביות בישראל‪ :‬תמונות מצב ומבט לעתיד‪ .45-25 .‬תל אביב‪ :‬רמות‪-‬‬
‫אוניברסיטת תל אביב‪.‬‬
‫כרכבי‪-‬סבאח‪ ,‬מהא‪ .)2009( .‬בסיס ההתארגנות של החמולה ומעמדה של האישה‬
‫הערבייה‪ .‬בתוך‪ :‬עזאיזה‪,‬‬
‫פייסל; אבו בקר‪ ,‬חאולה; הרץ‪-‬לזרוביץ‪ ,‬רחל; וגאנם‪ ,‬אסעד (עורכים)‪ ,‬נשים ערביות‬
‫בישראל‪ :‬תמונות מצב ומבט לעתיד‪ .47-69 .‬תל אביב‪ :‬רמות‪ -‬אוניברסיטת‬
‫תל אביב‪.‬‬
‫ח'טאב‪ ,‬נביל‪“ .)2009( .‬לא קל להיות אישה פלסטינית ערבייה בישראל”‪ -‬קנסות מגדריים‪,‬‬
‫אתניים ודתיים בשוק התעסוקה‪ .‬בתוך‪ :‬עזאיזה‪ ,‬פייסל; אבו בקר‪ ,‬חאולה; הרץ‪-‬‬
‫לזרוביץ‪ ,‬רחל; וגאנם‪ ,‬אסעד (עורכים)‪ ,‬נשים ערביות בישראל‪ :‬תמונות מצב‬
‫ומבט לעתיד‪ .334-319 .‬תל אביב‪ :‬רמות‪ -‬אוניברסיטת תל אביב‪.‬‬
‫יונאי‪ ,‬יובל קראוס‪ ,‬ורד‪ .)2009( .‬תרבות או מבנה הזדמנות‪ :‬למה נשים פלסטיניות‬
‫ממעטות להצטרף לשוק העבודה‪ .‬בתוך‪ :‬עזאיזה‪ ,‬פייסל; אבו בקר‪,‬חאולה;‬
‫הרץ‪-‬לזרוביץ‪,‬רחל; וגאנם‪ ,‬אסעד (עורכים)‪ ,‬נשים ערביות בישראל‪ :‬תמונות‬
‫מצב ומבט לעתיד‪ .253-237 .‬תל אביב‪ :‬רמות‪ -‬אוניברסיטת תל אביב‪.‬‬
‫‪289‬‬
‫نشرات‪ ،‬أوراق وموا ّد من اإلنترنت‪:‬‬
‫بالعربية‪:‬‬
‫أبو ربيعة‪ ،‬راوية‪« .)2008( .‬مقصيات رغ ًما عنهنّ ‪ :‬النساء البدويات وظاهرة تعدّ د الزوجات في النقب»‪ .‬مجلة‬
‫عدالة‪ ،‬العدد ‪ ،55‬كانون الثاني ‪ .2008‬ح ّمل بتاريخ ‪http://www.adalah.org/ 28.7.2012‬‬
‫‪newsletter/ara/dec08/dec08.html?navi=%2Fnewsletter%2Fara%2Fdec08%2‬‬
‫‪Fdec08.html‬‬
‫“اجلزائر تتبنّى تعديالت جذرية في قانون األحوال الشخصية والتيار اإلسالمي يقول إنها مخالفة للشريعة”‪.‬‬
‫(‪ .)20.8.2004‬خبر في صحيفة الشرق األوسط‪ .‬ح ّمل بتاريخ ‪http://www.aawsat. 28.7.2012‬‬
‫‪com/details.asp?section=4&article=251155&issueno=9397‬‬
‫“الفقهاء يختلفون حول قانون مشروع تعدّ د الزوجات”‪ .)17.2.2009(.‬خبر في موقع احلقيقة الدولية‪ :‬نافذة على‬
‫مصر‪ .‬ح ّمل بتاريخ ‪http://www.factjo.com/compDetails.aspx?id=4302 1.2.2012‬‬
‫“الفلسطينيون في إسرائيل‪.‬املسح االقتصادي االجتماعي ‪ .)1.2008(.»2007‬حمل بتاريخ ‪ .28.7.2012‬موقع‬
‫ركاز‪4_ar.pdf_http://www.rikaz.org/ar/publication/SE2/chapter_1 :‬‬
‫«بيان املرأة الفلسطينية في املوازنة احلكومية ب ‪ 8‬آذار»‪ .)8.3.2010( .‬ح ّمل بتاريخ ‪ 28.7.2012‬خبر في موقع‬
‫بانيت‪.‬‬
‫‪2/S-275534,1,2.html/http://www.panet.co.il/online/articles/1‬‬
‫حتاتة‪ ،‬شريف‪« .)16.10.2002( .‬اخلطاب األصولي واملرأة وفكر ما بعد احلداثة»‪ .‬ح ّمل بتاريخ ‪.28.7.2012‬‬
‫احلوار املدني‪http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=3456.‬‬
‫«حركة السوار ترفض تصريحات النائب زكور التي اعتبر فيها املرأة مصن ًعا إستراتيج ًّيا لإلجناب»‪.)1.2006(.‬ح ّمل‬
‫بتاريخ ‪ .28.7.2012‬مقال في موقع أمان‪ -‬املركز العربي للمصادر واملعلومات حول العنف ضدّ املرأة‪.‬‬
‫‪http://www.amanjordan.org/a-news/wmview.php?ArtID=5209‬‬
‫دراغمة‪ ،‬بشار‪”.)3.11.2006(.‬نائب في الكنيست يواجه مشروع ليبرمان بالزواج من بأربعة”‪.‬ح ّمل بتاريخ‬
‫‪ .28.7.2012‬خبر في موقع ايالف‪.‬‬
‫‪http://www.elaph.com/ElaphWeb/Politics/2006/11/188146.htm‬‬
‫دحلة‪ ،‬ختام‪« .(2008).‬مهما تعدّ دت األسباب‪ ...‬ال مبرر للخيانات الزوجية»‪ .‬تقرير داخل مجلة إشراقة‪ :‬مجلة‬
‫أسرية اجتماعية‪ ،‬ثقافية دعوية‪ .‬أم الفحم‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ .‬العدد ‪.2008.79‬‬
‫اخلالدي‪ ،‬سليمان‪« .)19.6.2008( .‬دراسة ميدانية حول ظاهرة العنوسة»‪ .‬مجلة إشراقة‪ :‬مجلة أسرية‬
‫اجتماعية‪ ،‬ثقافية دعوية صادرة عن مؤسسة الرسالة‪ ،‬أم الفحم‪ ،‬العدد ‪.75.2007‬‬
‫شحادة‪ ،‬إمطانس‪« .)2009( .‬مشروع الرصد السياسي»‪ .‬تقرير رقم ‪ .9‬مركز مدى الكرمل‪ :‬املركز العربي للدراسات‬
‫االجتماعية التطبيقية‪ .‬ح ّمل بتاريخ ‪http://mada-research.org/en/files/PMR/ .28.7.2012‬‬
‫‪PMR05/PMP5-ARB/PMP5-ARBl-final.pdf‬‬
‫‪290‬‬
‫طلحة بن جبريل ومحمد بوخزار‪« .)17.8.2003( .‬ندوة «املرأة والسينما» في أصيلة بدأت بالشكوى واالحتجاج‬
‫على «غول الرقابة»‪ .‬حمّل بتاريخ ‪ .28.7.2012‬مقال في صحيفة الشرق األوسط‪http://www.aawsat. .‬‬
‫‪com/details.asp?section=28&article=187672&issueno=9028‬‬
‫مخول‪ ،‬أمير‪ .(2002) .‬قضايا العمل األهلي وفرص كسر جدار العزلة‪ :‬فلسطينيو ‪ 48‬يطرقون أبواب العالم العربي‪.‬‬
‫ورقة عمل قدمت في مؤمتر تعزيز التعاون بني مؤسسات املجتمع املدني العربي‪ .‬القاهرة ‪ 31‬أكتوبر – ‪ 2‬نوفمبر‬
‫‪ .2002‬حيفا‪ :‬اجتاه ومركز القاهرة لدراسات حقوق اإلنسان‪.‬‬
‫«مصر‪ :‬مشروع قانون جديد يق ّيد تعدّ د الزوجات يثير جد ًال فقه ًّيا وقانون ًّيا‪.)3.2.2009(.‬ح ّمل بتاريخ‬
‫‪ .28.7.2012‬خبر في صحيفة الشرق األوسط‪http://www.aawsat.com/details.asp?section .‬‬
‫‪=17&article=505505&issueno=11025‬‬
‫“نصر فريد واصل‪ :‬جهات مشبوهة تدعم احلملة ضدّ تعدّ د الزوجات واخلتان”‪.‬مقابلة مع مفتي الديار املصرية‬
‫السابق نصر فريد واصل‪ .)27.4.2009(.‬ح ّمل بتاريخ ‪ .28.7.2012‬موقع اجلماعة اإلسالمية‪http:// .‬‬
‫‪www.egyig.com/muntada/showthread.php?t=1697‬‬
‫موسى‪ ،‬امال‪« .)7.3.2005( .‬اجلزائرية على خطى التونسية‪ :‬مليون توقيع ضدّ تعدّ د الزوجات»‪ .‬مقال في صحيفة‬
‫الشرق األوسط‪ .‬ح ّمل بتاريخ ‪http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&.28.7.2012‬‬
‫‪article=286646&issueno=9596‬‬
‫“ندوة “املرأة والسينما” في أصيلة بدأت بالشكوى واالحتجاج على “غول الرقابة”‪ .)17.8.2003( .‬ح ّمل بتاريخ‬
‫‪ .28.7.2012‬مقال في جريدة الشرق األوسط ‪www.aawsat.com/sections.asp?section=28‬‬
‫واكيم‪ ،‬سليم‪ .(2002) .‬دور القوانني اإلسرائيلية في مصادرة األراضي العربية‪ :‬فلسطينيو ‪ 48‬يطرقون أبواب‬
‫العالم العربي‪ .‬ورقة عمل قدمت في مؤمتر تعزيز التعاون بني مؤسسات املجتمع املدني‪ .‬القاهرة ‪ 31‬أكتوبر ‪2 -‬‬
‫نوفمبر‪ .2002 .‬اجتاه ومركز القاهرة لدراسات حقوق اإلنسان‪.‬‬
‫بالعبرية‪:‬‬
‫חמוד‪ ,‬סנא‪ .)2001( .‬מעמדה של האישה הערבייה בישראל בשוק העבודה‪ :‬מכשולים‬
‫והצעות לפתרון‪ .‬נייר עמדה‪ .‬חיפה‪ :‬מרכז מוסאוא‪.‬‬
‫לוטן‪ ,‬אורלי‪ .)2006( .‬פוליגמיה בקרב האוכלסיה הבדואית בישראל‪ .‬מסמך מוגש לוועדה‬
‫לקידום מעמד האישה‪ .‬ירושליים‪ :‬הכנסת‪-‬מרכז המחקר והמדע‪.‬‬
‫מדינת ישראל‪ .)2008( .‬השנתון הסטטיסטי לישראל‪ .‬ירושלים‪ :‬הלשכה המרכזית‬
‫לסטטיסטיקה‪ ,‬מספר ‪.59‬‬
‫עמותת נשים נגד אלימות‪ .)2009(.‬המאבק באלימות נגד נשים ערביות‪ .‬נצרת‪ :‬נייר‬
‫עמדה מוגש לוועדה לקידום מעמד האישה‪ ,‬ועדת העבודה‪ ,‬הרווחה והבריאות בציון היום‬
‫הבין לאומי לזכיות האדם‪.‬‬
‫פאריס‪ ,‬אמין‪ .)2001( .‬אבטלה ואבטלת נשים במגזר הערבי ודרכים לטיפול בה‪ .‬נייר‬
‫עמדה‪ .‬חיפה‪ :‬מרכז מוסאוא‪.‬‬
‫‪291‬‬
:‫باإلجنليزية‬
Bergstrom, P. (25.8.1994). On the economics of polygamy. Escholashipe. University of
California. Retrieved 28.7.2012. http://escholarship.org/uc/item/6kr536bv
Hajjar, L. (1998). Between a rock and a hard place: Arab women, Liberal Feminism and the
Israeli State. Middle East Report 207. Retrieved 28.7.2012. http:// www. Merip. Org/mer/
mer207//lisa207.htm.
Higher Committee on Human Rights and Fundamental Freedoms. Human Rights in Tunisia
(1998). Option and Accomplishment. Retrieved 28.7.2012.www.tunisienfo.com/documents/
options/chapter3.html.Tunisia
Mihalache, Irina D. (2004). The Eljerian Family Code: Muslim or Modern? .Retrieved
28.7.2012. http://www.uofaweb.ualberta.ca/ois/pdfs/Mihalache_Final-1.pdf
Tunisia Gender Profile. AON: African Online News,Afrol News.(6.2004). Retrieved
28.7.2012.
www.afrol.com/features/13250“Uganda ‘polygamy’ bill protest”.(29.5.2005). Retrieved
28.7.2012. http:// news.bbc.co.uk/2/world/hi/Africa/4391067.stm
292
293
‫فهرست‪:‬‬
‫متهيد‬
‫‪6‬‬
‫الفصل األول‪ :‬اخللفية النظرية‬
‫تعدد الزوجات – نظرة عامة‬
‫‪15‬‬
‫‪15‬‬
‫النساء واإلسالم وتعدد الزوجات‬
‫اجلذور التاريخية لتعدد الزوجات في اجلزيرة العربية‬
‫‪18‬‬
‫‪18‬‬
‫مأسسة الزواج في اإلسالم‬
‫‪22‬‬
‫بداية اجلدل حول تعد الزوجات والدعوة إلى التغيير‬
‫‪27‬‬
‫النساء العربيات بعد التحرر الوطني ما بني املشروع القومي واملشروع اإلسالمي‬
‫‪34‬‬
‫دساتير الدول العربي وقانون العائلة‪ :‬مساران متناقضان في قضايا املرأة وحتررها‬
‫‪37‬‬
‫تعدد الزوجات في الدستور التونسي‬
‫‪40‬‬
‫إصالحات جديدة على قانون العائلة في املغرب واجلزائر ومصر‬
‫‪45‬‬
‫تعدد الزوجات في الفترة احلالية‪ :‬دالة في خط تصاعدي‬
‫‪51‬‬
‫الطروحات املؤيدة لتعدد الزوجات‪ :‬توجهات دينية وحتليالت مناهضة لها‬
‫‪58‬‬
‫تعدد الزوجات من وجهة نظر انثروبولوجية‪ :‬هيمنة لوجهات نظر الرجال‬
‫‪64‬‬
‫تعدد الزوجات وتأثيراته على الصحة اجلسدية والنفسية للزوجات‬
‫‪73‬‬
‫تعدد الزوجات وتأثيره على األوالد‬
‫‪80‬‬
‫‪294‬‬
‫النساء الفلسطينيات في إسرائيل‬
‫التحوالت السياسية وأثرها على حياة الفلسطينيني في إسرائيل‬
‫‪83‬‬
‫النساء الفلسطينيات ما بني قمع الدولة املنهجي وقمع املجتمع األبوي‬
‫‪88‬‬
‫العائلة والزواج‬
‫‪95‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬منهجية البحث‬
‫‪101‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬نتائج البحث‬
‫املقابالت املعمقة مع النساء‬
‫احملور األول‪ :‬نشاة النساء‬
‫احملور الثاني ‪:‬أشكال زواج النساء‬
‫احملور الثالث ‪:‬موقف الزوجة األولى من قرار زوجها الزواج من امرأة أخرى‬
‫احملور الرابع ‪:‬الزوجة الثانية ‪ -‬األسباب التي دفعت النساء إلى الزواج من رجل متز ّوج‬
‫احملور اخلامس ‪:‬ر ّد فعل املجتمع على تعدّ د الزوجات‪.‬‬
‫احملور السادس ‪:‬الصعوبات الذاتية واملجتمع ّية في العيش كزوجة في زواج تعدّ دي‬
‫احملور السابع ‪:‬العوائق التي تقف أمام النساء في كسر منظومة تعدّ د الزوجات‬
‫‪107‬‬
‫‪108‬‬
‫‪112‬‬
‫‪116‬‬
‫‪133‬‬
‫‪139‬‬
‫‪147‬‬
‫‪165‬‬
‫املقابالت املعمقة مع الرجال‬
‫احملور األول ‪:‬اخللفية‬
‫احملور الثاني ‪:‬قرار الزواج األ ّول ومفهوم الرجل للحياة الزوجية‬
‫احملور الثالث ‪:‬الزواج الثاني ‪ -‬موقف الرجال من تعدّ د الزواج‬
‫حكري للزوج‬
‫احملور الرابع ‪:‬الزواج قرار‬
‫ّ‬
‫سلبي وبني تشجيع فاعل‬
‫احملور اخلامس ‪:‬ردود فعل املجتمع – تأرجح بني حت ّفظ‬
‫ّ‬
‫احملور السادس ‪:‬احلياة الزوجية من وجهة نظر الرجال املتعدّ دي الزوجات‬
‫‪174‬‬
‫‪175‬‬
‫‪175‬‬
‫‪179‬‬
‫‪200‬‬
‫‪206‬‬
‫‪209‬‬
‫املجموعات البؤرية‬
‫احملور األول ‪:‬موقف املشاركني واملشاركات من قضية تعدّ د الزوجات‬
‫احملور الثاني ‪:‬األسباب التي تدفع الرجال إلى تعدّ د الزوجات‬
‫احملور الثالث ‪:‬الشروط التي يجب تو ّفرها لتعدّ د الزوجات‬
‫احملور الرابع ‪:‬القانون اإلسرائيلي وتأثيره‬
‫‪223‬‬
‫‪223‬‬
‫‪230‬‬
‫‪251‬‬
‫‪258‬‬
‫اخلالصة‬
‫‪263‬‬
‫املراجع‬
‫‪280‬‬
‫‪295‬‬
˙Â˘È‡ ÈÈÈÚ· ÔÂÈÂÂ˘Ï ‰ÏÂÚÙ‰ „ÚÂ
The Working Group For Equality
In Personal Status Issues
Ò ‰«uŠ_« U¹UC w …«ËULK qLF« WM'
WOÒ BA«
Ò ‰«uŠ_« U¹UC w …«ËULK qLF« WM' XKJÓÒ Að
WKUF« UOÓÒ FL'« s WŽuL− …—œU³0 1995 ÂUŽ WOÒ BA«
ÍË– s ¨5OŽUL²ł« ‰ULÒ ŽË UOÒ ŽUL²ł« öUŽ¨ 5U×Ë UOUר ÊU½ù« ‚uIŠË …√d*« ‚uIŠ ‰U− w
WOÒ HKš vKŽ …—œU³*« Ác¼ QA½ ÆWOBA« ‰«uŠô« U¹UCIÐ oKF²¹ U w UÎ uBš ¨…√d*« W½UJ0 ÷uNMUÐ ÂUL²¼ô«
Ò ‰«uŠ_« U¹UCIÐ oKÓÒ F²¹ ULO UÎ uBš ¨ UOÒ ÐdF« ¡UÒM« UNNł«uð w²« WLÒ '« U¹ Òbײ«
¨‚öD« ¨Ã«ËeU ¨WOÒ BA«
ÆU¼dOžË W½UC(« ¨WIHM«
s ÆWOBA« ‰«uŠô« U¹UC qL− w UNuIŠ ’UI²½«Ë …√d*« o×Ð q
U(« eOOLÒ²« WЗU× v≈ WM−K« ·bNð
œ ÒbFðË ‰UHÞ_« Z¹Ëeð ∫q¦ WO³KÝ WOŽUL²ł« d¼«uþ U³³ sŽ nAJ«Ë ¡uC« jOKð vKŽ WM−K« qLFð ¨UM¼
Ò ÍdI«
ÆUNOKŽ ¡UCI«Ë UNBOKIð vKŽ qLF«Ë wHFÒ
²« ‚öD«Ë
ëËÒe«Ë UłËe«
Ò
Ò
œU−¹« …—ËdCÐ wŽu« oK) ¨WHK² U¹u² vKŽ œU'« qLFK WÝU
Ò WłUŠ œułuÐ UN½U1≈ s WM−K« oKDMð
ÆlL²−*«Ë WKzUF« w UOÒ ÐdF« ¡UM« ‚uIŠ sLC¹ U0 U¹bײ«Ë qUA*« Ác¼ W'UF* ‰uKŠ
∫WOÝUÝô« WM−K« qLŽ UO¬
Ò ‰«uŠ_« U¹UCIÐ WIKÒ  F²*« 5½«uI« w ö¹bFð ¡«dłù wF«
sLC¹ Ë qHJ¹ U0 WHK²*« nz«uDK WOÒ BA«
Ò •
Æ…√d*« ‚uIŠ
ÆWÎ Uš ¡UM«Ë WÎ UŽ wÐdF« lL²−*« ◊UÝË« w WOBA« ‰«uŠô« U¹UC w ‚uI(UÐ wŽu« l— vKŽ qLF« •
ÆUNðUbš d¹uDðË WOM¹b« rU;« ¡«œ√ 5% vKŽ qLF« •
wIÒ KðË ¨‰U−*« «c¼ w 5KŽUË 5B²
”U½√ s …—œU³*«Ë rŽbÓÒ « b¹b& ‰öš s UN«b¼« oOI% WM−KÓÒ « ‰ËU%
Ò
Æ UOÐdF« ¡UM« —uNLł s rŽb«
∫WOU²« UOFL−K ·ö²z≈ w¼ WM−KÒ «
œ ÒbF² ÍuÐdðË wzU½ ed≠WuHD« ed¢ ¨¢qOz«dÝ≈ w sÞ«u*« ‚uIŠ WOFLł¢ ¨¢nMF« b{ ¡U½ WOFLł¢
«¡«b²Žô« U¹U×{ rŽb WOÐdF« W¹uM« Wd(«≠—«u«¢ ¨¢Íu½ rOEMð –ÊUO¢ ¨¢…d
UM« w ·«b¼_«
v≈ WU{ùUÐ «c¼ ¨¢…√d*« W½UJ0 ÷uNMK ¡«d¼e« WOFLł¢ ¨¢VIMUÐ WOzUM« UOFL'« œU%«≠UÎ F¢ ¨¢WOM'«
Æ «Ø5ŽuD² «Øs¹d{U×Ë 5OŽUL²ł« ‰ULŽË UOŽUL²ł« öUŽË 5U×Ë UOU×
16000 œuJO 313 ƻƒ …d
UM« ∫WM−K« Ê«uMŽ
04≠6553781 ∫fU 04≠6462138 ∫nðU¼